ربنا وأدخل المؤمنين جنات عدن التي وعدتهم, ومَن صلح بالإيمان والعمل الصالح من آبائهم وأزواجهم وأولادهم. إنك أنت العزيز القاهر لكل شيء, الحكيم في تدبيره وصنعه.
واصرف عنهم سوء عاقبة سيئاتهم, فلا تؤاخذهم بها, ومن تصْرِف عنه السيئات يوم الحساب فقد رحمته, وأنعمت عليه بالنجاة من عذابك, وذلك هو الظَّفَر العظيم الذي لا فوز مثله.
إن الذين جحدوا أن الله هو الإله الحق وصرفوا العبادة لغيره عندما يعاينون أهوال النار بأنفسهم, يَمْقُتون أنفسهم أشد المقت, وعند ذلك يناديهم خزنة جهنم: لَمقت الله لكم في الدنيا- حين طلب منكم الإيمان به واتباع رسله, فأبيتم- أكبر من بغضكم لأنفسكم الآن, بعد أن أدركتم أنكم تستحقون سخط الله وعذابه.
قال الكافرون: ربنا أمتَّنا مرتين: حين كنا في بطون أمهاتنا نُطَفًا قبل نفخ الروح, وحين انقضى أجلُنا في الحياة الدنيا, وأحييتنا مرتين: في دار الدنيا, يوم وُلِدْنا, ويوم بُعِثنا من قبورنا, فنحن الآن نُقِرُّ بأخطائنا السابقة، فهل لنا من طريق نخرج به من النار, وتعيدنا به إلى الدنيا؛ لنعمل بطاعتك؟ ولكن هيهات أن ينفعهم هذا الاعتراف.
ذلكم العذاب الذي لكم- أيها الكافرون- بسبب أنكم كنتم إذا دُعيتم لتوحيد الله وإخلاص العمل له كفرتم به, وإن يُجْعل لله شريك تُصَدِّقوا به وتتبعوه. فالله سبحانه وتعالى هو الحاكم في خلقه, العادل الذي لا يجور, يهدي من يشاء ويضل من يشاء، ويرحم مَن يشاء ويعذب مَن يشاء, لا إله إلا هو الذي له علو الذات والقَدْر والقهر, وله الكبرياء والعظمة.
هو الذي يُظْهِر لكم- أيها الناس- قدرته بما تشاهدونه من الآيات العظيمة الدالة على كمال خالقها ومبدعها, ويُنَزِّل لكم من السماء مطرًا تُرزَقون به, وما يتذكر بهذه الآيات إلا مَن يرجع إلى طاعة الله, ويخلص له العبادة.
إن الله هو العليُّ الأعلى الذي ارتفعت درجاته ارتفاعًا باين به مخلوقاته, وارتفع به قَدْره, وهو صاحب العرش العظيم, ومن رحمته بعباده أن يرسل إليهم رسلا يلقي إليهم الوحي الذي يحيون به, فيكونون على بصيرة من أمرهم؛ لتخوِّف الرسل عباد الله, وتنذرهم يوم القيامة الذي يلتقي فيه الأولون والآخرون.
وم القيامة تظهر الخلائق أمام ربهم, لا يخفى على الله منهم ولا مِن أعمالهم التي عملوها في الدنيا شيء, يقول الله سبحانه: لمن الملك والتصرف في هذا اليوم؟ فيجيب نفسه: لله المتفرد بأسمائه وصفاته وأفعاله, القهَّار الذي قهر جميع الخلائق بقدرته وعزته.
اليوم تثاب كل نفس بما كسبت في الدنيا من خير وشر, لا ظلم لأحد اليوم بزيادة في سيئاته أو نقص من حسناته. إن الله سبحانه وتعالى سريع الحساب, فلا تستبطئوا ذلك اليوم؛ فإنه قريب.
وحذِّر -أيها الرسول- الناس من يوم القيامة القريب, وإن استبعدوه, إذ قلوب العباد مِن مخافة عقاب الله قد ارتفعت من صدورهم, فتعلقت بحلوقهم, وهم ممتلئون غمًّا وحزنًا. ما للظالمين من قريب ولا صاحب, ولا شفيع يشفع لهم عند ربهم, فيستجاب له.
والله سبحانه يقضي بين الناس بالعدل فيما يستحقونه, والذين يُعبدون من دون الله من الآلهة لا يقضون بشيء؛ لعجزهم عن ذلك. إن الله هو السميع لما تنطق به ألسنتكم, البصير بأفعالكم وأعمالكم، وسيجازيكم عليها.
أولم يَسِرْ هؤلاء المكذبون برسالتك -أيها الرسول- في الأرض، فينظروا كيف كان خاتمة الأمم السابقة قبلهم؟ كانوا أشد منهم بطشًا, وأبقى في الأرض آثارًا, فلم تنفعهم شدة قواهم وعِظَم أجسامهم, فأخذهم الله بعقوبته؛ بسبب كفرهم واكتسابهم الآثام, وما كان لهم من عذاب الله من واق يقيهم منه, فيدفعه عنهم.
ذلك العذاب الذي حلَّ بالمكذبين السابقين, كان بسبب موقفهم من رسل الله الذين جاؤوا بالدلائل القاطعة على صدق دعواهم, فكفروا بهم, وكذَّبوهم, فأخذهم الله بعقابه, إنه سبحانه قوي لا يغلبه أحد, شديد العقاب لمن كفر به وعصاه.