لا يخفى على كل مسلم أهمية الذكر , و فوائده الجليلة في الدنيا و الآخرة , فهو من أعظم الطاعات لله تعالى , و أزكى الأعمال وخيرها وأفضلها إلى الله تعالى ، و قد أثنى الله في كتابه الكريم على الذاكرين و الذاكرات ثناء عظيما فقال تعالى : ( ... وَالذَاكِرِينَ اللهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً ) 35 , الأحزاب , و يقول تعالى : (الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ.. ) 191 , آل عمران , وروى مسلم ، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنّه قال: ( سبق المُفرِّدون، قالوا: وما المُفرِّدون يا رسول الله؟ قال: ( الذّاكرون الله كثيراً والذّاكرات ( , و من رحمة الله بعباده أن فتح لهم أبواب الخير و الطاعات , و يسرها لهم , كي ينالوا الأجر و الدرجات , و تحط أعمال الخير من الذنوب . و للذكر فوائد و ثمرات كثيرة منها : أنّه يطردُ الشيطان يقول تعالى: ( إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ ( 201 , الأعراف , و يجلب لقلب الذّاكر الطمأنينة و السكون , فيزول القلق و التوتر و الاكتئاب , فترتاح النفوس عندما تطمئن القلوب ، قال تعالى ( الذين آمنوا وتطمئنُّ قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب ) و ذكر المسلم لله تعالى يورث ذكر الله لعبده المسلم , قال تعالى : ( فاذكروني أذكركم و اشكروا لي و لا تكفرون ) 152 , البقرة ، و يورث محبة الله , و هو سبب في حياة القلب , و سعة الرزق , و محو الخطايا و السيئات عندما تشتغل الجوارح بالطاعات من أعمال الخير , و تبتعد عن الشر كالغيبة و النميمة و البهتان و غيرها , و سبب لنزول السكينة وغشيان الرحمة وحفوف الملائكة للذاكرين كما ورد في الحديث الشريف , قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( ... وَمَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِي بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللَّهِ ، يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَيَتَدَارَسُونَهُ بَيْنَهُمْ ، إِلَّا نَزَلَتْ عَلَيْهِمْ السَّكِينَةُ وَغَشِيَتْهُمْ الرَّحْمَةُ وَحَفَّتْهُمْ الْمَلَائِكَةُ وَذَكَرَهُمْ اللَّهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ ) رواه مسلم . فيا أخي المسلم تزود من الحياة الدنيا من أعمال الخير والطاعات ليوم المعاد , و استعد ليوم الرحيل , فالعمر محدود , و الأجل محتوم .
عبد العزيز السلامة / أوثال
إن بلادنا المباركة تشهد ـ و لله الحمد و المنة ـ تطورا في كثير من الميادين , و لكن من المؤسف حقا أن نرى مع هذا التطور الحضاري فئة من الشباب غير الواعي في هذه الحياة إما جهلا بعواقب الأمور , أو تعثرا في التربية في حياتهم , و يغلب على الكثير منهم الأنانية , و حب الذات في كثير من شؤون الحياة , و قد يجلبون لأنفسهم و أسرهم و مجتمعاتهم المآسي عن طريق السلوكيات الخاطئة . فما ذا نقول عن هؤلاء الشباب الذين يكلفون أنفسهم أو آباءهم بالديون الطائلة ما بين التقسيط و التسديد , و ذلك بشراء سيارة و غيرها من مجالات الحياة , فإن استخدمها الشاب الاستخدام الأمثل و السليم , فنعم الشباب , و نفعته , و نفعت غيره ! و إن استخدمها غير ذلك, فقد تجلب له و لغيره المتاعب. فانظر ـ أخي