المنتديات الموقع العربي الموقع الانجليزي الهلال تيوب بلوتوث صوتيات الهلال اهداف الهلال صور الهلال
العودة   نادي الهلال السعودي - شبكة الزعيم - الموقع الرسمي > المنتديات العامة > منتدى المجلس العام
   

منتدى المجلس العام لمناقشة المواضيع العامه التي لا تتعلق بالرياضة

إضافة رد
   
 
LinkBack أدوات الموضوع طريقة عرض الموضوع
  #31  
قديم 13/10/2008, 05:33 AM
زعيــم متواصــل
تاريخ التسجيل: 11/02/2007
المكان: الرياض
مشاركات: 89
أخي أبدعت وأمتعت وليس لدي ما أقوله فحديثك شامل .

شيخنا الجليل دخل القلوب حتى أصبح فرد من ضمن كل عائلة .

وُدي
اضافة رد مع اقتباس
  #32  
قديم 13/10/2008, 10:36 AM
ناقد اجتماعي
تاريخ التسجيل: 05/12/2001
المكان: نيويورك - الولايات المتحدة الأمريكية
مشاركات: 2,053
وعليكم السلام والرحمه،،


رحم الله الشيخ علي الطنطاوي رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته.


أشكرك أخي العزيز على هذه الصفحة النقية، وأشكرك جداً على حسن انتقائك ونقلك لكتابات ثرية لشيخنا الفاضل رحمة الله عليه، نتعلم ونستفيد منها الكثير..

جميل جداً ما قاله رحمه الله عن صلاح الخُلق وأثره على النفس البشرية، ورائعة جداً تلك الكلمات المنتقاة في توقيعك.

بحق استمتعت بالتواجد هنا..

لعلنا نتعلم يوماً ونطبق ما علمناه من هذه المدارس.
اضافة رد مع اقتباس
  #33  
قديم 13/10/2008, 03:55 PM
زعيــم مميــز
تاريخ التسجيل: 29/07/2004
المكان: أرض الله الواسعة !
مشاركات: 2,160
الجنرال ,,,
شكراً لمرورك ..


الهاوي ,,,
و أنا أشكر لك تواجدك و إطرائك ..
و إن شاء الله نستفيد منهم بكل أمور الخير ..
اضافة رد مع اقتباس
  #34  
قديم 13/10/2008, 03:56 PM
زعيــم مميــز
تاريخ التسجيل: 29/07/2004
المكان: أرض الله الواسعة !
مشاركات: 2,160
ملاحظة / القريات محافظة تقع في شمال المملكة قريبة من الحدود الأردنية ..


هذه الأحداث وقعت في سنة 1935م
يقول الشيخ: "ولما وصلنا القريات في السعودية استقبلنا أمير القريات بنفسه، وأخذ ونحن في مجلسه يقول: قهوة شاهي قهوة شاهي، فأخذ يدور علينا بها عبد أسود، ثم أديرت علينا المجمرة وفيها البخور فلم ندر ما نصنع بها ثم وجدنا الأمير يضم عليها عباءته حتى يتعشق الطيب بثيابه ثم يدعها فصنعنا مثله، وانتهى العبد من إدارته البخور فأخذ الأمير ينظر إلينا، فقام شيخنا الرواف واستأذن فقمنا معه وقال لنا شيخنا الرواف ألم تسمعوا المثل النجدي؟ قلنا: وما ذاك؟ قال: "إذا دار العود فلا قعود"، فعلمت سر نظر الأمير لنا.
وبعد الظهر اجتمعنا مع الأمير للغداء ورأينا عادات لم نألفها وطرائف من الطعام لم نعرفها، فما كاد يستقر بنا المجلس حتى أقبل العبيد فمدوا سماطاً على الأرض ووضعوا عليه قصعة هائلة وقد مُلِئت أرزاً، وألقي فوقه خروف كامل بيديه ورجليه ورأسه، كأنهم والله أعلم خافوا أن نشك فيه فنحسبه دباً أو فيلاً أو قطاً فأبقوا على رأسه دليلاً قاطعاً على أنه خروف أصيل من أمة الضأن لا من شعب الثعالب.
وكان الخروف مفتوح العينين، ناعس الطرف، فأخذتني الشفقة عليه، وتوهمت أنه ينظر إلينا، ثم رأيت ألا مجال للوهم ولا الخيال، لأن القوم أحدقوا بالقصعة وشمروا عن سواعدهم، فِعلَ من يقدم على معركة، فخشيت أن يذهبوا بالأرز واللحم ويبقى لي الخيال والوهم!.
اضافة رد مع اقتباس
  #35  
قديم 14/10/2008, 07:57 PM
زعيــم مميــز
تاريخ التسجيل: 29/07/2004
المكان: أرض الله الواسعة !
مشاركات: 2,160
(( زوجتي ))....


قال لي صديق ، معروف بجمود الفكر ، وعبادة العادة ، والذعر من كل خروج عليها أو تجديد فيها . قال:

- أتكتب عن زوجك في الرسالة تقول إنها من أعقل النساء وأفضلهن ؟ هل سمعت أن أحداً كتب عن زوجه ؟ إن العرب كانوا يتحاشون التصريح بذكرها ، فيكنون عنها بالشاة أو النعجة استحياء وتعففا ، حتى لقد منع الحياء جريراً من رثاء زوجه صراحة ، وزيارة قبرها جهارا . ومالك بن الريب لمّا عد من يبكى عليه من النساء قال :



فمنهن أمى وابنتاها وخالتى **** وباكية أخرى تهيج البواكيا


فلم يقل وامرأتى . . وكذلك العهد بآبائنا ومشايخ أهلنا . لم يكن يقول أحد منهم : زوجتى ؛ بل كان يقول : أهل البيت وأم الأولاد ، والجماعة ،والأسرة ، وأمثال هذه الكنايات . أفترغب عن هذا كله ، وتدع ما يعرف الناس ،وتأتى ما ينكرون ؟

قلت : نعم !

فكاد يصعق من دهشته مني ، وقال :

- أتقول نعم بعد هذا كله ؟

قلت : نعم ! مرة ثانية .

أكتب عن زوجتي فأين مكان العيب في ذلك ؟ ولماذا يكتب المحب عن الحبيبة وهي زوج بالحرام ،ولا يكتب الزوج عن المرأة وهي حبيبته بالحلال ؟ ولماذا لا أذكر الحق من مزاياها لأرغب الناس في الزواج . والعاشق يصف الباطل من محاسن العشيقة فيحبب المعصية إلى الناس؟ إن الناس يقرؤون كل يوم المقالات والفصول الطوال في مآسي الزواج وشروره ، فلم لا يقرؤون مقالة واحدة في نعمه وخيراته ؟

ولست بعد أكتب عن زوجي وحدها ؛ ولكنى كما كان هوجو يقول : "إني إذا أصف عواطفي أبا ، أصف عواطف جميع الآباء" .

لم أسمع زوجاً يقول إنه مستريح سعيد ، وإن كان في حقيقته سعيداً مستريحا ، لأن الإنسان خلق كفورا ، لا يدرك حقائق النعم إلا بعد زوالها ؛ ولأنه ركب من الطمع ، فلا يزال كلما أوتى نعمة يطمع في أكثر منها ، فلا يقنع بها ولا يعرف لذتها . لذلك يشكو الأزواج أبدا نساءهم ، ولا يشكر أحدهم المرأة إلا إذا ماتت ، وانقطع حبله منها وأمله فيها ؛ هنالك يذكر حسناتها ، ويعرف فضائلها . أما أنا فإني أقول من الآن – تحدثا بنعم الله وإقراراً بفضله – إني سعيد في زواجي وإني مستريح .

وقد أعانني على هذه السعادة أمور يقدر عليها كل راغب في الزواج ، طالب للسعادة فيه ، فلينتفع بتجاربي من لم يجرب مثلها ، وليسمع وصف الطريق من سالكه من لم يسلك بعد هذا الطريق.


