
24/12/2009, 12:27 PM
|
 | زعيــم نشيــط | | تاريخ التسجيل: 03/01/2008 المكان: في رحاب الله الواسعة
مشاركات: 765
| |
(8) بداية الدراسة الفعلية ..
كنا قد استلمنا الجدول الدراسي في الاسبوع التحضيري مع المذكرات ..
وكم تعجبت لذلك فالمذكرات تعطى للطلبة مع قائمة من الكتب التي ينصح باتخاذها مراجع وذلك قبل بداية الفصل الدراسي ..!!
تسابق الطلاب لشراء الكتب من المكتبة المجاورة التي اعلنت عن بيعها بسعر الناشر من غير تخفيض وقد تبين لنابعد ذلك ان هذه الكتب لافائدة مرجوه من اقتنائها ..!!
الغريب ان المكتبة المركزية لديها نسخ متعددة من تلك الكتب ولكن لم نعلم نحن الطلبة عنها ..!!
كم أعجبني ألتزام المحاضرين في الوقت.... فليس هناك تأخير ولا غياب.... المحاضرات تأخذ طابع الجدية....بعض المواد يكون المحاضر منسقاً للمادة فقط أي بمعنى أنه لا يعطي المحاضرات ولكنه يتولى تنسيق حضور المتحدثين. بلاشك أن ذلك كانت ثماره رائعة فما أجمل أن تتلقى محاضراتك من كبار الأساتذه في تخصصاتهم. كانت المواد مقسمه على حسب أجهزة الجسم فمثلاً علم القلب يشمل تشريح وفسيولوجيا وعلم أمراض القلب أضف الى ذلك ما يتعلق بها من علم الأدوية. الفصل الأول كان عبارة عن مواد عامه تعتبر سهله نسبياً بالمقارنه مع المواد الأخرى ولكن تكمن الصعوبه في أنها أول المواد التي تدرسها في الكلية. بأمكان الطالب أن يتواصل مع أستاذه عبر الأيميل أو عبر موقع الكلية بأي سؤال يريده بل أن بعض الأساتذه يجيب على سؤالك ومن ثم يرسل نسخة من الجواب الى جميع الطلاب. المحاضرات كان تُنزل على موقع الكلية بعد المحاضرة مباشرة فلا توجد هناك ملخصات تبيعها مكاتب التصوير لتكسب من ورائها.
تكون الفصل الدراسي من خمس وحدات دراسية ..وكان الجدول الدراسي كالتالي :
في الصباح محاضرات وبعد الظهر عمل جماعي متعلق بمحاضرة الصباح .. على الرغم منه عمل جماعي الا انني لم اشعر بالعمل الجماعي مع مجموعتي فكل فرد منها يعمل لوحده لحل الاسئلة ...!!
كان يبدو على المجموعه الخصومه فـ ( هيلين ) الشقراء لاتتحدث مع ( جميلة ) السوداء لسبب لاأعلمه ..!!
اصعب مقرر واجهني في الوحدات الدراسية ( علم الوراثة ) والذي درسته رئيسة القسم والتي تعاني من مرض التصلب اللويحي (multiple sclerosis ) وكان يساعدها في ذلك الدكتور مارك الذي كان عضواً فعالاً في المظاهرات ضد الحرب على أفغانستان والعراق. ومما يأسفني أني تلقيت رسالة بريدية من منسق القسم قبل فترة وجيزة تخبرنا بوفاته بسبب سرطان الرئة. كم دعيت الله سبحانه وتعالى أن يهديه وأمثاله للأسلام.
د/ بريجيت درستنا مادة علم النفس كانت المادة عبارة عن نظريات تتطور الطفل والكبار نظريات فلسفية.. لم أكن أفهمها وقمت بحفظها بدل من فهمها ..
أذكر أني شكيت ذلك للدكتوره بريجيت والتي أبدت تعاطفاً ظننتها ستبكي لأجلي ولكن تبين لي مع مرور الايام انها طبيعة الرجل الانجليزي هكذا فهم يبدي لك ما تريد أن تراه منه..!!
في غرفة الصلاة التقيت بـ ( زاهي و يوسف) زاهي هندي الاصل بريطاني الجنسية والده يعمل طبيب استشاري في السعودية ( زاهي )من أفضل الناس الذين قابلتهم ابيض القلب حسن المعشر..
