من فوائد الشيخ قال الشيخ : " وللطب حُماته ، والذائذون عنه ، فإن انتحل صفة الطبيب من ليس من أهله ، ففتح عيادةً ،
أو كتب وصفةً
لاحقوه قضائياً فعاقبوه ، وكذلك من ادعى أنهُ مهندس وما هو بمهندسٍ ،
فرسم خريطةً حاكموه وجازوه ،
فما لنا نرى بابينِ مفتوحين لا حارس عليهما ، ولا بواب ،
يدخلهما من شاء ، وهما أخطر من الطب ومن الهندسة ،
هما : "
الدين والسياسية " . فمن أراد تكلم في الدينِ ، ولو خالف الأئمة الأولين والآخرين ، أو أفتى ولو جاء بما
لم يقل به أحد من المفتين ,
فما للدينِ لا يجد من يحميه ؟ لقد كانوا يقولون قديما :
لقد هزلت حتى بدا من هُزالها
* * * سلاها وحتى سامها كل مفلسِ
فماذا نقول وقد زاد بها الهزال حتى لم يبق منها إلا العظام ، وحتى أقدمت عليها السباع والضباع والهوام "
2- A.K.N 505 قلم مميز بالمجلس العام
طُلب مني أن أكتب عن الأديب الفقيه الشيخ علي الطنطاوي _
رحمه الله تعالى _
فحار بي الفِكر عن ماذا أكتب و في أي شيء و هو الذي لم يدع مجالاً رأى فيه
سبيل الخير إلا سلكه و حمل معه ذخيرته الواسعة من العلم و الأدب مقرونةً بموهبة
فذة فأصبح كالمشكاة التي تضيئ المكان و ما حوله بعد توفيق من الله ...
و ماذا أقول عنه و هو الذي عاش في
الفقر و
الغنى و في
الرخاء و
الشدّة و عايش
عصوراً و أزمنة متقلبة و اشتغل بوظائف كثيرة فكان بحق مجموعة إنسان في جسدٍ واحد ...
و طفقت أفكر , هل أتحدث عنه بصفته الكاتب الأديب الذي كان يكتب مقالاته
بأسلوب
سلس ٍ رقيق و يصب المعنى في قالبٍ سهل الفهم على الكبير و الصغير و كيف لا
و هو الذي طوّع الكلمة و ساقها حتّى ألبسها الحُلل الجميلة لتستقر في القلوبِ قبل
الأذهان و ما عرفته من خلال كتبه إلا و قد طرق كل باب من فنون الكتابة فكانت لا
تخلو كتاباته رحمه الله من الكلمة
الحزينة أو
النكتة الظريفة و
الفوائد الجمّة المنثورة في مقالاته ...
كتب
ليحامي عن الإسلام و يذبُ عنه و حمل لواء الدفاع عن العربية ضد من يسعى
لتهميشها ,وكتب
عن الحُب حتّى قلت أنه لم يكتب أحدٌ فيه مثله , و كتب عن
وطنه
و مسقط رأسه دمشق حتى ظننت أنها جنة الله في أرضه و أحببتها لحُبّه لها و كتب
عن المرأة فأنصفها و أعطاها كامل حقوقها ما لم تتعارض مع الدين و كيف لا يكتب
عنها و هو أبو البنات كما يقول عن نفسه و قد كان يرى دنياه فيهن ...
و هل أتحدث عن الكاتب الصحفي و الناقد و المصلح الإجتماعي الذي لا تأخذه في الله لومة لائم ؟!
لم يكن مدّاحاً إلا لمن يستحق و لم يسكت عن منكرٍ و لم يره إلا أنكره و هو الذي
قال عن نفسه "
عندي قلمٌ لو أردته كان غصناً من أغصان الجنة أو حطبةً من حطب
جهنم " و كان رائداً في هذا المجال تتسابق الصحف لتنشر له ...
و هل أتكلم عن المعلم الذي درّس و تتلمذ على يديه التلاميذ الصغار في الإبتدائية
و الطلاب في الجامعة أم عن القاضي في المحكمة يحكم بين الناس بالحق أم عن
الخطيب المفوّه الذي يرتجل الكلام فيُشنف الأسماع بحُسن الإلقاء و قريحته
التي تنبثق من أدبٍ جم و علمٍ راسخ ...
(
على مائدة الإفطار) ...
من منا لا يذكر ذلك الشيخ الجليل الذي كان يُطل علينا من شاشة التلفاز أو الرائي
كما كان يُسميه رحمه الله بعد الإفطار بحديث ماتع و بساطة في الطرح من غير
تكلّف فكسب قلوب الناس و محبتهم....
كان برنامجه التلفزيوني في رمضان أوّل عهدي به رغم صغر سني في ذلك الوقت
لكني لم أتعجب أبداً من متابعة الناس و تحلقهم لمشاهدته و سماع كلامه ...
لا أبالغ إن قلت أن للشيخ رحمه الله بالغ الأثر في نفسي و تكوين شخصيتي فكثيراً
ما كنت أجد نفسي في مقالاته و أشعر بها ..
مضى رحمه الله من الدُنيا كحال كل البشر و كثيراً ما كان يقول "
أن كل ما حصّله
من شهرة و مجد أدبي لن تنفعه إلا بدعوة صالحة له في ظهر الغيب " فاللهم ارحمه و
وسّع له في قبره وادخله الجنة مع الصديقين و الشهداء و حسُن أولئك رفيقاً ..
مضى عليُّ أديب الفقه شيّعه
* * * حبٌ عظيم و آلام نداريها
و شيّعته نفوسٌ طالما شربت
* * * من نبع حكمته ما كان يرويها
و شيّعته قلوبٌ نبضها أمل
* * * في الله أن يُسكن الجنات باغيها
مضى الأديب العصامي الذي احتفلت
* * به البلاغة و ازدانت روابيها
مضى كأن لم يصافح كفّه قلمٌ
* * * عذبٌ يذب عن الفصحى و يحميها
يا مازج العلم بالآداب في زمن
* * * آدابه انسلخت مما يزكيها
إليك منا زهوراً من محبتنا
* * * و دعوةً في ظلام الليل نُزجيها
الأبيات من قصيدة "
مضى عليُّ " للدكتور عبدالرحمن العشماوي