أولها : أني لم أخطب إلى قوم لا أعرفهم ، ولم أتزوج من ناس لا صلة بيني وبينهم . . فينكشف لي بالمخالطة خلاف ما سمعت عنهم ، وأعرف من سوء دخيلتهم ما كان يستره حسن ظاهرهم ، وإنما تزوجت من أقرباء عرفتهم وعرفوني ، واطلعت على حياتهم في بيتهم واطلعوا على حياتي في بيتي . إذ رب رجل يشهد له الناس بأنه أفكه الناس ، وأنه زينة المجالس ونزهة المجامع ، وهو في بيته أثقل الثقلاء . ورب سمح هو في أهله سمج ، وكريم هو في أسرته بخيل ، يغتر الناس بحلاوة مظهره فيتجرعون مرارة مخبره . .

تزوجت بنتاً أبوها ابن عم أمي لحا ، وهو الأستاذ صلاح الدين الخطيب شيخ القضاء السوري المستشار السابق والكاتب العدل الآن . وأمها بنت المحدّث الأكبر ، عالم الشام بالإجماع الشيخ بدر الدين الحسينى رحمه الله . فهي عريقة الأبوين ، موصولة النسب من الجهتين.

والثاني : أني اخترتها من طبقة مثل طبقتنا . فأبوها كان مع أبي في محكمة النقض ،وهو قاض وأنا قاض ، وأسلوب معيشته قريب من أسلوب معيشتنا ،وهذا هو الركن الوثيق في صرح السعادة الزوجية ، ومن أجله شرط فقهاء الحنفية (وهم فلاسفة الشرع الإسلامي) الكفاءة بين الزوجين .

والثالث : أني انتقيتها متعلمة تعليماً عادياً ، شيئاً تستطيع به أن تقرأ وتكتب ، وتمتاز من العاميات الجاهلات ، وقد استطاعت الآن بعد ثلاثة عشر عاماً في صحبتي أن تكون على درجة من الفهم والإدراك ، وتذوق ما تقرأ من الكتب والمجلات ، لا تبلغها المتعلمات ،وأنا أعرفهن وكنت إلى ما قبل سنتين ألقي دروساً في مدارس البنات ، على طالبات هن على أبواب البكالوريا ، فلا أجدهن أفهم منها ، وإن كن أحفظ لمسائل العلوم ، يحفظن منها ما لم تسمع هي باسمه.

ولست أنفر الرجال من التزوج بالمتعلمات ، ولكني أقرر – مع الأسف – أن هذا التعليم الفاسد بمناهجه وأوضاعه ، يسيء على الغالب إلى أخلاق الفتاة وطباعها ، ويأخذ منها الكثير من مزاياها وفضائلها ،ولا يعطيها إلا قشورا من العلم لا تنفعها في حياتها ،ولا تفيدها زوجاً ولا أما . والمرأة مهما بلغت لا تأمل من دهرها أكثر من أن تكون زوجة سعيدة وأما.

والرابع : أني لم أبتغ الجمال وأجعله هوو الشرط اللازم الكافي كما يقول علماء الرياضيات لعلمي أن الجمال ظل زائل ؛ لا يذهب جمال الجميلة ، ولكن يذهب شعوورك به ، وانتباهك إليه ، لذلك نرى من الأزواج من يترك امرأته الحسناء ويلحق من لسن على حظ من الجمال ، ومن هنا صحت في شريعة إبليس قاعدة الفرزدق وهو من كبار أئمة الفسوق ، حين قال لزوجه النوار في القصة المشهورة : ما أطيبك حراما وأبغضك حلالا !

والخامس : أن صلتي بأهل المرأة لم يجاوز إلى الآن ، بعد ثمن قرن من الزمان ، الصلة الرسمية : الود والاحترام المتبادل ، وزيارة الغب ، ولم أجد من أهلها ما يجد الأزواج من الأحماء من التدخل في شؤونهم ، وفرض الرأي عليهم ، ولقد كنا نرضى ونسخط كما يرضى كل زوجين ويسخطان ، فما دخل أحد منهم يوما في رضانا ولا سخطنا .
ولقد نظرت إلى اليوم في أكثر من عشرين ألف قضية خلاف زوجي ، وصارت لي خبرة أستطيع أن أؤكد القول معها بأنه لو ترك الزوجان المختلفان ، ولم يدخل بينهما أحد من الأهل ولا من أولاد الحلال ، لانتهت بالمصالحة ثلاثة أرباع قضايا الزواج.

والسادس : أننا لم نجعل بداية أيامنا عسلا ، كما يصنع أكثر الأزواج ، ثم يكون باقي العمر حنظلا مرا وسما زعافا ، بل أريتها من أول يوم أسوأ ما عندي ، حتى إذا قبلت مضطرة به ، وصبرت محتسبة عليه ، عدت أريها من حسن خلقي ، فصرنا كلما زادت حياتنا الزوجية يوما زادت سعادتنا قيراطا .

والسابع : أنها لم تدخل جهازا ، وقد اشترطت هذا لأني رأيت أن الجهاز من أوسع أبواب الخلاف بين الأزواج ، فإما أن يستعمله الرجل ويستأثر به فيذوب قلبها خوفاً عليه ، أو أن يسرقه ويخفيه ، أو أن تأخذه بحجز احتياطي في دعوى صورية فتثير بذلك الرجل .

والثامن : أني تركت ما لقيصر لقيصر ، فلم أدخل في شؤونها من ترتيب الدار وتربية الأولاد ؛ وتركت هي لي ما هو لي ، من الإشراف والتوجيه، وكثيراً ما يكون سبب الخلاف لبس المرأة عمامة الزوج وأخذها مكانه ، أو لبسه هو صدار المرأة ومشاركتها الرأي في طريقة كنس الدار ، وأسلوب تقطيع الباذنجان ، ونمط تفصيل الثوب.

والتاسع : أني لا أكتمها أمراً ولا تكتمني ، ولا أكذب عليها ولا تكذبني ، أخبرها بحقيقة وضعي المالي ، وآخذها إلى كل مكان أذهب إليه أو أخبرها به ، وتخبرني بكل مكان تذهب هي إليه ، وتعود أولادنا الصدق والصراحة ، واستنكار الكذب والاشمئزاز منه . ولست والله أطلب من الإخلاص والعقل والتدبير أكثر مما أجده عندها . فهي من النساء الشرقيات اللائى يعشن للبيت لا لأنفسهن . للرجل والأولاد ، تجوع لنأكل نحن ، وتسهر لننام ، وتتعب لنستريح ، وتفني لنبقي . هي أول أهل الدار قياماً ، وأخرهم مناماً ، لا تني تنظف وتخيط وتسعى وتدبر ، همها إراحتي وإسعادي . إن كنت أكتب ، أو كنت نائماً أسكتت الأولاد ، وسكنت الدار ، وأبعدت عنى كل منغص أو مزعج .

تحب من أحب ، وتعادى من أعادى . إن حرص النساء على رضا الناس كان حرصها على إرضائي . وإن كان مناهن حلية أو كسوة فإن أكبر مناها أن تكون لنا دار نملكها نستغني بها عن بيوت الكراء.

