مشاهدة مشاركة بصفحة مستقلة
  #7  
قديم 07/04/2002, 11:59 PM
زعيم العز الأزرق زعيم العز الأزرق غير متواجد حالياً
زعيــم فعــال
تاريخ التسجيل: 10/04/2001
المكان: شرق الرياض
مشاركات: 235
Post يتبع

مقال لفضيلة الشيخ ناصر العمر الجزء((1))

رؤيةاستراتيجية في القضية الفلسطينية
الحمد لله رب العالمين ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين
أمّا بعد :
يعيش إخواننا في فلسطين هذه الأيام مرحلة عصيبة من تاريخهم ، فالاستكبار اليهودي قد بلغ أوجه، وكشف شارون عن وجه بني صهيون الحقيقي ؛ فالقتل ، والتشريد وهدم المنازل والحصار الاقتصادي الرهيب، وخامسها : الخذلان المخزي من لدن المسلمين عامة ، والعرب خاصة لإخوانهم في فلسطين ، كل هذه الأحوال تطرح سؤالاً مهماً : هل لهذا الأمر من نهاية؟ وهل لهذه البلية من كاشفة ؟ ويتحدد السؤال أكثر : أين المخرج ؟ وما السبيل ؟ وبخاصة وقد بلغ اليأس مبلغه في نفوس كثير من المسلمين ، وبالأخص إخواننا في فلسطين ، وأصبح التشاؤم نظرية يروج لها البعض ، مما زاد النفوس إحباطاً ، والهمم فتوراً .
وأقول : مع مرارة الواقع ، ووجهه الأسود الكالح ، وامتداد هذا الليل ، وتأخر بزوغ الفجر ، مع ما يحمله هذا الليل من فواجع ومواجع مصحوباً بالرعود والبروق والصواعق والرياح العاتية ، كل ذلك لا ينسينا سنن الله في الكون ، وأن الظلم مهما طال فلن يستمر ، وأن تقدم مدة الحمل مؤذن بالولادة ، وساعات الطلق الرهيبة تعلن نهاية المعاناة "فإن مع العسر يسرا إن مع العسر يسرا " .
إننا من أجل أن نعرف كيف يتحقق النصر ، لابد أن ندرك كيف وقعت الهزيمة ، ومن أجل أن نرسم طريق الخلاص لابد أن نعرف كيف حدثت المعاناة ، وما بني في عشرات السنين ، لا تنتظر زواله بين غمضة عين وانتباهتها ، لأن السنن الكونية تدل على غير ذلك ، فكما أن هناك أركاناً للهدم ، فهناك أسس للبناء ، وما شيدته الجاهليات المتعاقبة على مرور الأزمان اقتضى وقتاً ليس باليسير حتى هدمه الأنبياء والمصلحون ، وأقاموا مكانه بناء راسخاً لا تهزه الرياح ، وسأسوق هذه الرؤية مسلسلة بنقاط مستقلة ، تؤخذ النتيجة من مجموعها ، لا من آحادها حيث يكمل بعضها بعضا ً، ويأخذ بعضها برقاب بعض.

* أرض فلسطين أرض أسلامية :
المسجد الأقصى على مرّ التاريخ كان مسجداً إسلامياً ، ومن قبل أن يوجد اليهود ، ومن بعد ما وجدوا "سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله" وفلسطين أرض الأنبياء منهم: إبراهيم وموسى وعيسى وزكريا ويحيى وغيرهم – عليهم وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام- وكلهم مسلمون "إن الدين عند الله الإسلام" ، " لا نفرق بين أحدٍ منهم ونحن له مسلمون" إذاً فلسطين أرض إسلامية ، لا حق لأحد غير المسلمين فيها، "إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين" .
وهذا منطلق مهم ، وأرضية صلبة يبنى عليها ما بعدها من مواقف وتضحيات .

