#271  
قديم 11/04/2011, 01:20 AM
الصورة الرمزية الخاصة بـ Özil 10
عضو اللجنة الإعلاميه للرياضة العالمية
و نائب رئيس رابطة ريال مدريد
تاريخ التسجيل: 10/09/2008
المكان: اقرب مما تتوقع !
مشاركات: 5,475
( النبي الرؤوف)



من أعظم النعم على الرجل " المرأة الصالحة" ، تُعينُه على نوائب الحق ، وتخفف عنه متاعب الحياة ، وتجلو عنه أحزانه ، وتهتم براحته ، وتشد أزره .
أما إذا كانت المرأة غير ذلك فهي عبء ثقيل يزداد إلى أعباء الحياة .
هذه السيدة عائشة رضي الله عنها تجلس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تسأله :
كان وقع معركة أحد شديداً عليك وعلى المسلمين ، قُتل فيها عدد كبير من أصحابك الكرام ، وعلى رأسهم عمك الحمزة رضي الله عنه ، وكُسرت رباعيتُك ، وشُجّ رأسك ، فما الذي أهمك فيها أيضاً ؟
قال صلى الله عليه وسلم : عدم امتثال رماة المسلمين أمري ، فغادروا أماكنهم على الجبل ، فانكشفت ظهور المسلمين ، وانقلب النصر هزيمة ، وانتفخت أوداج أبي سفيان بن حرب – وكان مشركاً- فنادى بأعلى صوته : اعلُ هُبَل، اعلُ هُبل ..... لنا عُزّى ولا عُزّى لكم .
قالت : فماذا كان ردُّك يا رسول الله ؟.
قال : أمرت عمر بن الخطّاب أن يُجيبه على الوتيرة نفسها ، فقال : وماذا أقول له يا رسول الله ؟
قلت له مواسياً جراحَ المسلمين أبُثّ فيهم روح التفاؤل : نادِ بأعلى صوتك : الله أعلى وأجل ... الله مولانا ولا مولى لكم .
قالت عائشة : فهل مرّ بك يا رسول الله يومُ أشدّ من يوم أحُد؟
قال صلى الله عليه وسلم : نعم ؛ إن أشد الآلام يحس بها الإنسانُ حين يكون أهلُه وأحبابُه ، وعشيرتُه وأقرباؤه – الذين ينبغي أن يكونوا سنَدَه ونصيرَه – أعداءً يُؤذونه ، ويؤلبون عليه الناس .
قالت عائشة : أوَ فعلوا ذلك يا رسول الله ؟
قال : نعم ، ولا أنسى ما فعلوه يوم العقبة ، قبل أن ألتقيَ الأنصار رحمهم الله ، وكتبهم في عليين . لقد كنت أدعو الناس ، فهذا يُكذّبني ، وذاك يستمع إليّ ، ثم يُعرض كأنه لم يسمع ، وذاك يُجيبني مشترطاً أن يكون له الأمر من بعدي ... وكنت أتنقل بين جميع المشركين ، ومن ورائي عمي - أبو لهب – وغيره يقولون : لا تسمعوا لهذا الصابئ ، فإنه يُفرّق بين الأب وابنه ، والأخ وأخيه ، وأحياناً كثيرة ينعتونني بالجنون ، وأحايين بالسحر ، ومرة بالكهانة ، وأخرى بالشعر .
قالت عائشة : لك الله يا رسول الله ، كم عانيت في سبيل الله .!
قال : وأشد من هذا فعله إخوة( عبد يا ليل ) وهم من سادة ثقيف حين عرضت نفسي – في الطائف – عليهم ، فقال الأول ساخراً : لئن كان الله قد أرسلك إلينا لأمزقنّ أستار الكعبة .
وقال الثاني مستهزئاً : أما وجد اللهُ من يرسله غيرك ؟!
وقال الثالث مدّعياً العَجَب من إرسال محمد صلى الله عليه وسلم إليهم : والله
لا أكلمك أبداً ، لئن كنت رسولاً – كما تقول – لاأنت أعظم مكانة أن أردّ عليك،
ولئن كنت تكذب على الله فما ينبغي لي أن أكلمك !!
قالت عائشة : فما فعلْتَ يا رسول الله ؟ لعمري ؛ لقد خسروا أنفسهم وأهليهم .
قال : طلبت إليهم أن يكتموا الأمر ، لا يصل إلى قريش ، فيشمتوا بي . فلم يفعلوا ، وأغرَوا بي سفهاءَهم وعبيدهم وصبيانهم . يسبونني ، ويصيحون بي ، ويرجمونني .
قالت : أبَلَغ بهم سَفَهُهُم أن أن يحرّضوا عليك السفهاء والصبيان والعبيد ؟
قال : وأشد من هذا ، فقد ألجأوني إلى بستان لعتبة وشيبة ابني ربيعة ... وهناك دعَوْت ربي قائلاً :
" اللهم إليك أشكو ضعف قوّتي ، وهواني على الناس ، يا أرحم الراحمين ؛ أنت ربّ المستضعفين ، وأنت ربي ، إلى من تَكِلُني ؟! إلى بعيد يتجهّمني أم إلى عدوّ ملّكتَه أمري ؟ إن لم يكن بك غضب عليّ فلا أبالي ، ولكنّ عافيتك أوسع لي . أعوذ بنور وجهك الذي أشرقَتْ له الظلماتُ ، وصَلُح عليه أمر الدنيا والآخرة من أن تُنزل بي غَضَبَك ، أو تُحِلّ علي سَخَطَك ، لك العتبى حتى ترضى ، ولا حول ولا قوة إلا بك .
