المنتديات الموقع العربي الموقع الانجليزي الهلال تيوب بلوتوث صوتيات الهلال اهداف الهلال صور الهلال
العودة   نادي الهلال السعودي - شبكة الزعيم - الموقع الرسمي > المنتديات العامة > منتدى الثقافة الإسلامية
   

منتدى الثقافة الإسلامية لتناول المواضيع والقضايا الإسلامية الهامة والجوانب الدينية

إضافة رد
   
 
LinkBack أدوات الموضوع طريقة عرض الموضوع
  #1  
قديم 09/12/2002, 05:33 PM
مشرف سابق بمنتدى الثقافة الإسلامية
تاريخ التسجيل: 15/12/2000
المكان: القصيم
مشاركات: 2,953
اخترت لكـــــــ منوع ــــــــم

جميع المواضيع منقوله من منتديات ومواقع أخرى
احببت نقلها لكم للفائدة
=============
أبو بكر الصديق
هو عبد الله بن عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد القرشي التميمي، كنيته أبو بكر، وكنية أبيه أبو قحافة، كان يتاجر في الثياب، وكان مؤلفا يحبه الناس لحسن خلقه، ويحبون حديثه لعلم بالأنساب. وكان اسمه عبد الكعبة، فسماه النبي صلى الله عليه وسلم عبد الله، وهو أول من أسلم من الرجال. قال له النبي صلى الله عليه وسلم: "أنت عتيق الله من النار" فسمى عتيقا وصدق النبي صلى الله عليه وسلم يوم الإسراء والمعراج فسمي الصديق ولم يتخلف عن مشهد واحد من المشاهد مع النبي صلى الله عليه وسلم، وثبت يوم أحد ويوم حنين حين فر الناس، أسلم على يده عثمان وعبد الرحمن بن عوف والزبير وطلحة وغيرهم، وأعتق سبعة كانوا يعذبون، منهم بلال وعامر بن فهيرة، وأبو بكر خير الأمة بعد النبي صلى الله عليه وسلم. كان رجلا كريما تصدق بماله كله لله، وهو رفيق النبي صلى الله عليه وسلم قبل الإسلام وبعده، وهو أيضا رفيقه في هجرته، وخليفته من بعده، وهو الذي ثبت يوم موت النبي صلى الله عليه وسلم، وذكر المسلمين بأن موته حق، خاض في خلافته حروبا طاحنة ضد المرتدين لردهم إلى الإسلام. ولد بعد النبي صلى الله عليه وسلم بسنتين وأشهر، وتوفي بعده بسنتين وثلاثة أشهر في جمادى الآخرة سنة ثلاث عشرة للهجرة، واستخلف من بعده عمر بن الخطاب على المسلمين. وفي فضله رضي الله عنه وردت أحاديث كثيرة لا تحصى.
=============
لقاء الشيخ سلمان العودة مع''عكاظ''1/2)
اللوبي الصهيوني يمارس مكارثية جديدة ضد الجمعيات الخيرية
دعا الشيخ سلمان بن فهد العودة .. الداعية الاسلامي المعروف الى تكثيف المقرر الشرعي وتحويله من متن مختصر الى تقرير موسع يحول دون نقص الفهم واكد على ولاء المسلم لدينه وتاريخه وأمته وبلاده .. وان يربى على التفكير الصحيح وسلامة التصور .. واشار في حوار اجرته معه (عكاظ) الى ان الجمعيات الاسلامية هي احدى الواجهات الانسانية المشرقة التي يتفيأ ظلالها مئات وآلاف من الجياع والفقراء والمعوزين ..كما وضح الخلط الحاصل في مفهوم التطرف في الاسلام .. وفيما يلي تفاصيل الحوار:


ينادي اعداء الاسلام بتغيير المناهج التعليمية, بحجة انها تفرخ الارهاب .. ما تعليقكم?

* لمناهج التعليم اثرهائل في صياغة الجيل, واي خلل فيها يظهر في الطلاب الذين هم نتاج تلك المناهج.
وتطوير المناهج التعليمية هي قضية سيادة يحتكم فيها الى المصالح العليا للأمة, ويبت فيها من ائتمنتهم الامة على عقولها, وثقافتها, وتراثها.
ولذا : فإن دخول العامل الخارجي على الخط ليس عاملاً ايجابياً بأي حال, بل هو عامل هدم واحباط.
وانني ادعو الى : تغيير المناهج الدراسية, وذلك بتكثيف المقرر الشرعي, وتحويله من متن مختصر, الى تقرير موسع يحول دون نقص الفهم, ويؤكد على ولاء المسلم لدينه وتاريخه وامته وبلاده, ويعمق الخصوصية الاسلامية لدى الاجيال, ويربي على نضج التفكير وسلامة التصور.
كما ادعو الى : غرس روح الايمان الصادق في المقررات العلمية, لتحاشي الازدواجية في التعليم, وبناء العقيدة الصادقة المنبعثة من داخل النفس, والمنسجمة مع الكون والحياة.
الشيء المدهش ان الاسماء التي يتم تداولها اعلامياً, ليس لها علاقة بالتعليم الشرعي .. فهل سيطالب هؤلاء بإغلاق الجامعات المدنية, ومنع تدريس الطب او الهندسة, ام سيدركون ان التعليم الشرعي السليم هو اهم ضمانة لحماية الاجيال من الاندفاع وراء نوازع النفس, وتحقيق الوسطية والاعتدال وضبط المسار وفق نظام الشريعة ?!!
وراء نوازع النفس, وتحقيق الوسطية والاعتدال ضبط المسار وفق نظام الشريعة?!! ان الغضب العربي والاسلامي على امريكا, ليس منطلقه التعليم الديني, والا فلماذا لم يكن هذا الغضب موجهاً ضد الصين او اليابان - مثلاً - مع انها بلاد وثنية, والمسلم يتعلم ان اهل الكتاب اقرب اليه من الوثنيين?!!ولكن منطلقه نفاد الصبر من الانحياز الامريكي لصالح اليهود, وضد قضايا العرب والمسلمين, وغمس امريكا يدها في البلدان الاسلامية بأسلوب متغطرس لايراعي مشاعر الشعوب, ولا يقيم لها وزنا, وها نحن نتربص بالهجمة الامريكية على العراق من جديد.
مكارثية الولايات المتحدة

هناك هجمة شرسة على الجمعيات الخيرية بالحجة ذاتها?

* ما دامت الولايات المتحدة جعلت نفسها القاضي, والشاهد والجلاد في الوقت ذاته, فكل شيء ممكن.
وما دام العالم الاسلامي بهذه الحالة من التشرذم والشتات, والانهماك في الصراعات الداخلية, فلن يكون لديه القوة على المقاومة. ولقد شهد تاريخ الولايات المتحدة ما كان يعرف بالمكارثية وهو مصطلح يتعلق بتوجيه التهم على نطاق واسع, والتي شملت الادارة الامريكية نفسها, وشملت الجيش ذاته بتهم تتعلق بمناصرة الشيوعية في وقت الحرب الباردة. ومع افول نجم الاتحاد السوفيتي, والتحدي الشيوعي يبدو ان العملية ذاتها صارت تدار ضد كل ما هو اسلامي وعربي, والاعلام مسؤول الى حد كبير عن نشر التهم, وترويجها دون ادلة او وثائق, وفي فترة المكارثية الاولى وضعت لوائح سوداء لاشخاص وهيئات, وها نحن نشهد اليوم الأمر ذاته فيما يتعلق بالعرب والمسلمين.
واذا كانت المكارثة الآن عاراً يستحي منه الامريكيون, فإنهم يمارسونها بطريقة مشابهة .. والله وحده يعلم الى متى يتوجب علينا الانتظار, لتصبح المكارثية الجديدة, عاراً آخر يلحق بالتاريخ الامريكي ?!! وهل ثمت استعداد لمراجعة الجمعيات المنطلقة من الغرب نفسه تحت هذا الشعار!!
ان الجمعيات الاسلامية هي احدى الواجهات الانسانية المشرقة التي يتفيأ ظلالها مئات الآلاف من الجياع, والفقراء, والمتعلمين, والمعوزين, واذا كان الكثير من الجمعيات الغربية معزولة بأنانيتها وعنصريتها عن التجاوب الصادق والبريء مع هؤلاء .. فهل وصل الحال الى حد حرمان هؤلاء من اليد الحانية التي تواصلهم بالغذاء والكساء والدواء والكتاب ?!! وبات من الصعب ان نستوعب اعتراف الغرب بالاسلام كدين يحكم شعوباً اختارته, وصناعة التصنيف التي يتكلم عنها حتى في المشاريع الخيرية ذات الدور الانساني الضروري.
ان اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة يمارس ضد هذه الجمعيات, وضد الوجود العربي والاسلامي مكارثية جديدة, ومع الأسف فقد صارت الادارة الامريكية واجهزتها الأمنية والعسكرية سنداً ودعماً لهذا التحيز السافر, والعدوان المقيت.
امريكا تقيد الحرية المدنية

بعد احداث (11) سبتمبر, مارس الغرب ابشع صور التعذيب والسجن للعرب والمسلمين !! بماذا تفسرون ذلك?

* الغرب - وتحديداً الولايات المتحدة - يمارس ما يظنه دفاعاً عن الأمن القومي, من خلال الاعتداء على الأمن المدني.
واذا كانت الحرية هي اغلى قيمة يتغني بها الامريكيون, فإن ضرورات الأمن المزعومة صادرت هذه الحرية, وسجن آلاف الأبرياء بغير تهمة, ورحل الآلاف بغير سبب, ومارست اجهزة الأمن في المطارات وغيرها عنصرية مكشوفة.
لقد كان يقال عن الولايات المتحدة: انها بلد الحرية, ووصفها جون كندي بأنها : (امة من المهاجرين), ومعظم الابداعات والانجازات قام بها اجانب, ولهذا اتخذت الادارة الامريكية ذاتها عدداً من الوسائل لاستقطابهم, ومن ذلك السحب العشوائي الذي تقوم به وزارة الخارجية, وتمنح بموجبه راغبي الاقامة ما يسمى بـ(البطاقة الخضراء).
وهنا نحن نرى تحولاً خطيراً يصبح بموجبه هؤلاء الاجانب في موضع الشك, ولا يأمنون على انفسهم او ممتلكاتهم, ويتعرضون للاعتداء والقتل احياناً.
وانتقل الأمر من مجرد الممارسات الخاصة, او الخاطئة, او الاستثنائية, ليحظى بدعم الجهات التشريعية, حيث اقر مجلس النواب جملة قوانين تعطي السلطات الفدرالية امكانيات واسعة للمراقبة والقمع, وخففت القيود على التنصت الهاتفي, والتوقيف الاحتياطي للاجانب, وهكذا تطورت الامور ليكون تحقيق الامن قائماً على حساب الحريات المدنية ..
ولقد قال جون كندي: ان الأمة التي تقدم امنها على حريتها لا تستحق البقاء.
الفضائيات والانترنت

مع تقدم العلم ووجود الفضائيات, وشبكة المعلومات الانترنت هل ترون ان الشريط الاسلامي, والكتاب انقرض دورهما من الساحة ام انهما لا زالا يؤديان رسالتيهما?

* من المؤكد ان الوسائل لها حكم الغايات كما يقول الاصوليون, ومن هذا المبدأ يصبح اعتماد اي وسيلة جديدة محتماً اذا كانت فاعلة ومفيدة, ما لم تكن محرمة في ذاتها.
وقد يتفاوت تأثير وسيلة عن غيرها بين وقت وآخر, لكن هذا لا يعني العزوف عن القديم, ان الكتاب من اقدم وسائل الدعوة والتعليم, وهو يظل اليوم حاضراً على رغم المزاحمة والمنافسة القوية من الاذاعة, ومن التلفزيون, ومن الانترنت, ومن الصحافة, وتشهد بهذا معارض الكتب التي تقام في عواصم الدول الاسلامية.
ان دخول عنصر جديد في الميدان لا تستلزم اقصاء غيره, فإن الواقع المشهود ان للشريط الاسلامي دوره الفاعل, ويكفي ان المادة الواحدة ينسخ منها الآن ملايين الاشرطة, ويستفيد منها الانسان في السيارة والمنزل وغيرهما, وينتفع منها القارئ وغير القارئ.
ولعل من المفيد ان يكون ثمت تنافس شريف يحدو الى الابداع والتجديد والتطوير, لأن ركود الوسيلة يقلل من ثمرتها وفاعليتها, وتقديمها للمتلقي بأسهل الطرق وابخس الاثمان.
التطرف بين الاسلام والعلمانية

يكثر في و سائل الاعلام طرح مصطلح (التطرف) فما مدى صحة هذا المصطلح, وما رأيكم في مدلوله?

* ربما كانت كلمة (التطرف) من اكثر الالفاظ الحاحا على السن الكتبة والاعلاميين والساسة في هذا الوقت, وهي كلمة مولدة غير اصيلة, ويفترض انها تعني عند من يطلقها: وقوف الانسان في طرف بعيد عن مركز الوسط.
والتطرف في الاطارالاسلامي: هو تعبير عن فهم منحرف, او تطبيق منحرف للتعليمات الشرعية, وان كان قد يتكئ على حجج شرعية مفترضة, او ينطلق من غيرة دينية, كما في اول واقسى نموذج في التاريخ الاسلامي, وهو نموذج الخوارج, الذين لم يقنعوا بمستوى فهم وتطبيق الصحابة حتى انشقوا عن نسيج الامة, ووجهوا سهامهم الى نحورها, بل كان اصلهم يمت الى صاحب النفس المريضة الذي اعترض على النبي صلى الله عليه وسلم في عدله, وخاطبه قائلاً: اعدل يا محمد ! فكانت تلك نواة الشريحة التي تصطفى نفسها, وتستشعر صدقها وطهارتها واخلاصها, وتزن الآخرين بالجور او الحيدة عن الصراط السوي.
لكن من الخطأ ان يتم تقديم هذا الانموذج دائماً على انه صورة التطرف, حتى تقع في نفوس الكثيرين ان التطرف بضاعة اسلامية, بينما يتم التغافل والتجاهل للتطرف اليهودي, والذي تمثله احزاب وجماعات رسمية وكبيرة تتبجح بغلوها, ولا تستحي من الجهر بمطالباتها الصارمة ازاء خصومها, دع عنك الغلو المرسم المبرمج الذي اصبح جزءاً من السياسة اليهودية, وغدا قاسماً مشتركاً لدى جميع الاطراف.
ومثله التطرف المسيحي الممثل في الجماعات والمنظمات الكثيرة في الولايات المتحدة, والتي تجاوز عددها المائة, ويقدر اتباعها بعشرات الملايين.
ولقد كانت الاحداث الاخيرة فرصة لهؤلاء ليكشفوا مكنوناتهم ضد الاسلام والمسلمين, وكان منهم من يطالب بسحق كل ما هو اسلامي, ومنهم من يطالب بتدمير مقدسات المسلمين, وتعالت اصوات رسمية تتهم الاسلام ذاته, وتعتبره ديناً سيئا وشريراً!
والتوجه الرسمي الآن الذي يقيم للمسلمين والعرب ديكتاتورية خاصة داخل الولايات المتحدة الامريكية, ويستثنيهم من النظام العام, ويبخل عليهم بالحقوق التي يتملكها كل من سواهم ... هذا التوجه هو نفسه ضرب من التطرف المقيت, كما ان اسراف الحلفاء في غطرسة القوة, وتجاهلهم لابسط حقوق الانسانية, وعدوانهم على شعب افغانستان, واستهانتهم بالدماء وحقوق الانسان لهو صورة صارخة من التطرف البغيض, لكنه تطرف القوي الباطش الذي لا يحتاج الى برهان على ما يفعل.
ان التطرف يتمثل في مفهوم الفكرة اياً كان منطلقها وليس بالضرورة ان يكون نتاج رؤية دينية بل حتى نماذج الفكر المعاصر والمفاهيم الاجتماعية والسياسية والاقتصادية في الغرب فيها قدر كبير من التطرف.
وهناك التطرف العلماني في العالم الاسلامي الذي يصر على نقل التجربة الغربية, بل على استنساخ المجتمعات الغربية في ديار الاسلام, ويزيد على ذلك اقتباس الجانب الدموي المتعسف من التجربة الشيوعية لملاحقة المتدينين ومحاصرتهم, اعلامياً ووظيفياً واجتماعياً وسياسياً.
ان دائرة ردود الافعال لا تنتهي, والتطرف يولد التطرف, ولعل افضل بيئة لتشجيع الفكر المنحرف هي البيئة التي تحرم الناس من حقوقهم الفطرية والشرعية, وتصادرهم, وتحرمهم من فرصة الهدوء النفسي, والاستقرار العاطفي, وتمتحنهم في انفسهم واديانهم واهليهم واموالهم.
ان التطرف الذي هو : (تجاوز عدل الشرائع السماوية والفطر الآدمية) هو ازمة بحق, وتاريخ الحضارات كلها يكشف عن نماذج كثيرة لهذا التطرف, وتعد رسالة الاسلام الانموذج الاول والامثل لمعالجة هذا الانحراف, لكن مع هذا كله, فلسنا هنا بصدد ان نعيش ردود افعال, ونتبادل مع الغرب والعالم الاوصاف. ان هذه معركة ربما تكون غير ملحة, وقد لا تصنع شيئاً لصالحنا,لكن المهم ان ندرك اهمية بناء الوعي في افراد الامة, لنعرف مواقع التطرف الخارجة عن الاطار الاسلامي, ولعل من حسن الفهم هنا ان ندرك ان الغرب يمارس صناعة التطرف, ويصدرها, وقد تكون بعض الاطراف مستهلكاً لشيء من هذا, لكن لا بد ان ندرك ان الازمة ليست في التطرف يوم يكون حالة تعرض لدى بعض الفئات, لكن يصبح الامن العالمي مهدداً حقيقة, حينما يكون التطرف قانونا له شرعيته, كما ترسم ذلك دوائر سياسية ومؤسسات متنفذة في الاوساط الغربية قد تجاوز تأثيرها الى دوائر شتى, ولعل الانموذج اليهودي هو المرشح عالمياً لهذا, لواعطيت الشعوب حرية الموقف والتعبير.
اننا هنا امام ضرورة توسع مسحة التفكير,والا نسمح للغرب ان يرسم مفهوم التطرف, وان نعي التطرف يتجاوز دائرة القانونية ليتحول الى رسالة حضارية تطالب عقول في العالم كله وليس في الغرب او الشرق ان تستوعبه كحضارة راقية, وهذه معادلة جادة لصناعة الصراع والتوتر في العالم وتقنين مشاريع الارهاب المتبادلة بين الاطراف.
هنا ندرك ان الغرب يعيش ازمة, وان كنا نعيش شيئاً منها, فيجب ان نكون مستعدين لتجاوز مشكلتنا.
وتجاوزها يتم عبر الحفاوة بالاعتدال وترسيمه, واشاعة المفاهيم الشرعية الصحيحة التي تنهي حالة الاضطراب والتناقض.
الشيخ سلمان العودة لـ''عكاظ'': "2/2":
الحرية التعبيرية التي عرضها أولياء الاسلام ليست ضد السلم الاجتماعي
أكد الشيخ سلمان بن فهد العودة في الجزء الثاني من حواره مع (عكاظ) انه علينا ان نشعر بالانتماء لهذه الأمة, بشموليتها واتساعها موضحاً ان الانشغال بالأمة يحدث انصهاراً وتوافقاً مع همومها ومشكلاتها وتطلعاتها ويمنع من الانخزال والاعتزال عنها واضاف فضيلته انه من الضرورة بمكان ان تكون آلية المعالجة ولغة الخطاب منسجمة مع الموضوع المطروح ومع الشريحة المستهدفة, وأوضح الشيخ العودة ان المكاسب التي تزخر بها بلاد الاسلام توجب على الدعاه طرح اسلوب المشاركة المتميزة في الواقع العملي مشيراً الى ان الخلاف الفقهي والاجتهادي المبنى على النظر والتأمل في الأدلة والوقائع نتيجة طبيعية لتفاوت انظار المجتهدين وسعة مداركهم واضاف : وفي تقديري ان المسائل المهمة والكبيرة يجب الا ينظر فيها الى اي قول بقطع النظر عن قائله بل يفترض ان يخوض فيها اولو الخبرة والبصيرة,وربما اكثر من ذلك انها تحتاج الى اجتهاد جماعي مُرسم يشارك فيه اهل العلم والتحصيل واهل الرعاية والعناية بأحوال الامة ممن لهم فضل وسابقة.

ما هي العوامل التي تسهم في تشكيل اهتمامات الداعية وصياغة تفكيره?

* ثمة عوامل تسهم في تشكيل اهتماماتنا وترتيب اولوياتنا سواء كنا افراداً او جماعات, او حتى دولاً وأمما.
ومن اهم هذه العوامل الماثلة في الوقت الحاضر:
أ- حجم المتغيرات الدولية, والمتغيرات الاقليمية والمحلية الناجمة عنها,والتحديات التي تفرزها على كافة الصعد.
ب- مدى النضج في التجربة العلمية والعملية واكتمالها.
ج- مدى الشعور بالمسؤولية - عمقاً واتساعاً - تجاه ما تقوله او تعمله وتأثيره ومداه, وطريقة تلقيه.
د- قدر المصداقية مع الله, ومع النفس, ومع الناس, والقدرة على التجريد والشفافية, ولو الى حد ما.
وكل هذه العوامل تؤثر في اي تصور اوتعديل او تصحيح يقوم به فرد او جماعة او مؤسسة او دولة.
ان الهزيمة النفسية الناتجة عن جلد الذات المجرد, او عن الرؤية السوداوية - لا تنتج عملاً مثمراً للأمة, بل تمكن للمنكر من الرواج والاستقرار دون عناء.
ولا بد من تفهم فرص التغيير الممكنة في ظل حالة دولية تضع هامشاً ضيقاً للرفض المحض, وهامشاً اوسع للمشاركة والتصحيح.
وهكذا يتعين استثمار المؤسسات القائمة للاصلاح والدعوة والتواصل مع جمهور الأمة الذي له الحق الكثير علينا.
كما يتعين ان نشعر بالانتماء لهذه الأمة بشموليتها واتساعها, وان تكون ارضها الواسعة الممتدة, وانسانها المتنوع ميدان حركتنا وتصحيحنا, يستوي في ذلك ملامسة المعاناة المريرة في مناطق الالتهاب كفلسطين والشيشان وكشمير وغيرها, او التجاوب مع طموحات مثقفيها وعلمائها ودعاتها للنهوض بعلومها وعقولها, او تحقيق القدر الضروري من العلم الشرعي الذي يثمر صفاء العقيدة وصلاح العمل واستقامة السلوك, او الدأب في توفير متطلبات العيش الكريم, فإن المشغول بضرورياته المادية معذور, وغير قادر على حمل الهم الكبير.
وهذا الانشغال بالأمة يحدث انصهاراً وتوافقاً مع همومها ومشكلاتها وتطلعاتها,ويمنع من الانخزال والاعتزال عنها, وان الاحساس بالموقع, وبالمرحلة التاريخية, وتنوع من التحديات الدولية والمحلية تملي علينا قائمة متجددة من الالحاح والعناية بالقضايا والموضوعات والمحاور والبرامج, لا يفترض ان تكون متطابقة في كل وقت, بل يتم تحديثها ومراجعتها كلما دعت الحاجة.
ومن الضرورة بمكان ان تكون آلية المعالجة ولغة الخطاب منسجمة مع الموضوع المطروح, ومع الشريحة المستهدفة.
فان الخطيب - مثلاً - يختار الموضوع الملائم للحال والمقام, ثم يختار الزاوية التي سيطرقه من خلالها, ثم يختار الأسلوب المناسب, فمن مسألة علمية هادئة, الى وعظ مؤثر, الى تحذير مندفع, الى مزيج من هذا وذاك.
ولا يفترض ان يكرر الخطيب نفسه ان كان مبدعا متجددا بل يعمد الى التنويع المحبب الذي هو قاعدة كونية وسنة شرعية, والمؤكد ان نوع الاهتمام الذي يمنحه الانسان لقضية قد يزيد وينقص ويؤثر هذا في معالجته للقضية سلبا وايجابا.
وكلما تعددت الموضوعات وتنوعت توزع الاهتمام بينها والطاقة تظل محدودة وقد يحملنا الخوف على الاحجام عن اكتساب طرق او سائل جديدة للدعوة والخوف دافع فطري غريزي لكنه لابد ان يمزج بغيره ويرشد حتى يعتدل وينضبط.
وقديما قال عمر بن عبدالعزيز -رحمه الله- يجد للناس من الاقضية بقدر ما يجد لهم من الفجور.
واذا كان الاجتهاد الصحيح المنضبط الذي لم يتردد فيجمد ولم يندفع فينفلت هو من اهم الثوابت الشرعية, فهو -ايضا- اساس المتغيرات.
وكان جديرا ان يتحقق شيء من المبادأة الاسلامية التي تكسر الروتين المعتاد بالتفوق العلماني الذي يقدم نفسه وكأنه نصير حرية التعبير, وحرية الفكر وحرية الابداع.
وان مشاركة اولياء الاسلام وتسارعهم في عرض التصور الامثل للحرية التعبيرية المنضبطة بضوابط الشرع البعيدة عن العدوان على النفس او على الآخرين.. لا يعني المنضبطة بضوابط الشرع البعيدة عن العدوان على النفس او على الآخرين.. لا يعني بحال انهم يجب ان يكونوا ضد السلم الاجتماعي الذي لا بقاء للامة ولا للدعوة الا به, وهكذا طرح شعار (الكلمة الحرة ضمان...) وهذا لا يعني بحال تجاهل الانضباط الشرعي الذي يوفر استقرارا للدعوة وقبله للامة.
كما ان ثمة خطين احمرين كنا ولا زلنا نعتقد بوجوب الحذر منهما في هذا السياق:
اولهما: الغلو في الدين, فانما اهلك الناس الغلو في الدين, وفتنة الغلو هي اول فتنة حدثت في الاسلام وترتب عليها شرخ هائل في كيان الامة, واستحلال بعضهم دماء بعض واموالهم.
الدعوة والاصلاح في ظل ظروف واوضاع تجعل هذا الخيار الغاء للفرص الضخمة الممكنة وحرمانا من المشاركة في مؤسسات الامة القائمة وامكانياتها الهائلة للتواصل والتغيير والتأثير.
ان المكاسب التي تزخر بها بلاد الاسلام توجب على الدعاة طرح اسلوب المشاركة المتميزة في الواقع العملي, فهو المحك والميدان الحقيقي لاختبار القدرة على الاصلاح اذ الشعار المجرد لا يكفي, وقد يرفع احيانا لمجرد التحدي واثبات عجز الآخرين.

يقف كثير من الشباب في حيرة من امره عندما يسمع الفتاوى من العلماء فترى عالما في مسألة (ما) يجيزها, والعالم الآخر يحرمها, فلا يدري الشاب من يتبع!! في نظركم الشخصي كيف يعمل الشاب في هذه الحالة وهل اذا افتى العالم برئت ذمة المستفتي?

* الخلاف الفقهي والاجتهادي المبني على النظر والتأمل في الادلة والوقائع نتيجة لتفاوت انظار المجتهدين وسعة مدركاتهم, ولهذا يجب ان يكون مقبولا من حيث المبدأ والا نضيق به, والامة اليوم تحتاج الى تربيتها على قبول التعددية العلمية المبنية على الاجتهاد وليس على الهوى.
وفي تقديري ان المسائل المهمة والكبيرة يجب الا ينظر فيها الى اي قول بقطع النظر عن قائله بل يفترض الا يخوض فيها الا اولو الخبرة والبصيرة وربما اكثر من ذلك انها تحتاج الى اجتهاد جماعي مرسم يشارك فيه اهل العلم والتحصيل واهل الرعاية والعناية بأحوال الامة ممن لهم فضل وسابقة.
اما عن المتلقين اذا كانوا لا يعلمون فشأنهم كما قال تعالى {فاسألوا اهل الذكر ان كنتم لا تعلمون} (النحل من الآية 43) فيختارون من الاقوال ما يرونه اصوب واقرب او يختارون من العلماء من يرونه اتقى لله وافقه في دينه.

لو تحدثنا عن العلاقة بين الدعوة والمجتمع بكل اطيافه ومؤسساته?

* يفترض ان تكون صناعة مشاريع الدعوة داخلية اي انها تتحرك داخل المجتمع لصناعة الاصلاح الاجتماعي.
ثمة ضرورة فطرية ان الدين هو سياج الاخلاق والامن, ومن هنا فان الدعوة ليست مفهوما لملاحقة اخطاء المجتمع فحسب او رسم صورة من الصراع بين طرف وآخر. الدعوة مفهوم مبادرة وأولوية في الترتيب الاجتمعي.
وحينما نتحد ث عن التطور فاننا بحاجة الى ادراك حضارية الاسلام حتى نقدم اجابة معقولة لكثيرين يلحون على الذوق الحضاري والنمطية الحضارية لكنهم قد يمارسون نقلا لنماذج او مشاريع من الغرب, هذه مسؤولية تتحرك في التأثير على سيادة الامة ويجب ان تفكر كل المجموعات الاجتماعية بمسؤوليتها.
اننا نخطئ حينما نفترض اننا نتسابق لتحقيق مصالح خاصة, اننا أمناء امام الله والتاريخ على امتنا, لماذا الغرب جاد في سيادته وحقوق امته حتى على حساب الآخرين?
نحن يجب ان نتحرك بعدل وامانة مع كل احد لكن يجب ان تقدر ان الدين ضرورة للمجتمع باعتباره رسالة الله لخلقه وباعتباره قاعدة المصالح الآدمية.
عبدالهادي القرني (الطائف)
=============
بسم الله الرحمن الرحيم

مـــــــــركــــــــب الــــنـــــجــــــاة

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين .. أما بعد ..
فإن ظهور المعاصي والمنكرات والمجاهرة بذلك ظاهر لكل أحد في الأسواق ومجتمعات كثير من الناس ، والوعيد على ذلك شديد والعقاب عليه يعم الواقع فيه والساكت عنه مع القدرة على الإنكار .قال تعالى : { لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى بن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون * كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون }.
واللعن هو الطرد والإبعاد من رحمة الله ، والمطرود من رحمة ربه الشيطان وليه قال تعالى : { أفتتخذونه وذريته أولياء من دوني وهم لكم عدو بئس للظالمين بدلا } وهذا البدل { إنما يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير } .
وتأمل الحض على النهي عن الفساد في الأرض وتعليق النجاة بذلك قال تعالى : { فلولا كان من القرون من قبلكم أولوا بقية ينهون عن الفساد في الأرض إلا قليلاً ممن أنجينا ... } الآية .
فتأمل قوله تعالى : { إلا قليلاً ممن أنجينا } واعلم أن هؤلاء هم الكثير وإن قل عددهم لأن الله معهم ، وهؤلاء هم الأعلون وهم أهل العزة والظهور ، ولهم حسن العاقبة في الدنيا والآخرة ، ولهم التمكين في الأرض ؛ وبالجملة فإن لهم كل وصف جميل في الدنيا والآخرة وبضد ذلك الكفرة والفسقة فلهم كل وصف قبيح في الدنيا والآخرة مع سوء العاقبة .
وما يُؤَمِّن تارك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أن يكون شراً من أهل المعاصي الظاهرة .
ولقد قال ابن القيم رحمه الله :
( وليس الدين مجرد ترك المحرمات الظاهرة بل بالقيام مع ذلك بالأوامر المحبوبة لله ، وأكثر الدينين لا يعبئون منها إلا بما شاركهم فيه عموم الناس .
وأما الجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والنصحية لله ورسوله وعباده ونصرة الله ورسوله ودينه وكتابه فهذه الواجبات لا تخطر ببالهم فضلاً عن أن يريدوا فعلها وفضلاً عن أن يفعلوها . وأقل الناس ديناً وأمقتهم إلى الله من ترك هذه الواجبات وإن زهد في الدنيا جمعيها . وقل أن ترى منهم من يحمر وجهه ويمعره لله ويغضب لحرماته ويبذل عرضه في نصر دينه ، وأصحاب الكبائر أحسن حالاً عند الله من هؤلاء .
وقد ذكر أبو عمر وغيره : أن الله تعالى أمر ملكاً من الملائكة أن يخسف بقرية فقال : يا رب إن فيهم فلاناً العابد الزاهد ، قال : به فابدأ أو أسمعني صوته إنه لم يتمعر وجهه فـيَّ يوماً قط ! ) انتهى .
وقال الشيخ محمد بن عبد اللطيف رحمه الله في رسالة له إلى المسلمين يحذر فيها من المعاصي ومن ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر . قال : ( وروى ابن أبي حاتم عن علي ـ رضي الله عنه ـ أنه خطب فقال : " يا أيها الناس إنما هلك من كان قبلكم بركوبهم المعاصي ولم ينههم الربانيون والأحبار ، فلما تمادوا أخذتهم العقوبات فأمُروا بالمعروف وانهوا عن المنكر قبل أن ينـزل بكم الذي نزل بهم واعلموا أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا يقطع رزقاً ولا يقرب أجلاً " .
وروى الإمام أحمد وابن ماجة بسند حسن عن جرير مرفوعاً : ( ما من قوم يكون بين أظهرهم من يعمل بالمعاصي هم أعز منه وأمنع لم يغيروا عليه إلا أصابهم الله بعذاب من عنده ) وقال تعالى : { لولا ينهاهم الربانيون والأحبار .. } قال ابن النحاس : ( دلت الآية على أن تارك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كمرتكبه ) .
وقال القرطبي : ( والآية توبيخ للعلماء في ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وتا لله إنهم لأهل لكل توبيخ فأنى يصلح الناس والعلماء فاسدون ؟! أم كيف تعظم المعصية في قلوب الجاهلين والعلماء بأفعالهم وأقوالهم لم ينهوهم عنها ؟! أم كيف يرغب في الطاعة والعلماء لا يأتونها ؟! أم كيف يتركون البدع والعلماء يرونها فلا ينكرونها ؟! ) إلى أن قال : ( وأما في زماننا هذا فقد قـيَّد الطمع ألسن العلماء فسكتوا إذْ لم تساعد أقوالهم أفعالهـم ، ولو صدقوا الله لكان خيراً لهم ، فإذا نظرنا إلى فساد الرعية وجدنا سببه فساد الملوك ، وإذا نظرنا إلى فساد الملوك وجدنا سببه فساد العلماء والصالحين ، وإذا نظرنا إلى فساد العلماء والصالحين وجدنا سببه ما استولى عليهم من حب المال والجاه وانتشار الصَّيت ونفاذ الكلمة ومداهنة المخلوقين وفساد النيات والأقوال والأفعال ) انتهى .
والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجب كل مسلم ، والخطاب في ذلك من الرب عز وجل ومن نبيه صلى الله عليه وسلم عام لجميع المسلمين ، والموفق من استجاب لربه ولنبيه .
فلو قيل : إن فيه اليوم من يأمر وينهى لقيل : نعم ، ولكن لم يقم بذلك حتى من تحصل بهم عشر الكفاية ، والإثم لا يرتفع حتى يقوم بالأمر والنهي من يكفي وتزول المنكرات الظاهرة على الأقل .
فالمتعّين على المسلمين اليوم لدفع البلاء الذي نخشى أنها قد انعقدت أسبابه القيام بما أوجب الله عليهم من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .
ومع أن في ذلك اندفاع العقوبات والبلاء عن المسلمين ففيه أيضاً استجلاب النعماء لهم التي هي على الحقيقة استعلاء الدين ونصره الذي تكفل به الولي النصير سبحانه وبحمده لمن نصر دينه .
لقد كان المسلمون فيما مضى يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر بصدق وعزيمة واهتمام ويدعون إلى الله ويخوفـون من حلول النقمات والعقوبات الدنيوية والأخروية مع أنه لانسبة لمنكرات أزمانهم لما نحن فيه اليوم لأن المجاهرة بالمنكرات في زماننا لم يحدث لها نظير ، وشؤمها عظيم خطير .
وللتنبيه فليس من شرط الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر استجابة العصاة لذلك ، قال ابن تيمية رحمه الله : ( ثم لو فُرض أنا علمنا أن الناس لا يتركون المنكر ولا يعرفون بأنه منكر لم يكن ذلك مانعاً من إبلاغ الرسالة وبيان العلم ) انتهى .
كلام الشيخ هذا على تقدير أسوأ الأحوال وإلا فليس خافٍ أن أوقاتنا هذه مختلفة عن أوقاتنا الماضية فالقلوب اليوم متحركة فكم وكم ممن بإذن الله سيستجيب ! ، وكم من منكر سيزول ! ، وكم ممن سوف يشارك ولم يكن له من قبل في هذا الأمر نصيب ! ، وذلك ببركة امتثال أمر الله عز وجل بالقيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عملاً إذْ لا يكفي الكلام في المساجد والملتقيات .
وإنه لا يسعنا أمام الله إلا أن يكون هذا الأمر أكبر همنا لنستدعي بذلك رضى ربنا .
وإننا على يقين أنه لو قام قائم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فستكون له بإذن الله نتائج باهرة وعواقب محمودة من دفع البلاء واستجلاب النعماء وإظهار الدين وتحريك القلوب والشعور بالعزة والكرامة التي أُنيطت بطاعة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ، ولأنه سبحانه هو الشكور المحسن المنان فإنه يصنع لأهل الدين ما لم يكن بالحسبان .
إننا بقيامنا بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر نطفئ الحريق الذي أشعلته الذنوب وننقذ الغريق الذي أحاطت به الخطوب والكروب .
فلنراغم الشيطان متوكلين على الرحمن فهذا سبيل النجاة وبه إغاثة الهلكى بالرحمة المهداة ، وفيما وصفت الفرج والمخرج من هذه الظلمات بإذن الله تعالى مع ما يُرجى من لطف اللطيف وكرم الكريم مما يصنعه لعباده المؤمنين مما لا يخطر لهم على بال فهو بداية خير بإذن الله .
وتذكروا قول الله تعالى : { وإن تتولوا يستبدل قوماً غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم .. } فمن لم تحدث له هذه الآية الخوف الشديد فليعلم أنه على خطر ، وهي خاصة وعامة فاستبدال أفراد بأفراد وجماعات بجماعات لقيام الرب سبحانه بالقسط ، وإن نفع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عظيم .
قال ابن عقيل في الفنون : ( ومن أعظم منافع الإسلام وآكد قواعد الأديان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والتناصح ، فهذا أشق ما تحمله المكلف لأنه مقام الرسل حيث يثقل صاحبه على الطباع ، وتنفر منه نفوس أهل اللذات ويمقته أهل الخلاعة ، وهو إحياء السنن وإماتة البدع .. إلى أن قال : لو سكت المحقون ونطق المبطلون لتعوَّد النشوء على ما شاهدوا وأنكروا ما لم يشاهدوا ، فمتى رام المتدين إحياء سنة أنكرها الناس فظنوها بدعة وقد رأينا ذلك ) انتهى .
وقال الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله : ( أرى أناساً يجلسون في المساجد على مصاحفهم يقرؤون ويبكون فإذا رأوا المعروف لم يأمروا به وإذا رأوا المنكر لم ينهوا عنه وأشوف أناساً يعكفون عندهم يقولون : هؤلاء لِحَىً غوانم ، وأنا أقول : إنهم لِحَىً فواين ، فقال السامع : أنا ما أقدر أقول : إنهم لِحَىً فواين ، فقال الشيخ : إنهم من الصم البكم !! ) انتهى .
قال الشيخ حمد بن عتيق رحمه الله بعد أن أورد هذا الكلام للشيخ محمد . قال : ( ويشهد لهذا ما جاء عن بعض السلف أن الساكت عن الحق شيطان أخرس ، والمتكلم بالباطل شيطان ناطق ، ثم قال : ولو تحقق من بخل بلسانه عن الصدع بأمر الله أنه شيطان أخرس وإن كان صائماً قائماً زاهداً لما تبع مشابهة الشيطان بأدنى طمع ) انتهى .
قال الشيخ محمد بن عبد اللطيف رحمه الله : ( ومن علامة محبة الله والصدق في معاملته والخوف منه الغيرة عند انتهاك حرماته بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والقيام لله والأخذ على أيدي أهل البَطَر والسَّفه والـتُّهم وحملهم على طاعة الله وكفهم عن معاصي الله ، ورَدْعهم عن ذلك سواء كانوا أقربين أو بعيدين ، أقوياء كانـوا أو ضعفاء ، فإن بالقيام بذلك والمسارعة إليه وإيثار رضا الله على الدنيا والتواصي بالحق والتعاون عليه كل بحسب حاله في ذلك مما يكون سبباً لرضاه وجلب كل خير ودفع كل شر ، وبالاغترار بالدنيا وزينتها والغفلة عن الله والإعراض عن الأوامر والنواهي يحصل الهوان والذل والعار في الدنيا والآخرة ويحصل الهم والغم وتنـزع البركات وتحل النقمات والمـثُـلات ... ثم قال : وظهور المعاصي وعدم إنكارها والسكوت عن فاعلها والإغضاء عنه مما يوجب سخط الرب وحلول عذابه ونزول عقابه ) انتهى .
وفي المسند أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( ما من قوم يعمل فيهم بالمعاصي هم أعز وأكثر ممن يعملها ولم يغيروا إلا عمهم الله بعقابه ) .
وفيه أيضاً عن ابن عمر رضي الله عنهما : ( والذي نفسي بيده لا ينفصم الإسلام حتى لا يقال في الأرض الله الله . لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر وإلا سلط الله عليكم المشركين يسومونكم سوء العذاب ثم يدعو خياركم فلا يستجاب لهم . لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر أو ليبعثن الله عليكم من لا يرحم صغيركم ولا يوقّر كبيركم ) انتهى .
إن هذه العقوبة قد انعقدت أسبابها فالنجاة بامتثال أمر الله وفي الحديث عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : (ما ظهر الزنا في قرية إلا أذن الله بهلاكها ) .
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : قال صلى الله عليه وسلم : ( لا تزال لا إله إلا الله تنفع من قالها وترد عنهم العذاب والنقمة مالم يستخفوا بحقها ، قالوا : يا رسول الله : وما الاستخفاف بحقها ؟ قال : يظهر العمل بمعاصي الله فلا ينكر ولا يُغيَّر ) .
وعن أنس أيضاً قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لا تزال لا إله إلا الله تمنع العباد من سخط الله ما لم يؤثروا دنياهم على صفقة دينهم فإذا آثروا دنياهم على صفقة دينهم ثم قالوا : لا إله إلا الله رُدًّتْ عليهم وقال الله : كذبتم ) فدل هذا الأثر على أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من حقوق لا إله إلا الله بل هو من أشرف مقامات الدين وفرائضه التي افترضها الله على عباده المؤمنين .
وفي الأثر أيضاً : أن المعصية إذا خفيت لا تضر إلا صاحبها ، وإذا ظهرت ولم تُغَيَّر ضرت العامة ، وليس معناه أنها تظهر في الأسواق وتشتهر علانية بل إذا تحدث الناس بها وفشا القول فيها بينهم فهذا من ظهورها كما ذكر ذلك العلماء رحمهم الله ) انتهى .. وأين الشيخ من زماننا ومنكراته المجاهَر بها والتي لا تعد ولا تحصى !! .
ولقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : (صلاح العباد بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، فإن صلاح المعاش والعباد في طاعة الله ورسوله ولا يتم ذلك إلا بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وبه صارت هذه الأمة خير أمة أخرجت للناس ، قال الله تعالى : { كنتم خير أمة أخرجت للنـاس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر .. } ، وقال تعالى : { ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ..} ، وقال تعالى : { والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر }.. ..) انتهى .
وليعلم أهل الدين أن هذا جهادهم اليوم بلا سيف ولا سوط وأنهم إن استمروا عليه ولم يبالوا بمعارض فسيصنع الله لهم ما ليس في حسبانهم ، وليتذكروا ما جرى لأصحاب السبت وأن الله أنجى من نهاهم عن المنكر ومسخ من تعدى حدوده ، قال تعالى : {فلما نسوا ما ذكروا به أنجينا الذين ينهون عن السوء وأخذنا الذين ظلموا بعذاب بئيس بما كانوا يفسقون } .
ثم تذكروا أنه لما قدم الباشا بجيشه إلى الدرعية وصار يدك الحصون بمدافعه حتى تساقطت فأخذ الناس قُلّة من القلال التي ترمي بها المدافعُ على الحصون لهدمها فوضعوها في حجر أحد آل الشيخ وهو رجل أعمى وقالوا له : أدع الله لنا ؛ فأخذ يضرب القلة بيده ويقول : هذا زبد المعاصي يا أهل الدرعية !! . انتهى .. ووالله إن لم نتدارك الأمر ليكونن زبد معاصينا هائلاً ! ، وإنه لا نسبة ولا مقارنة ولا مقاربة لما نحن فيه وما عليه أهل الدرعية ذلك الوقت ، ولا يقال في يومنا هذا عن أهل الكفريات والمنكرات : إنهم خرقوا السفينة وإنما أغرقوها ! فالنجا النجا باستدفاع سخط الجبار بالأمر بالمعروف والنهى عن المنكر قبل حلول الدمار ، وأروا الله من أنفسكم خيراً .
قال الشيخ حمد بن عتيق رحمه الله : ( فالنجاة عند نزول العقوبات هي لأهل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كما قال تعالى : { فلما نسوا ما ذكروا به أنجينا الذين ينهون عن السوء } .. انتهى .
وليكن ختام هذه المذكرة بزيادة بيان لطريق النجاة الذي كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي { يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر .. } وأن ذلك باتباعه وأن هذا هو طريق المحبة وكل الطرق سواه مسدودة ، وقد وضحه ابن القيم رحمه الله وجلاّه حيث قال في كتابه العظيم [مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين ] : ( ومن منازل ( إياك نعبد وإياك نستعين ) : منـزلة (المحبة) ، وهي المنـزلة التي فيها تنافس المتنافسون ، وإليها شخص العاملون ، وإلى عَلَمِها شمّر السابقون ، وعليها تفانى المحبوب ، وبِرَوْح نسيمها تَرَوّح العابدون ، فهي قُوت القلوب ، وغذاء الأرواح ، وقرة العيون ، وهي الحياة التي من حُرمها فهو من جملة الأموات ، والنور الذي من فَقَدَه فهو في بحار الظلمات ، والشفاء الذي من عدمه حَلَّت بقلبه جميع الأسقام ، واللذة التي من لم يظفر بها فعيْشه كله هموم وآلام وهي روح الإيمان والأعمال والمقامات والأحوال ، التي متى خَلَتْ منها فهي كالجسد الذي لا روح فيه .
تحمل أثقال السائرين إلى بلاد لم يكونوا إلا بشق الأنفس بالغيها ، وتُوصِلهم إلى منازل لم يكونوا بدونها أبداً واصليها ، وتُبَوِّؤهم من مقاعد الصدق مقامات لم يكونوا لولاها داخليها ، وهي مطايا القوم التي مسراهم على ظهورها دائماً إلى الحبيب ، وطريقهم الأقوم الذي يبلغهم إلى منازلهم الأولى من قريب ، تالله لقد ذهب أهلها بشرف الدنيا والآخرة ، إذْ لهم من معيّة محبوبهم أوفر نصيب ، وقد قضى الله يوم قدر مقادير الخلائق بمشيئته وحكمته البالغة أن المرء مع من أحب فيالها من نعمة على المحبين سابغة ! ، ثم قال رحمه الله : أجابوا منادي الشوق إذ نادى بهم : حَيَّ على الفلاح ، وبذلوا نفوسهم في طلب الوصول إلى محبوبهم وكان بذلهم بالرضى والسماح ، وواصلوا إليه المسير بالإدلاج والغدو والرواح ، تا لله لقد حمدوا عند الوصول سُرَاهم ، وشكروا مولاهم على ما أعطاهم ، وإنما يحمد القوم السُّرى عند الصباح :
فحَيَّ هلاَ إن كنت ذاهمة فقد ****** حدى بك حادي الشوق فاطْوٍ المراحلا
وقل لمنادي حبهم ورضاهُمُ ****** إذا ما دعا : لبيك ألفـاً كوامِلا