* يهود الأمس ويهود اليوم :
بنو إسرائيل الذين آمنوا بموسى - عليه السلام – غير يهود اليوم ، فأولئك كانوا مسلمين مؤمنين ، وهؤلاء كفار مشركون تبعاً لمن كفر بموسى وخرج عن شريعته ، وبنو إسرائيل هم نسل يعقوب – عليه السلام – الذي قال الله عنه : "ووصى بها إبراهيم بنيه ويعقوب يا بني إن الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون" .
أغلب يهود اليوم ليسوا من بني إسرائيل ، بمعنى أن الذين يحتلون فلسطين اليوم ليسوا من نسل بني إسرائيل الذين كانوا مع موسى عليه السلام أو سلالتهم ، حيث إن اليهود الذين يعتبرون من نسل بني إسرائيل وهم المعروفون بـ (السفارديم) لا يزيدون عن 20% من عدد اليهود في العالم ، مع ما داخل هذا العدد من امتزاج وتزاوج مع جنسيات وسلالات أخرى بمعنى أن هذه النسبة القليلة ليست نسبة خالصة من نسل بني إسرائيل ، أمّا النسبة الكبرى من يهود اليوم 80% فليسوا من نسل اليهود الأصليين ، بل هم من أصول أوروبية وشرقية ومن مختلف بلدان العالم، وهم المعروفون بـ (الاشكنازيم) حيث دخلوا اليهودية بالتحول من دياناتهم الوثنية وغيرها.

* الصراع في فلسطين صراع قديم :
الصراع هناك لم يكن وليد اليوم ، وإنما له جذوره في التاريخ ، ولم يكن ذلك الصراع صراعاً عرقياً أو قومياً ، وإنما هو صراع بين الحق والباطل ، وبيت المقدس كان على مرّ التاريخ ملكاً للمسلمين ، وهم الأنبياء وأتباعهم الموحدون ، وعندما تزيغ طائفة عن هذا الطريق يبعث الله من المؤمنين من يعيد الحق إلى نصابه ، والبيت إلى أهله ، بل قد يبعث الله من يؤدب أولئك الذين خرجوا عن دينه ، وانحرفوا عن سبيله ، وطغوا واستكبروا .
إن المتأمل لهذا الصراع في جميع فتراته يدرك طبيعة المعركة ، وأنها بين الحق والباطل ، بين التوحيد والشرك ، بين الكفر والإيمان ، لم تكن المعركة – أبداً – عرقية ، أو قومية ، أو وطنية ، لم تكن بين جنس وجنس ، وقبيلة وقبيلة من أجل أرض أو تراب ، إن إدراك هذه الحقيقة، يبين لنا كيف حدثت الهزيمة ، ولماذا تأخر النصر ، وكيف يتحقق الانتصار .

* فكرة الدولة اليهودية :
عندما انحرف اليهود عن الدين الصحيح الذي جاء به موسى – عليه السلام – لم يستقروا في أرض ، ولم يملكوا وطناً ملكاً شرعياً ، وإنما كانوا يتنقلون في أصقاع الأرض ، فالتشرد من طبيعتهم والتفرق من خصائصهم .
وكانوا يستغلون ما معهم من بقية دين ونصوص توراة يستفتحون بها على الذين كفروا ، وبهذا دخلوا يثرب، وتمكنوا من السيادة عند الأوس والخزرج، "فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به فلعنة الله على الكافرين" وهكذا ديدنهم فالمكر والخديعة سفينتهم ، واستغفال الشعوب مطيتهم ، وعندما تم إجلاؤهم من المدينة أولاً ، ثم من جزيرة العرب ثانياً ، لم يستقروا في أرض ولم يجتمعوا في بلد ، بل تفرقوا أيدي سبأ.