قالتْ: بأبي أنت وأمي ؛ يارسول الله ، لقد آذوك فتحمّلت ، وأساءوا ، فتجمّلْتَ ، وإلى ربك رغبت ، وما خاب مَن إلى ربه لجأ ، وبكنَفه عاذ ... ثم ماذا يا رسول الله ؟.
قال الرسول الكريم صلوات الله عليه وسلامه : هِمتُ على وجهي ممتلئاً همّاً وغمّاً ، فلم أدرِ إلا وأنا قريب من مكة – من قرن الثعالب – فرفعت رأسي ، فإذا أنا بسحابة أظلتني ، فنظرتُ ، فإذا فيها جبريل عليه السلام . فناداني ، وقال : إن الله قد سمع قول قومك لك ، وما ردّوا عليك . وقد بعث لك ملَكَ الجبال لتأمره بما شئت فيهم .
ثم ناداني ملك الجبال ، فسلّم عليّ ، ثم قال : يا محمد : قد بعثني الله لأفعل بقومك ما تشاء ، إن شئتَ أطبقتُ عليهم الأخشبين – جبال مكة - .
قالت عائشة : فلِمَ لم تأمره بذلك يا رسول الله ، فتستريحَ منهم ومن كفرهم وضلالهم ؟.
قال صلى الله عليه وسلم : ويحك يا عائشة ، إنما بعثت رحمة للعالمين ، لا منتقماً . فأي فضل لي إذا عاملتُهم بمثل ما عاملوني به ؟ ... بل أدعو لهم بالهداية ، وأرجو أن يُخرج الله من أصلابهم مَن يعبد اللهَ وحده ، لا يشرك به شيئاً.
وقص عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم قصة نبي من أنبياء الله صلوات الله عليهم وسلامه ، ضربه قومُه فأدمَوه ، وهو يمسح عن وجهه الدم ، ويقول : اللهم اغفر لقومي ، فإنهم لا يعلمون .

متفق عليه
رياض الصالحين / باب في العفو والإعراض عن الجاهلين

اضافة رد مع اقتباس
  #272  
قديم 11/04/2011, 01:20 AM
الصورة الرمزية الخاصة بـ Özil 10
عضو اللجنة الإعلاميه للرياضة العالمية
و نائب رئيس رابطة ريال مدريد
تاريخ التسجيل: 10/09/2008
المكان: اقرب مما تتوقع !
مشاركات: 5,475
( صدقك وهو كذوب )


جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم أمام أصحابه بعد أداء الفريضة يسبح الله ويحمده ويكبّرُه ، والمسلمون بين يديه يفعلون فعله ، فإذا انتهى أحدهم استأذن ، وانطلق إلى مقصِده . أما أبو هريرة رضي الله عنه فقد كان من فقراء أهل الصفـّة لا عمل له سوى التعلم من رسول الله صلى الله عليه وسلم وخدمته.
فلما انتهى المسلمون من صلاتهم وذكرِهم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
يا أبا هِرّ ٍ
قال : لبيك وسعديك يا رسول الله .
قال : ادن منّي .
قال : سمعاً وطاعة .
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : صدقاتُ المسلمين في رمضان كثـُرَتْ بين يديّ ، واحتاجت إلى من يحفظها ويسهر عليها حتى يحين وقت توزيعها على فقراء المسلمين ، ورأيت أن أكلفك بذلك .
قال أبو هريرة : أرجو أن أكون عند حسن ظن رسول الله صلى الله عليه وسلم بي .
وجُمع كل شيء يأتي به الناس في مكان يُشرف عليه أبو هريرة .
فلما جنّ الليل رأى رجلاً يأخذ من الطعام ، فأمسك به أبو هريرة قائلاً : كيف تُسَوّل لك نفسك سرقة المسلمين ؟
قال الرجل : إني محتاج ، وعليّ عيالٌ ، وبي حاجة شديدة .
قال أبو هريرة : كان عليك استئذان رسول الله صلى الله عليه وسلم .
قال الرجل : أنا فقير ذو فاقة فاعف عنّي .
قال أبو هريرة : إن عُدْت إلى مثلها أخبرت رسول الله صلى الله عليه وسلم .
قال الرجل : لا أعود إلى مثلها .
فأطلقه أبو هريرة على أن لايعود إلى السرقة .
فلما أصبح أبو هريرة انطلق إلى المسجد يؤدي الصلاة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلما انتهت قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما فعل أسيرك البارحة ؟
قال أبو هريرة : شكا إليّ حاجةً وعيالاً ، فرحمته فخلّيت سبيله ؛ يا رسول الله .
قال صلى الله عليه وسلم : أما إنّه قد كذَبَك ، وسيعود .
قال أبو هريرة يخاطب نفسه : لأرصُدَنّه ، ولأنتبهنّ إليه ، فما ينطق رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا صدقاً .
