,,,
بعد محولات عديدة من مناداة وتصويت وطرق لرواق الخيمة , إذ برأسٍ يطلُّ علي من نافذة الخيمة ( المشخلّة ) شعرت به من اهتزاز الرواق , بدأ ينظر إلي ويقلّبني بناظره من راسي إلى قدمي , فبادرته بـ السلام عليكم , فلم يرد ؟!! واستمر بالنظر والحدةَ فيه ,
في تلكم اللحظة تملكني شعورُ الخوف , وجال بخاطري حيرة وتساؤل مالذي يدور برأسه ؟! وما الذي يُحسه أو يشعر به تجاهي , هل هو الخوف مني ومن مدى إنسيتي ؟! أم هو الإحساس بالضيق والمضايقة لهم بدارهم فتحين ويَستحسن طردتي ؟!
كل هذا التصارع والتجاذب الداخلي في ظرف ثوانٍ معدودةٍ لم يكسره إلا خروج أحد من كان بالداخل نحوي يتبعه آخر , إذا بهِم عمال هنود لا يعلمون من العربية ولا إسمها ؟!
فابتلشت بهم وبالطريقة التي من خلالها أفهمهم أني بحادث وفي مشكلة كبرى ولا مناص لي إلا بهم و ( أكسر خواطرهم ) , فتارةً أمثل لهم الحادث وأصوره بيدي وأنا أتقلب , وأخرى أظهر لهم الدماء التي على الثوب وما تحت الثوب , وأدلهم على الجروح وأخرجها , ( من أجل رحمة أو شفقة يكرم مدين الحياء ) , إلى أن فرجها الله وافتهموا ما أنا فيه ,
فانتابهم العطف وأخذت منهم الرحمة مأخذًا جعلت أحدهم يدخل رأسه تحت يدي ( يعضد لي ) ليساعدني على المشي !
, أدخلوني للخيمة فإذا هي غرفة عمال وفي زاوية من زواياها أغراض لطبخهم وعتادهم , وفي الجانب الآخر منها سرير نومٍ أجلسوني عليه , أحدهم من فرط حماسه وبالغ تأثره أتى لي بفازلين ! يريدني أضع على الجروح
, والآخر يأتي بطاسة ماء شربت منه ما بلّل ريقي , وصولي إليهم الساعة الواحد والنصف , تزامن مع موعد غداءهم , فوضعوه في صحن وقربوه لكي أشاركهم بالأكل , فامتنعت ,
ابتعدوا بآخر الخيمة وبدأوا يتغدون , ولم يمنعني ما أنا عليه من الفضول في أن استرق النظر إليه , وماهيته ؟ كبسة رز أحمررر مع الدجاج
, جعل الله فيه العافية وغفر لهم وأسعدهم ورزقهم على كلّ ماقاموا به ,, بقيت على السريرعن يميني الماء ويساري علبة الفازلين , استرق النظر إليهم تارة , وتارةً أسرح بفكري وبناظري عنهم , تسوقني الحيرة والتردد والتساؤلات المتعددة التي لا أجد لديهم الإجابة الكافية ولا النجاعة والفائدة , ظليت على هذه الحال مدة ربع ساعة تقريبًا ,
لم يقطع الأفكار ويبدد التساؤلات إلا دخول ذلكم الشابٍ اللطيفٍ من جهة النساء تحديدًا , يبادرني بـ السلام عليكم , يبلغ من العمر قرابة أربعة عشر سنة , حقيقةً رتابة هندامه ونظافة ملبسه وبهاء طلته توحي أنه ابن المدينة ولم يمكث في الصحراء ساعة , يلبس ثوبًا أبيض نظيف وطاقية شخال , وشراب بيض فوقهن كنادر بيضاء أيضًا, مد يده وسلم علي بحفاوةٍ وحسن استقبال تنبي عن معدن أصيل وكريم خصال ,
قصصت له خبري ومسيرتي من حال ممشاي نهايةً بجلوسي أمامه في تلكم الحال ,
بكل ماحدث وبتفاصيل ماجرى ,,
تجاذبنا الكلام وأطراف الحديث ,, ما أثار حفيظتي واستغرابي في هذه الأثناء أنه لا يعرف القصيم , وذلكـ عندما قلت له أنا من القصيم , قال : وين تقع القصيم يعني بالرياض ؟! ,
أعلمته أثناء السوليف أني مدرّس بالصداوي , فرد : شنهي الصداوي ؟!