ولا تنظر الأطلال من دونهم فإن ****** نظرت إلى الأطلال عُدْن حوائلا

ولا تنتظر بالسير رفقة قاعدٍ****** ودَعهُ فإن الشوق يكفيك حاملا

وخذ منهمو زاداً إليهم وسِرْ على ****** طريق الهدى والحب تصبح واصلا

وأحْيِ بذكراهم سُراكَ إذا دَنَتْ ****** ركابُك فالذكرى تُعيدك عاملا

وإمّا تخافنّ الكلال فقل لها : ****** أمامك وِرْد الوصل فابغي المناهلا

وخذ قبساً من نورهم ثم سِرْ بهِ ****** فنورُهمو يهديك ليس المشاعلا

وحي على جنات عدن فإنها ****** منازلك الأولى بها كنت نازلا

ولكن سباك الكاشحون لأجل ذا****** وقفتَ على الأطلال تبكي المنازلا

وحي على يوم المزيد بجنة الـ ****** خلود فجُدْ بالنفس إن كنت باذلا

فدعها رسوماً دارساتٍ فما بها ****** مقيل وجازها فليست منازلا

رسوماً غَفَتْ ينتابها الخلق كم بها ****** قتيل ٍ وكم فيها لذا الخلق قاتلا

وخُذ يمنةً عنها على المنهج الذي ****** عليه سرى وفْد الأحبة آهلا

وقل ساعدي يا نفس بالصبر ساعةً ****** فعند اللقـا ذا الكـدِّ يصبـح زائـلا

فما هي إلا ساعة ُ ثم تنقضي****** ويصبح ذو الأحـزان فرحانَ جاذلا

لقد حرك الداعي إلى الله وإلى دار السلام النفوس الأبِيَّة والهمم العلية وأسمع منادي الإيمان من كانت له أذن واعية ، واسمع والله من كان حياً فهزه السماع إلى منازل الأبرار ، وحدا به في طريق سيره فما حطت رحاله إلا بدار القرار .
أول نقدة أثمان المحبة : بذل الروح ، فما للمفلس الجبان البخيل وسوْمها ؟ :
بدم المحب يباع وصلهمُ ****** فمن الذي يبتاع بالثمن !!
تا لله ما هزلت فيستامها المفلسون ، ولا كسدت فيبيعها بالنسيئة المعسرون ، لقد أقيمت للعرض في سوق من يزيد ، فلم يرض لها بثمن دون بذل النفوس فتأخر البطالون ، وقام المحبوب ينظرون ، أيهم يصلح أن يكون ثمناً ! فدارت السلعة بينهم ووقعت في يد ( أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين ) ! . لما كثر المدعون للمحبة طولبوا بإقامة البينة على صحة الدعوى ، فلو يعطى الناس بدعواهم لادعى الْخِليُّ حرقةَ الشَّجيِّ ، فتنوع المدّعون في الشهود فقيل لا تُقبل هذه الدعوى إلا ببيِّنة { قل إن كنتم تحبون الله فاتبعون يحببكم الله .. }فتأخر الخلق كلهم وثبت أتباع الحبيب في أفعالـه وأقواله وأخلاقه فطولبوا بعدالة البينة بتزكيـة { يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم .. } فتأخر أكثر المحبين وقام المجاهدون ، فقيل لهم : إن نفوس المحبين وأموالهم ليست لهم ، فهلموا إلى بيعة { إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة ..} .
ثم قال رحمه الله : إذا غُرست شجرة المحبة في القلب ، وسُقيت بماء الإخلاص ومتابعة الحبيب أثمرت أنواع الثمار ، وآتَتْ أُكُلها كل حين بإذن ربها ، أصلها ثابت في قرار القلب ، وفرعها متصل بسدرة المنتهى . انتهى باختصار .
والحمد لله رب العالمين وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
كتبـه / عبدالكريـم بن صالـح الحميـد
رمضـان 1423 ] .
=============
اضافة رد مع اقتباس
  #2  
قديم 09/12/2002, 05:47 PM
مشرف سابق بمنتدى الثقافة الإسلامية
تاريخ التسجيل: 15/12/2000
المكان: القصيم
مشاركات: 2,953
أمريكا تطويها السنن
دروس عجاب من آيات الكتاب..

أضواء على الأسباب في إنزال العقاب ..


إن المتأمل في حـال الولايات المتحــدة يكاد لا يشـك أنها قد تتعرض إلى عقاب إلهي مدمر، شديد الوطأة، عظيم التأثير، واسع الانتشار، يتناول الناس والحيوان والجمادات، ربما تنهار بسببه الأبنية والمنشآت، أو تتشرذم وحدتها إلى كيانات، والله ـ تعالى ـ أعلم بما هو آت !!.
ما ذكرته أعلاه لا يدخل في باب الكهانة ولا التنبؤات، بل هو ما تقتضيه السنن الربانية وما نزل في ذلك من الآيات، في إيقاع العقوبة الإلهية بمن تحققت فيه الصفات: من تكبر وتجبر وافتئات. ولعلنا نبين حال هذه الدولة الآن قبل أن ينزل عليها وابل العذاب من الرب الشديد العقاب.

* أســباب التدمير الإلهي :

نعدد فيما يلي الأسباب التي لأجلها تستحق الولايات المتحدة التدمير الإلهي .


(1) الكفر والصد عن سبيل الله بعد إقامة الحجة.
إن الولايات المتحــدة هي دولة أهــل كتاب؛ فالمسلمون فيها لا يتجاوزون 5% وهم (أي الأمريكيون) مأمورون كغيرهم من عموم أهل الكتاب بتوحيد الله تعالى، وتنزيهه عن الولد، وبالإيمان بالنبي صلى الله عليه وسلم ، لكنهم ركبوا رؤوسهم ولم يستجيبوا لــدعوة ربهم. قال ـ تعالى ـ: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إلاَّ اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّهِ فَإن تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ} [آل عمران: 64] . وقـد تولوا؛ وليس لهم في توليهم حجة، بل قــد قامــت عليهم البينة، كما قال ـ تعالى ـ: {لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْـمُشْرِكِينَ مُنفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ * رَسُولٌ مِّنَ اللَّهِ يَتْلُو صُحُفًا مُّطَهَّرَةً * فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ} [البينة: 1 - 3] وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «والذي نفسي بيده ما يسمع بي أحد من هذه الأمة، يهودي ولا نصراني، ومات ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أهل النار» رواه مسلم .

وقد تبين لكل أحد، وخاصة بعد أحداث 11 سبتمبر 1002م، أن دعوة الإسلام قد دخلت بيت كل أمريكي ابتداءً من رئيسها وإدارته إلى الأفراد العاديين من الشعب الأمريكي؛ فالحجة عليهم قائمة. ولم تكتف الولايات المتحدة بالكفر بالإسلام بل وضعــت كل إمكاناتها للصـد عن سبيل الله بكل وجه استطاعـته. فلهذا اندرجت في سنة الله في إهلاك الكافـرين والـذين هم عن سبيل الله من الصادين. قـال ـ تعالى ـ: { إنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انتِقَامٍ } [آل عمران: 4]. وقـال ـ تعالى ـ: {فَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَأُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ } [آل عمران: 56] . وقال ـ تعالى ـ: {إنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ } [الأنفال: 36]. وقال ـ تعالى ـ: {فَأَمْلَيْتُ لِلْكَافِرِينَ ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ} [الحج: 44]. وقال ـ تعالى ـ: {الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ أَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ } [محمد: 1] . فكل من يكفر ويصد عن سبيل الله مستحق للعقاب الشديد من الله تعالى، ولن تغني عنه قوته وسطوته شيئاً إذا جاء أمر الله تعالى. قال الله ـ عز وجل ـ: {إنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَن تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُم مِّنَ اللَّهِ شَيْئًا وَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [آل عمران: 116].


(2) التأله.
لقـد ادعت أمريكا لنفسها من القــدرات ما لا يليق إطلاقه إلا على الله تعالى؛ فهي تمارس عـلاقاتها مع كافة دول العالم على طريقة فرعون عندما قـال : {يَا أَيُّهَا الْـمَلأُ مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إلَهٍ غَيْرِي} [القصص: 38]. وعندما قال: {أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلَى} [النازعات: 24]. وعندما قال: { مَا أُرِيكُمْ إلاَّ مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إلاَّ سَبِيلَ الرَّشَادِ} [غافر: 29]. فلما وقع للولايات المتحدة مثل هذا الادعاء، ليس بلسان المقال، بل بلسان الحال، كان لا بد أن تتعرض لعقاب الملك الديان؛ ذلك أن خطابها مع كافة حكومات وشعوب المعمورة كان منطلقاً من جوف هذا الشعور المملوء بالغطرسة والتجبر، وكأنها تقول إنها تعز من تشاء وتذل من تشاء، كما وقع ذلك حين خاطب الرئيس الأمريكي بوش رئيس باكستان مشرف بقوله: أمامك خياران: إما أن تدخل في حلف الولايات المتحدة في حربها ضد الإرهاب، وإما أن نعيد باكستان إلى العصر الحجري !! وحالها أيضاً كحال النمرود عندما قـال لإبراهيم ـ عليه الصلاة والسلام ـ: { أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ} [البقرة: 258] كيف؟ قال: آتي بإنسان حي فأقتله، وآتي بإنسان محكوم عليه بالقتل فأعفو عنه. وهكذا تفعل الولايات المتحدة؛ فمن تريد قتله سلطت عليه آلتها الحربية الجبارة من أمثال الطائرات B 25 أو صواريخ توماهوك (كروز) فأبادته وأحالت أرضه يباباً، ومن أرادت إبقاءه حياً عفت عنه. هكذا هو منطوقها ومفهومها. أي كما يفعل الإله. فسبحان الله ـ تعالى ـ عما يدعيه المتألهون. فبسبب ممارستها ما لا يحق لأحد أن يقوم به إلا الإله الحق استحقت أن يحيق بها العذاب الإلهي، كما حاق بفرعون عندما ادعى الألوهية. قال ـ تعالى ـ: {فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ وَهُوَ مُلِيمٌ} [الذاريات: 40]. وقال ـ تعالى ـ: {وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ} [الأعراف: 137] .


(3) الذنوب.
صحيح أن الذنوب قد تقع من أي إنسان أو أمة، إلا أن الولايات المتحدة هي أبرز من يقود العالم نحو الموبقات، ومن أهمها الاقتصاد العالمي القائم على البنوك الربوية والبورصات المالية، ثم ما تنفذه من مخططات لتغيير السلوك السوي لدى بني الإنسان من خلال إنتاجها للأفلام الإباحية وأفلام الجريمة، المفعمة جميعها بكل ألوان الانحرافات التي تخطر على بال الإنسان أو لا تخطر. وقد تولت هوليود كبر هذه الطامات العامة الشاملة. هذا إضافة لفرض آرائها الضالة وأفكارها الشاذة في السياسة والاقتصاد والثقافة وغيرها على معظم دول العالم مع تدخلها في الشؤون الداخلية لتلك الدول ومحاولة تغيير هويتها وخصوصياتها تحت مسمى «العولمة». هذا فضلاً عن تهديداتها باستعمال القوة ضد أي دولة تتمرد على السير وفق المخطط الذي تضعه لها ملوِّحةً للجميع بتواجد قواتها في كافة القارات وجميع المحيطات وفي الفضاء وآفاق السموات، وأنها لن تتورع عن استخدامها ضد كل من يقف حائلاً دون تحقيق مصالحها الأنانية الخاصة بها دون غيرها.

ولم تكتف الولايات المتحدة بذلك، بل أخضعت جميع الأنظمة الحاكمة في العالم لتتبنى الديمقراطية كأسلوب لممارسة الحكم، وأن الدول التي لا تفعل ذلك تعتبر دولاً مارقة. فلهذه الذنوب العظيمة، وغيرها كثير جداً، مما لا يتسع المقام لذكره وتعداده فإن هذه الدولة المتجبرة المتكبرة قد وضعت نفسها في موضع من يستحق أن ينزل عليه الغضب الإلهي والعقاب الرباني، حيث إن سنة الله ـ تعالى ـ قد جرت على هذا النحو في كل من يقترف أمثال هذه الموبقات في الأمم السالفات ، قال ـ تعالى ـ: {فَكُلاًّ أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُم مَّنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُم مَّنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُم مَّنْ خَسَفْنَا بِهِ الأَرْضَ وَمِنْهُم مَّنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ } [العنكبوت: 40]. وقال ـ تعالى ـ: {كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [آل عمران: 11]. وقال ـ تعالى ـ: {أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مِّن قَرْنٍ مَّكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّن لَّكُمْ وَأَرْسَلْنَا السَّمَاءَ عَلَيْهِم مِّدْرَارًا وَجَعَلْنَا الأَنْهَارَ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُم بِذُنُوبِهِمْ وَأَنشَأْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْنًا آخَرِينَ } [الأنعام: 6] . وقال ـ تعالى ـ: {أَوَ لَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ كَانُوا مِن قَبْلِهِمْ كَانُوا هُمْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَآثَارًا فِي الأَرْضِ فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِـــمْ وَمَا كَانَ لَهُـــم مِّـنَ اللَّهِ مِــــن وَاقٍ} [غــافــــــــــــــــر: 21]. وقال ـ تعالى ـ: {فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُم بِذَنْبِهِمْ فَسَوَّاهَا * وَلا يَخَافُ عُقْبَاهَا}[الشمس: 14 - 15].

فهذه الآيات تبين سنة الله في أخذه الأمم والدول بذنوبهم التي يقترفونها، محادين في ذلك لما جاءهم من الله ـ تعالى ـ على ألسنة أنبيائه ورسله. وإن الولايات المتحدة ليس لها عهد عند الله ـ تعالى ـ خاص بها لتستثنى من هذه السنن المضطردة؛ فلذلك يصيبها ما يصيبها بما اقترفت أيديها من الذنوب المهلكات.


(4) الظلم.
لا يختلف اثنان على الحجم الهائل للظلم الذي أوقعته أمريكا على الدول والشعوب والأفراد؛ فهي إضافة للظلم الذي تمارسه من خلال تدخلاتها وضغوطها السياسية، فإنها تضيف إلى ذلك استعمال قواها العسكرية. إن ذكر مسلسل الظلم الأمريكي للبشرية يمتد عبر قرون وذلك منذ إنشائها. فقد مارس المهاجرون الأوائل إليها جميع ألوان التنكيل والقتل والتشريد بالسكان الأصليين لتلك البلاد ممن أطلق عليهم الهنود الحمر. وأما في العصر الحديث فإن الولايات المتحدة هي الدولة الوحيدة في العالم التي استخدمت السلاح الذري الرهيب مرتين ضد دولة واحدة هي اليابان في كل من هيروشيما ونغزاكي؛ حيث أبادت الملايين من البشر. ثم بعد الحرب العالمية الثانية استمرت في ممارسة هذا المسلسل الإجرامي الدامي إما بشكل مباشر كما فعلت في فيتنام والعراق ولبنان وكوسوفا والصومال وإيران، وكما لا تزال تفعله الآن في أفغانستان وفي دعمها لإسرائيل عسكرياً واقتصادياً وسياسياً، أو بشكل غير مباشر كما تفعله في دعمها للعدوان الروسي الغاشم على بلاد الشيشان، وكما تفعله في استخدامها للأمم المتحدة لتمرير مخططاتها الإجرامية بحق الدول والشعوب، كالذي حصل لتيمور الشرقية. ولأنها استمرأت الظلم فأصبح جـزءاً لا يتجزأ من ممارساتها المتعجرفة فإنها شرعت باستخدام قوتها ونفوذها للتأثير في أسعار البترول وفي تجميد أو مصادرة أموال دول وشركات ومؤسسات وأفراد، وفي اصطناع حروب بين الدول لإنعاش حركة الصناعة الحربية في معاملها. ولم تكتف أمريكا بذلك بل مدت ظلمها إلى الأفراد الإسلاميين والجماعات الإسلامية متذرعة بحجج لا أدلة لها فيها، كما فعلت بالشيخ عمر عبد الرحمن الذي أودعته سجونها دون توفير أدنى متطلبات الحقوق الإنسانية له رغم كبر سنه ومعاناته لعدد من الأمراض. وكما فعلت في تأليبها للأنظمة الحاكمة في كثير من بلاد العالم على الجماعات الإسلامية لتقزيم أنشطتها أو إيقافها بالكلية مع اصطناع وتلفيق التهم لها بالتآمر ليودع أفرادها السجون، ولتمارس ضدهم مختلف وسائل التعذيب.

وبعد أحداث 11 سبتمبر 1002م التي عجزت الحكومة الأمريكية عن تقديم أدلة مقنعة أنها من صنع القاعدة، أعلنت الولايات المتحدة مشروعها الظلامي والذي اســـمته الحــــرب على الإرهـــاب، ولا تقصد من ذلك في الحقيقة سوى ضرب حركات الجهاد الإسلامي أو من يدعمها، فشنت هذه الحرب الضروس الظالمة على طالبان وشعب الأفغان؛ وذلك في إطار مسلسل يتناول الشيشان وكشمير والفلبين وفلسطين وغيرها من الدول والجماعات والتنظيمات. ولقد جمعت أمريكا تحت عباءتها معظم دول العالم ليصبح الظلم ظاهرة عالمية مدعومة بما سموه بالشرعية الدولية، تمارسه هذه الدولة العاتية ومعها حلفاؤها من أعضاء الاتحاد الأوروبي وروسيا واليابان ودول أخرى ضد الشعوب الإسلامية المستضعفة، بغية القضاء على دينها وامتصاص ثرواتها والهيمنة على ممتلكاتها واستثماراتها والسيطرة على أراضيها. إنه ظلم عالمي قادته الولايات المتحدة الأمريكية لم يشهد له العالم مثيلاً على مر قرونه وتعاقب دهوره، فاستحقت لأجل ذلك كله، مما ذكرته ومما لم أذكره (وهو كثير جداً جداً)، أن ينزل عليها غضب الملك الحق الواحد القهار. وما كان لأمريكا أن تنجو من هذه العقوبة؛ وذلك بسبب ظلمها الفادح وجورها الصارخ، ولأن عقوبة الله ـ تعالى ـ للظالمين، سواء كانوا أفراداً أو شعوباً أو دولاً أو أمماً، هي سنة جارية مضطردة مستمرة، لا تزول ولا تحول. ولأن هذه التصرفات الظالمة لم تقتصر على الحكومة الأمريكية فحسب، بل تجاوزت ذلك إلى الشعب الأمريكي نفسه، حيث دلـت الاستفتاءات التي أجريت في شهر رمضان 2241هـ أن 58% من الشعب الأمريكي يؤيدون حكومتهم في حربها الظالمة الغاشمة المدمرة علــى شــعب أفغانستان المستضعــف. فلذلك فإن عقــاب الله ـ تعالى ـ لا يقتصر على الحكومة الأمريكية فحسب بل يمتد في قوته وعنفه ليشمل هذا الشعب الظالم المتكبر. قال ـ تعالى ـ: {وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ} [هود: 117]. وقال ـ تعالى ـ: {وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إلاَّ وَأَهْلُهَا ظَالِـمُونَ } [القصص: 59]. وقال ـ تعالى ـ: { إنَّا مُهْلِكُوا أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ إنَّ أَهْلَهَا كَانُوا ظَالِـمِينَ } [العنكبوت: 31] . وقال ـ تعالى ـ: {فَأَوْحَى إلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِـمِينَ} [إبراهيم: 13]. وقال ـ تعالى ـ: {وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَـمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِـمَهْلِكِهِم مَّوْعِدًا} [الكهف: 59].

فأحد أسباب هلاك الأمم والدول أن أهلها ظالمون. وإذا وقع عذاب الله عليهم فإنه لا يتناول الشعب فقط، أي بني الإنسان، في تلك المدن أو الدول، بل هو شامل لكل ما فيها من حضـــــارة وعمارة؛ فالإهــــلاك يقـــع عليهم جميعــاً كما قال ـ تعالـى ـ: {فَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِـمَةٌ فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَبِئْرٍ مُّعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَّشِيدٍ} [الحج: 45] . قال الضحاك: أي قد خربت منازلها وتعطلت حواضرها(1). وقال ـ تعالى ـ: {فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ مَّنضُودٍ } [هود: 82]. أي يعذبها الله ـ تعالى ـ عذاباً قاصماً، كما قال ـ عز وجل ـ: {وَكَمْ قَصَمْنَا مِن قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِـمَةً وَأَنشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْمًا آخَرِينَ} [الأنبياء: 11]. فيصبحون عبرة للمعتبرين. قال ـ تعالى ـ: {فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِـمِينَ} [يونس: 39]. إن عقوبة الأمم الظالمة تكون إما برجز ينزل عليهم من السماء، كنيازك أو صاعقة، كما قـال ـ تعالى ـ: {فَأَنزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزًا مِّنَ السَّمَاءِ} [البقرة: 59]. وكما قال: {فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ} [النساء: 153]. أو بإغراقهم بالطوفان، كما قال ـ تعالى ـ: {فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِـمُونَ} [العنكبوت: 14]. وكما قال: {وَلا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إنَّهُم مُّغْرَقُونَ} [المؤمنون: 27]، أو بإرسال الصيحة عليهم، كما قال ـ تعالى ـ: {وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ } [هود: 67] . أو بالريح كما قال ـ تعالى ـ: {كَمَثَلِ رِيحٍ فِيهَا صِرٌّ أَصَابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ فَأَهْلَكَتْهُ وَمَا ظَلَمَهُمُ اللَّهُ وَلَكِنْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} [آل عمران: 117]. أو أي عقوبة أخرى، كما قال ـ تعالى ـ: {وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ} [الشعراء: 227]. وكما قال ـ تعالى ـ: {وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ * فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ * فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا إنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} [النمـــل: 50 - 52] ، أو كما قال ـ تعالى ـ: {وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ} [الأعراف: 165].


(5) البطر.
وهو كفر النعمة. وكفرها يكون إما بجحد المنعم بها وإما بعدم شكره أو باستخدامها في غير ما خلقت لأجله - كصناعة الخمر من العنب، وكالمتاجرة بالجنس، وكتصنيع السلاح لإخضاع الأمم ظلماً وعدواناً، وكتوجيه الأبحاث العلمية فيما فيه ضرر على الإنسانية كالاستنساخ البشري، وما أشبه ذلك.

إن المتفحص لأسلوب ومنهج حياة الأمريكيين يرى أن جميع هذه الطامات الكفرية موجودة فيهم، كل بحسبه، لكنهم جميعاً مشتركون في انتهاج البطر أسلوباً لحياتهم، ومعلوم أن البطر سبب من أسباب هلاك الأمم. قال ـ تعالى ـ: {وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَن مِّنْ بَعْدِهِمْ إلاَّ قَلِيلاً وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ} [القصص: 58]. قال ابن كثير: بطرت معيشتها، أي طغت وأشرت وكفرت نعمة الله فيما أنعم به عليهم من الأرزاق، كما قال ـ تعالى ـ: {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْـجُوعِ وَالْـخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ * وَلَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِّنْهُمْ فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمُ الْعَذَابُ وَهُمْ ظَالِـمُونَ} [النحل: 112 - 113]، وقوله {وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ} أي رجـعـت خـراباً ليس فيها أحد(2).

ومن أنواع البطر التباهي بالقوة والجبروت واستخدام ذلك للتعدي على الإسلام وعلى الداعين إلى الله وللصد عــن سبيل الله. وهو ما تفعله أمريكا، وتشجع وتؤيــد حلفاءها على فعله واقـترافه. قال ـ تعالى ـ: {وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِن دِيَارِهِم بَطَرًا وَرِئَاءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَاللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ} [الأنفال: 47]، فهذه أمريكا قد جالت في البحار والأجواء والبراري بحاملات طائراتها ومدمراتها وبطائراتها وصـورايخها، وبدباباتها ومدرعـاتها متباهية بذلك أمـام شعــوب العالم ومرهبة لهم ليسمعوا لها ويطيعوا. وحالهم كحال قريش عندما خرجوا لملاقاة النبي صلى الله عليه وسلم في بدر؛ إذ قال أبو جهل: لا والله! لا نرجع حتى نرد ماء بدر وننحر الجزر ونشرب الخمر وتعزف علينا القيان، فكان عاقبة ذلك أن هزمهم الله ـ تعالى ـ شر هزيمة، وأنزل بهم أمحق عقاب فتشرذموا بين قتيل وأسير وفار مذعور، فانكسرت شوكتهم وحزنت نفوسهم. ولذلك نقول إن هذا الصولجان الحربي الذي رفعته الولايات المتحدة في وجه أمم الأرض، بطرة به، قد يحل به من العقاب الإلهي ما يعطل مفعوله ويخمد أنفاسه فيصبح كخردة الحديد (سكراب). وكانوا قد أعدوه للبطش بالدول والشعوب، تماماً كما وصف الله ـ تعالى ـ حال عاد عندما قال لهم نبيهم هود ـ عليه السلام ـ: {أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ * وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ * وَإذَا بَطَشْتُم بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ} [الشعراء: 128 - 130].

فهلاَّ اعتبرت الولايات المتحدة بعبر التاريخ، ونظرت في حال الأمم السالفة التي مارست البطش ضد عمــوم البشـــر فكان ذلك سبباً لإهلاكهـم! قال ـ تعالى ـ: {فَأَهْلَكْنَا أَشَدَّ مِنْهُم بَطْشًا وَمَضَى مَثَلُ الأَوَّلِينَ} [الزخرف: 8]. وقال ـ تعالى ـ: {وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِّن قَرْنٍ هُمْ أَشَدُّ مِنْهُم بَطْشًا فَنَقَّبُوا فِي الْبِلادِ هَلْ مِن مَّحِيصٍ * إنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِـمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ } [ق: 36 - 37]. وقال ـ تعالى ـ: {وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِّن قَرْنٍ هَلْ تُحِسُّ مِنْهُم مِّـــنْ أَحَــــدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُـــمْ رِكْــــزًا} [مــريم: 98]. وقال ـ تعالى ـ: {كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مِّن قَرْنٍ فَنَادَوْا وَلاتَ حِينَ مَنَاصٍ} [ص: 3] قال ابن عباس: «ليس بحين نداء ولا نزاع ولا فرار» أي «نادوا النداء حين لا ينفعهم».


(6) الترف والإسراف.
معلوم لدى جميع قاطني المعمورة أن أعظم دولة تعيش حالتي الترف والإسراف هي الولايات المتحدة الأمريكية. إنه ترف وإسراف في كل شيء، في المأكل والمشرب والملبس والمسكن والمركب والأثاث والترفه (السياحة، الرياضة، الأفلام ـ سينما أو فيديو أو تلفزيون ـ، الإنترنت، وغيرها كثير...)، ومما يساعدها على ذلك أن معدل دخل الفرد فيها هو أكبر معدل بين جميع دول العالم. وقد بين الله ـ تعالى ـ أن من أسباب إهلاكه الأمم ترفهم وإسرافهم، قال ـ تعالى ـ: {وَكَمْ قَصَمْنَا مِن قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِـمَةً وَأَنشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْمًا آخَرِينَ * فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنَا إذَا هُم مِّنْهَا يَرْكُضُونَ * لا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إلَى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَسَاكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ * قَالُوا يَا وَيْلَنَا إنَّا كُنَّا ظَالِـمِينَ * فَمَا زَالَت تِّلْكَ دَعْوَاهُمْ حَتَّى جَعَلْنَاهُمْ حَصِيدًا خَامِدِينَ} [الأنبياء: 11 - 15]. وقال ـ تعالى ـ: {وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِّن قَرْنٍ هُمْ أَحْسَنُ أَثَاثًا وَرِءْيًا} [مريم: 74] . وقال ـ عز وجل ـ: {قَالُوا إنَّا أُرْسِلْنَا إلَى قَوْمٍ مُّجْرِمِينَ * لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِّن طِينٍ * مُسَوَّمَةً عِندَ رَبِّكَ لِلْمُسْرِفِينَ} [الذاريات: 32 - 34]. وقال ـ تعالى ـ: {وَكَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآيَاتِ رَبِّهِ وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى} [طه: 127].

إن الشعب الأمريكي بسبب ما هو فيه من الترف والإسراف استشعر لنفسه التميز دون بقية شعـوب الأرض. وهذا هو شأن المسرفين على مدى التاريخ؛ إذ كان ذلك هـو أحد أسباب تصدي الملأ لأنبيائهم، كما قال ـ تعالى ـ: {وَقَالَ الْـمَلأُ مِن قَوْمِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِلِقَاءِ الآخِرَةِ وَأَتْرَفْنَاهُمْ فِي الْـحَيَاةِ الدُّنْيَا...} الآية، إلى أن قال: {فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ بِالْـحَقِّ فَجَعَلْنَاهُمْ غُثَاءً فَبُعْدًا لِّلْقَوْمِ الظَّالِـمِينَ} [المؤمنون: 33 - 41] . وكما قال ـ تعالى ـ: {وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ إلاَّ قَالَ مُتْرَفُوهَا إنَّا بِمَا أُرْسِلْتُم بِهِ كَافِرُونَ} [سبأ: 34]، وكما قال ـ تعالى ـ: {وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ إلاَّ قَالَ مُتْرَفُوهَا إنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّقْتَدُونَ} [الزخرف: 23]. فكما تصدى المترفون لأنبيائهم، كذلك هو حال الأمريكان المترفين الآن؛ فإنهم يتصدون للحق وللإسلام في جميع أنحاء العالم، ولذلك فإنهم قد أتوا فعلاً من الأفعال التي يهلك الله ـ تعالى ـ بها الأمم. قال ـ تعالى ـ: {وَإذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا} [الإسراء: 16].


(7) الاستكبار والغرور.
لسنا بحاجة إلى سَوْق النقولات الكثيرة التي صرح بها المسؤولون الأمريكيون المتعاقبون والتي تدل على شدة صلفهم وعتو استكبارهم وعظم غرورهم. إن الحرب العالمية الثالثة التي أعلنتها أمريكا ضد ما سمته الإرهاب ما هو إلا تعبير عن هذه الغطرسة والتكبر والتجبر. إن الشعب الأمريكي وحكومته في عجرفتهم وفي استكبارهم على الحق وعلى أمم الأرض ساروا على نفس منوال الأقوام الذين تصدوا لأنبيائهم ورسلهم، والذين جاء وصفهم في القرآن في آيات كثيرة منها:قال ـ تعالى ـ: {قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إنَّا بِالَّذِي آمَنتُم بِهِ كَافِرُونَ}[الأعراف: 76]. وقال ـ تعالى ـ: {ثُمَّ أَرْسَلْنَا مُوسَى وَأَخَاهُ هَارُونَ بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُّبِينٍ * إلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا عَالِينَ} [المؤمنون: 45 - 46]. وقال ـ تعالى ـ: {قَالَ الْـمَلأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِن قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يَا شُعَيْبُ وَالَّذِيـنَ آمَنُوا مَعَكَ مِن قَرْيَتِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا قَالَ أَوَ لَوْ كُنَّا كَارِهِينَ} [الأعراف: 88].

وقد قادت الولايات المتحدة الاستكبار العالمي باسم الأمم المتحدة والشرعية الدولية ضد المستضعفين المسلمين، وخاصة حربها ضد طالبان ومن معهم من شعب الأفغان، فاستحقت التأهيل لأن ينزل بها عقاب الله ـ تعالى ـ الساحق الماحق. تلك هي سنة الله ـ تعالى ـ في المتجبرين والمتكبرين، إنه ينزل بهم عقابه الأليم لذنبهم الجسيم وبما حادوا عن منهاجه القويم ، قال ـ تعالى ـ: {وَأَمَّا الَّذِينَ اسْتَنكَفُوا وَاسْتَكْبَرُوا فَيُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا} [النساء: 173]. وقال ـ تعالى ـ: {فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْـحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَ لَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ * فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي أَيَّامٍ نَّحِسَاتٍ لِّنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْـخِزْيِ فِي الْـحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أَخْزَى وَهُمْ لا يُنصَرُونَ} [فصلت: 15 - 16]. وقال ـ تعالى ـ: {وَاسْتَفْتَحُوا وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ} [إبراهيم: 15] أي: استنصرت الرسل ربها فنصرهم. وقال ـ تعالى ـ: {كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ } [غافر: 35].


