مشاهدة مشاركة بصفحة مستقلة
  #1  
قديم 20/06/2011, 01:51 AM
الصورة الرمزية الخاصة بـ مسّتريح البال
مسّتريح البال مسّتريح البال غير متواجد حالياً
زعيــم متألــق
تاريخ التسجيل: 05/07/2008
المكان: بين ذاكرة الجسد وفوضى الحواس !
مشاركات: 1,119
إلى من يهمّه الأمر : البعرة تدل على البعير , والأثر يدل على المسير !


إلى من يهمّه الأمر :


استميحكم عذرا ً , فحماسة الشباب وعنفوانه قد تصبح حماقة أحيانا ً , وإن لم تجد لها رادع بدليل عقلي إن غاب الرادع الحسي استشرت , وحينها ستعم الفوضى , وإن عمّت فقولوا على الدنيا السلام .
كان في الجاهلية نوادٍ أدبية موسمية يرتادها أهل الأدب بمختلف أنواعه ليحتكموا إلى فطاحلة الشعر وأساتذة النقد , لينقحوا أشعارهم وينهلوا من معين من سبقهم فيه , وكان من تلك التجمعات الأدبية سوق عكاظ الذي كان يقام قبل موسم حج كل عام , ويكفي ان نعرف أن من اعلامه قس بن ساعدة الأيادي وأكثم بن صيفي وغيرهم , وكان ينصب فيه كل عام خيمة ٌ حمراء ليحتكم فيها أهل الشعر عند النابغة الذبياني لينقح شعرهم ويهذبه وينتقدهم .
ذات عام اجتمع إلى النابغة مجموعة من الشعراء كان من ضمنهم حسان بن ثابت فلما قال شعرا ً كان من ضمنه :
لنا الجفنات الغر يلمعن بالضحى ... وأسيافنا يقطرن من نجدة ٍ دما
وكان هو وغيره من الشعراء يحتكمون إلى النابغة , ففضل النابغة عليه بعضا ً َ ممن حضر , فما كان من حسان إلا أن قال له : أنا أشعر منك ومن أبوك , في رد فيه من الغلاظة والحماسة الشيء الكثير , ولكنه بالتأكيد كان يفتقد لأبسط مقومات الاختلاف في الرأي , فرد عليه صاحبنا برد ٍ ملجم , وكان من ضمن ما قال :
أنت قلت : يلمعن ولو قلت يبرقن لكان أبلغ , وقلت في الضحى ولو قلت في الدجى لكان أفضل , وقلت يقطرن ولو قلت يسلن لأبان كثرة طعنكم في الأعداء .
رد بسيط وملجم , في صميم ما قاله ولم يتفرع إلى ما هو أبعد , وحتى لم يتعرض لشخصه أو ينتقص منه البته .

أضحك ملء شدقيّ , وفي داخلي أبكي , حينما أرى أحدهم وهو يرى في نفسه ( فليسوف زمانه ) و ( أوحد عصره ) ولم يجد الزمان بمثله , وأنه إن كتب ألجم , وإن حاجج أقنع , وهو في الحقيقة كلما خاصم فجر , وكلما ناقش خسر , وحينما يحتدم الوطيس غاب وأندثر , قلة هم ولكن النار من مستصغر الشرر , ولا يدري أصلح الله شأنه أنه متكبر ومتجبّر , وليته يدري , ما تعلم من تكبر , ولا فاز من تجبّر .

لكل زمان ٍ رجال , ولكل شمس ٍ زوال , والرأي له قاده , ولكل قائد ٍ مكانه , نختلف معه لا نجرحه , حتى لو لم يعجبنا ما يطرحه , فالبجاحة والسفاهة ليست من ضمن خطط العاقلين , ولا من شيم الواثقين , من أنفسهم , وقدراتهم , ليتنا فقط نختلف , نناقش , بنفس طيبه , ونية ٍ صافية بعيدا ً عن : ( يا متخلف , يا متحجر , يا سامج , يا متحاذق , يا جاهل , يا أحمق ... الخ ) من الكلمات التي تسيء لنا قبل أن نسيء بها إلى الآخرين .

أحبتي لم أكتب ما كتبت لأقول هـأنـذا , ولكن لما رأيته في الأيام الماضية من انحدار في بعض الردود والنقاشات , التي تصل أحيانا ً إلى مستنقعات نتنه تنفر منها النفس السليمة .
ونحن لم نجتمع هنا , إلا لنبحث عن كلمة طيبة , ومفردة جميلة , لنستمتع بها , ونزهوا بها طربا ً وشدوا ً , ولننفض عنا غبار الرتابة والركاكة , ولنستمتع بعبق ما نطرحه هنا , بعيدا ً عن أي خلفيات أخرى , ونبتعد عما قد قد يوقعنا في الخصومة من باب الوَرَع , قال تعالى : ( وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَهُوَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمٌ ) -وقول المصطفى عليه الصلاة والسلام ( دع ما يريبك إلا ما لا يريبك ) وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم ( من اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام ) .

ودمتم في رعاية الله




العنوان مقبس من خطبة قس بن ساعدة الأيادي الشهيرة التي ألقاها في سوق عكاظ
اضافة رد مع اقتباس