أما يوسف ..فهو هندي الأصل كيني المولد والده مهاجر حديث لبريطانيا. يوسف اعطاه الله عذوبة الصوت حينما يقرأ القرآن وكثيراً ما كنت أطلب منه أن يأمنا في الصلاة وخصوصاً الجهرية منها.
يوسف يتكلم 4 لغات بطلاقة ومنها العربية ..( ماشاء الله تبارك الله ) وهو الان يعمل طبيبا وسيبدأ البرنامج التدريبي في الطب الباطني قريباً بإذن الله.
مشكلة يوسف والكثيرين أمثاله انهم تكونت لديهم ردة فعل والسبب أنهم يحملون تصوراً مثالياً عن السعوديين وينصدمون حينما يرون (البعض) من السياح الخليجيين الذين أنسلخوا من تعاليم ديننا الأسلامي.
ظهرت لي ردة هذا الفعل أكثر حينما بدأت التفجيرات الأرهابية تظهر في بلادنا باسم الجهاد. كان لابد من استخدم العقل والحوار معهم بدل من الخوض في الجدال العقيم. أذكر أني وصلت في الحوار مع احدهم أن دعيته للسفر معي للسعودية للأطلاع على الوضع بنفسه وقد تم ذلك ولله الحمد. ما أود أن أقوله أنه لابد من الحوار معهم بدلاً من مقاطعتهم. صديقي الذين زارني في السعودية عضو في عدة جمعيات أسلامية فكان لابد من الأستثمار في مثل هذا الشخص. سأتطرق لبعض القصص المشابهه حسب تسلسل الأحداث
في اليوم التالي وفي غرفة الصلاة ايضاً..التقيت بـ ( حامد ) ابيض الملامح ذو لحية كثيفة بنية وشعر مجعد بدا لي في بداية الأمر وكأنه انجليزي ( يهودي ) ..ولكنه تحدث العربية بطلاقة ( باللهجة الشامية ) فاتضح لي انه سوري ..
ولد (حامد) في جنوب بريطانيا .توفي والده وهو صغير السن تولت امه تربيته مع إخوته الصغار ..أمه سيده فاضلة لها جهودها في الدعوة الإسلامية بين النساء وتقيم درساً اسبوعياً في المركز الإسلامي في مدينتنا. (حامد) من محبي السعودية وهو يتمنى أن يحصل على الأقامة الدائمة هناك.
أصبح ( حامد ) من أصدقائي المقربين وكم كان بيني وبينه خلاف وجدال تطبيقاً لقاعدة العرب الشهيره ( اتفق العرب على ان لايتفقوا ). (حامد) سيبدأ برنامجه التدريبي في إحدى المدن الكبيرة قريباً أن شاء الله.
بدأت عجلة الايام تأخذ مسارها وانا احاول إيجاد طريقة للمذاكرة .. وكم باءت محاولاتي بالفشل فقد كنت أبقي الساعات الطوال لأذاكر وحقيقة الأمر اني كنت اسرح بفكري واقلب ناظري بين الكتب. لقد كان من الغباء أن أترك نفسي فريسة لليأس.
تأخرت كثيراً في المذاكرة فتراكمت المحاضرات عليّ وبدأت بالمذاكرة في مكتبة الجامعة العامة حيث هدوءها ساعدني كثيراً في التركيز بالمذاكرة ..
كنت أقضي الساعات الطوال في المكتبة للمذاكرة والمراجعة ..كنت أعاني من صعوبة في المذاكرة والسبب في ذلك اللغة ومن حسن حظي أن (يوسف ) كان يجلس بجانبي في المكتبة ويشرح لي مااستصعب عليّ فهمه لغوياً اثناء المحاضرات الصباحية..
توطدت علاقتي بكثيرمن المحاضرين فالبعض منهم سمع بي دون أن يراني. أذكر انني كنت أمشي وحيداً في أحد ممرات الكلية وحينما قابلني أحد المحاضرين صرخ بعربية مكسرة ( السلام عليكم.......كيف الخال....كيف الخال ....هكذا نطقها..........مافيه مشكلة...) ضحكت ...وسألته من اين تعلمها ...اخبرني انه تعلمها اثناء عمله في مدينة العين في الأمارات لمدة عشر سنوات. كان أسمه الدكتور ديفيد وكثيراً ما كان يتحدث معي وخصوصاً في غرفة التشريح عن تجربته في العالم العربي. أخبرني ذات مره أن من أغرب الأشياء التي واجهها هناك أنه في شهر رمضان تتغير أخلاق الناس وتصبح أكثر حدة ويقل عطائهم العملي.