تحب أهلي ، ولا تفتأ تنقل إلى كل خير عنهم . إن قصرت في بر أحد منهم دفعتني ، وإن نسيت ذكرتني ، حتى أني لأشتهي يوماً أن يكون بينها وبين أختي خلاف كالذي يكون في بيوت الناس ، أتسلى به ، فلا أجد إلا الود والحب ، والإخلاص من الثنتين ، والوفاء من الجانبين . إنها النموذج الكامل للمرأة الشرقية ، التي لا تعرف في دنياها إلا زوجها وبيتها ،والتي يزهد بعض الشباب فيها ، فيذهبون إلى أوربة أو أميركة ليجيئوا بالعلم فلا يجيئون إلا بورقة في اليد وامرأة تحت الإبط ، إمرأة يحملونها يقطعون بها نصف محيط الأرض أو ثلثه أو ربعه ، ثم لا يكون لها من الجمال ولا من الشرف ولا من الإخلاص ما يجعلها تصلح خادمة للمرأة الشرقية ؛ ولكنه فساد الأذواق ،وفقد العقول ، واستشعار الصغار ،وتقليد الضعيف للقوى . يحسب أحدهم أنه إن تزوج امرأة من أمريكا ، وأى امرأة ؟ عاملة في شباك السينما ، أو في مكتب الفندق ، فقد صاهر طرمان ، وملك ناطحات السحاب ، وصارت له القنبلة الذرية ، ونقش اسمه على تمثال الحرية . .

إن نساءنا خير نساء الأرض ، وأوفاهن لزوج ،وأحناهن على ولد ، وأشرفهن نفسا ، وأطهرهن ذيلا ، وأكثرهن طاعة وامتثالا وقبولا لكل نصح نافع وتوجيه سديد . وإني ما ذكرت بعض الحق من مزايا زوجتي إلا لأضرب المثل من نفسي على السعادة التي يلقاها زوج المرأة العربية (وكدت أقول الشامية) المسلمة ، لعل الله يلهم أحدا من عزاب القراء العزم على الزواج فيكون الله قد هدى بي ، بعد أن هداني !



هل تتفقون مع النقاط المذكورة بالمقال ..؟
اضافة رد مع اقتباس
  #36  
قديم 14/10/2008, 11:13 PM
زعيــم مميــز
تاريخ التسجيل: 08/10/2007
المكان: في قلب الهلال
مشاركات: 1,932





قمة في البلاغة و الفصاحة..

هذه تكفي أخي..


رحم الله.. شيخنا و علاّمتنا..



شكرا لك..
اضافة رد مع اقتباس
  #37  
قديم 14/10/2008, 11:42 PM
الصورة الرمزية الخاصة بـ آخر طموحآتي
زعيــم نشيــط
تاريخ التسجيل: 30/08/2008
مشاركات: 695
الشيخ على الطنطااوي من القلائل الذين تستمتع بفكرهم وأدبهم وحتى بحديثه الشيق
الذي يسلب العقول .. افتقدته الامه الاسلاميه .. ولكن اثره باقي ولله الحمد ..

رحمه الله رحمه وااسعه وتغمده بوااسع رحمته .. ،

أشكرك أخي الفااضل A.K.N 505 على هذا الطرح وعلى الراابط .. ,

دمت سعيدا . .
اضافة رد مع اقتباس
  #38  
قديم 17/10/2008, 12:44 PM
زعيــم مميــز
تاريخ التسجيل: 29/07/2004
المكان: أرض الله الواسعة !
مشاركات: 2,160
(( في لج البحر )) ...



مات علي الطنطاوي.

وليس عجبا أن يموت، والموت غاية كل حي، ولكن العجيب أن يرجع بعدما مات، ليصف للقرء الموت الذي رآه...

وكان ذلك من شهرين، وكان على سيف البحر في بيروت، وكان البحر هائجا غضبان، يرمي بأمواج كأنها الكثبان، وقد فرّ منه الناس، فليس في الشطوط كلها، على طولها وامتدادها (من سان سيمون إلى الأوزاعي) إلا نفر قليل.

ولم يكن يعرف من السباحة إلا درسا واحدا، كان قد تلقاه من أكثر من ثلث قرن، على معلم لم يسبح أبدا، هو أن يقف حيث لا يصل الماء إلى الصدر، ثم يحاول أن ينبطح، ويسيب قدميه، ويخبط بيديه، ويبقى على ذلك مقدار ما يبتلع من ماء البحر (وهو كشربة الملح الإنجليزي) ما يملأ معدته وأنفه.. ثم يخرج. وكان مع شاب تونسي من علماء جامع الزيتونة، ولا يمتاز في السباحة عنه إلا بأنه أجهل فيها منه، حتى هذا الدرس لم يحضره لأنه لم يكن ولد، فلما كبر لم يستطع ان يأخذ مثله، لأن ذلك (المعلم) كان قد مات.

وتركا (الحمام) حيث النساء العاريات، ثم أخذت أسبح السباحة التي أعرفها: أرفع رجليّ، وأحرك يديّ، فإذا تعبت خرجت أستمتع بالشمس والهواء، وكنت ممتلئا بالصحة، أكاد أتوثب من النشاط توثبا، وكان الموت بعيدا عن فكري، والموت أبدا أبعد شيء في أفكارنا عنا، وإن كان أقرب شيء في حقيقته منا، نتناساه وهو عن أيماننا وشمائلنا، نشيع الجنائز ونمشي معها ونحن في غفلة عنها، نتكلم كلام الدنيا، ونرى مواكب الموت تمر بنا كل يوم، فلا نفكر ولا نعتبر، ولا نقدّر أننا سنموت كما ماتوا، ومات من كان أصح منا صحة، وكان أشد منا قوة وأكبر سلطانا، وأكثر أعوانا، فمنا دفعت عنه الموت لما جاءه صحته ولا قوته، ولا حماه منه سلطانه ولا أعوانه، نعرف بعقولنا أن الموت كأس سيشرب منها كل حي، ولكننا ننسى هذه الحقيقة بشعورنا وعواطفنا، وتحجبها عنها شواغل يومنا، وتوافه دنيانا، يقول كل واحد منا بلسانه: إن الموت حق وإن مقدّر على كل حي، ويقول بفعله: لم أموت، لقد كتب الموت على كل نفس إلا نفسي، فلا يزال في العمر فسحة لي دائما، ولن يأتي أجلي أبدا.

وعاودت الدخول في الماء، وأطلت البقاء فيه، وما أحسست وأنا أتزحزح شبرا فشبرا، أني جاوزت هذه البركة، وبلغت موضعا من البحر عميقا، علمت بعد أن فيه تيارا يتحاماه السباحون القادرون، فكيف بمن لم يكن يتقن من السباحة إلا فن الرسوب.




وحاولت الوقوف فإذا أنا لا أجد الأرض الصلبة من تحتي، وحاولت أن أرفع رأسي فأنظر، فإذا أن لا أجد الهواء ولا أبصر شيئا، وأحسست أن الماء المالح قد تدفق على فمي، وأنفي، فأنا لا أملك إلا أن أبلعه وأنشقه، وبدأت أحس آلاما لا تصوّر ولا توصف، ليست في الرأس، وليست في عضو من الأعضاء وحده، ولكنها في كل ذرة من جسدي، وروحي، وشعرت كأن قد ألقيت على صخرة ضخمة، وأن أعصابي تجذب من تحتها وتقلع، كما تجذب خيوط الحرير مما خالطها من الشوك، وصار كل همي من دنياي أن أجد نسمة واحدة من الهواء فلا أجدها، فقلت: هذا هو الموت، هذا هو الموت الذي أفر من الكلام فيه والحديث عنه، والذي أراه بعيدا عني، لم يحن حينه، ولم يدن موعده، لذلك كنت أؤجل التوبة من يوم إلى يوم، أقول إذا بلغت من الشباب تبت، فلما بلغتها قلت: أتوب في الأربعين، فلما جاوزتها قلت: أنتظر حتى أتم بناء الدار، فلما أتممتها قلت: أتوب وأتفرغ إلى الله، إذا بلغت سن التقاعد، كأني أخذت على مَلَك الموت عهدا، ألا يطرق بابي حتى أبلغ سن التقاعد، فها هو ذا قد جاء على غير ميعاد