وفي مثل وقت أمسِ جاء الرجل متلصّصاً يأخذ من الطعام ، فأمسك به أبو هريرة متلبساً ، وقال له : لأرفعَنّك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقد أخلفت وعدك .
قال : دعني يا أبا هريرة ، فما دعاني إلى المجيء إلا شدّةُ فقري ، وكثرةُ عيالي ، وأنت رحيم ، فالطُف بي ، واطلقني .
قال أبو هريرة : عِدني أن تَصْدُقني ، فلا تعود .
قال : لك عليّ ألآ أعود مرّة أخرى ، فقد احسنتَ إليّ .
فأطلقه أبو هريرة على أن يلتزم عهده ، فلا يعود إلى السرقة .
فلما أصبح الصباح انطلق إلى المسجد يؤدي الصلاة – كعادته – مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما انتهت الصلاة قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما فعل أسيرك البارحة ؟
قال له أبو هريرة : رق قلبي له يا رسول الله حين تباكى ، وزعم أنه ذو حاجة وعيال ، فخلّيت سبيله على أن لا يعود .
قال صلى الله عليه وسلم : إنّه قد كذَبك، وسيعود .
قال أبو هريرة يخاطب نفسه : صدَقتَ يا رسول الله ، فما تقول إلا الحق ، ولئن قلْتَ إنه سيعود ليعودَنّ . فانتبه ؛ يا أبا هريرة وتيقّظْ .
وفي الوقت الذي جاء فيه ذلك الرجل في اليومين السابقين رآه أبو هريرة يحثو من الطعام ، فقبض عليه بشدة ، وقال :
هذه آخر ثلاث مرات تسرق ، فأضبطك ، فتزعم أنك ذو عيال وحاجة شديدة ، وأنك لن تعود ، ثم تعود .
قال الرجل : ماذا تودّ أن تفعل بي يا أبا هريرة ؟
قال : لأرفعنّك غداً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم .
قال الرجل : أفتتركني إن علّمتك كلمات تقولهنّ إذا أويتَ إلى فراشك ، ينفعك الله بها ؟
قال أبو هريرة : نعم ؛ فما هنّ ؟
قال الرجل : إذا أويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي ، فإنه لن يزال عليك من الله حافظ . ولا يقربُك الشيطان حتى تصبح .
قال أبو هريرة مخاطباً نفسه : أقرأ آية الكرسي ، فأُفيد بها بها مرّتين : الأولى يحفظني الله بها من السارقين ، والأخرى يحفظني الله بها من الشيطان . ..لأعفوَنّ عنه .
أيها الرجل : اذهب لا تثريب عليك .
وعندما أُذّن لصلاة الفجر انطلق أبو هريرة كعادته إلى المسجد ليصلي خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم في جماعة ، فما أعظم صلاةَ الجماعة ، وما أروعها من صلاة حين يكون الرسول الكريم إمامَها .
وحين انتهت الصلاة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا أبا هر ، ماذا فعل صاحبك بالأمس ؟
قال : زعم أنه يعلمني كلمات ينفعني الله بها ، فخلّيتُ سبيله .
قال صلى الله عليه وسلم : ما هي يأبا هرِّ ؟
قال : أمرني حين آوي إلى فراشي أن أقرأ آية الكرسي ( الله لا إله إلا هو الحي القيوم ).
قال النبي صلى الله عليه وسلم : أما إنّه صَدَقك ، وهو كذوب . .. أتعلم من تخاطب منذ ثلاث ليال يا أبا هريرة ؟ .
قلت : لا يا رسول الله .
قال النبي صلى الله علسيه وسلم : ذاك شيطان .

رواه البخاري
من رياض الصالحين
باب في الحث على سور وآيات مخصوصة
اضافة رد مع اقتباس
  #273  
قديم 11/04/2011, 01:21 AM
الصورة الرمزية الخاصة بـ Özil 10
عضو اللجنة الإعلاميه للرياضة العالمية
و نائب رئيس رابطة ريال مدريد
تاريخ التسجيل: 10/09/2008
المكان: اقرب مما تتوقع !
مشاركات: 5,475
(ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء)


قال الولد لأبيه : ألا ترى إلى جارنا قد قلّ ماله ، وكاد يخسر كل تجارته.
قال الوالد : نسأل الله أن يحفظه ومالَه ، فمن علائم الإيمان – يا بني – أن تدعو لأخيك المؤمن ما ترغبه لنفسك .
قال الابن : ليس هذا ما أردتُ يا أبي ، وإن كنت أدعو له بالرزق الوافر.
قال الأب : وما الذي أردتـَه يا بني من ذلك؟
قال الابن : أردتُ أن انبهك إلى أنني طالبتُه بدين لنا عليه ، فسكتَ والألم باد في وجهه ، ثم طلب أن نؤجله قليلاً .
قال الأب : كان عليك – وقد عرفتَ حاجته – أن تـُنظره، لا أن تحرجه .
قال الابن : إن انتظارنا فترة أخرى قد يجعلنا نخسر مالنا حين يفتقر تماماً ، فرغبت استنجازه قبل أن يضيع كل شيء .
قال الأب : إنك بهذا تزيد الطين بلة ، وتؤذيه .