لقد عاش اليهود أقليات مستضعفة في أرجاء المعمورة ، لم يدخلوا بلداً إلا أحدثوا فيه فساداً ، ولم يستوطنوا بلداً إلا كانوا مصدراً للقلاقل والفتن ، يستمدون أمنهم من خوف الآخرين ، ولذلك كرهتهم الشعوب ، لكن لديهم قدرة عجيبة مبنية على الخداع والدسائس والمؤامرات في إقناع الآخرين بحاجتهم إليهم ، ولذلك سيطروا على كثير من مقدرات الأمم وبخاصة الاقتصادية منها ، لما جبلوا عليه من حبِّ المال ، وعدم التورع عن أي وسيلة تحقق أهدافهم ومآربهم ، والذي يتأمل في تاريخ اليهود منذ قديم الزمان يصل إلى حقيقة لا مراء فيها بأنهم : إما أن يكونوا مستعلين جبارين ظالمين ، أو أقلية محتقرين مستضعفين ، والأخيرة هي السمة السائدة في تأريخهم إلا عندما كانوا أهل ذمة في حمى الإسلام ، فقد كفل لهم حقوقهم ومنع الآخرين من ظلمهم ، ولكنهم يخربون بيوتهم بأيديهم ، فاعتبروا يا أولي الأبصار .
ولقد وطن اليهود أنفسهم على هذا الأمر ، ولم يكونوا يحلمون بأن يعودوا أمة لها شأن ، أو دولة لها كيان ، ولذا فإن فكرة الدولة اليهودية فكرة طارئة ، لم يجتمع اليهود على الإيمان بها ، بل هناك معارضة قوية لدى كثير منهم ، لإقامة الدولة اليهودية ، وكان على رأس المعارضين اليهودي الألماني إنشتاين ، صاحب نظرية النسبية المشهور ، ويصل الذين يعارضون فكرة الوطن القومي لليهود إلى أكثر من ثلاثة ملايين يهودي ، حيث يرون أنها وسيلة لاجتماعهم ليقتلوا ، كما يعرفون من نصوص التوراة ، ويرون أن بقاءهم أقليات تسيطر على مراكز النفوذ وأصحاب القرار ، دون أن يكونوا هم البارزين والظاهرين للناس أولى وآمن ، مما يمكنهم من اللعب على المتناقضات ، دون أن يضعوا بيض الثعبان في سلة واحدة .
إذاً صاحب فكرة الوطن القومي هم الملاحدة من اليهود ، وعلى رأسهم الصهيوني المعروف "هرتزل" ولم تكن فلسطين هي الخيار الأول لهم ، وإنما كانت هناك عدة دول منها أوغندا ، ولكن بعد دراسات دعمها الغرب النصراني وجدوا أن أرض فلسطين هي الأرض المناسبة لإقامة دولتهم ، وبخاصة أن هناك نصوصاً من التوراة تخدمهم ، كالنصوص الواردة في يهودا والسامرة ، وأرض الميعاد ، وهيكل سليمان وهلم جرّا .
ويكفي أن نعلم أن نسبة اليهود الذين في فلسطين بعد الهجرات المتوالية التي نظمتها الوكالة اليهودية وتعاونت معها الدول الكبرى لم تتجاوز 20% من عدد اليهود في العالم ، ولولا التعاون الدولي والاعتماد على النصوص التوراتية لترغيب الهجرة إلى فلسطين لما تحقق نصف هذا العدد ، ومما هو جدير بالذكر أنه إلى قبيل نهاية القرن التاسع عشر – أي قبل المؤتمر اليهودي الذي قرر إقامة الدولة اليهودية في فلسطين – لم يكن يوجد في فلسطين من اليهود ســوى 24 ألف يهودي فقط . وهنا سؤال مهم : هل إسرائيل دولة دينية أو علمانية ؟، والجواب باختصار : إن إسرائيل دولة علمانية عنصرية قامت على فكرة دينية ، أي إن حكومات إسرائيل حكومات علمانية استغلت الدين اليهودي لتحقيق اهدافها .

* مراحل قيـــام إســرائيل :
قامت إسرائيل على ثلاث دعائم : -
1- التخطيط اليهودي الماكر .