رئيس قسم التشريح (أسماعيلي من أصول هنديه) كان دائم التحرش بصديقي (حامد) بسبب لحيته الكثيفة وقد ناده بأكثر من مره ( بشبيه ابن لادن) و في احدى المرات أخبره أنه تنقصه عمامه حتى ياتي البوليس للقبض عليه. صديقي قدم شكوى (شفوية) أكثر من مره ولم تلقى أجابة لدى مسؤلي الكلية. علمنا فيما بعد أن الشكوى يجب أن تكون كتابية حتى تُأخذ بشكل جدي. مما أثار عجبي ان أحداً من المسؤلين لم يخبر صديقي بذلك.
(9)فصل الشتاء ...وأول رمضان في بريطانيا.... وذكرى أول أختبارات
دخل فصل الخريف وبدأت أوراق الشجر بالتساقط وكانت المرة الأولى التي أشاهد فصل الخريف ..!!
كان شعوراً غريباً لا أستطيع وصفه.. بعدها حل فصل الشتاء وبدأت درجات الحرارة بالأنخفاض...المشكلة أني لا أحب الشتاء ولا أحب أرتداء الملابس الشتويه حتى اليوم.!!!
المفرح في تلك الأيام أن رمضان حل في فصل الشتاء، النهار قصير بالمقارنة مع فصل الصيف الذي قد تصل فيه عدد ساعات النهار حتى 18 ساعة أحياناً.
أذكر أن الصيام يبدأ من الساعة السادسة صباحاً والأفطار عند الرابعة مساءاً ،في تلك الأيام كنت أقرأ مذكرات أحد المبتعثين القدماء لأمريكا وكيف أن وقت الصوم يصادف وقت الدراسة وانهم يفطرون أثناء المحاضرات ، فعلم أحد الاساتذه فأعطاهم وقتاً للإفطار ، ثم يكملون المحاضرة دون أن يفوتهم أي شئ..
أما حالنا فهو مختلف تماما فأغلب الاساتذه والمحاضرين يعلمون عن رمضان والصوم فهناك 20 طالباً وطالبة في القاعة صائمون. أضف الى ذلك أن أخبار رمضان كانت في جميع القنوات التلفزيونية البريطانية.
الغريب أن بعض من صام معنا لم نكن نتوقع أن يقوموا بذلك.فرجونا ان تكون فاتحة خير لهم فبعضهن قد اتخذت صديقاً وبعضهن وبعضهم عرف عنهم بأنهم من السباقين لحضور الحفلات الصاخبة ..!!
ايضاً مما افرحنا ان بعض المسلمات اللواتي نزعنا الحجاب من قبل عدنا له بعد دخول رمضان ولكن للاسف لم تدم فرحتنا طويلاً. مما لفت نظري أحدى الفتيات والتي كثيراً ما تبادر بتحيتي وأسمها ( ديانا ) والتي لم أكن أعرف انها مسلمة ألا حينما سألتني متى يحل رمضان لأنها متشوقة لصيامه!!. في البداية ظننت أنها مسيحية وتريد أن تخفف من وزنها أو تريد أن تصوم كما يصوم المسيحين لكنها أخبرتني أنها دنمركية المولد من أصول ( أفغانية ) وأنها مسلمة أباً عن جد. بالمناسبة المسيحين يصومون بطريقة أخرى فمثلاً تجدهم يتوقفون عن أكل الشوكلاته التي يحبونها لمدة أسبوع وهذا يعتبر صياماً بالنسبة لهم. أختنا ( ديانا ) ذات عزيمة فهي متزوجة وتسكن مع زوجها في منطقة بعيدة عن الجامعة. علمت أنها رُزقت بأبنها الثاني أثناء فترة الأختبارات النهائية في السنة النهائية من كلية الطب. أذكر أنني سألتها ذات مره أن كانت زارت أفغانستان فأخبرتن أنها زارتها مرتين في المرة الأولى في عهد ( طالبان ) والمرة الثانية بعد سقوط طالبان وأستطردت في الكلام أن المرأة الأفغانية تفتقد للأمن الذي كانت توفره طالبان على الرغم من التشدد. المرأه الأفغانية في العصر الحالي لا تستطيع أن تمشي في الشارع وحيدة خشية الأعتداءت.!!!
لنعد لأجواءنا الرمضانية.....