(8) الإجرام.
الولايات المتحدة هي بيت الجريمة في العالم، وذلك على المستويين الداخلي والخارجي. فنسبة وقوع الجرائم في داخلها هي أعلى نسبة بين جميع شعوب الأرض. وكذلك نسبة ممارستها الجريمة بحق كافة البلدان وسكانها هي أيضاً أعلى نسبة في المعمورة. وتستجمع أمريكا لنفسها الحظ الأوفى من تنوع الجرائم، سواء على مستوى الأفراد أو الدول. غير أن أبرز ما فيها هو سعة مساحة ممارسة الإجرام الوحشي على مستوى شعوب الدول الأخرى.

فهي لا تتورع لحظة، في سبيل تحقيق مصالحها الذاتية، عن استعمال جميع أنواع أسلحة الفتك والقتل الجماعي، بما في ذلك السلاح الذري أو القنابل الحارقة أو القذائف والصواريخ الماحقة أو الغازات السامة أو غير ذلك مما هو متخم في ترسانتها من مختلف الأنواع التي تــؤدي إلى المجازر العامة. كما أنها أيضاً لا تتوانى في استعمال الحصار الاقتصادي ضد أي دولة لا تستجيب لرغباتها أو تتردد في تنفيذ طلباتها، بقصد تجويع شعب تلك الدولة وإنهاكه اقتصادياً مما يقود إلى إضعافه وإلى تقليص إمكاناته الخدماتية وانتشار الأمراض والأوبئة بين أفراده. ويدخل في مفهوم الحصار الاقتصادي لديها مصادرة أموال تلك الدولة أو تجميدها. وقد أصبح هذا اللون من الإجرام خلقاً راسخاً لدى قيادة الولايات المتحدة؛ إذ مارسته ضد العراق وإيران وأفغانستان وليبيا وغيرها من الدول الإسلامية. وهي في كل ذلك تنطلق من حقد دفين على الإسلام وأهله. ولسنا بصدد تعداد أنواع الجرائم الكارثية التي اقترفتها تلك الدولة الآثمة، فضلاً عن الجرائـم التي لا تزال تبوء بها أو تلك التي في غياهـب جعـبتها. ولكن {اوَلا يَحِيقُ الْـمَكْرُ السَّيِّئُ إلاَّ بِأَهْلِهِ } [فاطر: 43] . قال ـ تعالى ـ: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجْرِمِيهَا لِيَمْكُرُوا فِيهَا وَمَا يَمْكُرُونَ إلاَّ بِأَنفُسِهِمْ وَمَا يَشْعُرُونَ } [الأنعام: 123] . ورغم أن المجرم ينبغي له أن يتوقع نزول العقاب به في أية لحظة، إلا أن هذه الدولة الآثمة غطت عينيها وأشاحت بوجهها عن كل ذلك، متجاهلة قول الله ـ تعالى ـ: {سَيُصِيبُ الَّذِينَ أَجْرَمُوا صَغَارٌ عِندَ اللَّهِ وَعَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا كَانُوا يَمْكُرُونَ } [الأنعام: 124]، وقوله ـ تعالى ـ: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إنْ أَتَاكُمْ عَذَابُهُ بَيَاتًا أَوْ نَهَارًا مَّاذَا يَسْتَعْجِلُ مِنْهُ الْـمُجْرِمُونَ} [يونس: 50]. وقوله ـ تعالى ـ: {وَلا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْـمُجْرِمِينَ } [يوسف: 110] ، وقوله ـ تعالى ـ: {إنَّا مِنَ الْـمُجْرِمِينَ مُنتَقِمُونَ} [السجدة: 22]. كما أن الولايات المتحدة لم تلتفت إلى التاريخ لتسـتقي منه العبر وتأخذ منه المواعـظ؛ فكم من الـدول العظيمة قد دمرها الله ـ تعالى ـ بسبب إجرامها الفاحش. قال ـ تعالى ـ: {قُلْ سِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْـمُجْرِمِينَ} [النمل: 69]. وقال ـ تعالى ـ مبيناً عاقبة جريمة قوم لوط: {وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِم مَّطَرًا فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْـمُجْرِمِينَ} [الأعراف: 84] . وقال ـ تعالى ـ مبيناً ألوان العذاب التي أنزلها على قوم فرعون بسبب إجرامهم: {فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْـجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آيَاتٍ مُّفَصَّلاتٍ فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا مُّجْرِمِينَ} [الأعراف: 133]. وذكر الله ـ تعالى ـ عذابه الذي أنزله على عاد قوم هود بسبب إجرامهم: {فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُّسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُّمْطِرُنَا بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُم بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ * تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا فَأَصْبَحُوا لا يُرَى إلاَّ مَسَاكِنُهُمْ كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْـمُجْرِمِينَ} [الأحقاف: 42 - 25]. فلو أن الولايات المتحدة، حكومة وشعباً أصغت أذنها للحق لعلمت أن الإسلام هو الحق المبين، غير أنها ركبت رأسها واستمرأت الجريمة والإجرام، فحاقت بها دعوات المظلومين المضطهدين الذين عانوا من إجرامها وظلمها، كما دعا موسى ـ عليه السلام ـ على فرعــون وقومــه فيما حكـى الله ـ تعالى ـ عنه إذ قال: {فَدَعَا رَبَّهُ أَنَّ هَؤُلاءِ قَوْمٌ مُّجْرِمُونَ} [الدخان: 22]. فماذا كانت النتيجة؟ . قال ـ تعالى ـ: {فَأَسْرِ بِعِبَادِي لَيْلاً إنَّكُم مُّتَّبَعُونَ * وَاتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْوًا إنَّهُمْ جُندٌ مُّغْرَقُونَ * كَمْ تَرَكُوا مِن جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ * وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ * كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْمًا آخَرِينَ * فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنظَرِينَ} [الدخان: 23 - 29] . فهي سنة جارية أن الله ـ تعالى ـ يهلك المجرمين، كما قال ـ عز وجل ـ: {أَهُمْ خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ أَهْلَكْنَاهُمْ إنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ} [الدخان: 37] ، ولما كانت الولايات المتحدة قد وقعت فيما وقعت فيه الأمم التي قبلها من الجريمة والإجرام كان لا بد أن تدفع ضريبة ذلك؛ إذ لا استثناء قد حازته من رب العالمين لتكون خارج مسار السنن الإلهية في إهلاكه للمجرمين.


(9) الفسق.
رغم أن حجة الله ـ تعالى ـ قد قامت على الحكومة الأمريكية وكذلك على شعبها إلا أنها واظبت على ركوب رأسها فرفضت الهداية وكفرت بالإسلام، فاستحقت أن يلحق بها وصف الفسق من هذا الوجه. قال ـ تعالى ـ: {وَلَقَدْ أَنزَلْنَا إلَيْكَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَمَا يَكْفُرُ بِهَا إلاَّ الْفَاسِقُونَ} [البقرة: 99]. وأما الفسـق بمعنى الفجور وارتكاب المعاصي فحدث ولا حرج. وقد ذكرت شيئاً منه عند الكلام عن الذنوب. فالأمة الأمريكية أمة فاسقة عقدياً وسلوكياً، وإن حالهم كحال الذين قال الله ـ تعالى ـ عنهم: {وَمَا وَجَدْنَا لأَكْثَرِهِم مِّنْ عَهْدٍ وَإن وَجَدْنَا أَكْثَرَهُمْ لَفَاسِقِينَ} [الأعراف: 102]. وبسبب فسقهم اتبعوا قياداتهم وزعماءهم دون أن يكلفوا أنفسهم معرفة وتمييز الحق من الباطل، فصار شأنهم كشأن قــوم فرعــون الذين قال الله ـ تعالى ـ عنهم: {فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ} [الزخرف: 54]. وقد مضت سنة الله ـ تعالى ـ في الأولين في إهلاك الفاسقين، وهي جارية كذلك على وجهها في الآخرين، وليس لأمريكا عند الله ـ تعالى ـ عهد أن يسلها من سنته كما تستل الشعرة من العجين؛ فلا نشك لحظة أنها ستلحق بالغابرين.

قال ـ تعالى ـ: {فَأَنزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزًا مِّنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ} [البقـــرة: 59]. وقال ـ تعالى ـ: {وَإذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا} [الإسراء: 16]. وقال ـ تعالى ـ: {وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا يَمَسُّهُمُ الْعَذَابُ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ } [الأنعام: 49]. فإهلاك الله ـ تعالى ـ لأمريكا بسبب ما ذكرناه آت في وقته إلا أن يهتدوا. قال ـ تعالى ـ: {بَلاغٌ فَهَلْ يُهْلَكُ إلاَّ الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ} [الأحقاف: 35] .


(10) الفساد والإفساد.
كأي دولة، لا يمكن أن تعترف الولايات المتحدة بالفساد أو الإفساد، قال ـ تعالى ـ: {وَإذَا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ قَالُوا إنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ } [البقرة: 11]، وهذا مخالف للحقيقة {أَلا إنَّهُمْ هُمُ الْـمُفْسِدُونَ وَلَكِن لاَّ يَشْعُرُونَ } [البقرة: 12] .

لم تكتف الولايات المتحدة بالفساد في داخل أراضيها، بل مدت ذلك إلى كل أنحاء العالم، إفساداً في السياسة وفي الاقتصاد وفي الثقافة والفكر وفي الأخلاق والسلوك وفي الاجتماع وفي الإعلام، وفي كل مرفق من مرافق الحياة. لقد أضحت أمريكا المعتمد الرئيسي لكل من يريد أن يحقق مآربه الشيطانية عن طريق الفساد والإفساد، ولم تتورع عن استخدام آلتها الحربية الهائلة لتضغط على شعوب الأرض ليقبلوا فسادها ويبشوا لإفسادها!! فتراها تأمر بالمنكر وتنهى عن المعروف، وصار حالهم كحال عاد {الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلادِ * فَأَكْـــثـــــَرُوا فِيهَا الْفَسَـــادَ} [الفجــــر: 11 - 12] وانطبـــق عليهــم قــوله ـ تعالى ـ: {وَإذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْـحَرْثَ وَالنَّسْلَ} [البقرة: 205]، وقوله ـ تعالى ـ: {وَالَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ أُوْلَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ} [الرعد: 25]. فهؤلاء {الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ وَلا يُصْلِحُونَ} [الشعراء: 152] والذين دوماً يقال لهم {وَلا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ بَعْدَ إصْلاحِهَا} [الأعراف: 85] والذين أبوا أن ينخرطوا في القوم الـذين قال الله ـ تعالى ـ عنهم: {فَلَوْلا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِن قَبْلِكُمْ أُوْلُوا بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الأَرْضِ} [هود: 116]، هؤلاء ماذا ينتظرون من الله تعالى؟ هل ينتظرون أن يكون مآلهم كالمؤمنين ؟! حاشا وكلا!! قال ـ تعالى ـ: {أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِـحَاتِ كَالْـمُفْسِدِينَ فِي الأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْـمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ} [ص: 28]. إذاً ماذا ينتظرون؟ نحن نقول لهم: لا تنتظروا إلا سنة الله ـ تعالى ـ الجارية في أخذ المفسدين وإهلاكهم. قال ـ تعالى ـ: {إنَّ اللَّهَ لا يُصْلِحُ عَمَلَ الْـمُفْسِدِينَ} [يونس: 81] . وقال ـ تعالى ـ: {فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْـمُفْسِدِينَ} [الأعراف: 103] .


(11) الضلال.
نعم! إن أمريكا ومن كان على شاكلتها هم الضالون، هم النصارى الذين ندعو في كل ركعة الله ـ تعالى ـ أن لا نسلك سبيلهم، ولا ننتهج نهجهم {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْـمُسْتَقِيمَ ( 6 ) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْـمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ} [الفاتحة: 6 - 7]. لقد تبدلوا الكفر بالإيمان، والله ـ تعالى ـ يقول: {وَمَن يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالإيمَانِ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ} [البقرة: 108]، وأشركوا بالله، وزعـموا أن له ولـداً، والله ـ تعالى ـ يقـول: {وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً بَعِيدًا} [النساء: 116]. وكفـروا بمحمـد صلى الله عليه وسلم وبالقرآن، والله ـ تعالى ـ يقـول: {وَمَن يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً بَعِيدًا} [النساء: 136]. وكفروا وصدوا عن سبيل الله، والله ـ تعالى ـ يقول: {إنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ قَدْ ضَلُّوا ضَلالاً بَعِيدًا} [النساء: 167]، ويبذلون جهدهم ليشتروا الضلالة وليحـرفوا المسلمين عن الصراط المستقيم، والله ـ تعالى ـ يقول: {أَلَمْ تَرَ إلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِّنَ الْكِتَابِ يَشْتَرُونَ الضَّلالَةَ وَيُرِيدُونَ أَنْ تَضِلُّوا السَّبِيلَ } [النساء: 44] ويتخذون من الإعلام الماجن وسيلة لإضلال الناس، فينطبق عليهم قوله ـ تعالى ـ: {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الْـحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ} [لقمان: 6]، ولا نسترسل أكثر من ذلك في بيان ألوان وأنواع ضلالهم وضلالالتهم، وواقع الحال أنهم: {وَمَا يُضِلُّونَ إلاَّ أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ} [آل عمران: 69] . إن هذه الدولة التي ضلت في عقيدتها وأخلاقها، وأرادت أن تنشر هذا الضلال والإضلال في كل أنحاء البسيطة، لا بد أن تنال جزاءها العادل وتجري عليها سنة الله ـ تعالى ـ في إهلاك الضالين والمضلين، كما قال ـ تعالى ـ: {إنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْـحِسَابِ} [ص: 26] .


(12) المكر.
إنه التخطيط في الخفاء، وهو ما برعت به الـ C.I.A (وكالة المخابرات الأمريكية). فما من دولة إلا ولها فيها عيون وجواسيس يتحسسون الأخبار، ويراقبون التحركات، ويتلصصون على الخصوصيات، ويسجلون الأصوات، ويلتقطون الصور الواضحات، ويدفعون الرشاوي لكبار وصغار الشخصيات، ويوقعون بين مختلف الأحزاب والجماعات والفئات، ويدبرون المؤامرات، ويخططون للحروب والانقلابات، ويقيلون ويعينون الرؤساء والزعامات، ويقدمون الهدايا وملايين الدولارات لكل من تعاون معهم في الملمات، ومن نكص كالوا له ألوان التهديدات، يمارسون ذلك في كافة البلاد والأقطار والدول، ما كان حكمه ملكياً أو كان معدوداً في الجمهوريات... كل ذلك وغيره أكثر، هو ما تقوم به الولايات المتحدة الأمريكية عن طريق مكر إدارتها وتنفيذ المخابرات. لقد انصب معظم المكر الأمريكي في السنوات الأخيرة، وخاصة بعد سقوط الاتحاد السوفييتي على الكيد للعمل الإسلامي من خلال إعلان الحرب العلنية والخفية على رموزه ومؤسساته، وقامت من خلال الدس والعس بنشر جواسيسها في كل مكان، واستخدمت الزعماء والأحزاب في تنفيذ مؤامراتها وإنزال كيدها على كل ما يمت للإسلام بصلة. وليست حربها المعلنة على طالبان أفغانستان إلا وجهاً واحداً سافراً مما تعده للمستقبل فيما يخص الإسلام والمسلمين. لقد نسجت هذه الدولة المتجبرة على نفس منوال الذين حاربوا الله ورسوله من قبلها. قال ـ تعالى ـ: {وَقَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلِلَّهِ الْـمَكْرُ جَمِيعًا} [الرعد: 42]. غير أن المسار الماكر الذي اختطته الولايات المتحدة لنفسها في حربها على الإسلام ما هو إلا مكر بأنفسهم من حيث الحقيقة. قال الله ـ تعالى ـ: {وَمَا يَمْكُرُونَ إلاَّ بِأَنفُسِهِمْ وَمَا يَشْعُرُونَ} [الأنعام: 123]. وقال ـ تعالى ـ: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجْرِمِيهَا لِيَمْكُرُوا فِيهَا وَمَا يَمْكُرُونَ إلاَّ بِأَنفُسِهِمْ وَمَا يَشْعُرُونَ} [الأنعام: 123]. حتى وإن كان مكرهم يتضمن في طياته ومخططاته استعمال أعظم القنابل التي لو ألقيت على الجبال لأزالتها كالقنابل الذرية والهيدروجينية أو ما هو أشد منها، فإن ذلك لا يغني عنهم من الله شيئاً. قال ـ تعالى ـ: {وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِندَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإن كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْـجِبَالُ * فَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انتِقَامٍ} [إبراهيم: 46 - 47] فأين مكر الولايات المتحدة من مكر الله تعالى. قال ـ عز وجل ـ: {وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْـمَاكِرِينَ } [آل عمران: 54]، وقد غاب عن هؤلاء المخططين الأمريكيين المستكبرين أن من سنة الله ـ تعالى ـ أن جعل عاقبة مكر السوء ترجع على صاحبها. قال ـ تعالى ـ: {فَلَمَّا جَاءَهُمْ نَذِيرٌ مَّا زَادَهُمْ إلاَّ نُفُورًا * اسْتِكْبَارًا فِي الأَرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّئِ وَلا يَحِيقُ الْـمَكْرُ السَّيِّئُ إلاَّ بِأَهْلِهِ فَهَلْ يَنظُرُونَ إلاَّ سُنَّتَ الأَوَّلِينَ فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلاً وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلاً} [فاطر: 42 - 43]. فما هي سنة الله ـ تعالى ـ في الماكرين الأولين والتي ستطوي الولايات المتحدة في طياتها بعد حين إن شاء الله تعالى؟ إنها أمران:

الأول: سرعة مجيئها ، قال ـ تعالى ـ: {إذَا لَهُم مَّكْرٌ فِي آيَاتِنَا قُلِ اللَّهُ أَسْرَعُ مَكْرًا } [يونس: 21].

الثاني: شدة عذابها وتدميرها، قال ـ تعالى ـ: {سَيُصِيبُ الَّذِينَ أَجْرَمُوا صَغَارٌ عِندَ اللَّهِ وَعَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا كَانُوا يَمْكُرُونَ} [الأنعام: 124]. وقال ـ تعالى ـ: {وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ * فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ * فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا إنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} [النمل: 50 - 52]. لقد تصرفت الولايات المتحدة، على مدار الساعة والأيام والسنين والعقود في مكرها بالأمم، وكأن هذه الأرض ليس لها إله سميع خبير بصير عليم قادر جبار متكبر منتقم، واستبعدت أن يأتيها بأس الله ـ تعالى ـ ليلاً أو نهاراً جزاء وفاقاً على مكرها القبيح الذي تفوح منه روائح الإجرام والغطرسة والعتو. قال ـ تعالى ـ: {أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَن يَأْتِيَهُم بَأْسُنَا بَيَاتًا وَهُمْ نَائِمُونَ * أَوَ أَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَن يَأْتِيَهُم بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ * أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إلاَّ الْقَوْمُ الْـخَاسِرُونَ} [الأعراف: 97 - 99].

13 - أسباب أخرى:

لقد اقترفت الولايات المتحدة كثيراً جداً من الطامات والموبقات تتركز معظمها:

1 ــ في محاربة الاسلام وأهله .

2 ــ في دعمها المتواصل لدولة الكيان اليهودي.

3 ــ في انتهاكاتها الصارخة لحقوق الإنسان وتدخلها في خصوصياته على مستوى الأفراد والدول، والمسلمين منهم خاصة.

ولذلك فإن المقام لا يتسع للاستفاضة في ذكر كل ما أوقعت نفسها فيه من إدراج كيانها في مساق السنن الإلهية في إهلاك الأمم؛ فهناك أسباب أخرى غير التي ذكرناها وهي عديدة، أذكر منها على سبيل المثال لا الحصر:


(1) التولي عن الاستجابة لله تعالى ولرسوله صلى الله عليه وسلم .
وهذا أمر معلوم، ولو لم يكن إلا هو لكفى في نــزول العذاب بها قال ـ تعالى ـ: {لَسْتَ عَلَيْهِم بِمُسَيْطِرٍ * إلاَّ مَن تَوَلَّى وَكَفَرَ * فَيُعَذِّبُهُ اللَّهُ الْعَذَابَ الأَكْبَرَ} [الغاشية: 22 - 24] . وقال ـ تعالى ـ: {وَإن يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ عَذَابًا أَلِيمًا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ فِي الأَرْضِ مِن وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ} [التوبة: 74] . وقال ـ تعالى ـ: {وَإن تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ} [التوبة: 3].


(2) نسيان ما ذُكِّروا به.
قال ـ تعالى ـ في وصف حالهم: {وَمِنَ الَّذِينَ قَالُوا إنَّا نَصَارَى أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُوا حَظًّا مِّمَّا ذُكِّرُوا بِهِ} [المائدة: 14]. فاستحقوا العذاب، ومنه العداوة والبغضاء فيما بينهم. قال ـ تعالى ـ: {فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ} [المائدة: 14]. وقال ـ تعالى ـ: {فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً فَإذَا هُم مُّبْلِسُونَ * فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْـحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ } [الأنعام: 44 - 45] .


(3) العتو.
وهو عظم الاستعلاء بالباطل، وقد حازت منه الولايات المتحدة الحظ الأوفى؛ ولذلك فهي مستحقة لنزول الغضب الإلهي والعقاب الرباني بسبب ذلك. قال ـ تعالى ـ: {وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِ فَحَاسَبْنَاهَا حِسَابًا شَدِيدًا وَعَذَّبْنَاهَا عَذَابًا نُّكْرًا * فَذَاقَتْ وَبَالَ أَمْرِهَا وَكَانَ عَاقِبَةُ أَمْرِهَا خُسْرًا} [الطلاق: 8 - 9] . وذلك أنهم {اسْتَكْبَرُوا فِي أَنفُسِهِمْ وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيرًا} [الفرقان: 21] .


(4) قسوة القلب.
تلك خاصية تخص الأفراد بسبب قلة أو انعدام ذكرهم الله تعالى. لكن الرزية تكون أعظم إذا أصبحت هذه الخاصية سمة لكل أو معظم أفـراد المجـتمع؛ فـإذا ما حصل ذلك، كما هـو كائـن الآن في الولايات المتحـدة ـ إذا اسـتثينا المسلمين ـ فإن هـذا المجـتمع أصبح مستحقـاً للعـذاب الإلهـي. قال ـ تعالى ـ: {فَوَيْلٌ لِّلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُم مِّن ذِكْرِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ فِي ضَلالٍ مُّبِينٍ} [الزمر: 22]. وقال ـ تعالى ـ: {فَلَوْلا إذْ جَاءَهُم بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِن قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُــــــــــوا يَعْمَلُونَ........} إلى أن قـال ـ تعالى ـ: {حَتَّى إذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً فَإذَا هُم مُّبْلِسُونَ}[الأنعام: 43 - 44].


(5) السخرية والاستهزاء.
لقد اتخذت كثير من المجامع الأمريكية الإسلام ونبينا محمداً صلى الله عليه وسلم وأحكام الله ـ تعالى ـ التي تعبد الله ـ تعالى ـ بها عباده المؤمنين، والتي نزلت آياتها المحكمات في كتابه المبين كالصلاة والحجاب والإرث وغيرها، مادة:

1 - للسخرية: قال ـ تعالى ـ: { وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا} [البقرة: 212] .

2 - وللاستهزاء: قال ـ تعالى ـ: {فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَرِحُوا بِمَا عِنْدَهُم مِّنَ الْعِلْمِ وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ} [غافر: 83]. وقال ـ تعالى ـ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا مِّنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاءَ وَاتَّقُوا اللَّهَ إن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ * وَإذَا نَادَيْتُمْ إلَى الصَّلاةِ اتَّخَذُوهَا هُزُوًا وَلَعِبًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَعْقِلُون} [المائدة: 57 - 58]. وقال ـ تعالى ـ: {وَيْلٌ لِّكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ ( 7 ) يَسْمَعُ آيَاتِ اللَّهِ تُتْلَى عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِرًا كَأَن لَّمْ يَسْمَعْهَا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ( 8 ) وَإذَا عَلِمَ مِنْ آيَاتِنَا شَيْئًا اتَّخَذَهَا هُزُوًا أُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ} [الجاثية: 7 - 9]. فمن فعل ذلك كان مستحقاً أن ينزل عليه عذاب الله تعالى. قال ـ تعالى ـ: {فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُم مَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِءُونَ} [الأنعام: 10]. وقال ـ تعالى ـ: {وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِّن قَبْلِكَ فَأَمْلَيْتُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ} [الرعد: 32] .


(6) العدوان.
بات العدوان والاعتداء على الغير سمة من سمات الولايات المتحدة الأمريكية، وقـد ذكرنا عدداً من اعتداءاتهم على الشعوب الإسلامية وغيرها، والله ـ تعالى ـ يقول: {وَلا تَعْتَدُوا إنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْـمُعْتَدِينَ} [المائدة: 87]. وفي تعاليم دينهم أن من لطمك على خدك الأيسر فأدر له الأيمن! فضربوا بذلك عرض الحائط؛ فهم لهذا مستحقون لعذاب الله تعالى. قال ـ تعالى ـ: { وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِـمُونَ } [البقرة: 229]. ولفظها عام وإن كانت على حكم مخصوص، وقد بينا العقوبة الإلهية للظالمين.


(7) العلو والاستعلاء.
لقد حكم فرعون وملؤه مصر وكانوا متعالين ، قال ـ تعالى ـ: {ثُمَّ أَرْسَلْنَا مُوسَى وَأَخَاهُ هَارُونَ بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُّبِينٍ * إلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا عَالِينَ} [المؤمنون: 45 - 46] . وقال ـ تعالى ـ: {وَإنَّ فِرْعَوْنَ لَعَالٍ فِي الأَرْضِ وَإنَّهُ لَـمِنَ الْـمُسْرِفِينَ} [يونس: 83]. وقال ـ تعالى ـ: {إنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا} [القصص: 4]. وقد حذرهم موسى ـ عليه السلام ـ من هذا الاستعلاء على الله والتكبر على عباده، فقال لهم: {وَأَن لاَّ تَعْلُوا عَلَى اللَّهِ إنِّي آتِيكُم بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ} [الدخان: 19]. فإذا كان هذا الوصف، وهو العلو والاستعلاء، قد ألحق بفرعون؛ فكيف تكون درجة هذا الوصف عندما يلحق بالولايات المتحدة التي استعلت على جميع أمم الأرض؟ لقد استعلت أمريكا على أمور كثيرة من الخير والصلاح، ومن أهمها الإيمان رغم إقامة الحجة عليها كما بينا، وما سبب ذلك إلا ما قاله الله ـ تعالى ـ: {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْـمُفْسِدِينَ} [النمل: 14]. فكما طوت سنة الله ـ تعالى ـ فرعون لعلوه وتعاليه، كذلك تطوي هذه السنة الولايات لعلوها واستعلائها.


(8) افتراء الكذب على الله تعالى .
لقد جاء الحق إلى الشعب الأمريكي. والحق هو الإسلام، فعلموا به، وأقيمت الحجة عليهم كما بينا، لكنهم ردوا هذه الدعوة الربانية التي وصلت إليهم، وردهم لها هو تكذيب بها وافتراء على الله تعالى. قال ـ تعالى ـ: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ} [الأنعام: 21] . وقال ـ تعالى ـ: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِالْـحَقِّ لَـمَّا جَاءَهُ} [العنكبوت: 68]. فاستحقوا لذلك عقوبة الله تعالى. قال ـ عز وجل ـ: { إنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ} [النحل: 116]. وقال ـ تعالى ـ: {إنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْـحَيَاةِ الدُّنْيَا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْـمُفْتَرِينَ} [الأعراف: 152] ودل التعقيب بقوله: {وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْـمُفْتَرِينَ} أن الغضب والذلة جزاء للافتراء على الله ـ تعالى ـ من حيث العموم، وليس مخصوصاً بمن اتخذوا العجل.


(9) اتباع الهوى والشهوات .
قال ـ تعالى ـ: { وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ اللَّهِ} [القصص: 50]. وهؤلاء الأمريكان قد فعلوا ذلك. وقد بينا كيف أن العقوبة الإلهية تنزل في الضالين، وهي نازلة كذلك في الذين يتبعون الشهوات الذين يبغون للمؤمنين الانحراف والميل عن الطريق المستقيم. قال ـ تعالى ـ: {وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيمًا} [النساء: 27]. فالعاقبة لهم أنهم يلقون غــياً، قال ـ تعالى ـ : {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا} [مريم: 59] .


(10) الجاهلية .
وصف الله ـ تعالى ـ من يعبـد غيره بالجهل. قال ـ تعالى ـ: {قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْـجَاهِلُونَ } [الزمر: 64]، ووصف أعمال الكفار بأنها صادرة عن جاهلين. قال ـ تعالى ـ: {لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ لا نَبْتَغِي الْـجَاهِلِينَ } [القصص: 55]. ووصف من لا يحكم بحكم الله ـ تعالى ـ بأن حكمه حكم الجاهلية. قال ـ تعالى ـ: {أَفَحُكْمَ الْـجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ} [المائدة: 50] وبين الله ـ تعالى ـ أن مبعثهم النفسي مستمد من حمية الجاهلية. قال ـ تعالى ـ: {إذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْـحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْـجَاهِلِيَّةِ} [الفتح: 26].

وهذه الأوصاف الأربعة الملحقة بالجاهلين والجاهليين تنطبق كلها على الولايات المتحدة ـ نستثني منهم المسلمين ـ مما يعرضهم إلى عقوبة الله ـ تعالى ـ على ما بيناه وفصلناه سابقاً.


* الخلاصـــــــــــة :
لقد اجتمعت في الولايات المتحدة جميع الأسباب التي تجعلها في موقع استحقاق التدمير الإلهي والعقوبة الربانية، وهي اثنان وعشرون وصفاً (ليس على سبيل الحصر):


(1) الكفر والصد عن سبيل الله بعد إقامة الحجة.

(2) التأله.

(3) الذنوب.

(4) الظلم.

(5) البطر.

(6) الترف والإسراف.

(7) الاستكبار والغرور.

(8) الإجرام.

(9) الفسق.

(10) الفساد والإفساد.

(11) الضلال.

(12) المكر.

(13) التولي عن الاستجابة لله تعالى.

(14) نسيان ما ذُكِّروا به.

(15) العتو.

(16) قسوة القلب.

(17) السخرية والاستهزاء.

(18) العدوان.

(19) العلو والاستعلاء.

(20) افتراء الكذب على الله تعالى .

(21) اتباع الهوى والشهوات .

(22) الجاهلية .
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم (*) .

انتهى باختصار ..


ولاتعجبوا فهاهي ( أمريكا ) تترنح لتذوق وبال أمرها ولتلحق مع عملائها بالغابرين كما جرت سنة الله وعادته في إهلاك الظالمين ..
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين ..
اضافة رد مع اقتباس
  #3  
قديم 09/12/2002, 05:50 PM
مشرف سابق بمنتدى الثقافة الإسلامية
تاريخ التسجيل: 15/12/2000
المكان: القصيم
مشاركات: 2,953
سؤال الشيخ سليمان العلوان عن التأمين الأجباري
وهذا هو نص السؤال ونص الجواب :

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أولاً : إني أحبك في الله يا شيخ وثانياً : عندي سؤال ألا وهو : هل التأمين الإلزامي لرخص القيادة الذي فرض على المواطن السعودي من قبل وزارة الداخلية ممثلة بإدارة المرور جائز شرعاً ؟

أفيدونا نفع الله بعلمكم .

الجواب :

بسم الله الرحمن الرحيم

الأخ المكرم حفظه الله

عليكم السلام ورحمة الله وبركاته

أحبكم الله ذي أحببتموني فيه وجزاكم الله خيراً .

التأمين المفروض على المواطن السعودي ، محرم من جهتين :

الأولى : اغتصاب حقوق الناس وأخذ أموالهم بدون رضا منهم ، وقد أجمع العلماء على أنه لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفسه ، وجاء في الصحيحين من حديث أبي بكرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( إن دماءَكم وأموالكم وأعراضكم بينكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا ألا فليبلغ الشاهد الغائب ) .

وقد عد غير واحد من العلماء هذا العمل من كبائر الذنوب ، وهذا حق فأدلته كثيرة من الكتاب والسنة وقد جاءَت الرسل بحفظ الضروريات الخمس ، والمال أحد هذه الضروريات ، فلا يحق أخذه من أحد بدون دليل من الكتاب أو السنة أو الإجماع ، ومن فعل ذلك وأخذه بدون طيب نفس من صاحبه كان ظالماً معتدياً .

الثانية : أن هذا التأمين ، مبني على أكل أموال الناس بالباطل ، ومفاسده متعددة ومضاره راجحة وهو سبب لشيوع النصب والاحتيال والكذب والتزوير وسبب لمضاعفة الجرائم والحوادث .

والمصالح المرجوة من ورائه قليلة بالنسبة لمفاسده ومضاره .

فإن هذا التأمين قائم على الميسر والغرر البين وهما محرمان بالكتاب والسنة .

وحينئذٍ ، فمهما قيل من المصالح والمبررات في هذا التأمين فلا تسوغ جوازه بوجود الميسر والغرر ونهب أموال الناس .

وقد جاء في صحيح الإمام مسلم عن رافع بن خديج رضي الله عنه قال : جاءَنا ذات يوم رجل من عمومتي فقال : نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أمرٍِ كان لنا نافعاً وطواعية الله ورسوله أنفع لنا .) .

وكثير من الذي يفتون بجواز التأمين يحكمون عليه من جهة واحدة ولا يقرؤن تاريخه ونشأته وآثاره ، وكثير من هؤلاء يبنون الحكم على الجواز بأقيسة فاسدة ومصالح قليلة وعمومات لا صلة لها بالمسألة ، وينسون المفاسد الكثيرة والأقيسة الصحيحة والأصول الشرعية العظيمة والقواعد الفقهية الثابتة في تحريم القمار والميسر والغرر والجهالة وتحريم نهب الأموال وسرقتها وأخذها من الآخرين أغنياء وفقراء بدون حق ، وغير ذلك من الأوجه الدالة على تحريم هذا التأمين وتحريم ترويجه والدعاية إليه والمشاركة في تطبيقه ومطاردة المتخلفين عنه .

والذين يُكرهون على هذا التأمين - والإكراه معتبر في هذه المسألة بمجرد العقوبة - فإنهم يترخصون بالدفع ولا إثم عليهم ، ومن صبر واحتسب وضن عليهم بالمال ونأى بنفسه عن مواقع الحرام فهذا أزكى عند الله وأبر . والله أعلم .

أخوك سليمان العلوان 19/9/
اضافة رد مع اقتباس
  #4  
قديم 09/12/2002, 05:51 PM
مشرف سابق بمنتدى الثقافة الإسلامية
تاريخ التسجيل: 15/12/2000
المكان: القصيم
مشاركات: 2,953
هل ستكسب أمريكا هذه الحرب الطويلة الشاملة الذي فرضتها على نفسها وعلى العالم؟
والجواب بدون تردد: لا. لن تكسبها ولو جعلت العشر السنين عشرين بل قرنين. إن أمريكا يمكن أن تكسب حرباً عسكرية خاطفة أو طويلة. أما أن تكسب حرباً شاملة فلا. ومن هنا من ثغرة الشمول ينتقض بناؤها على أم رأسها. والسبب توضحه جلياً التجارب الكثيرة من الأمة الإسلامية في كل صراع تلوح فيه شعارات الدين، فلا شيء يستفز المسلمين أكثر من مس العدو جانب الدين أو المقدسات، وقد نمى الوعي الإسلامي بحيث أصبح استخدام الأجواء مساساً بالمقدسات فكيف والإدارة الأمريكية تستفز المسلمين بشعار كشعار "الحرب الصليبية" أو "تجفيف المنابع" وتظن أنها تمتص المشاعر الجياشة بأعمال من قبيل زيارة مركز أو إلقاء غذاء مع الصواريخ المتساقطة!!

إن شعوب العالم الإسلامي خاصة - وشعوب العالم عامة - تستريب من كل خطوة أمريكية وإن جاءت في الاتجاه الصحيح، فكيف وهي تسبح عكس التيار؟ فحين لوّحت بالاعتراف بدولة فلسطينية لم يأبه لها أحد، وحين ألمحت إلى تغييرات في الأنظمة العربية لصالح الديمقراطية وحرية الشعوب لم يصغِ لها أحد. أما حين تتحدث عن الحركات الجهادية في العالم باعتبارها إرهابية فإن المسلمين يتوقعون منها كل شر.

إن المواجهة بين أمريكا والعالم الإسلامي ستكون عنيفة للغاية ومدمرة، وسوف تحدث شروخاً هائلة في الوضع القائم ما لم تتراجع أمريكا عن خطتها الغاشمة وعدوانها المستمر، وهو ما لا يظن بها - على الأقل في المرحلة الراهنة – ومن هنا نرجو أن يكون هذا استدراجاً لها من الله مع كونه ابتلاءً وامتحاناً للمسلمين.

إن الله تعالى قد عَلِمَ حاجة هذه الأمة إلى اليقين والإيمان فجاء بهذا الحادث ليكون آية من عنده على ((أن القوة لله جميعاً)) وأنه تعالى قادر على أن يفعل بكل عدو للإسلام ما فعل ببني النضير الذين ظنوا أنهم مانعتهم حصونهم من الله {فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا وقذف في قلوبهم الرعب}

إن هذا الحادث أكبر من كونه هجوماً مباغتاً على قوة عظمى زلزلَ أركانها وأفقدها صوابها، إنه قلبٌ لكل المعادلات ونسفٌ لكل الحسابات التي بنى عليها الغرب الصليبي حضارته وسيطرته وأسباب قوته منذ 500 سنة واكثر أي منذ أن أخرج المسلمين من الأندلس وشرع في كشوفاته الاستعمارية الأولى.

فكل تلك المعادلات والحسابات والأسباب تقوم على التفوق العسكري والحضاري على الخصم في كل ميدان، وهو التفوق الذي بلغ ذروته في المرحلة الأخيرة، حيث لم يعد في إمكان العالم الإسلامي التفكير في مقاومة هذا العدو، الذي تأهل بالتقنية المتطورة ليصنع أشد الأسلحة فتكاً ودماراً، وتوحّد ليصبح معسكراً واحداً من حدود روسيا مع اليابان شرقاً إلى أقصى الجزر التابعة لأمريكا غرباً، وقد استنفد آلاف البلايين ليملك قوى جهنمية ومواقع استراتيجية وثروات طبيعية لا يقبل أن ينافسه أحد في شيء منها.

هذا والعالم الإسلامي يعيش عقدة النقص والتخلف فأنىَّ لـه بجيوش كهذه الجيوش وقوى وموارد كتلك القوى والموارد وهو فقير متخلف في أهم أسباب القوة المادية وهو "التقنية" وأنى له أن ينافس في شيء ما من الميادين والعدو متربص به يحصي أنفاسه ويمتص دمه.

إنها حال مؤلمة لا تبعث إلا على الإحباط واليأس وربما أنتجت شكاً في وعد الله وسوء ظن به بل تكذيباً لما جاء في كتابه – عياذاً بالله – ولكن هذا الحادث جاء ليقول للمسلمين والعالم بوضوح:-

إن القلعة الحصينة التي بناها الغرب في قرون يمكن اختراقها بالحمام الزاجل! وإن الجيوش الغفيرة يمكن هزيمتها بمئات من طالبي الجنة! وأن التقنية مهما تطورت لا يمكن أن تقاوم الروح المعنوية للمؤمنين.