قال الابن : ولكنه حقنا ؛ با أبي .
قال الأب : أين أنت من وصية الرسول صلى الله عليه وسلم بالجار " حتى كاد أن يورّثه " وأين حُسنُ العِشرة؟!... إن الله يسأل عن صحبة ساعة ... أين أنت كذلك من قول الله تعالى " وإن كان ذو عُسرة فنَظِرَةٌ إلى ميسرة "؟
- الابن ساكت –
أردف الأب قائلاً : أتحب – لوكنت مكانه – أن يطالبك بمثل ما تُطالبه ؟!
- ظل الابن ساكتاً –
واستمر الأب قائلاً بصيغة السؤال : أتدري جزاء من يتجاوز عن المُعسر ؟
قال الابن متسائلاً في حياء : وما جزاؤه يا أبَتِ ، حفظك الله مربياً ومعلماً ؟
قال الأب : جزاؤه الجنة ، وقبل ذلك غفران الله وعفوه اللذان يكونان سبباً في دخول الجنة .
قال الابن : كيف ذلك يا والدي ، وضح جزاك الله الخير والجنة .
قال الأب : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في مجلسه المعتاد في الروضة المشرفة بعد الصلاة يعلم الناس ، ويعظهم أن يكونوا يداً واحدة ، ومجتمعاً متكافلاً فقال :
حوسب رجلٌ ممن كان قبلكم ، كان غنياً موسراً ، آتاه الله مالاً وافراً ، فلما وقف بين يدي الله تعالى قال الله سبحانه له – وهو أعلم بما فعل - : ماذا عملت في الدنيا فيما آتيتك من مال ؛ يا عبدي ؟
قال : هل أستطيع أن اكتمك- يا رب - حديثاً ، وأنت علام الغيوب ؟ .. تعلم ما كان وما يكون ، وما لا يكون لو كان كيف كان يكون . !! كنت – يا رب – حين آتيتني مالاً أبايع الناس ، وأنت نُصب عيني ، فأعاملهم معاملة هينة لينة ، أتجاوز عن هفَواتهم ، وأتيسّر على الموسر ، وأُنظرُ المعسر .
قال تعالى : فهل مَن يشهد على ذلك ؟
قال الرجل : كنت أقول لفتاي : إذا أتـَيتَ معسراً فتجاوز عنه ، لعل الله أن يتجاوز عنا .
قال تعالى : فلم كنت تفعل هذا يا عبدي ؟
قال الرجل : ليس لي من عمل الخير إلا القليل ، فقلتُ : أُيَسّر على عباد الله ، فيُيَسّرَ الله عليّ .
قال تعالى : أنا عند حسن ظن عبدي بي ، وأنا أحق بذا منه ... تجاوزوا عن عبدي ...
فأدخلتْه الملائكة الجنّة معزّزاً مكرّما .
قال الابن : فاز الرجل إذ ِاشترى الآخرة بالدنيا .
قال الأب : أفلا تقتفي أثَره ، ونسير على خُطاه ، يا ولدي ؟
قال الابن : بلى يا والدي ، جزاك الله عني كل خير ، وأدخلني وإياك في زمرة عباده الصالحين ، وأظلّنا يوم القيامة تحت عرشه ، يوم لا ظلّ إلا ظلُّه .

من رواية البخاري ومسلم والترمذي
رياض الصالحين /باب فضل السماحة في البيع والشراء
اضافة رد مع اقتباس
  #274  
قديم 11/04/2011, 01:22 AM
الصورة الرمزية الخاصة بـ Özil 10
عضو اللجنة الإعلاميه للرياضة العالمية
و نائب رئيس رابطة ريال مدريد
تاريخ التسجيل: 10/09/2008
المكان: اقرب مما تتوقع !
مشاركات: 5,475
ماشطة ابنة فرعون

يتجلى في هذه القصة إيمان المرأة الداعية – شقيقة الرجل ونصفه اللطيف – القوي الذي يجعل منها في الحق لبؤة قوية ، ثابتة العقيدة كالجبال الرواسي ، قوية النفس كالعاصف الدويّ، لا تبيع دينها بمنصب ولا مال ولا دنيا مهما كانت الدنيا مقبلة غويّة .
فهي ماشطة ابنة فرعون ، تعيش وأسرتها في بحبوحة ويسر ، ورغد وهناءة ، قريبة إلى قلب فرعون البلاد ، استأمنها على بناته ونسائه ، فكانت عند حسن ظنه في أداء عملها ....
لكن هذه النعمة التي يحسدها عليه كثير من النساء ، وهذه الحظوة التي نالتها عند مليك البلاد لم تضعف دينها – وهي تعيش بين عتاولة الكفر وسدنة الضلال – بل جعلتها تشكر نعمة ربها أنْ هيّأ لها هذه النعمة ، وبوّأها تلك المكانة ... فجاء الابتلاء والاختبار على قدْر الإيمان ، وكانت جديرة أن يخلدها التاريخ في دنيانا ، وأن يكون الفردوس الأعلى مثواها ومأواها ..
فما قصة ماشطة ابنة فرعون يا ترى ؟!