الملاحظ ان المساجد قد غصت بالمصلين والذي كثيراً منهم يرتدي طاقية الرأس. غرفة الصلاة الخاصة بنا نحن الطلبة كان من الصعب جداً الحصول على مكان للصلاة فيها من الزحام. غريب أمر بعض المسلمين هنا فكأن الصلاة لا تجب إلا في رمضان وبعد رمضان (صلى المصلي لأمر كان يطلبه **** فلما قضى الأمر لا صلى ولا صاما).
المثير للإعجاب أن الجمعية الإسلامية كانت تقيم إفطار جماعي للطلاب المسلمين في الجامعة يومياً ، لكن للأسف لم نتمكن نحن طلاب السنة الاولى من الحضور لتعارضه مع محاضراتنا ومن الصعب جداً التغيب عن المحاضرة ..
قام الطلاب بوضع الافطار المتكون من ( تمر و قطعة شوكلاته ونوع واحد من انواع الفاكهة وعصير ) في أكياس صغيرة وتوزيعها على طلاب قاعتنا الصائمين ..
يبدأ توزيع الافطار قبل بدء المحاضرات ويعلن عن وقت الافطار بإشارة متبادلة بيننا نحن الصائمون فنشرع بالأكل ..
بادىء الامر لم يلحظنا احد وبعد عدة أيام علم الجميع فاصبحنا محط أنظارهم ..
وهكذا سارت ايامنا في رمضان ..
بعد انتهاء رمضان وحلول يوم العيد لم نلحظ اختلافاً يذكر بل كان يوماً دراسياً كالعادة ..
الشئ المختلف هو آداءنا لصلاة العيد والتي أقيمت في إحدى صالات الجامعة توافد الناس من خارج الجامعة رجالاً ونساءاً وأطفالاً للصلاة جميعاً.... ياله من شعور رائع..
بعدها بفترة قصيرة بدأت الاستعدادات لاجازة الكريسمس ..
إجازة الكريسمس مدتها 3 أسابيع وهي تأتي عادة في فصل الشتاء وبعدها نعود للدراسة لمدة اسبوع ثم تبدأ اختباراتنا النهائية ..
كانت تلك الإجازة من أسوء الاجازات الدراسية التي مرت عليّ ..كان الجو كئيباً في اجازة الكريسمس وبارداً اضف الى ذلك ان بعدها سيأتي أول امتحان لي في الكلية والذي بناءاً عليه سيتحدد اتجاهي ..؟
اذكر اني أخبرت زاهي انه في حالة رسوبي في أي مادة سأفصل ولن انتظر الفرصة للتعويض في نهاية العام وكان هذا القرار نتيجة للضغط النفسي الذي كنت اعانيه تلك الأيام.
كنت قد أتخذت منهجاً جديداً في المذاكرة فقد بدأت باستخدام القاموس الناطق مما ساعدني كثيراً على فهم وحفظ الكلمات.
بعد إجازة الكريسمس .. عدنا للمحاضرات لمدة اسبوع ومن ثم بدأت الاختبارات ..
ليلة امتحان مادة (علم الوراثة ) كانت من أطول الليالي التي مرت عليّ في الصباح صليت ركعتين ثم توجهت لقاعة الامتحان والحمد لله كان الاختبار عادلاً اما بالنسبة لمادة ( علم النفس) فلاجديد في أسلوب المذاكرة لم أستطيع الفهم فحفظتها عن ظهر قلب بلا وعي اديت الامتحان وانا لا أعلم كيف ستكون نتيجتي..!!. لم يبقى في الذاكرة من تلك المادة ( العلمية ) إلا أنواع علاقة الطبيب بمريضة وهي ثلاثة أنواع أما علاقة مستهلك بتاجر وهي كما يحدث في مستشفياتنا الخاصة أو علاقة ( إعطاء أوامر ) من الطبيب لمريضه وعلى المريض السمع والطاعة وهي ما يحدث في مستشفياتنا الحكومية والعلاقة الأخيرة وهي علاقة المشاركة بين الطبيب والمريض وهو ما تحاول بريطانيا تطبيقه.
مما لفت انتباهي أثناء الأمتحانات وهو انه لايمكن ان تشعر بأن هناك أمتحانات كما في بلادنا ..فالمحاضرات هنا لاتتوقف بل تأخذ مسارها الطبيعي بعد المحاضرة يكون الامتحان وبعد الظهر تكون هناك محاضرة أخرى وهكذا ..
اذكر ان احد الامتحانات النهائية كان بعد محاضرة وجميع الطلبة حضروا المحاضرة ولم يتغيب احد ليذاكر مادة الامتحان التي ستأتي بعد المحاضرة كما هو حال طلبة جامعات بلادنا ..!!
بعد اسبوعين من انتهاء الامتحانات النهائية أعلنت النتائج إما امتياز أو ناجح أو على حافة الرسوب أو راسب ، ويسمح للطالب بالرسوب في مادة واحدة فقط خلال الفصلين الدارسيين دون أدنى مشكلة ، أما إذا رسب في مادتين فسيعيد الامتحانات في جميع المواد في اختبار واحد نهاية العام ..
ظهرت النتائج ولله الحمد لم أرسب في أي مادة من المواد .. الغريب أنه لا توجد أجازة منتصف العام. فبمجرد أنتهاء الأختبارات واصلنا محاضرات الفصل الثاني دون أجازة. كان ذلك شيئاً لم استطع استيعابه بسهوله.
(10) بداية الفصل الدراسي الثاني وأول تجربة في المستشفى الجامعي :
بدأ الفصل الثاني مباشرة بعد انتهاء اختبارات الفصل الدراسي الأول وبعد أيام من بداية الفصل الدراسي الثاني ظهرت نتائج الطلاب بأرقامهم دون أسمائهم ..واصبح شغلنا الشاغل كم درجة امتياز حصلت عليها.. وخلال أيام معدودة بفضل ( اللقافة) الانجليزية أو ( ثقافة الحش ) ظهرت لنا قائمة بأسماء الراسبين والناجحين ..!!
لاأخفيكم أني تعجبت من تلك القائمة فمن كنت أضنه من ضمن المتفوقين أصبح راسباً ومن كنت أضنه من الراسبين أصبح من المتفوقين وبجدارة ومنهم صديقي الماليزي (نزران) الذي كنت أخاف عليه من الرسوب ولكنه حصل على تقدير ( ممتاز ) في جميع المواد الدراسية ..!!( ماشاء الله تبارك الله )
أصبحت الدراسة في الفصل الثاني أكثر صعوبة ولكنها أكثر تشويقاً فمادة ( علم القلب ) ومادة ( علم الجهاز العظمي ) ومادة ( علم الجهاز التنفسي ) جعلتنا نشعر بأننا أطباء فقد أصبحنا نتكلم بلغة الأطباء ونفهم بعض من حديثهم ..
أذكر أول تجربة لنا في غرفةالتشريح حينما ألقى رئيس قسم التشريح ( الأسماعيلي ذو الأصول الهندية) محاضرة خارج الغرفة عن( آداب الحضور لغرفة التشريح) ومما ذكره في كلمته ضرورة لبس البالطو الأبيض وشراء عدة التشريح والتي تبلغ تكلفتها 35 جنيه استرليني
وعدم الأكل والشرب في غرفة التشريح وفي نهاية كلمته تمنى للجميع قضاء وقت ممتع فيها كما قضى هو فيها كذلك عندما التقى بزوجته في إحدى غرف التشريح و على جثة رجل ميت ...!!!
دخلنا وكان الجميع في حالة ترقب وخوف بعض الطالبات شعرنا بالغثيان وبدأن بالتقيؤ كما ان البعض شعر بالدوران وكاد أن يسقط ..
قام رئيس التشريح بتوزيع الجثث على المجموعات فكل مجموعة لها جثة تتولى تشريحها طوال المدة الدراسية ..
فمثلا في مادة علم القلب يتم تشريح القلب ومادة علم الجهاز العظمي تشرح فيها العضلات وهكذا..
أذكر ان أحد الطلاب ( جورج) خرج أول يوم من غرفة التشريح مزهواً وكان يلبس لبساً أنيقاً وفوقه البالطو الأبيض وتوجه إلى مبنى الجامعه الرئيسي وأخذ يتجول في أرجائها مفتخراً بلبسه الأبيض فهو أصبح اليوم ( طبيباً ) ..!!
بدأت الايام تدور دورتها السريعه وأصبحنا بعدها نقضي أحلى الأوقات في غرفة التشريح فقد كنا نشعر أنا أطباء غير متوجين ..
أما انا فقد كنت أقضي أوقات طويلة في غرفة التشريح ليس حباً فيها وإنما للمذاكرة و المراجعة للأختبار العملي والذي سيقام في نهاية العام والذي سآتي على ذكره فيما بعد. وكان صديقي المصري ( رمزي ) مغرماً بأي مادة تحتوي على التشريح بل أنه كان يصحح أخطاء الأساتذة و سبب شغفه أنه يحلم بأن يكون جراح قلب كمجدي يعقوب. وقد تبين له فيما بعد أن هذا الحلم لا مجال لتحقيقه فتخصص جراحة القلب من التخصصات التي في طريقها للأنتهاء فأطباء جراحة القلب في بريطانيا لا يوجد وظائف لهم وهذا من (بركات) طب القلب التداخلي والذي أدى لعلاج كثير من الحالات دون أدنى تدخل جراحي.
في بداية الفصل الدراسي الثاني كنا قد بدأنا ندرس مادة ( مهارات علم الاتصال ) ( communication skills ) تتكون المادة الدراسية من مجوعات دراسية صغيرة تركز على كيفية محادثة المريض ومراعاة حالته النفسية ..
كان يجب على كل طالب المشاركة وكان هناك كاميرة فيديو مركزة على الطالب وتصور محادثته ثم يناقش فيها مع المجموعة ..
كان مجمل المحادثة يدور على ( أفكار المريض ) ( مايقلق المريض ) ( وما يتوقع المريض من الطبيب) idea, concern and expectations
أعتبر تلك المادة من أفضل المواد التي درستها في كلية الطب حيث تعلمت أصول الحديث مع المريض بعيداً عن النشئة الإجتماعية التي خرجت منها ..
كنت في البداية خجولاً وأكاد أن يغمى عليّ حينما يطلب مني التحدث مع المريض أمام الجميع ثم الطلب من زملائي نقدي ..
بدايةً كنت آخذ النقد بشكل شخصي ولكن فيما بعد اصبحت أفرح به ..
ومن المواد الدراسية التي درسناها مادة المهارات الطبية التطبيقية والتي كانت منسقتها العجوز المتصابية الدكتوره ( سو ). أذكر من المواقف أن صديقي السوري الأصل ذو اللحية الكثيفة كان لا ينظر ألى وجهها أثناء ألقاءها المحاضرات والسبب أن ملابسها تظهر جسدها بدلاً من تغطيته. أذكر احد المواقف أنها طلبت من أحد الطلاب بالقيام بفحص على قلبها أمام الطلاب كوسيلة تعليمية ولن أخوض في تفاصيل ذلك الفحص فليس المجال هنا لذكره.
وفي منتصف الفصل الثاني بدأنا البداية التطبيقية في المستشفى وبدأنا أول تجربة في المستشفى الجامعي بدأنا بزيارة المستشفى يوماً في الأسبوع وتحت إشراف الدكتور دكيستكا والدكتور سيورت بالتناوب .
كنا كل أسبوع نبدأ بحديث جانبي ثم نبدأ بالتوزيع على المرضى مقابلتهم ومحادثتهم ثم نعود نجتمع مرة أخرى ونبدأ بتقديم الحالات المرضية التي شاهدناها على المشرف ونقوم بمناقشتها معه .
كان د/ دكيستكا ذو شخصية حادة وعنيفاً معنا إلا مع هيلين الشقراء فقد كانت تحضى برعاية خاصة منه ..!!
أما د/ ستيورات كان ذو شخصية لامبالية فلايهمه من تكون وماذا استفدت ؟!
المهم انه يقضي الوقت المطلوب معناويبدأ في الحديث لامبالياً حتى اني أنهى المقرر وهو لايعرف ولااسم من اسماء مجموعتنا ..
كان الذهاب للمستشفى الجامعي متعة لاتضاهيها أي متعه فقد كان كسرا للروتين الذي تعودنا عليه في الكلية ...
كان الطلاب في يوم الذهاب يلبسون أنظف وأجمل ملابسهم .. وأما الطالبات فقد كما يرتدين ملابس حتى يبدو لك وكأنهن ذاهبات لسهرة في نادٍ ليلي ..!!!
وتزداد المشكلة أثناء الاختبارات حيث تستغل بعض الفتيات (الشغف) الرجالي ويبدأن في إظهار مفاتهن ..
أذكر أنني تحاورت مع إحداهن وسالتها لماذا الفتيات يظهرن مفاتنهن ..؟
فكان جوابها : من الجميل أن تكون جميلاً ..
حقيقة ً جواب لم أفهم ما تقصده إلى الآن ..؟؟!!