جاء وأمريكا تعمل على قدم وساق لبناء منظومة صواريخ للردع الاستراتيجي، وأقمارها الصناعية ترصد ما فوق الأرض بل ما تحتها من الكنوز، ولكن روحها خاوية من الإيمان بالله مشبعة بالكبر والغطرسة فاستطاعت ثلة قليلة العدد من أبناء العالم المتخلّف أن تدوس أنفها في التراب على مرأى ومسمع من العالم المذهول المصعوق.

سبحان الله! أيّ آية في هذا وأيّ عبرة للمؤمنين؟

لو عقلت أمريكا هذه الآية لسارعت بطلب المغفرة من المسلمين وبادرت بالتكفير عن جرائمها الكبرى ومواقفها المشينة معهم، ولكنَّها – لحكمة عظيمة قدرها الله – ركبت رأسها وشرعت في عدوان من شأنه أن يجعل الملايين في العالم الإسلامي تتحول من حياة المتعة الرخيصة إلى طلب الشهادة على نحو ما فعلت تلك الثلة أو أكثر وربما بوسائل أخطر.

لقد انقلبت كل الخطط والمعايير والمعادلات والحسابات!!

وأصبحت الترسانة الهائلة من الأسلحة – التقليدي منها والنووي و... و... مما لا نعلم – أشبه بأكوام السيارات القديمة أو "الخردة". لقد تم تحييدها في هذا النوع الجديد من الحرب الذي لا يعدو أن يكون مبارزة بين قوى خارقة غير مرئية يملك المسلمون منها ما لانهاية لـه وبين القوى المادية التي يكتظ بها الغرب ولكنها هامدة خاوية لا روح فيها، فهي كالعملاق الضخم الذي يمكن لفيروسات قاتلة أن تنخركبده وهو يستعرض قوته في مصارعة إنسان أنهكه المرض وأجهده الجوع!

(1) أما نحن فلا أطيل بذكر قلة إفادتنا من الأحداث فهي لا تحتاج لدليل، وسبقت الإشارات إلى ذلك هنا ولكن التذكير بسنة الله واجب، والتدارك ممكن، والمؤمن مأمور بأن يدفع القدر بالقدر لا أن يعجز ويتواكل، والفرصة أمامنا كبيرة جداً لاستثمار الحديث في تقويم المسيرة واستكمال عدة النصر والتمكين.

فليسأل كل منا نفسه ماذا عملت؟ وليحرض إخوانه على العمل فهذا خير من الجدل والتلاوم، وها هي ذي إشارات نرجو أن تفيد في هذا الشأن:-

أولاً: يجب أن يكون هذا العدوان مصدر تفاؤل ورجاء لا يأس وخوف. وأسباب ذلك كثيرة سبقت الإشارة إلى بعضها، ومنها:-

أ - عدالة القضية: فالثبات على الموقف العادل نصر بذاته. والجندي المسلم يقاتل عن دينه وأهله من هاجم بلاده ظلماً وعدواناً، والعالم كله يشهد أن أمريكا تسرعت في الاتهام، وبادرت إلى العدوان قبل تقديم الأدلة. وقد صرح بذلك كثير من حلفائها. بل من عقلائها المنصفين. وهذا يبشر بانتقام الله من الظالم ولو بعد حين {وتلك القرى أهلكناهم لما ظلموا وجعلنا لمهلكهم موعداً}.

ب - البغي والغرور اللذان اتصف بها العدو: مستكبراً بقوته، متناسياً قدرة الله عليه، مثلما أخبر الله تعالى عن عاد الأولى: {فأما عاد فاستكبروا في الأرض بغير الحق وقالوا من أشد منا قوة؟ أولم يروا أن الله الذي خلقهم هو أشد منهم قوة}.

د - كشف المنافقين ومرضى القلوب وعبدة الدرهم والدينار والوظيفة والجاه عند الخلق: وهذا خير عظيم، كما حدث يوم أحد ويوم الأحزاب. وما بقي إلا معالجة السماعين لهم من العوام، قال تعالى: {ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب}.

هـ - اتعاظ كثير من الدول المجاورة بما جرى في الأزمات السابقة، ورفضها أو تحفظها في المشاركة هذه المرة: وهذه خطوة جيدة في الطريق الصحيح، ودليل على أن إنكار المنكر يثمر ولو بعد حين، وأن الشعوب بيدها الشيء الكثير.

و - وضوح السبيل ونمو الوعي: وذلك من خلال إجماع العامة على الولاء للمسلمين والبراء من الكافرين وإدراكهم لمخططات العدو الماكر، وهو ما كان مشوشاً في أزمات سابقة {ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حيّ عن بينة} وقد أدرك العدو ذلك فأخذ زعماؤه يعتذرون وهم كارهون عن فلتات ألسنتهم بما يضمرون.

ز - افتضاح العدو وظهور زيف شعاراته عن الحرية والإنسانية والحضارة وحق الشعوب في تقرير المصير... الخ حتى في تعامله مع مواطنيه من المسلمين. فالآن {قد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفي صدورهم أكبر}.

ح - إيقاف زحف العولمة – ولو إلى حين – وهذه فرصة لالتقاط النفَس والاستعداد لمواجهتها بخطط مدروسة وبرامج محكمة. وقد يؤدي ذلك إلى تركيز الاهتمام على التعامل بين الدول الإسلامية فتكون خطوة ثم تعقبها خطوات بإذن الله.

ط - تجفيف منابع الفساد ومن أهمها السياحة في الدول الغربية، فالمعاملة غير الإنسانية للمسافرين والمقيمين وإن أصابت بعض الصالحين سينفع الله بها كثيراً من الطالحين الذين ينفقون سنوياً عشرات البلايين في أوكار الفساد ومباءات الفجور هناك. فالسعوديون وحدهم أنفقوا سنة 1420 هـ ما بلغ مائة وعشرين ألف مليون ريال!!

ي – إحياء بعض المعالم الشرعية المندرسة مثل فقه "دار الكفر" و "دار الإسلام" والراية والملاحم مع أهل الكتاب والإقامة في بلاد الكفر، والهدنة والعهد، وأحكام عصمة النفس والمال، وكذلك الأحكام المتعلقة بالتحالف أو الاستعانة بالمسلمين على المشركين، وما أشبه ذلك مما سيكون مادة خصبة للاجتهاد والتفقّه ووزن الأمور بميزان الشرع المطهر. ك – ظهور فتاوى محررة – جماعية وفردية – في أكثر بلاد المسلمين واهتمام الغرب بهذه الفتاوى وإقبال الناس عليها، مما يؤصل مرجعية أهل العلم في أمور الأمة.

ل – الإقبال غير المتوقع على الإسلام في أمريكا، وقد سمعنا وقرأنا الكثير من الشواهد على ذلك حتى أصبح في حكم المتواتر، وهذا في ذاته نصر عظيم وآية بينة على صدق رسالة محمد صلى الله عليه وسلم، وغيظ للمنافقين المخذولين الذين شمتوا بالمسلمين العاملين في حقل الدعوة هناك بل اسْتَعْدَوا عليهم الكفار.

م – نجاح فكرة الربط بين الحادث وبين القضية الكبرى للمسلمين: قضية فلسطين، واقتناع كثير من الناس داخل أمريكا - فضلاً عن خارجها - بضرورة التعامل العادل معها، مما يعضد الانتفاضة المباركة ويسند جهاد المسلمين لليهود.

ثانياً: يجب على العاملين للإسلام أن يدركوا قيمة هذه الفرصة العظيمة وأن يجعلوا هذه الأحداث منطلقاً للمرحلة الدعوية التالية: وهي مرحلة الجهاد الكبير بالقرآن كما قال تعالى {وجاهدهم به جهاداً كبيراً} ومن أسباب ذلك:-

أ – الدعوة الصريحة القوية إلى الإصلاح الشامل لحال الأمة ليطابق كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين وعصور العزة والتمكين، وذلك بواسطة برامج ودراسات محكمة تُنشر للأمة ويخاطب بها الحكام والعلماء والقادة والعامة.

ب – تجييش الأمة كلها لمواجهة أعدائها المتكالبين من كل مكان مع تنوع وسائلهم وطوائفهم.وترك الاستهانة بأي قوة في هذه الأمة لفرد أو جماعة وبأي جهد من أي مسلم، ونبذ التقسيمات التي حصر بها بعض طلبة العلم الاهتمام بالدين على فئة معينة سموها "الملتـزمين" فالأمة كلها مطالبة بنصرة الدين. وكل مسلم لا يخلو من خير. والإيمان شُعَب منها الظاهر ومنها الباطن، ورب ذي مظهر إيماني وقلبه خاوٍِ أو غافل، ورب ذي مظهر لا يدل على ما في قلبه من خير وما في عقله من حكمة ورشد. وهذا لا يعني إهمال تربية الأمة على استكمال شُعَب الدين ظاهراً وباطناً، بل إن استنفار الأمة كلها لنصرة الدين وتحريك الإيمان في قلوبها هو من أسباب توبة العاصي ويقظة الغافل، وتزكية الصالح.

وهذا جيش النبي صلى الله عليه وسلم خير الجيوش لم يكن من السابقين الأولين محضاً بل كان فيه الأعراب الذين أسلموا ولما يدخل الإيمان في قلوبهم، وفيه مَن خَلَط عملاً صالحاً وآخر سيئاً، وفيه المُرجَون لأمر الله إما يعذبهم وإما يتوب عليهم، وفيه من قاتل حمية عن أحساب قومه فضلاً عن المنافقين المعلومين وغير المعلومين، وإنما العبرة بالمنهج والراية والنفوذ التي لم تكن إلا بيد النبي صلى الله عليه وسلم ثم بيد أهل السابقة والثقة والاستقامة من بعده.

ولو لم نبدأ إلا باستنفار مرتادي المساجد لرأينا الثمار الكبيرة، وكذلك الأقرباء والعشيرة وزملاء المهنة وإن تلبسوا بشيء من المعاصي الظاهرة.

والمقصود أن نعلم أن حالة المواجهة الشاملة تقتضي اعتبار مصلحة الدين قبل كل شيء، فالمجاهد الفاسق – بأي نوع من أنواع الجهاد والنصرة – خير من الصالح القاعد في هذه الحالة.

ج – توعية الأمة بمفهوم نصرة الدين وتولي المؤمنين، التي هي فرض عين على كل مسلم، وأن ذلك يشمل ما لا يدخل تحت الحصر من الوسائل، ولا يقتصر على القتال وحده، فالجهاد بالمال نصرة، وكذلك الإعلام وبالرأي والمشورة وبنشر العلم، وبالعمل الخيري، وبنشر حقائق الإيمان ولاسيما عقيدة الولاء والبراء، وبالقنوت والدعاء، وبالسعي الجاد لجعل المجتمعات الأقرب إلى التمسك كمجتمعات دول جزيرة العرب قلاعاً تفيء إليها بقية الأمة، ومنارات للعلم وملاذات للأمن، فكل دعوة أو جهاد أو إغاثة تحتاج إلى من تفيء إليه، وتتحيز لجواره، والأخذ من علمه والإفادة من رأيه ومعونته، ولو استنفدنا طاقة هذه المجتمعات في حدثٍ ما لحلّت الخسارة بالجميع.

ولو تفهم كثير من المتحمسين هذه الحقائق لما حصرت نفوسهم بين المشاركة في الجهاد في جبهاته المعروفة أو اعتبار أنفسهم عاطلين قاعدين.

وأنت تعجب حين ترى كثيرين يسألون الشيوخ عن الجهاد: فإن قيل فرض عين سافروا إلى مواقعه. وإن قيل غير ذلك بقوا عاطلين بين اليأس والكسل، لا تَفَقّه في الدين، ولا تعليم، ولا دعوة، ولا جمع مال، ولا أمر بالمعروف، ولا نهي عن المنكر، وهذه مأساة في واقعنا التربوي.

د – تطوير وسائل الدعوة لمواكبة المواجهة العالمية الشاملة بين الكفر والإيمان،فلم يعد الوقت وقت الشريط أو النشرة أو الكتيب. بل القنوات الفضائية المتعددة اللغات والصحافة المتطورة، ومراكز الدراسات المتخصصة... والمؤسسات التعليمية والخيرية المُحْكمة التخطيط.

هـ - تحويل وحدة الرأي والتعاطف إلى توحّد عملي ومنهجي لكل العاملين للإسلام في كل مكان، يقوم على الثوابت والقطعيات في الاعتقاد والعمل، ويدرس الفروع والاجتهادات بأسلوب الحوار البناء. فاجتماع كلمة الأمة أصل عظيم لا يجوز التفريط فيه بسبب تنوع الاجتهاد واختلاف الوسائل. وما يجمع المسلمين أكثر وأقوى مما يفرقهم. والشرط الوحيد لهذا هو أن يكون المصدر كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وسيرته، وما كان عليه الأئمة المتبوعون في عصور عز الإسلام. أما المتَأخرون فـتُحاكم آراؤهم ومواقفهم إلى ذلك دون بخس لحقهم أو إهمال لاجتهادهم.

و – التيقظ الكامل لخطط العدو الماكرة وأهدافه المريبة، ومنها ما بدا من أفواه المسؤولين الأمريكان عن ضرورة تجفيف المنابع، وهي سياسة معمول بها من قبل، انتهجها أتاتورك وعبد الناصر ولا يزال ينتهجها معظم الأنظمة، والنظام التونسي مثالها العربي الواضح. والمقصود بها محو البقية الباقية من معالم الدين وشعائره على النحو الذي يطالب به المنافقون: مثل بعض الكتاب المارقين في صحف سعودية دولية. وأهم ما يرون تجفيفه من المنابع: مناهج التعليم، وخطب الجمعة، ووسائل الإعلام، ومدارس القرآن، وأول ما طالبوا بمحوه عقيدة الولاء والبراء، والأحكام التي تميز بين الكافر والمؤمن، والآيات والأحاديث المتعلقة بذم اليهود والنصارى، وكذلك أحكام الجهاد والترغيب فيه، وأحكام التشبه بالمشركين والسفر إلى بلادهم.

ز – مخاطبة الحكومات في البلاد الإسلامية وإشعارها - كل بلد بحسب أحواله ووسائل الاحتجاج المتاحة فيه – بأن ما تريده أمريكا من مراصد استخباراتية ومراكز للمعلومات عن الصحوة الإسلامية ورقابة على خطب الجمعة وغيرها – بل وللاغتيالات كما صرح أكثر من مسؤول أمريكي – مرفوض جملة وهو من القضايا التي تمس مباشرة عقيدة الولاء والبراء وحق السيادة للدولة، وكل دولة توافق عليه ولاسيما تلك المجاورة للعدو الصهيوني فهي خائنة لله وللرسول ولقضايا الأمة، وموالية للكفار على المسلمين ويجب على بقية الدول فضحها، وعدم إمدادها بأي شيء أو التعاون معها بهذا الشأن، وينبغي التنبيه إلى أن وجود مثل هذه المراصد أو المراكز هو مما يدفع شباب الجهاد لمهاجمة السفارات والمصالح الأمريكية، أما لو حدث اغتيال أحد المجاهدين من طريقها فسوف يؤدي إلى انتقام لا تحصر أبعاده.

ح – مطالبة الحكومات الإسلامية – كل بلد بحسب أحواله أيضاً – بفتح باب الحوار وتفهم هموم الشباب ومشكلاته واستيعاب حماسته فيما يخدم الإسلام حقيقة. فهولاء الشباب في الأصل طاقة ذات حدين إن لم تستصلح وتهذب أصبحت وبالاً وبلاءً، وهم إذا رأوا الصدق من أحد وثقوا فيه وقبلوا توجيهه، وإذا ارتابوا في أحد أعرضوا عنه وحذّروا منه، فلابد في التعامل معهم من حكمة وأناة وصبر. ولابد للحكومات من الكف عن الدعاية المسيئة للدين ولهم، وترك ما يستفزهم من المنكرات، وغض النظر عما يبدر منهم من مخالفات توقياً لما هو أكبر منها، وأن تلغي من تعاملها الحل الأمني الذي ثبت أنه لا يؤدي إلا إلى ردّات فعل أعنف والدخول في نفق مظلم لا نهاية لـه.

وعليها أن توضح لأمريكا وغيرها أن الصحوة شبّت عن الطوق وتجاوزت حدود السيطرة حيث وصلت إلى المطربين ولاعبي الكرة والممثلين ومروجي المخدرات وغيرهم، وأن الإسلام - ممثلاً في الطائفة المنصورة التي أخبر عنها النبي صلى الله عليه وسلم – قادم لا محالة وهو كما قال بعض المعلقين الغربيين على الحادث (( إن العفريت قد خرج من القمقم )) والحقيقة أن القمقم لم يعد لـه وجود وأن العفريت يمكن أن يكون ملاكاً في رقته ورحمته إذا لم يستفزه أحد.

وإجمالاً إن لم تغير الحكومات من سياساتها تجاه شباب الصحوة - بنفس القدر الذي تطالب به أمريكا بتغيير سياستها تجاه الانتفاضة - وإن لم تعتبر بهذه الأحداث وتداعياتها المتلاحقة فسوف تدفع ثمناً غالياً قد تضطرها أمريكا نفسها لدفعه.

ط – ضرورة فتح باب الحوار بين المسلمين والغرب، ولا نعني به الحوار الرسمي السياسي ولا المؤتمرات المشبوهة مع البابا وأمثاله، بل الحوار العقدي والفكري والحضاري بين المؤمنين بأن رسالة الإسلام هي وحدها الحق، ودين الله الذي لا يقبل غيره، وأن خير ما يقدمه المسلمون للشعوب والحضارات هو هدايتهم للإيمان، ودعوتهم إلى الله، وبين الباحثين الجادين عن الحق والحقيقة في الغرب – وهم كثير – ولا مانع أن يشمل حوار المسلمين الجهات السياسية أو المؤثرة في صنع القرار هناك إقامة للحجة ولعلهم يتذكرون أو يخشون، ويجب اتخاذ الوسائل المحكمة لهذا مثل مراكز الدراسات المتخصصة والإصدارات العلمية الموثّقة والندوات التي يمثل المسلمين فيها أهلُ الرأي والعلم والخبرة بأحوال الغرب.

ي – إن أمة تعيش حالة الحرب الشاملة يجب أن تكون أبعد الناس عن اللهو والترف. وأن تصرف جهودها وطاقتها للتقرب إلى الله ورجاء ما عنده، وأن تحرص على التأسي بالأنبياء الكرام والسلف الصالح في الزهد في الدنيا والرغبة فيما عند الله، فهي في رباط دائم وثغور متوالية، ولا قوة لها إلا بالله، ويجب أن يصحب أعمالها كلها إخلاص لله تعالى وصدق في التوجه إليه وتوكل عليه ويقين في نصره، وعلى أهل العلم والدعوة أن يكونوا قدوة للناس في هذا كله وأن يضعوه في أولويات برامجهم الدعوية، فإن الله سبحانه وتعالى لم يعلق وعده بالنصر والنجاة والإعلاء والعزة لمن اتصف بالإسلام بل خص به أهل الإيمان كما في قوله تعالى:

{إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد}.

وقوله: {وكان حقاً علينا نصر المؤمنين}.

وقوله: {ونجينا الذي آمنوا وكانوا يتقون}.

وقوله: {ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين}.

وقوله: {ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين}.

وختاماً أسأل الله الكريم رب العرش العظيم أن ينفعني وإخواني المسلمين بما نسمع وما نقول وأن يقر أعيننا بنصرة دينه وإعلاء كلمته وأن يجعلنا هداة مهتدين والحمد لله رب العالمين.

وصلى الله وسلم على عبده ورسوله محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

كتبه:

سفر بن عبد الرحمن الحوالي
اضافة رد مع اقتباس
  #5  
قديم 09/12/2002, 05:59 PM
مشرف سابق بمنتدى الثقافة الإسلامية
تاريخ التسجيل: 15/12/2000
المكان: القصيم
مشاركات: 2,953
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ..من يهده الله فلا مضل له ..ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً ..وبعد

أيها الأحبة :_

إن حديث اليوم هو عن أعظم عمل بعد التوحيد كلف به الأنبياء وهو الصلاة ، فإنها من خير أعمالكم ، وهي خير موضوع كما قال النبي صلى الله عليه وسلم فلهذا لا غرابه أن يخصص له حديث : ويدندن حوله المتكلمون لأنها سراج للقلب والروح الى بارئها جلى وعلى .

أولاً.. تمهيد :-

إن من عظيم نعمته تعالى وهو الواحد الأحد الصمد أن يجود بعليائه على ذلك العبد الفقير فيبسط يده إليه ويأذن له بذكره وشكره وحسن عبادته وسؤاله ، مجرد الإذن كما قال تعالى (( في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها أسمه )) فإن مجرد إذنه لنا بأن نذكره وندعوه هو نعمة عظمى .. فكيف وقد أمرنا بذلك وأوجبه علينا ، وجعل لنا عليه الأجر العظيم . إنه سبحانه يفتح أبوابه لعباده دون أن يجعل بينه وبينهم وسيطاً (( وقالالأول :_ دعاء عبادة : كالصلاة والقرآن والذكر والتسبيح ، فهذا دعاء عبادة له تعالى .

الثاني :- دعاء مسألة ، أي أن تسأل الله تعالى وترجوه فيما تريد وتحب من خيري الدنيا والآخرة ، وذكره تعالى هو في حقيقته دعاء لإنك إن أثنيت عليه تعالى بأسمائه وصفاته فأنت تتعرض له بالسؤال ، فإذا قلت اللهم لامانع لما أعطيت ولامعطي لما منعت ولاينفع ذا الجد منك الجد فكأنك تقول اللهم لامانع لما أعطيت فأعطني ولا معطي لما منعت فلا تمنع عني فضلك ولاتحرمني بذنوبي ، ولا ينفع ذا الجد منك الجد فأغنني بفضلك عن سواك .

أأذكر حاجتي أم قد كفاني حباؤك إن شيمتك الحباء

إذا أثنى عليك العبد يومًا كفاه من تعرضه الثناء



إنه تبارك وتعالى ينزل في ثلث الليل الآخر فيقول لعباده : هل من سائل ؟ هل من داعي ؟ هل من مستغفر؟ هل من تائب ؟

لا تسألن بني آدم حاجة وسل الذي أبوابه لا تحجب

الله يغضب إن تركت سؤاله وبني آدم حين يسأل يغضب

(( ياابن آدم إنك مادعوتني ورجوتني إلا غفرت لك على ماكان منك ولا أبالي ، ياابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك ياابن آدم إنك لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئاً لأتيتك بقرابها مغفرة )) حديث قدسي –

ثانياً :_صفات وأسماء وفضائل ..

هذه الصلاة شأنها عظيم .. ولماذا أتكلم أنا ويتكلم غيري وقد تكلم الرب جلا وعلا ؟! ولماذا يتحدث الإنسان وقد تحدث سيد ولد آدم محمد صلى الله عليه وسلم،فبيّن ما في هذه الصلاة من الأسرار والمعاني الكبار . فالصلاة عهد .. قال الله تعالى :- (( ونسوق المجرمين إلى جهنم ورداً .لا يملكون الشفاعة إلا من اتخذ عند الرحمن عهداً )) .و قال صلى الله عليه وسلم كما في السنن : - (( العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر)) فمن حُرم الصلاة فقد حُرم الشفاعة يوم الحساب .

والصلاة عبادة تصل العبد بربه تعالى ، فتجعل هذا الضعيف الحقير الفاني المخلوق من تراب الأرض! تجعله عظيماً لأنه موصول بالله تبارك وتعالى (( يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا واعبدوا ربكم وافعلوا الخير لعلكم تفلحون )) .

وهي إيمان ، وكل الأعمال بلا إيمان لا قيمة لها ولا ثمرة قال الله تعالى : (( وما كان الله ليضيع إيمانكم)) يعني صلاتكم إلى بيت المقدس قبل أن تحول القبلة إلى الكعبة المشرفة في البيت الحرام – ولهذا أيضاً بيّن النبي صلى الله عليه وسلم أن ترك الصلاة كفر ، فقال كما في صحيح مسلم : -(( بين الرجل وبين الكفر والشرك ترك الصلاة)) وتركها أيضاً نفاق كما في قوله عليه الصلاة والسلام في الحديث المتفق عليه ((أثقل الصلاة على المنافقين صلاة العشاء وصلاة الفجر ولو يعلمون ما فيها لا توهما ولو حبواً )).

والصلاة توبة . قال الله تعالى:- (( فإن تابوا وأقاموا الصلاة وأتوا الزكاة فإخوانكم في الدين )) وقال في الآية الأخرى : (( فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم )).

والصلاة ذكرُُ لله تعالى ، قال الله عز وجل (( إنني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدني وأقم الصلاة لذكري )) يعني لتذكرني بها .

والصلاة طمأنينةٌ للقلب وسكينةٌ للنفس وهناء للروح ، قال الله تعالى:- (( وصلّ عليهم إن صلاتك سكن لهم)) .وفي حديث متفق عليه أن أ سيد بن حُضير قام يصلي من الليل فقرأ من سورة البقرة أو من سورة الكهف- اختلفت الرواية – فرأى بين السماء والأرض أمثال القناديل فجالت الفرس حتى خشي على ولده فهدأ وسكن في قراءته فعاد فعادت ، فلما أصبح غدا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : (( اقرأ يا ابن حُضير تلك السكينة تنزلت لقراءة القرآن ، تلك الملائكة ، ولو قرأت لأصبحت يتراءاها الناس بين السماء والأرض )) .

والصلاة شكرُُ (( ذرية من حملنا مع نوح إنه كان عبداً شكوراً )) .. بماذا كان عبداً شكوراً ؟! .. بكثرة الصلاة .. ولهذا لما قالت عائشة كما في الصحيحين لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقد أطال القيام حتى تفطرت قدماه : تفعل هذا وقد غفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر ؟ قال يا عائشة أفلا أحب أن أكون عبداً شكوراً ))

والصلاة عونُُ للعبد على ما يعانيه ويواجهه من المشكلات في الدنيا والآخرة ، ولهذا قال الله تعالى :-

(( واستعينوا بالصبر والصلاة وإنها لكبيرة إلا الخاشعين)) فالذين يواجهون مشاكل الدنيا وصعوباتها ويتصدون لجلائل الأعمال ، خاصة من أهل العلم ، وأهل الدعوة ، وأهل الجهاد الذين يلقون التعب في هذه الدار ، ويواجهون من المشاكل الصغيرة والكبيرة ، ويحط الناس بهم كل قضاياهم وكل مشكلاتهم ، لابد أن يستعينوا على ذلك بالصلاة وإلا عجزوا وانقطعوا . وكان شيخ الإسلام ابن تيميه رحمه الله يصلي الفجر ثم يجلس في مصلاه يذكر الله حتى يتعالى النهار ويرتفع ثم يصلي ركعتين ثم يقول : - (( هذه غدوتي ، لو لم أتغدها لم تحملني قدماي )).

والصلاة مناجاة لله سبحانه وتعلى ووقوفُُ بين يديه ولهذا قال النبي صلىالله عليه وسلم كما في الصحيح

(( إذا قام العبد في الصلاة فإنه يناجي ربه )) . ثم نهى أن يبصق العبد بين يديه أو عن يمينه ولكن من تحت قدميه أو عن شماله ،والذي يناجي ربه تعالى أنّى أن يقبل على غيره أو ينصرف عنه أو يجعل بصره يلتفت يمنة ويسرة والله تعالى قُبالة وجهه .

والصلاة قربى وزلفى إلى الرب تعالى فإن العبد بعيد عن الله إن غفل عن ذكره ، فكلما ذكر الله تعالى وصلى اقترب من الله سبحانه ، ولهذا قال تعالى (( أرأيت الذي ينهى عبداً إذا صلى )) ثم قال في آخر السورة (( كلا لاتطعه واسجد واقترب )) اقترب إلى الله تعالى بالسجود له. وفي الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : -(( أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد فأكثروا فيه من الدعاء فقمن أن يستجاب لكم )

والصلاة كفارة ، قال الله تعالى : (( وأقم الصلاة طرفي النهار وزُلفاً من الليل إن الحسنات يذهبن السيئات ذلك ذكرى للذاكرين )) فالعبد يحترق بالذنوب والمعاصي ، هذه نظرة حرام ، وهذه كلمة ما حسب لها حساب ، وهذه خطوة إلى معصية ، وهذه يدٌ تمتد إلى مالا يرضي الله ، وهذه .. ، وهذه .. فإذا جاءت الصلاة كفَر العبد بها عن ذنوبه وخطاياه وقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم أن العبد يغفر له ما بين الصلاتين ما لم يؤتي كبيرة ، وذلك الدهر كله . ولما جاءه الرجل يشتكي ذنباً. قال له النبي صلى الله عليه وسلم (( أشهدت معنا الصلاة قال: نعم . قال : اذهب فقد غُفر لك )) . وقد شبه النبي صلى الله عليه وسلم كما في الحديث الصحيح – الصلاة ب(( نهرغمر جارٍ بباب أحدكم يغتسل منه العبد كل يوم خمس مرات هل يبقى من درنه شىء . قالوا :لا يارسول الله .قال : فذلك مثل الصلوات الخمس يمحوا الله بهن الخطايا والذنوب )). والصلاة عصمة من الشيطان . ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم (( إن الشيطان يئس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب )) وهي نور كما قال عليه الصلاة والسلام في الحديث الذي رواه مسلم :- (( والصلاة نور )) . وهي شغلٌ أي شغل ولهذا في حديث ابن مسعود :- (( إن في الصلاة لشغلاً )) يعني من أمور الدنيا بل حتى عن أمور الدين من غير الصلاة مما لا يتعلق بها .فإذا أقبل العبد على صلاته ينبغي أن يفرغ قلبه من جميع الشئون والهموم ، ويقبل عليها بقلب حاضر ولسان ذاكر .

وهي أيضاً حقن لدم الإنسان . ولهذا لما وقف الرجل أمام الرسول صلى الله عليه وسلم وهو يقسم الغنائم ، فقال: اعدل يا محمد - وفي رواية : - (( أنه قال : هذه قسمة ما أريد بها وجه الله )) – فاستأذن رجل من الصحابة في قتله فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : لعله أن يكون يصلي )) فاعتبر أن صلاته تعصم دمه من أن يقتل .

ولما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم حكّام الجور وحكّام السوء قال بعض الصحابة : يا رسول الله أفلا ننابذهم ونقاتلهم ؟ قال : -(( لا.. ما صلوا ..))

وهي ناهية عن الفحشاء والمنكر (( وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر )) .. بل هي أفضل الأعمال كما قال النبي صلى الله عليه وسلم ، وقد سئل كما في الصحيح :- (( أي الأعمال أفضل ؟ فقال :

(( الصلاة لوقتها )) .. وهي شعار الإخاء والحب و المودة بين المصلين والمترددين على المساجد وقد جاء في مسند الإمام أحمد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال عن المملوك (( مملوكك كافيك ، فإذا صلى فهو أخوك ، فإذا صلى فهو أخوك )) يعني العبد الذي تستخدمه إذا أدى الصلاة فهو أخوك ، فعليك أن تحسن معاملته وتبتعد عن إيذائه بالقول أو بالفعل . بل هي وصية الله سبحانه وتعالى لأفضل خلقه للرسل عليهم الصلاة والسلام : -(( قال إني عبد الله آتاني الكتاب وجعلني نبياً وجعلني مباركاً أينما كنت وأوصاني بالصلاة والزكاة مادمت حيا )) .

* بالتالي فإن الرسل نقلوا هذه الوصية إلى من وراءهم من أهليهم وأقوامهم وأتباعهم . قال الله تعالى ..(( وكان يأمر أهله بالصلاة والزكاة )) وقال للنبي صلى الله عليه وسلم : ((وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها لا نسألك رزقاً نحن نرزقك والعاقبة للتقوى )) وفي الصحيحين أن النبي صلا الله عليه وسلم قام فزار البقيع ، فسلم على أهل البقيع ثم صلى وقال : - (( إني أرى مواقع الفتن خلال بيوتكم كمواقع القطر )) ثم قال عليه الصلاة والسلام : -(( من يوقظ صواحب الحُجُرات – يعني أزواجه رضي الله عنهن – يا رُبّ كاسية بالدنيا عارية يوم القيامة )) وكان يقول في مرض موته الذي قبض فيه صلى الله عليه وسلم : (( الصلاة وما ملكت أيمانكم)).

**كل هذا شأن الصلاة فهل يا ترى هذه المعاني العظيمة وهذه الدلالات الربانية وهذه الأوصاف النبوية هل هي تصدق على كل صلاة ؟ .. أم تصدق على تلك الصلاة التي أمر الله بها رسوله صلى الله عليه وسلم . لاشك أنه كم من مصلّ يقول بلسانه ما ليس في قلبه حتى المنافقون كانوا يصلون مع النبي صلى الله عليه وسلم ، وربما تأخروا عن بعض الصلوات كصلاة العشاء ، وصلاة الفجر ، ولكنهم ربما شهدوها وبالتأكيد فهم يشهدون غيرها . وكثير من ضعفاء والإيمان يصلون لكن لا تتحقق تلك المعاني العظام في صلاتهم لإنها صورة مجردة عن الحقيقة ، ولهذا يجب أن نعلم : كيف صلى الأنبياء .

ثالثاً : - نعم هكذا صلى الأنبياء .

كل الأنبياء بعثوا بالصلاة ولهذا لو تأملت هديهم لوجدت الصلاة مذكورة في سيرة كل نبي . قال الله تعالى

(( أولئك الذين أنعم الله عليهم من النبيين من ذرية آدم وممن حملنا مع نوح ومن ذرية إبراهيم وإسرائيل وممن هدينا واجتبينا إذا تتلى عليهم آيات الرحمن خروا سجداً وبكياً )) ثم قال (( فخلف من بعدهم خلفُُ أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غياً )) . إذن فالأنبياء بعثوا بالصلاة وإذا قرأوا القرآن خروا ساجدين خاشعين باكين لله تعالى . أما الذين من بعدهم ممن غيروا وبدلوا وخالفوا هديهم فقد اتبعوا الشهوات وأضاعوا الصلوات . قال الله تعالى : - (( وهذا كتاب أنزلناه مبارك مصدق الذي بين يديه ولتنذر أم القرى ومن حولها والذين يؤمنون بالآخرة يؤمنون به وهم على صلاتهم يحافظون )) وكأن صلاة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام كانت متقاربة في هيئتها وشكلها ومظهرها ومخبرها وسرها وجوهرها . ففي حديث ابن عباس وابن عمر وهما حديثان صحيحان أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( إنّا معاشر الأنبياء أمرنا أن نعجل إفطارنا ونؤخر سحورنا ونضع أيماننا على شمائلنا في الصلاة ))

فهؤلاء الأنبياء كلهم أمروا أن يقفوا بالصلاة خاشعين لله تعالى مخبتين بين يديه منكسرين إليه واضعاً أحدهم يده اليمنى على يده اليسرى على جزءٍ من بدنه في صلاته على صدره أو غيره . هكذا أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن الأنبياء جميعاً . ووضع اليد على اليد في الصلاة هو من هدي النبي صلى الله عليه وسلم . وقد وردت فيه أحاديث كثيرة أوصلها بعض العلماء إلى درجة المتواتر الذي ثبت ثبوتاً قطعياً ، أنه كان صلى الله عليه وسلم كان يضع يده اليمنى على يده اليسرى في الصلاة ، وفي الصحيحين من حديث سهل بن سعد : -(( كان الناس يأمرون الرجل أن يضع يده اليمنى على يده اليسرى في الصلاة )) . وفي صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : - (( مررت على موسى وهو يصلي على قبره ))[1]

وقال عليه الصلاة والسلام كما في الصحيحين : -(( أفضل الصلاة صلاة داود ..)) وذكر عليه الصلاة والسلام أنه لما أُسري به إلى بيت المقدس جُمع له الأنبياء هناك فصلى بهم إماماً وهم يصلون بصلاته )) ولاشك والله تعلى أعلم – أن هؤلاء المأمومين من أنبياء الله ورسله كانوا يقتدون بإمام الأئمة محمد عليه الصلاة والسلام ، فإذا كبّر كبّروا ، وإذا قرأ أنصتوا ، وإذا قام قاموا ، وإذا ركع ركعوا ، وإذا سجد سجدوا ، وإذا قعد قعدوا ، وإذا سلّم سلّموا من ورائه صلى الله عليه وعليهم جميعاً وسلّم فهذا ما يقتضيه الشرع في إقتداء المأموم بالإمام ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : (( إنما جعل الإمام ليؤتم به فلا تختلفوا عليه )) فكيف تظن هؤلاء الأنبياء الكرام عليهم الصلاة والسلام صلوا خلف إمامهم- نبينا محمد صلى الله عليه وسلم – إلا أن يكونوا يصلون بصلاته حذو القذة بالقذة ويتبعونه في كل أفعاله عليه الصلاة والسلام .