2- التآمر الدولي .
3- الخيانات العربية الثورية الضالعة بالولاء للشرق والغرب .
وهيأ لنجاح هذا الثالوث ضعف المسلمين وتفرقهم ، بل وتناحرهم وبخاصة بعد سقوط الدولة العثمانية ، بل إن القوميين العرب ضالعون في مؤامرة إسقاط الدولة العثمانية. ويُمكن أن تختصر مراحل قيام إسرائيل بما يلي :
1- المؤتمر اليهودي في سويسرا عام 1897م الذي أقرّ قيام وإنشاء وطن قومي لليهود .
2- وعد بلفور – وزير خارجية بريطانيا – عام 1917م الذي وعد اليهود بإنشاء وطن قومي لهم في فلسطين.
3- قرار عصبة الأمم عام 1922م بوضع فلسطين تحت الانتداب البريطاني مما ساعد بريطانيا – بدعم دولي – على الوفاء بوعدها بإنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين .
4- مؤتمر سايكس بيكو وتقسيم الدول إلى مناطق استعمارية للدول الكبرى بعد الحرب العالمية .
5- قيام دولة إسرائيل عام 1948م .
وبين تلك المراحل أحداث كبرى لا تخفى على من يعنى بتلك القضية.

* هل كان هناك جهاد في فلسطين ؟ ونظرية الدولة التي لا تقهر:
منذ دخل اليهود إلى فلسطين وبدؤوا في تنفيذ مخططهم لإقامة دولتهم ، بدأ الجهاد هناك ، واتخذ أشكالاً عدة ، وعلى رأسها القتال المسلح وغالباً بصورة ما يسمى حرب العصابات وكان يقوى حينا ويضعف أحايين أخرى ، كل هذا من داخل فلسطين ، أما من خارجها فلم يكن هناك أي مواجهة مع اليهود إلا الجهاد الذي قام به المسلمون بعد قيام إسرائيل وهو ما يسمى بكتائب الإخوان وهي مواجهة محدودة أحبطها القوميون قبل اليهود ، وكذلك كانت هناك معارك خاطفة كما حدث في الكرامة ونحوها ، أما ما عدا ذلك فلم تدخل إسرائيل في أي حرب حقيقية مع العرب سوى عام 1973م وهي حرب ذات أهداف محددة ، ولذلك لم يسمح بتجاوزها عندما تحققت تلك الأهداف وأهمها :
1- تحريك الوضع الذي كان يسيطر عليه الجمود آنذاك .
2- إعادة سيناء إلى مصر عربوناً لأن تتزعم مصر محادثات السلام.
3- تهيئة المنطقة لمرحلة السلام مع اليهود.
4- أما ما عدا ذلك فلم تكن هناك مواجهات حقيقية مع اليهود .
إذاً فنظرية الدولة التي لا تقهر حدثت مع الهزيمة النفسية التي حلّت بالعرب، وهي من صنع الإعلام العَربي قبل غيره، وكانت جزءاً من الاستراتيجية اليهودية في حرب المسلمين ، وإشاعة الرعب في قلوبهم ، نمّاها وقوّاها الخيانات العربية المتوالية التي تزعمها القوميون والعلمانيون وحلفاء اليهود من المنافقين ، انسجاماً مع ولائهم للشرق والغرب ، حيث كانوا ينفذون ما يمليه عليهم أسيادهم حماة دولة إسرائيل وصنّاعها.
وما فعله ويفعله أطفال الحجارة مع اليهود ، من أقوى البراهين المعاصرة على تعرية تلك المزاعم وسقوط دعوى إسرائيل التي لا تقهر .