كانت مقابلة المريض تبدأ بتقديم اسمك وأنك طالب طب وتطلب الأذن بالحديث مع المريض فإذا اعتذر المريض تشكره ثم تذهب بهدوء ..
المضحك أنني قد قضيت مدة بسيطة في إحدى المستشفيات الكبرى فكان الأطباء يخبرونني أن أكذب على المريض ولا أخبرهم أني طالب طب وأنا لا أطلب الأذن بالحيث معهم فيجب أن تحدث معهم بدون استئذان فأنا ( طبيب ) وعلى الجميع الأنصات لي فالمريض ليس له حق الرفض والممانعه.
(11) اختبارات الفصل الثاني :
أخذت الأيام تأخذ دورتها سريعاً والثقة بالنفس تزداد ، تطورت لغتي الانجليزية وخصوصاً مهارة السمع فقد أصبحت اميز اللهجات الشمالية والجنوبية من بريطانيا..
في منتصف الفصل الدراسي الثاني بدأنا بحضور مادة تسمى ( الزيارة العائلية ) وهي مادة ليس فيها امتحان ولكن هناك بحث يقدم بعد سنة ونصف ، وكان يقوم بتدريس مجموعتنا الدكتور هاريسون وهو طبيب عام GP في قرية قريبة يتميز هذا الدكتور بالضحك والمزح وهو يعتبر كريماً كرماً انجليزياً اذكر انه اشترى لمجموعتنا شوكولاته وعصير كان اول وآخر كرم انجليزي تذوقته ..
هذه المادة الدراسية قائمة على زيارات يقوم بها كل طالب منا لعائلة معينة تعاني من أمراض مزمنة لها تأثير على حياتها اليومية ، فكان من نصيبي امراءة عجوز في الخامسة والثمانين من عمرها تعيش في قرية الدكتور هاريسون بل انه هو طبيب المركز الصحي لها ..
هذه العجوز فتحت عيني للوجه الآخر للمجتمع الانجليزي ، فهي امراءة تعيش وحيدةً ..!!
هاجر ابنها لاستراليا وهي لاتعلم عنه شيئاً سوء بعض كروت التهنئة بمناسبة الكريسمس التي يرسلها ..
لقد توطدت علاقتي بهذه العجوز وكانت تحدثني كثيراً عن حياتها الرتيبة المملة ..
يوم الاحد ( يوم الرقص ) كما تسميه فهي تخرج مع صديقها العجوز لشرب البيرة والرقص ..!!
اذكر أن هذه العجوز حدثتني عن امنية خاصة بها فقالت : ( كم اتمنى ان لاأصحو حينما لا أضع رأسي على المخدة ليلاً..!
بعد مدة تلقيت اتصالاً من الدكتور هاريسون يخبربني بوفاة هذه العجوز وعليّ ان لا أحاول الاتصال بهم وأن علي المواصلة مع مريض آخر سيتم تحديده فيما بعد......
كم تمنيت أني علمتها الشهادتين قبل وفاتها ..ولكن لله الامر من قبل ومن بعد ..
نعود لموضوعنا ..
في النصف الثاني من الفصل الثاني بدأت إجازة ما يسمى ( بالإيستر ) وكانت مدتها تقريباً أربعة أسابيع ... بعدها عدنا للدراسة مدة أربع أسابيع أخرى ثم بدأت بعدها اختبارات الفصل الدراسي الثاني ..
هذه المرحلة قمتُ بتغيير مكان مذاكرتي المعتاد من المكتبة العامة إلى المكتبة الطبية في المستشفى الجامعي حيث أصبحت أحتل إحدى الزوايا هناك بل وأصبحت فيما بعد مشهوراً بين مترددي المكتبة وذلك نظراً لكثرة تواجدي هناك فقد أصبحت تلك المكتبة جزءاً من حياتي الدراسية حتى تخرجي ، فقد كانت مكاني الذي لاأستطيع المذاكرة إلا فيه .. وقد توطدت علاقتي كثيراً بالعاملين هناك وجلهم من العجائز ..أذكر أنني وقعت فريسة للنوم في أحدى الليالي الباردة فما وعيت إلا في الظلام الدامس والأبواب مغلقة..... لقد نسيت أحدى العجائز أن تتفقد المكتبه قبل أن تغلقها كالعادة الساعة العاشرة ليلاً... ولا يخفى عليكم كم أصبحت هذه الحادثه مجالاً للتندر بين تلك العجائز حتى بعد تخرجي.