فقد ذكر الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم أنه ليلة أسريَ به إلى بيت المقدس وجد رائحة طيبة ملأت صدره الطاهر وآنسته في مسراه ، فالتفت إلى رفيق سفره وأمين الله في رسالاته إلى الأنبياء الكرام يسأله عن سر هذه النسمة المباركة فقال :
يا أخي جبريل ؛ ماهذا العبق الآخّاذ الذي ملأ المكان .
قال جبريل : هذه رائحة قير ماشطة ابنة فرعون وزوجها وابنهما .
قال الرسول صلى الله عليه وسلم : كأن فرعون قتلهم ؛ أليس كذلك يا أخي جبريل ؟
قا جبريل : بلى يا محمد ؛ أصبت كبد الحقيقة .
قال : هذا دأب الظالمين ، قد خبـِرت الكثير من أمثال فرعون في مكة وغيرها .
قال جبريل : هم كذلك في كل زمان ومكان ، نسخة واحدة تتكرر في البطش والتنكيل ، وظلم البشر ، والتجبر عليهم .
قال النبي صلى الله عليه وسلم : فما قصتهم يا أخي جبريل ؟.
قال : كان الرجل وزوجته من المؤمنين الأتقياء - إن الطيور على أشكالها تقع – رزقا طفلاً أرضعاه لبن الإيمان والتقوى ، وكانا يكتمان إيمانهما في هذا السيل من الكفر الطامي ، وكلما وجدا في إنسان بذرة خير واطمأنا إليه دعَواه إلى الإيمان بالله الواحد الأحد ، الفرد الصمد ، الذي لم يلد ، ولم يولد ، ولم يكن له كفواً أحد . ويظل الداعية آمناً في حياته إذا لزم جانب الحذر ، وعرف كيف يظهر إيمانه ومتى؟
لكنّ الحذر لا ينجي من القدَر . والدنيا دار ابتلاء يسعد فيه من نجح في الامتحان ، ويهوي فيه من نكص على عقبيه . وباع باقياً بزائل .
قال الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم : فكيف كُشف أمرُهما ؟
قال جبريل عليه السلام : بينما كانت المرأة تمشّط شعر بنت فرعون وقع المشط من يدها ، فانحنت تتناوله قائلة باسم الله . .. فانتبهت ابنة فرعون إلى قولها ، وكأنها استحسنته . فابتسمت بوجه المرأة تشكرها على إيمانها القوي بالمتألّه المتكبر فرعون . ثم قالت لها متلطفة ومتأكدة بآن واحد : تقصدين أبي - الإله العظيم – أليس كذلك ؟.
لو أرادت المرأة أن تستدرك ما قالته لأجابت إجابة مبهمة ملمّحة ليست واضحة ، كأن تبتسم بوجه الفتاة ، وتغبطها على حبها لأبيها ، أو تتمتم بألفاظ غير مفهومة توحي بالاعتذار ، أو تشاغلها بحديث آخر يبعدها عن الجواب ..
ولعل امتعاضها من هذا السؤال غير المتوقع كشف خبيئتها ، وفضح مستورها ... ولعلها ظنت بالفتاة خيراً ، ورأت الوقت مناسباً للمصارحة بالحقيقة والدعوة إلى الله .. ولم لا؟ فامرأة فرعون نفسها آمنت بالله رباً واحداً لا شريك له ، وبموسى عليه السلام نبياً ، وكفرت بزوجها الدعيّ المتجبّر ، وسألت الله تعالى أن ينجيها من فرعون وعمله ، وأن يبني لها بيتاً في الجنة ، فلم لا تكون ابنتها مثلها ؟!
قال المرأة : بل باسم الله خالق السموات والأرض ، رب العالمين .
قالت الفتاة : أنت تقصدين والدي بالطبع .
قالت المرأة بل أقصد الله ربي وربـَّك وربَّ أبيك .
قالت الفتاة محتدّة : ماذا تقولين يا مرأة ؟
قالت الماشطة بهدوء واتزان : إن أباك بشر مثلي ومثلك يا ابنتي ، لا حول له ، ولا قوة ، وما فرعون إلا رجل كبقية الرجال يأكل ويشرب ، وينام ويستيقظ ، ويمرض ويصح ... إنه مخلوق يا ابنتي ، فلا تغرّنّك المظاهر الكاذبة الخادعة .
قالت الفتاة الغرّيرة مستاءة ممن حطّم آمالها الطفولية بأبيها – وكل فتاة بأبيها معجبة – لأشكونّك إلى أبي ما لم تعودي عن قولك هذا .
قالت الماشطة : بل تعس أبوك من متكبر لا يؤمن بيوم الحساب .
وصل الخبر إلى فرعون ، فامتلأ غضباً وتاه كِبراً ، أفي قصره من يكفر به ؟ أوَصَلَ أتباع موسى إلى مأمنه ومكمنه ؟ يا للفضيحة ! .. وأسرع يستجلي الخبر ليئده في مكانه قبل أن يستفحل خطره في القصر ، ثم بين المقربين ... قد انتشر بين العامّة فلا ينبغي أن يصل إلى عرين فرعون .
قال فرعون : أصحيح ما قالته الفتاة ؛ أيتها الماشطة؟!
قالت : نعم أيها الملك ، فلا إله إلا الله وحده ، لا شريك له .
