مشاهدة مشاركة بصفحة مستقلة
  #11  
قديم 29/03/2010, 08:56 PM
الصورة الرمزية الخاصة بـ عطـــارد
عطـــارد عطـــارد غير متواجد حالياً
زعيــم فعــال
تاريخ التسجيل: 07/02/2009
المكان: في الـ ماضي ..
مشاركات: 441


-2-



نظر حوله يتأمل المكان كان مكاناً مغلقاً بلا نوافذ وليس سوى ضوء مصباح ضعيف..
أزّ البابَ وسمع صوتاً ناعماً أيقظه من شروده :
- استيقظت من غيبوبتك؟ حمداً لله على السلامة
كانت فتاة جميلة في مقتبل العمر:
- شكراً لكِ، أين أنا؟ وما الذي حدث لي؟
-.. عثر عليك بعض الرجال خارج المدينة.. ملقى على كثبان الرمل..
- في أية مدينة أنا؟
- إنها(مودس) مدينة صغيرة.. كانت فيما مضى كبيرة متقدمة.. اسمي سميّة، أنا ابنة الشيخ حمدان.
-وأنا عامر.. كنت في طريقي إلى أهلي في الشمال..
- وكيف حدث وألقت بك الظروف في طريق أولئك الرجال.. الذين عثروا عليك؟
- إنها إحدى الزوابع الرملية.. ابتلعت سيارتي وألقتني بعيداً..
- زوبعة رملية؟ على كل حال ولو كنتُ لم أفهم ما تقول.. ولكن لا بأس أهلاً بك ضيفاً علينا
سمع صوت سعال ودخل كهل بلحية بيضاء:
- كيف حالك يا بني.؟. الحمد لله تبدو بصحة جيدة.. هل أحضرتِ له الطعامَ يا سمية؟
- لم أسأله بعد.. استيقظ قبلَ لحظات..
- شكراً لك يا عماه.. لا أستطيعُ أن أتناول شيئاً.
- منذ أيام وأنت لم تذق شيئاً من طعام أو شراب، سيضعف جسمك.. لا بأس أحضري له بعض الحليب الطازج.
- حسناً يا أبي..
خرجت سمية من الباب الوحيد سأله الكهل:
- تبدو شاباً طيباً، كيف حصل وجئت إلى نواحينا؟
- لا أدري ما أقول لك، كان حادثاً مريعاً.
- لابأس عليك.. أنت غريب عن هذه البلاد؟
- نعم يا عماه.. أعمل منذ سنتين في شركة تعمل على ساحل الخليج.
- شركة على الساحل؟ لم أفهم شيئاً.. ولكن لماذا ترتدي هذا اللباس الغريب؟ تبدو أشبه برجل لا ينتمي إلى هذا العالم.
- إنه لباسي، أنا لا أعرف كيف أرتدي مثل لباسكم.. تعودت على هذا اللباس..
أتت سمية تحمل جرة من الفخار:
- الحليب يا عامر.. تفضل.
- شكراً لكِ.. إنه ساخن في هذه الجرّة الفخارية.
قال الشيخ حمدان:
- أتريد شيئاً الآن؟ الأفضل أن نتركك ترتاح.. هيا يا سمية.
- شكراً لكم.
شعر عامر بالاستغراب فالمكان الذي يوجد فيه بدا له كأنه تحت الأرض فلا أثر لنوافذ.. كما أن كل الأشياء الموجودة في الغرفة بدت له قديمة بعضها مهترئ..
شيء واحد أحسَّ أنه محببّ لديه، هو وجه سمية الصبية الجميلة بلباسها البدوي القديم. غرق في التفكير حائراً.. ترى أين هو الآن؟ وماذا عن مدينة(مودس) التي لم يسمع باسمها من قبل؟
ربما كانت قرية صغيرة غير معروفة.. لذلك لم يسمع باسمها.. ولكن أين سيارته؟ هل ابتلعتها الرمال وماذا حدث للأشياء التي فيها؟ لقد اشترى الكثير من الهدايا، وسحب مبلغاً كبيراً من المال من المصرف وضعه في حقيبته الصغيرة..
كل شيء الآن في السيارة والسيارة لا يعلم عنها شيئاً فقد أكدت له سمية أن الرجال عثروا عليه ملقى فوق أحد الكثبان الرملية.. يجب أن يعرف كل شيء ولابد من العثور على السيارة..
تقلّب في فراشه يحاول أن ينام، ولم يكن يشعر بالحرّ، رغم أن الغرفة غير مكيّفة، بالعكس أحسّ ببعض البرودة التي اضطرته أن يضع جلد الخروف فوق جسمه.. ولم يدر كيف غفا سريعاً..
صحا على الباب يطرق ثم فتح ودخلت سمية:
- صباح الخير يا عامر..
- صباح الخير.. يبدو أنني نمت طويلاً
- نعم، وحان الوقت الآن، يجب أن تحرك جسمك حتى لا تصبح مخبولاً كسولاً.. هكذا يقول أبي.. هاهو الحليب، تفضل..
ناولته جرّة الحليب فعبَّ يشرب منها:
- شكراً لك.
- جهز نفسك سيأتي والدي ليصطحبك إلى المدينة لتزورها.
- حسناً.. لن أتأخر كثيراً.
أغلقت الباب نظر إلى ساعته: -إنها السابعة صباحاً..
ولكن لا يدري من أي يوم، فليس في ساعته تاريخ اليوم..
مشى والشيخ حمدان في دروب المدينة الضيقة شبه المضاءة.
- مدينتنا صغيرة كما قلت لك، ولكنها كانت مدينة كبيرة جداً كانت من أشهر المدن من قبل
- وما الذي حدث حتى صغرت هكذا؟ هل هجرها أهلها؟
- لذلك قصة كبيرة، قد أحكيها لك يوماً.. قلت لي تريد معرفة المكان الذي عثروا فيه عليكِ وأنت بين الموت والحياة؟
- نعم يا عمّاه.. أرجوك.
أشار إلى أحد العابرين وهو يقول:
- حسناً.. ها هو أحد الرجال الذين عثروا عليك.. تعال يا سالم.. تعال.. إنه ضيفنا الغريب .
اقترب الرجل باحترام يحيّ عامر متفحصاً:
- آه الحمد لله تبدو بصحة جيدة.
- أرجوك يا أخ سالم، دلني على المكان الذي عثرتم فيه علي.
- لا بأس، إنّهُ بعيد قليلاً، ولكن سأدلَكَ عليه.. تفضل.. يمكنك العودة يا شيخُ حمدان.. إنه برعايتي الآن.
- لا.. سأرافِقكما.. عامر ضيفي وسأبقى معه.. وأعلم أنك أمين عليه يا سالم، ولكن لا بأس .
- كما تشاء يا شيخُ حمدان.