وفي آخر الزمان ذكر النبي صلى الله عليه وسلم أن عيسى عليه الصلاة والسلام ينزل على المنارة البيضاء شرقي دمشق ، فيصلي الفجر مع المسلمين يقتدي بإمامهم ويقول : (( أئمتكم أنتم أئمة بعضكم لبعض تكرمة الله تعالى لهذه الأمة )) ولاشك أن عيسى حين يصلي سوف يقتدي بسنة سيد المرسلين عليه الصلاة والسلام ، إذ أن شريعة محمّد صلى الله عليه وسلم باقية إلى قيام الساعة ، وهي حق واجب على كل الناس الذين يأتون من بعده ، فبذلك تعلم أن جميع الأنبياء عليهم الصلاة والسلام بُعثوا بالصلاة وأُمروا بها وأمروا بها غيرهم ، وأن صفة الصلاة عند الأنبياء جميعاً – والله تعالى أعلم – متقاربة ، بل حتى الملائكة هم يصلون ، ولهم صلوات كصلوات المسلمين ، قيام وركوع وسجود ، ففي الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( نزل جبريل فأمسّني فصليت معه )) وفي الحديث الذي رواه أهل السنن أن جبريل أتى في اليوم الأول فصلى بالنبي صلى الله عليه وسلم الظهر ثم العصر ثم المغرب ثم العشاء ثم الفجر في أول الوقت . وفي اليوم الثاني نزل عليه السلام فصلى بالنبي صلى الله عليه وسلم الظهر ثم العصر ثم المغرب ثم العشاء ثم الفجر في آخر الوقت وقال له : - (( الصلاة بين هذين الوقتين )) وكذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم يوماً لأصحابه .. ألا تصفون كما تصُّف الملائكة عند ربها ، قالوا وكيف تصف الملائكة عند ربها ؟ قال : يُتمون الصف الأول فالأول ويتراصّون في الصف )) وفي الحديث الذي رواه أصحاب السنن وغيرهم وهو حديث صحيح عن أبي ذر وغيره أيضاً أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : -(( أطت السماء وحُقّ لها أن تئط ، ما فيها موضع شبر إلا وفيها ملك واضع جبهته ساجد لله تعالى يسبح الله ويحمده ، والله لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ، ولبكيتم كثيراً ، وما تلذذتم بالنساء على الفرش ، وخرجتم إلى الصعدات تجأرون إلى الله تعالى )) .. قال الله تعالى : - (( فإن استكبروا فالذين عند ربك لا يستكبرون عن عبادته ويسبحونه وله يسجدون )) . وصلاة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام فيها كيفيتان :-

الكيفية الأولى : - الكيفية الباطنة : -

وهي كمال الذل والخشوع لله تعالى وصدق التعبد والإقبال عليه والإنقطاع إليه عما سواه ولهذا قال الله تعالى : (( قد أفلح المؤمنون ، الذين هم في صلاتهم خاشعون )) وقال : - (( إن الذين أوتوا العلم من قبله إذا يتلى عليهم يخرون للأذقان سجداً ويقولون سبحان ربنا إن كان وعد ربنا لمفعولا ، ويخرون للأذقان يبكون ويزيدهم خشوعاً )) وقد قام نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ليلة تامة حتى أصبح . يقرأ آية واحدة من كتاب الله تعالى ، وكان يرددها ويبكي كما في حديث أبي ذر عن النسائي وغيره وهي قوله تعالى (( إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت الغفور الرحيم )) فالخشوع سر الصلاة ولبُّها وجوهرها وثمرتها ولاشك أن من الخشوع قدراً واجباً يأثم المرء بتركه والتفريط فيه كما في حديث أبي قتادة الذي رواه أحمد والدارمي والحاكم وصححه وسنده جيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :- (( أسوأ الناس سرقة الذي يسرق من صلاته )) قالوا يارسول الله وكيف يسرق من صلاته ؟ قال لايتم ركوعها ولا سجودها ولا خشوعها )) ولا شك أن السرقة حرام ، بل هي من كبائر الذنوب فكون النبي صلى الله عليه وسلم وصف ذلك الذي لا يتم خشوع الصلاة ولا ركوعها ولا سجودها بأنه قد سرق بل عد سرقته أسوأ سرقة وعدّه هو أسوأ الناس سرقة هذا دليل على أن من إتمام الركوع والسجود والخشوع في الصلاة قدراً واجباً يأثم الإنسان بتركه ولا تتم الصلاة إلا به ، ولا شك أن الخشوع من أعمال القلب . وأعمال القلب هي الأصل لأعمال الجوارح ، وفي الصحيحين من حديث النعمان : - (( إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب فالأصل في أعمال الجوارح أعمال القلوب ، فإن صلح القلب وأعماله صلحت أعمال الجوارح ، وإذا فسد القلب وأعماله فسدت أعمال الجوارح ، والناس يتنافسون في أعمال الجوارح ، فربما تنافسوا في التبكير إلى الصلاة وربما تنافسوا في تطبيق السنن الواردة في الصلاة ، وربما تنافسوا في تطويل الصلاة وهذا كله حسن وجيد ومشروع وفي ذلك فليتنافس المتنافسون ، وهو خير من التنافس في الدنيا أو في الأموال أو في الأولاد أو في غير ذلك ، ولكن أعظم من هذا التنافس على الأمور الظاهرة ، أن يتنافس الناس على الأمور الباطنة – أعمال القلوب – ولكنهم لا يتنافسون فيها لأنها ليست مما تراه العين أو تسمعه الأذن أو تلمسه اليد فهي سر لا يعلمه إلا العالم بالأسرار والخفيات وهو الله سبحانه وتعالى . وفي صحيح مسلم عن عثمان بن عفان رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : - (( ما من مسلم تحضره صلاة مكتوبة فيحسن وضوءها وخشوعها وركوعها إلا كانت كفارة لما قبلها من الذنوب ما لم يؤتى كبيرة ، وذلك الدهر كله ))

يا سبحان الله !! .. أيُّ خير زيد بعد ذلك ؟ ! كفارة لما قبلها من الذنوب !! .. وهي لا تستغرق منك أكثر من عشر دقائق ! .. والمقصود : الذنوب الصغيرة شريطة أن يحسن وضوءها وخشوعها وركوعها . وفي الترمذي ومسند الإمام أحمد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في الصلاة (( تشهُّدُُ في كل ركعتين وتخشّع وتضرّع وترفع يديك وتقول :يا للهم .. يا للهم ، فمن لم يفعل فهي خداج .. فهي خداج )) وفي صحيح البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : - (( والله ما يخفى عليّ خشوعكم ولا ركوعكم ولا سجودكم )) . والخشوع أيها الأحبة علمُُ ، ولا غرابة أن يتسابق الطلاب إلى حضور المجالس التي فيها علمُُ لبعض الأحكام .. لكن كم رأينا ممن يتسابقون إلى المجالس التي فيها علم القلوب كعلم الخشوع أو علم اليقين أو علم الإقبال على الله ومعرفته ومحبته وغير ذلك .

فالخشوع علمُُ لأنه علمُُ بالله وأسمائه وصفاته ومعرفة لعظيم قدره ، حتى لا يكون في شيء أكبر وأعظم من الله تعالى ، ولهذا تستفتح الصلاة لتقول : - (( الله أكبر )) وغير الخاشع يعد من الجاهلين ، وقد قال شداد بن

أوس – وهو صحابي – لجبير بن نفيل : (( هل تدري ما ذهاب العلم ؟ قال : لا ، قال : ذهاب العلم ذهاب أوعيته وهم العلماء . قال له : أتدري أي العلم يرفع أول ؟ قال لا أدري : قال : أول علم يرفع من الناس علم الخشوع ، يوشك أن تدخل المسجد الجامع فلا ترى فيه رجلاً خاشعاً )) وهذا الأثر رواه الإمام أحمد في مسنده والدارمي وأهل السنن وهو حديث صحيح .. وللخشوع أسباب لابد من تحصيلها : -

1- تفريغ القلب ، .. فصاحب القلب المشغول بهموم الدنيا المملوء بمشاكلها ، والمستغرق بملذاتها وقضاياها ؟ أنّى له أن يجد في قلبه خانة فارغة يملؤها بشأن الصلاة ، فالصلاة تحتاج إلى القلب ، فإذا احتاج العبد قلبه في الصلاة وجسده الآن مشغول بهموم الدنيا فلا يفرغ لصلاته فلابد أن يكون في قلب الإنسان خانات فارغة دائماً وأبداً لأمر الآخرة ، ولأمر الدين ، لا يسمح أن تملأ بشيء دنيوي قط .

2- التبكير إلى المساجد ، وإحسان الطهور ، والتنفل قبل الصلوات ، وقراءة ما تيسر من القرآن فإن هذا يفرغ القلب ويجرده من الشواغل ويهيئه للإقبال على الله تبارك و تعالى ، ولهذا شرعت السنن الرواتب :

[ ركعتان قبل الفجر ، وأربع قبل الظهر أو ركعتان ، وركعتان بعد العشاء ] وبين كل أذانين صلاة :

[ ركعتين قبل العصر – بين الأذان والإقامة - ، وركعتين قبل المغرب – بين الأذان والإقامة - ، وركعتين قبل العشاء – بين الأذان والإقامة ] . حتى يتفرغ القلب="mso-spacerun: yes" ويتجرد للإقبال على الفريضة .

3- الإقبال على الصلاة ، بقراءتها وذكرها ودعاءها ، فيتأمل العبد ماذا يقرأ في صلاته وبماذا يدعوا أما أن يكون في واد وقلبه في واد آخر فهذا بعيد من الإجابة ، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه أبو هريرة وابن عمر وهو حديث حسن (( ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة واعلموا أن الله لا يستجيب دعاءً من قلب غافل لاهٍ )) . فلا بد أن يقبل العبد على ربه ويدعوه وإذا قرأ القرآن يعرف ماذا يقرأ ، وإذا ذكر الله يعرف ماذا يقول .

4- ألا يؤدي الصلاة وقلبه مشغول ، بل ينتظر قضاء الصلاة ، ليذهب إلى حاجته ، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم (( لا صلاة بحضرة طعام ، ولا هو يدافعه الأخبثان )) وذلك أن النفس إذا استشرفت إلى شيء من أمر الدنيا طعام أو شراب أو عملاً أو خبراً أو غير ذلك .فإن العبد يصلي وهو ينتظر قضاء الصلاة لينظر في هذا العمل ، ينبغي للعبد أن يخلص عمل الدنيا ويقبل على صلاته بقلبٍ حاضرٍ متفرغ ، ولهذا وصف الله سبحانه وتعالى الصالحين بالمحافظة على الصلوات وهذا يشمل المحافظة على الوقت ، والطهور وأعمال الصلاة والخشوع وغير ذلك ، وبضدهم ذكر المنافقين فقال : (( وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى يراءون الناس ولا يذكرون الله إلا قليلاً )) وذكر المشركين فقال : - (( وما كان صلاتهم عند البيت إلا مكاءً وتصديه)) وذكر المرائين فقال:- (( فويلُُ للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون ، الذين هم يراءون ويمنعون الماعون )) .. إن الصلاة عبادة محضة ، ليس لها مرتبات .. وليس فيها فوائد دنيوية ولا داعي أن نقول للناس أن العبد إذا صلى كسب رياضة وصحة واستقام حاله ، وتخلص من بعض الأمراض إلى غير ذلك ، .. كلا .. فالعبد لا يأتي إلى المساجد ليكسب مالاً ولا ليكسب صحة ، ولا ليكسب ثروة ، ولا ليكسب جاهاً ، ولا ليكسب مكانة اجتماعية ، إنما يمشي هذه الخطوات إلى مسجد الله تعالى يضع جبهته في التراب لربه تبارك وتعالى ويقول : - (( سبحانك وبحمدك أنا عبدك وبين يديك ، اعترف بذنبيفليس في الصلاة كبير وصغير وليس فيها أمير ومأمور ولا غني ولافقير بل الجميع فيها سواسية ، أقدامهم سواء ، وأكتافهم سواء ، وجباهم كلهم في التراب معفرة لرب الأرباب . إذن : هذه هي الكيفية الأولى والعظمى ، والكيفية الباطنة لصلاة الأنبياء علهم الصلاة والسلام . فإن الواحد منهم إذا قام إلى صلاته أقبل على ربه أشد الإقبال . قال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم (( ياأيها المزمل . قم الليل إلا قليلاً . نصفه أو انقص منه قليلاً

أو زد عليه ورتل القرآن ترتيلاً . إنا سنلقي عليك قولاً ثقيلاً )) عبء الدعوة وتكاليفها ومسئولياتها وهمومها وتبعاتها لا يقوم لها إلا من استعان بالله تعالى وعبد الله وصلى وذكر الله ولذلك قال : - (( إنا سنلقي عليك قولاً ثقيلاً)).

الكيفية الثانية : - الكيفية الظاهرة

والمقصود بها أعمال الصلاة وأقوالها ، وهذه أمرها كبير وطويل ، ولكني اختصر شيئاً منها ، وسوف أتجاوز كثيراً من الأشياء المعروفة المتداولة التي لا إشكال فيها :

-1- يرفع العبد يديه في مبدأ الصلاة ويقول(( الله أكبر )) وهذه تكبيرة الإحرام ، وبها يدخل الإنسان كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : (( تحريمها التكبير وتحليلها التسليم )) فإذا كبر دخل في الصلاة وأحرم بها ، فأصبح محرماً عليه أن يأكل أو يشرب أو يتكلم أو ينصرف عن القبلة أو يعاني أي عمل من أعمال الدنيا التي تتنافى مع الصلاة ، وهذه التكبيرة ركن من أركان الصلاة ، وينبغي أن يرفع يديه مع التكبير ، يرفعهما إلى منكبيه كما جاء في بعض الأحاديث – أو إلى أطراف أذنيه – كما جاء في أحاديث أخرى ، ورفعهما إلى المنكبين هو مذهب الجمهور وأكثر الأحاديث عليه ولو رفعهما إلى أطراف الأذنين فلا حرج ، فجاء ذلك في أحاديث أخرى . وتوسط بعض أهل العلم فقال : يكون أسفل اليد إلى المنكب وأطراف الأصابع إلى فروع الأذنين ، وهذا الرفع مسنون عند : -

أ- تكبيرة الإحرام ب- تكبيرة الركوع -ج- الرفع من الركوع -د- القيام من التشهد الأول

فهذه الأربعة مواضع ثبت في الصحيحين من حديث ابن عمر وغيره أنه يشرع للإنسان أن يرفع يديه فيهما مع التكبير أو مع التسميع(( يعني قول سمع الله لمن حمده )) وهو سنة على كل حال كما هو مذهب الجماهير من العلماء بما في ذلك الأئمة الأربعة .

-2- بعد التكبير يستفتح العبد وهو سنة ليس بواجب عند جميع أهل العلم ، وأي دعاء ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم جاز أن يستفتح به العبد مثلاً (( سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك أسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك)) هذا ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم وثبت عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كما في صحيح مسلم وغيره ، وجهر به عمر وعلمه الناس ورجحه الإمام ابن القيم من نحو عشرة أوجه ، واختاره الإمام أحمد ، وفي كتاب التوحيد لابن منده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : - (( أحب الكلام إلى الله : سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك أسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك )) وسند الحديث جيد . وغيره ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة أنه عليه السلام كان يستفتح فيقول : - (( اللهم باعد بين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب ، اللهم نقني من خطاياي كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس اللهم إغسلني من خطاياي بالماء والثلج والبرد )) .

وإن دعا بغير ذلك من الاستفتاحات الواردة وهي نحو أربعة عشر استفتاحاً فلا بأس بذلك ، ولو جمع بين استفتاحين لم يكن عليه في ذلك إن شاء الله حرج ، كما رجحه الإمام ابن تيميه رحمه الله ثم يتعوذ بالله من الشيطان الرجيم لقوله تعالى (( فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم )) .

-3- يضع يده اليمنى على يده اليسرى – كما سبق – وهذا يكاد أن يكون اتفاقا بين العلماء ، وخالف في ذلك القليل-

ثم يضع يديه على صدره لحديث وائل بن حِجر قال : صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فوضع يده اليمني على اليسرى على صدره )) والحديث رواه ابن خزيمه وفي سنده ضعف ولكن له شاهد آخر مرسل صحيح عن طاووس قال في صلاة النبي صلى الله عليه وسلم (( أنه كان يضع يده اليمنى على اليسرى ثم يشد بينهما على صدره )) والحديث هذا رواه أبو داود وهو صحيح مرسل وبه يتقوّى حديث وائل بن حجر رضي الله عنه .

وهناك أقوال : بعضهم يقول : يرسل يديه ، وبعضهم يقول يضعهم فوق السرة ، وبعضهم يقول : يضعهم تحت السرة . وأود أن أقول : إن الأمر في ذلك كله واسع ، أما السنة فلا شك أن السنة هي وضع اليد اليمنى على اليسرى هذا ظاهر وليس إرسال اليدين ، ثم إن وضعها على صدره أو تحت الصدر بقليل أو فوق السرة أو تحت السرة فذلك كله واسع ، والأولى أن يضعهما فوق الصدر .. .. إنما لا ينبغي أن تكون هذه مسألة من المعضلات ، وألا تكون مثاراً للجدل والإشكال والقيل والقال ، وينبغي أن يكون فيها تعاذر وتغا فر وتناصح ، فلو خالفتني في هذه المسألة فلا حرج عليك إن شاء الله ، وأرجو ألاّ تؤاخذني إذ خالفتك أيضاً ، فإن الصلاة كما أسلفنا عبادة المقصود فيها التقرب إلى الله تعالى ، وليس المقصود فيها الجدل والقيل والقال وارتفاع الأصوات ، واختلاف القلوب ، ولأن نضع أيدينا مختلفين فهذا وضعهما تحت سرته ، وهذا وضعها على صدره ، وهذا وضعها فوق سرته مع اتفاق القلوب ، وسلامتها ، والنصح للمسلمين لهو خيرُُ عند الله تعالى من أن نفعل غير ذلك وتكون القلوب مختلفة متنافرة مليئة بالبغضاء لإخوانك المسلمين .

-4- قراءة الفاتحة وهي ركن للإمام والمنفرد لقول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث عبادة :- (( لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب )) أما المأموم فإن كان الإمام يسكت قرأ الفاتحة وإلا سكت المأموم وتكفيه قراءة إمامه إن شاء الله تعالى وفي ذلك أقوال كثيرة هذا أصحها وأرجحها – في ما ظهر لي إن شاء الله – ولذلك أدلة منها قول ربنا تبارك وتعالى (( وإذا قُرِأ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون )) قال بعض المفسرين أجمع العلماء على أن ذلك في الصلاة ، فإذا كان الإجماع على أن هذه الآية نزلت في الصلاة ، فكيف نستثني منها لحالة الوحيدة التي يمكن أن يقرأ فيها الإمام والمأموم ، وهي ألا يسكت الإمام يعد قراءة الفاتحة ، فإذا لم يسكت الإمام فعليك أن تسمع وتطيع لما قال الله ، فتسكت رجاء أن تدخل في رحمة الله . وقال النبي صلى الله عليه وسلم عن الأئمة : - (( يصلون لكم فإن أصابوا فلكم ولهم ، وإن أخطأوا فعليهم ولكم )) صحيح . فقول النبي صلا الله عليه وسلم – يصلون لكم – دليل على أن قراءة الإمام قراءة لمن وراءه . وكذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم :"إنما جعل الإمام ليؤتم به فلا تختلفوا عليه فإذا كّبر فكّبروا وإذا قرأ فأنصتوا ، وإذا ركع فاركعوا ، وإذا قال سمع الله لمن حمده فقولوا ربنا ولك الحمد ، وإذا سجد فاسجدوا .. ..)) إلى غير ذلك ، فقوله : - (( وإذا قرأ فأنصتوا )) بعد ما بّين ماذا يقول الإمام بيّن ماذا يقول المأموم . فإذا قال الإمام سمع الله لمن حمده )) قال المأموم (( ربنا ولك الحمد )) .

وإذا ركع الإمام ركع المأموم فبيّن ماذا يجب عليهم جميعاً وهو (( الركوع ، والوقوف ، والسجود ، وغير ذلك ، وبيّن ما يجب على الإمام دون المأموم وهو مثل قوله (( سمع الله لمن حمده )) .

وبيّن ما يجب على المأموم مع الإمام وهو قوله ((ربنا ولك الحمد )) ثم قال (( فإذا قرأ فأنصتوا )) فدل ذلك على أن المأموم مطالب بالإنصات متى شرع إمامه بالقراءة حتى لو لم يتمكن من قراءة الفاتحة . وقد جاء في ذلك حديث (( من كان له إمام فقراءته له قراءة )) وهذا الحديث جاء عن أنس بن مالك وابن عباس وأبي هريرة وابن سعيد وابن عمر وجابر وغيرهم ، وصححه جماعة من أهل العلم كالإمام البوصيري والإمام شيخ الإسلام ابن تيميه رحمه الله ومن المعاصرين الشيخ الألباني وغيره ، وضعفه آخرون . وعلى كل حال فإنه لم يثبت قطعياً أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسكت وهو إمام حتى يتمكن من وراءه من القراءة . ولو كانت قراءة الفاتحة واجبة على المأموم لسكت النبي صلى الله عليه وسلم حتى يتمكن المأموم من قراءتها . وقد قال عليه الصلاة والسلام يوماً بعد ما انصرف من صلاة الفجر (( مالي أنازع القرآن ، لعلكم تقرئون خلف إمامكم )) قالوا نعم ، فنهاهم – قال الزهري : فانتهى الناس عن القراءة فيما يجهر فيه النبي صلى الله عليه وسلم بالقراءة .

-5- يقرأ بعد الفاتحة سورة استحباباً لا وجوباً – في الركعتين الأولين من الصلاة الرباعية وفي الركعة الثالثة من الصلاة الثلاثية . ففي الفجر يقرأ بطوال المفصل ، وقد قرأ النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة الفجر سورة السجدة و (( هل أتى على الإنسان )) وقرأ سورة ق وقرأ إذا الشمس كورت ، وغالب ما يقرأ ما بين .6 إلى ..1 يقسمهما ما بين الركعتين . أما في الظهر فإنها أقل من الفجر ولكنها أطول من العصر ، وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ أحياناً في الظهر بطوال المفصل فقرأ بالذاريات بل قرأ في الظهر بلقمان ثبت هذا عنه عليه الصلاة والسلام .

والغالب أنه يقرأ قراءة أقل من صلاة الفجر وأطول من صلاة العصر ، أما في العصر فيقرأ بأواسط المفصل كسورة عمّ والمطففين والتكوير والبروج ونحوها .

أما المغرب فيقرأ أحياناً بالقصار كما في حديث سليمان بن يسار أنه كان يقرأ بقصار المفصل ، وقال أبو هريرة ((اذكرني هذا صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم )) ومثله حديث الصنابحي وقد صلى خلف أبي بكر بالمدينة رضي الله عنه وقد ذكر أنه كان يقرأ في المغرب بقصار المفصل . وقد قرأ صلى الله عليه وسلم بالمغرب بغير ذلك فقرأ بالطور مرة ، وقرأ بسورة المرسلات بل قرأ بسورة الأعراف – طولى الطوليْين – في مرة أو أكثر.

أما في العشاء فهو يقرأ فيها كالعصر بأواسط المفصل وقد قرأ عليه الصلاة والسلام بالعشاء ((إذا السماء انشقت )) ذات مرة وسجد فيها . وكذلك قرأ في الصحيحين من حديث جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لمعاذ بن جبل : (( أفتّان أنت يا معاذ ؟ لما أطال القراءة – اقرأ بالشمس وضحاها ، والليل إذا يغشى ، وسبح بسم ربك الأعلى . وهذا يتعلق بما يقرأه الإنسان .

-6- يركع الإنسان ويحني ظهره ويجعل ظهره مساوياً لظهره كما قالت عائشة – عن الرسول صلى الله عليه وسلم – أنه : - (( إذا ركع لم يرفع رأسه ولم يصوّ به ولكن كان بين ذلك )) وكان لو صُبّ على ظهره الماء لستقر من تساويه واعتداله ، ورأسه كذلك كان مساوياً لظهره عليه الصلاة والسلام وكان يقول في ركوعه

(( سبحان ربي العظيم ، سبحان ربي العظيم )) أما الوجوب فمرة لإنه صلى الله عليه وسلم لما نزل قوله تعالى

(( فسبح باسم ربك العظيم قال : - (( اجعلوها في ركوعكم )) وهذا يتحقق بمرة واحدة . وأما أدنى الكمال فكما قال الفقهاء (( ثلاث )) ويدعوا في الركوع أيضاً بما ورد وكان من دعائه صلى الله عليه وسلم في ركوعه كما في حديث عائشة المتفق عليه (( سبحانك اللهم وبحمدك ، اللهم اغفر لي )) إلى غير ذلك من الأدعية.

-7- يرفع رأسه ويقول (( سمع الله لمن حمده )) إن كان إماماً أو منفرداً ، أما المأموم فلا يقولها بل يكتفي بقوله (( ربنا ولك الحمد )) وهذا الدعاء يشترك فيه الإمام والمأموم والمنفرد فيقولون جميعاً (( ربنا ولك الحمد حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه ملء السماء ، وملء الأرض ، وملء ما شئت من شيء بعد ، أهل الثناء والمجد ، أحق

ما قال العبد ، وكلنا لك عبد ، اللهم لا مانع لما أعطيت ، ولا معطي لما منعت ، ولا ينفع ذا الجد منك الجد ))

ما معنى هذا الدعاء .. .. ؟! قد نردده ولا نفهم معناه : -

(( ربنا ولك الحمد حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه ملء السماء وملء الأرض وملء ما شئت من شيء بعد )) يعني هذا الحمد الذي أحمدك يا رب هو حمدٌ كثيرٌ طيبٌ لا ينتهي أ بداً يملأ السماوات ويملأ الأراضي ويملأ غيرهما مما تشاء يا رب. ثم قال (( أهل الثناء والمجد ، أحق ما قال العبد ، وكلنا لك عبد )) كلنا عبيد لك ، وأفضل وأعظم كلمة قالها عبد هي : - (( اللهم لا مانع لما أعطيت )) هذه أعظم كلمة قالها العبد وأحق كلمة قالها العبد :- (( اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ، ولا ينفع ذا الجد منك الجد )) فذوا الحظ والغنى .. . ذو الملك والسلطان .. ذو المال والثراء .. ذو الصحة والقوة ..لا ينفعه منك ذلك ، إنما ينفعه عمله الصالح

أما جدٌّه وحظه الدنيوي فلا ينفعه ..

فليس لإمرٍ قدر الله جمعه مشتٌّ ، ولا مفرق الله جامع

فالعبد الذي يقول هذا أنّى له أن ٌيطأطأ رأسه لغير الله ، أو يذل لسواه ، أو يطلب الدنيا ويفتلها بالدين ، أو يضعف ويخاف من الطواغيت وأعداء الله وأعداء رسوله عليه الصلاة والسلام .. إن المؤمن الذي يقول هذا الدعاء بقلبٍ حاضر سيمتلئ قلبه ثقة بالله وتوكل وشجاعة وجرأة وقوة وإعراض عن الدنيا وهكذا كانت مثل هذه العبادات والأذكار والصلوات تخرج الناس خلقاً آخر غير ما عهد الناس ، فكان الواحد منهم يهجم على الموت ، يبحث عنه ويطلبه في فطانه رجاء أن يكتب الله تعا لى له أجر الشهداء في سبيله . أما المسلم اليوم فإنه يقول هذا الدعاء ثم يمد يده طلباً للدنيا ، ويقول هذا الدعاء ثم يخاف من القوى العظمى – كما تسمى.. أو يخاف من رجال الأمن ، أو يخاف من الدول ، أو يخاف من أعدائه وخصومه ، أو يخاف من الجن – كما نجد عند الكثيرين-

أو يخاف من الشياطين ، أين الإنسان الذي يقول بلسانه وقلبه يواطء لسانه (( لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ، ولا ينفع ذا الجد منك الجد )) أن يطلب الدنيا من غير الله تعالى ، أو يقف بباب غير باب الله تعالى ، وهذا الموضع – موضع القيام من الركوع – هو موضع قنوت ودعاء فهو أحد المواضع التي يشرع فيها الدعاء ، ففي الركعة الأخيرة من الوتر ، وكذلك في غير الوتر في الصلوات في النوازل والمصائب العامة التي تنزل بالمسلمين ، ويمكن للإنسان أن يقنت ولو سراً منفرداً ، أو غير منفرد ، فيطيل الوقوف كما كان النبي صلى الله عليه وسلم – يطيله ، ويدعوا الله تعالى بما أحب من خيري الدنيا والآخرة .

-8- يهوي الإنسان بعد ذلك ساجداً لله تعالى .. وهل يقدم للسجود يديه أم ركبتيه ؟

في ذلك خلاف كثير طويل بين أهل العلم .. وقد نقل الإمام ابن تيميه رحمه الله الإجماع على أن صلاة من قدم يديه أو ركبتيه صحيحة ، وإنما الخلاف في الأوْلى والأفضل من ذلك إذن ينبغي أيضاً أن نعطي هذه المسألة قدرها فلا نعظمها ونجعلها مجالاً للخصومات والعدوات والقيل والقال ، واختلاف القلوب ، بل نبحثها بحثاً علمياً هادئاً رزيناً بعيداً عن التشنٌّج والانفعال والإثارة ، فنقول من أهل العلم من قال السنة أن يقدم الإنسان ركبتيه ثم يديه ثم جبهته .. بهذا الترتيب ، وهذا الذي رجحه الإمام ابن القيم ورجحه جماعة من علماؤنا المعاصرين كسماحة الشيخ ابن باز والشيخ ابن عثيمين وغيرهم من أهل العلم . ومن أهل العلم من قال السنة أن يقدم الإنسان يديه ثم ركبتيه – إذا هوى إلى السجود – وكأن هذا أشبه وأقرب إلى السنة أن يقدم الإنسان يديه ثم ركبتيه . وفي حديث أبي هريرة (( إذا سجد أحدكم فلا يبرُك كما يبرُك البعير ، وليضع يديه قبل ركبتيه )) ومثله حديث عمر بمعناه ، وهو أصح من حديث وائل بن حجر الذي ذكر تقديم الركبتين قبل اليدين .

وعلى كل حال فسواءً قدم الإنسان يديه أو قدم ركبتيه فإنه ينبغي ألا يشتبه بالحيوانات في هذا الهويّ ، فإن الإنسان إذا انحط بجملته وكُلّيته مرة واحدة كان متشبهاً ببروك البعير ، والتشبه بالحيوانات مذموم خاصة في الصلاة ، فعلى الإنسان إن هوى بركبتيه أن ينزل تدريجياً ، وإن هوى بيديه أيضاً أن ينزل تدريجياً أيضاً ، وعليه في سجوده أن يباعد جسمه بعضه عن بعض ، فيباعد بطنه عن فخذيه وفخذيه عن ساقيه ، ويرفع ذراعيه ، ليعطي كل عضو حقه من السجود ويقول في ذلك السجود :- (( سبحان ربي الأعلى ، سبحان ربي الأعلى )) والواجب مرة واحدة ، وما زاد فهو من الكمال والفضل ، ولما نزلت (( سبح اسم ربك الأعلى )) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : - (( اجعلوها في سجودكم )) . ويستحب له أن يكثر من الدعاء لقوله عليه الصلاة والسلام : - (( أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد ، فأكثروا فيه من الدعاء فقمن أن يستجاب لكم )) وكان من الدعاء المشروع أن يقول :- (( سبحانك اللهم ربنا وبحمدك ، اللهم اغفر لي )) وكذلك (( سبّوح قدوس رب الملائكة والروح )) وكذلك (( يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك ، ويا مصرف القلوب صرّف قلوبنا على طاعتك ))

-9- يرفع من سجوده ويجلس بين السجدتين ، ويضع يديه على ركبتيه أو على فخذيه ، ويدعوا بما ورد ، وقد ورد في هذه المواضع عشرة ألفاظ يدعوا بها (( رب اغفر لي ، وارحمني ، واهدني ، وعافني ، وارزقني ، وانصرني ، واجبرني ، وارفعني ، واعفوا عني ))

وقد جاء أيضاً ولا حرج أن يقول ذلك كله (( رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير))

** يسجد السجدة الثانية كطبيعة السجدة الأولى .

0- 1- يقوم بعد السجدة الثانية إلى الركعة الثانية وإن جلس قبل أن يقوم للركعة الثانية جلسة خفيفة فهذا حسن وهذه الجلسة تعرف عند الفقهاء ب(( جلسة الاستراحة )) وقد جاء فيها أحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم منها حديث مالك بن الحويرث في صحيح البخاري أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يصلي فإذا كان في وترٍ من صلاته – يعني إذا انتهى من الركعة الأولى أو الثالثة – لم ينهض حتى يستوي قاعداً )) وهذا الحديث – حديث مالك بن الحويرث – هو أشهر الأحاديث في الباب كما قال الحافظ ابن حجر ، ومن ميزاته أنه لم يرد إلا على هذه الصورة ، فكل أحاديث مالك بن الحويرث فيها ذكر هذه الجلسة الخفيفة بعد الركعة الأولى وبعد الركعة الثالثة ، وقد جاء أيضاً حديث أبي حميد الساعدي في صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم (( أنه يرفع من السجود ثم يقول (( الله أكبر )) ثم يثني رجله فيقعد عليها معتدلاً )) وهذا اللفظ رواه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه ، وحديث أبي حميد جاء فيه رواية أخرى سكت عن جلسة الإستراحه ، وجاء في رواية ثالثة نفى أن يكون جلس قال (( ثم يقوم ولا يتورك )) ومثله أيضاً حديث أبي هريرة في قصة المسىء صلاته وأن النبي صلى الله عليه وسلم جلس تلك الجلسة ، وقد رواها البخاري في الأوجه الثلاثة ، فمرة ذكر هذه الجلسة الخفيفة ، ومرة سكت عنها ، ومرة ذكر ما يدل على أنه تركها . ومثله أيضاً حديث رفاعة بن رافع في قصة المسىء صلاته ، وقد اختلف أهل العلم كثيراً – فقال بعضهم سنة أن تجلس هذه الجلسة الخفيفة ، وقال بعضهم مكروه ، وقال بعضهم يفعلها للحاجة ، والأوْلى والأقرب – والله أعلم – أن يفعلها تارة ويتركها تارة جمعاً بين النصوص ، وهذا ما كان يفعله الإمام أحمد كما في كتاب (( مسائل الإمام أحمد لابن هانىء)

فإنه قال كان يفعلهما مرة ويتركها ، وفي ذلك جمعٌ بين الأقوال . ولو حافظ الإنسان على هذه الجلسة لم يكن عليه في ذلك من حرج أو بأس إذا اعتقد سُنيتها ، لأن أمامه أدله قوية وأمامه علماء جهابذه عظام قالوا بمشروعية هذه الجلسة في كل حال وعلى الإطلاق .

-11- التشهد الأول والجلوس له وهو واجب وقال أكثر أهل العلم هو سنة ويقرأ في هذا التشهد بالتحيات . وإن صلّى على النبي صلى الله عليه وسلم في هذا التشهد أحياناً فحسن لثبوته عن بعض الصحابة ، هذا بالنسبة للتشهد الأول .

· أما التشهد الأخير فهو ركن ولا بد فيه من الصلاة عن النبي صلى الله عليه وسلم ويدعوا في التشهد الأخير بما أحب من خيري الدنيا والآخرة ، ومن الأدعية الواردة – كما في الصحيحين – (( أعوذ بالله من عذاب جهنم ، ومن عذاب القبر ، ومن فتنة المحيا والممات ، ومن فتنة المسيح والدجال )) بل قال بعض أهل العلم هذا الدعاء واجب ، وأمر طاووس ابنه لما ترك هذا الدعاء أن يعيد صلاته ، ومن الدعاء الوارد ((اللهم إني ظلمت نفسي ظلماً كثيراً ، وإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت ، فاغفر لي مغفرةً من عندك ، وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم ))

ومنه أيضاً (( اللهم أعني على ذكرك وشكرك ، ، وحسن عبادتك )) ومنه (( اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت ، وما أسررت وما أعلنت ، وما أسرفت ، أنت المقدم وأنت المؤخر ، لا إله إلا أنت ..)) إلى غير ذلك من الأدعية .

-12- أما الجلسات في الصلاة فهي نوعان :-

النوع الأول - : الإفتراش:- وهو أن يقعد على رجله اليسرى وينصب رجله اليمنى وهذا يكون في القعدة بين السجدتين ، ويكون في التشهد الأول أيضاً ، ويكون أيضاً في التشهد الأخير في الصلاة

النوع الثاني :- التورُّك :- ويُقصد به أن يُفضي الإنسان بمقعدته إلى الأرض ويجعل قدميه عن يمينه ، فينصب اليمنى ويجعل اليسرى مفروشة تحتها ، أو يجعل اليسرى بين فخذه وساقه أو غير ذلك . وهذه القعدة

(( التورك )) إنما تفعل في التشهد الأخير في الصلاة التي يكون فيها تشهدان كصلاة المغرب أو العشاء أو الظهر أو العصر . وقيل بل يفترش في كل تشهد . وقيل بل يتورك في كل تشهد . والاعتدال أنه يتورك في التشهد الأخير من الصلاة الثلاثية والرباعية ويفترش في التشهد الأول في الصلاة الثلاثية والرباعية وكذلك في الصلاة التي ليس فيها إلا تشهد واحد .

-13- هناك صفات متنوعة في بعض الأعمال في الصلاة :- مثل الاستفتاح : فينبغي أن ينوع العبد ، فمرة يستفتح بدعاء ومرة بدعاء آخر ، حتى لا يكون ذلك على سبيل العادة ، ويقرأه دون أن يتدبره أو يتأمله أو ينتبه إليه .

ومثله أيضاً أدعية الركوع والسجود ، ومثله أنواع التشهدات الواردة عن الرسول صلى الله عليه وسلم كتشهد ابن مسعود : - (( التحيات لله والصلوات والطيبات السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته ، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين ، أشهد أن لاإله إلا الله ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ))
أو تشهد ابن عباس : - (( التحيات المباركات الصلوات الطيبات لله )) أو تشهد عائشة أو تشهد عمر أو تشهد أبي موسى أو عيرهما .

ومثله أيضاً الجهر بالبسملة أو الإسرار بها ، فقد جاء في بعض الأحاديث وهي صحيحة ومذهب كثير من أهل العلم أنه يجهر بالبسملة – يعني الإمام – في الصلاة الجهرية من سورة الفاتحة ، وقال آخرون بل يُسرُّ بها ، والأقرب كما رجحه الإمام ابن القيم وغيره – أن الغالب أنه يُسرُّ بها ولكنه يجهر بها أحياناً كما كان يفعل النبي صلى الله عليه وسلم .

ومثله أيضاً التسليم فقد سلّم النبي صلى الله عليه وسلم مرة فقال :- } السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته { ومرة أخرى قال } السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، السلام عليكم ورحمة الله { . والغالب أنه كان يقول } السلام عليكم ورحمة الله ، السلام عليكم ورحمة الله { . وربما قال }السلام عليكم ، السلام عليكم {

وكل ذلك جائز ويتم به الانصراف من الصلاة وأكثر ما كان يفعله النبي صلى الله عليه وسلم } السلام عليكم ورحمة الله ، السلام عليكم ورحمة الله { . ومما ينبغي أن يُعلم أن الواجب هو التسليمة الأولى فقط ، أما التسليمة الثانية فهي سنة نقل ابن المنذر إجماع العلماء على عدم وجوبها .

-14- هل يشرع للإنسان أن يسبّح الله تعالى ويسأله ويستعيذ إذا سمع من الإمام آيات فيها سؤال أو استعاذة أو تسبيح ؟

يعني : - هل يشرع له أن يقول (( سبحانك )) إذا جاء ذكر الله تعالى أو يسأل الله الجنة إذا جاء ذكر الجنة ، أو يستعيذ من النار إذا جاء ذكر النار ؟

ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم فعل ذلك في صلاة الليل كما في حديث حذيفة أنه صلى الله عليه وسلم قرأ البقرة والنساء وآل عمران ، لا يمر بآية فيها تسبيح إلا سبّح ، ولا تعوذ إلا إستعاذ ، ولا سؤال إلا سأل )) .

ومثله حديث عوف بن الأشجعي ، كما روى موسى بن أبي عائشة قال (( كان رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يصلي فوق سطح بيته فكان إذا قرأ قول الله تعالى :- (( أليس ذلك بقادرٍ على أن يحيي الموتى )) قال سبحانك فبلى ، سبحانك فبلى فسأله : فقال سمعته عن رسول الله صلى الله عليه وسلم )) والحديث رواه أبو داود وسنده جيد وفي المسألة أقوال ، قيل يكره ذلك مطلقاً في الفريضة والنافلة ، وقيل هو مشروع مطلقاً ، والاعتدال أن ذلك مشروع في النافلة لثبوته عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وهو جائز في الفريضة أيضاً فلا دليل على منعه ، والأصل أن ما جاز في النفل جاز في الفرض إلا أن يدل الدليل على غير ذلك ، وقد ثبت عن بعض الصحابة أنهم كانوا يسبحون الله تعالى ، ويسألونه ويستعيذون به في الفريضة .

-15- الأدعية والأذكار في أدبار الصلوات المكتوبات : كان صلى الله عليه وسلم إذا انصرف من صلاته قال قبل أن يلتفت إلى الناس (( استغفر الله ، استغفر الله ، استغفر الله اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام )) ثم التفت إلى الناس ، وقال : (( لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير )) ثلاث مرات ، وفي المغرب والفجر كان يقولها عشراً ، وكان يجهر بها صلى الله عليه وسلم ، إلى أدعية وأذكار أخرى كثيرة كان يقولها ، منها (( اللهم أعني على ذكرك ، وشكرك ، وحسن عبادتك )) (( اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد )) (( اللهم إني أعوذ بك من الجبن و .. )) إلى غير ذلك من الأدعية والأذكار ، وكذلك كان يقرأ آية الكرسي دبر كل صلاة وسورة الإخلاص (( قل هو الله أحد )) و (( قل أعوذ برب الفلق )) و (( قل أعوذ برب الناس )) دبر كل مكتوبة . وينبغي أن يُراعى في مسألة الجهر والإسرار أمور منها : ألا يكون الجهر شديداً بحيث يؤذي من حوله ومن وراء ة بل يجهر جهراً معتدلاً حتى تختلط الأصوات ، ويضيع بعضها في بعض ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم في ما رواه أهل السنن – وسنده صحيح – كلكم يناجي ربه فلا يجهر بعضكم على بعض )) ففي المسجد ذاكرون وفيه من يقضي الصلاة ، وفيه أناس .. فينبغي أن يجهر الإنسان بقدر ما يسمعه من حوله ، ويكون للجهر دوي لا يتميز ، فلا يؤذي بذلك أحد ويكون فيه تعليم للجاهل , ورفع للذكر ، وطرد للشيطان ، واتباع لسنة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم .

رابعاً : - آداب ومناقب : -

-1- المصلي يجب أن يكون قدوة في عمله وقوله وسلوكه ، أولئك المترددون على المساجد رمز للهداية، ورمز للتقوى ، ورمز للدين والطاعة ، فينبغي أن يكون من تعظيمهم لقدر الصلاة أن يحرصوا على أن يكونوا قدوة في أعمالهم وأقوالهم لئلا يؤخذ عليهم شيء .

-2- ينبغي احترام المساجد بتنظيفها وتطييبها وتطهيرها وحفظها وصيانتها ، قال الله عز وجل (( في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه )) وحماية المساجد من كل ما يتنافى مع العبادة مثل البيع والشراء فقد نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم ، بل أمر أن يقال لمن يبيع ويشتري (( لا أربح الله تجارتك )) ومثله الشعر ، تناشد الأشعار ، يعني أن يتحول المسجد كأنه منتدى أدبي ، أو أمسية شعرية للقيل والقال والأشعار والرد ، أما قراءة الأبيات المناسبة فهذا لا بأس به ، ومثله أيضاً رفع الأصوات في المساجد والجدل العقيم ومثله وضع الصور والرسومات الملفتة في المساجد ، خاصة في جهة القبلة فإنها تشغل المصلي ، وربما أخذت شيئاً من وقته ولهذا إذا كان في قبلة المصلي ما يشغل بصره ، أو في جهة نظره في موضع سجوده ، فإنه لا بأس حينئذٍ لهذا العارض الطارئ - أن يغمض عينيه إذا كان يحتاج إلى ذلك ، وإلا فالأصل أن لا يغمض عينيه في الصلاة ولم يكن من هدي النبي صلى الله عليه وسلم أن يغمض عينيه في الصلاة .

-3- ينبغي على المتردد على المسجد أن يحترم إخوانه من المصلين ،و يحسن معاملتهم ، والهشاشة والبشاشة في وجوههم والبسمة لهم ، والسؤال عن أحوالهم ، وتجنب ما يحرجهم أو يعنتهم أو يشق عليهم ، فقد كان هذا هدي النبي صلى الله عليه وسلم (( عزيز عليه ما عنتم ، حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم )) ومن ذلك أيضاً تجنب أن يطيل الإنسان الصلاة أو القراءة طولاً يشق على من وراءه ، وقد عاتب النبي صلى الله عليه وسلم معاذا وقال له : - (( أفتّان أنت يا معاذ ؟ )) وخاصة في صلاة الفريضة لأنها واجبة على الجميع ، أما النافلة – كما هي الحال في التراويح والقيام في رمضان – فالأمر أوسع لأن النافلة بإمكان الذي يشق عليه ذلك كالكبير ، والمريض ، وغيرهم أن يقعد ، وبإمكانه أن يصلي ما كتب الله له ثم يدع ما لا يطيق . ومثله أيضاً مراعاة المصلين في أسلوب الوعظ والحديث بحيث يتلطف معهم ، ويحرص على التسلل إلى قلوبهم بالكلمة الهادئة الهادفة.

خامسا: - تحذيرات نبوية : -

التحذير الأول :- ترك الصلاة :- ((العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر )) و (( وبين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة )) . وقد اختلف أهل العلم في ذلك فذهب بعضهم إلى أن من ترك الصلاة كفر كفراً أكبر مخرج من الملة ، وقال بعضهم هو كفر أصغر . والأقرب ما رجحه شيخ الإسلام ابن تيميه وغيره ونسبه إلى جماعة من العلماء ، أن تارك الصلاة إن تركها بالكلية لا يصلي ليلاً ولا نهاراً ، لا مع الجماعة ولا في بيته ، لا في رمضان ولا في غيره ، لا جمعة ولا جماعة ، فهو كافر . أما إن كان يصلي ويترك ويصلي أحياناً وينشغل عنها فهذا على خطرٍ عظيم ، وقد أتى باباً من أبواب الكبائر ، ويخشى أن يختم له بسوء وقد يجره ذلك إلى ما هو اعظم منه ، لكن لا يحكم عليه بالردة والخروج من الإسلام .

التحذير الثاني :- ترك الجماعة -:فإن الجماعة واجبة ، أمر بها النبي صلى الله عليه وسلم وقال :- (( أثقل الصلوات على المنافقين صلاة العشاء وصلاة الفجر ، ولو يعلمون ما فيها لأتوهما ولو حبواً )) وقال صلى الله عليه وسلم :- (( صلاة الجماعة تفضل على صلاة الفرد بسبعٍ – وفي رواية – بخمسٍ وعشرين درجة )) إلى غير ذلك من النصوص الدالة على أنه يلزم الإنسان أن يصلي مع الجماعة إذا كان صحيحاً مقيماً معافى .

التحذير الثالث : - التساهل في الطهور :- فإنه على خطرٍ عظيم ، وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يحسن الإنسان وضوءه لصلاته .

التحذير الرابع :- عدم متابعة الإمام :- بحيث يسابقه الإنسان ، يركع قبله أو يسجد قبله أو يوافقه أحياناً فيركع معه أو يسجد معه مع العلم أنه لن يسلم إلا بعد سلام الإمام ، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن المسابقة وحذر منها أشد التحذير وفي حديث البراء بن عازب في الصحيح قال :- (( كنا نصلي خلف النبي صلى الله عليه وسلم فإذا كنا وراءه لم يحني أحد منا ظهره حتى تقع جبهته صلى الله عليه وسلم على الأرض ، ثم يخر أحدنا بعد ذلك ساجداً )) فلا تنتقل إلى الركن إلا بعد أن يتم انتقال الإمام إليه . وفي الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسل قال كا في حديث أنس :- ((أيها الناس إنما أنا إمامكم فلا تسبقوني بالركوع ولا بالسجود ولا بالقيام ولا بالانصراف فإني أراكم أمامي ومن خلفي )). وفي حديث أبي هريرة أيضاً وهو في الصحيح :- ((أما يخشى الذي يرفع رأسه قبل الإمام أن يحول الله رأسه رأس حمار " وهذا من التشديد والوعيد على من فعل ذلك

التحذير الخامس :- رفع البصر إلى السماء : - خاصة حال الدعاء ، وفي جميع الصلوات فإنه محرم ، وفي حديث جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :- (( .. لينتهين أقوام عن رفعهم أبصارهم إلى السماء أولا ترجع إليهم أبصارهم )) .

التحذير السادس :- مسح الحصى والأرض والتراب باليد :- وقد نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم وقال : - (( إن كنت ولا بد فاعلاً فواحدة )) وقال :- (( واحدة أو دعه ))



** اللهم أعطنا ولا تحرمنا ، وصلنا ولا تقطعنا ، وجْد علينا بكريم نوالك ، وتتابع إفضالك . اللهم خذ بأيدينا إلى ما تحب وترضى . اللهم زكِّ أقوالنا وأعمالنا وعقولنا وقلوبنا واهدنا ويسّر الهدى لنا ، اللهم لو عذبتنا لفعلت وأنت غير ظالمٍ لنا ، ولو رحمتنا كانت رحمتك خير من أعمالنا . فيا من لا يعاجل بالعقوبة ألهمنا حسن التوبة إليك ، وعظيم الزلفى لديك ، وجميل التوكل عليك ، نحن بك وإليك ، تباركت وتعاليت ، اللهم إننا نناجيك بقلوب أرهقتها الذنوب ، وندعوك وقد علمت ما فرط منا مما وسعه حلمك ، وستره عفوك ، وغمره برك ، فيا أهل المغفرة اغفر لنا .. ويا أهل التقوى استعملنا في طاعتك ، ويا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك وسبحانك وبحمدك نشهد أن لا إله إلا أنت نستغفرك ونتوب إليك…

من شريط هكذا صلى الأنبياء لفضيلة الشيخ سلمان بن فهد العودة
اضافة رد مع اقتباس
  #6  
قديم 09/12/2002, 06:01 PM
مشرف سابق بمنتدى الثقافة الإسلامية
تاريخ التسجيل: 15/12/2000
المكان: القصيم
مشاركات: 2,953
التزمـت .. و لـكن
للشيخ سعيد بن مسفر


الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا وحبيبنا وإمامنا وقدوتنا محمد صلى الله علية وعلى آله وصحبه ، ومن اقتفــى أثره وســــار على دربه، واتبع شريعته ودعا إلى ملتـــه ، وسلم تسليمـاً كثيراً..أما بعـد..

فأيـــها الأحبــــــــة في الله .. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..

وأسأل الله سبحانه وتعالى كما جمعنا في هذا المكان الطاهر وفي هذه الليلة الشريفة ، جمعنا على طاعته وعلى ذكره بعد أداء فريضته أسأله بأسمائه الحسنى وبصفاته العلا ، أن يجمعنا في جناته ، جنات النعيم وآبائنا وأمهاتنا وإخواننا وأخواتنا وزوجاتنا وذرياتنا ، وجميع إخواننا المسلمين برحمته إنه ارحم الراحمين ..



التزمت .. ولكن ..

عنوان مثير للتساؤل ، يبحث في مشكلة ويقدم الحلول المناسبة لـها.. هي في الأصل ليست مشكلة ، بل هي بارقة أمل وصحوة مكبّ ، ودليل عافية وعمل لابد منه ..



الالتزام معناه التمسك بطاعة الله وأداء فرائض الله والبعد عن محارم الله والاستقامة على نهج الله ، هذا المعنى العام لكلمة الالتزام وظاهرة الالتزام ظاهرة منظوره وملاحظة ومشهودة ، ليس أدل عليها من حضوركم هذا الحضور الغفير وهذا الجمع الكبير يبعث على الأمل ، لاسيما إذا عرفنا أن معظم الجلوس من الشباب الذين سـلكوا طريقه الهداية إلى الله ، و لفظوا ورائهم كل طرق الغواية والضلال .

ولم يستجيبوا لكل نداءات الشهوة والحرام ، ولبوا نداء ربهم لبيك اللهم لبيك ، وبرهنوا على ذلك بتمسكهم بأوامر الله والتزامهم بشريعة الله ، واستقامتهم على منهج الله ..



لكن بعد الالتزام ، ماذا يعني الالتزام ؟ وماذا يطلب من الملتزم إذا التزم ؟ وما هو البرنامج العلمي الذي يجب أن يسير عليه حتى يصل إلى ساحل النجاة وبر الأمان ؟ وحتى يدخل إلى جنة الرضوان وينجو من عذاب النيران ؟ اسأل الله سبحانه وتعالى كما هدانا ، أن يرزقنا الثبات حتى الممات وان يجعل لنا بصيرة في أمرنا ، ونوراً في قلوبنا وعقولنا وأسماعنا وأبصارنا وجوارحنا ونورا من بين أيدينا ومن خلفنا وعن إيماننا وعن شمائلنا ومن فوقنا ومن تحتنا فإنه لا نور إلا نوره ولا توفيق إلا من عنده ، هو الموفق يوفق من يشاء ويخذل من يشاء ويهدي من يشاء ويضل من يشاء ويعز من يشاء ويذل من يشاء ويهب الخير إذا طلب : " يا عبادي كلكم ضال إلا من هديته فاستهدوني أهديكم " اللهم اهدنا يا رب العالمين ..



كان سيد الهدى يطلب الهدى ويقول فيما روته عائشة في الصحيحين : " كان صلى الله عليه وسلم إذا قام من الليل يقول اللهم رب جبرائيل وميكائيل و إسرافيل ، فاطر السماوات والأرض أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون اهدني ـ وهو سيد الهدى - يقول اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم " ، فاللهم أهدنا لما اختلف فيه الحق بعلمك وبإذنك إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم ، هناك موقف وهناك مخذول وهناك مضل وهناك مهدي فلا هادي إلا من هدى الله ولا موفق إلا من وفقه الله ..

اشترى قاض من قضاة البصرة جارية في عهد السلف ، وفي أول ليلة وهي في بيته قام آخر الليل يتفقدها ، لأنه لا يعرف عن أخلاقها شئ فلما دخل غرفتها وإذا هي ليست في الغرفة ، فأساء الظن أين ذهبت وحينما بحث وجدها في زاوية غرفتها وهي تناجي ربها في آخر الليل وتقول وهي ساجدة ، اللهم أني أسألك بحبك لي أن تغفر لي ، سمع الشيخ هذه العبارة وقال : إن الأولى أن تقول اللهم أني أسألك بحبي لك - لأن الإنسان يتوسل بفعله وعمله - أن تغفر لي ، فانتظرها حتى أسلمت ثم قال لها وهو عالم ، قال لها لا تقولي اللهم إني أسألك بحبك لي ، وإنما قولي اللهم إني أسألك بحبي لك ، فقالت له : ليس الهم أن تحِب لكن الهم أن تحَب ..

فليس المهم أن تحب ، قد تحب أحدا لكنه لا يحبك ، ولهذا سؤال النبي صلى الله عليه وسلم كان يسأل الله حبه . " اللهم أني أسألك حبك وحب من يحبك ، وحب كل عمل يغريني إلى حبك ، اللهم اجعل حبك إلي أحب من الماء البارد على الظمأ ، اللهم ما أعطيتني مما أحب فأجعله لي عونا على ما تحب وما زريت عني مما أحب فاجعله لي فراغا فيما تحب." انظروا إلى الكلام العظيم ، اللهم ما أعطيتني مما أحب لأن الإنسان يعطى أشياء يحبها يعطى المال وهو يحبه ويعطى الزوجة وهو يحبها ويعطى المنصب وهو يحبه ويعطى الولد وهو يحبه ، فيقول صلى الله عليه وسلم اللهم ما أعطيتني مما أحب بهذه الأشياء ، فاجعله عوناً لي على ما تحب ، فاجعل الزوجة عونا على محبتك ، أجعل المال عونا على محبتك أجعل الأولاد عونا على محبتك ، و اجعل المنصب عوناً على محبتك لأنه من الناس من يعطى بما يحب فيكون ما يحب قاطعا له عن محبة الله الزوجة إلي يحبها تقطع الطرق بينه وبين الله المال الذي يحبه يقطع الطريق بينه وبين الله فيصبح حبه لهذه الأشياء مانعا له من محبه الله عز وجل.



الالتزام أيها ، الأخوة يحتاج من الإنسان إلي فهم لمعناه ولحقيقته ولمقتضياته .



أما معناه :- فهو التمسك والاستقامة على دين الله ظاهرا وباطنا .

التزام في المنعقد والتزام في العبادة والتزام في السلوك والأخلاق والتزام في التعامل ، هذا هو الالتزام الكامل التزام في الظاهر والتزام في الباطن التزام في المسجد والتزام في العمل والتزام في السوق والتزام في البيت ، لأنك خضعت ، : ( قل إن صلاتي و نسكي و محياى ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين ).

الدخول في الدين والالتزام يجب أن يكون دخول كامل ، و غيره يسمى دخول جزئي تشريحي ، يأخذ من الدين لحية و ثوبا فقط ، وذاك يأخذ من الدين صلاة فقط ، لا000 الله عز و جل يقول : ( يا أيها الذين آمنوا أدخلوا في السلم كافة )

ما رأيكم لو أن شخصا اشترى له سيارة ، ومشى فيها كاملة ، سيارة تسير ، و آخر راح للتشليح وأخذ مقوداً وركب فوق رأسه منبهاً ، ثم أخذ يمشي في الشارع ويضرب المنبه ، هل هذه سيارة ؟ لا00 هذا مجرد مقود و منبه فقط ، لكن أين بقية أجزاء السيارة فلا بد من توفرها ؟ كذلك الدين له أجزاء لابد من توفرها لا نأخذ من الدين المنبه فقط ولا نأخذ المقود فقط ، والإشارة خذ الدين كافة ..



كما قال عز وجل : ( ادخلوا في السلم ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين ) ، هذه الظاهرة ولله الحمد التي نشهدها في شباب الأمة رغم جهود الأعداء 00 أعداء دين الله وضراوة الهجمات وشراسة الأساليب التي تسلط على الشباب من اجل إبعادهم عن دينهم وزعزعة عقيدتهم من قلوبهم ، ولكن ولله الحمد تواجه كل هذه الجهود بالإتمام والتمسك والعودة إلى الله 00



غير أن الشباب الملتزم يواجهون بعض المشاكل ، منها :



أولا الجهل بما يجب أن يفعله الملتزم بعد الالتزام :

يقول ماذا افعل الآن ليس لديه منهج أو برنامج ، ليس لديه خطوات يسير عليها بمجرد انه التزم ثم 00 أين يذهب ؟ فيرتب له هذا الجهل الوقوع في بعض المعضلات ، أهمها الانتكاس لأنه إذا التزم وسار فترة لا يعرف ماذا يعمل بعد ذلك يرجع إلى ما كان عليه والعياذ بالله ..

ومنها الالتزام الأعوج :

فبدلا من أن يكون ملتزماً التزامًا مستقيماً ، يلتزم التزاماً أعوجاً 00 أعوجاً في أخلاقه وتصرفاته وفهمه للنصوص ، وفي تعامله مع نفسه وفي تعامله مع زوجته وأولاده حتى في تعامله مع والديه وأيضا في تعامله مع مديره وزملائه 000 لماذا ؟ لأنه ملتزم غلط ، لا يعرف الالتزام المستقيم ، ويظن انه على هدى بسبب جهله بمعنى الالتزام وبما تقتضيه عملية الالتزام 0



أو الالتزام الأجوف :

ونعني به انه يلتزم الإنسان في الشكل ولا يلتزم في المضمون ، فيكون أجوف ظاهره طيب ولكن باطنه خراب ، هذا لا ينفع لابد من الالتزام الكامل الذي يشمل الظاهر والباطن 0

أو الفهم الخاطئ للدين:

فلم يفهم الدين كما أراد الله ، ولم يتلقاه من الكتاب والسنة ، ففهمه فهما مغلوطا ، أحيانا تلقى بعض الأفكار الضالة والعقائد المنحرفة كعقيدة الخوارج والمعتزلة أو الأشاعرة ، أوالعياذ بالله القدرية أو عقيدة المرجئة هذه عقائد قد اندثرت لكن بقيت مضامينها موجودة في الناس قد يقول أحدهم كيف ؟ فأقول :



عقيدة الإرجاء :- الإرجاء يعتمد على أن الإيمان ليس له علاقة بالعمل إذ لا يضر مع الإيمان عندهم ذنب ولا ينفع مع الكفر عمل فيقولون أنت تؤمن بالله وتصدق بلسانك ، أما العمل ليس من الدين وليس من الإيمان .

هذه العقيدة ضيعت دين الله وأذهبت شريعة الله ولكنها إلى الآن موجودة في كثير من الناس عندما تكلمه عن أوامر الله . عن الصلاة في المسجد عن إطلاق لمحته قال يا شيخ ربنا رب قلوب إن الله لا ينظر إلى أجسامكم .



عقيدة الخروج والخوارج :- عند المتدينين الذين يفهمون الدين ويتحمسون له ويندفعون إليه ، ثم يكبر في قلبهم الحماس حتى يتجاوزون حدوده ، ولهذا سمو المارقة لأنهم يمرقون من الدين ، و يقول عليه الصلاة والسلام فيهم " يحقر أحدهم صلاته إلى صلاتهم وعبادته إلى عبادتهم فقال يمرقون من الدين كما تمرق الرمية من السهم أو السهم من الرمية ثم لا يعودون إليه يقرؤون القرآن لا يتجاوز حناجرهم " أي أن حظهم من القرآن التلاوة ، لكن لا يفهمون منه شيء ولا يدخل إلى قلوبهم منه شيء . و موجود هذا في بعض المجتمعات كثيراً . إذا رأيته وجدته يتوقد من الحماس لهذا الدين لكنه ليس على الدين الحق .. الدين ما شرعه الله وشرعه رسوله صلى الله عليه وسلم . فمن أين يأتي هذا ..؟ يأتي من الخطأ في الالتزام ..



فالالتزام يحتاج إلى ضوابط وإلى موازين ، بحيث لا ينحرف الملتزم فيضل اكثر من ضلالة ذلك المنحرف ، لأن المنحرف إلى الشر والواقع في الزنا والغناء والمعاصي ، ضال وهو يعرف أنه ضال ، ولذا يمكن أنه يوم من الأيام يتوب ، أما الملتزم الخاطئ ، فيسير في الخطأ ، ويظن أنه على هدى ، ولهذا ليس هناك أمل في إصلاحه لأنه يحسب أنه على الهدى " زين لهم سوء أعمالهم " ، فتأتي الخطورة في انحراف الملتزم من هذا الجانب .



إذن السؤال الذي يتردد في ذهن كل شخص :-

ما الواجب علي فعله بعد الالتزام ؟
و الواجب هو :

أولا :- أن تعرف أنك بالالتزام قد انتقلت من حياة إلى حياة جديدة ، و أن حياة العبث و اللهو و حياة المعصية و الشرود و التمرد على الله ، رفضتها أنت وأقبلت على الله ، فينبغي أن تهيئ لنفسك مناخا يتناسب مع الحياة الجديدة ، وأن تجري تغييرات في أسلوب حياتك .



الكتاب الذي كنت تقرأه تغيره بالكتاب الإسلامي ، المجلة التي كنت تقرأها وهي غير إسلامية ، تبدأ فتغيرها بمجلة إسلامية ، الشريط الذي كنت تسمعه من غناء و غيره تبدأ فتغيره بشريط إسلامي . النوم الذي كنت تنام متأخر تبدأ فتغيره بالنوم مبكراً حتى تستيقظ لصلاة الفجر. الصديق والزميل الذي كنت تسير معه على الباطل تغيره بصديق وزميل تمشى معه على الحق. العلاقة التي كنت تربطها بالقهوة والشارع والرصيف والسوق تقطعها وتبدأ علاقة جديدة بالمسجد وحلقات العلم .. لماذا .. ؟

لأنك تغيرت و صرت ملتزما ، فلم تعد الشخص الأول .. عينك تغيرت ، فقد كانت تحب النظر إلى النساء أما الآن فلا تنظر إليهن .. أذنك تغيرت كانت تسمع الغناء والآن لا .. و لسانك تغير ، كان يتكلم في الحرام والآن لا يتكلم إلا بخير ، إذن كل شئ في حياتك تغير ، فيجب عليك أن توطن نفسك وتشعرها وتستشعر من قرارتها أنك قد انتقلت من حياة إلى حياة . ومن وضع إلى وضع فينبغي لك أن تتكيف مع الجو الجديد والمناخ الجديد ، وأن تتعامل معه على هذا الأساس .



إذا أولا :- شعور قلبي يترجم إلى واقع عملي ينبعث من عمق النفس البشرية وهذا يتطلب منه الخطوة الثانية وهي :-



· أن يتعرف ويتعلم هذا الدين الذي التزم به :-



فيبدأ في العلم ، يحفظ القرآن الكريم ، و كلما حفظ سورة أثرت فيه و غيرت ، فيتدبر المرء القرآن و يرى ما الذي أراده الله منه ؟ و يقف عند الآيات و يراجع نفسه مع مضمونها ، كما كان السلف رضى الله عنهم يعملون ..

يقول عبد الله بن مسعود : " كنا لا نتجاوز العشر آيات من القرآن حتى نعيهن ونعمل بهن " فإذا انتهى من العشر وتطبيقهن انتقل إلى العشر الأخرى ، ولذا كانوا يتعلمون ويعملون ، أما اليوم فنقرأ القرآن ونختمه وإذا انتهى منه لو سئل : ماذا قرأت ؟ قال : قرأت كذا و كذا .. ، بماذا أمرك الله ؟ قال : لا أدري ‍‍‍‍‍، عن ماذا نهاك الله فيما قرأت ؟ قال لا أعلم ..، فهذا ليس تعاملا شرعيا مع القرآن ، الله أنزل القرآن ليعمل به بعد التدبر ، يقول عز وجل " كتاب أنزلناه إليك مبارك ليتدبروا آياته وليتذكر أولو الألباب " ، ويقول عز وجل : "أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها" ..



فيجب عليك أن تتعلم الدين الذي التزمت به وتعرف الطريق التي سرت فيها ، فتبدأ في حفظ القرآن الجزء الأول منه –حفظاً يغير نفسك – ، و تتابع بحفظ شيء من السنة – تبدأ بالأربعين النووية – وتقرأ شروحها من كتاب ابن رجب الحنبلي جامع العلوم والحكم ، ثم تبدأ بآداب المشي إلى الصلاة الذي ألفه الشيخ محمد بن عبد الوهاب ، و تبدأ بالأصول الثلاثة في العقيدة ، و تقرأ في مختصر السيرة النبوية لمحمد بن عبد الوهاب ، أي تبني نفسك عملياً ..



فللعلم سيماء في الوجه ، العلم نور ، والذي يمشي بدون علم مثل الذي يمشي في الظلام ، والذي يمشي في الظلام يقع في الآفات وربما يصاب في طريقه وهو لا يشعر .. فلابد بعد الشعور بأنك انتقلت إلى الحياة الإيمانية أن تبدأ في الحياة العملية ، بطلب العلم ، و أن ترفق العلم بالعمل لا تقول العلم ثم أعمل ، لا ، فأي شئ تعرف أنه من الدين بدليل الكتاب والسنة ، يلزمك أن تطبقه بسرعة فتتعلم وتعمل معا في آن وأحد .



ثم تجري التعديل في أسلوب حياتك . مثلا في العبادة كنت تصلي صلاة عادية كما يصلى أكثر الناس الآن يأتي متأخر ثم يكبر ويستسلم للأفكار والخطرات والمعاني ثم يسلم ويذهب بالسنة ، أما الآن فذلك العهد انتهى .. فتأتي قبل الآذان وإذا تأخرت فمع الآذان أما تكبيرة الإحرام لا يجب أن تفوتك بحال ، يقول أحد السلف : " إذا رأيت الرجل تفوته تكبيرة الإحرام فانزع يدك منه " ، فإنه ليس بشي هذا الذي تفوته تكبيرة الإحرام ، فكيف بمن لا يصلي ، و أنت ملتزم يجب أن يكون الصف الأول لك بل الروضة لك .



و يقال " بئس العبد الذي لا يرى إلا إذا دعي .." ، و لذا كان معظم السلف لا يسمعون الأذان من خارج المسجد .. هذا هو الالتزام الصحيح ..



ثم كيفية الصلاة – تكبر بتحقيق وتقرأ بترتيل وتتأمل معاني القراءة ، ثم تركع بخشوع وتسجد في خضوع وتجلس في يقين وتتشهد في طمأنينة وتسلم في رجاء ، وبعد هذا لا ندري قبلت صلاتك منك أم ردت عليك ، يقول أحد السلف : " والله لئن تختلج الأسنة بين كتفي احب إلي من أن أذكر شئ من دنياي في صلاتي " ، فكيف بصلاتنا ؟ فيجب أن يتغير وضعك مع العبادة ، ثم يتغير وضعك مع النافلة ، كنت في السابق تصلي الفرض فقط أما الآن فأنت ملتزم تصلي الفرض وثم الرواتب والنوافل وتقوم الليل وتصلي ركعتين الضحى هذه لا تدعها لأنك ملتزم ، إذ كيف تكون ملتزم لو تركتها ملتزم بالكلام فقط ؟ شيء مؤلم عندما ترى أكثر من يقضي الركعات الملتزمين ، وتجد العوام العاديين في الصف الأول ، إذن فمن الملتزم الحقيقي ؟ الذي في الصف الأول ، أما الآخر وإن كانت عليه سيماء الالتزام ، لكن عمله ليس عمل الالتزام ..



أيضا في الإنفاق :- أنت ملتزم إذن لابد أن تدخر شيئان لك عند الله من مصروفك الشخصي إن كنت طالب أو من مصروفك العادي إن كنت رب الأسرة ، أجعل شئ من دخلك ولو كان ( 10 ) ريالات أو ( 50 ) أو ( 100 ) ريال ..



علاقتك بالعلماء :- وبمجالس العلم و الندوات وكل عمل يحبه الله و يرضاه ، فأجر تغيير على هذا الوضع.



كذلك في السلوك والتعامل والأخلاق : فقد تغيرت و أصبحت ملتزماً ، و قد كنت تمر في الشارع وتقود السيارة بسرعة ، لكن منذ أن تلتزم ، تسير بانتظام ، فإذا شغلت السيارة قلت " بسم الله سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين " ، و تحرك السيارة بأدب ، و يقال أن القيادة فن وذوق وأدب ، وأنا أقول القيادة دين وذوق وأخلاق ، فنعرف دين الإنسان من قيادة السيارة ، تمشي و تمسك جانبك الأيمن تتجاوز بأصول ، عند الإشارة تقف ، ثم تسير ولا تسرع ، قال تعالى : ( ولا تمش في الأرض مرحا ، إنك لن تخرق الأرض ولن تبلغ الجبال طولا ) ..

لأن مشيتك في الشارع وأنت ملتزم عبادة ودعوة ، فإذا رأوك الناس وأنت تمشي في الشارع ومر أحدهم وتوقفت له حتى يسير فماذا سيقول ؟ سيقول : " ما شاء الله انظروا إلى المتدينين ، الدين عظيم ، يهذب الأخلاق و يترك لي فرصة السير " ، لكن إذا حصل عكس ذلك ، فسبقته و رأى لحيتك ، فسيقول : " انظر إلى هذا المطوع المعقد ، ولا أعقد من المطاوعة هذا أبو ذقن يضايقني ".. الخ ، إذن فمشيتك في الشارع دعوة إما لك وإما عليك .



· و تجري تغير في التعامل :- وأنت موظف تدخل للمكتب تبتسم وترد السلام ، تسأل عن حال الجميع ، وتكون سباقا للخير في الخدمة في الأخلاق في الكرم .. لماذا ؟ لأنك ملتزم بالدين .. كنت في السابق لا أخلاق لا مبالاة بمراعاة أو إكرام الناس ، لكن عندما التزمت يفرض عليك التزامك أن تغير أخلاقك بأخلاق الإسلام ، لكن الحقيقة أن هناك توجه عكس ذلك ، فتجد بعض الشباب أخلاق ، فإن التزم تغيرت أخلاقه وإذا دخل على زملائه في المكتب ونظر إلى لحاهم وهي محلوقة جلس بدون أن يسلم ، وإذا سئل لماذا ؟ قال لا أسلم على العصاة ‍..! ، يا أخي إذا كانوا عصاة في حلق لحاهم ، فأنت أكبر عاصي في تعاملك السيئ معهم ، لا ، عليك أن تسلم وأن تبش وأن تكرم ، لماذا ؟ حتى تكسب قلوبهم ، لكن إذا تعاملت معهم بهذا المنطق فستبغضهم في الله ، وإن لم تسلم عليهم فسيبغضوك ، وإن أبغضوك أبغضوا دعوتك ودينك ، وتكون أنت بتصرفك هذا بدل أن تدعو إلى الله ، تطرد الناس عن دين الله .



· ثم تغير وضعك في البيت : مع أولادك وأمك وزوجتك ، بالتزامك بالجلوس في المنزل بدل السهر .



و تعطي المرأة حقها من الأشياء والجلوس والتعامل الطيب ومساعدتها ، فهذا الفعل ينعكس زوجتك فتحب الالتزام وتلتزم كذلك ، لكن إذا التزمت وأخذت تخرج ولا تراك أبدا ، من رحلة إلى موعد.. فبالتالي ستكره الالتزام ، كذلك مع والدك ووالدتك … ترافق الوالد دائما وتساعده في شؤونه ، هذا ينعكس على والدك فيحب الدين والالتزام .



بعض الشباب إذا التزم انقطعت صلته بوالديه بحجة أن أبويه عصاة ، ولا يجوز خدمتهم فيكره الوالد ولده ويكره الالتزام ، ويمنع الباقين من أولاده من الالتزام .. و هذا خطأ ...



*تجري تغير مع نفسك أنت ، في تزكيتها ، لأنك ملتزم ، فقد كنت في السابق إذا أتت أغنية سمعتها ، وإذا رأيت امرأة جلست تنظر إليها ، لكن عندما التزمت أصبحت مسئوليتك تجاه نفسك أكبر، يقول عز وجل : ( ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها ) ، فيجب أن تزكي نفسك لأنك ملتزم ، وألا تدسيها لأنك ملتزم قد وضعت نفسك في هذا الموضع ، فيجب عليك أن تروض نفسك التي هي أمارة بالسوء ، وتنقيها وتحميها من الذنوب والمعاصي والآفات والأماكن التي لتليق بها .



بعد ذلك أن تعمل لهذا الدين ، فالله هداك لهذا الدين ، و موقفك أن تعمل له و تخدمه وتدعوا إليه ، وتحمي حياض النجاة ، و تدعو الآخرين إليها ، حتى يكثر سواد المسلمين وينتشر الخير ويعم الفضل ، وهذا من مسؤولياتك ، لأنك إن لم تدع إليه وأنت الملتزم ، فمن تتوقع أن يدعو إليه غيرك ؟

إنها مسؤوليتك وجزء من عملك أمام الله سبحانه وتعالى .



· ثم أن تقطع الصلة بالحياة السابقة : فقد انتقلت إلى حياة جديدة ، وهذا فعل الصحابة ، كان الرجل يدخل في الإسلام ويخلع على عتبة الدين كل ملابس الجاهلية ولا يلفت إليها أو يحن إليها ، و يخلص من قلبه أي رغبة إليها ، فتقطع صلتك بالحياة الأولى و بقرناء السوء ومكان السوء وشريط السوء وفيلم السوء ، فأي مكان له علاقة بوضعك الأول قبل الالتزام ، اقطع الصلة به ، فاستمرار الصلة به معناه الحنين إليه والرغبة في العودة إليه ، وهذه بداية الانهزام ، ومن سلك الطريق فلا ينظر إلى الوراء ، لأنك إن نظرت إلى الوراء خارت قواك ..

يقول ابن القيم الجوزية : " انظر إلى الظبي وكلب الصيد ، الظبي إذا رأيته كأنه خلق للطيران ، فبطنه لاصق في ظهره وقوائمه خفيفة لا تمس الأرض ، أما الكلب فهو عكسه ، لكن يطرح الكلب الظبي ، لأن الظبي عندما يجري يلتفت لينظر إذا كان الكلب وراءه أم ل ،ا والكلب يطرد ولا يلتفت ، فكلما التفت الظبي إلتفاتة ، خارت من عزمه وقواه درجة ، وزادت في قوى الكلب درجة ، و لو أن الظبي مشى ولم يلتفت لم يستطع الكلب الوصول إليه " .

إذن وأنت سارع ، يقول الله تعالى ( وسارعوا ) ، أي سابقوا ، لأن وراءك الكلب يريد أن يطرحك ، وهو الشيطان ، فإذا مشيت ولم تلتفت لا يستطيع الكلب عليك ، لأن الله تعالى يقول ( إن عبادي ليس لك عليهم سلطان إلا من اتبعك من الغاوين )، فكن ماشيا في طريق الله بدون التفات ، فحين إذن لا يقدر عليك ، لكنك إذا تلفت وراءك ، إلى الأغنية تسمعها و غير ذلك من الذنوب ، طرحك الشيطان ، التفت للمرأة و الاستراحة ، فهذا بداية الانتكاس ، فاقطع صلتك بالماضي ونظم نفسك بالكلية ، حتى ولو بالدعوة لأن الشيطان قد يأتي إليك بطريقة ملتوية .



فأنت في هذه المرحلة لم تستطيع أن تهدي من أحببت لأنك في دور نقاهة ، وأنت لا تستطيع أن تهدي لأنك تدعوهم وأنت لست مؤهل لعلامة ، فالعلامة تأتي من الأطباء ، و هم يداوون المرضى ، أما أن يتعافى المريض ويتحول إلى طبيب ، فسعود مريضا وبسرعة ، إذن مما يعين على الثبات على الالتزام ، أن يعرف الإنسان أن طريق الالتزام فيه كثير من المعوقات ، فهو ليس طريقا سهلا ولا مفروشا بالورود ، بل طريق صعب ولاحم وشاق ..



يقول عليه الصلاة و السلام : " حفت الجنة بالمكاره " ، وأنت ما هو هدفك من الالتزام . ؟ الجنة بالطبع ، كل شخص يلتزم لأجل الجنة ، حتى حفت الجنة بالمكاره ، فلا تصل إلى الجنة إلا عبر تجاوز هذه المكاره ، مثل الذي يريد أن يتخرج من الجامعة ، التخرج حف بالمكاره ، وهي الدروس ، فلابد أن تتجاوزها حتى تتخرج منها . أما أن يقول أريد شهادة الجامعة لكن بدون أن ادرس ، فلا أحد يعطيك ذلك ..



ترجو النجاة و لم تسلك مسالكها *** أن السفينة لا تجري على اليبس



فمن يريد الجنة يصبر على المكاره .



ما هي المكارة التي تقف في طريق الملتزم ؟


1 ) الضعف عن مقاومة الإغراءات في الطريق ..

ففي النفس شهوات طبع الإنسان عليها … شهوة النساء – المال – النوم – اللعب ، و فيها حلال وحرام ، غرائز النفس البشرية تدعوك لها والعقل والقلب الإيماني يدعو للترفع عنها ، إذن وطن نفسك على ألا تستجيب لهذا الإغراءات وهذه الشهوات ، حتى تــَسلم ، أما إذا ظننت أن بإمكانك أن تكون ملتزما مع الاستجابة للشهوات تستمع الحرام وتشرب وتسير على الحرام ، فهذا إلتزام غير صحيح .

2 ) الضعف عن الاستمرار على أداء العبادات ..

لأن العبادات فيها تعب ، الله عز وجل يقول : ( واستعينوا بالصبر والصلاة ) ، و الصلاة والعبادة ليست عملا نؤديه مرة واحدة ، بل عبادة نستمر عليها حتى الموت ، فوطن نفسك على أن تقوم بهذا العمل …



عند قدوم رمضان لابد أن تصوم ، الحج لابد أن تحج ، الزكاة لابد أن تزكي ، لديك والدان لابد أن تبرهما . تصل رحمك تكرم أخوك في الله . رأيت منكرا لابد أن تغيره ، هذه هي العبادات ، القرآن لابد أن تحفظه ، الذكر لابد أن نؤديه ، فوطن نفسك على القيام بها وعدم التثاقل عنها لأنك إن لم توطن نفسك سيأتي يوم من الأيام وستقول إلى متى …



ثم وطن نفسك على مواجهة الضغوط الأسرية التي قد تواجه بها ، فعندما يلتزم الشخص قد يجد أن لكل فرد من أفراد عائلته وضعا معينا يواجهه ويحد من نشاطه ، وربما سخروا منه و اتهموه بالتطرف ، فوطن نفسك على ذلك ، ولذا ذكر الله عز و جل في القرآن عدة قصص ، من أجل أن نوطن أنفسنا على ذلك أخبرنا الله عز وجل عن إبراهيم وأن من كفر به أبوه . وأخبرنا عن نوح أن من كفر به ولده وكذلك من كفر به زوجته ، و أخبرنا عن محمد وأن من كفر به عمه فكذلك الناس لابد أن يجدوا في حياتهم ، مثل ذلك الذي رأوه أنبياء الله عز وجل ..

تمت المادة بحمد الله ..
اضافة رد مع اقتباس
  #7  
قديم 09/12/2002, 06:45 PM
زعيــم نشيــط
تاريخ التسجيل: 03/08/2002
المكان: مــــــــــرات
مشاركات: 572
جـــزاك الله الف خـــــير
اضافة رد مع اقتباس
  #8  
قديم 09/12/2002, 07:22 PM
مشرف سابق بمنتدى الثقافة الإسلامية
تاريخ التسجيل: 15/12/2000
المكان: القصيم
مشاركات: 2,953
ســـيـــرة عـــمـــر بـــن الـــخـــطـــاب
رضي الله عنه


نسب عمر بن الخطاب رضي الله عنه :
أمه حنتمة بنت هاشم بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم ، وقالت طائفة : بنت هشام بن المغيرة ، ومن قال ذلك فقد أخطأ ، ولو كانت كذلك لكانت أخت أبي جهل بن هشام والحارث بن هشام ، وليس كذلك ، وإنما هي بنت هاشم وهاشم وهشام أخوان ، وهاشم جد عمر أبو أمه ، وهشام أبو الحارث وأبي جهل ابني هشام بن المغيرة ، وكان له من الولد ثلاثة عشر وأسلموا كلهم .

