أفلم يدل قومك - أيها الرسول - على طريق الرشاد كثرة مَن أهلكنا من الأمم المكذبة قبلهم وهم يمشون في ديارهم, ويرون آثار هلاكهم؟ إن في كثرة تلك الأمم وآثار عذابهم لَعبرًا وعظاتٍ لأهل العقول الواعية.
فاصبر - أيها الرسول - على ما يقوله المكذبون بك من أوصاف وأباطيل, وسبِّح بحمد ربك في صلاة الفجر قبل طلوع الشمس, وصلاة العصر قبل غروبها, وصلاة العشاء في ساعات الليل, وصلاة الظهر والمغرب أطراف النهار; كي تثاب على هذه الأعمال بما تَرْضى به.
ولا تنظر إلى ما مَتَّعْنا به هؤلاء المشركين وأمثالهم من أنواع المتع, فإنها زينة زائلة في هذه الحياة الدنيا, متعناهم بها; لنبتليهم بها, ورزق ربك وثوابه خير لك مما متعناهم به وأدوم; حيث لا انقطاع له ولا نفاد.
ولو أنَّا أهلكنا هؤلاء المكذبين بعذاب من قبل أن نرسل إليهم رسولا وننزل عليهم كتابًا لقالوا: ربنا هلا أرسلت إلينا رسولا من عندك, فنصدقه, ونتبع آياتك وشرعك, مِن قبل أن نَذلَّ ونَخزى بعذابك.
قل - أيها الرسول - لهؤلاء المشركين بالله: كل منا ومنكم منتظر دوائر الزمان, ولمن يكون النصر والفلاح, فانتظروا, فستعلمون: مَن أهل الطريق المستقيم, ومَن المهتدي للحق منا ومنكم؟
قلوبهم غافلة عن القرآن الكريم, مشغولة بأباطيل الدنيا وشهواتها, لا يعقلون ما فيه. بل إن الظالمين من قريش اجتمعوا على أمر خَفِيٍّ: وهو إشاعة ما يصدُّون به الناس عن الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم من أنه بشر مثلهم, لا يختلف عنهم في شيء, وأن ما جاء به من القرآن سحر, فكيف تجيئون إليه وتتبعونه, وأنتم تبصرون أنه بشر مثلكم؟
رد النبي صلى الله عليه وسلم الأمرَ إلى ربه سبحانه وتعالى فقال: ربي يعلم القول في السماء والأرض, ويعلم ما أسررتموه من حديثكم, وهو السميع لأقوالكم, العليم بأحوالكم. وفي هذا تهديد لهم ووعيد.
بل جحد الكفار القرآن فمِن قائل: إنه أخلاط أحلام لا حقيقة لها, ومن قائل: إنه اختلاق وكذب وليس وحيًا, ومن قائل: إن محمدًا شاعر, وهذا الذي جاء به شعر, وإن أراد منا أن نصدِّقه فليجئنا بمعجزة محسوسة كناقة صالح, وآيات موسى وعيسى, وما جاء به الرسل من قبله.
ما آمنت قبل كفار "مكة" من قرية طلب أهلها المعجزات مِن رسولهم وتحققت, بل كذَّبوا, فأهلكناهم, أفيؤمن كفار"مكة" إذا تحققت المعجزات التي طلبوها؟ كلا إنهم لا يؤمنون.