الامتحانات الآن على الأبواب ......صحيح أن الثقة بالنفس أفضل لكن الخوف من الفشل يطاردني....كانت الكلية أعلنت عن تغييرات جديدة في طريقة الامتحانات وإضافة امتحانات أخرى أحدها الاختبار الشامل وهو في نهاية السنة الأولى ومنتصف السنة الثالثة وكذلك أضيفت الأختبارات العملية.
كل ذلك جعلني أعيش حالة من التوتر لا يعلمها الا الله....كان خوفي من الاختبارات العملية أكثر من غيره.....علقت أرقام الطلاب على الجدران لمعرفة مواعيد الامتحانات العملية وكنت أنا الثالث في القائمة وكم تعلمون حرف الألف والذي يبدأ به كثير من القبائل العربية كان السبب في ذلك........
أذكر أنني كنت وقفاً خرج غرفة التشريح وأنا في قمة الأناقة أرتجف خوفاً أنتظر الدخول لبدء الأمتحان....الطلاب من حولي يتهامسون ويفتعلون الضحك.......البنات شبه عاريات وكأنهن حضرن لحفلة رقص والشباب في قمة الأناقة.....
لم تدم فترة انتظاري طويلاً فقد نودي على اسمي ودخلت مسرعاً واشارت لي المنسقة للذهاب لموقع الجثة رقم ثلاثة حيث تقف الدكتوره (هزيل) و معيد أسيوي لا أذكر أسمه الآن..بدأ المعيد بسؤالي عن مفصل الورك وتشريحه والدكتوره ( هزيل ) تضع العلامات..كنت أرتجف خوفاً..بعدها توقف المعيد وأخذت الدكتوره الدور وبدأت بالسؤال والمعيد يضع العلامات..
بعدها توقفت الدكتوره ( هزيل ) وأخذوني لمنتصف غرفة التشريح حيث وضعت العظام وصور الأشعة...وفي الطريق أخذت الدكتوره هزيل تطمأنني وتخبرني أن أي طالب يحضر للمنتصف فهي علامة جيدة أن مستواه ممتاز..
كم تمنيت أنها لم تقل ذلك فقد أصابتني حالة من النشوة..لم أفق منها ألا وأنا خارج الغرفة ولا أعلم كيف كانت إجابتي بعدها..!!
كانت الأمتحانات في قد شارفت على الأنتهاء وكنت أتوتر أكثر فأكثر ....كان الأمتحان العملي للأختبار الشامل الأول آخر يوم من الأختبارات.....كان أسمي في المقدمة كالعادة....وفي يوم الأختبار نودي على أسماء ستة طلاب ودخلنا غرف صغيرة متجوره وفي كل غرفة صغيرة كان هناك ممتحن يجلس على طاوله وأمامه أدوات الأمتحان كشريحة ميكرسكوبية وبعضهم كان يقف معه مريض وهكذا ... دق جرس الأختبار وبدأنا بالتحرك من غرفة لغرفة كان الوقت المسموحة به في كل غرفة هو خمس دقائق بعدها نتحرك للغرفة المجاورة وهكذا وبعدها توقفت عند العجوز المتصابية الدكتورة سو وهي المشرفة على هذا الأختبار ...سألتني ماهو رأيي بالأمتحان...فتمتمت بكلمات لم أفهمها أنا المتحدث ....
.كانت في آخر غرفة مريضة تشتكي من ألم في ركبتيها وكان الهدف هو تقييم مهارات الأتصال مع المريض.....
خرجت من ذلك الأختبار وأنا في قمت التعب والصداع ....كان علي أنتظار النتائج بعد ثلاثة أسابيع ....وفي تلك الفترة بدأنا بدراسة الأخلاقيات الطبية ....أذكر أنه من ضمنها محاضرة عن أخلاقيات الطب في المسيحة واخرى عن أخلاقيات الطب في الأسلام قدمها أستشاري طب نفسي يعمل في مدينة مجاورة.
ظهرت نتائج الأختبارات وكم كانت فرحتي حينما رأيت أمام أسمي لا يوجد أي مادة رسوب. كان الرسوب يعني إعادة جميع الأمتحانات جميعاً في أختبار واحد....
بدأت فترة الصيف وكنت قررت الذهاب لأرض الوطن والعودة بعد ثلاثة أسابيع لقضاء بقية الصيف في مختبر رئيسة قسم الوراثة لأخذ الخبرة العملية........... |