ـ حال الشباب اليوم في شراء السيارات و التي كلفتهم و والديهم الديون الكثيرة , أملا من هذا الوالد في ابنه الشاب أن ينفع نفسه حيث يستخدمها في الذهاب إلى مدرسته أو عمله , أو تلبية احتياجات الأسرة و البيت , و لكن ظهرت من بعض الشباب سلوكيات خاطئة تودي إلى المهالك , و لا تدل على الوعي الحضاري , إذ نرى فئة من الشباب لا تتقيد بأنظمة المرور , فترى السرعة عند البعض , و قطع الإشارات عند البعض الآخر , و إنك لتعجب كثيرا كيف يحمل هذا الشباب مصرعه بين يديه , و يؤذي الآخرين , و لا يدرك عواقب الأمور , و يترك وراءه الأحزان , و الدموع الحرى لذويه , و إن الله ـ جل جلاله ـ نهانا عما يؤذي الإنسان , و يؤذي الآخرين , قال تعالى : ( و لا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما ) 29, النساء
عبدا لعزيز السلامة / أوثال
إن زيارة القبور كانت مباحة في بداية الإسلام , حتى نهاهم الرسول صلى الله عليه و سلم عن زيارة القبور و المقابر , و ذلك خوفا على أصحابه , فبعض الصحابة ( رضوان الله عليهم ) حديثو عهد بالإسلام , و قد تتعلق قلوبهم بأهل القبور , و تؤثر على دينهم , لا سيما أن الصحابة ( رضوان الله عليهم ) عاشوا العصر الجاهلي الذي يتخبط في دياجير الشرك و الطغيان , و الاستغاثة بأهل المقابر في قضاء الحاجات , و لما تأصل التوحيد الخالص لله تعالى , و رسخ في القلوب , و امتلأت النفوس إيمانا و نورا جاء نسخ النهي عن زيارة القبور إلى الترغيب و الحث على زيارتها ، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم : (إني كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها فإنها تذكركم الموت ) رواه مسلم , وبلفظ آخر تذكر الآخرة . على أن تكون زيارتها زيارة مشروعة يرضاها الله ربنا , فالزائر أحوج إلى الزيارة من المزور , إذ فيها أجر للزائر , و تذكره باليوم الآخر و يوم الحساب , فيلين قلبه , و تهتز مشاعره , و يأخذ العبرة , و كيف لا يعتبر المسلم من منازل يحسبها خاوية , و هي عامرة بأهلها , أهل قرب لا يزورون و لا يتزاورون , قد ماتوا , و انقطع عمل كل إنسان إلا من ثلاثة : صدقة جارية ، أو علم ينتفع به ، أو ولد صالح يدعو له , فيتأثر من حالهم , و يدعو لنفسه و للأموات , فالقبر أول منازل الآخرة , لذلك يجب عند زيارة المقابر الابتعاد عما حرمه الله كالنياحة و الجزع و التسخط ، أو فعل ما يخالف الشرع من قول أو عمل , و عليه أن يعمل بما ورد في السنة المطهرة , كالسلام على أهل المقابر , و الدعاء لهم , قال صلى الله عليه وسلم : ( من أحدث في أمرنا هـذا مـا لـيـس مـنه فهـو رد ). رواه الـبـخـاري، ومسلم , وفي رواية لمسلم : ( مـن عـمـل عـمـلا لـيـس عـلـيه أمـرنا فهـو رد ). و الموت و المقابر و أهلها رحلة فراق، وغربة ليست كغربة الأبدان عن الأهل و الأوطان , و لكنها غربة الجسوم في غياهب اللحود , و الشاعر يقول :
ليس الغريب غريب الشام واليمن إن الغريب غريب اللحد والكفن
إن الغــريب له حــقٌ لغربتـــــــه على المقيمين في الأوطان والسكن
لا تنهــرن غريبـاً حـال غربتـــه الدهر ينهــره بالذل والمحـــن
سفـري بعيــدٌ وزادي لن يبلغنــي وقوتي ضعفت والموت يطلبني
تمــر ساعــات أيــامـي بلا نـــدم ولا بكــاء ولا خـوف ولا حــزن
إنها ..الكنوز الباقيــة!!
