المنتديات الموقع العربي الموقع الانجليزي الهلال تيوب بلوتوث صوتيات الهلال اهداف الهلال صور الهلال
العودة   نادي الهلال السعودي - شبكة الزعيم - الموقع الرسمي > المنتديات العامة > منتدى المجلس العام > صيـد الإنترنــت
   

صيـد الإنترنــت منتدى للمواضيع والمقالات المميزة والمفيدة المنقولة من المواقع الأخرى .

إضافة رد
   
 
LinkBack أدوات الموضوع طريقة عرض الموضوع
  #1  
قديم 13/03/2005, 07:41 PM
الصورة الرمزية الخاصة بـ مرسول الهلال
زعيــم متألــق
تاريخ التسجيل: 06/11/2004
المكان: بين الشقا وبين الغرام
مشاركات: 1,071
حبٌ ٌلا يموت

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أعلم أن هذه القصة طويلة و لكنني لم استطع ان امنع نفسي من ارسالها لجمالها و حلاوتها ... ليس لانها تتكلم عن الشهادة و انما لما فيها من مواصفات هذا الشهيد و نحسبه كذلك ان شاءالله فلقد صدقت أختي في الله عندما قالت كأنه عمرو بن خطاب
في أمان الله و حفظه
أمة الرحمن




حبٌ لا يموت..!

قال الراوي.. ودمع الذكريات يتلألأ في ناظريه :

** سأحدثكم عن صاحبي الذي رحل.. وبقيت ذكراه كما يبقى الندى على كفوف الورد بعد فجرٍ ضحوك..!

عرفتُه.. فعرفت أن للحق رجالاً لا يهابون إلا الله.. وأن أمتنا كالغيث.. لا يُدرى خيره في أوله أم في آخره.. وأن للبطولة شبابًا.. هم كأزاهير الأمل بين حقول اليأس..!

وأيقنت أن الجهاد مدرسةٌ.. معلموها أبطال أشاوس.. وكراريسها ميدان وقتال.. وأقلامها سلاح ورصاص..!

* * * * *

في تلك القرية التي تنام على سفح جبل أشم.. كانت أول مرةٍ التقينا فيها.. وفي تلك الليلة التي نقشت ذكرياتها في القلب كانت بداية حكايتي مع صاحبي..

كان المجاهدون ينتظرون الإشارة بالتحرك في المسيرة التي ستستمر ساعاتٍ طويلة.. والوقت يزحف ببطء كما تزحف كل لحظات الارتقاب.. والكل لا يريد أن ينام.. علّ الفجر أن يُعجل بقدومه لتبدأ المسيرة نحو المكان الذي يُنسى كل شئ ولا يُنسى طيفه وذكراه..!

** " أأنت عربي..؟! " .. قالها ( س . أ ) وتلك الابتسامة الساحرة ترتسم على شفتيه..

** " نعم.. ومن بلاد الحرمين..؟!"

** " الله أكبر.. إذن أنت تعرف الشيخ سعد الغامدي..؟!" ..

** " سبحان الله.. وهل تعرف الشيخ ؟! ".. قلتها مستعجبًا أن يصل ذكر قرائنا إلى تلك الجبال التي لا يكاد يُسمع فيها إلا دوي القنابل وأزيز ( السوخوي ) وعزف الرصاص..!

فأخرج من جيبه شريط كاسيت.. وقال لي مبتسمًا :

** " هذا هو الشيخ سعد.. عفوًا : أقصد صوت الشيخ سعد الغامدي "..

ثم نهض من عندي.. وذهب ليسامر أحد الإخوة..!

كان كالنحلة.. يطير من مكانٍ إلى مكان.. يُمازح هذا.. ويُداعب ذاك.. ويتعرف إلى ثالث.. حتى غفت العيون وهجعت الأجساد.. ونام كل الإخوة..

ظللت في مهجعي أستجدي النوم أن يأتي.. فلا يستجيب.. حاولت الخروج من البيت الصغير الذي كنا فيه.. فتذكرت أمر الأمير بعدم الخروج إطلاقًا إلا لأمرٍ مهمٍ.. وباحتياطات مشددة.. لأن المنطقة غير آمنة.. والوشاة كثيرون..

التفتُ إلى فِراش ( س . أ ) فلم ألمحه هناك.. أين ذهب يا تُرى..؟! .. لا أظنه سيعصي الأمير وهو ساعده الأيمن..!

** " ... اللهم إني أسألك الشهادة.. اللهم احشرني من حواصل الطير وأفئدة السباع.. اللهم ...."!! .. تناهت إلى سمعي هذه الكلمات الهامسة المتضرعة الصادقة.. فالتفتُ صوبها.. لأرى طيفَ أحد الإخوة واقفًا يُصلي والناس نيام..!

دفعني الفضول إلى الذهاب إليه بعد انقضائه من الصلاة.. سألته.. ( كتو تام ) .. أي : من هناك..؟!

فأجابني صوتٌ تكرر على سمعي تلك الليلة كثيرا :

** " .. أهو أنت؟! .. أصلحك الله..!! " ..

لقد كان صوته هو.. صوت أخي ( س . أ ) ..!

ثم قال لي معاتبًا :

" .. نم .. نم يا ( ...... ) فإن أمامك مسيرة طويلة.. وتعبًا ناصبًا.. واترك عنك الفضول.. أما أنا؛ فسأنام الآن.. لأني قضيت وقتًا طويلاً في الخلاء بعد وجبة العشاء التي طبخها ( ....... ) !! "

علمتُ حينها أن ( س . أ ) نسيج وحده.. لا يطرب لثناء.. ولا ينتشي لمديح.. ولا يفرح أن يُحمد بما يفعل.. فضلا عما لم يفعل..!

** " حسنًا .. سأذهب ولكن لا تزعجني بذهابك إلى الخلاء مرة أخرى ..!! "..

وعدتُ إلى الفراش.. وغلبت عيني سنةٌ من النوم..

* * * * *

" ...بوم .. بوم .. بوم .. بوم .. " !!

.يا إلهي .. ما هذا..؟! .. هببت من فراشي مذعورًا.. كان دوي القنابل يصم الآذان.. والنوافذ تهتز من قوة الصوت.. وما بقي أحدٌ من الإخوة إلا استيقظ..

** " ... لا تخافوا.. إنها تبعد عنا كيلومترات كثيرة !! " .. قالها ( س . أ ) بكل هدوء وثبات..

وغشا المكان غلالةٌ من الصمت.. لا يقطعه غير دوي قصفٍ يتكرر بين لحظاتٍ وأخرى.. والإخوة قد اجتمعوا حول النافذة يقلبون وجوههم في السماء ليروا الطائرات التي تقصف.. فلا يرون سوى سوادٍ وعتمةٍ تغطي الكون..!

همستُ في أذنه :

** " .. على أي مكانٍ بالضبط تنزل تلك القذائف.. ؟! " ..

فابتسم وقال :

** " .. على أي مكان..؟! .. على الكتيبة التي سنسير إليها غدًا إن شاء الله ..! "

** " .......... "

** " لقد نفذت الكتيبةُ عملية فجر اليوم.. وكالعادة؛ جُن جنون الروس.. وبدأو في القصف العشوائي.. لكن لا عليك.. كلها قذيفةٌ أو قذيفتان.. وجريحٌ أو جريحان.. وشهيدٌ أو شهيدان..!"

** " كان الله في عونهم..؟! " ..

فغمزني باسمًا .. وقال :

** " .. بل قل كان الله في عوننا.. لأننا سنكون معهم غدًا إن شاء الله .. "

* * * * *

وتنفس الصبحُ عن يومٍ لا يُنسى..

وبدأت المسيرة..

وبدأت معها صفحةٌ خالدة من رواية الأمل الباسم

هي ليست مجرد ذكريات.. بل هي نسماتُ الأمل التي تستروح النفس في أفيائها حين الهجير..

وهي بعض ما يعيش عليه الخاطرُ المكدود لئلا يقضي عليه الأسى..!

وهي..

هي أمشاجٌ من القلبِ.. وكفى..!

* * * * *

وسكت الراوي.. بعد وعدٍ منه أن يُكمل الحديث عن صاحبه وعن تلك الأيام..

وعن الحب الذي لا يموت ..!

[ والعهدة على الرواي.. ]

* * * * *

قال الراوي :

. .. وانطلقنا من القرية إلى المسيرة..

وكان حظي أن أكون مع المجموعة التي فيها ( س . أ ).. وكانت السيارة التي تقلنا تنهب الأرض نحو سفح الجيل الذي سنرتقي قمتَه نحو الكتيبة..

جلس هو في مقعد الراكب الأمامي.. وأنا خلف السائق.. فالتفتَ إلي وقال :

** " ... اسمع.. إن بدأ إطلاق النار فاتبعني..؟! "

** " .. إطلاق نار.. أي إطلاق وأي نار يا أخي.. نحن لم نصل إلى الكتيبة بعد..؟! "

فابتسم.. وقال :

** .. الجواب ما ترى لا ما تسمع ..! "

وفعلاً.. رأيت الجواب بأم عيني..! كان الطريق قبل وصولِنا إلى سفج الجبل محفوفًا بدبابات العدو وآلياته.. وآلياتهم تتناثر يمنة ويسرة.. وأولئك الأوغاد يشربون أقداح ( الفودكا ) وهم يعتلونها.. فكان لزامًا علينا أن نتأهب للمواجهة في أي لحظة.. وإن كنتُ أكاد أوقن أن الله قد جعل حينها من بين أيديهم سدًا ومن خلفهم سدًا.. فأغشاهم فهم لا يُبصرون..!

* * * * *

ووصلنا إلى السفح..

وكانت مجموعتنا في المقدمة.. الدليل.. ثم أحد الإخوة .. ثم أنا.. ثم صاحبي ( س . أ ).. ثم بقية الإخوة.. وبين كل واحدٍ وأخيه عشرة أمتار تقريبًا..

التعليمات كانت واضحة صارمة : ألا نُصدر أي صوتٍ مهما كان.. إلا حين نتوقف للراحة ونقترب من بعضنا البعض.. فكان صاحبي يشاكسني بين حين وآخر.. فيرمي علي حجرًا أو غصن شجرة.. وهو يُلوح بعلامة النصر.. ويتبسم..!

لم نكد نقطع بعض الطريق حتى تناهي إلينا صوتُ خطواتٍ سريعةٍ حولنا.. فتوقفنا.. وأشار إلينا صاحبي أن نجلس على الأرض.. وذهب هو ليستقصي الأمر..

كنتُ قلقًا عليه.. فأشرت إليه لأذهب معه.. فأبى.. ومضى وحده صوب الصوت.. وهو ممتشقٌ سلاحه الذي لا يُفارقه..

مرت دقيقتان أو ثلاث كأنها دهرٌ ترقبًا وتوجسًا.. ثم أقبل صاحبي وثغره يفتر عن ابتسامة وضيئة.. ويداه تشيران : ألا تقلقوا.. إنما هي خنازيرُ وحشية.. وكانت تملأ الجبال هُناك..!

وعُدنا إلى المسير.. وفلول الليل تلوح لنا من بعيد.. ونحن نسابق خيط الشمس قبل أن يتوارى خلف تلك القمم المكللة بالثلوج..

* * * * *

أعترف بأني كنتُ متعبًا وخائفًا.. فتلك أول مرةٍ أقطع فيها مثل تلك الجبال وفي مثل تلك الظروف.. لكنك حين تلمحُ عزم الإخوة وثباتهم فإنك تعود إلى نفسك وتتصاغرها أمام العزائم التي لا تنحني ولا تخور..!

حتى وصلنا إلى الكتيبة.. فتعالى التكبيرُ من الإخوة المرابطين على حراسة الكتيبة.. فرد عليهم الإخوة في المسيرة بالتسبيح.. ولاحت لنا خيام الإخوة ونيرانهم على ضفاف الجدول أسفل التبة العالية.. وحينها بحثت عن عيني صاحبي ( س . أ ) لأرى فيها ما كنتُ أتوقع منها في مثل هذه المواقف.. فما خاب ظني.. فقد رأيتُ دموعه تترقرق وهو يُعانق الإخوة في الكتيبة.. ويغالب العبرة التي تهز صدره هزًا..!

ألقينا عن كواهلنا الحقائب التي كانت مملوءة بأمتعتنا وببعض الرشاشات والذخائر وبشئٍ من الطعام والمعلبات التي تحتاجها الكتيبة.. والتعبُ قد بلغ من مبلغه..

ثم جمعنا الأميرُ.. ووزع الإخوة إلى سرايا.. فكان صاحبي في سرية وأنا في أخرى..!

* * * * *

صلينا المغرب والعشاء جمع تقديم.. وأثناء الصلاة كان حس نشيج خاشعٍ يتعالى وصاحبه يحاول كتمانه قدر جهده.. ووالله إن حسَّه كان يُسمع من وراء الصفوف..!

لم أكن بحاجةٍ لأن أُكثر التفكير في معرفة صاحب البكاء.. فقد التفتُ صوب الصوت بعد انقضاء الصلاة فرأيت ما كنت أتوقع.. رأيت صاحبي ( س . أ ).. يا إلهي.. أي خشية تملك تملأ قلبه - أحسبه كذلك - .. وأي رقةٍ يحملها فؤاده الذي ينقلب صلدًا قويًا حين يُلاقي أعداء الله.. بل أي روحٍ تلك التي تمر عليها - فيما يظهر - كل فصول النفسيات في يوم واحد : رقةٌ .. فقوةٌ .. فرحمةٌ.. فشدة..؟!

* * * * *

قام الأمير بعد الصلاة ليُخبرنا بأن توزيع الحراسة الليلية من اختصاص مسؤولي السرايا.. ثم تفرق جمع الإخوة كلٌ يمضي إلى مخدعه..

وما كدتُ أضع رأسي على فراشي.. حتى جاءني مسؤول سريتنا ليخبرني أن دوري في الحراسة يكون بعد ساعتين..!

ولا تسل حينها عن شعور متعبٍ مكدودٍ في ظلامٍ دامس وبردٍ شديد.. وهو يتمنى لو دفع كل ما يملك مقابل ألا يتولى الحراسة في تلك الليلة بالذات..!

أما صاحبي فكان يمر على بعض الشباب.. يُذكر بقيام الليل.. ويُوصي بقراءة الورد.. ويُمازح ويُشاكس.. حتى جاء إلي.. فقال بعد فاصلٍ من المزاح والتلطيف :

** " ... متى دورك في الحراسة ..؟! "

** " .. بعد ساعتين ..!! " ..

** " أعانك الله .." ..

* * * * *

قال الراوي :

" ... وحل الظلامُ سريعًا.. وأحاط الكونَ برداءٍ من الهيبة والسكون.. واستسلمتُ لنومٍ عميق.. حتى أتى من يوقظني للحراسة الليلية..

يااااااالله.. ما أعجب الإنسان..!

كم هو سهلٌ على النفس أن تبني قصورا من الخيال والأحلام.. وتُمضي وقتًا في الأماني والتطلعات.. وتحلق في آفاق الآمال الوردية..!

وما أيسر أن يتخيل الإنسان نفسَه حيثُ يحب.. ثم يمضي في تخيلاته وهو يدعو الله أن يُعجل باليوم الذي يكون فيه الخيال حقيقةً مُعاشة..!

فإذا ما تحقق الخيالُ ونيلت الأماني ودنا المأمول.. تكشف الأمرُ عن حقيقةٍ راسخة : أن الواقع مختلف عن المثال.. وأن أعباء الطموح شاقةٌ..

كانت هذه الخواطر تمر علي وأنا أخطو بتثاقل نحو مكان الحراسة الليلية.. وفي ذهني تلك الآمال التي كنتٌ أرسمها لعالم الجهاد والرباط، وأدعو الله أن يذيقني لذتها.. فمالنفسي تهاب وتخاف وهي تعيش أولى ليالي الأماني..؟!

لكنه الجهاد والرباط..!

ليس نشيدًا نترنم به ونحن مستلقون على فرشنا.. ولا شريطًا مرئيًا نقلب النظر فيه ونحن متكئون على الأرائك.. ولا أمنيةً يحلو للنفس العيش في أجوائها وهي متنعمة بين الأهل والأحباب..!

بل الأمر عزيزٌ.. وشديد..!

بردٌ وظلام.. وخوفٌ وجوع.. ومشقة ونصب.. فمن كان يظن أنه سيجاهد بلا ضريبة من تلك الضرائب فليقعد في بيت أهله.. وليملأ وسادته تحت رأسه..!

هذا هو الجهاد.. وذاك هو الرباط.. كالشهد لا يناله طالبُه من منبعه إلا بوخزاتٍ من الإبر المؤلمة..!

أما الشهادة.. فهي الاصطفاء الرباني.. وهي المنحةُ التي لا ينالها إلا الموفقون الصادقون..!

* * * * *

لا أدري كم مضى من الوقت وأنا في الحراسة الليلية متكئ على سلاحي.. وأنا لا أكاد أرى شيئًا.. ولا أسمع إلا حفيف الأوراق التي تعبث بها الريحُ الباردة.. حتى خُيل إلي أن هناك من يخطو قريبًا مني..

اللهم اجعله طارق خير..!

فككت تأمين الرشاش – كما هي التعليمات – ووجهته صوب القادم.. وهو يقترب مني رويدًا رويدًا.. حتى إذا ما ألقيت عليه كلمة السر وأنا متأهب لإطلاق الرصاص جاءني صوت صاحبي هادئًا واثقًا.. ينطق كلمة السر بهدوء واطمئنان..!

قلتُ له هامسًا :

** " .. عفا الله عنك.. كدتُ أن أفرغ في جسدك هذا المشط كله ...!! "

فحاول كبت ضحكته وهو يقول :

** " .. مرة واحدة..؟! .. أنت شجاع جدًا ..! "

** " .. بل خائف والله.. ما كنتُ أحسبُ أن الحراسة الليلية هكذا مهابة..! "

** " .. لا عليك.. ستعتادُ صدقني.. كلنا كنا هكذا.. ثم أصبحت الحراسة أهون علينا من تنظيف (البيكا )..!.. المهم أن تكون منتبهًا ومتيقظًا.. لئلا يؤتى المجاهدون من قبلك.. وإياك والنوم أو النعاس.. ثم عليك بقراءة القرآن الكريم في سرِّك فإنه خير أنيس....! "

ومضى صاحبي ( س . أ ) في نصائحه وهمساته وحديثه.. حتى مضى من ساعة الحراسة نصفها.. ثم نهض من عندي وهو يقول لي :

** " .. عليك بالصبر واليقين.. أراك على خير ..! "

* * * * *

وفعلاً.. رأيته بعد أقل من ربع ساعة على خيرٍ – كما أحسب - ..!

إذ لم يكد يغادر من عندي إلى سريته.. حتى حلقت فوق المخيم مروحية عسكرية استكشافية.. ثم عادت بعد أربع دقائق وهي تنخفض إلى مستوى أقل من المرة الأولى..

هممت أن أوقظ الأمير ليأمر بما يُناسب.. فقد يكون إنزالاً.. وقد يكون ترصدًا.. لكن القصف سبقني.. وبدأ ( الحفل ) كما يحلو لصاحبي أن يسميه..!

كان قصفًا شديدًا جدًا.. فهبّ المجاهدون من فرشهم.. وصوت الأمير يجلجل في المكان : ( انتشااااااااار..! ).. وتجمع أكثر الإخوة في الخنادق.. وتسمرتُ في مكاني حائرًا..!

لم أكن أعرف المكان جيدًا بعد.. ولا أكاد أبصر شيئًا حولي.. والإخوة مشغولون بأنفسهم.. فاستلقيت على الأرض في مكاني.. ووجهي مدفونٌ بين ذراعي لئلا تصيبني الشظايا..!

حتى أحسست بكف تُمسك بكتفي وتهزني بعنف.. فرفعت رأسي على صوت صاحبي ( س . أ ) وهو يهتف :

** " .. أخي.. هيا بنا.. هيّا.. "

فأمسك بيدي وهو يجري نحو الخندق حتى وصلنا إليه.. فدفعني إلى داخله ثم لحق بي..

لا أدري حقيقة كم استمر القصف تلك الليلة .. لكني أدري أنه كان عنيفًا ومُرهبًا.. فذُهلت عن من حولي وأنا منكفئ على نفسي أدعو الله بما تبقى في ذاكرتي من أدعية وأوراد..!

أما صاحبي فقد كان مشغولاً بأمرٍ عجيب..!

كان ممسكًا بجهاز التسجيل الصغير.. وهو يُخرجه بيده من الخندق..!!

* * * * *

وبعد انتهاء ( الحفل ) وعودة الأمور إلى الهدوء والسكون.. تبعتُ صاحبي لأسأله عما كان يفعل.. فوجدته مشغولا بتفقد الإخوة والجرحى.. حتى انتهى فقلتُ له :

** " ... أخي.. هل لي أن أسألك عما كنتُ تفعل بجهاز التسجيل والقنابل تنزل علينا كالمطر..؟! "

قال وهو يُشير بيديه بغير المبالاة :

** " .. وهل يهمك الأمر ..؟! "

** " .. بالتأكيد.. ! "

** " .. كنتُ أسجل صوت القصف والقنابل.. حتى إذا ما جاء الشتاء أنستُ بتلك الأصوات والذكريات ..!! " ..

** " .......... "
للموضوع بقيه في الاسفل ,,,,,,,,,
اضافة رد مع اقتباس
  #2  
قديم 13/03/2005, 07:43 PM
الصورة الرمزية الخاصة بـ مرسول الهلال
زعيــم متألــق
تاريخ التسجيل: 06/11/2004
المكان: بين الشقا وبين الغرام
مشاركات: 1,071
كمله للموضوع ( حبٌ لا يموت..! )
ما كان صاحبي بحديث عهدٍ بجراح ولا بآلام..!

فذات شجاعة..

كان الأمير ينتقي من الكتيبة مجموعةً للترصد.. فاختار خمسةً منهم صاحبي ( س .أ ) .. فمضت المجموعة باكرًا تسابق خيوط الشمس.. وسرنا معهم نودعهم كما هي العادة في كل عملية.. بل في كل ليلة.. حين يسلم الإخوة بعضهم على بعض سلام مودع.. فقد تكون آخر العهد بالصحاب..!

وتوارت المجموعة خلف تلك التبة الصغيرة جهة الشمال.. وبعد قرابة الساعتين تناهي إلى سمعنا صوت زخاتٍ من الرصاص.. وكان منها صوت سلاح لا يملك الإخوة في مجموعة الترصد مثله..! وبدا القلقُ على وجه الأمير من انقطاع المخابرة بيننا وبينهم.. ودوي الرصاص يتعالى ويستمر.. حتى استحال إلى طلقاتٍ متقطعة.. ثم خفت الصوت تمامًا..! وبعد قرابة الدقيقتين اتصل قائد المجموعة يطلب إمدادًا من الكتيبة.. فذهب الأميرُ ومعه نخبةٌ من الكوادر المتمرسة.. وطال غيابهم..!

ثم أبصرناهم يمشون إلينا.. وعيوننا تسابق خطاهم لنطمئن عليهم.. فإذ بالخمسة يأتون كلهم عدا واحد.. لكنه ليس كأي " واحد " .. إنه صاحبي ( س . أ ) ..!

انطلقتُ إلى الأمير أستفسر منه عن الخبر.. فأخبرني أن المجموعة وقعت في كمين.. وأن أخانا صاحبي ( س . أ ) قد أُصيب بعيارات نارية، أصاب واحدٌ منها صدره من الجهة اليسرى، وخرج من ظهره..!

قلتُ بانفعال :

** " .. وهل استشهد..؟! "

فقال الأمير وهو يلتقط أنفاسه :

** " .... حتى الآن.. لا ..!

** " ..........

** .. وإن حدث ذلك فهي أمنيته فلا تأسَ عليه.. فهو على الأقل قد صرع اثنين من الروس..

المهم لدينا الآن أن نغير مكان المخيم في أسرع وقت لئلا يُباغتنا الروس..! " ..

وبقيتُ أصارع حزني بغيابه.. ونحن نيمم وجوهنا شطر المكان الجديد.. ومع مسيرة جديدة..!

* * * * *

وبعد أقل من أسبوع..

كان أخي وصاحبي ( س . أ ) يتصل بالمخابرة ليستئذن الأمير في الإياب.. فهو – كما يقول – قد تماثل للشفاء..!

الله أكبر..!

ما أقوى عزمك يا صاحبي وما أشد بأسك.. غيرك يعذر نفسه بأوهام، وأنت تَعدُّ جرحًا غائرًا أعلى قلبك من الجراح اليسيرة..!

وما أروع الدرس ( العملي ) الذي علمته لنا، وأنت تستجدي الأمير أن يأذن لك وأنت جريح، في الوقت الذي نستسلم فيه للإخلاد إلى الأرض والركون إلى الدنيا ونحن أصحاء أقوياء..!

وما أجمل الأمل الذي نستلهمه منك ومن أمثالك.. حين تدهمنا فلول اليأس الموهن..!

* * * * *

ومرت الأيام.. وفارقتُ صاحبي إجبارًا لا اختيارًا.. لكن أرواحنا لم تفترق.. أسأل عنه ويسأل عني.. وأدعو له ويدعو لي.. فليست الإخوةُ مجرد علاقة فحسب.. بل هي علاقة روحية راقية.. تسمو بنا إلى درجاتٍ من الصفاء والحب لا يبلغها إلا من ذاق طعم الأخوة.. واستظل بأفيائها..

وفي رمضان من هذا العام 1424 ، بلغني خبرُ استشهاد صاحبي - أحسبه شهيدًا والله حسيبه ولا أزكي على الله أحدًا - ..

كان صائمًا مرابطًا مجاهدًا.. حتى أتاه ما يتمنى.. في قرية صغيرة.. وبعد معركة ضارية مع قوات الأمون الروسية جندل فيها كافرًا وأصاب آخر.. حتى نالوا منه ما كان يهون عليه في ذات الله : روحه الطاهرة..!

فرحمة الله عليك أخي ( س . أ ).. فقد كنتَ زهرةَ من أزاهير الأمل.. تتعالى وسط حقول اليأس..!

وتقبلك الله في عداد الشهداء..

وألحقني - وألحق كل من يسمع بأمرك - بك وبالشهداء.. مقبلين غير مدبرين..!
اضافة رد مع اقتباس
  #3  
قديم 13/03/2005, 09:33 PM
زعيــم نشيــط
تاريخ التسجيل: 23/03/2004
المكان: أينما حل الهلال
مشاركات: 590
سبحان الله العلي القدير

جزيت اخي خيرا ...

وبارك الله فيك

احترامي

الوفـــــــــا
اضافة رد مع اقتباس
  #4  
قديم 14/03/2005, 02:55 PM
الصورة الرمزية الخاصة بـ مرسول الهلال
زعيــم متألــق
تاريخ التسجيل: 06/11/2004
المكان: بين الشقا وبين الغرام
مشاركات: 1,071
الوفا


سرني تعطيرك للموضوع

لا حرمك الاجر ان شاء الله
اضافة رد مع اقتباس
  #5  
قديم 15/03/2005, 07:21 PM
زعيــم نشيــط
تاريخ التسجيل: 09/02/2005
مشاركات: 574
مشكووووووووووووووووور
اضافة رد مع اقتباس
  #6  
قديم 17/03/2005, 09:50 PM
الصورة الرمزية الخاصة بـ مرسول الهلال
زعيــم متألــق
تاريخ التسجيل: 06/11/2004
المكان: بين الشقا وبين الغرام
مشاركات: 1,071
لا شكر على واجب اخوي الذئب
اضافة رد مع اقتباس
   


إضافة رد


قوانين المشاركة
غير مصرّح لك بنشر موضوع جديد
غير مصرّح لك بنشر ردود
غير مصرّح لك برفع مرفقات
غير مصرّح لك بتعديل مشاركاتك

وسوم vB : مسموح
[IMG] كود الـ مسموح
كود الـ HTML غير مسموح
Trackbacks are مسموح
Pingbacks are مسموح
Refbacks are مسموح



الوقت المعتمد في المنتدى بتوقيت جرينتش +3.
الوقت الان » 10:47 AM.

جميع الآراء و المشاركات المنشورة تمثل وجهة نظر كاتبها فقط , و لا تمثل بأي حال من الأحوال وجهة نظر النادي و مسؤوليه ولا إدارة الموقع و مسؤوليه.


Powered by: vBulletin Version 3.8.7
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd

Google Plus   Facebook  twitter  youtube