* استراتيجية حماية إسرائيل :
إسرائيل دولة عنصرية غريبة غير مندمجة مع من حولها ، فهي خليط من شعوب يهودية غير متجانسة ، متفاوتة في بيئتها الاجتماعية ، متعددة الأعراق والديانات والمذاهب ، تنخر فيها الطبقية والحزبية ، مجتمعة الأجسام مختلفة القلوب " تحسبهم جميعاً وقلوبهم شتى" ومع ذلك فهي أقلية في وسط بيئة غير بيئتها ، وأرض غير أرضها ، مع ما يحمله ذلك الشعب – صاحب الأرض – من عداء تاريخي لها ، له أسبابه ودواعيه ، وتلك الدولة واقعة بين دول تتوجس منهم ، ويتوجسون منها وهي تعلم أن شعوب تلك الدول تنتظر اللحظة التاريخية للانقضاض عليها ، وإعادة الحق إلى نصابه ، وإسرائيل تفقه هذه الحقيقة مهما حاول بعض حكام المنطقة أن يشعروها بالحماية والأمان .
وهي مع ذلك لا تملك مقومات الدولة المستقرة الآمنة ، وإنما تعتمد على الدعم الخارجي اللامحدود ، عسكريا واقتصادياً وسياسياً من الشرق والغرب. وتعاملاً مع هذه الحقيقة ، وإدراكاً لهذا الواقع من قبل إسرائيل وحلفائها ، طرحت عدة مشاريع استراتيجية لحماية إسرائيل وترسيخ أقدامها ، وتجنيبها المخاطر والمفاجآت أهمها :
1- إســرائيل الكبرى .
2- تفتيت المنطقة (الدويلات والطائفية) .
3- مرحلة الســــلام .
4- الشرق أوسطية .
أما النظرية الأولى فقد ثبت فشلها واستحالتها ، وذلك أنها لم تستطع أن تحافظ على أمنها واستقرارها وسيطرتها على رقعة صغيرة ، لا تعادل إلا نسبة صغيرة من مخطط إسرائيل الكبرى ، فكيف تستطيع أن تحافظ على أضعاف ذلك .
أما النظرية الثانية ، فمع ما تحقق فيها من نجاح محدود ، فقد أدرك الجميع صعوبة الاعتماد عليها ، وبخاصة بعد حرب لبنان التي كانت منطلقاً لتحقيق تلك الاستراتيجية ، ثم جاءت الحرب العراقية الإيرانية ، ثم حرب الخليج، ومحاولة تفكيك العراق كل تلك الأحداث ونتائجها أثبتت فشل هذه الاستراتيجية وصعوبة تحقيقها ، وأنها لم تكن بالسهولة التي رسمها المخططون لها ، ولذلك فلا يمكن الاعتماد عليها لحماية أمن إسرائيل واستقرارها.
أما مرحلة الســلام ، فسيأتي الحديث عنها لاحقاً .
بقيت النظرية الرابعة "الشرق أوسطية" وهي نظرية سياسية حديثة ، جاءت من قبل حلفاء إسرائيل عندما ادركوا صعوبة نجاح الاستراتيجيات الأخرى ، وقد تزعمها "شمعون بيريز" رئيس وزراء إسرائيل سابقاً ، ووزير خارجيتها حالياً ، زعيم حزب العمل ، والمرشح للعودة لرئاسة حكومة إسرائيل مستقبلاً حيث إن شارون جاء لمهمة محدودة سيرحل بعد تنفيذها كما رحل سلفه "نتن ياهو" .
وقد بدأت هذه النظرية قبل عدة سنوات ، وكان من أبرز ميادينها المؤتمر الاقتصادي .
والعولمة القادمة ، وبالأخص منظمة التجارة العالمية قد تساهم في دفع هذه الاسترايتجية إلى الأمام .
وهي تقوم على أن تندمج دول المنطقة على استراتيجية اقتصادية ، وسياسية لا ترتكز على القومية أو الدين ، بل على رقعة جغرافية محدودة "الشرق الأوسط". وهذه النظرية يصعب الجزم بمستقبلها ، حيث إن المؤتمرات السابقة لم تحقق النجاح المنشود ، ونجاحها يعتمد على شكل ما ستكون عليه المنطقة بعد إعادة ترتيبها في ظل المتغيرات الدولية الجديدة.

