المنتديات الموقع العربي الموقع الانجليزي الهلال تيوب بلوتوث صوتيات الهلال اهداف الهلال صور الهلال
العودة   نادي الهلال السعودي - شبكة الزعيم - الموقع الرسمي > المنتديات العامة > منتدى المجلس العام
   

منتدى المجلس العام لمناقشة المواضيع العامه التي لا تتعلق بالرياضة

إضافة رد
   
 
LinkBack أدوات الموضوع طريقة عرض الموضوع
  #46  
قديم 29/10/2008, 04:16 AM
زعيــم مميــز
تاريخ التسجيل: 19/04/2006
المكان: في مكان لايراني فيه الناس ولكن الله يراني
مشاركات: 5,114
هلا ومرحبا
موضوع قيم عن شيخ جليل ،،
جزاك الله خير .. ورحم الله شيخنا الطنطاوي

من اقواله التي اثرت فيني ..
إن لهذه الحياة غاية فإذا لم تفهم غايتها صارت عذاباً لنا قبل عذاب الآخرة، وما غايتها إلا الاتصال بالله
ومعرفته والاتصال بالحياة الثانية وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون .

فعلاً درر

كل الشكر لك حبيبي ،،
اضافة رد مع اقتباس
  #47  
قديم 29/10/2008, 08:00 PM
زعيــم متواصــل
تاريخ التسجيل: 09/09/2008
المكان: أرض الطّيب
مشاركات: 104
يآآآآآآآآهـ الشيخ علي الطنطاوي كم كان خبر وفاته مفجعا على والدي الذي كان يعتبر برنامجه أفضل برنامج على الإطلاق .

رحمة الله عليك ياشيخنا

عزيزي لفته جميلة منك

دمت بود
أختك ورده
اضافة رد مع اقتباس
  #48  
قديم 29/10/2008, 09:06 PM
زعيــم فعــال
تاريخ التسجيل: 08/12/2006
المكان: في القلب سابقا ... مزرعتنا حاليا !
مشاركات: 342
رحم الله الشيخ الاديب على الطنطاوي
اتذكر برنامجه الرمضاني
واسأل الله ان يرحمه ووالدينا
اضافة رد مع اقتباس
  #49  
قديم 31/10/2008, 02:26 AM
زعيــم مميــز
تاريخ التسجيل: 13/11/2007
المكان: بالقرب منها
مشاركات: 2,437
يالله

رحمه الله رحمة واسعه

..
اضافة رد مع اقتباس
  #50  
قديم 02/11/2008, 08:38 AM
زعيــم متألــق
تاريخ التسجيل: 28/08/2006
مشاركات: 1,103
رحم الله الشيخ الجليل وأسكنه فسيح جناته لقد كانت أيامه أيام لا تضاهى تمنيت لو يعود

بعض منها ماأجمل رمضان حينما كان يطل علينا شيخنا بعد الأفطار ...........

جزاك الله ألف خير على ذكرى هذا الفقيه الجليل .
اضافة رد مع اقتباس
  #51  
قديم 02/11/2008, 01:38 PM
زعيــم مميــز
تاريخ التسجيل: 29/07/2004
المكان: أرض الله الواسعة !
مشاركات: 2,160
بريماكس ,,
الشانزليزيه ,,,
أخو سلمى الهلالي ,,,
ارسن فينجر ,,,
عزوز جدة ,,,

شكرا ً لكم على حضوركم العطِر ...
اضافة رد مع اقتباس
  #52  
قديم 02/11/2008, 01:40 PM
زعيــم مميــز
تاريخ التسجيل: 29/07/2004
المكان: أرض الله الواسعة !
مشاركات: 2,160

(( أعرابي في حمام ))



صحبنا في رحلتنا إلى الحجاز، دليل شيخ من أعراب نجد يقال له صلَبى ما رأيت أعرابياً مثله قوةَ جَنَان، وفصاحة لسان، وشدة بيان ولولا مكان النبرة البدوية لحسبته قد انصرف الساعة من سوق عكاظ، لبيان لهجته، وقوة عارضته، وكثرة ما يدور على لسانه من فصيح الكلام. وكان أبيّ النفس، أشمّ المعطس، كريم الطباع، لكن فيه لوثة وجفاء من جفاء الأعراب، رافقنا أيام طويلة، فما شئنا خلة من خلال الخير إلا وجدناها فيه، فكان يواسينا إذا أصبنا، ويؤثرنا إذا أَضَقنا، ويدفع عنا إذا هوجمنا، ويفديّنا إذا تألمنا، على شجاعة نادرة، ونكتة حاضرة، وخفة روح، وسرعة جواب، قلنا له مرة:

- إن (صْلَبة) في عرب اليوم، كباهلة في عرب الأمس، قبيلة لئيمة يأنف الكرام من الانتساب إليها، وأنت فيما علمنا سيّد كريم من سادة كرام، وليس لك في هذه القبيلة نسب؟ فما لك تدعى صلبى. فضحك وقال:

- صدقتم والله، ما أنا من صلبة، ولا صلبة مني، وإني لكريم العم والخال ولكنّ هذا الاسم نكتة أنا مخبركم بها.
قلنا: هات. قال:

- كان أبواي لا يعيش لهما ولد، فلما ولدت خشيا عليّ فسمياني صْلَبى. قلنا: ائن سمياك صْلَبى عشت؟ قال:
إن عزرائيل أكرم من أن يقبض روح صْلَبى.

وسألناه مرة: هل أنت متزوج يا صْلَبى؟ قال:
- لقد كنت متزوجاً بشرّ امرأة تزوجها رجل، فما زلت أحسن إليها وتسيء إليّ، حتى ضقت باحتمالها ذرعاً فطلقتها ثلاثاً وثلاثين.

قلنا: إنها تبين منك بثلاث، فعلام الثلاثون؟
فقال على الفور: صدقة مني على الأزواج المساكين!

وطال بنا الطريق إلى تبوك، وملّ القوم، فجعلوا يسألونه عن تبوك، ويكثرون عليه، يتذمرون من بعدها، حتى إذا كثروا قال لهم:
ما لكم تلومونني على بعدها؟ والله لم أكن أنا الذي وضعها هناك. ولم يكن صْلَبي يعرف المدن، ولم يفارق الصحراء قط إلا إلى حاضرته تبوك (وتبوك لا تزيد عن خمسين بيتاً...) فلما بلغنا مشارف الشام أغريناه بالإبلاد ودخول المدينة، وجعلنا نصف إليه الشام، ونشوّقه فيأبى، وكنت صفّيه من القوم وخليله ونجيّه فجعلت أحاوره وأداوره، وبذلت في ذلك الجهد فلم أصنع معه شيئاً لما استقر في نفسه من كراهية المدن وإساءة الظن بأهلها، وكان عربياً حراً، ومسلماً موحداً، لا يطيق أن يعيش يوماً تحت حكم (الروم) أو يرى مرة مظاهر الشرك...
فودعناه وتركناه...

* * *
وعدت إلى دمشق، فانغمست في الحياة، وغصت في حمايتها أكدّ للعيش، وأسعى للكسب، فنسيت صلَبى وصُحبته، وكدت أنسى الصحراء وأيامها، ومرّت على ذلك شهور... وكان أمس فإذا بي ألمح في باب الجابية وسط الزحمة الهائلة، وجهاً أعرفه فلحقت به أتبيّنه فإذا هو وجه صْلَبى، فصحت به:
- صْلَبى! قال: - لا صْلَبى ولا مْلَبى.
قلت: ولم ويحك؟ قال: أنا في طلبك منذ ثلاث ثم لا تأتي إليّ ولا تلقاني؟
فقلت له ضاحكاً: - وأي ثلاث وأي أربع؟ أتحسبها تبوك فيها أربعمائة نسمة؟ إنها دمشق يا صْلَبي، فيها أربعمائة ألف إنسان، فأين تلقاني بين أربعمائة ألف؟
قال: - صدقت والله.
قلت: هلم معي. فاستخرجته من هذه الزحمة الهائلة، وملت به إلى قهوة خالية، فجلسنا بها ودعوت له بالقهوة المرة والشاهي، فسرّ، وانطلق يحدثني قال:

- لمّا فارقتكم ورجعت وحيداً، أسير بجملي في هذه البادية الواسعة، جعلت نفسي تحدثني أن لو أجبت القوم ورأيت المدينة... فلما كان رمضان مرّ بنا بعض الحضريين فدعوني إلى صحبتهم لأرشدهم الطريق، ثم أغروني كما أغريتموني، وحاوروني كما حاورتموني حتى غلبوني على أمري ودخلوا بي دمشق، فما راعني والله يا ابن أخي إلا سيارة كبيرة كسيارتكم هذه، لكنها أهول وأضخم، لها نوافذ وفيها غرف، وقد خطوا لها خطين من حديد فهي تمشي عليهما، فأدخلوني إليها، فخشيت والله وأبيت، فأقسموا لي وطمأنوني، فدخلت ويدي على خنجري إن رأيت من أحد شيئا أكره وجأته به، وعيني على النافذة إن رابني من السيارة أمر قفزت إلى الطريق، وجلست، فما راعنا إلا رجل بثياب عجيبة قد انشق إزاره شقاً منكراً، ثم التف على فخذيه فبدا كأنما هو بسراويل من غير إزار، وعمد إلى ردائه فصف في صدره مرايا صغيره من النحاس، ما رأيت أعجب منها، فعلمت أنه مجنون وخفت أن يؤذينا، فوضعت كفي على قبضة الخنجر، فابتسم صاحبي وقال: هو الجابي. قلت: جابي ماذا، جبّ الله (...)!
قال: اسكت، إنه جابي (الترام) أعني هذه السيارة.
ثم مدّ يده بقرشين اثنين، أعطاه بها فتاتة ورق، فما رأيت والله صفقة أخسر منها، وعجبت من بلاهة هذا الرجل إذ يشتري بقرشين ورقتين لا تنفعان وجلست لا أنبس، فلم تكن إلا هنيهة حتى جاء رجل كالأول له هيئة قِزْدية ألا أنه أجمل ثياباً، وأحسن بزّة، فأخذ هذه الأوراق فمزقها، فثارت ثائرتي، قلت: هذا والله الذل، فقّبح الله من يقيم على الذل والخسيفة، وقمت إليه فلبّبته وقلت له:

- يا ابن الصانعة، أتعمد إلى شيء اشتريناه بأموالنا، ودفعنا به قروشنا فتمزقه، لأمزّقن عمرك.
وحسبت صاحبي سيدركه من الغصب لكرامته، والدفاع عن حقه مثل ما أدركني فإذا هو يضحك، ويضحك الناس ويعجبون من فعلي، لأن عمل هذا الرجل -فيما زعموا- تمزيق أوراق الناس التي اشتروها بأموالهم...
ولما نزلنا من هذه الآفة، قال لي صاحبي: هلّم إلى الحمام. فقلت: وما الحمام يا ابن أخي؟
قال: تغتسل وتلقي عنك وعثاء السفر.
قلت: إن كان هذا هو الحمام، فما لي فيه من مأرب، حسبي هذا النهر أغطس فيه فأغتسل وأتنظف.
قال: هيهات... إن الحمام لا يعدله شيء، أو ما سمعت أن الحمام نعيم الدنيا؟
قلت: لا والله ما سمعت. قال: إذن فاسمع ورَهْ.

وأخذني فأدخلني داراً قوراء في وسطها بركة عليها نوافير يتدفق منها الماء، فيذهب صعداً كأنه عمود من البلور ثم يتثنى ويتكسر ويهبط كأنه الألماس، له بريق يخطف الأبصار، صنعة ما حسبت أن يكون مثلها إلا في الجنان، وعلى أطراف الدار دكك كثيرة، مفروشة بالأسرة والمتكآت والزرابيّ كأنها خباء الأمير، فلم نكد نتوسطها حتى وقثب إلينا أهلوها وثبة رجل واحد، يصيحون علينا صياحاً غريباً، فأدركت أنها مكيدة مدبرة، وأنهم يريدون اغتيالي، فانتضيت خنجري وقلت: والله لا يدنو مني أحد إلا قطعت رقبته، فأحجموا وعجبوا ورعبوا، وغضب صاحبي وظنني أمزح، ومال عليّ يعاتبني عتاباً شديداً. فقلت له: ويحك أو ما تراهم قد أحاطوا بنا؟ قال:

إنهم يرحبون بنا ويسلمون علينا. فسكت ودخلت. وعادوا إلى حركتهم يضحكون من هذا المزاح، ويدورون حولنا بقباقيبهم العالية، ويجيئون ويذهبون، وأنا لا أدري ما هم صانعون حتى قادونا إلى دكة من هذه الدكك، وجاءوا ينزعون ثيابنا فتحققت أنها المكيدة، وأنهم سيسلبونني خنجري حتى يهون عليهم قتلي، فقد عجزوا أن يقاتلوني وبيدي الخنجر، فأبيت وهممت بالخروج ولكن صاحبي ألحّ عليّ وأقسم لي، فأجبت واستسلمت وإن روحي لتزهق حزناً على إني ذللت هذا الذل حتى أسلمتهم سَلَبي يسلبونني وأنا حي. ولو كنت في البادية لأريتهم كيف يكون القتال... حتى إذا تمّ أمر الله ولم يبق عليّ شيء، قلت: أما من مسلم؟ أما من عربي؟ أتكشف العورات في هذا البلد فلا يغار أحد، ولا يغضب إنسان؟
فهدّأ صاحبي من ثورتي وقال: أفتغتسل وأنت متزر؟ قلت: فكيف أتكشف بعد هذه الشيبة وتذهب عني في العرب فتكون فضيحتي إلى الأبد؟
قال: من أنبأك أنك ستتكشف؟ هلا انتظرت!
فانتظرت وسكت فإذا غلام من أغلمة الحمام، يأخذ بيده إزاراً فيحجبني به حتى أنزع أزراري وأتزرّ به، فحمدت الله على النجاة، وكان صاحبي قد تعرى فأخذ بيدي وأدخلني إلى باطن الحمام، فإذا غرف وسطها غرف، وساحات تفضي إلى ساحات، ومداخل ومخارج ملتفّة متلوية، يضّل فيها الخرّيت وهي مظلمة كأنها قبر قد انعقدت فوقها قباب وعقود، فيها قوارير من زجاج تضيء كأنها النجوم اللوامع، في السماء الداجية، وفي باطن الحمام أناس عري جالسون إلى قدور من الصخر فيها ماء، فتعوذت بالله من الشيطان الرجيم، وقلت هذه والله دار الشياطين وجعلت ألتمس آية الكرسي فلا أذكر منها شيئاً، فأيقنت أنها ستركبني الشياطين لما نسيت من آية الكرسي، وجعلت أبكي على شيبتي أن يختم لها هذه الخاتمة السيئة، وإني لكذلك، وإذا بالخبيث يعود إليّ يريد أن ينزع هذا الإزار الذي كسانيه، فصحت به: يا رجل، اتق الله، سلبتني ثيابي وسلاحي، وعدت تجردني وتعريني، الرحمة يا مسلمون، الشفقة أيها الناس! فوثب إليّ الناس، وأحدقوا بي، وجعلوا يضحكون، فقال صاحبي:
- ما هذا يا صْلَبى، لا تضحك الناس علينا، أعطه الإزار. قلت: وأبقى عرياناً؟ قال: لا، ستأخذ غيره، هذا كساء يفسد إذا مسه الماء، وإن للماء كساء آخر.
ونظرت فإذا عليه هيئة الناصح، وإذا هو يدفع إليّ إزاراً آخر، فاستبدلته به مكرهاً وتبعت صاحبي إلى مقصورة من هذه المقاصير، فجلسنا علا قدر من هذه القدور... وأنا أستجير بالله لا أدري ماذا يجري عليّ، فبينما أنا كذلك وإذا برجل عار، كأنه قفص عظام، له لحية كثة، وشكل مخيف وقد تأبط ليفاً غليظاً يا شرّ ما تأبط، وحمل ماعوناً كبيراً، يفور فوراناً، فاسترجعت وعلمت أنه السمّ وأنه سيتناثر منه لحمي، فقصد إليّ، فجعلت أفرّ منه وأتوثب من جانب إلى جانب وهو يلحقني ويعجب من فعلي، ويظن أني أداعبه، وصاحبي يضحك ويقسم لي أنه الصابون، وأنه لا ينظف شيء مثله.
قلت: ألا شيء من سدر! ألا قليل من أشنان؟
قال: والله ما أغشك، فجرب هذا إنه خير منه.
فاستجبت واستكنت، وأقبل الرجل يدلكني دلكاً شديداً وأنا أنظر هل تساقط لحمي، هل تناثر جلدي، فلا أجد إلا خيراً فأزمعت شكره لولا أني وجدته يتغفلني فيمد يده تحت الإزار إلى فخذي، فيدلكه ويقرصه، فقلت هذا ماجن خبيث، ولو ترك من شره أحد لتركني، ولصرفته عني شيبتي، وهممت بهشم أنفه وهتم أسنانه، ولحظ ذلك صاحبي فهمس في أذني أنه ينظفك وكذلك يصنع مع الناس كلهم، فلما انتهى وصب عليّ الماء، شعرت والله كأنما نشطت من عقال، وأحسست الزهو والخفة، فصحت فأنكرت صوتي فقلت: ما هذا، أينطق لساني مغنٍ من الجن؟ وأعدت الصيحة فازددت لصوتي إنكاراً. واستخفني الطرب، فجعلت أغني وأحدو، فقال صاحبي: لعلك استطبت صوتك؟
قلت: أي والله. قال: أفأدلك على باب القاضي؟
قلت: وما أصنع في باب القاضي؟ قال: ألا تعرف قصة جحا؟
قلت: لا والله، ما أعرف جحا ولا قصته.
قال: كان جحا عالماً نحريراً، وأستاذاً كبيراً، لكن كان فيه فضائل نادرة، وكان خفيف الروح، فدخل الحمام مرة فغنى فأعجبه صوته -وكان أقبح رجل صوتاً- وراقه حسنه، فخرج من فوره إلى القاضي، فسأله أن ينصبه مؤذناً وزعم أن له صوتاً لا يدخل أذناً إلاّ حمل صاحبها حملاً فوضعه في المسجد... فقال القاضي: اصعد المنارة فأذن نسمع.
فلما صعد فأذّن، لم يبق في المسجد رجل إلا فر هارباً. فقال له القاضي: أي صوت هذا، هذا الصوت الذي ذكره ربنا في الكتاب:
قال: أصلح الله القاضي، ما يمنعك أن تبني لي فوق المئذنة حماماً؟!..