وكان أول ما خطر على بالي، أني كنت أتمنى ميتة سهلة سريعة تكون على الإيمان، وأن هذه الأمنية تلازمني من أزمان، فخشيت أن أكون قد سعيت إلى هذه الميتة فأكون (والعياذ بالله) منتحرا، ورحت أفكر فيما صنعته من لدن دخلت الماء، فإذا أنا لا أذكر من ذلك شيئا، وإذا أنا أشعر أنه غدا بعيدا عني كأنه قد كان من سنة، لا من دقائق معدودات، وصغرت الدنيا في عيني، كأني أراها من طيارة قد علت في طباق الجو، ومن كان على سفر، يسرع ليلحق القطار، هل يرى من الشوارع التي يجتازها شيئا؟ هل يغريه منها جمال ساحر، أو فن طريف؟ إنه يحس بها غريبة عنه، وأنها ليست له، يغدو منظرها في عينه كصورة زائفة فكيف ينظر إلى هذه الدنيا من أيقن الموت؟

لقد أمحت (والله) صورة الدنيا كلها من أمامي. ومالي وللدنيا، ولم يبق لي فيها إلا لحظات معدودات، أنا أتجرع فيها ثمالة كأس الآلام؟ لم يبق لي منها ما يغريني بها، حتى الأهل والولد شغلت بنفسي عنهم، فلا تصدقوا ما تقرؤونه في القصص من أن المشرف على الغرق، يفكر في أحبائه أو في أعماله، أو في أدبه وعلمه ومقالاته وأشعاره، أو يهمه ما يقال فيه من بعده وما كان ذلك من غير المسلم، أما المسلم فلا يرى في تلك الساعة إلا ما هو قادم عليه.



وازدحمت عليّ الخواطر فيما أفعله، فحاولت التشهد والتوبة أولا، فلم أستطع النطق بشيء مما كان في فمي من الماء، وازدادت علي الآلام ولكنها لم تقطع خواطري، وكان ذهني في نشاط عجيب ما أحسست مثله عمري كله، وكنت بين خوف من الموت ورغبة فيه: أرغب فيه أرجو أن تكون هذه الميتة على الإيمان، وأخاف لأنه ليس لدي ما أقدم به على الله، وقد فاجأني الموت، كما يفاجئ التلميذ المهمل، الذي لا يزال يؤجل المطالعة والحفظ، ويقول: الامتحان بعيد، وتمضي الأيام، حتى إذا رآه صار أمامه قطع أصابعه ندما، وأذهب نفسه حسرة، وما نفعه ذلك شيئا.

هذا هو امتحان يسير، أسوأ ما فيه أن تذهب بالسقوط فيه سنة من عمره سدىً، فكيف بالامتحان الأعظم، الذي ما بعده إلا النعيم الأبدي في الجنة، أو الشقاء الطويل في النار، الامتحان الذي ليس فيه (إكمال) و لا تعاد له دورة، و لا يجبر فيه (كسر) درجة، و لا تنفع فيه شفاعة شافع، و لا وساطة ذي جاه أو مال، و رأيت موقف الحساب رأي العين، و قد شغلت كل أمري نفسه، و الناس يدعون ليأخذوا نتائج الامتحان، فمن أخذ كتابه بيمينه، و حمل إلى الجنة فهذا هو الفائز، و من أخذ كتابه بشماله و سيق إلى النار فهذا هو الخاسر، و هذا هو الخسران المبين.

و عرضت عملي، فلم أجد لي عملاً من أعمال الصالحين، فلا أنا من أهل المراقبة الذين لا يغفلون عن الله طرفة عين، و لا أنا من المبتعدين الذين يقومون الليالي الطوال و الناس نيام، و يناجون ربهم في الأسحار، و ما أنا من المتقين الذين يتجنبون المحرمات، ما أنا إلا واحد من الغافلين المذنبين، أي والله فبم أقدم على الله؟




و نظرت فإذا كل ما ربحته من عمري لحظات، لحظات كنت أحس فيها حلاوة الإيمان، و أخلص فيها التوجه إلى الله تقابلها عشرات من السنين كنت سابحاً فيها في بحار الغفلة، تائهاً في بيداء الغرور، أحسب من جهلي، أن الأيام ستمتد بي، لم أدر أن العمر ساعات محدودة، و أن ذلك هو رأس مالي كله، فإن أضعته لم يبق لي من بعده شيء.

و ذكرت حديثاً كنت حفظته في صباي ((اغتنم خمساً قبل خمس: شبابك قبل هرمك، و صحتك قبل سقمك، و فراغك قبل شغلك، و غناك قبل فقرك، و حياتك قبل موتك)). و ندمت لأنني لم أكن وضعته في صدر مجلسي، و اتخذته منهجاً لحياتي، و لكني لم أعرف (مع الأسف) معناه، و لم أدرك حقيقته، إلا عندما انتهت حياتي.

و فكرت فيما كنت أكابد من ألم الطاعة، فإذا الألم قد ذهب و بقي الثواب، و نظرت فيما استمتعت به من لذة المعصية، فإذا هو قد ذهب و بقي الحساب، فندمت على كل لحظة لم أجعلها في طاعة.




و نظرت فإذا المقاييس كاملة تتبدى ساعة الموت، و إذا كل ما كنت أحبه و أنازع عليه، قد صار عدماً! و إذا أنا لم آخذ معي شيئاً، بنيت داراً فما حملت معي منها حجراً، و اقتنيت مالاً فما كان لي منه، إلا ما ظننت من قبل أني خسرته، و هو ما أخرجته لله، و كتبت آلفاً من المقالات في عشرات من السنين، و كان لي من القراء و المستمعين ملايين و ملايين، فما نفعني إلا كلمة قلتها لوجه الله، و أين هي؟ لقد تركني هؤلاء المعجبون (كما يقولون) بأدبي و بياني أموت الآن و حدي، ما جاء واحد منهم ليأخذ بيدي، و ما أقبل واحد منهم يدفع الموت عني!

و عرفت لذائذ الحياة كلها، فما الذي بقي في يدي و أنا أموت غرقاً من لذائذ، و ما الذي استبدلته بالعمل الصالح الذي لا أرجو النجاة الآن إلا به؟

لقد كان إبليس يشغلني عن الخشوع في الصلاة بالتفكير في ((البنطال)) أن يفسد كيه السجود، و يخوفني أن تذهب صحتي، بقطع المنام لصلاة الفجر أو صيام أيام الحر من آب، و أن أخسر حسن رأي الناس فيّ إن جهرت بقولة الحق، أو أن ينالني من ذلك أذى في جسدي أو في رزقي!

فوجدتني الآن أخسر الناس، إذ بعت الباقي، بهذا الوهم الزائل، كزنوج إفريقية الذين يعطون كنوز بلادهم وخيراتها، ليأخذوا خرزات لماعة، أو ساعة طنانة، أو هنة هينة من هينات الحضارة.

أما العاقل فيبذل ما لديه من متاع، ويعلم أن الذي يعطيه اليوم، هو الذي يبقى له غدا، وأن الذي يحتفظ به ويخفيه يخسره ويخرج من يده، ويكون مستعدا للسفر في كل لحظة.. وأما الأحمق فيتمسك بخيمته ومتاعه القليل ويقول: أنا باق هنا، هذه هي داري، وهذا متاعي، وما الدار الآخرة إلا أكاذيب جرائد، وأساطير محررين، وأن أكون أحمق فأبيع عاجلا حاضرا، بآجل موهوم، ويرى الناس يطيرون كل يوم فلا يفكر ويظن أنه وحده هو الباقي، حتى يجيء دوره، فيحمل قسرا لا يملك دفعا ولا منعا، ويخسر ما كان له في الجزيرة، ولا يلقى في أمريكا إلا جحيم الفقر والحاجة إلى الناس.

وغلبني ألم الموت، ولم يعد في طوقي أن أفكر، فرجعت إلى الله وتصورت كرمه وعفوه، وكان يغلب عليّ الأمل وحب الحياة، فأضرب بيدي ورجلي وأرفع يميني أشير بها، ثم يدركني اليأس فأسلم أمري إلى الله، ولم اكن أتمنى بعد المغفرة، إلا شيئا واحدا، هو أن يخفف الله عني بتعجيل موتي، أخشى أن يطول بي هذا الألم فوق ما طال.




