
05/10/2010, 12:36 AM
|
| نبض المجلس العام وعضو سابق باللجنه الإعلامية | | تاريخ التسجيل: 29/08/2001 المكان: بين أوراق مبعثره ..
مشاركات: 2,732
| |
نعم .. افتقدتها
افتقدت ذلك القلب الأبيض النقي .. و اللسان الذاكر الذي لا يفتأ أن يدعو لنا و يسأل الله خير الدنيا و الآخرة ثم يردد " يالله جمع الجنة " ..
جمعنا الله و إياكِ و والدينا في الفردوس الأعلى و حشرنا مع زمرة الأنبياء و الصديقين و الشهداء .
مؤلمٌ هو فراقها .. مُحرق !!
صعبٌ على من كان بقربها و كانت بقربه التأقلم مع الحياة بعدها ، و الحمد لله على كل حال .
عرفتها عن قريبٍ و عن قرب ، فشكرتُ الله أن جمعني بها في دنياه و أسأله أن يجمعني بها في جنته .
أما الحياة معها فكانت .. دروس !
في تعاملها مع أبنائها و أحفادها ، في وصل أقاربها ، في حبها للخير ، في إكرامها للضيف ، في صبرها على ما أصابها .
معها عرفتُ كيف يكون الشخص محبوباً لدى الصغير و الكبير ، حاولتُ مراراً أن أعرف من هو الأقرب لها و لكن فشلت .
تكون في قمة سعادتها حينما يشاركها حفيدها ذو الثلاثة أعوام طعامها و يجلس بجانبها ، و تغضب ممن " يحاول " أن يبعده بغية راحتها .
سبحان من ثبت في القلب محبتها عند كل من عرفها -التقاها أو سمع حديثاً عنها - و الحمد لله فهذه من علامات محبة الله للمرء إن شاء الله .
كانت رحمها الله دبلوماسية في تعاملها إلى حدٍ كبير ، و غالبا ما كانت تنهي أيّ موقف بحيث تكون جميع الأطراف راضية .
في مرضها رحمها الله كانت امرأة صابرة محتسبة ، تردُّ على من سألها عن صحتها - رغم كل ما ألم بها - بقول " الحمد لله ما قد شفنا من ربي شر " .
و في العناية المركزة و قد اشتد عليها المرض كانت تسألني عن دراستي و اختباراتي !! فهل مثل ذلك القلب قلب !!
رحلت رحمها الله و كل من عرفها يحبها ..
رحلت و عزاؤنا أنها ارتاحت مما كان يتعبها ..
رحلت و دعاؤنا هو لقياها ....
رحلت ... و كم اشتقت لها !!!!!!!
لم أسجل دخولاً لأكتب ما يفيها حقها حتى لا يتلبسني التقصير ، فحقها علي كبيرٌ كبير .
و لكن أحببت أن تشاركوني قراءة كلمات كتبها إمام مسجد الحي في حقها ، أنقلها لكم كما كتبها : بسم الله الرحمن الرحيم من بديل أم أحمد ؟!
الحمد لله رب العالمين و صلى الله و سلم على أشرف عباد الله حبيبنا محمد و آله و صحبه و سلم .
فراق الأحبة و خاصة من كان سببا في وجوده ، هو لمن أصعب الأمور و أشد المصائب ، لذا رتب الله جل و علا على من أصيب بفقد حبيبه و صبر و علم علما يقينا أن العباد كلهم مرجعهم إلى الله و قال : إنا لله و إنا إليه راجعون، رتب عليه أن يكون جزاؤه محبة الله له و إحسانه إليه و وعده أن يجعله من المهتدين ، و هي نعمة كبرى إذ أي نعمة أكبر من هداية الله للعبد ( أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده ) .
في المسند عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : ما من مسلم يموت فيشهد له أربعة أهل أبيات من جيرته الأدنين و في رواية : ثلاثة ، أنهم لا يعلمون إلا خيرا إلا قال الله جل و علا : قد قبلت علمكم فيه و غفرت له ما لاتعلمون ، و في رواية قد قبلت شهادة عبادي على ما علموا و غفرت له ما أعلم ) حديث صحيح بشواهده كما قال شعيب الأرنؤوط في تعليقه على المسند .
و مثل هذا الحديث العظيم من أعظم ما يسلي الإنسان عند فقد محبوبه وهو يعلم أن والدته أو أخته أو جدته ... اتصفت بصفات حميدة و أخلاق حسنة و سيرة تفوح منها ريح عطر منبعها أخلاق المصطفى صلى الله عليه وسلم و أخلاق زوجاته و الرعيل الأول رضي الله عنهم أجمعين .
و لا أظن أن أحداً من الجيران لا يذكر أم أحمد بخير فالنبي صلى الله عليه وسلم يقول اربعة أو ثلاثة , و الجيران الأقربين الذين يعرفون نبالة خلق هذه المرأة أضعاف هذا الرقم. فلا تخافوا عليها فهي أقبلت على رب كريم أرحم وألطف وأرأف منكم بها فرحمته وسعت كل شيء ، و نحن شهداء الله في الأرض ، ففي السنن قالوا يا رسول الله وما وجبت ، قال : أثنيتم عليه خيرا فوجبت له الجنة . و أنتم شهداء الله في الأرض .
و هذه إحدى المبشرات المسليات . ثانيها: إنها كانت رحمها الله محبوبة لدى الكبار و الصغار و الرجال و النساء و الشباب و الخدم و السائقين و الجيران و الأقربين و الأبعدين، ( واجعل تحت الخدم و السائقين عدة خطوط ) و هذا إنما يدل على محبة الله لها فلهذا ابتلاها الله سبحانه و تعالى بالمرض ( إن الله إذا أحب عبداً ابتلاه فمن رضي فله الرضا و من سخط فله السخط ) و بسؤالي الدائم المستمر لأستاذنا الكريم ولدها أحمد أنها قليلة الشكوى و تحمد لله سبحانه و تعالى على المرض و البلاء .