* * *
ولمح الأعرابي صديقاً له من أعراب نجد، قد مرّ من أمام القهوة، فقطع عليّ الحديث وخرج مهرولاً يلحق به.
اضافة رد مع اقتباس
  #53  
قديم 05/11/2008, 12:05 AM
زعيــم مميــز
تاريخ التسجيل: 29/07/2004
المكان: أرض الله الواسعة !
مشاركات: 2,160
(( صميم الحياة ))



هذه قصة شاب مدرس في ثانوية البنات حديث السن لم يجاوز الرابعة والعشرين حتى الآن، معتزل متفرّد عاكف على كتبه ودفاتره، لا يخالف الناس، وليس ممن يبتغي الظهور فيهم والحظوة لديهم، فلا يحاول أحد من القراء أن يبحث عنه أو يسعى إلى معرفته، وليكتفوا من قصته التي قصها عليّ بمكان العبرة منها ، إذا كان قد بقي في القارئين من يحرص على العبرة أو يسعى إلى الاعتبار…

* * * * * * * *

وهذا الشاب ابن صديق من أدنى أصدقائي إلى قلبي، وكان في صباه تلميذا لي ، وكان من أذكى الطلاب قلبا وأطهرهم نفسا ، وأمتنهم خلقا، وأتقاهم لله في سر وفي علن ، وكان في صغره جادا بعيدا عن المزاح ، مجتنبا للهزل، بارا بأمه وأبيه ، لا يعرف إلا مدرسته وبيته، لم يُر قط واقفا في طريق، أو ماشيا إلى لهو ، وثبت على ذلك حتى شب وأكمل الدراسة ، وفارق المدرس ، وهو لم يدخل قهوة ولا سينما ، ولم يصاحب أحدا أبدا ، ولم يجالس امرأة غير أمه ولم يكلمها..

وكان لذلك بمنزلة الأخ الأصغر مني ، أحبه محبة الابن، ويُجلّني إجلال الوالد، وكان ينفض إليَّ دخيلته، ويكشف لي سريرته، وكان من مزاياه أنه صادق اللهجة، لم أجرب عليه في هذه المدة الطويلة كذبا قط…

* * * * * * * *

وانقطع عني مدة طويلة ، ثم رأيته فأخبرني أن والديه قد توفيا بالتيفوئيد في شهر واحد، وأنه غدا وحيدا فاحترف التعليم ، وبعثت به الوزارة لما تعلم من عظم أخلاقه إلى مدرسة ثانوية للبنات ، فثار وأبى وطلب نقله إلى غيرها من مدارس البنين ، فما زالوا به يداورونه ويقنعونه بأنه إن كان معلم البنات رجل مثله، فذلك خير لهن من أن يدخل عليهن فاسق خبيث، وإن قبوله التدريس في هذه المدرسة قربة إلى الله ... فخُدع المسكين وقبل!

