ومن آياته الدالة على قدرته الباهرة وسلطانه القاهر السفن العظيمة كالجبال تجري في البحر. إن يشأ الله الذي أجرى هذه السفن في البحر يُسكن الريح, فتَبْقَ السفن سواكن على ظهر البحر لا تجري، إن في جَرْي هذه السفن ووقوفها في البحر بقدرة الله لَعظات وحججًا بيِّنة على قدرة الله لكل صبار على طاعة الله, شكور لنعمه وأفضاله.
فما أوتيتم- أيها الناس- من شيء من المال أو البنين وغير ذلك فهو متاع لكم في الحياة الدنيا, سُرعان ما يزول، وما عند الله تعالى من نعيم الجنة المقيم خير وأبقى للذين آمنوا بالله ورسله, وعلى ربهم يتوكلون.
والذين يجتنبون كبائر ما نهى الله عنه، وما فَحُش وقَبُح من أنواع المعاصي، وإذا ما غضبوا على مَن أساء إليهم هم يغفرون الإساءة، ويصفحون عن عقوبة المسيء؛ طلبًا لثواب الله تعالى وعفوه، وهذا من محاسن الأخلاق.
والذين استجابوا لربهم حين دعاهم إلى توحيده وطاعته, وأقاموا الصلاة المفروضة بحدودها في أوقاتها, وإذا أرادوا أمرًا تشاوروا فيه، ومما أعطيناهم من الأموال يتصدقون في سبيل الله, ويؤدون ما فرض الله عليهم من الحقوق لأهلها من زكاة ونفقة وغير ذلك من وجوه الإنفاق.
وجزاء سيئة المسيء عقوبته بسيئة مثلها من غير زيادة, فمن عفا عن المسيء, وترك عقابه, وأصلح الودَّ بينه وبين المعفو عنه ابتغاء وجه الله، فأَجْرُ عفوه ذلك على الله. إن الله لا يحب الظالمين الذين يبدؤون بالعدوان على الناس، ويسيئون إليهم.
إنما المؤاخذة على الذين يتعدَّون على الناس ظلمًا وعدوانًا, ويتجاوزون الحدَّ الذي أباحه لهم ربهم إلى ما لم يأذن لهم فيه، فيفسدون في الأرض بغير الحق, أولئك لهم يوم القيامة عذاب مؤلم موجع.
ولمن صبر على الأذى، وقابل الإساءة بالعفو والصفح والسَّتر, إن ذلك من عزائم الأمور المشكورة والأفعال الحميدة التي أمر الله بها، ورتَّب لها ثوابًا جريلا وثناءً حميدًا.
ومن يضلله الله عن الرشاد بسبب ظلمه فليس له من ناصر يهديه سبيل الرشاد. وترى -أيها الرسول- الكافرين بالله يوم القيامة - حين رأوا العذاب- يقولون لربهم: هل لنا من سبيل إلى الرجوع إلى الدنيا؛ لنعمل بطاعتك؟ فلا يجابون إلى ذلك.
وترى -أيها الرسول- هؤلاء الظالمين يُعْرَضون على النار خاضعين متذللين ينظرون إلى النار مِن طرْف ذليل ضعيف من الخوف والهوان. وقال الذين آمنوا بالله ورسوله في الجنة, لما عاينوا ما حلَّ بالكفار من خسران: إن الخاسرين حقًا هم الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة بدخول النار. ألا إن الظالمين- يوم القيامة- في عذاب دائم, لا ينقطع عنهم, ولا يزول.
وما كان لهؤلاء الكافرين حين يعذبهم الله يوم القيامة من أعوان ونصراء ينصرونهم من عذاب الله. ومن يضلله الله بسبب كفره وظلمه, فما له من طريق يصل به إلى الحق في الدنيا، وإلى الجنة في الآخرة؛ لأنه قد سدَّت عليه طرق النجاة, فالهداية والإضلال بيده سبحانه وتعالى دون سواه.
استجيبوا لربكم- أيها الكافرون- بالإيمان والطاعة من قبل أن يأتي يوم القيامة, الذي لا يمكن رده, ما لكم من ملجأ يومئذ ينجيكم من العذاب، ولا مكان يستركم، وتتنكرون فيه. وفي الآية دليل على ذم التسويف، وفيها الأمر بالمبادرة إلى كل عمل صالح يعرض للعبد, فإن للتأخير آفات وموانع.