* هل اليهود والنصارى حلفاء ؟
الدارس للتاريخ يدرك شدة العداء بين اليهود والنصارى .
وقد شهد التاريخ صوراً مروعة من بطش النصارى باليهود ، لأن اليهود أقلية والنصارى أكثرية ، وبخاصة العداء مع الكاثوليك ، وعندما دخل الرومان بيت المقدس جعلوه مقبرة لليهود ، وعندما سقطت الأندلس – وكان اليهود يعيشون بأمان في ظل الحكم الإسلامي - بطش بهم النصارى حتى فروا إلى تركيا ، وهم المعروفون بيهود الدونمة . وفي أوروبا بطش بهم كثير من حكام الغرب ، وبخاصة هتلر ، وهذه حقيقة يجب الاعتراف بها ، لكن اليهود بالغوا فيها وفي وصفها من أجل استغلال الغرب ، واستجلاب عطف العالم ، ودفع الإتاوات وبخاصة من ألمانيا ، وإنكار هذه الحقيقة ليس منهجاً علمياً ، والاعتدال هو الصحيح.
أما الآية الكريمة ( بعضهم أولياء بعض ) فتعني أنهم أولياء بعض في العون والنصرة إذا كان الأمر يتعلق بالمسلمين ، أو أن اليهود بعضهم أولياء وأنصار بعض ، والنصارى بعضهم أولياء وأنصار بعض ، لا أن اليهود أولياء وحلفاء النصارى والنصارى أولياء وحلفاء اليهود ، ولا تعارض بين الوجهين ، وبهذا يستقيم تفسير آية البقرة وآية المائدة، وأحداث التاريخ. إذاً العداء متأصل بين الفريقين وهذا لا يمنع من اتحادهم ضد المسلمين ماضياً وحاضراً .
وقد حدث التغيُّر الكبير في العلاقة بين اليهود والنصارى بعد ظهور حركة الإصلاح الديني التي قام بها "مارتن لوثر" و "كالفن" وأضرابهما ضد الكنيسة الكاثوليكية البابوية التي كانت تفرض هيمنتها على الدين والحياة ، ومن ذلك احتكار تفسير النصوص الدينية ، فقد طالبت الحركة الإصلاحية البروتستانتية بالرجوع المباشر إلى النصوص ، وترجمة التوراة والإنجيل إلى اللغات الحية كالألمانية والفرنسية والإنجليزية ، وهنا اعتقد البروتستانت حرفية تلك النصوص ، ومنها ما يتعلق بوعد الله لإبراهيم عليه السلام وذريته بأن يعطيهم الأرض الواقعة بين الفرات والنيل ، وغير ذلك من النصوص التي تفضِّل اليهود على غيرهم وتعطيهم الحق في العودة إلى فلسطين حسب ما هو في التوراة المحرفة ، ومن هنا نشأت الحركة الصهيونية في أول أمرها نصرانية لا يهودية ، وقد تفاقم خطر الصهيونية الإنجيلية في العقدين الأخيرين من القرن العشرين وأصبحت من أكبر قوى الضغط في أمريكا وأصبح لزعمائها مكانة متميزة لا سيما في الحزب الجمهوري ، ولا يزال اليهود غير الصهاينة ومعهم الكاثوليك وغيرهم يعادون هذه الحركة كما أن الاتجاه الليبرالي يعاديها بشدة لأسباب أخرى ، لكن كثيراً من الزعماء يداهنونها لمآرب سياسية وغيرها.

* لماذا لم ننتصر ؟ :
إنه من السهل جداً أن نعيد عوامل الهزيمة إلى عدونا ، ولكن ليس هذا هو الطريق الذي يوصل إلى تحقيق أهدافنا ، وإنما هو تسلية للذات وتبرير للهزيمة.
