تنبيه :: هذا
الـجزء تم إنزاله
خوفاً من بعض الأحباب عبر
الخاص الذين أضحكوني
و أمتعوني ..
الـ
جزء الـ
سابع ..
و قرأ
حمدان باللغة
المودسيّة الشبيهة بالعربيّة، كيف بدأ
جده الأكبر
فاضل ينتبه لما يحدث في المدينة وكيف كان الأمير كعب وحاشيته يُسيطر على مقدرات المدينة، وقد جمع
الأمير سلطان بنُ كعب حوله شباناً صغاراً يلهثون وراء المتع، ويتغنون بحكمته وشجاعته ويسبلون عليه الألقاب التي هي بعيدة عنه كل البعد..
كان في سبيل المتعة والتسلية يدفع بالأبرياء إلى حلبات
الوحوش المفترسة، وكان الناس يعانون من الظلم والقهر والجوع..
انتبه
فاضل بن علي المودسي لما يحدث في المدينة، وكان
والده قد اعتزل الناس، بعدما غضب عليه الأمير كعب لأنه نبهّه إلى العنف الذي يسوم به ورجاله الناس.
اتجه
فاضل نحو المكان الذي كان ينزوي فيه الكهل، لم يكن قد رآه منذ فترة طويلة وقد أقصاه الأمير ومنع الناس عنه.كان يعيش في عزله تامة وهو في سنّ متقدم دون رعاية .. ولم يدر فاضل كيف يدخل إليه وقد سُدَّ الباب بالحجارة الضخمة.. دار حول المكان يفتش عن ثغرة..
ولم يجد شيئاً، بدا له المكان معتماً أشبه بقبر.. وبينما هو يجول حائراً انتبه على صبيّ يشدّه من يده.. كان صبياً هزيلاً بدت عليه ملامح الجوع الشديد.. تبع الصبي، فوجد مكاناً مغطىً بالحشائش أشار له أنه يزيل هذه الحشائش فخلفها فتحة تفضي إلى الكهل الحبيس.. مد يده إلى جيبه يستخرج صرته العامرة بالدراهم، أعطاه بعضها، ثم أخذ يزيل الحشائش بهدوء لتنفتح له الثغرة.. وقبع الصبي قرب المكان وهو يشير لفاضل أنه سيعيد الحشائش من جديد إلى مكانها حتى لا يلحظ أحد دخوله..
ابتسم له بود وولج من(الثغرة) إلى داخل المكان المظلم.. أخذ ينادي
والده:
-
أبي.. أين أنت؟
كان المكان مظلماً وليس من بصيص للضوء..
سمع صوته:
- كنتُ أتوقعُ مجيئك يا
فاضل.. بدأت تعي ما يحدث يا بني، ارفع الغِطاء أمامك في اتجاه الصوت، إنه ساخن قليلاً سيعود الضوء للمكان.. إنه غطاءُ مصباحٍ كبير..
رفعه فانبعث الضوء يغمر المكان: - يا إلهي..
أبي.. ماذا حدث لك؟ تبدو هزيلاً مريضا.
- أنا بخير يا بني.. المهمُ أن تنتبه لما يحدث للناس، أن يعودَ إليك وعيك وتميّز الظلم..
الكارثة قادمة ولا رادَّ لها.. آه يا بني، اقترب مني قليلاً
- ها أنذا يا أبي.. بين يديك..
فكّر
قلقاً: ((إ
نه لا يرى.. أبي أعمى آه يا إلهي)).
- أنا أعرف ما يجولُ بفكرك، أنا فقدتُ
بصري بالفعل، لأنه لا حاجةَ لي للبصرِ وأنا حبيس هنا، لا أرى شيئاً.. تفتح داخلي على طاقات كبيرةٍ جعلتني أُبصر
الغيبَ وأتنبأَ به.. أعطاني الله سبحانه وتعالى القوة لذلك.
- وما الذي تراه يا
أبي؟ قل لي أرجوك.
- سيزداد
فساد الطغاة، ويزدادُ الأذى والظلم وأريدُ منكَ أن تحكي عمّا يحدث للناس، أن تكتبَ ذلك، أن تصفَه بدقة، فهو إرثنا للأجيال القادمة.. يجب أن يعرفوا الكثير عن هذا الماضي العكِر.. اسمع يا بني، انزوِ في مكانٍ بعيدٍ ولكن بعدَ أن تدور بين الناسِ وتعرفَ عنهم الكثير..
اكتب عن متاعبهم وتعاستِهم وظلمهم، وصف ما يعانون وما يفعلُ بهم أولئك الطغاة الذين استعبدوهم..