وقد خيّل إليّ أني بقيت على ذلك ساعات، ولكن تبين لي من بعد، أني لم ألبث أكثر من دقيقتين، في دقيقتين أحسست هذه الآلام، ومرت في ذهني هذه الخواطر.

وهذا من العجائب التي أودعها الله النفس البشرية، فأنت ترى حلما تعيش فيه عشرين سنة بأحداثها، ولا تكون قد نمت اكثر من خمس دقائق.

ثم لما خارت قواي، وأوشكت أن أغوص فلا أطفوا أبدا، خيّل إليّ أني أسمع أصواتا تناديني، وأحسست بيدي تمس شيئا صلبا، أدركت أنه طرف من زورق، ففرحت فرحة ما فرحت قط مثلها، وشعرت أني أرفع إلى الزورق، ثم غبت عن نفسي وهم يمسكون برجلي لأخرج بعض ما في جوفي من ماء البحر.



لقد خرجت بنفس جديدة، واتعظت موعظة أرجو أن تدوم لي، وعرفت قيمة الحياة، وحقيقة الموت، ونحن لا نعرف من الموت إلا ظاهره دون حقيقته، نراه عدما، ونندب القريب والحبيب إن وضعناه في حفرة باردة، وخلفناه وحيدا، تأكله الدود، وليس حبيبك الذي أودعته الحفرة، ولكن جسده، والجسد ثوب يخلع بالموت، كما تخلع الحية ثوبها، فهل يبكي أحد على ثوب خلع!؟

وما الموت إلا انتقال إلى حياة أرحب وأوسع، إلى النعيم الدائم أو الشقاء الطويل، ولو كان الموت فناء لكان نعمة.


ولو أنا إذا متنا تركنا * * * * * * لكان الموت راحة كل حي
ولكنا إذا متنا بعثنا * * * * * * ونسأل بعدها عن كل شيء


فإذا كان الموت سفرة لابد منها، فالعاقل من تهيأ لها، وأعد لها الزاد والراحلة، وذكرها دائما كي لا ينساها، ونظر في كل شيء، فإن كان مما يستطيع أن يحمله فيها حرص عليه، وإن كان مجبرا على تركه وراءه زهد فيه وانصرف عنه.




وبعد.. فلا يهنئني أحد بالسلامة، بل ليدع لنفسه ولي بحسن الخاتمة، فإني أخاف والله ألا أجد ميتة أكون فيها حاضر القلب مع الله، مستشعرا التوبة، متصورا الدار الآخر، كما كانت هذه المرة.
اضافة رد مع اقتباس
  #39  
قديم 20/10/2008, 06:08 AM
الصورة الرمزية الخاصة بـ المحبره
زعيــم مميــز
تاريخ التسجيل: 22/04/2007
المكان: بين المطرقة ,, والسندان!!
مشاركات: 1,972
إقتباس
الرسالة الأصلية كتبت بواسطة A.K.N 505
في المقال , تحدث عن الأوضاع التي كانت في عصره .. لكنه القصة هي له
و لهذا اخترتها كأول المقالات لأنها كانت كسيرة بسيطة مختصرة و لكن بكتابته هو ..

أعلم ذلك أخي ,, لكني قصدت الأم التي استشارته في بداية المقال .. و قص عليها قصته !!

قرأت ما كتبته أكثر من مره .. كان انتقائك موفقاً .. لشخصٍ محبوب من كثير ..
أيضاً المقالات التي قرأتها تشدني لقراءة المزيد ..
سبحان الله .. وأنا أقرأ كأني أسمع صوته يحكي ..
فأسلوبة جداً واضح ..

رحمه الله .. وغفر له .. وغفر لابنتيه .. فقد توفيت الثانية في حادث سير في جدة قبل يومين ..

أشكرك أخي الكريم ..
اضافة رد مع اقتباس
  #40  
قديم 20/10/2008, 10:13 AM
الصورة الرمزية الخاصة بـ الهلالي دائماً
مشرف منتدى الجمهور الهلالي
تاريخ التسجيل: 20/01/2002
المكان: وسط المعمعه
مشاركات: 12,893
الحبيب عبد الله .. لله درك

ياله من بستان .. وياله من أديب ..
رحم الله شيخنا واديبنا على الطنطاوي وجمعنا به في مسقر رحمته ,,,

حقيقة لي عن كتابات الطنطاوي فترة من الزمن لكن هذا الموضوع اعاد الى روح الادب
وذكريات الابداع .. فكم سهرت على حروف شيخنا الفاضل .. فقد كان مرجعا لي في الادب
حتى اني ما زلت اذكر كتاابه قصص من التاريخ وقد تمزقت اوراقه من كثرة القراءة والتوسد عليه
فصرت اعيد ترتيب اورقه المتناثرة .. وأقرأه ورقة ورقة

من رثاء العشماوي له :

منابع الشعر لم تبخل سواقيها ** فكيف يحبسها من كان يجريها

يا لائم الشعر صمتاً رب قافية ** تأبى مسيراً على أصوات حاديها

يا من يعاتبني في حزن قافيتي ** أما رأيت سهام الحزن ترميها

هل تطلب الشدو منها وهي واجمةٌ ** مما ترى وستار الليل يخفيها

رحيل أحبابنا نار مؤججة ** تُذيب أكبادنا وجداً و تصليها

مضى عليٌ أديب الفقهِ َشيعهُ ** حبٌ عظيم و آلام نداريها

وشَيعته نفوس طالما شربت ** من نبع حكمته ما كان يرويها

و شيعته قلوب نبضها أمل ** في الله أن يُسكن الجنات باغيها

مضى الأديب العصامي الذي احتفلت** به البلاغة وازدادت روابيها

مضى كأن لم يصافح كفه قلم ** عذب يذود عن الفصحى ويحميها

رفعت من قصص التاريخ ألوية ** ما زال يقصر عنها من يباريها

وشّيتها بجميل القول فابتهجت ** فيها المعاني بما صاغت مبانيها

في ذكرياتك كنزٌ قد بنيت به ** صروح وعيٍ لسان الصدق يرويها

يا مازج العلم بالآداب كم هرعت ** إليك أحرفنا الخضراء تؤويها

ها نحن نغرس أشجار الشموخ على ** شطآننا وبماء الحب نسقيها

إنا لنحرس آثار الذين بنو ** بالحزم و الخلق الأسمى نقويها

إليك منا زهوراً من محبتنا ** و دعوة في ظلام الليل نزجيها

شكراً ..A.K.N 505
اضافة رد مع اقتباس
  #41  
قديم 20/10/2008, 11:09 PM
الصورة الرمزية الخاصة بـ ساقي الـعُطـور
زعيــم مميــز
تاريخ التسجيل: 16/01/2006
المكان: بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ
مشاركات: 2,683
جُزيت خيراً وهذا موقع الشيخ علي رحمة الله عليه

http://www.alitantawi.com/
اضافة رد مع اقتباس
  #42  
قديم 23/10/2008, 12:27 PM
زعيــم مميــز
تاريخ التسجيل: 29/07/2004
المكان: أرض الله الواسعة !
مشاركات: 2,160
المحبرة ,,,
التبس الأمر علي ..
وجودك هنا يسعدني ..
دمت في حفظ الله..


ماجد مقبل ,,,
أهلا بالأديب..
الآن اكتمل الموضوع بوجودك ..
نوّرت المكان ..


رحيل الحال ,,,
شكراً لمرورك ..
اضافة رد مع اقتباس
  #43  
قديم 23/10/2008, 12:28 PM
زعيــم مميــز
تاريخ التسجيل: 29/07/2004
المكان: أرض الله الواسعة !
مشاركات: 2,160
(( شهادة ليسانس للبيع )) ...



أنا يا سادتي الكرام، ليسانسية في الحقوق من أربعة أيام فقط وقد اتخذت لهذه الشهادة الجميلة الكبيرة المزينة بعشرة أختام وتوقيعات لأصحاب الفخامة والدولة والمعالي، وما لست أدري ماذا: رئيسي الجمهورية والوزارة ومندوب العميد ورئيسي الجامعة والمعهد.. والداعي، الفقير إلى الله تعالى حامل الشهادة!

اتخذت لها إطارا جميلا ثمينا حصلت عليه بوسيلة من الوسائل لا أحب أن أكشف سرها للقراء، ولكن لهم أن يثقوا أني لم أنفق فيها قرشا واحدا، وعلقتها في داري في الغرفة التي كان يجب أن تكون غرفة استقبال، وأن تكون منظمة مرتبة لا كما هي الآن: يضل الداخل إليها بين أكمام الكتب المنتشرة فيها، والتي تدور أبدا كما تدور تلال الصحراء الكبرى، وينقلب عاليها سافلها كلما فتشت عن كتاب، علقتها هناك إلى جانب أخواتها البكالوريا والكفاءة والابتدائية… ووقفت سبعا وسبعين دقيقة خاضعا أمامها خاشعا، وذكرت تلك الأعوام الستة عشر التي أنفقتها في تحصيلها وكان خيرا لي أن أقضيها في حانوت حلاق أجيرا أتمتع بالجمال والمال، أو ممثلا في جوقة أعيش عيش النعيم والتعظيم، أو عاملا في مطبعة يدور عليَّ الزمان فإذا أنا (صاحب جريدة كبرى)... أو لو قضيتها في تلاوة الروايات والأقاصيص أنال منها لذة ومتعة –إذا لم أنل فائدة ونفعا- وتأملت فيها معظما مبجلا، وتجرأت فلمستها (أي الشهادة) بيدي في ابتسامة بلهاء، كما يلمس الإنسان تحفة ثمينة، ليزيد إحساسه بها، أو أثرا مقدسا، ليتبرك به (ليس في الأشياء ما هو مقدس في نظر المسلم يتبرك به للنفع أو للضر، حتى الحجر الأسود لا يضر ولا ينفع، وإنما يقبل اتباعا وتعبدا)...

وجلست بعد ذلك أفكر ماذا أصنع بها، بعد أن زالت من نفسي رغبة النجاح، ونشوة الظفر، وأغلقت الأبواب، وأطفأت الأنوار، وأشعلت البخور... وتلوت أسماء الجن واستصرخت الملك الأحمر والأخضر، ثم أحرقت الشهادة فخرج من لهيبها مارد طويل، وقام أمامي في خشوع... فقلت له:

ما اسمك أيها المارد؟
ليسانس يا سيدي.

ماذا تقدر أن تصنع؟
كل شيء يا سيدي: أزحزح لك أصحاب الكراسي الجهال عن كراسيهم، لتجلس يا صاحب الليسانس عليها.

أتثق من قدرتك على ذلك؟
نعم يا سيدي على أن تمنع عني عدوي الألد.

ومن هو عدوك أيها المارد؟
شيطان قوي مرعب، لا يغلبه أحد، يقال له (الالتماس).

لا أقدر أن أمنعه عنك، فماذا تستطيع غير ذلك؟
آتيك بالأموال التي كدسها المحتالون والكذابون في خزائنهم، وأسلمها إليك وإلى أصحابك (أصحاب) الليسانس.

بارك الله فيك... هيا اذهب، هاتها.
ولكني أخاف.

من تخاف أيها المارد؟
شيطانا قويا فاجرا، أعمى له أيد من نار حيثما ضرب بها، انفتحت ثغرة إلى الجحيم، ومن رضي عنه هذا الشيطان، ملّكه ما يريد ويشتهي.

وما اسم هذا بين الأبالسة؟
الحظ يا سيدي.

وماذا تستطيع غير ذلك أيها المارد؟
أمنحك يا سيدي الزعامة وانتزعها لك من هؤلاء الجاهلين.

عال عال... أسرع.
ولكني أخشى صديق الزعماء، وهو شيطان بأربعة وأربعين رجلا يمشي إلى الجهات كلها في وقت معا، ويصيح في الأنحاء كلها: يعيش يعيش.

أعوذ بالله، هذا شرّ الأبالسة... ما اسمه؟
التدجيل يا سيدي.

إذن ما جاء بك أيها الليسانس الضعيف العاجز، اذهب من وجهي.


* * * * * * * * * *

وبعد فماذا نصنع أيها الناس بهذه الشهادة؟
لقد عرضت على أحد المحامين لما لي عليه من الجرأة بأنه أستاذي في المعهد، ليقبلني عنده متمرنا، فـ … أبى!
وقالوا: أن هناك من يقبل المتمرنين، ولكنه لا يعطيهم شيئا، يعني أن المتمرنين يشتغلون على أرواح أمهاتهم، وينفقون ماء حياتهم، ويكسرون رؤوسهم وأقدامهم –ولا مؤاخذة- في أشغال المكتب الذي يشتغلون فيه، ليأخذ الأساتذة ثمرة أتعابهم.. لماذا بالله؟ لأنهم أساتذة!.. تشرفنا..

وإن ذهبنا نطلب وظيفة قضائية، وجدنا كل وظيفة مشغولة، وكل شاغل وظيفة يخشى أن تنزو نزوة في رأس رئيس له، فيلقيه كما تلقى النواة نزع عنها (حلوها).
وإن تركنا هذا البلد ويممنا شطر بلد آخر، أنكروا شهادتنا ومعهدنا، ولم تغن منهم شيئا هذه التوقيعات وهذه الأختام.
وإن رغمت أنوفنا وعملنا في هذه المكاتب (بلا شيء) ولوجه الله، على أن نعمل عملا آخر في ذنب النهار، نشتري به خبزنا، قالوا: لا يجوز... أي أنهم لا يرحموننا ولا يتركوننا إلى رحمة الله، يحسبون أن المحامي المتمرن يشبع ويمتلئ بطنه، ويكسى ويجد الراحة والدفء إذا أكل المحامي الأستاذ عشرة ألوان، واتخذ عشر حلل.


* * * * * * * * * *

فيا أيها القراء الكرام... إني أعرض شهادتي ولقبي الكريم للبيع برأس المال (الرسوم والأقساط)، أما فوسفور دماغي، وأيام عمري، فلا أريد لشيء منه بديلا، وأجري على الله.

فمن يشتري؟… المراجعة في جريدة الف باء الغراء.
شهادة بيضاء ناصعة كبيرة، خطها جميل، ذات إطار بديع… جديدة (طازة)! من يشتري؟
اضافة رد مع اقتباس
  #44  
قديم 26/10/2008, 07:33 PM
الصورة الرمزية الخاصة بـ الهلالي دائماً
مشرف منتدى الجمهور الهلالي
تاريخ التسجيل: 20/01/2002
المكان: وسط المعمعه
مشاركات: 12,893
الحبيب عبد الله اعذرني فقد قررت التطفل والمشاركة في الموضوع بهذا المقال الرائع

إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ وَمَا أَنفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ
-------------


مقال رائع جدا للشيخ علي الطنطاوي رحمه الله

نشر سنة 1956 في مجلة الإذاعة يقول :


نظرت البارحة فإذا الغرفة دافئة والنار موقدة ، وأنا على أريكة مريحة ، أفكر في موضوع أكتب فيه ، والمصباح إلى جانبي ، والهاتف قريب مني ، والأولاد يكتبون ، وأمهم تعالج صوفا تحيكه ، وقد أكلنا وشربنا ، والراديو يهمس بصوت خافت ، وكل شيء هادئ ، وليس ما أشكو منه أو أطلب زيادة عليه .

فقلت ' الحمد لله ' ، أخرجتها من قرارة قلبي ، ثم فكرت فرأيت أن ' الحمد ' ليس كلمة تقال باللسان ولو رددها اللسان ألف مرة ، ولكن الحمد على النعم أن تفيض منها على المحتاج إليها ، حمد الغني أن يعطي الفقراء ، وحمد القوي أن يساعد الضعفاء ، وحمد الصحيح أن يعاون المرضى ، وحمد الحاكم أن يعدل في المحكومين ، فهل أكون حامدا لله على هذه النعم إذا كنت أنا وأولادي في شبع ودفء وجاري وأولاده في الجوع والبرد ؟، وإذا كان جاري لم يسألني أفلا يجب علي أنا أن أسأل عنه ؟

وسألتني زوجتي: فيمَ تفكر ؟، فقلت لها .

قالت : صحيح ، ولكن لا يكفي العباد إلا من خلقهم، ولو أردت أن تكفي جيرانك من الفقراء لأفقرت نفسك قبل أن تغنيهم .

قلت : لو كنت غنيا لما استطعت أن أغنيهم ، فكيف وأنا رجل مستور ، يرزقني الله رزق الطير ، تغدو خماصا ً وتروح بطاناً ؟

لا ، لا أريد أن أغني الفقراء ، بل أريد أن أقول إن المسائل نسبية ، وأنا بالنسبة إلى أرباب الآلاف المؤلفة فقير ، ولكني بالنسبة إلى العامل الذي يعيل عشرة وما له إلا أجرته غني من الأغنياء ، وهذا العامل غني بالنسبة إلى الأرملة المفردة التي لا مورد لها ولا مال في يدها ، ورب الآلاف فقير بالنسبة لصاحب الملايين ؛ فليس في الدنيا فقير ولا غني فقرا مطلقا وغنىً مطلقا ، وليس فيها صغير ولا كبير ، ومن شك فإني أسأله أصعب سؤال يمكن أن يوجه إلى إنسان ، أسأله عن العصفور : هل هو صغير أم كبير ؟، فإن قال صغير ، قلت : أقصد نسبته إلى الفيل ، وإن قال كبير ، قلت : أقصد نسبته إلى النملة ..

فالعصفور كبير جدا مع النملة ، وصغير جدا مع الفيل ، وأنا غني جدا مع الأرملة المفردة الفقيرة التي فقدت المال والعائل ، وإن كنت فقيرا جدا مع فلان وفلان من ملوك المال ..

تقولون : إن الطنطاوي يتفلسف اليوم .. لا ؛ ما أتفلسف ، ولكن أحب أن أقول لكم إن كل واحد منكم وواحدة يستطيع أن يجد من هو أفقر منه فيعطيه ، إذا لم يكن عندك – يا سيدتي – إلا خمسة أرغفة وصحن ' مجدّرة ' ( وهو طعام من البرغل أي القمح المجروش مع العدس ) ، تستطيعين أن تعطي رغيفا لمن ليس له شيء ، والذي بقي عنده بعد عشائه ثلاثة صحون من الفاصوليا والرز وشيء من الفاكهة والحلو يستطيع أن يعطي منها قليلا لصاحبة الأرغفة والمجدّرة ..

والذي ليس عنده إلا أربعة ثياب مرقعة يعطي ثوبا لمن ليس له شيء ، والذي عنده بذلة لم تخرق ولم ترقع ولكنه مل منها ، وعنده ثلاث جدد من دونها ، يستطيع أن يعطيها لصاحب الثياب المرقعة ، ورب ثوب هو في نظرك عتيق وقديم بال ، لو أعطيته لغيرك لرآه ثوب العيد ولاتخذه لباس الزينة ، وهو يفرح به مثل فرحك أنت لو أن صاحب الملايين مل سيارته الشفروليه طراز سنة 1953 – بعدما اشترى كاديلاك طراز 1956 – فأعطاك تلك السيارة .

ومهما كان المرء فقيرا فإنه يستطيع أن يعطي شيئا لمن هو أفقر منه ، إن أصغر موظف لا يتجاوز راتبه مئة وخمسين قرش ، لا يشعر بالحاجة ولا يمسه الفقر إذا تصدق بقرش واحد على من ليس له شيء ، وصاحب الراتب الذي يصل إلى أربعة جنيهات لا يضره أن يدفع منها خمس قروش ويقول ' هذه لله ' ، والذي يربح عشرة آلاف من التجار في الشهر يستطيع أن يتصدق بمئتين منها في كل شهر .

ولا تظنوا أن ما تعطونه يذهب بالمجان ، لا والله ، إنكم تقبضون الثمن أضعافا ؛ تقبضونه في الدنيا قبل الآخرة ، ولقد جربت ذلك بنفسي ، أنا أعمل وأكسب وأنفق على أهلي منذ أكثر من ثلاثين سنة ، وليس لي من أبواب الخير والعبادة إلا أني أبذل في سبيل الله إن كان في يدي مال ، ولم أدخر في عمري شيئا ، وكانت زوجتي تقول لي دائما : ' يا رجل ، وفر واتخذ لباتك دارا على الأقل ' ، فأقول : خليها على الله ، أتدرون ماذا كان ؟ !!

لقد حسب الله لي ما أنفقته في سبيله وادخره لي في بنك الحسنات الذي يعطي أرباحا سنوية قدرها سبعون ألفا في المئة ، نعم : {كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِّائَةُ حَبَّةٍ} ، وهناك زيادات تبلغ ضعف الربح : {وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاءُ} ، فأرسل الله صديقا لي سيدا كريما من أعيان دمشق فأقرضني ثمن الدار ، وأرسل أصدقاء آخرين من المتفضلين فبنوا الدار حتى كملت وأنا – والله – لا أعرف من أمرها إلا ما يعرفه المارة عليها من الطريق ، ثم أعان الله برزق حلال لم أكن محتسبا فوفيت ديونها جميعا ، ومن شاء ذكرت له التفاصيل وسميت له الأسماء .

وما وقعت والله في ضيق قط إلا فرجه الله عني ، ولا احتجت لشيء إلا جاءني ، وكلما زاد عندي شيء وأحببت أن أحفظه وضعته في هذا البنك .

فهل في الدنيا عاقل يعامل بنك المخلوق الذي يعطي 5%ربحاً حراماً وربما أفلس أو احترق ، ويترك بنك الخالق الذي يعطي في كل مئة ربح قدره سبعون ألفا ؟، وهو مؤمن عليه عند رب العالمين فلا يفلس ولا يحترق ولا يأكل أموال الناس .

فلا تحسبوا أن الذي تعطونه يذهب هدرا، إن الله يخلفه في الدنيا قبل الآخرة ، وأنا لا أحب أن أسوق لكم الأمثلة فإن كل واحد منكم يحفظ مما رأى أو سمع كثيرا منها ،

إنما أسوق لكم مثلا واحدا : قصة الشيخ سليم المسوتي رحمه الله ، وقد كان شيخ أبي ، وكان – على فقره – لا يرد سائلا قط ، ولطالما لبس الجبة أو ' الفروة ' فلقي بردان يرتجف فنزعها فدفعها إليه وعاد إلى البيت بالإزار ، وطالما أخذ السفرة من أمام عياله فأعطاها للسائل ، وكان يوما في رمضان وقد وضعت المائدة انتظارا للمدفع ، فجاء سائل يقسم أنه وعياله بلا طعام ، فابتغى الشيخ غفلة من امرأته وفتح له فأعطاه الطعام كله ! ، فلما رأت ذلك امرأته ولولت عليه وصاحت وأقسمت أنها لا تقعد عنده ، وهو ساكت ..

فلم تمر نصف ساعة حتى قرع الباب وجاء من يحمل الأطباق فيها ألوان الطعام والحلوى والفاكهة ، فسألوا : ما الخبر ؟، وإذا الخبر أن سعيد باشا شموين كان قد دعا بعض الكبار فاعتذروا ، فغضب وحلف ألا يأكل أحد من الطعام وأمر بحمله كله إلى دار الشيخ سليم المسوتي ، قال : أرأيت يا امرأة ؟

وقصة المرأة التي كان ولدها مسافرا ، وكانت قد قعدت يوما تأكل وليس أمامها إلا لقمة إدام وقطعة خبز ،

فجاء سائل فمنعت عن فمها وأعطته وباتت جائعة ،

فلما جاء الولد من سفره جعل يحدثها بما رأى ،

قال : ومن أعجب ما مر بي أنه لحقني أسد في الطريق ، وكنت وحدي فهربت منه ، فوثب علي وما شعرت إلا وقد صرت في فمه ، وإذا برجل عليه ثياب بيض يظهر أمامي فيخلصني منه ويقول ' لقمة بلقمة ' ، ولم أفهم مراده .

فسألته عن وقت هذا الحادث وإذا هو في اليوم الذي تصدقت فيه على الفقير ، نزعت اللقمة من فمها بها فنزع الله ولدها من فم الأسد .

والصدقة تدفع البلاء ويشفي الله بها المريض ، ويمنع الله بها الأذى وهذه أشياء مجربة ، وقد وردت فيها الآثار ، والذي يؤمن بأن لهذا الكون إلها هو يتصرف فيه وبيده العطاء والمنع ، وهو الذي يشفي وهو يسلم ، يعلم أن هذا صحيح ، والملحد ما لنا معه كلام .

والنساء أقرب إلى الإيمان وإلى العطف ، وإن كانت المرأة –بطبعها- أشد بخلا بالمال من الرجل ، وأنا أخاطب السيدات وأرجو ألا يذهب هذا الكلام صرخة في واد مقفر ، وأن يكون له أثره ، وأنت تنظر كل واحدة من السامعات الفاضلات ما الذي تستطيع أن تستغني عنه من ثيابها القديمة أو ثياب أولادها ، ومما ترميه ولا تحتاج إليه من فرش بيتها ، ومما يفيض عنها من الطعام والشراب ، فتفتش عن أسرة فقيرة يكون هذا لها فرحة الشهر .

ولا تعطي عطاء الكبر والترفع ، فإن الابتسامة في وجه الفقير ( مع القرش تعطيه له ) خير من جنيه تدفعه له وأنت شامخ الأنف متكبر مترفع ، ولقد رأيت بنتي الصغيرة بنان – من سنين – تحمل صحنين لتعطيهما الحارس في رمضان قلت : تعالي يا بنت ، هاتي صينية وملعقة وشوكة وكأس ماء نظيف وقدميها إليه هكذا ، إنك لم تخسري شيئا ، الطعام هو الطعام ، ولكن إذا قدمت له الصحن والرغيف كسرت نفسه وأشعرته أنه كالسائل ( الشحاذ ) ، أما إذا قدمته في الصينية مع الكأس والملعقة والشوكة والمملحة ينجبر خاطره ويحسّ كأنه ضيف عزيز .

ومن أبواب الصدقة ما لا ينتبه له أكثر الناس مع أنه هين ، من ذلك التساهل مع البياع الذي يدور على الأبواب يبيع الخضر أو الفاكهة أو البصل ، فتأتي المرأة تناقشه وتساومه على القرش وتظهر ' شطارتها ' كلها ، مع أنها قد تكون من عائلة تملك مئة ألف وهذا المسكين لا تساوي بضاعته التي يدور النهار لييعها ، لا تساوي كلها عشرة قروش ولا يربح منها إلا قرشين !

فيا أيها النساء أسألكن بالله ، تساهلن مع هؤلاء البياعين وأعطوهم ما يطلبون ، وإذا خسرت الواحدة منكن ليرة فلتحسبها صدقة ؛ إنها أفضل من الصدقة التي تعطى للشحاذ .

ومن أبواب الصدقة أن تفكر معلمة المدرسة حينما تكلف البنات شراء ملابس الرياضة مثلا ، أو تصر على شراء الدفاتر الغالية والكماليات التي لا ضرورة لها من أدوات المدرسة ، أن تفكر أن من التلميذات من لا يحصل أبوها أكثر من ثمن الخبز وأجرة البيت ، وأن شراء ملابس الرياضة أو الدفاتر العريضة أو ' الأطلس ' أو علبة الألوان نراه نحن هينا ولكنه عنده كبير ، والمسائل – كما قلت – نسبية ، ولو كلفت المعلمة دفع ألف جنيه لنادت بالويل والثبور ، مع أن التاجر الكبير يقول : وما ألف جنيه ؟! سهلة ! سهلة عليه وصعبة عليها ، كذلك الخمس قروش أو العشر سهلة على المعلمة ولكنها صعبة على كثير من الآباء .

والخلاصة يا سادة : إن من أحب أن يسخر الله له من هو أقوى منه وأغنى فليعن من هو أضعف منه وأفقر ، وليضع كل منا نفسه في موضع الآخر ، وليحب لأخيه ما يحب لنفسه ، إن النعم إنما تحفظ وتدوم وتزداد بالشكر ، وإن الشكر لا يكون باللسان وحده ، ولو أمسك الإنسان سبحة وقال ألف مرة ' الحمد لله ' وهو يضن بماله إن كان غنيا ، ويبخل بجاهه إن كان وجيها ، ويظلم بسلطانه إن كان ذا سلطان لا يكون حامدا لله ، وإنما يكون مرائيا أو كذابا .

فاحمدوا الله على نعمه حمدا فعليا ، وأحسنوا كما تحبون أن يحسن الله إليكم ، واعلموا أن ما أدعوكم إليه اليوم هو من أسباب النصر على العدو ومن جملة الاستعداد له ؛ فهو جهاد بالمال ، والجهاد بالمال أخو الجهاد بالنفس .


انتهى كلام فضيلته،،،،.


شكرا,,,
اضافة رد مع اقتباس
  #45  
قديم 28/10/2008, 05:13 PM
زعيــم مميــز
تاريخ التسجيل: 29/07/2004
المكان: أرض الله الواسعة !
مشاركات: 2,160
إقتباس
الرسالة الأصلية كتبت بواسطة ماجد مقبل
الحبيب عبد الله اعذرني فقد قررت التطفل والمشاركة في الموضوع بهذا المقال الرائع

أديبنا ماجد ..

بالعكس , ليتك تتطفل دائما ً على الموضوع ..

\
/
\

جميلة المقالة التي أوردتها ...
ليتنا نطبق و لو جزءاً يسيراً مما ذُكر فيها ..


إقتباس
فهل في الدنيا عاقل يعامل بنك المخلوق الذي يعطي 5%ربحاً حراماً وربما أفلس أو احترق ، ويترك بنك الخالق الذي يعطي في كل مئة ربح قدره سبعون ألفا ؟، وهو مؤمن عليه عند رب العالمين فلا يفلس ولا يحترق ولا يأكل أموال الناس .





شكرا ً لتواجدك ..و دمت بخير
اضافة رد مع اقتباس
   


إضافة رد


قوانين المشاركة
غير مصرّح لك بنشر موضوع جديد
غير مصرّح لك بنشر ردود
غير مصرّح لك برفع مرفقات
غير مصرّح لك بتعديل مشاركاتك

وسوم vB : مسموح
[IMG] كود الـ مسموح
كود الـ HTML مسموح
Trackbacks are مسموح
Pingbacks are مسموح
Refbacks are مسموح



الوقت المعتمد في المنتدى بتوقيت جرينتش +3.
الوقت الان » 12:16 PM.

جميع الآراء و المشاركات المنشورة تمثل وجهة نظر كاتبها فقط , و لا تمثل بأي حال من الأحوال وجهة نظر النادي و مسؤوليه ولا إدارة الموقع و مسؤوليه.


Powered by: vBulletin Version 3.8.7
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd

Google Plus   Facebook  twitter  youtube