قال مهدداً متوعّداً : ألك رب غيري ؟.
قالت المرأة : ربي وربك الله الذي في السماء ؛ أيها الفرعون .
قال لأقتلنّك إن فعلتِ .
قالت : لكل أجل كتاب ، وإلى الله المصير .
قال فرعون : أزوجك صابئ مثلك ؟ لأقتلنكما معاً .
وجيء بالزوج ، فأعلن شهادة الحق المدوية في أذن التاريخ أنْ لاإله إلا الله ، وحده لا شريك له .
والفراعنة في كل زمان ومكان لا يحبون أن يسمعوا قولة الحق ، ولا يقرون بها ، ويعذبون أصحابها ويقتلونهم ... لكنْ أن يٌقتل الأطفال بجريرة غيرهم أمرٌ في غاية الهمجية والوضاعة ؟! هذا دأب الجبابرة العتاة والشياطين المردة .
وكما فعل أصحاب الأخدود بالمؤمنين فعل فرعون بهذه الأسرة الصغيرة المؤمنة ، فأوقدت النار في نقرة كبيرة من نحاس عميق ،
فلما اشتد أوارها قالا له : إن لنا إليك حاجة .
قال فرعون : ماهي ؟
قالا: أن تجعل رفاتنا في ثوب واحد ، فتدفنه في حفرة واحدة .
قال : ذلك لكم لِما لكما علينا من حق خدمتكما لنا .
وألقي الرجل فيها أولاً ، فكان رابط الجأش ، نديّ اللسان بذكر الله عز وجل .
وكما نطق رضيع في قصة الأخدود يحث أمه على الدخول في الأخدود دون خوف ولا نكوص فرمت به وبنفسها فكانت من الخالدين نطق الرضيع هنا قائلاً لأمه : اصبري يا أماه فإنك على الحق ، واقتحمي النار ، فإن عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة .. فاقتحمتها لتفوز الأسرة بالنعيم المقيم في جوار رب محب رحيم .

موقع الدرر السنية / كلمة/ الماشطة
اضافة رد مع اقتباس
  #275  
قديم 11/04/2011, 01:23 AM
الصورة الرمزية الخاصة بـ Özil 10
عضو اللجنة الإعلاميه للرياضة العالمية
و نائب رئيس رابطة ريال مدريد
تاريخ التسجيل: 10/09/2008
المكان: اقرب مما تتوقع !
مشاركات: 5,475
هم القوم لا يشقى بهم جليسُهم



نحن الآن في سماء المدينة المنوّرة ، تلك البلدة الصغيرة التي شع منها نور الإيمان إلى أرجاء المعمورة ... خففِ السرعة يا حادي الأرواح ، واهبط بنا قرب مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم .... رويداً .... رويداً ...
هؤلاء الصحابة الكرام يتحلقون حول رسول الله صلى الله عليه وسلم – وهو يحدّثهم – فلنقتربْ قليلاً كي نملأ عيوننا من جمال طلعته ، وقلوبَنا من بهاء نوره، وآذانَنا من حسن بيانه وصدق كلماته ، ولنسلم عليه بسلام النبوّة ... يا ألله ؛ ما أحلى أن يعيش المؤمن ساعة مع نبيه العظيم صلى الله عليه وسلم ، وما أفضل أن يلتقي أصحابه الكرام ! ... لِيجلسْ كل منا حيث ينتهي به المجلس ... قد بدأنا نسمعه صلى الله عليه وسلم يقول :
إن لله ملائكة يطوفون في الطرق ، يلتمسون أهل الذِّكر .
قال أبو بكر : ومن أهل الذكر يا رسول الله ؟
قال صلى الله عليه وسلم : هم المصلّون وقرّاءُ القرآن ، والداعون بخير الدارين ، من يتلو حديثي ، فيفهمه، ويدرس العلم ، ويُتقنه، ومن يسبّح بحمد الله ، ويُرَطّب لسانَه بذكره .
قال عمر : ولكنّ المسجدَ مكانُ هؤلاء ، يا رسول الله .
قال صلى الله عليه وسلم : إن الله معك – يا عمر - في المسجد ، وبين الناس تبيع وتشتري ، وفي مسيرك إلى حاجتك ، وأنت وحدك بعيداً عنهم تذكر الله ، وتفكر في عظمته وبديع خلقه وكثرة فضائله ، وهو – سبحانه – يريد أن يراكم في حِلـَق العلم وفي حِلـَق الذكر ، في مساجدكم وفي مجالسكم ، في بيوتكم وبين أهليكم . ويرسل ملائكته تغشى مجالسكم ، فإن وجدوا بعضَكم يذكر الله عزّ وجلّ نادى بعضُهم بعضاً :
هلمّوا ؛ قد وجدنا بُغيَتَنا ، قد وجدنا ما نبحث عنه .
قال عثمان : فماذا يفعلون ؛ يا رسول الله إن وصل جمعُهم إلى حِلَق الذاكرين ؟
قال صلى الله عليه وسلم : يطوفون حول الذاكرين ، ويدورون دافعين أجنحتهم مظللة عبادَ الرحمن راضين بما يفعلون ، مُقرّين بما لهم من فضل وزلفى ومكانة عند الله ، ويرفعون إلى الله أعمال عباده .