لا يستطيع أحدٌ أن ينكر دور أعدائنا فيما حل بنا ، ولكن هل ينتظر من الأعداء والخصوم إلاّ ذاك ؟ ، هل نتوقع من خصمنا أن يسلّم لنا فلسطين على طبق من ذهب ، أو يمكننا من رقابه نتصرف بها كيف شئنا ؟
إننا من أجل أن نحقق النصر الذي ننتظر لابد أن نكون صرحاء مع أنفسنا ، صادقين مع بعضنا ، نشخّص الداء دون مجاملة أو مواربة أو تبعيض.
وخلاصة الأمر ، أننا أضعنا فلسطين لإضاعتنا لأمر الله ، فما وقع بلاء إلا بذنب ، ولا رفع إلا بتوبة "وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير" . وقال صلى الله عليه وسلم : (إذا تبايعتم بالعينة ، ورضيتم بالزرع ، وأخذتم أذناب البقر ، وتركتم الجهاد ، سلّط الله عليكم ذلاً لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم ) الحديث .
أمّا تأخر النصر فأسبابه كثيرة أهمها ما يلي : -
1- أننا لم نتلاف أسباب ضياع فلسطين ، وبقينا على بعدنا عن الله وتفريطنا في أوامره ونواهيه ، سواء في داخل أنفسنا وبيوتنا وأسرنا ، أو في عموم حياتنا ومجتمعنا .
2- تفرق المسلمين ، وبالأخص الجماعات الجهادية .
3- عدم وجود خطة استراتيجية شاملة لمواجهة اليهود ، وإنما هي ردود أفعال، أو استجابة لظروف معينة.
4- ضعف المنهج وعدم خلوصه من الشوائب لدى كثير من الدعاة والجماعات الإسلامية والجهادية منها بالأخص .
5- عدم إدراكنا لطبيعة المعركة مع اليهود ، وأنها معركة عقيدة ودين ، والانخداع ببعض الاستراتيجيات الغربية ، والمساهمة في تنفيذها كالسلام والتطبيع والتعايش السلمي ، مما أضاع علينا زمناً طويلاً .
6- انشغال الشعوب المسلمة بقضايا أخرى صرفتها عن القضية الأساس ، واشغلتها بنفسها عن عدوها .
7- عدم الأخذ بأسباب القوة الحقيقية ، والتخبط في هذا الأمر ، مما مكن العدو من أن يحقق أهدافه بيسر وسهولة .
8- الهزيمة النفسية ، والاستجابة لما يبثه الإعلام الغربي والعربي من أن دولة إسرائيل دولة لا تقهر.

* في الاتجـــاه الصحيــح:
ومع كل ما ذكر من مآس وجراحات وآلام ، فإن هناك بشائر أصبحت تلوح في الأفق ، تبشر بأن الأمة بدأت تسير في الاتجاه الصحيح ، وتحققت انتصارات لا يستهان بها هي من أهم الخطوات نحو الانتصار الحقيقي ، بل لا يمكن أن يتحقق ذلك الانتصار بدونها . وأهم هذه المكاسب ما يلي : -
1- كانت بعض المنظمات الفلسطينية قبل ثلاثين سنة تملأ الساحة ضجيجاً وصراخاً بأنها ستحرر فلسطين ، وهذه المنظمات خليط عجيب من المنظمات المنحرفة عن الصراط المستقيم ، فمنها: القومية والبعثية والشيوعية والوطنية ، وقليل منها الإسلامية وكان كثير من الناس يحسن الظن بهذه المنظمات ، ويرى أنها قد تساهم في تحرير فلسطين ، ولذلك وجدت الدعم والتأييد البشري والمالي والسياسي من قبل بعض المسلمين ، وظلوا ينتظرون تحرير بيت المقدس على أيدى تلك المنظمات ، وقد وقع هؤلاء الذين أحسنوا الظن بها في الخطأ . والانتصار الذي تحقق هو سقوط تلك المنظمات ، وسقوط برامجها الكاذبة ، ومن ثم سقوط الثقة بها وانكشافها على حقيقتها ، ولم يبق إلا البرامج الجهادية الجادة التي تشبث بها الجميع ، ويتبع هذا الانتصار سقوط دعوى الحكومات الثورية التي كانت تزعم أنها ستحرر فلسطين ، بل وترمي إسرائيل في البحر.
2- بعد سنوات طويلة من المعارك الوهمية والهزائم المتوالية أمام إسرائيل ، وبعد الصراخ وبيانات الشجب والاستنكار ترسخت لدى الشعوب قناعة بأن إسرائيل دولة لا تقهر ، ومن هنا كثر الحديث بأنه يستحيل إخراج إسرائيل من فلسطين وأن استمرارنا بهذا الطريق يعني مزيداً من الخسائر والهزائم ، ولذلك بدأت مرحلة خطيرة ، حيث طرحت استراتيجيات كبرى تطالب بالسلام والتعايش مع العدو ، وتطبيع العلاقات مع الصهاينة ، وما كان أحد يستطيع أو يجرؤ على الحديث عنها قبل ثلاثين سنة تقريباً ، ولو فعل لاتهم بالخيانة وبيع القضية .وبعد حرب رمضان بدأت مرحلة السلام "سلام الأقوياء" - زعموا – من أجل ترويض الشعوب وامتصاص غضبها ، ثم تهيئتها للمرحلة المقبلة ، وهكذا كان ، وأصبحت مصطلحات السلام ، والتطبيع ، والتعايش مع اليهود مصطلحات تتكرر على مسامعنا ، ويشدو بها الإعلام صباح مساء ، وتعقد لها المؤتمرات – ولا تزال – وكانت هناك أصوات أخرى تبين أن هذا ليس هو الطريق لتحرير فلسطين ، وإنهاء القضية ، ولم يسمع لتلك الأصوات في حينها ، وما هي إلا سنوات محدودة فإذا أركان السلام تتهاوى ، والعهود تنقض من قبل اليهود أنفسهم . والانتصار الذي بدأ يتحقق هو الفشل المبكر لتلك الاستراتيجيات ، حيث لم يعد لها تلك القوة والزخم الذي طرحت به وتراجع منظّروها إلى الخلف بعد أن أوقعتهم إسرائيل في حرج شديد أمام شعوبهم .
3- من الإنجازات المهمة التي تحققت في معركتنا الطويلة مع اليهود تهاوي دعوى "إسرائيل التي لا تقهر" على أيدي أطفال الحجارة ، وتحقيقهم لما عجز عنه الجنرالات وأصحاب الأوسمة والنياشين . وأعجب من ذلك وأقوى أثراً هذا الصمود العجيب من قبل أولئك الأطفال ، بالرغم من البطش والتنكيل والعذاب الذى يصبّه اليهود صباً على هؤلاء الفتية وأسرهم وبيوتهم ولم يكن الأقربون - فضلاً عن الأعداء- يتصورون استمرار تلك المواجهة أكثر من أيام أو بضعة أسابيع ، فإذا هو- وقد مرّ عليها بضعة أشهر- تزداد اشتعالاً وقوة ، علماً أن المواجهة الأولى لم يمض عليها إلا عدة سنوات ، مع ما حدث فيها من مآس وآلام وجراحات توقع المراقبون ألاّ تعود إلا بعد سنوات طويلة لقسوة بطش العدو وخذلان الصديق ، ولكن على قدر أهل العزم تأتي العزائم .
4- وأهم تلك الانتصارات ، وأبعدها أثراً هو الوصول إلى أن الطريق الوحيد لتحرير بيت المقدس وتخليص فلسطين من اليهود هو الجهاد في سبيل الله ، وهذه القناعة لم تكن تحدث عند كثير من المسلمين إلا بعد فشل جميع النظريات والاستراتيجيات الأخرى.
اضافة رد مع اقتباس