قلت الصداوي قرية صغيرة حولكم يمكن 25 كيلو كذا , قال والله ما أعرفه , فحاولت أن أصفها وموقعها , فقلت تعرف المحطة اللي هنا , وأشير بيدي جهتها , فقال ماخبرت محطاات بها الجهه
, قلت طيب : طريق الحفر الدمام اللي يمر من هنا وأشير بيدي جهته تعرفه ؟! قال لا والله , لكن ابوي أكيد يعرفه ! وهو رايح تو لحلال ثاني قريب , ويبي يجي الحين , قلت : طيب أنتم منين ومن وين جيتوا ؟! قال : أحنا من الجهراء وطريقها يبعد 25 كيلو جذي من هني !!! 
سألته عن اسمه فقال : حبيب السالمي من الجهراء من الكويت , واحنا ساكنين هناكـ ولكن جينا اليوم علشان نساعد أبوي يبي يرحّل الحلال والمخيم للصماان ,
استأذنني وخرج ليخبر أهله ويطمئن وحشتهم عن ماهيّتي وأي مخلوق أكون !
إعجابي ومثار استغرابي وجالب مديحي لحبيب أنه وبرغم صغر سنه فإنه يملكـ اللباقة وحسن المنطق وطيب النفس وكريم الخصال , أسأل الله له طولةٌ في العمر وسعةٌ في الرزق , وسعادة في الدارين ,
ماهي إلا برهة من الوقت حتى قدم من أهله وأخبرني أنه سيأتي لي بغداء , فامتنعت وشكرته على ذلك , فرجع إلى أهله وبعد فترة بسيطة قدِم ومعه سلّة فواكه ( تفاح وموز ويوسفي ) , وألزمني بالأكل بل وشاركني في ذلكـ , طبعًا لا أعتقد أني أكلت إلا اليسير كمجاملةً , لكون النفس في تلكـ الأوضاع لاتستسيغ الأكل ,
العمال أثناء سوالفنا خلصوا غداء ونظفوا أداوتهم ورحلوا يكملون أعمالهم بين الحلال والوايت ,
مكثت وحبيب نسولف وننتظر قدوم والده , تباطأته وخشيت أن أكون حجر عثرةٍ له أو لأهله في سبيل إتمام أعمالهم وترحيلهم , فعرضت عليه أن يذهب بي على الجمس إلى حيث تقع سيارتي , وينزلني عندها إلى أن يأتي والده , ولكنه وبشهامة الرجال وإحساس بالمسوؤلية رفض وبشدة قائلاً : ماراح أوديكـ وأترك هنالكـ وأنت بها الحال ,
في هذا الأثناء سمعنا مناداة الأهل لحبيب , استأذن وخرج للحظةٍ أتى بعدها بصحن ( طوفريه ) حاملًا بها بريق شاهي وبيالات وكأس صغير ملئ بسكر وملاعق صغيرة , استشارني مقدار السكر الذي أرغبه , ولم أكمل البيالة الأولى ,
إلا وصوت سيارة قادم ,
قطع تركيزنا وإمعاننا في نوع صوت السيارة أصوات النساء اللواتي لاقينه بالخبر قبل أن يقف , حيث بلغتنا أصواتهن بـ ( عندنا واحد مقتلب وحادث ومصاب و و و ) , لينفجع وينزل من السيارة تاركها تشتغل ويسارع الخطى إلى حيث خيمتنا , دخل مشبهر الأعين جاحظ عينيه , رآني فلم يعرني الانتباه بل قلّب ناظره في جوانب الخيمة ليبحث عن ما تصوره من وصف واستعجال النساء , طريحًا على الفراش أو أشلاء كما قال بعد ,
ليبادرنا وين الرجال ؟ فقمت وسلمت عليه , وقلت : أنا اللي قالب , قال : مامعكـ أحد , قلت : لا , فتنهد طويلاً وجلس بجواري قائلاً : آآآيه الحمد لله فجعنّي البنات الله يهديهن , فتحمد لي بالسلامة , وأتبعها بكلامٍ رفع معنوياتي وأراح بالي كلامًا ينم عن حكمة وحنكة جزاه الله الجنة ,
وكان مما قال : (( احمد ربكـ واشكره انكـ سالمًا معافى , فلو أنكـ كسير القدم من سيمرّ عليكـ في تلكـ الأرض فيسعفكـ ؟ ومتى سيأتي ويمر ؟ , أيضًا ولو كان معكـ أحد صادته السيارة أو كسير وش راح تسوي معه , هل تحمله على ظهركـ لتبحث عمن ينقذكم , أم تتركه وتجري ذات اليمين وذات الشمال لتبحث عن مسعف , إيه الحمد لله إنه بالحديد وأنت سليم ؟ )) ,
ارتاح قلبي وزال عن صدري ركام وغشاوة , فتحمدت الله على سلامتي وقلت : الحمد لله إن الله جابكم بعد , سألني عن سبب والدافع لمجيئي إلى هنا , أخبرته وقصصته عليه أمري وبرنامجي من الصباح وحتى اللحظة وعن عزمي للمضي إلى المحطة راجلاً ,
انفجع وقال : ويييييينكـ ووين المحطة التي تقصد ؟!