:

اجتاز عامر بصحبة الشيخ وسالم طريقاً متعرجة بين الرمال بعدما خرج من المدينة التي بدت وكأنها في وادٍ عميق تغطيها صخور كبيرة متداخلة.. جعلت الضوء لا ينفذ إليها كثيراً..
كانت مدينة عجيبة كأنها محفورة في الصخر، ضمن الصحراء مترامية الأطراف.. مشى عامر مع صاحبيه حتى وصلوا إلى كثبان رملية أشبه بالأهرامات تنتشر على مساحات واسعة.. أشار سالم لأحد تلك الكثبان.
- إنه المكان الذي عثرتُ فيه عليك يا أخ عامر..
- أيمكن أن أراه جيداً؟
- بالطبع.. كُنتَ مدفوناً بالرمال هنا، عَدا رأسِكَ وجُزءٌ من صَدركَ.
- أيمكن أن تساعدني في إزالة الرمال من هذه البقعة؟
- لماذا؟ هل تبحث عن شيء هنا؟
- عن سيارتي لابدَّ وأنها مدفونة هنا.. فيها كل ما املك تقريباً..
- سيارتُك؟ وما هي هذه السيارة؟ كيف هو شكلها؟
- ألا تعرف السيارة.. ألم تر واحدة من قبل؟
- للأسف لا.. ولا أعرف حتى شكلها.. لماذا تستخدِمُها.. ما فائدةُ استخدامِها؟
- إنها وسيلة نقل نستخدمها في الذهاب والإياب بين المدن والمناطق..
- آه فهي لابدّ وأنها ماتت وشبعت موتاً، فهذه الرمال تميت أي حيوانٍ يُطمرُ فيها..
- ليست حيواناً.. إنها كتلة من المعدن.
- تتحرّك؟ تتحرك وحدها؟ كيف؟ هل تعمل بالسحر؟ أم أنك تسخر منا بهذا المزاح الذي يبدو غير منطقي.. كأنه سخرية فعلاً.
- معاذ الله أن أسخر منكم.. ساعدني في رفع الرمال من هنا، وسترى أنني محق، وأن السيارة ليسَت حيواناً.
- لا بأس، ولكن إزاحة الرمال يلزمها صبرٌ ودأب.. وربما احتجنا لبعض الرجال.
- أرجو مساعدتك يا سالم بأي شكل.. كما قلت لك، كل ما أملك هو في تلك السيارة.
- لو ذكرتَ لي شيئاً عن تلك السيارة كُنتُ أحضرتُ بَعض الشبان لمساعدتنا.
- لم أفهم أنَ المكان يمكن أن يكون مَدفناً لسيارتي.
قال الشيخ حمدان:
- على كل حال يمكنكما البدء بالعمل، يا سالم.. وسأذهب لإحضار بعض الشبان الآخرين لمساعدتكما.
- لا بأس يا عماه.
كان عامر يبدو قلقاً شارداً سأله سالم:
- تبدو متعباً يا عامر؟
- رغم تعبي.. يجب أن أعثر على سيارتي.. إنها هامة جداً بالنسبة لي..
- إن شاء الله تعثر عليها.. يجب أن نُزيل كل هذه الرمال هيا..
بدأ يعملان ويزيلان الرمال بأصابعهما تمنى عامر لو كانت لديهما الأدوات المناسبة لارتاحا من استخدام أيديهما ولكن لا بأس، ليس لديهما سوى هذه الأصابع في الوقت الحاضر..
واستمر الشابان في محاولتهما إزالة الرمال من الكثيب وأتى الشيخ حمدان مع بعض الرجال لمساعدتهما..