-
أعدك يا أبي.. سأفعل كل هذا.
- سيضايقونك، ولكن كن
صلباً، ولا تخف، لقد تعرفتُ على الحقيقة بنفسي، وجابهتُ في سبيلها الكثير وسأموتُ في سبيل الزود عنها، وعن الحق..
رأى
فاضل والده وهو يتضاءل وينكمش ويصغر حجمه بالتدريج، أذهلته المفاجأة
صرخ: -ما الذي يحدث؟ أبي يتضاءل وينكمش؟
-
لا تنسَ يا بني..
لا تنسَ ما قلتُه لك
- أبي.. أبي.. ماذا هناك؟ ما الذي يحدث لك.. أسمع أصواتاً غريبة.
- وداعاً يا بني.. حانت لحظةُ رحيلي عن عالمكم.
-
أبي..
أبي.. إنه يتضاءل يختفي.. كيف حدث ذلك.. يا إلهي.
وروى
فاضل لحظات ذهوله بعد اختفاء والده، ثم كيف توجه نحو باب الخروج فوجد
الجند بانتظاره ووجد
جثة الصبي الصغير مضرجة بالدم إلى القرب من الثغرة التي كانت مغطاة بالأعشاب..
كان مراقباً دون أن يدري.. ولاحقوه، حتى دخل الثغرة وبينما كان الصبي يسوّيها بالأعشاب.. طعنوه من الخلف.. وأبعدوه عنها..
وحين خرج
فاضل وجد نفسه بينهم، عاثوا في المكان بحثاً عن
الكهل فلم يعثروا عليه.. فسيق
فاضل إلى
الأمير سلطان..
-
خُنتني أخيراً يا
فاضل؟ أين أخفيتَ ذلكَ المتمرد؟
- لم أخنك يا
مولاي.. ووالدي
مات.. أصيب بمرض حوله إلى تراب.. ومع الأسف الشديد يا مولاي..فلقد أصابني بالعدوى سأموت بمرضه.. وأتحول إلى تراب.
- ماذا تقولُ أيا
المخبول؟
- الحقيقة.. يا
مولاي، ألم يبحث رجالك عنه، هل وجدوا شيئاً
غير التراب؟ لا.. لقد مرض أبي ومات وتحوّل إلى تراب، إنه مرض يحيل الإنسان إلى كومة من التراب بعد أن يتمكن منه.. وقد أصابتني العدوى..
-
العدوى؟ كيف تحدّثُ هذه العدوى؟
- من
يلمسني يا
مولاي من يقترب مني يصيبه المرض الذي ينهش ببطء أعضاء الجسم، ويحولها إلى تراب.. آه.. من هذا المرض.. آه يا
أبي، أعطيتني شيئاً لا أستطيع الخلاص منه..
صرخ: - أبعدوا هذا عني.. وألقوه في الأحياء
الفقيرة يمرض سكانها ويحولهم إلى تراب.. هيا..
:
وقرأ
حمدان ما كتبه
فاضل عمّا جرى له بعد ذلك.. وكيف انتشر بين الفقراء يبصّرهم بواقعهم.. دون جدوى كانوا أشبه بالموتى.. كان
عامر يستمع بشغف للشيخ
حمدان..
((هنا يصفُ جدّي الأكبر ما حلّ بالناس وقد انقلبت مفاهيمهم للحياة وانتشرَ الزيفُ والفساد والنفاقُ والجشع، وبدلاً من أن يحمي الفقراء أنفسهم مطالبينَ بالعدالة، استسلموا لمن يحكمُهم بعُبوديّة طاغية، وهذا ما حولهم إلى أشباه بشر بلا حس ولاعاطفة.وهو يقدم هنا أمثلةً
((غريبةً أمرٌ غريبٌ فعلاً
))
- ماذا يا
عماه؟ اقرأ لي من فضلك ولا تترك شيئاً.. أريد أن أعرف
القصة بكاملها..
- حسناً.. يقول
جدي الأكبر..
((كان
الأمير سلطان قد استولى على جميع ممتلكاتنا بعدما زرت والدي تلك الزيارة المحزنة.. كنت أعيش حياة التشرد والفقر، وقد ابتعد عني الجميع.. نظراً لما نشره عني
الأمير من أخبار حول مرضي المعدي الذي يحول الإنسان المصاب به إلى تراب خلال فترة محدودة.. كنت تحت شجرة(
خرّوب) كبيرة أسند رأسي إلى جذعها وقد تناهت إلى سمعي أصوات تغريد الطيور.. حين سمعت صوتاً خلفي:
- ماذا تفعل هنا أيها
التعس؟ لماذا لا تشاهد حفلةَ
الإعدام هه؟
كان
رجلاً هزيلاً محني الظهر ينظر لي بحذر:
- حفلة
الإعدام؟ ما الذي تقصده؟
- اكتشف
الأمير سلطان أن بعض الفقراء سرقوا الخبز من مطابخه، وقد جهّز لهم حفلة
إعدام كبيرة.. وطلب من الجميع حضورها..
