إن الله تعالى لا يستحيي من الحق أن يذكر شيئًا ما, قلَّ أو كثر, ولو كان تمثيلا بأصغر شيء, كالبعوضة والذباب ونحو ذلك, مما ضربه الله مثلا لِعَجْز كل ما يُعْبَد من دون الله. فأما المؤمنون فيعلمون حكمة الله في التمثيل بالصغير والكبير من خلقه, وأما الكفار فَيَسْخرون ويقولون: ما مراد الله مِن ضَرْب المثل بهذه الحشرات الحقيرة؟ ويجيبهم الله بأن المراد هو الاختبار, وتمييز المؤمن من الكافر; لذلك يصرف الله بهذا المثل ناسًا كثيرين عن الحق لسخريتهم منه, ويوفق به غيرهم إلى مزيد من الإيمان والهداية. والله تعالى لا يظلم أحدًا; لأنه لا يَصْرِف عن الحق إلا الخارجين عن طاعته.
الذين ينكثون عهد الله الذي أخذه عليهم بالتوحيد والطاعة, وقد أكَّده بإرسال الرسل, وإنزال الكتب, ويخالفون دين الله كقطع الأرحام ونشر الفساد في الأرض, أولئك هم الخاسرون في الدنيا والآخرة.
كيف تنكرون -أيُّها المشركون- وحدانية الله تعالى, وتشركون به غيره في العبادة مع البرهان القاطع عليها في أنفسكم؟ فلقد كنتم أمواتًا فأوجدكم ونفخ فيكم الحياة, ثم يميتكم بعد انقضاء آجالكم التي حددها لكم, ثم يعيدكم أحياء يوم البعث, ثم إليه ترجعون للحساب والجزاء.
اللهُ وحده الذي خَلَق لأجلكم كل ما في الأرض من النِّعم التي تنتفعون بها, ثم قصد إلى خلق السموات, فسوَّاهنَّ سبع سموات, وهو بكل شيء عليم. فعِلْمُه -سبحانه- محيط بجميع ما خلق
واذكر -أيها الرسول- للناس حين قال ربك للملائكة: إني جاعل في الأرض قومًا يخلف بعضهم بعضًا لعمارتها. قالت: يا ربَّنا علِّمْنا وأَرْشِدْنا ما الحكمة في خلق هؤلاء, مع أنَّ من شأنهم الإفساد في الأرض واراقة الدماء ظلما وعدوانًا ونحن طوع أمرك, ننزِّهك التنزيه اللائق بحمدك وجلالك، ونمجِّدك بكل صفات الكمال والجلال؟ قال الله لهم: إني أعلم ما لا تعلمون من الحكمة البالغة في خلقهم
وبيانًا لفضل آدم عليه السلام علَّمه الله أسماء الأشياء كلها, ثم عرض مسمياتها على الملائكة قائلا لهم: أخبروني بأسماء هؤلاء الموجودات, إن كنتم صادقين في أنكم أَوْلى بالاستخلاف في الأرض منهم .
قال الله: يا آدم أخبرهم بأسماء هذه الأشياء التي عجَزوا عن معرفتها. فلما أخبرهم آدم بها, قال الله للملائكة: لقد أخبرتكم أني أعلم ما خفي عنكم في السموات والأرض, وأعلم ما تظهرونه وما تخفونه.
واذكر -أيها الرسول- للناس تكريم الله لآدم حين قال سبحانه للملائكة: اسجدوا لآدم إكرامًا له وإظهارًا لفضله, فأطاعوا جميعًا إلا إبليس امتنع عن السجود تكبرًا وحسدًا, فصار من الجاحدين بالله, العاصين لأمره.
وقال الله: يا آدم اسكن أنت وزوجك حواء الجنة, وتمتعا بثمارها تمتعًا هنيئًا واسعًا في أي مكان تشاءان فيها, ولا تقربا هذه الشجرة حتى لا تقعا في المعصية, فتصيرا من المتجاوزين أمر الله.
فأوقعهما الشيطان في الخطيئة: بأنْ وسوس لهما حتى أكلا من الشجرة, فتسبب في إخراجهما من الجنة ونعيمها. وقال الله لهم: اهبطوا إلى الأرض, يعادي بعضكم بعضًا -أي آدم وحواء والشيطان- ولكم في الأرض استقرار وإقامة, وانتفاع بما فيها إلى وقت انتهاء آجالكم.
فتلقى آدمُ بالقبول كلماتٍ, ألهمه الله إياها توبة واستغفارًا, وهي قوله تعالى: (ربَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِن الخَاسِرِينَ) فتاب الله عليه, وغفر له ذنبه إنه تعالى هو التواب لمن تاب مِن عباده, الرحيم بهم
قال الله لهم: اهبطوا من الجنة جميعًا, وسيأتيكم أنتم وذرياتكم المتعاقبة ما فيه هدايتكم إلى الحق. فمن عمل بها فلا خوف عليهم فيما يستقبلونه من أمر الآخرة ولا هم يحزنون على ما فاتهم من أمور الدنيا
يا ذرية يعقوب اذكروا نعمي الكثيرة عليكم, واشكروا لي, وأتموا وصيتي لكم: بأن تؤمنوا بكتبي ورسلي جميعًا, وتعملوا بشرائعي. فإن فعلتم ذلك أُتمم لكم ما وعدتكم به من الرحمة في الدنيا, والنجاة في الآخرة. وإيَّايَ -وحدي- فخافوني, واحذروا نقمتي إن نقضتم العهد, وكفرتم بي