قال: وبتّ ليلة افتتاح المدرسة بليلة نابغيّة لم ينطبق فيها جفناي ، من الفكر والوساوس والمخاوف ، فلما أصبح الصباح ذهبت أقدم رجلا وأؤخر أخرى، حتى دخلت المدرسة، فما راعني عند الباب إلا أن فتاتين كاملتي الأنوثة ليستا بالصغيرتين ولا القاصرتين قد دخلتا أمامي، فلما صارتا من داخل ألقتا عنهما الخمار، فعادتا كأنهما في دارهما، وتلفت حولي فإذا ملء الساحة فتيات نواهد نواضج الأجساد ، قد حسرن ورحن يلعبن ويمشين ، شعورهن مهدلات على الأكتاف، فأحسست كأنما قد صبّ عليّ دلو من الماء الحامي ، فاحترقت منه أعصابي ، فاستدرت راجعا ونفضت يدي من الوظيفة ، وقلت: الرزق على الله!

وقصدت بيتي فما وسعني والله البيت ، ووسوس إليّ (لا أكتمك) الشيطان ، وزيّن لي تلك المتعة بمعاشرة أولئك الفتيات ، والحياة بينهن، فاستعذت بالله، وأعرضت عنه، وذهبت أفتش عن عمل غير هذا، فسدّت في وجهي الأبواب إلا هذا الباب ، ولاحقتني الوزارة وإدارة المدرسة حتى عدت مكرها..

وأنا رجل رُضْت نفسي على العفاف ، وأخذتها بضروب الرياضات حتى سكنت شرّتها ، ولكنها مع ذلك كانت تثور بي كلما سبقت عيني وأنا غافل إلى فتاة في الشارع كاشفة، أو سمعت أذني حديثا من أحاديث الشبان سقط إليّ وأنا لا أطلبه، أو قرأت (وقلما أقرأ) قصة خليعة، أو نظرت (ونادر أن أنظر) مجلة من المجلات الداعرة الخبيثة وما المرأة التي يفتش عنها الشبان ويتحدثون عنها إلا هذه النَّصَف التي تصلح ما أبلى الدهر منها بالثياب والأصباغ وما عند العطار، والتي تقاذفتها الأيدي حتى صارت كالغصن الذاوي وكالثوب الخرق ، فما بالك بشاب كتب عليه أن يعاشر النهار كله فتيات كزهرة الفلّ، أو كالغلالة الجديدة ، لم تمسسهن يد بشر ، ولم يعرفن من تجارب الحياة ما يتّقين به شباكها ، ويطلب منه مع ذلك أن يكون عفيفا شريفا ، وأن يكنّ هن أيضا عفيفات شريفات، وله في نفوسهن مثل الذي لهن في نفسه؟

يا أستاذ! إن الخطر أشد مما تتوهمون أنتم معشر الكتاب المعتزلين في بيوتهم أو في أبراجهم العاجيّة –كما يقولون عن أنفسهم- الخطر أشد بكثير… شباب وشابات، يُصبي كلاً منهما أن يشم ريح الآخر من مسيرة فرسخ، يجتمعون على دروس الأدب وقراءة أشعار الغزل… تصور (يا أستاذ) المدرس يلقي على طالباته حديث ولادة وابن زيدون ، وأنها كتبت كما رووا (كذبا أو صدقا) على حاشية ثوبها


أمكن عاشقي من صحن خدي * * * وأمنح قبلتي من يشتهيها


ويمضي يشرح لهن ذلك ويفسره لهن.. حالة فظيعة جدا يا أستاذ… ولو كنّ كبيرات مسنات، أو كنّ مستورات محجبات، أو لو كن صائمات مصليات يخفن الله، لهان الأمر، ولكنهم يجتمعون بهن على سفور وحسور وتكشف، وتنطلق البنت حرّة تزور معلمها في داره، وتمشي معه إن دعاها للسينما، أو المنتزّه، كذلك يرى الآباء اليوم بناتهم فلا ينكرون ذلك عليهم!