قال علي : يا رسول الله ؛ أفلا يعلم الله ما يفعل عبادُه ؟! فلِمَ ترفع الملائكةُ أعمالهم إليه – سبحانه- وتعالى ؟.
قال صلى الله عليه وسلم : إن الله تعالى حين خلق آدم وأخبر ملائكته أن ذريته سيعيشون في الأرض ويعمُرونها قالت الملائكةُ : " يا رب ؛ أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ، ونحن نسبح بحمدك ، ونقدس لك ؟! فأراد المولى سبحانه أن يبيّن لهم أن في الناس من يرقى إلى مكانةٍ عظيمة حين يتصل قلبه بالله ويكون عمله خالصاً لوجهه سبحانه ، وأن الملائكة ليست وحدها تعبد الله وتعرف حقه ، وعلى هذا فهو – سبحانه- يسألهم عما رأوا من عباده مِن ذكر وعبادة ودعاء .
قال سعد ابن أبي وقّاص : ولِمَ يسأل الله ملائكتَه عن المؤمنين - يا رسول الله – وهو أعلم بما يفعلون ؟.
قال صلى الله عليه وسلم : رضاً عمّا يفعلون ، ورفعاً لدرجاتهم ، وإشهاداً للملائكة بفضلهم .
قال أبو عبيدة : هل لنا أن نعرف ما يدور من حوار بين الله تعالى وملائكته الأبرار ؟
قال صلى الله عليه وسلم :
يقول الله تعالى : ما يقول عبادي ؟ وهو أعلم بما يقولون .
تقول الملائكة : يسبحونك ، ويكبّرونك ، ويحمدونك ، ويمجّدونك .
فأنت المنزّه عن الشبيه والمثيل ، وأنت الكاملُ الكمالَ المطلقَ .. يا ألله .. وأنت الكبير العظيم ، بيدك مقاليد الأمور ، تصرفها كيف تشاء ، لك الحمد ، فأنت صاحب الحمد ، ولك الشكر ، فأنت صاحب الشكر ... المجدُ لك ، والشرف والعزّ لك ... لا إله إلاّ أنت .
يقول الله تعالى : وهل رأَوني ، فعرفوا صفاتي ، فلهجوا بها ذاكرين مسبحين ، مكبرين حامدين ممجدين ؟
تقول الملائكة : لا والله ؛ ما رأوك- يا رب – وهل يُحيط الحقير بالجليل ، والناقص بالكامل ، والصغير بالكبير ؟! سبحانك – يارب –
يقول الله تعالى : إنهم يسبحونني ، ويكبرونني ، ويحمدونني ، ويمجدونني ، ولم يرَوني . فكيف إذا رأوني ؟ ماذا يفعلون ؟.
تقول الملائكة : لو رأوك لكانوا أكثر عبادةً، وأشد تمجيداً ، وأطولَ تسبيحاً .
يقول الله تعالى : فماذا يسألون ؟
تقول الملائكة : يسألون الجنة التي وعدْتَها عبادَك الصالحين .
يقول الله تعالى : وهل رأوها ، فطلبوها ؟
تقول الملائكة : لا – يارب – كيف يرونها ، وهم في الدنيا ؟ إنما عرّفهم بها رسولك محمد صلى الله عليه وسلم .
يقول الله تعالى : سألونيها ، ولمّا يروها ، فكيف لو رأوها ؟
تقول الملائكة : لو رأَوها كانوا أشد حرصاً عليها ، وأشد لها طلباً ، وأعظم رغبة فيها .
يقول الله تعالى : فممّ يتعوّذون ؟ وممّ يخافون ؟.
تقول الملائكة : يتعوّذون من النار ، ومنها يخافون ، وإليك – ياربّ- يلجأون .
يقول الله تعالى : يتعوّذون بي منها ؟ فهل رأَوها ، فخافوها ؟
تقول الملائكة : لا والله – يارب – ما رأَوها ، لكنّ كتابَك خوّفهم منها ، ورسولك الكريمَ حذ ّرهم منها ومن عذابها .
يقول الله تعالى : يسألونني إجارتهم منها ، وإنقاذَهم من حرّها وعذابها ، ولمّا يرَوها ، فكيف لو أنّهم رأَوها ؟.
تقول الملائكة: لو رأَوها كانوا أشدّ فِراراً منها ، وأكثر خوفاً وهروباً .
يقول الله تعالى : إنهم يذكرونني ، ويسبحونني ، ويمجّدونني ، ولسألونني الجنّة ، ولم يروها ، ويتعوّذون من النار ، ولم يرَوها ... أشهدُكم - يا ملائكتي – أنني قد غفرت لهم .
يقول ملَك منهم : ياربّ إن فيهم رجلاً لم يأتِ إلى حلـْقتهم قاصداً ذكرك وعبادتَك ، إنما كانت له حاجةٌ عند أحدهم ، فهو ينتظره ليقضي له حاجَتَه ، أفـَقـد غفرتَ له؟ .
يقول الله تعالى : نعم ... هم القومُ لا يَشقى جليسُهم .