اسمه وكنيته رضي الله عنه :
لم يزل اسمه في الجاهلية والإسلام عمر وكناه رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا حفص وكان ذلك يوم بدر ، وذكره ابن إسحاق وسماه رسول الله صلى الله عليه وسلم الفاروق . عن ابن عباس قال : " سألت عمر لأي شيء سميت الفاروق ؟ فقال : أسلم حمزة قبلي بثلاثة أيام ثم شرح الله صدري للإسلام فقلت : والله لا إله إلا هو له الأسماء الحسنى ، فما في الأرض نسمة هي أحب إلي من نسمة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقلت : أين رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قالت أختي : هو في دار الأرقم بن أبي الأرقم عند الصفا ، فأتيت الدار وحمزة وأصحابه جلوس في الدار ورسول الله صلى الله عليه وسلم في البيت فضربت الباب فاستجمع القوم ، فقال لهم حمزة : ما لكم ؟ قالوا عمر بن الخطاب . قال : فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذ بمجامع ثيابه ثم نتره نترة فما تمالك إلا أن وقع على ركبتيه : فقال : " ما أنت بمنته يا عمر ؟ " قال : قلت : أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أنك محمدا عبده ورسوله ، قال : فكبر أهل الدار تكبيرة سمعها أهل المسجد ، قال : فقلت : يا رسول الله ألسنا على الحق إن متنا وإن حيينا ؟ قال : " بلى والذي نفسي بيده إنكم على الحق إن متم وإن حييتم " ، قلت : ففيما الاختفاء ؟ والذي بعثت بالحق لنخرجن ، فأخرجنا صلى الله عليه وسلم في صفين حمزة في أحدهما وأنا في الآخر ولي كديد ككديد الطين حتى دخلنا المسجد ، قال فنظرت إلي قريش وإلى حمزة فأصابتهم كآبه لم يصبهم مثلها ، فسماني رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ الفاروق ، فرق الله بي بين الحق والباطل " أخرجه صاحب الصفوة والرازي . وعن النزال بن سبرة قال : " وافقنا من علي يوما أطيب نفسا ومزاجا فقلنا : يا أمير المؤمنين حدثنا عن عمر بن الخطاب قال : ذاك امرؤ سماه الله الفاروق فرق به بين الحق والباطل " ، أخرجه بن السمان في الموافقة .

إسلامــه رضي الله عنه :
ذكر بدء إسلامه : قال ابن إسحاق : كان إسلام عمر بعد خروج من خرج من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الحبشة ، وعن عمر بن الخطاب قال : " خرجت أتعرض رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن أسلم فوجدته قد سبقني إلى المسجد فقمت خلفه فاستفتح سورة الحاقة فجعلت أعجب من تأليف القرآن قال فقلت : هذا والله شاعر كما قالت قريش ، قال فقرأ " إنه لقول رسول كريم وما هو بقول شاعر قليلا ما تؤمنون " ، قال : قلت : كاهن قال : " ولا بقول كاهن قليلا ما تذكرون o تنزيل من رب العالمين o ولو تقول علينا بعض الأقاويل o لأخذنا منه باليمين o ثم لقطعنا منه الوتين o فما منكم من أحد عنه حاجزين " ، قال فوقع الإسلام في قلبي كل موقع . أخرجه أحمد .

استبشار أهل السماء بإسلامه :
عن ابن عباس قال : " لما أسلم عمر أتى جبريل عليه السلام النبي صلى الله عليه وسلم فقال : " يا محمد لقد استبشر أهل السماء بإسلام عمر " . أخرجه أبو حاتم والد أرقطني والخلعي والبغوي . وفي طريق غريب بعد قوله " بإسلام عمر " ، قلت : وكيف لا يكون ذلك كذلك ولم تصعد إلى السماء للمسلمين صلاة ظاهرة ولا نسك ولا معروف إلا بعد إسلامه حيث قال : " والله لا يعبد الله سرا بعد اليوم " .

عزة الإسلام به رضي الله عنه :
عن عائشة : " أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا لعمر بن الخطاب وأبي جهل ابن هشام ، فأصبح وكانت الدعوة يوم الأربعاء وأسلم عمر يوم الخميس ، فكبر النبي صلى الله عليه وسلم وأهل البيت تكبيرة سمعت من أعلى مكة ، فقال عمر يا رسول الله على ما نخفي ديننا ونحن على الحق وهم على الباطل ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " إنا قليل " فقال عمر : والذي بعثك بالحق نبيا لا يبقى مجلس جلست فيه بالكفر إلا جلست فيه بالإيمان ، ثم خرج فطاف بالبيت ثم مر بقريش وهم ينظرونه فقال أبو جهل بن هشام : زعم فلان أنك صبوت ، فقال : أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله ، فوثب المشركون فوثب عمر على عتبة بن ربيعة فبرك عليه وجعل يضربه وأدخل إصبعيه في عينيه ، فجعل عتبة يصيح فتنحى الناس عنه ، فقام عمر فجعل لا يدنو منه أحد إلا أخذ شريف من دنا منه حتى أحجم الناس عنه ، واتبع المجالس التي كان يجلس فيها فأظهر الأيمان ثم انصرف إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو ظاهر عليهم فقال : ما يحبسك ، بأبي أنت وأمي فوالله ما بقي مجلس كنت أجلس فيه بالكفر إلا ظهرت فيه بالإيمان ، غير هائب ولا خائف ، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وعمر أمامه وحمزة بن عبد المطلب حتى طاف بالبيت وصلى الظهر معلنا ، ثم انصرف النبي صلى الله عليه وسلم إلى دار الأرقم ومن معه . أخرجه أبو القاسم الدمشقي .

هجرته رضي الله عنه :
عن ابن عباس قال : قال علي : ما علمت أن أحد من المهاجرين هاجر إلا متخفيا إلا عمر بن الخطاب فإنه لما هاجر تقلد سيفه ، وتنكب قوسه ، وامتضى في يده أسهما واختصر عنزته ومضى قبل الكعبة والملأ من قريش بفنائها ، فطاف بالبيت سبعا متمكنا ثم أتى المقام فصلى متمكنا ثم وقف على الحلق واحدة واحدة فقال لهم : شاهت الوجوه ، لا يرغم الله إلا هذه المعاطس ، من أراد أن يثكل أمه أو ييتم ولده ، أو يرمل زوجته فليلقني وراء هذا الوادي فإني مهاجر ، قال علي : فما اتبعه أحد إلا قوم من المستضعفين علمهم ما أرشدهم ثم مضى لوجهه . أخرجه ابن السمان .

أخوته للنبي صلى الله عليه وسلم :
عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " بينما أنا جالس في مسجدي أتحدث مع جبريل إذ دخل عمر بن الخطاب فقال جبريل : أليس هذا أخوك عمر ابن الخطاب فقلت بلى يا أخي " .

خصائصه :

الأفضلية والخيرية :
عن جابر قال : قال عمر لأبي بكر : يا خير الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال أبو بكر : " ما أنك إن قلت ذلك فلقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " ما طلعت شمس على رجل خير من عمر " . أخرجه الترمذي . وقال غريب ، وهذا محمول على انه كذلك بعد أبي بكر جمعا بين هذا وبين الأحاديث المتقدمة في أبي بكر . وعن ثابت بن الحجاج قال : خطب عمر ابنة أبي سفيان فأبوا أن يزوجوه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما بين لابتي المدينة خير من عمر " . أخرجه البغوي ، وأراد بعده صلى الله عليه وسلم وبعد أبي بكر ، أما الأول فبالإجماع ، وأما الثاني فلما تقدم .

تأهله بالنبوة لو كان نبي بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم :
عن عقبه بن عامر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لو كان نبي بعدي لكان عمر بن الخطاب " . أخرجه أحمد والترمذي ، وقال حسن غريب : وفي بعض طرق هذا الحديث . " لو لم أبعث لبعثت يا عمر " . وفي بعضها : " لو لم أبعث فيكم لبعث عمر " أخرجه القلعي .

جعل الله الحق على لسانه وقلبه وأن الحق بعده معه :
عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن الله قد جعل الحق على لسان عمر وقلبه " . أخرجه أحمد وأبو حاتم والترمذي وصححه . وعن ابن عمر مثله . أخرجه أبو حاتم . وفي رواية بعد قوله " وقلبه " يقول " الحق ولو كان مرا " أخرجهما القلعي .
وفي رواية على لسان عمر يقول به أخرجهما المخلص . وفي رواية " أن الله نزل الحق على قلب عمر ولسانه " أخرجها البغوي . وقد تقدم في باب الأربعة من حديث الترمذي عن علي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " رحم الله عمر يقول الحق وإن كان مرا ، تركه الحق وما له من صديق " .


موافقته التنزيل في قضايا عدة :
عن ابن عمر قال : قال عمر : " وافقت ربي في ثلاث ، مقام إبراهيم وفي الحجاب ، وفي أساري بدر " أخرجه مسلم . وعن طلحة بن مصرف قال : قال عمر : يا رسول الله أليس هذا مقام إبراهيم أبينا ؟ قال : " بلى " . قال عمر : فلو أتخذه مصلى ؟ فأنزل الله تعالى : " واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى " أخرجه المخلص الذهبي .

زهده بالدنيا رضي الله عنه :
عن طلحة بن عبيد الله قال : ما كان عمر بأولنا إسلاما ولا أقدمنا هجرة ، ولكنه كان أزهدنا في الدنيا وأرغبنا في الآخرة أخرجه الفضائلي .

صرع جنيا فصرعه :
عن ابن مسعود : " أن رجلا من أصحاب محمد الله صلى الله عليه وسلم لقي رجلا من الجن فصارعه فصرعه الإنسي ، فقال له الجني : عاود فعاوده فصرعه أيضا ، فقال له الإنسي : إني لأراك ضئيلا سخيفا كأن ذراعيك ذراعا كلب ، أ فكذلك أنتم معشر الجن أم أنت منهم كذا ؟ قال : هات علمني ، قال : هل تقرأ آية الكرسي ؟ قلت : نعم ، قال : فإنك لا تقرأها في بيت إلا خرج منه الشيطان ثم لا يدخله حتى يصبح ، فقال رجل من القوم : من ذلك الرجل يا أبا عبد الله من أصحاب محمد أهو عمر ؟ قال : من يكون إلا عمر بن الخطاب ؟ " .

هيبته وخوف الشيطان منه :
عن سعد بن أبي وقاص أنه قال : لقد دخل عمر بن الخطاب على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعنده نسوة من قريش يسألنه ويستكثرنه رافعات أصواتهن ، فلما سمعن صوت عمر انقمعن وسكن ، فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال عمر : يا عدوات أنفسهن تهبنني ولا تهبن رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يا عمر ما لقيك الشيطان سالكا فجا إلا سلك فجا غير فجك " . أخرجه النسائي وأبو حاتم وأبو القاسم ، وأخرجاه وأحمد وقالوا : فلما استأذن عمر قمن فبادرن الحجاب فدخل عمر ورسول الله صلى الله عليه وسلم يضحك فقال عمر : أضحك الله سنك يا رسول الله ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " عجبت من هؤلاء اللاتي كن عندي فلما سمعن صوتك ابتدرن الحجاب " . قال عمر : يا عدوات أنفسهن تهبنني ولا تهبن رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقلن : نعم !! أنت أفض وأغلظ من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يا ابن الخطاب والذي نفسي بيده ما لقيك الشيطان " وذكر باقي الحديث . وعن علي رضي الله عنه قال : " والله إن كنا لنرى أن شيطان عمر يهابه أن يأمره بالخطيئة " .

السكينة تنطق من لسان عمر :
عن علي قال : " كنا نرى ونحن متوافرون أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم أن السكينة تنطق على لسان عمر " أخرجه ابن السمان ، والحافظ أبو الفرج .

إجابته أبي سفيان يوم أحد :
قال بن إسحاق : إن أبا سفيان لما أراد الانصراف أشرف على الجبل ثم صرخ بأعلى صوته ، إن الحرب سجال ، يوم بيوم بدر ، أعل هبل !! فقال صلى الله عليه وسلم : " قم يا عمر فأجبه " ، فقال : الله أعلى وأجل لا سواه ، قتلانا في الجنة وقتلاكم في النار ، فلما أجاب عمر أبا سفيان قال له : هلم يا عمر ، فقال صلى الله عليه وسلم لعمر : " ائته فانظر ما شأنه " ، فجاءه عمر فقال : أنشدك الله يا عمر أقتلنا محمدا ؟ قال عمر : " اللهم لا ، وإنه ليسمع كلامك الآن ، قال : أنت أصدق عندي من ابن قمئة ، إنه يقول إني قتلت محمدا " .

الشدة بأمر الله :
عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " أشد أمتي في أمر الله تعالى عمر " .

كرهه للباطل رضي الله عنه :
عن الأسود بن سريع قال : " أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت يا رسول الله : إني قد حمدت الله تبارك وتعالى بمحامد ومدح وإياك ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن ربك تعالى يحب المدح ، هات ما امتدحت به ربك الأعلى " . قال : فجعلت أنشده ، فجاء رجل يستأذن أدلم طوالا أعسر أيسر ، قال : فاستنصتني له رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ووصف لنا أبو سلمه كيف استنصته قال : كما يصنع بالهر . فدخل الرجل فتكمل ساعة ثم خرج ، ثم أخذت أنشده أيضا ثم رجع بعد فاستنصتني رسول الله صلى الله عليه وسلم ووصفه أيضا ، فقلت : يا رسول الله ! من ذا الذي تستنصتني له ؟ فقال : " هذا رجل لا يحب الباطل ، هذا عمر بن الخطاب " . أخرجه أحمد .

شربه فضل لبن شربه رسول الله :
عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " بينما أنا نائم إذ رأيت قدحا أتيت به فيه لبن فشربت حتى إني لأرى الري يجري في أظفاري ثم أعطيت فضلي عمر بن الخطاب . قالوا : فما أولت ذلك يا رسول الله ؟ قال : العلم " . أخرجاه وأحمد وأبو حاتم والترمذي وصححه ، وقد قدم لأبي بكر مثله من حديث أبي حاتم خاصة . والظاهر أن الرؤيا تكررت ، فشرب فضله أحداهما أبو بكر وفي الأخرى عمر ، ويؤيده تغاير ألفاظ الحديثين ، ولهذه الخصوصية بلغ علمه ما روي عن ابن مسعود أنه قال : " لو جمع علم أحياء العرب في كفة ميزان ووضع علم عمر في كفة لرجح علم عمر ، ولقد كانوا يرون أنه ذهب بتسعة أعشار العلم ، ولمجلس كنت أجلسه من عمر أوثق في نفسي من عمل سنه " أخرجه أبو عمر والقلعي.

ثوب يجره دون سائر الأمة :
عن أبي سعد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " بينما أنا نائم رأيت الناس يعرضون علي وعليهم قمصا ، منها ما يبلغ الثدي ، ومنها ما هو أسفل من ذلك ، وعرض علي عمر وعليه قميص يجره " ، فقال من حوله : ما أولت يا نبي الله ذلك ؟ قال " الدين " أخرجاه وأحمد وأبو حاتم ، وفسر الثوب بالدين والله أعلم لأن الدين يشمل الإنسان ويحفظه وبقية المخالفات ، كوقاية الثوب وشموله .

مباهاة الله به يوم عرفة :
عن بلال بن رباح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له يوم عرفة : " يا بلال أسكت الناس أو أنصت الناس " ثم قال : " إن الله تطول عليكم في جمعكم هذا فوهب مسيئكم لمحسنكم وأعطى محسنكم ما سأل ، ادفعوا على بركة الله تعالى ، إن الله باهى ملائكته بأهل عرفة عامة وباها بعمر بن الخطاب خاصة " . أخرجه البغوي . وأخرجه بن ماجه من أوله إلى قوله : " ادفعوا باسم الله مكان على بركة الله " . وفيه دلالة على فضل عمر على الملائكة ، لأن المباهاة تتحقق إذا كان للمباهي به فضلا على المباهي .

عمر مفتاح الإسلام رضي الله عنه :
عن ابن عباس قال : نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عمر ذات يوم وتبسم ، فقال : " يا ابن الخطاب !! أتدري لم تبسمت إليك ؟ " ، قال : الله ورسوله أعلم ، قال : " إن الله عز وجل نظر إليك بالشفقة والرحمة ليلة عرفة وجعلك مفتاح الإسلام " . أخرجه الملاء .

أول من يعطى كتابه بيمينه يوم القيامة :
عن عمران بن حصين قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " إذا كان يوم القيامة وحشر الناس جاء عمر بن الخطاب حتى يقف في الموقف فيأتيه شيء أشبه به فيقول : جزاك الله عني يا عمر خيرا ، فيقول له : من أنت ؟ فيقول : أنا الإسلام جزاك الله يا عمر خيرا ثم ينادي مناد ألا لا يدفعن لأحد كتاب حتى يدفع لعمر بن الخطاب ، ثم يعطي كتابه بيمينه ويؤمر به إلى الجنة ، فبكى عمر وأعتق جميع ما يملكه وهم تسعة " . .

الناس مادام فيهم لا تصيبهم فتنة :
عن حسن الفردوسي قال : لقي عمر أبا ذر فأخذ بيده فعصرها فقال أبو ذر : دع يدي يا قفل الفتنة فعرف أن لكلمته أصلا ، فقال : يا أبا ذر ما قفل الفتنة ؟ قال : جئت يوما ونحن عند النبي صلى الله عليه وسلم فكرهت أن أتخطى رقاب الناس ، فجلست في أدبارهم ، فقال صلى الله عليه وسلم : " لا تصيبكم فتنة ما دام هذا فيكم " . أخرجه المخلص الذهبي والرازي والملاء في سيرته .

أخوته للنبي صلى الله عليه وسلم :
عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " بينما أنا جالس في مسجدي أتحدث مع جبريل إذ دخل عمر بن الخطاب فقال جبريل : أليس هذا أخوك عمر ابن الخطاب فقلت بلى يا أخي " .

أول من تسمى بأمير المؤمنين :
عن الزبير قال : " قال عمر لما ولي : كان أبو بكر يقال له : خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكيف يقال لي : خليفة خليفة رسول الله يطول هذا ، قال : فقال له المغيرة : أنت أميرنا ونحن المؤمنون ، فأنت أمير المؤمنين ، قال : فذاك إذا " .

أول من يسلم عليه الحق يوم القيامة :
ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " عمر أو من يسلم عليه الحق يوم القيامة وكل أحد مشغول بأخذ الكتاب وقراءته " ، ولا تضاد بينه وبين ما تقدم في الذكر قبله ، إذ يعطى كتابه أول ، ثم يسلم عليه الحق والناس مشغولون حينئذ بإعطاء كتبهم .

إكماله عدة الأربعين رجلا :
عن ابن عباس قال : أسلم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم تسعة وثلاثون رجلا ، ثم إن عمر أسلم فصاروا أربعين رجلا فنزل جبريل عليه السلام بقوله تعالى : " يا أيها النبي حسبك الله ومن اتبعك من المؤمنين " أخرجه القلعي والواحدي قال أبو عمر : روي أنه أسلم بعد أربعين رجلا وإحدى عشرة امرأة .

محبة عمر تجلب الإيمان وتعمره :
عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " من أحب عمر ، عمر قلبه بالإيمان " .

مصاهرته النبي صلى الله عليه وسلم :
مصاهرته صلى الله عليه وسلم موجبة لدخول الجنة مانعة من دخول النار . وعن عمر سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " كل نسب وصهر منقطع إلا نسبي وصهري " . أخرجه تمام .


ما أعد الله له من كرامة لعز الإسلام به :
عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " ينادي مناد يوم القيامة : أين الفاروق فيؤتى به فيقول الله : مرحبا بك يا أبا حفص ، هذا كتابك إن شئت فاقرأه وإن شئت فلا ، فقد غفرت لك ، ويقول الإسلام : يا رب هذا عمر أعزني في دار الدنيا فأعزه في عرصات القيامة ، فعند ذلك يحمل على ناقة من نور ثم يكسى حلتين لو نشرت إحداهما لغطت الخلائق ، ثم يسير في يديه سبعون ألف لواء ، ثم ينادي مناد يا أهل الموقف هذا عمر فاعرفوه " .

تعبده وصلاته رضي الله عنه :
عن سعيد بن المسيب قال : " كان عمر يحب الصلاة في كبد الليل " ـ يعني وسط الليل ـ أخرجه في الصفوة . وعن عبد الله بن ربيعة قال : " صليت خلف عمر الفجر فقرأ سورة الحج وسورة يوسف قراءة بطيئة " أخرجه أبو معاوية . وعن عمرو بن ميمون قال : " كان عمر ربما قرأ بسورة يوسف والسجدة ونحو ذلك في الركعة الأولى حتى يجتمع الناس " أخرجه البخاري .
عن كعب الأحبار أنه لقي عمر بالشام فقال له : إنه مكتوب في هذه الكتب أن هذه البلاد التي كانت بنو إسرائيل أهلها مفتوحة على يد رجل من الصالحين ، رحيم بالمؤمنين شديد على الكافرين سره مثل علانيته ، قوله لا يخالف فعله ، القريب والبعيد سواء عنده في الحكم ، أتباعه رهبان بالليل وأسد بالنهار متراحمون متواصلون . قال عمر : أحق ما تقول ؟ فقلت : إي والذي يسمع ما أقول ، فقال : الحمد لله الذي أعزنا وكرمنا وشرفنا ورحمنا بنبينا محمد ورحمته التي وسعت كل شيء .

علمه وفهمه رضي الله عنه :
عن خلد الأسدي قال : " صحبت عمر فما رأيت أفقه في دين الله ولا أعلم بكتاب الله ولا أحسن مدارسة منه " ، وعنه قال : " إني لأحسب تسعة أعشار العلم ذهبت يوم ذهب عمر " .

رؤياه في الأذان واخذ الرسول به :
عن عبد الله بن زيد قال : " لما أجمع رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يضرب بالناقوس وهو كاره موافقة النصارى طاف بي في الليل وأنا نائم رجل وعليه ثوبان أخضران وفي يده ناقوس يحمله ، قال : فقلت له : يا عبد الله أتبيع الناقوس ؟ قال : وما تصنع به ؟ قال : قلت : أدعو به إلى الصلاة ، قال : أولا أدلك على خير من ذلك ؟ فقلت : بلى ، قال : تقول : الله أكبر الله أكبر وسرد الأذان إلى آخره ، ولم يرجع التشهد فيه ، قال : ثم تقول : إذا قمت إلى الصلاة الله أكبر الله أكبر وسرد الإقامة إلى آخرها ، قال : فلما أصبحت أتيت النبي صلى الله عليه وسلم ، فأخبره بما رأيت فقال : صلى الله عليه وسلم : " إن هذه الرؤيا حق إن شاء الله تعالى ، فقم مع بلال فألق عليه ما رأيت فإنه أندى صوتا منك " . فقمت مع بلال فجعلت ألقيه عليه فسمع ذلك عمر وهو في بيته ، فخرج يجر رداءه ويقول : والذي بعثك بالحق لقد رأيت مثل الذي رأيت ، قال صلى الله عليه وسلم : " فلله الحمد " . أخرجه أحمد وأبو داود والترمذي ، وقال حسن صحيح ، وأخرجه ابن إسحاق .

كراماته ومكاشفاته :

يا سارية الجبل :
عن عمر بن الحارث قال : بينما عمر يخطب يوم الجمعة إذ ترك الخطبة ونادى : " يا سارية الجبل " مرتين أو ثلاثة ، ثم أقبل على خطبتي ، فقال ناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم : إنه لمجنون ، ترك خطبته فنادى يا سارية الجبل ، فدخل عليه عبد الرحمن بن عوف وكان يبسط عليه فقال : يا أمير المؤمنين !! تجعل للناس عليك مقالا ، بينما أنت في خطبتك إذا ناديت يا سارية الجبل أي شيء هذا ؟ فقال : والله ما ملكت ذلك حين رأيت سارية وأصحابه يقاتلون عند جبل يؤتون منه من أيديهم ومن خلفهم فلما أملك أن قلت : " يا سارية الجبل " يلحقوا بالجبل ، فلم تمض أيام حتى جاء رسول سارية بكتابه : إن القوم لقونا يوم الجمعة فقاتلناهم من حين صلينا الصبح إلى أن حضرت الجمعة ، وذر حاجب الشمس فسمعنا صوت مناد ينادي الجبل مرتين فلحقنا بالجبل فلم نزل قاهرين عدونا حتى هزمهم الله تعالى .

نيل مصر :
ويروى أن مصر لما فتحت أتى أهلها عمر بن العاص فقال له : إن هذا النيل يحتاج في كل سنة إلى جارية بكر من أحسن الجواري فنلقيها فيه وإلا فلا يجري وتخرب البلاد وتقحط ، فبعث عمرو إلى أمير المؤمنين عمر يخبره بالخبر فبعثه إلى عمر : " الإسلام يجب ما قبله ثم بعث إليه بطاقة قال فيها : " بسم الله الرحمن الرحيم إلى نيل مصر من عبد الله عمر بن الخطاب . أما بعد فإن كنت تجري بنفسك فلا حاجة لنا إليك ، وإن كنت تجري بالله فاجر على اسم الله . وأمره أن يلقيها في النيل فجرى في تلك الليلة ستة عشر ذراعا ، وزاد على كل سنة ستة أذرع . وفي رواية فلما ألقي كتابه في النيل جرى ولم يعد يقف ، أخرجهما الملاء في سيرته .

غوث المطر :
وعن خوات بن جبير قال : أصاب الناس قحط شديد على عهد عمر فأمرهم بالخروج إلى الاستسقاء فصلى بهم ركعتين وخالف بين طرف ردائه ، فجعل اليمين على اليسار واليسار على اليمين ثم بسط يديه وقال : اللهم إنا نستغفرك ونستقبلك ، فما برح حتى مطروا ، فبينما هم كذلك إذ أقدم الأعراب فأتوا عمر فقالوا : يا أمير المؤمنين !! بينما نحن في بوادينا في يوم كذا في ساعة كذا إذ أظلتنا غمامة فسمعنا فيها صوتا وهو يقول : أتاك الغوث أبا حفص أتاك الغوث أبا حفص .

فتاة اللبن :
وروي أنه عس ـ أي ظهر يتفقد أحوال رعيته ليلا وكان أول من عس من الخلفاء ـ ليلة من الليالي فأتى على امرأة وهي تقول لابنتها : قومي اللبن ، فقالت : لا تفعلي ، فإن أمير المؤمنين نهى عن ذلك ، قالت : ومن أين يدري هو ؟ فقالت : فإن لم يعلم هو فإن رب أمير المؤمنين يرى ذلك ، فلما أصبح عمر قال لابنه عاصم : " اذهب إلى مكان كذا وكذا فإن هناك صبية فإن لم تكن مشغولا فتزوج بها لعل الله يرزقك منها نسمة مباركة " ، فتزوج عاصم بتلك البنية فولدت له أم عاصم بنت عمر ، فتزوجها عبد العزيز بن مروان فولدت له عمر بن عبد العزيز رحمة الله عليه .

احترق أهلك :
وروي أنه قال لرجل من العرب : " ما اسمك ؟ " قال جمرة ، قال : " ابن من ؟ " قال : ابن شهاب ، قال : " ممن ؟ " قال : من الحرقة ، قال : " أين مسكنك ؟ " ، قال الحرة ، قال : " فبأيها ؟ " قال : اللظى ، قال عمر : " أدرك أهلك فقد احترقوا " ، فسارع الرجل فوجدهم كما قال عمر .

رؤيا علي لرطب رسول الله :
وعن علي رضي الله عنه : " أنه رأى في منامه كأنه صلى الصبح خلف النبي صلى الله عليه وسلم ، واستند رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المحراب ، فجاءت جارية بطبق رطب فوضع بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذ منها رطبة وقال : " يا علي تأخذ هذه الرطبة ؟ " فقلت : نعم يا رسول الله ، فمد يده وجعله كذا في فمي ، ثم أخذ أخرى وقال لي مثل ذلك فقلت : نعم فجعلها في فمي ، فانتبهت وفي قلبي شوق إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وحلاوة الرطب في فمي ، فتوضأت وذهبت إلى المسجد فصليت خلف عمر واستند إلى المحراب ، فأردت أن أتكلم بالرؤيا فمن قبل أن أتكلم جاءت امرأة ووقفت على باب المسجد ومعها طبق رطب فوضع بين يدي عمر فأخذ رطبة فقال : " تأكل من هذا يا علي ؟ " ، قلت نعم فجعلها في فمي ثم أخذ أخرى فقال لي مثل ذلك فقلت : نعم ، ثم أخذ أخرى كذلك ثم فرق على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يمنة ويسرة وكنت أشتهي منه ، فقال : يا أخي لو زادك رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلتك لزدناك ، فعجبت فقلت : قد أطلعه الله على ما رأيت البارحة ، فنظر وقال : يا علي المؤمن ينظر بنور الله ، قلت صدقت يا أمير المؤمنين هكذا رأيته ، وكذا رأيت طعمه ولذته من يدك كما وجدت طعمه ولذته من رسول الله صلى الله عليه وسلم " .

تلطفه باستنباطه للحكم :
وعن أبي قتادة قال : أتى النبي صلى الله عليه وسلم رجلا فقال : يا رسول الله كيف تصوم ؟ قال : فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما رأى ذلك عمر بن الخطاب قال : رضينا بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا ، ونعوذ بالله من غضب الله ومن غضب رسوله ، قال : فجعل عمر يردد ذلك حتى سكن النبي صلى الله عليه وسلم من غضبه ، ثم قال عمر : يا رسول الله ، كيف بمن يصوم الدهر كله ؟ قال : " لا صام ولا أفطر " . أي لم يصم ولم يفطر . قال : يا رسول الله كيف بمن يصوم يومين ويفطر يوما ؟ قال : " أو يطيق ذلك أحد ؟ " قال : فكيف بمن يصوم يوما ويفطر يوما ؟ قال : " ذلك صوم داود " . قال : فكيف بمن يصوم يوما ويفطر يومين ؟ قال : " وددت أني أطيق ذلك " . ثم قال : ثلاث من كل شهر ورمضان إلى رمضان هذا صيام الدهر كله ، وصيام يوم عرفة إني أحتسب على الله أن يكفر السنة التي بعده والسنة التي قبله ، وصيام يوم عاشوراء أني أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله " . أخرجه مسلم والترمذي والنسائي .

فراسته :
عن علي قال : " كنا نقول أن ملكا ينطق على لسان عمر " . أخرجه الملاء في سيرته . وعن عبد الله بن مسلمة قال : دخلنا على عمر معشر وفد مذحج وكنت من أقربهم منه مجلسا ، فجعل عمر ينظر إلى الأشتر ويصوب فيه نظره ، ثم قال : " أمنكم هذا ؟ " فقلت : نعم قال : " قاتله الله وكفى الله أمته شره ، والله إني لأحسب منه المسلمين يوما عصيبا " ، قال : فكان ذلك منه بعد عشرين سنة . أخرجه الملاء في سيرته .

غضب الله لغضب عمر :
عن علي بن أبي طالب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أتاني جبريل اقرأ عمر من ربه السلام وأعلمه أن رضاه حكم وغضبه عسر " . أخرجه الحافظ أبو سعيد النقاش والملاء وأخرج المخلص معناه .

معيته بالرسول بالجنة :
عن زيد ابن أبي أوفى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعمر بن الخطاب : " أنت معي في الجنة ثالث ثلاثة " أخرجه المخلص .

شهادة الرسول بأنه من أهل الجنــة :
عن ابن مسعود قال : قال : رسول الله صلى الله عليه وسلم : " عمر بن الخطاب من أهل الجنة " . أخرجه أبو حاتم ، وعن علي مثله ، أخرجه ابن السمان .

عمر من أهل الجنــة :
عن جاب عن عبد الله قال : رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أدخلت الجنة فرأيت قصرا من ذهب ولؤلؤ فقلت : لمن هذا القصر ؟ فقالوا لعمر بن الخطاب ، فما منعني أن أدخله إلا علمي بغيرته " . قال : أعليك أغار بأبي أنت وأمي عليك أغار " أخرجه أبو حاتم ، وأخرجه مسلم ولم يقل من ذهب ولؤلؤ .

شفقته على رعيته وتفقد أحوالهم :
عن زيد بن اسلم ، عن أبيه قال : " خرجت مع عمر السوق فلحقته امرأة شابة فقالت : " يا أمير المؤمنين هلك زوجي وترك صبية صغارا ، والله ما ينضجون كراعا ولا لهم ضرع ولا زرع وخشيت عليهم الضيعة ، وأنا ابنة خفاف بن أيمن الغفاري وقد شهد أبي الحديبية مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فوقف معها ولم يمض وقال : مرحبا بنسب قريب ، ثم انصرف إلى بعير ظهير كان مربوطا في الدار فحمل عليه غرارتين ملأهما طعاما وجعل بينهما نفقة وثيابا ، ثم ناولها خطامه فقال : اقتاديه فلم يفنى هذا حتى يأتيكم الله بخير ، فقال الرجل : يا أمير المؤمنين أكثرت لها ، فقال : ثكلتك أمك ! والله إني لأرى أب هذه وأخاه وقد حاصرا حصنا زمانا فافتتحاه ثم أصبحنا نستفيء سهامهما " .
وروي : " انه عام الرمادة لما اشتد الجوع بالناس وكان لا يوافقه الشعير والزيت ولا التمر وإنما يوافقه السمن ، فحلف لا يأتدم بالسمن حتى يفتح على المسلمين عامه هذا ، فصار إذاأكل خبز الشعير والتمر بغير أدم يقرقر بطنه في المجلس فيضع يده عليه ويقول : " إن شئت قرقر وإن شئت لا تقرقر ، مالك عندي أدم حتى يفتح الله على المسلمين . "
وعن زيد بن اسلم قال : " أن عمر بن الخطاب طاف ليلة فغذا بامرأة في جوف دار لها حولها صبيان يبكون ، وإذا قدر على النار قد ملأتها ماء فدنا عمر من الباب فقال : يا أمة الله !! لي شيء بكاء هؤلاء الصبيان ؟ فقالت : بكاؤهم من الجوع ، قال : فما هذه القدر التي على النار ؟ قالت : قد جعلت فيها ماء أعللهم بها حتى يناموا وأوهمهم أن فيها شيئا ، فجلس عمر يبكي ، ثم جاء على دار الصدقة وأخذ غرارة ـ وهو وعاء من الخيش ونحوه يوضع فيه القمح ونحوه ـ وجعل فيها شيئا من دقيق ، وسمن وشحم وتمر وثياب ودراهم حتى ملأ الغرارة ثم قال : أي أسلم ، أي اسلم ن احمل عليّ ، قلت : يا أمير المؤمنين أنا أحمله عنك ، قال : لا أم لك يا أسلم ، أنا أحمله لأني المسؤول عنه في الآخرة ، قال : فحمله على عاتقه حتى أتى بعه منزل المرأة وأخذ القدر وجعل فيها دقيقا وشيئا من شحم وتمر ، وجعل يحركه بيده وينفخ تحت القدر ـ وكانت لحيته عظيمة فرأيت الدخان يخرج من خلال لحيته ـ حتى طبخ لهم ، ثم جعل يغرف بيده ويطعمهم حتى شبعوا ثم خرج " . خرجه الفضائلي .

تواضعه :
عن طارق بن شهاب قال : " قدم عمر بن الخطاب الشام فلقيه الجنود وعليه إزار وخفان وعمامة وهو آخذ برأس راحلته يخوض الماء قد خلع خفيه وجعلهما تحت إبطه ، قالوا له : " يا أمير المؤمنين ! الآن تلقاك الجنود وبطارقة الشام وأنت على هذه الحـال . قال عمر : " إنا قوم أعزنا الله بالإسلام فلا نلتمس العزة من غيره " . وعن زيد بن ثابت قال : " رأيت على عمر مرقعة فيها سبعة عشرة رقعة فانصرفت إلى بيتي باكيا ثم عدت في طريقي فإذا عمر وعلى عاتقه قربة ماء وهو يتخلل الناس ، فقلت : يا أمير المؤمنين ! فقال لي : لا تتكلم وأقول لك ، فسرت معه حتى صبها في بيت عجوز وعدنا إلى منزله فقلت له في ذلك فقال : إنه حضرني بعد مضيك رسول الروم ورسول الفرس فقالوا : لله درك يا عمر ! قد اجتمع الناس على علمك وفضلك وعدلك ، فلما خرجوا من عندي تداخلني ما يتداخل البشر فقمت ففعلت بنفسي ما فعلت " . وروي أنه قال على المنبر : " يا معاشر المسلمين ماذا تقولون لو ملت برأسي إلى الدنيا كذا " وميل رأسه ـ فقام رجل فسل سيفه وقال : أجل ! كنا نقول بالسيف كذا ـ وأشار إلى قطعه ـ فقال : " إياي تعني بقولك " قال : " نعم إياك اعني بقولي " فنهره عمر ثلاثا ـ أي رد عليه بمثل ما قاله عمر ثلاثا ـ وهو ينهر عمر ، فقال رضي الله عنه : " رحمك الله ! الحمد لله الذي جعل في رعيتي من إذا تعوجت قومني " خرجه الملاء في سيرته . وروي : " أن عمر جاءه برد من اليمن وكان من جيد ما حمل إليه فلم يدر لمن يعطيه من الصحابة ، إن أعطاه واحدا غضب الآخر ورأى أن قد فضله عليه ، فقال عند ذلك : دلوني على فتى من قريش نشأ نشأة حسنة ، فسموا له المسور بن مخرمة ، فدفع الرداء إليه ، فنظر إليه سعد فقال له : ما هذا الرداء ؟ فقال : كسانيه أمير المؤمنين فجاء معه إلى عمر فقال له : تكسوني هذا الرداء وتكسو ابن أخي مسور أفضل منه ؟ فقال له : يا أبا إسحاق إني كرهت أن أعطيه رجلا كبيراً فتغضب أصحابه فأعطيته من نشأ نشأة حسنة ، لا تتوهم أني أفضله عليكم ، فقال سعد : فإني قد حلفت لضربن بالرداء الذي أعطيتني رأسك ، فخضع عمر له رأسه ، وقال له : " يا أبا إسحاق وليرفق الشيخ بالشيخ " .

سراج أهل الجنة :
عن ابن عمر قال : قال : رسول الله صلى الله عليه وسلم : " عمر بن الخطاب سراج أهل الجنة " أخرجه الملاء في سيرته .

قوة إيمانه وثباته عليه حيا وميتا :
عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إذا وضع الرجل في قبره أتاه منكر ونكير ، وهما ملكان فضان غليظان أسودان أزرقان ألوانهما كالليل الدامس أصواتهما كالرعد القاصف عيونهما كالشهب الثواقب أسنانهما كالرماح يسحبان بشعورهما على الأرض بيد كل واحد منهما مطرقة لو اجتمع الثقلان الجن والإنس لم يقدروا على حملها يسألان الرجل عن ربه وعن نبيه وعن دينه " . فقال عمر بن الخطاب : أيأتيانني وأنا ثابت كما أنا ؟ قال نعم !! قال : فسأكفيكهما يا رسول الله ، فقال صلى الله عليه وسلم : " والذي بعثني بالحق نبيا لقد أخبرني جبريل أنهما يأتيانك فتقول أنت : والله ربي فمن ربكما ؟ ومحمد نبيي فمن نبيكما ؟ والإسلام ديني فما دينكما ؟ فيقولان : واعجباه !! ما ندري نحن أرسلنا إليك . أم أنت أرسلت إلينا ؟ " . أخرجه عبد الواحد بن محمد بن علي المقدسي في كتابه التبصير .