أنا لا أقول أن الآباء كلهم لا يهمهم أعراض بناتهم، وأن كل أب قَرْنان ، معاذ الله أن أقول ذلك، ولكن في الآباء قوما مغفلين، أعمى أبصارهم بريق الحضارة الغربية فحسبوا كل شيء يجيء من الغرب هو خير وأعظم أجرا، ولو كان ذهاب الأعراض والأديان والأبدان! إن هؤلاء كالنعامة يلحقها الصياد فتفر منه حتى إذا عجزت أغمضت عينيها ودسّت رأسها في التراب لظنها أنها لم تبصر الصياد، فإن الصياد لا يراها! إن هذا الأب يحسب أن كل رجل ينظر إلى ابنته بعينه هو، وطبيعي منه ألا ينظر هو إليها بعين الشهوة، فلذلك يطلقها في الشارع، ويبعث بها إلى المدرسة على شكل يفتن العابد، ويحرّك الشيخ الفاني!

* * * * * * * *

دخلت يا سيدي ودرّست، وكنت أغض بصري ما استطعت وأحافظ على وقاري، ولا أنظر في وجوه الطالبات إلا عابسا، وكنت مع ذلك أداري من أثرهن في أعصابي مثل شفرة السيف الحديد، وإذا قرع الجرس خرجت قبلهن مهرولا حتى لا أماشيهن ولا أدنو منهن، فذهبت مسرعا إلى داري أصلي وأسأل الله أن يصرف عني هذه المحنة، وان يجعل رزقي في غير هذا المكان، وكنت أصوم وأقلل الطعام لأطفئ هذه النار، فإذا مشيت إلى الفصل وسمعت كلامهن، وسبقت عيني إلى بعض ما يبدين من أعضائهن وزينتهن زادت ضراما واشتعالا!

وكان فيهن طالبة هي… لا.. لست أصفها ولا ينفعك وصفها، وحسبك أن تعلم انها ذكية ومتقدمة في رفيقاتها، وأنها من أسرة من أنبل الأسر، وأنها فوق ذلك جميلة جدا.. جدا.. إنها تمثال، وهل رأيت مرة تماثيل الجمال والفتنة…؟ وكانت كلما نظرتْ إليّ قرأت في عينيها كتابا مفتوحا، رسالة صريحة لي أنا وحدي، وأحسست منها بمثل شرارات الكهرباء تخرق قلبي… فكنت أزداد عبوسا وإعراضا، فلا يردها عبوسي ولا يثنيها إعراضي، وأسرعَت مرة ورائي وأنا خارج وهي تناديني: ((سؤال يا أستاذ))… ولها في صوتها رنّة… يا لطيف..! فوقفت لها فجعلتْ تدنو مني حتى شعرت كأني ألامس… ألامس ماذا؟ لا أجد والله شيئا أشبهها به، لأنه ليس في الدنيا شيء آخر له مثل هذا التأثير… فهربت منها وأسرعت إلى الدار، وحرصت على ألا أدعها أو أدع غيرها تفعل مثل هذا!

وعقدت العزم عقدا مبرما على ترك التدريس، وخرجت من الفصل بهذه العزيمة، وكان في الساحة تلميذات فرقة أخرى في درس الرياضة، وقد اصطففن بالشّلْحات، كاشفات الأفخاذ والأذرع، راسخات النهود، يقفن كذلك بين الرجال (والمعلمون كلهم رجال)… فكبر رأسي وأسرعت إلى الشارع، وقد حلفت ألا أعود ولو متّ جوعا، وبعثت بكتاب الاستقالة!