و أمر آخر : أنها كانت لهاجة بذكر الله تعالى حتى أثناء السوالف، وكثيرا ما تدعو الله تعالى حسن الخاتمة كما ذكرت لي زوجتي عند زيارتها لها، وهذا - سبحان الله - ذكرني بزوجها أبي عبدالله ، أنه رحمه الله تعالى لم يصل صلاة فرضا كانت أو سنة إلا قال أثناء انصرافه و قيامه منها : ياااااااالله حسن الخاتمة ، وكانت خاتمته خاتمة حسنة يرجوها كل من سمعها رحمه الله رحمة واسعة، و كان لي معه موقف طريف من جهة ودليل على حسن الخاتمة من جهة أخرى والله المستعان .
كان حبيبنا عبدالعزيز بن عبدالرحمن يقول لي لسؤال وجهته له و ذلك إذا رأيت ابو عبدالعزيز الأخ محمد دائماً لا يفارق منزل والدته مع بعد منزله عنها ، يقول : إنه بار بوالدته ، أقول له هل هو فقط، فيقول : لا والله بل كلهم ابتداء من أحمد حتى عبدالمحسن، فياحظكم يأم كانت جامعة لأبنائها و احفادها و إخوانها .
تقول زوجتي أم صالح أنها كانت تتعجب من حلاوة لسانها ، و مافيه من خلطة سرية ، محشوة بذكر الله و الثناء عليه و استغفاره ، قلت : هذا سر محبة الله لها و نحسبها كذلك و هو أعلم بالسر و أخفى .
ومما ذكرت عنها أنها كانت مناهضة للإسراف في الطعام و الشراب و غيره من المأكولات بل أنها لا يمكن أن ترمي بقايا الطعام كما ذكر لي ابنها قبل ثلاث سنوات .
و من آخر المواقف التي أتذكرها عند كتابتي هذه الأحرف ، وليعذرني قارئها لأن الرسالة عبارة عن خواطر ، و الخواطر عادة ليس لها ترتيب و لا يراعى فيها غالبا تنسيق الكلمات و ترتيب الجمل ، و يشفع لي في ذلك أني كتبتها إظهارا لمحاسنها و تسلية لمحبيها و في مقدمتهم أولادها البررة من بنين و بنات .
أقول : لما كانت زوجتي في المستشفى ( في العناية المركزة ) بعد الولادة ، اتصلت علي مباشرة و سألتني عنها و عن صحتها و عن التحاليل و مكان المستشفى و وقت خروجها ، وهذا كله في أثناء مرضها ، فتعجبت من اهتمامها الشديد و قلقها البالغ تجاه جيرانها ، فمن تلك اللحظة بل وقبلها لكن زاد - وقتها - إكباري واحترامي الشديد لها ’ وهذا الموقف هو من ضمن المواقف التي لا تُنسى .
و كون الناس يذكرون إنسانا بعد موته فهو له حياة أخرى كما قيل : والذكر للإنسان عمر ثاني ، و قد قال الله عز وجل على لسان إبراهيم ( و اجعل لي لسان صدق في الآخرين ) قال ابن كثير رحمه الله تعالى أي : اجعل لي ذكرا جميلا بعدي اُذكر به و يقتدى بي في الخير .
و أختم كلامي بوصية لأولادها جميعا أن يتأسوا بأخلاقها و حسن عشرتها مع علمي اليقيني أنهم كلهم بلا استثناء أصحاب أخلاق رفيعة ، لكن من باب الثبات عليه و الوصول إلى قمته ، و أن يكونوا جميعا بدلاء لها . و عليهم أن يجتهدوا بالدعاء لها مع صلاح أنفسهم حتى يتحقق الشرط الذي اشترطه النبي صلى الله عليه و سلم لاستمرار عمل ابن آدم بعد موته ( أو ولد صالح يدعو له ) .
و لا يفوتني أن أذكر مبشرا أخيرا أنها صلوا عليها في جامع الملك خالد أكثر من ثلاثة آلاف شخص ، و كانت هي الجنازة الوحيدة ، و يا سبحان الله النبي صلى الله عليه و سلم يقول كما في صحيح مسلم : ما من مسلم يموت فيقوم على جنازته أربعون رجلاً لا يشركون بالله شيئا إلا شفعهم الله فيه .
قارنوا بين العددين ، و كم في الثلاثة آلاف من عباد الله الصالحين الذي لا يشركون بالله شيئاً أحسبهم والله حسيبهم أضعاف أضعاف هذا العدد .
و في الختام
هذا جزء يسير أعرفه عن الوالدة أم أحمد و ما خفي من الأمور و الأعمال الصالحة التي بينها و بين أولادها و ما بينها و بين حبيبها أعظم ، لكني رأيت أنه حق علي أن أذكرها بكلمات قليلة تستحقها و هي كما قلت قليل من كثير ، وليس لأحد علم بكتابتي لهذه الأحرف .
أسأل الله سبحانه وتعالى بأسمائه الحسنى و صفاته العلا أن يتغمدها بواسع رحمته و يفتح لها أبواب جنته و يبشرها بروح و ريحان و رب راضٍ غير غضبان ، و الله أعلم و صلى الله و سلم على نبينا محمد و آله و صحبه و سلم .
محمد الجبرتي
صبيحة 27 من رمضان 1431 |