واستغرق العمل طويلاً، ولكن لم يُعثْر على السيارة في نهاية المطاف..
شعر عامر باليأس ونظر حوله إلى الكثبان الأخرى، يفكّر فيها.. ترى أي من هذه الكثبان يبتلع سيارته.. وكأنما شعر الشيخ حمدان بأسى عامر، وهو يحدّق في الكثبان.. فهَمس إليه ملاطفاً:
- لا تقلق يا بني.. قد نعثر على ذلك الشيء المختفي في كثيب آخر.. وبالتأكيد أحد تلك الكثبان الثلاثة القريبة.. فلا يمكن أن تقذف بعيداً عنها كل هذه المسافة.. إذا كانت مدفونة في أحد الكثبان البعيدة .
- معك حق.
- ماذا سنفعل الآن يا شيخ حمدان؟
- هل تستطيعون البدء بإزالة الرمال من ذلك الكثيب الصغير؟
- لماذا؟ أتعتقد أن الشيء المختفي هو في أحد هذه الكثبان؟
- نعم.. وأرجو منكم مساعدتي..
- لا بأس، سنساعدك يا كبيرنا.. هيا يا رجال لنبدأ إبعاد الرمال عن ذلك الكثيب.
قال عامر: - سأساعدكم أيضاً.. هيا اقتربوا منه ولنُزِل عنه الرمال بسرعة.
- هل يمكن أن تساعدكم هذه المجرفة؟
- بالطبع.. أعطِها لهم.
كان عامر منفعلاً وهو يبعد الرمال بيديه.
- أرجو أن أعثر على تلك السيارة يا عماه.
- إن شاء الله يا بني..
سمعت أصوات وقع معدن على معدن كانت المجرفة تصطدم بشيء.. إنه معدن بالتأكيد..
((يا إلهي قد تكون سيارتي انتبهوا جيداً وأنتم تحفرون، لا تستخدموا المجرفة بقوة قد ينكسر زجاج السيارة.. أو تتحطم بعض أجزائها))
قال حمدان: - بلطف يا رجال بلطف..
- حسناً يا شيخُ حمدان..
عثر الرجال على قطعة معدنية ضخمة، عرف فيها عامر جزءاً من سكة حديدية محطمة.. وشعر بخيبة الأمل.. ولكنه تساءل عن سبب وجود تلك القطعة المعدنية الكبيرة في ذلك الكثيب..
واستمر الرجال يزيلون رمال الكثيب دون جدوى.. فلم يكن هناك شيء وعرف عامر أن تعب الرجال قد وصل إلى مرحلة تلزمه بإيقافهم عن متابعة العمل.
- شكراً لكم يا رجال.. سنستريح اليوم ونعاود العمل فيما بعد..
ثم همس عامر في أذن الشيخ حمدان:
((الأفضل أن نتمم العمل غداً.. قلت لي أن الاحتمال الأكبر أن يكون ذلك الشيء المفقود بين هذه الكثبان.. وقد أزلنا اثنين منها ويبقى اثنان آخران فقط..))
قال سالم:
- يمكننا متابعة العمل يا شيخ حمدان، لمَ نتعب كثيراً بعد.
- لا يا بني، يكفينا اليوم.. يمكننا العودة إلى المدينة.
- خذ المجرفة واحتفظ بها يا سالم.
- لا بأس.. سنستخدمها في الجولة التالية.
قال عامر هازّاً رأسه: - شكراً لكم.. أتعبتكم كثيراً.
أجاب حمدان: - لا بأس يا بني أنت ضيفنا..

:

يـتـبع ..



اضافة رد مع اقتباس