ومرت أيام وكنت وحدي في الدار –وأنا وحدي دائما ليس لي زوجة ولا قريب- فإذا بالباب يقرع، فقمت ففتحت وإذا بها تدخل عليّ، وتغلق الباب وراءها، وترفع الغشاء عن وجهها، وتلقي المعطف عن منكبيها، تحدثني تطلب درسا خصوصيا، وعيناها تحدثانني تطلبان أو لقد خيّلت لي أعصابي أنهما تطلبان غير الدرس… ولست يا أستاذي رجل سوء ولا أليف دعارة، ولكني رجل على كل حال… فلما رأيتها في داري… وتحت يدي… والباب مغلق… وهي تريد… ملكني الشيطان… ورأيت الدنيا تدور بي، ولما حاولت أن أتكلم اختنق صوتي ثم خرج وفيه بحّة غريبة كأني أسمع معها صوت إنسان آخر غيري، وهممت يا أستاذ… ولكن صوت الدين رنّ في أذني، ينادي لآخر مرة كما يصرخ الغريق آخر صرخاته… فاستجبت له… ولو أعرضت عنه لحظة لضاعت هذه الفرصة إلى الأبد، ولخسرت أنا والبنت الدنيا والآخرة من أجل لذة لحظة واحدة… ولم أتردد بل قلت لها بصوت بارد كالثلج، قاطع كالسيف، خشن كالمبرد: ((يا آنسة، أنا آسف، إن هذه الزيارة لا تليق بطالبة شريفة، فاخرجي حالا!))… وفتحت لها الباب وأغلقته خلفها، وتم ذلك كله في دقيقة!

* * * * * * * *

ولما خرجتْ ندمت… نعم ندمت… وعاد الشيطان يوسوس لي، وضاق بي المنزل حتى كأني فيه محبوس في صندوق مقفل، ولم أعد أدري ماذا أصنع، وأحسست أني أضعت كنزا وقع إليّ، وتغلّبت غريزتي، فأخفت صوت الدين والعقل، وأحسست توترا في أعصابي، حتى وجدت الرغبة في أن أعضّ يدي بأسناني، أو أضرب رأسي بالجدار، وعدت أتمثل حركاتها ونظراتها… فأراها أجمل مما هي عليه، وأحس بها في نفسي، فكأني لا أزال أشم عطرها، وأرى جمالها، بل لقد مددت يدي لأمسك بها، فإذا أنا أقبض على الهواء، وخيّل لي الشيطان أن هذه البنت لم تعد تستطيع الصبر بعد أن أذكى هذا النظام المدرسي نار غريزتها، وأنها ستمنح هذه الـ … هذه النعمة رجلا غيري… فصرت كالمجنون حقا، وحاولت أن أقرأ ففتحت كتابا فلم أبصر فيه شيئا إلا صورتها، وأردت الخروج فرأيتني أنفر من لقاء أيّ من أصحابي كان ولا أريد إلا إياها، وحسدت إخوتي المدرسين الذين لم يتربوا مثل تربيتي الصالحة، فتمنعهم من الانطلاق في هذه اللذائذ انطلاق الذئب في لحم القطيع الطريّ!

والعفو يا أستاذ إذا صدقت في تصوير ما وجدت، فأنت أستاذي أشكو إليك، وأنت الرجل الأديب قبل أن تكون الشيخ القاضي، فقل الآن ماذا أصنع؟ إني تركت التدريس واشتغلت بغيره، ولكني لم أستطع أن أنساها، ولو أنا أردت وصالها لقدرت عليه ولكني لا أريد، فماذا أصنع يا أستاذ؟ لقد حاولت الزواج، فرأيت الأب الذي لا يكاد يمنع ابنته حراما لا يمنحها حلالا إلا بمهر وتكاليف يستحيل دفعها على مثلي، فأيِسْتُ من الزواج، فماذا أصنع؟

* * * * * * * *

ماذا يصنع يا أيها القراء؟ قولوا، فإني لم أجد والله ما أقول!
اضافة رد مع اقتباس
   


إضافة رد


قوانين المشاركة
غير مصرّح لك بنشر موضوع جديد
غير مصرّح لك بنشر ردود
غير مصرّح لك برفع مرفقات
غير مصرّح لك بتعديل مشاركاتك

وسوم vB : مسموح
[IMG] كود الـ مسموح
كود الـ HTML مسموح
Trackbacks are مسموح
Pingbacks are مسموح
Refbacks are مسموح



الوقت المعتمد في المنتدى بتوقيت جرينتش +3.
الوقت الان » 09:50 PM.

جميع الآراء و المشاركات المنشورة تمثل وجهة نظر كاتبها فقط , و لا تمثل بأي حال من الأحوال وجهة نظر النادي و مسؤوليه ولا إدارة الموقع و مسؤوليه.


Powered by: vBulletin Version 3.8.7
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd

Google Plus   Facebook  twitter  youtube