إن الله تعالى فطر الإنسان على حب الدنيا و متاعها الزائل , و حب المال و البحث عن الأسباب و الوسائل التي تكسبه الأموال و المكاسب في الدنيا , قال صلى الله عليه و سلم : ( لَوْ كَانَ لاِبْنِ آدَمَ وَادِيَانِ مِنْ مَالٍ لاَبْتَغَى ثَالِثًا ، وَلاَ يَمْلأُ جَوْفَ ابْنِ آدَمَ إِلاَّ التُّرَابُ وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَنْ تَابَ ) رواه البخاري , و قال صلى الله عليه و سلم : ( لو أن لابن آدم ملء واد مالا لأحب أن يكون إليه مثله ولا يملأ نفس ابن آدم إلا التراب والله يتوب على من تاب ) رواه مسلم . و إن كانت هذه كنوزا إلا أنها قد تجلب لأهلها المتاعب و الحسرات , و قد تزول , أو يزول أصحابها , إلا أن هناك كنوزا أغلى من كنوز الدنيا , و تحقق للمسلم سعادة الدارين , و هذه فيض من غيض : قال صلى الله عليه وسلم : ( من قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير , مائة مرة في يوم كانت له عدل عشر رقاب وكتبت له مائة حسنة ومحيت عنه مائة سيئة وكانت له حرزا من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي ولم يأت أحد بأفضل مما جاء به إلا أحد عمل أكثر من ذلك ) متفق عليه , و قال صلى الله عليه وسلم : ( سيد الاستغفار أن يقول العبد : اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت خلقتني وأنا عبدك وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت أعوذ بك من شر ما صنعت أبوء لك بنعمتك علي وأبوء بذنبي فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت ) رواه البخاري , و قال صلى الله عليه وسلم : ( كلمتان خفيفتان على اللسان ثقيلتان في الميزان حبيبتان إلى الرحمن : سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم ) رواه مسلم , و قال صلى الله عليه و سلم : ( من قال سبحان الله وبحمده في يوم مائة مرة حطت خطاياه.وان كانت مثل زبد البحر ) متفق عليه, و قال صلى الله عليه وسلم : ( لأن أقول : سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر أحب إلي مما طلعت عنه الشمس ) رواه مسلم . , و قال صلى الله عليه وسلم.( ألا أخبركم بأحب الكلام إلى الله؟ إن أحب الكلام إلى الله:سبحان الله وبحمده ) رواه مسلم, و قال صلى الله عليه و سلم: ( اقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد فأكثروا الدعاء )رواه مسلم. و قال صلى الله عليه وسلم : ( يا أبا موسى ألا أدلك على كنز من كنوز الجنة ؟ قال : قلت بلى . قال: لا حول ولا قوة إلا بالله ) رواه مسلم , و قال صلى الله عليه و سلم : ( من سره أن يبسط له في رزقه وأن ينسأ له في أثره فليصل رحمه ) متفق عليه . , و قال صلى الله عليه و سلم: ( أيعجز أحدكم أن يقرأ ثلث القرآن في ليله ؟ ) قالوا: وكيف يقرأ ثلث القرآن في ليلة. قال): قل هو الله أحد تعدل ثلث القرآن ) رواه مسلم , و قال صلى الله عليه وسلم : ( من غدا إلى المسجد أو راح أعد الله له في الجنة نزلا كلما غدا أو راح )متفق عليه , و قال صلى الله عليه وسلم : ( من صلى العشاء في جماعة فكأنما قام نصف الليل ومن صلى الصبح في جماعة فكأنما صلى الليل كله ).رواه مسلم, و قال صلى الله عليه وسلم : ( ما من عبد مسلم يصلي لله تعالى كل يوم اثنتي عشر ركعة تطوعًا غير الفريضة , إلا بنى الله له بيتا في الجنة ) رواه مسلم , و قال صلى الله عليه وسلم : ( من صلى البردين دخل الجنة ) متفق عليه أي ( الفجر والعصر) وقال صلى الله عليه وسلم.( من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشرا )رواه مسلم. فلا تبخل ـ أخي المسلم ـ على نفسك, و اغتنم الخيرات و الكنوز الحسان.
عبد العزيز السلامة / أوثال