- وما
صفتك أنت حتى تدعوني لحضور هذه
الحفلة؟ هل أنت من
أتباعه؟
- لا.. أيها
التعس.. لست من أتباعه.. أنا رجل
بسيط لا أتبع أحداً، ولا أملك في هذه الحياة شيئاً سمعت يوماً ذلك الشيخ الجليل(
علي المودسي) يحكي عن الظلم ويطالب الناس بالتحرك فأثرت بي كلماته، ولكني لم أجد مجالاً للحركة، فلجأت إلى هذه الجبال ألعنُ عجزي وقصوري.
- وكيف سمعت إذن بتلك
الحفلة؟
- كنت في أول يوم تجوال لي بعد
عزلتي، أتنقل في المدينة أرى ما آلت إليه أحوال الناس..
- وانتهت حفلة
الإعدام؟
- لم تبدأ
بعد.. رأيت بعض
الجنود كانوا يسوقون الناس إلى الساحة الكبيرة في المدينة، سمعتهم ينادون ويصرخون مطالبين الجميع بالحضور إلى هناك، ومن لم يحضر فسيكتشفون عدم حضوره ويعاقبونه.
-ولماذا ناديتني بهذا الاسم(
التعس)؟ ولا أراك متحمساً لحضور الحفلة؟
- تبدو
متشرداً مثلي.. قلت لنفسي
((منظرك يوحي بالرثاء والشفقة
)) قد يعاقبك الجند، لذلك نبهتك إلى الحفلة وضرورة حضورها.
- ألا ترغب بحضورها
أنت؟
- سآوي إلى
الجبال هرباً من ذلك.. قد أموت ويتوقف قلبي حين أرى حفلة
الإعدام تلك.. أنا
ضعيف البنية،
شديد الحساسية.
- لذلك أنت
دون فاعلية، لا تؤثر على أحد.. ؟ اذهب معي إلى حفلة
الإعدام ولا تخف.. قد تثير همم الناس بمقاومة الظلم.
- أنت.. الذي تبدو أشبه بشبح من الهزال
والضعف؟
- لا تخف، مازال
جسمي قوياً، وقلبي ينبض بروح المقاومة..
صرخ الرجل
فجأة: - هاقد اقترب الجند من مكاننا.. سأسرع في الاختفاء.
قلت
بغضب: - أيها
الجبان الرعديد.
قال بخوف وهو يبتعد: - قل ما شئت،
الهرب هو سلاحي الوحيد.
والتف الجنود حولي: - لماذا أنت هنا أيها
المتشرد؟
-
خير؟ ماذا تريدون؟
- الناس يتجمعون في الساحة الكبيرة، هناك حفلة
عظيمة يقيمها سمو مولانا
الأمير سلطان.. هيا تحرك إلى هناك قبل أن ألهب
ظهرك بهذا السوط؟
- ولكني لا أستطيع السير.. جسمي
ضعيف..
- سنوقظ فيك
روح القدرة على السير..
انهالوا علي بالسياط فصرخت: - حسناً
سأحاول أن أسير.
وفجأة علا صوت بعيد يصرخ بهم: - اتركوه ماذا تفعلون؟
- ماذا يا
سيدي؟
- إنه
الموبوء.. سيصيبكم بأمراضه.
- الذي
طرده مولانا
الأمير من بلاطه؟
- نعم.. اتركوه.. إن رغب بالتفرج على حفلة
الإعدام فسيندس بين صفوف الناس المعدمين ويصيبهم بالعدوى ..
- هيا نتابع
تفتيشنا بسرعة..
قالوا
ساخرين وهم ينظرون إلي ويبتعدون بقرف:
- انظروا إليه إنه بالكاد
يقف..
- فتشوا تلك
الغابة القريبة، وأحضروا من ترون من الناس إنها
حفلة كبيرة، ورغبة مولانا
الأمير أن يرى الجميع هناك كيف يتم
إعدام من تسوّل له نفسه العبث بأموال مولانا.
همهمت وأنا أنهض: -لن تفوتني مثل هذه
الحفلة..
: يـتـبع ..
: