ثانيًا:
الابتلاء من عند الله سبحانه وتعالى :
وهذه حقيقة يقينية ينبغي أن نعتقدها، ونتذكرها، ونستحضرها في كل أمور حياتنا، فالله عز وجل هو المعطي والمانع، وهو المقدم والمؤخر، وهو الباسط والقابض، وهو الرافع والخافض .. ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن.
فحقيقة الابتلاء أنه من عند الله {وَمَا أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ اللهِ} [آل عمران: 166]. وعندما يتحدث القرآن عن الابتلاء الشديد لبني إسرائيل على يد فرعون فإنه يذكرنا بأن جوهر هذا الابتلاء أنه من عند الله عن طريق فرعون {وَإِذْ نَجَّيْنَاكُم مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلاءٌ مِّن رَّبِّكُمْ عَظِيمٌ} [البقرة: 49].
أرأيت بماذا ختمت الآية {وَفِي ذَلِكُمْ بَلاءٌ مِّن رَّبِّكُمْ عَظِيمٌ}
وليس من فرعون، وإن كان هذا لا يعفي فرعون من المسئولية، فهو بالفعل يريد التنكيل بالفئة المؤمنة، وطالما تربص بها، وكاد لها وخطط لزوالها، ولكن الذي مكنه من ذلك هو الله عز وجل.
فجوهر وحقيقة الابتلاء أنه من عند الله عز وجل،
وإذا شاء سبحانه ألا يقع لما وقع،ولو اجتمعت كلمة الجميع على ضرورة وقوعه ؟؟
{وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ} [الأنعام: 112]
فكم من خطط ومكائد كادها أعداء الدعوة لها وأفشلها الله :
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَن يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنكُمْ} [المائدة: 11].
وكم من المرات تهيأ فيها أعداء الدعوة للنيل منها، وكانوا قاب قوسين أو أدنى من تحقيق أهدفهم ولكن الله لم يأذن لهم بذلك وصرفهم عنها خائبين مدحورين
{وَرَدَّ اللهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا وَكَفَى اللهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللهُ قَوِيًّا عَزِيزًا} [الأحزاب: 25].
وانطلاقًا من هذه الحقيقة فإن الواجب يحتم علينا عند وقوع حدث الابتلاء أن نبحث -بقدر استطاعتنا- عن الأسباب التي جعلت الله عز وجل يصيب الدعوة به.
وليس من الضروري أن نتوقف كثيرًا أمام الطرف المقابل للدعوة فعداوته معروفة، وأمانيه معلومة، وخططه جاهزة، ولكنه لا يستطيع أن يفعل شيئًا منها بدون إرادة الله وإذنه ومشيئته
{وَمَا هُم بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللهِ} [البقرة: 102]
{وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللهُ وَاللهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} [الأنفال: 30].
ثالثًا:
على قدر المنزلة تكون المسئولية:
ينبغي على أهل الدعوة أن يتذكروا دومًا بأنه على قدر المنزلة تكون المسئولية، بمعنى أن الله عز وجل اختارهم على علم للقيام بأشرف مهمة ألا وهي مهمة إيقاظ الأمة وإقامة المشروع الإسلامي، فهم منتدبون ومكلفون من الله عز وجل لأدائها، فلا بد وأن يكونوا على مستوى تلك المسئولية من عمل متواصل، وجهاد دائم، وأي تهاون أو تكاسل أو تفريط لن يمر بسهولة، وستدفع الدعوة ثمنه باهظًا :
{وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لاَ يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ} [محمد: 38].
إن نعمة الاختيار للقيام بالدعوة لابد أن يقابله حُسن أدائها .. قال صلى الله عليه وسلم: «إن لله تعالى أقوامًا يختصهم بالنعم لمنافع العباد ويقرهم فيها ما بذلوها، فإذا منعوها نزعها منهم فحولها إلى غيرهم (صحيح الجامع الصغير.)
تأمل معي ما خاطب الله عز وجل به الصحابة رضوان الله عليهم عندما تباطأ بعضهم عن الخروج لغزوة تبوك بسبب الحر الشديد اللاهب، وبسبب قرب نضج ثمار التمر، الذي كان يعد بمثابة المحصول الأول لهم وقوام حياتهم، ورغم أنهم لم يطلبوا سوى تأجيل الخروج لبعض الوقت حتى ينكسر الحر، ويجمعوا التمر.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الآَخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الآَخِرَةِ إِلاَّ قَلِيلٌ * إِلاَّ تَنفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلاَ تَضُرُّوهُ شَيْئًا وَاللهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [التوبة: 38، 39].
مع العلم بأن هؤلاء الأفذاذ كانت لهم سابقة طويلة من الجهاد والتضحية والبذل بصورة لم يسبق لها مثيل، ولكن - كما أشرنا - على قدر المنزلة تكون المسئولية.
رابعًا:
سبب الابتلاء قد يكون من جانب أبناء الدعوة:
كان عدد الجيش في غزوة أحد سبعمائة فرد وكان على رأسهم الرسول صلى الله عليه وسلم، وكبار الصحابة، وبدأت المعركة وحقق الجيش المسلم انتصارًا باهرًا بعون من الله عز وجل، ثم حدث من الرماة ما حدث من مخالفة أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بعدم مغادرة أماكنهم أعلى الجبل -مهما حدث- إلا بإذنه ..
هنا تحولت الريح لتكون مع الكافرين،
وأذن الله لهم أن يهزموا المسلمين ويقتلوا منهم سبعين رجلاا
وكان من بينهم أسد الله حمزة بن عبد المطلب
ومصعب بن عمير
وعبد الله ابن جحش
وسعد بن الربيع
وأنس بن النضر
وغيرهم من كبار الصحابة رضي الله عنهم أجمعين وفوق هذا كله أصيب الرسول صلى الله عليه وسلم إصابات بالغة ..
كل ذلك لم يكن بسبب قوة الكفار
ولكن بسبب مخالفة الرماة لأمر من أوامر الرسول صلى الله عليه وسلم.
ولكن كم كانت تبلغ نسبة الرماة الذين غادروا أماكنهم بالمقارنة بعدد الجيش حتى تكون مخالفتهم هي السبب في هذه المصيبة العظيمة التي وقعت؟
لقد كان عدد الذين خالفوا من الرماة أربعين رجلاً، وكان إجمالي عدد الجيش سبعمائة، أي أن نسبتهم لم تتجاوز ستة بالمائة من إجمالي العدد!!
ولكن ألا توافقني - أخي القارئ - أنها نسبة ضئيلة مقارنة بالغالبية الملتزمة بالأوامر؟!
نعم، هي كذلك ولكن الأمر عند الله لا يقاس بهذه الطريقة وخاصة فيما يتعلق بأصحاب الدعوات.
وبعد انتهاء المعركة بدأت التساؤلات تسري بين الصحابة عن أسباب هذا الانكسار وهذه المصيبة التي لم يعهدوها من قبل، فكان الرد القرآني الحاسم بأن السبب الذي استدعى هذا كله هو: من عند أنفسكم
{أَوَ لَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [آل عمران: 165].
فتعلم الجميع الدرس، وتعاملوا مع الأحداث بعد ذلك من هذا المنطلق
فها هو عمر بن الخطاب يودع سعد بن أبى وقاص رضي الله عنهما قبل سفر الجيش لملاقاة الفرس في القادسية فكان مما قاله له: «وآمرك ومن معك من الأجناد بتقوى الله على كل حال، فإن تقوى الله أفضل العدة على العدو، وأقوى المكيدة في الحرب، وآمرك ومن معك أن تكونوا أشد احتراسًا منكم من عدوكم، فإن ذنوب الجيش أخوف عليكم من عدوكم».
اتهام النفس أولاً:
من هنا يتأكد لنا بأن أهم سبب لوقوع الابتلاء هو الذنوب والتقصير والمخالفات من جانب أبناء الدعوة وإن كانت قليلة إلى المجموع.
لابد أن تكون هذه الحقيقة من البدهيات التي ينبغي أن ترسخ في أذهاننا وتُستدَعى سريعًا وقت حدوث الابتلاء.
ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم أفضل الأسوة في ذلك، فبعد خروجه من الطائف، وابتلائه الشديد فيها بصورة لم يسبق لها مثيل،
فإن أول ما تبادر لذهنه صلى الله عليه وسلم بأن يكون قد حدث منه شيء استدعى غضب الله فتمثل في هذا الابتلاء ..
تأمل معي ما ناجى به نبينا صلوات ربي وسلامه عليه ربه سبحانه وتعالى وهو في طريق عودته من الطائف: «إن لم يكن بك غضب عليَّ فلا أبالي، لكن عافيتك هي أوسع لي، أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات، وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة أن ينزل بي غضبك، أو يحل عليَّ سخطك، لك العتبي حتى ترضى ولا حول ولا قوة إلا بك».
خامسًا:
أأنا السبب؟!
وبناء على ما سبق، فعلى كل منا أن يرفع شعار (هل أنا السبب؟) عند حدوث أي ابتلاء للدعوة،
وأن يوجه المرآة إلى نفسه، ويفتش في أموره كلها باحثًا عن مخالفة خالفها،
أو تقصير قصره، أو ذنب اقترفه ولم يتب منه، فلعل هذه الأمور هي التي تسببت في استدعاء الابتلاء من الله عز وجل.
ولا ينبغي أن يستهين الواحد منا بذنب صغير، أو تقصير يقع فيه، فيستبعد أن يكون ذلك هو السبب فيما حدث.
فلربما كان الابتلاء بسبب تهاون البعض في أداء الصلاة في أول وقتها بالمسجد، وكيف لا يكون ذلك، والمسجد هو بيت كل تقي، والصلاة في أول وقتها من أحب الأعمال إلى الله، وعندما يهجر البعض المساجد، ويؤخر الصلاة عن أول وقتها فإن ذلك بلا شك لا يرضي الله عز وجل، وخاصة لو كان الأمر يخص الفئة المصطفاة والمختارة للقيام بأعظم مهمة
مهمة إيقاظ الأمة.
ولربما كان الابتلاء بسبب تساهل البعض فيما لا ينبغي التساهل فيه، والتوسع في دائرة المباحات، والوقوع في دائرة الشبهات بل والمحرمات
{فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور: 63].
ولربما كان الابتلاء بسبب التنازع والخلافات وتبادل الاتهامات
{وَلاَ تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ} [الأنفال: 46].
ولربما كان الابتلاء بسبب انشغال البعض عن الدعوة وانصرافه عنها، والتفرغ للدنيا والانغماس في ملهياتها
{قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ وَاللهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} [التوبة: 24].
ولربما كان الابتلاء بسبب اعتداد البعض برأيه، وإعجابه بنفسه، واستعلائه على الآخرين كما قال صلى الله عليه وسلم:
«فأما المهلكات: فشح مطاع، وهوى متبع وإعجاب المرء بنفسه»
صحيح الجامع الصغير.
ولربما كان الابتلاء بسبب عدم القيام بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فيما بيننا.
قال مالك بن دينار: كان حبر من أحبار بنى إسرائيل يغشى الرجال والنساء منزله يعظهم ويذكرهم بأيام الله عز وجل، فرأى بعض بنيه يومًا وقد غمز بعض النساء، فقال: مهلاً يا بنى مهلاً، فسقط من سريره فانقطع نخاعه، وأسقطت امرأته، وقتل بنوه في الجيش، فأوحى الله تعالى إلى نبى زمانه: أن أخبر فلانا الحبر أني لا أخرج من صلبك صديقا أبدًا، أما كان من غضبك لي إلا أن قلت: مهلا يا بنى مهلا ( إحياء علوم الدين 2/ 311 - دار المعرفة.)
ولربما كان الابتلاء بسبب تغير الاهتمامات والانشغال بغير المهمة المنوطة بأصحاب الدعوة،
سادسًا
الابتلاء قد يكون منحة ربانية
ومع كل ما قيل عن أسباب الابتلاء إلا أن الحقيقة التي لا مرية فيها أن الابتلاء مظهر عظيم من مظاهر حب الله ولطفه وعنايته بالدعوة ورعايته لأصحابها، فكما قيل:
لعلك عَتْبك محمود عواقبه 0000 وربما صحت الأجساد بالعلل
فالابتلاء رسالة من الله للدعاة بأن عليهم أن يراجعوا أنفسهم ويفتشوا عن مواضع الضعف والتقصير ليتداركوها، فيستكملوا بذلك الأسباب المؤدية إلى استجلاب النصر.
المهم هو حُسن الفهم عن الله والقراءة الصحيحة لحدث الابتلاء، والنظرة المتكاملة الشاملة له، والبدء باتهام النفس أولاً حتى تحسن استفادتنا من هذا الحدث ويصبح منحة، ووقودًا جديدًا للدعوة تنطلق به إلى الأمام راشدة، ويدفع أبناءها إلى مزيد من البذل واستشعار المسئولية، وإدراك طبيعة المعركة، والخروج من روتين الحياة، وحالة الاسترخاء
{أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلاَ يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الأمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ} [الحديد: 16].
ولنعلم جميعًا بأن الله عز وجل يغار على دعوته، ويحب أولياءه العاملين له،
لذلك فهو يسوق لهم الابتلاء بين يدي رحمته،
وقبل تمكينهم في الأرض ليذوقوا القهر فلا يقهروا الناس إذا مُكنوا،
ويذوقوا تحكُّم الخصم فيهم واستبداده بهم، فإذا ما مُكنوا ذكروا ماضيهم المرير فلا يوقعون بالناس مثله أبدا،
وحينئذ تكون المحنة في حقهم اليوم وقاية من الضياع غدًا، وهو ضياع لصفقة الآخرة والأبد.
لماذا يبتلى الأنبياء؟!
قد يتبادر للذهن تساؤل يقول: ولماذا يبتلى الأنبياء وهم خيرة الخلق وأحباء الله وأصفياؤه؟!
يجيب عن هذا السؤال القاضي عياض في كتابه: الشفا بتعريف حقوق المصطفى صلى الله عليه وسلم، فيقول:
فإن قيل: فما الحكمة في إجراء الأمراض وشدّتهاعليه صلى الله عليه وسلم وعلى غيره من الأنبياء على جميعهم السلام؟
وما الوجه فيما ابتلاهم الله به من البلاء، وامتحانهم بما امتُحنوا به،
كأيوب ويعقوب ودانيال، ويحيى، وزكريا، وإبراهيم، ويوسف، وغيرهم، صلوات الله عليهم، وهم خيرته من خلقه وأحباؤه وأصفياؤه.
فاعلم وفقنا الله وإياك- أن أفعال الله تعالى كلها عدل، وكلماته جميعها صدق، لا مبدل لكلماته، يبتلي عباده كما قال تعالى لهم: {لِنَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ} [يونس: 14].
فامتحانه إياهم بضروب المحن زيادة في مكانتهم، ورفعة في درجاتهم، وأسباب لاستخراج حالات الصبر والرضا، والشكر والتسليم، والتوكل، والتفويض، والدعاء، والتضرع منهم،
وتأكيد لبصائرهم في رحمة الممتحنين، والشفقة على المبتلين،
وتذكرة لغيرهم، وموعظة لسواهم ليتأسَّوا في البلاء بهم،
فيتسلوا في المحن بما جرى عليهم، ويقتدوا بهم في الصبر،
ومحوٌ لَهنَّاتٍ فرطت منهم، أو غفلات سلفت لهم، ليلقوا الله طيبين مُهذّبين، وليكون أجرهم أكمل، وثوابهم أوفر وأَجْزل (الشفا بتعريف حقوق المصطفى للقاضي عياض 2/ 178.)
أخي القارئ:
اعلم ان الدهر يومان، يوم لك ويوم عليك، ولقد من الله علينا بنعم كثيرة وفيوض غزيرة، ومن سنته أن يبتلي عباده تذكيرًا أو تحذيرًا أو تطهيرًا، والسعيد من أحسن التعامل مع حَدَث الابتلاء بما يحقق مصلحة دينه ودعوته
والحمد لله رب العالمين
وصلَّ اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
اللهم نور قلبي وقبري واجعل قلرب روضة من رياض الجنة