مصاهرته لعلي كرم الله وجهه :
اليوم يا سادة يا كرام سأحدثكم عن أكرم ( صهر ) وأعظم ( عـم ) وزيجة من أجمل الزيجات التي يذكرها التاريخ ويخلدها .. وأما عن أطراف هذه القصة .. فأحسب والله أن الكتابة عنهم بماء الذهب قليل عليهم .. ولو أن أغلى الدرر من الياقوت وأنفسه من الزبرجد الأحمر والأخضر ارتضت معادنهم أن تسيح وتذوب ليكونوا مداداً من النور لما رضوا إلا بان يكتب فيهم سيرة هؤلاء الذين سنعطر صفحات الوطن والساحة بأخبارهم .. ونطرز زاويتنا بقصصهم .. ونكحل أعين المؤمنين السالكين درب الهدى والنور بذكرهم .. أولئك الذين يحبون الرسول وآل بيته ويعرفون لأمهات المؤمنين قدرهم وأصحابه الكرام مكانتهم رضي الله عنهم وأرضاهم .. فيا ويح قلمي أي عبارات سيسطر .. ويا ويح مدادي أي لوحة اليوم سيرسم .. ! ؟ تبدأ قصتنا عندما خطب نفر من الصحابة سيدة النساء فاطمة الزهراء من أبيها سيد ولد آدم رسولنا عليه وعلى آله أفضل الصلاة والتسليم .. حباً في رسول الله وقرابته فرفض عليه السلام وقال إنها لصغيرة .. ثم أنه تقدم بعد مدة إمامنا الشهيد علي بن أبي طالب رضي الله عنه فوافق رسول الله وزوجها له وكان مهر بنت رسول الله درع فقط ! فيا لعظمة هذا الرسول .. ثم أنه كان أكرم زواج عرفه الإسلام ومن ثمراته سيدا شباب أهل الجنة السبطان الشهيدان الحسن والحسين ثم زينب وشقيقتهم الصغرى أم كلثوم .. ولكننا اليوم لن نتحدث عن ذلك الزواج المبارك فذلك له مداد آخر ونغم أجمل ومقام أزكى وأرفع .. ولكننا سنتحدث اليوم عن قصة زواج سيدنا وخليفتنا الفاروق حبيب رسول الله وصاحبه في المحيا ورفيقه في القبر عمر بن الخطاب رضي الله عنه بابنة سيدنا وإمامنا علي بن أبي طالب رضي الله عنه وشقيقة السبطين وابنة فاطمة الزهراء وحفيدة الرسول الأعظم إنها ( أم كلثوم بنت علي بن أبي طالب ) رضي الله عنها .. حكي لنا الإمام الذهبي في سير أعلام النبلاء في ج3 ص 500 وكذا الشيخ عمر رضا كحالة في كتاب أعلام النساءج4 ص255 حكاية ذلك الزواج المبارك الذي فرح به سيدنا علي وفاروقنا عمر أشد الفرح فيقول : جاء الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى الإمام علي بن أبي طالب وكان حينها أميراً للمؤمنين وخليفة للمسلمين فقال يا أبا الحسن .. إني أطلب منك ابنتك أم كلثوم فقال له الإمام علي ما تريد إليها ؟ فقال إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (( كلُ سَببٍ ونَسَبٍ منقطعٌ إلي يوم القيامةِ إلا سَببي ونًسبي )) وإني يا أبا الحسن أرصد من كرامتها ما لا يرصده أحد .. فوافق الإمام علي على زواجه منها .. وخرج سيدنا عمر فرحاً ورجلاه تسابق الريح حتى وصل إلى مجلس المهاجرين من الصحب الكريم وكان مجلسهم بين القبر الشريف والمنبر ـ وجاء في الحديث مَا بَيْنَ مِنْبَرِي وَبَيْتِي رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ .. يا الله أي مجلس هذا الذي يرتعون برياض الجنة فيه . ! ؟ ـ يقول الراوي : فوجد هناك سيدنا عثمان بن عفان ذا النورين ممن زوجه الرسول بابنتيه والزبير بن العوام وطلحة .. رضي الله عنهم ، وما هي إلا لحظات حتى جاء سيدنا علي بن أبي طالب فقال أمير المؤمنين الفاروق عمر ( هنئوني .. رفئوني ) فقالوا بمن يا أمير المؤمنين ؟ قال بحفيدة رسول الله وابنة صهر رسول الله علي بن أبي طالب .. فلقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ( كل نسب منقطع إلا نسبي وسببي وصهري ) فكان لي به عليه السلام النسب فتزوج بابنتي حفصة فصارت أم المؤمنين .. وأردت أن أجمع إليه الصهر .. فرفؤوه وبارك الصحابة له زواجه رضي الله عنه .. وأمهر سيدنا عمر الفاروق أم كلثوم رضي الله عنها بأربعين ألفاً ودخل بها في ذي القعدة سنة السابع عشر من الهجرة .. وأنجبت له مولودين كالقمرين رقية .. وزيد رضي الله عنهم .. وظلت زوجته المحبة حتى قتل بمحراب رسول الله شهيداً بيد الكافر الملعون أبو لؤلؤة المجوسي .. فرضي الله عنك يا عمر .. وجمعنا معك بالجنة .. آمين يا رب العالمين . ولقد وُلـد للإمام علي بن أبي طالب بعد وفاة الزهراء رضي الله ولداً من زواجه الجديد في عهد خلافة عمر وبعد تزويجه إياه ابنته أم كلثوم ولداً فسماه ( عمر ) حباً في صهره وإكراماً له رضي الله عنه فصار أولاد سيدنا علي من الذكور الحسن والحسين ومحمد المشهور بابن الحنفية ـ وسوف نفرد له بإذن الله مقالاً منفصلاً عن فضله ـ وعمر وأبو بكر .. وأما الابن عثمان بن علي بن أبي طالب وإخوته العباس وجعفر وعبد الله فقد قتلوا مع أخيهم الشهيد الحسين في فاجعة كربلاء على يد جند يزيد بن معاوية عليه من الله ما يستحق . ومن الطرائف الجميلة ما جاء في بعض الروايات أنه بعد أن تزوج عمر بأم كلثوم كان الإمام علي يدخل إلى مجلس سيدنا عمر فيقول له السلام على أمير المؤمنين فيمازحه رضي الله عنه ويرد عليه قائلا وعليك السلام يا عماه .. ! وهو يكبر سيدنا علي بخمس عشرة سنة .. وكان الصحابة يضحكون من مزاحهم رضي الله عنهم وأرضاهم .. وأما عن حفيد الإمام علي من ابنته أم كلثوم وهو زيـد بن عمر الخطاب فيروى عنه أنه لما كبر وشب كان من أجمل الناس وجهاً وخلقاً ولقد أُثِـر عنه يحدث أصحابه قائلاً : السبطان الحسن والحسين أخوالي فليرني أحدكم أخواله .. وكان يردد دوماً أنا ابن الخليفيتين .. فرضي الله عنه وأرضاه . ولقد بكى سيدنا الإمام علي بن أبي طالب عندما قُ ـ تِل سيدنا عمر الفاروق بالمحراب وهو ساجد يصلي بالمسلمين وتأثر تأثراً عظيماً على فراق صهره وصاحبه وحبيبه وخليفته من بعد صديقنا الصديق أبو بكر رضي الله عنه .. ويروي الإمام أحمد بمسنده أن علياً جاء إلى عمر وهو مسجىً بثوبه وقد قضى نحبه .. فجاء عليٌ وكشف وجهه ثم بكى وقال ( رحمة الله عليك يا ابا حفص فوالله ما بقى بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أحد أحب إليّ أن ألقى بصحيفته منك ) وجاء في كتاب الفتوحات الإسلامية ج2 ص429 أن علياً بكى بكاء مراً لفراق صاحبه الفاروق عمر فقيل له في ذلك البكاء الشديد فقال ( كيف لا ابكي على موت عمر ؟ إن موت عمر ثُلمة في الإسلام لا ترتقِ إلى يوم القيامة ) . تلك ديباجة سريعة .. اشتهت نفسي أن تعطر فيها قلوب القراء لا أعينهم .. وتاقت روحي إلى ذكر آل البيت وأصهارهم الكرام .. وعسى الله أن يغفر لمحب آل البيت وأمهات المؤمنين والصحب الكرام ..
كتبه / محمد المليفي

شهادة علي كرم الله وجهه في حقه :
عن الشعبي أن عليا قال لأهل نجران : " إن عمر كان رشيد الأمر ، ولن أغير شيئا صنعه " . وعنه أن عليا لما دخل الكوفة قال : " ما كنت لأحل عقدة شدها عمر " . وعن الحسن بن علي قال : " لا أعلم عليا خالف عمر ولا غير شيئا مما صنع حين قدم الكوفة " . وعن زيد " أن عليا كان يشبه بعمر في السيرة " . وعن أبي إسحاق ـ عمن حدثه : " أنه كان جليسا لعلي ، فاستبكى بكاء شديدا فقيل له ما يبكيك يا أمير المؤمنين ؟ قال : ذكرت خليلي عمر وهذا البرد علي كسانيه " . وعن أبي السفر قال : رئي علي على برد كان يلبسه فقيل له : إنك تكثر من لبس هذا البرد ؟ فقال له : كسانيه خليلي وصفي عمر بن الخطاب " . أخرجهن ابن السمان ، وأخرج الأخير أبو القاسم الحريري وزاد أن عمر ناصح الله فنصحه الله ثم بكى . وعن علي أنه كان يقول : " لا يبلغني أن أحدا فضلني على عمر إلا ضربته حد المفتري " . أخرجه سعدان بن نصر .

حسن نظره وإصابة رأيه :
عن عبد الرحمن بن أبي عمرة الأنصاري قال : حدثني أبي قال : كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة غزاها فأصاب الناس مخمصة فاستأذن الناس رسول الله صلى الله عليه وسلم في نحر بعض ظهورهم ، فهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأذن لهم فقال عمر بن الخطاب : أرأيت يا رسول الله إذا نحرنا ظهرنا ثم لقينا عدونا غدا ونحن جياع رجال ؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " فما ترى يا عمر " . قال : أرى أن تدعو الناس ببقايا أزو ادهم ثم تدعو فيها بالبركة ، فإن الله عز وجل سيطعمنا بدعوتك إن شاء الله تعالى . قال : فجاءوا بما كان عندهم قال : من الناس من جاء بالحفنة من الطعام أو الحثية ، ومنهم من جاء بمثل البيضة قال : فأمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم فوضع على ذلك الثوب ، ثم دعا فيه بالبركة ثم تكلم بملء شاء الله عز وجل ، ثم نادى في الجيش ثم أمرهم فأكلوا وأطعموا وملؤوا بنيتهم ومزاودهم ثم دعا بركوة فوضعت بين يديه ثم دعا بشيء من ماء فصب فيها ثم مج فيها وتكلم بما شاء الله أن يتكلم به وأدخل كفيه فيها ، فأقسم بالله رأيت أصابع رسول الله صلى الله عليه وسلم تتفجر بينابيع الماء ثم أمر الناس فشربوا وملؤوا قربهم وأدواتهم قال : ثم ضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه ثم قال : " أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، لا يلقى بها أحد حتى دخل الجنة " . متفق على صحته .

أدبه مع رسول الله :
عن ابن عمر : " أنه كان مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر على بكر صعب لعمر ، وكان يتقدم النبي صلى الله عليه وسلم فيقول أبوه : يا عبد الله لا يتقدم النبي صلى الله عليه وسلم أحد " . أخرجه البخاري .

محبته رسول الله :
عن عبد الله بن هشام قال : " كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم وهو آخذ بيد عمر بن الخطاب فقال له عمر : يا رسول الله لأنت أحب إلي من كل شيء إلا نفسي ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " والذي نفسي بيده حتى أكون أحب إليك من نفسك " فقال له عمر : فإنه الآن ، والله لأنت أحب إلي من نفسي ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " الآن يا عمر " .

سؤاله الله عز وجل الشهادة :
عن سعيد بن المسيب : " أن عمر لما نفر من منى أناخ بالأبطح ثم كوم كومة بالبطحاء فألقى عليها طرف رداءه ثم استلقى ورفع يديه إلى السماء ، ثم قال : " اللهم كبرت سني وضعفت قوتي وانتشرت رعيتي فاقبضني إليك غير مضيع ولا مفرط " فما انقضت ذو الحجة حتى طعن " . أخرجه بن الضحاك والفضائلي . وعن حفص وأسلم مولاه قال : " قال عمر : اللهم ارزقني شهادة في سبيلك واجعل موتي في بلد رسولك " وفي رواية عن حفصة قالت : أنى يكون هذا ؟ فقال : يأتيني به الله إذا أشاء " . أخرجه البخاري وأبو زرعة .

استشهاده في الصلاة :
عن عمر بن ميمون قال : " إني لقائم ما بيني وبين عمر إلا عبد الله بن عباس غداة أصيب ، وكان إذا مر بين الصفين قال : استووا حتى إذا لم ير فيهم خلل تقدم فكبر قال : وربما قرأ بسورة يوسف والنحل ونحو ذلك في الركعة الأولى حتى يجتمع الناس ، قال : فما هو إلا أن كبر فسمعته يقول : قتلني أو أكلني الكلب حين طعنه ، فطار العلج بسكين ذات طرفين لا يمر على أحد يمينا ولا شمالا إلا طعنه ، حتى طعن ثلاثة عشر رجل مات منهم تسعة ، وفي رواية سبعة ، حتى طعن ثلاثة عشر رجلا مات منهم تسعة ، وفي رواية سبعة ، فلما رأى ذلك رجل من المسلمين طرح عليه ثوبا فلما ظن العلج إنه مأخوذ نحر نفسه ، وتناول عمر بيد عبد الرحمن بن عوف فقدمه ، فأما من كان يلي عمر فقد رأى الذي رأيت . وأما من في نواحي المسجد فإنهم لا يدرون ما الأمر !! غير أنهم فقدوا صوت عمر وهم يقولون سبحان الله ! سبحان الله !! فصلى بهم عبد الرحمن صلاة خفيفة فلما انصرفوا قال : يا ابن عباس انظر من قتلني ؟ فجال ساعة فقال غلام المغيرة بن شعبة ، قال : الصنع ؟ قال نعم ! قال : قاتله الله ، لقد أمرت به معروفا ثم قال : الحمد لله الذي لم يجعل منيتي بيد رجل يدعي الإسلام ، فقد كنت أنت وأبوك تحبان أن تكثر العلوج بالمدينة ، وكان العباس أكثرهم رقيقا فقال : إن شئت فعلت قال : بعدما تكلموا بلسانكم وصلوا قبلتكم وحجوا حجكم ,فحمل إلى بيته فانطلقنا مع . وكأن الناس لم تصبهم مصيبة قبل يومئذ, فقائل يقول : لا بأس وقائل يقول : أخاف عليه . فاتى بنبيذ فشربه فخرج من جوفه ، ثم أتى بلبن فشربه فخرج من جوفه ، فعرفوا إنه ميت فدخلنا عليه فجاء الناس يثنون عليه, وجاء رجل شاب فقال : ابشر يا أمير المؤمنين ببشرى الله عز وجل لك من صحبه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقدم في الإسلام ما قد علمت, ثم وليت فعدلت, ثم شهادة ، قال : وددت أن ذلك كان كفافا لا علي ولا لي ، فلما أدبر إذا إزاره يمس الأرض فقال : ردوا علي الغلام, قال يا ابن أخي ارفع يديك فإنه أنقى لثوبك , وأتقى لربك . يا عبد الله بن عمر , انظر ما علي من الدين فحسبوه فوجدوه ستة وثمانين ألفا أو نحو ذلك, قال : إن وفى به مال آل عمر فأده من أموالهم وإلا فسل في بني عدي بن كعب, فإن لم تف أموالهم فسل في قريش ولا تعدهم إلى غيرهم, قال له : انطلق إلى عائشة أم المؤمنين فقل : يقرأ عليك عمر السلام, ولا تقل : أمير المؤمنين فإني لست اليوم للمؤمنين أميرا وقل : يستأذن عمر بن الخطاب أن يدفن بجوار صاحبيه , فمضى فسلم واستأذن ثم دخل عليها فوجدها قاعدة تبكي فقال : يقرأ عمر عليك السلام ويستأذن أن يدفن بجوار صاحبيه ، قالت : كنت أريده لنفسي ولأوثرن به اليوم على نفسي ، فلما اقبل قيل : هذا عبد الله بن عمر قد جاء فقال : ارفعوني فأسنده رجل إليه فقال : ما لديك ؟ قال : الذي تحبه يا أمير المؤمنين أذنت قال : الحمد لله ما كان شيء أهم إلي من ذلك المضجع ، فإذا أنا قبضت فاحملوني وإن ردتني فردوني إلى مقابر المسلمين . وجاءت أم المؤمنين حفصة ـ والنساء يسترنها ـ فلما رأيناها قمنا فولجت عليه فبكت عنده ساعة ، فاستأذن الرجال فولجت داخلا لهم فسمعنا بكاءها من الداخل ، ثم قال : ـ يعني عمر ـ أوصي الخليفة من بعدي بتقوى الله عز وجل وأوصيه بالأنصار خيرا ـ الذين تبرأوا الدار والإيمان من قبلهم ـ أن يقبل من محسنهم ويعفو عن مسيئهم وأوصيه بأهل الأنصار خيرا فأنهم رداء الإسلام وجباة المال وغيظ العدو وألا يؤخذ منهم إلا فضلهم عن رضا ـ وأوصيه بالأعراب خيرا فإنهم أصل العرب ومادة الإسلام . أن يؤخذ منهم في حواشي أموالهم ويرد في فقرائهم . وأوصيه بذمة الله وذمة رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يوفي لهم بعدهم ، وأن يقاتل من ورائهم وأن لا يكلفوا إلا طاقتهم . قال : فلما قبض خرجنا فانطلقنا نمشي فسلم عبد الله بن عمر وقال : يستأذن عمر بن الخطاب !! قالت : أدخلوه فأدخل فوضع هناك مع صاحبيه . أخرجه البخاري وأبو حاتم . وفي رواية من حديث غزوة بن الزبير أن عمر أرسل إلى عائشة : ائذني لي أن أدفن مع صاحبي قالت : أي والله !! قال : وكان الرجل من الصحابة إذا الرسل إليها قالت : لا والله لا أؤثرهم أبدا ـ أخرجه البخاري .

مدة عمره وولايته :
قال ابن إسحاق : كانت ولايته عشر سنين وستة اشهر وخمس ليال وكان يحج الناس كل عام غير سنتين متواليتين .
واختلف في سنه يوم استشهد رضي الله عنه : فقيل ثلاث وستون كسن النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر رضي الله عنه ، وروي ذلك معاوية والشعبي . وقيل : خمسة وخمسون ، وروي ذلك عن سالم بن عبد الله بن عمر ، وقال الزهري أربع وخمسون ، ذكر ذلك أبو عمر والحافظ والسلفي وغيرهما .
اضافة رد مع اقتباس
  #9  
قديم 09/12/2002, 07:34 PM
مشرف سابق بمنتدى الثقافة الإسلامية
تاريخ التسجيل: 15/12/2000
المكان: القصيم
مشاركات: 2,953
السؤال:


انا شاب فاسق وكافر اريد ان اتوب الى الله كنت افعل جميع المحرمات ولا اصلي والان اريد التوبه فارجوا من الشيخ ان يدلني على طريق التوبة ؟.

الجواب:

الحمد لله

( قل يعبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعاً أنه هو الغفور الرحيم ، وأنيبوا إلى ربكم وأسلموا له من قبل أن يأتيكم العذاب بغتة وأتم لا تشعرون )

لقد وصلني سؤالك وأعجبني فيه حرصك على التوبة والعودة إلى الله بالرغم من فعلك جميع المحرمات كما قلت وعلى رأس ذلك تركك للصلاة ، ومن المهم جداً أن تعلم أيها الشاب الحريص أن باب التوبة مفتوح بالنسبة لك وأن تتأمل جيداً ما هو مذكور في الآيتين السابقتين وأنا سأذكر لك خطوات عملية تبين لك بوضوح كيفية التوبة بإذن الله تعالى :

كلمة التوبة كلمة عظيمة ، لها مدلولات عميقة ، لا كما يظنها الكثيرون ، ألفاظ باللسان ثم الاستمرار على الذنب ، وتأمل قوله تعالى : ( وأن استغفروا ربكم ثم توبوا إليه ) هود /3 تجد أن التوبة هي أمر زائد على الاستغفار .

ولأن الأمر العظيم لابد له من شروط ، فقد ذكر العلماء شروطاً للتوبة مأخوذة من الآيات والأحاديث ، وهذا ذكر بعضها :

الأول : الإقلاع عن الذنب فوراً .

الثاني : الندم على ما فات .

الثالث : العزم على عدم العودة .

الرابع : إرجاع حقوق من ظلمهم ، أو طلب البراءة منهم .

ولا تنسى أموراً أخرى مهمة في التوبة النصوح ومنها :

الأول : أن يكون ترك الذنب لله لا لشيء آخر ، كعدم القدرة عليه أو على معاودته ، أو خوف كلام الناس مثلاً .

فلا يسمى تائباً من ترك الذنوب لأنها تؤثر على جاهه وسمعته بين الناس ، أو ربما طرد من وظيفته .

ولا يسمى تائباً من ترك الذنوب لحفظ صحته وقوته ، كمن ترك الزنا أو الفاحشة خشية الأمراض الفتاكة المعدية ، أو أنها تضعف جسمه وذاكرته .

ولا يسمى تائباً من ترك أخذ الرشوة لأنه خشي أن يكون معطيها من هيئة مكافحة الرشوة مثلاً .

ولا يسمى تائباً من ترك شرب الخمر وتعاطي المخدرات لإفلاسه .

وكذلك لا يسمى تائباً من عجز عن فعل معصية لأمر خارج عن إرادته ، كالكاذب إذا أصيب بشلل أفقده النطق ، أو الزاني إذا فقد القدرة على الوقاع ، أو السارق إذا أصيب بحادث أفقده أطرافه ، بل لابد لمثل هذا من الندم والإقلاع عن تمني المعصية أو التأسف على فواتها ولمثل هذا يقول الرسول صلى الله عليه وسلم : ( الندم توبة ) رواه أحمد وابن ماجه ، صحيح الجامع 6802 .

الثاني : أن تستشعر قبح الذنب وضرره .

وهذا يعني أن التوبة الصحيحة لا يمكن معها الشعور باللذة والسرور حين يتذكر الذنوب الماضية ، أو أن يتمنى العودة لذلك في المستقبل .

وقد ساق ابن القيم رحمه الله في كتابه الداء والدواء والفوائد أضراراً كثيرة للذنوب منها :

حرمان العلم - والوحشة في القلب - وتعسير الأمور - ووهن البدن - وحرمان الطاعة - ومحق البركة - وقلة التوفيق - وضيق الصدر - وتولد السيئات - واعتياد الذنوب - وهوان المذنب على الله - وهوانه على الناس - ولعنة البهائم له - ولباس الذل - والطبع على القلب والدخول تحت اللعنة - ومنع إجابة الدعاء - والفساد في البر والبحر- وانعدام الغيرة - وذهاب الحياء - وزوال النعم - ونزول النقم - والرعب في قلب العاصي - والوقوع في أسر الشيطان - وسوء الخاتمة - وعذاب الآخرة .

وهذه المعرفة لأضرار الذنوب تجعلك تبتعد عن الذنوب بالكلية ، فإن بعض الناس قد يعدل عن معصية إلى معصية أخرى لأسباب منها :

أن يعتقد أن وزنها أخف .

لأن النفس تميل إليها أكثر ، والشهوة فيها أقوى .

لأن ظروف هذه المعصية متيسرة أكثر من غيرها ، بخلاف المعصية التي تحتاج إلى إعداد وتجهيز ، وأسبابها حاضرة متوافرة .

لأن قرناءه وخلطاؤه مقيمون على هذه المعصية ويصعب عليه أن يفارقهم .

لأن الشخص قد تجعل له المعصية المعينة جاهاً ومكانة بين أصحابه فيعز عليه أن يفقد هذه المكانة فيستمر في المعصية .

الثالث : أن تبادر إلى التوبة ، ولذلك فإن تأخير التوبة هو في حد ذاته ذنب يحتاج إلى توبة .

الرابع : استدرك ما فاتك من حق الله إن كان ممكناً ، كإخراج الزكاة التي منعتها في الماضي ولما فيها من حق الفقير كذلك .

الخامس : أن تفارق موضع المعصية إذا كان وجودك فيها قد يوقعك في المعصية مرة أخرى .

السادس : أن تفارق من أعانك على المعصية .

والله يقول : ( الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين ) الزخرف /67 . وقرناء السوء سيلعن بعضهم بعضاً يوم القيامة ، ولذلك عليك أيها التائب بمفارقتهم ونبذهم ومقاطعتهم والتحذير منهم إن عجزت عن دعوتهم ولا يستجرينك الشيطان فيزين لك العودة إليهم من باب دعوتهم وأنت تعلم أنك ضعيف لا تقاوم .

وهناك حالات كثيرة رجع فيها أشخاص إلى المعصية بإعادة العلاقات مع قرناء الماضي .

السابع : إتلاف المحرمات الموجودة عندك مثل المسكرات وآلات اللهو كالعود والمزمار ، أو الصور والأفلام المحرمة والقصص الماجنة والتماثيل ، وهكذا فينبغي تكسيرها وإتلافها أو إحراقها .

ومسألة خلع التائب على عتبة الاستقامة جميع ملابس الجاهلية لابد من حصولها ، وكم من قصة كان فيها إبقاء هذه المحرمات عند التائبين سبباً في نكوصهم ورجوعهم عن التوبة وضلالهم بعد الهدى، نسأل الله الثبات .

الثامن : أن تختار من الرفقاء الصالحين من يعينك على نفسك ويكون بديلاً عن رفقاء السوء وأن تحرص على حلق الذكر ومجالس العلم وتملأ وقتك بما يفيد حتى لا يجد الشيطان لديك فراغاً ليذكرك بالماضي .

التاسع : أن تعمد إلى البدن الذي ربيت بالسحت فتصرف طاقته في طاعة الله وتتحرى الحلال حتى ينبت لك لحم طيب .

العاشر : الاستكثار من الحسنات فإن الحسنات يذهبن السيئات

وإذا صدقت مع الله في التوبة فأبشر بانقلاب جميع سيئاتك السابقة إلى حسنات ، قال تعالى : ( والذي لا يدعون مع الله إلهاً آخر ولايقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاماً ، يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهاناً ، إلا من تاب وآمن وعمل عملاً صالحاً فأولئك يبدل الله سياتهم حسنات وكان الله غفوراً رحيماً )

أسأل الله أن ينفعك بهذه الكلمات ، وأن يهدي قلبك فقم الآن وتلفظ بالشهادتين وتطهر وصل كما أمرك الله ، وحافظ على الواجبات واترك المحرمات وسأكون سعيداً بمساعدتك حالما تحتاج إلى أي أمر آخر .

واسأل الله أن يوفقنا وإياك لما يحب ويرضى وأن يتوب علينا أجمعين أنه هو التواب الرحيم .



الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد (www.islam-qa.com)
اضافة رد مع اقتباس
  #10  
قديم 09/12/2002, 07:36 PM
مشرف سابق بمنتدى الثقافة الإسلامية
تاريخ التسجيل: 15/12/2000
المكان: القصيم
مشاركات: 2,953
السؤال:


السؤال :
جدي وجدتي مسلمان ، والدي ووالدتي يعتبران أنفسهم مسلمين ولكنهم يصلون ويصومون من وقت لوقت ولا يتبعون جميع تعاليم الإسلام ، وبالنسبة لي فقد بدأت تعلم الصلاة وتعاليم الإسلام مع جدتي وهذا أول رمضان أصومه.
فعلت الكثير من الذنوب في الماضي فهل يغفر الله لي ما فعلت ؟

الجواب:

الجواب:
الحمد لله
من تاب تاب الله عليه ومن تقرّب إلى الله تقرّب الله إليه ، وما دمت أيتها الأخت المسلمة قد اهتديت وعدت إلى الدّين وأقبلت على الله فأبشري بالتوبة والمسامحة من الله ، قال الله عزّ وجلّ : ( وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى(82) سورة طه


الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد (www.islam-qa.com)
اضافة رد مع اقتباس
  #11  
قديم 09/12/2002, 07:36 PM
مشرف سابق بمنتدى الثقافة الإسلامية
تاريخ التسجيل: 15/12/2000
المكان: القصيم
مشاركات: 2,953
السؤال :
ماذا يفعل من رأى في نفسه الشر وأن الشر يغلب الخير ؟

الجواب:

الجواب :
الحمد لله
الإنسان كائن ضعيف ، يتعرض لنوازع الخير والشر ، وقد يضعف وينساق إلى طريق الرذيلة والانحراف ، ويدفعه الشر إلى طريق الظلم والتعدي ، ويزين له الشيطان فعل المنكرات ، ويبرر له كل تصرف منحرف .

لكن عنصر الخير يحرك فيه ضميره ، ويُشعره بالندم ، ويحثه على الرجوع إلى الحق ، والاستجابة لنداء العقل .

وتختلف قدرات الناس ، وقوة إرادتهم ، وصفاء نفوسهم ، وشفافية أرواحهم ، فمنهم من يروض نفسه على السير على طريق الفضائل والمكرمات ، ويربيها على المبادئ والأخلاق ، ويقاوم الشهوات ، والميول المنحرفة ، ويلزم نفسه بالاستقامة والإنصاف ، فهذا يستطيع أن يواجه الشر ، ويحتمل في سبيل ذلك كل أمر عسير ، ولا يفقد الأمل بتغلب الخير ، واندحار الشر ، وزواله .

ومنهم من ينساق وراء الشهوات ، ويعجز عن إلزام نفسه بالفضائل ، ويتخلى عن كثير من أوامر الله ورسوله ، ويضعف أمام المواجهة ، ويفقد الأمل في تغلب الخير .

فالسرّ في المسألة كلها أن يُجاهد العبد هواه ونفسه الأمّارة بالسوء لينال الهداية من الله قال الله تعالى : ( والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سُبُلنا ) .

وفيما يلي عبارات جميلة في المجاهدة لابن القيم رحمه الله

" يا أقدام الصبر احملي بقي القليل تذكّر حلاوة ( العبادة ) يَهُن عليك مُرّ المجاهدة " الفوائد

" اخرج إلى مزرعة المجاهدة واجتهد في البذر واسق شجرة الندم بساقية الدمع فإذا عاد العود أخضر فَعُد لما كان . " بدائع الفوائد 3/742

" وقيل : المحبة صدق المجاهدة في أوامر الله وتجريد المتابعة لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم " طريق الهجرتين 1/460

" من ترك المجاهدة بالكلية ضعف فيه باعث الدين وقويَ فيه باعث الشهوة ومتى عود نفسه مخالفة الهوى غلبه متى أراد " عدة الصابرين ص/46

والمؤمن المجاهد يعلم أن الخير باقٍ ، وأن الغلبة له ، مهما اشتدت الظلمة ، وعظمت المصيبة وتحكم الشر واستبد ، وتجاوز كل حد ، والله المستعان .



الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد (www.islam-qa.com)
اضافة رد مع اقتباس
  #12  
قديم 10/12/2002, 02:35 AM
زعيــم فعــال
تاريخ التسجيل: 11/05/2002
المكان: الخبر
مشاركات: 203
جزاك الله الف خير اخوي زياد على المجهود الرائع الذي تقوم به في هذا المنتدى0
اضافة رد مع اقتباس
  #13  
قديم 11/12/2002, 04:09 AM
زعيــم نشيــط
تاريخ التسجيل: 26/09/2000
مشاركات: 624
الله يجزاك خير وينفعنا بك


وقل ساعدي يا نفس بالصبر ساعةً ****** فعند اللقـا ذا الكـدِّ يصبـح زائـلا
اضافة رد مع اقتباس
  #14  
قديم 13/12/2002, 01:28 PM
مشرف سابق بمنتدى الثقافة الإسلامية
تاريخ التسجيل: 15/12/2000
المكان: القصيم
مشاركات: 2,953
فوائد الذكر
للأذكار فوائد عظيمة منها:
يطرد الشيطان، ويزيل الهم والغم، ويجلب الرزق، ويورث ذكر الله للذاكر، ويزيل الوحشة بين العبد وربه، ويحط السيئات، وينفع صاحبه عند الشدائد.
وهو سبب لنزول السكينة وغشيان الرحمة وحفوف الملائكة، وفيه شغل عن الغيبة والنميمة والفحش من القول، ويؤمن من الحسرة يوم القيامة، وهو مع البكاء في الخلوة سبب لإظلال الله للعبد يوم القيامة تحت ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله.
والذكر أمان من النفاق، وهو أيسر العبادات وأقلها مشقة ومع ذلك فهو يعدل عتق الرقاب، ويرتب عليه من الجزاء ما لا يرتب على غيره، ويجمع على القلب ما تفرق من إراداته وعزومه، ويفرق عليه ما اجتمع من الهموم والغموم والأحزان والحسرات، وما اجتمع على حربه من جند الشيطان.
والذكر يقرب من الآخرة ويباعد من الدنيا، وهو رأس الشكر فما شكر الله من لم يذكره، وأكرم خلق الله من لا يزال لسانه رطبا من ذكر الله.
والذكر يذيب قسوة القلب، ويوجب صلاة الله وملائكته، والله عز وجل يباهي بالذاكرين ملائكته.
وللذكر تأثير عجيب في حصول الأمن؛ فليس للخائف الذي اشتد خوفه أنفع من الذكر.

بعض الأذكار:
من أفضل الأذكار قراءة القرآن الكريم بتدبر وخشوع..
سيد الاستغفار:
{{ اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت خلقتني وأنا عبدك وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت أعوذ بك من شر ما صنعت أبوء لك بنعمتك علي وأبوء بذنبي فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت.}}

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
اضافة رد مع اقتباس
  #15  
قديم 13/12/2002, 01:36 PM
مشرف سابق بمنتدى الثقافة الإسلامية
تاريخ التسجيل: 15/12/2000
المكان: القصيم
مشاركات: 2,953
كوكا كولا تدفع ثمن التدخل الأمريكي
ناظم: الحملة ستؤثر على كوكا كولا لكن لن تدفعها لإعلان إفلاسها
قالت رابطة للمستهلكين في ماليزيا إن آلاف المسلمين في البلاد بدأوا في مقاطعة مشروب كوكا كولا احتجاجا على التدخل الأمريكي في الشؤون الإسلامية.
ونقلت وكالة الأنباء الفرنسية عن ناظم جوهان السكرتير التنفيذي لرابطة المستهلكين المسلمين في ماليزيا قولها: "المقاطعة رد على التدخل الغربي في الشؤون الداخلية للدول الإسلامية تحت غطاء محاربة الإرهاب."
وقال ناظم: "إنها حملة لوقف التدخل والاستغلال. كما أنها حرب ضد التمييز العنصري، ليس ضد المسلمين فقط بل ضد الجميع."
وبدأت الحملة الأربعاء عندما قام أعضاء من الرابطة بإفراغ عشرات من زجاجات كوكا كولا.
وقال ناظم إن الحملة ستستمر ثلاثة أشهر، تقوم بعدها الرابطة بتقييم تأثيرها، وقد تبدأ حملات مماثلة تجاه شركات أخرى مثل ماكدونالدز.
عيد الفطر
ومن بين المشاركين في الحملة سبعة آلاف شخص من أعضاء أصحاب المطاعم الإسلامية في ماليزيا بالإضافة لعدد من العاملين في مجالات التغذية.
كما يشارك في الحملة النقابة العامة لموظفي الاتصالات ورابطة السيارات في ماليزيا وفقا لما ذكرته صحيفة مالاي ميل.
وقال ناظم: "نريد أن يشارك جميع الماليزيين في الحملة وأن يقولوا (لا) للكوكا كولا."
وأضاف أنه يتوقع أن يكون للحملة تأثير كبير على الشركة في فترة عيد الفطر.
وأضاف أن الحملة ستضر بمصالح كوكا كولا لكنه اعترف أيضا إنها "لن تؤدي إلى إفلاس الشركة أو تنهي أعمالها في ماليزيا."

http://news.bbc.co.uk/hi/arabic/news...00/2544589.stm

تجمع مئات من كوريا الجنوبية في العاصمة سول للاحتجاج على وجود قوات أمريكية في البلاد.
وطالب المحتجون، ومعظمهم من الطلاب، الرئيس الأمريكي جورج بوش بتقديم اعتذار على قتل اثنتين من طالبات المدارس الكورية الجنوبية في حادث دهس تعرضتا له بسبب دبابة أمريكية كان يقودها جنود أمريكيون.
وأدى ازدياد التوتر إلى إلغاء زيارة كان من المقرر أن يقوم بها وفد من الكونغرس الأمريكي لكوريا الجنوبية للاجتماع بالرئيس كيم داي يونغ وجماعة من المنشقين من كوريا الشمالية.
وقال رئيس لجنة مجلس النواب للعلاقات الخارجية هنري هايد انه لا يريد أن يكون الوفد الأمريكي موضع تركيز الجماعات المعادية للولايات المتحدة.
وكانت محكمة في كوريا الجنوبية قد أعفت جنديين أمريكيين من المسؤولية عن مقتل الطالبتين الكوريتين الجنوبيتين.
ووسط مشاعر معادية للولايات المتحدة في كوريا الجنوبية، اغلق عدد من المطاعم والحانات أبوابها في وجه الجنود الأمريكيين.
ويطالب المتظاهرون أن يحاكم الجنديان الأمريكيان وفق القانون الكوري الجنوبي.
وتجمع المتظاهرون في وسط المدينة مطالبين الرئيس الأمريكي بتقديم اعتذار عن الحادث.
http://news.bbc.co.uk/media/images/3...tiusafp150.jpg

لافتة امام مطعم تقول: نحن لا نرحب بالامريكيين هنا
وطالبوا أيضا بتعديل الاتفاق مع الولايات المتحدة الذي يسمح بوجود 37 ألفا من القوات الأمريكية.
ولكن وزير الدفاع الأمريكي دونالد رمسفيلد الذي اجتمع بنظيره الكوري الجنوبي في العاصمة الأمريكية يوم الخميس قال انه لا يرى ضرورة لتعديل الاتفاق بين البلدين بشأن عدد القوات الأمريكية في كوريا الجنوبية.
وينص الاتفاق بين البلدين على أن من حق الولايات المتحدة أن تحاكم جنودها بالرغم من أن من الممكن ان تقدم جنودها للمحاكمة وفق القانون الكوري الجنوبي حسب كل حالة على حدة.
وانضم إلى المحتجين القساوسة والرهبان والعاملون في مجال الإعلام.
وقال المغني الكوري الجنوبي هيون وو الذي شارك في المظاهرة: "كنا نعتبر الجنود الأمريكيين أصدقاء وجيران وحلفاء، ولكن بعد الحادث اعتقد أن موقفنا تغير 180 درجة."
http://news.bbc.co.uk/hi/arabic/news...00/2554011.stm
اضافة رد مع اقتباس
   


إضافة رد


قوانين المشاركة
غير مصرّح لك بنشر موضوع جديد
غير مصرّح لك بنشر ردود
غير مصرّح لك برفع مرفقات
غير مصرّح لك بتعديل مشاركاتك

وسوم vB : مسموح
[IMG] كود الـ مسموح
كود الـ HTML غير مسموح
Trackbacks are مسموح
Pingbacks are مسموح
Refbacks are مسموح



الوقت المعتمد في المنتدى بتوقيت جرينتش +3.
الوقت الان » 11:43 PM.

جميع الآراء و المشاركات المنشورة تمثل وجهة نظر كاتبها فقط , و لا تمثل بأي حال من الأحوال وجهة نظر النادي و مسؤوليه ولا إدارة الموقع و مسؤوليه.


Powered by: vBulletin Version 3.8.7
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd

Google Plus   Facebook  twitter  youtube