, ما حولكـ محطات بها الأرض , وبعدين أنت موللي المحطة وراكـ في الجهة المقابلة لوجهتكـ ؟! , استغربت وقلت : وكم كيلو تبعد ؟! قال : المحطة ما أدري ولكن الصداوي بالضبط 57 كيلو !!!
, قلت : طيب وأقرب طريق وين : أقرب طريق هو الموصل للجهراء 25 كيلو , قلت : لا حول ولاقوة إلا بالله ,
ثم قلت : عاد أنا عرفت من حبيب إنكم تشددون وراحلين ولا ودي أعطلكم وأقطعكم زود , وودي تودين للسيارة نشوفها , إن شاء الله نلاقي حل ,
توكلنا على الله وركبنا سيارتهم الهايلوكس ( موديل 99 ) أنا والوالد وحبيب , وصحب معنا اثنين من العمال , وأمرني آخذ جالون الماء الذي أتيت به , مشينا من جهة مقدمي ننظر يمينًا ويسارًا نبحث عن السيارة ومطرحها ,
وصلناها فأمعن النظر فيها وفي الآثار وكيفية الانقلاب , وتحمد الله على سلامتي , تعاونّا على تعديلها , وحمدًا لله أن تعدلت , تفقدنا أكثر فإذا الكفرات اللاتي في اليمين دون هواء و( متصلخات بمعنى منفكـ الكفر عن الجنط ) , وإذا ماء الاديتر تسرب جميعه , طلب مني أفتح الكبوت , ففتحت وعاير الزيت , وإذا هو حسن وكما ينبغي , عبأ الاديتر بالماء الذي معنا , وطلبني بتشغيل السيارة فاشتغلت ولله الحمد ,
أطفأتها وأبدلنا الكفر الأمامي بالاسبير اللي معي , وتساءلت عن العمل بالكفر الآخر , فقال : امش عليه إلين نوصل الوايت عند الخيمة وإن شاء الله يتعدل وينتعبأ هو أو الثاني المُبدّل , مشيت وراءهم إلى المخيم , وأوقفت عند الوايت , قربنا لي الهواء الموجود في الوايت , حاولنا تعبئة كل الكفرين دون فائدة وجربنا شتى الوسائل وبمختلف الوضعيات ولا طائل , فقال : ياوليدي كفراتكـ خربانه وأنا أشير عليكـ تمشي على كفركـ لو كان كذا قبل يجيكـ الليل وتبتلش
, خصوصا أننا قد تفقدنا النور الأمامي وإذا هو خرب ولا يُضيء
, قلت : شوركـ واهداية الله توكلت على الله , قال : أما الاديتر خلنا نعبي لكـ جراكل ماء خلهن معكـ وكل ما ارتفعت الحرارة وقربت توصل للـ H, وقف وعبي , عبأ لي 3 جراكل أحدها جالوني , والآخر جالون زيت عافية ( مغطأ من قبل العمال بخيشة ليظل بارد إذا أخذه في الرعي ) , تركتهن في الحوض , فسلمت عليه وودعته , فلم يتمالكـ نفسه وهلّت عبرته , وقال : سامحني ياوليدي على القصور الله يحفظكـ ويستر عليكـ , وانتبه ترى الصداوي بها الجهة ويشير بيده خلكـ عدال لا تزل يمين ولا يسار , شكرته على معروفه ودعوت له , ووعدته أن لا أنسى معروفهم ومثله حبيب ,
ودعتهم ومشيت ,
الساعة تشير إلى قرابة الخامسة مساءً بمعنى أن الليل لم يتبقى عليه سوى نصف ساعة تقريبًا , والجو بارد جدًا, أمشي على كفر خربان والاديتر مشقوق لا يبقى به الماء إلا وقتًا يسيرًا , والحرارة ترتفع إلى قرب الـ Hإذا مكثتُ في المشي ربع ساعة أو عشر دقائق , كل هذا يجعلني لا أتجاوز المشي بسرعة 20 كم أو أقل أحيانا ,
كما أن هناكـ هم آخر يؤرقني وهو قدوم الليل وما يخبيه لي من أسرار وأحداث وكيف لي أنا أتجاوزه بهذه الحال وبتلكم السيارة بالإضافة إلى أنها بدون نورٍ , ومسافة الطريق 57 , أضف إلى كل هذا ( بدون طريق بيّن فمحدثكم ضاع وتاه في النهار قبل أن ينقلب فما ذا سيكون عليه وقد اعتراه كل ما أشرت ؟! )
,,,
,, كل هذا سيكون مداره الجزء القادم بإذن الله ,,
000