فرفع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أيديَهم إلى السماء يبكون ، ويشهقون ، ويجأرون إلى الله تعالى أن يغفر ذنوبهم ، ويرفعهم في عليين ، وأن يعفو عنهم ، ويتجاوزَ عن سيئاتهم ...
ورفعنا نحن أيديَنا إلى السماء نقول : ونحن يا رب معهم .. ونحن يا رب معهم .. فهم القوم لا يشقى بهم جليسُهم ...

متفق عليه
رياض الصالحين
باب فضل حِلـَقِ الذ ّكروالندب إلى ملازمتها
اضافة رد مع اقتباس
  #276  
قديم 11/04/2011, 01:24 AM
الصورة الرمزية الخاصة بـ Özil 10
عضو اللجنة الإعلاميه للرياضة العالمية
و نائب رئيس رابطة ريال مدريد
تاريخ التسجيل: 10/09/2008
المكان: اقرب مما تتوقع !
مشاركات: 5,475
عندما يتخاصم الصالحون


اشترى رجل من رجل آخر عقارا، فلما تفقده وجد فيه جرة من ذهب. قال شيطانه :خذها ، هي لك. قال الرجل: لو علم البائع ما فيها ما باعها ، والله لأعطينٌه إياها ، فهي له .
وانطلق المشتري إلى البائع يحمل الجرة .
المشتري : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
البائع : وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته ، أهلاً ومرحباً .
المشتري : خذ ذهبك – يا أخي - فقد عثرت عليه في البيت الذي بعتني إياه.
البائع : إنه ليس لي ، فقد برئت ذمتي منه، وهو لك حلال زلال.
المشتري : أصلحك الله ،يا أخي،إنما اشتريت الدار منك، ولم أشتر الذهب.
البائع : إنما بعتك الدار وما فيها.
يا الله ،ما هذان إلا ملكان،!.. لقد ساق الله تعالى إليهما الرزق، وكل واحد منهما يتورع أن يأخذه، وهو يدفعه إلى صاحبه.من أي طينة هما؟!وكيف يفكران؟!.
إن الناس ليقتل بعضهم بعضا فيما ليس لهم، وينصبون الشراك ليبتلعوا الباطل ما أمكنهم ويخادعون ،أما هذان فيؤثر كل منهما أخاه الآخر ، ويتبرأمن الذهب..نعم من الذهب الذي يسيل اللعاب لذكره،بله الرؤية والتملك!!
واختصما.. نعم ، وتحاكماإلى رجل صالح،كان ذكيا لبقا، ينظر بنور الله ، فرزقه الله حسن الفهم وسداد البصيرة.
ابتسم لهما
قال: ألكما ولد؟
البائع: لي غلام "صبي"
المشتري: لي جارية"بنت"
قال: أنكحا الغلام الجارية،وأنفقا عليهما من المال،وتصدٌقا.

متفق عليه
رياض الصالحين ، باب المنثورات والمُلَح
اضافة رد مع اقتباس
  #277  
قديم 11/04/2011, 01:25 AM
الصورة الرمزية الخاصة بـ Özil 10
عضو اللجنة الإعلاميه للرياضة العالمية
و نائب رئيس رابطة ريال مدريد
تاريخ التسجيل: 10/09/2008
المكان: اقرب مما تتوقع !
مشاركات: 5,475
نسألك اللهمّ العافية

رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم رؤيا قصّها على أصحابه رضوان الله تعالى عليهم ،
فقال : أتاه الليلة آتيان فقالا له : انطلق . فانطلق معهما ، فأتَوا على :
1) رجل مضّجع وآخر بيده صخرة ، وإذا به يهوي بالصخرة على رأسه ، فيشدخ له رأسه ويشقّه ، ويتدحرج الحجر مبتعداً ، فيلحق به الرجل ، فيأخذه ويعود إلى الرجل الأول ، فيجد رأسه عاد صحيحاً كما كان ، فيفعل به مثلما فعل المرّة الأولى .
فقال الرسول صلى الله عليه وسلم للرجلين : سبحان الله ، ماهذانِ؟! ولِمَ يفعل الرجل الثاني بالأول ما فعل؟ فلا يُجيبانه ، بل يقولان له : انطلق معنا . فينطلقُ .
2) فإذا بهم يقفون على رجل مستلق لقفاه ، وإذا آخر قائم عليه ، وبيد كَـَلـّوبٌ من حديد يضعه على أحد شِقـّي وجهه ، فيشدّه ، فيقطع شدقه إلى قفاه ، ويُقَطـّع سَحَره ( حلـْقَه ) إلى قفاه ، ويمزّق عينه ، فتنفر إلى قفاه كذلك ، ثم يتحوّل إلى الجانب الآخر ، فيفعل به مثلما فعل بالجانب الأول . فما يَفرغ من ذلك الجانب حتى يَصحّ ذلك الجانبُ الأوّل كما كان ، ثم يعود عليه ، فيفعل فيه مثلما فعل في المرة الأولى ... فيقول الرسول صلى اللله عليه وسلم : سبحان الله ؛ ماهذان؟! ولِمَ يُفعل به ما يُفعل ؟ ، فلا يجيبانه بل يقولان له : انطلق ، انطلقْ . فينطلقُ معهما .
3) فيأتون على حفرة كفـُوَّهة التنّور ، قال : فسمعنا في لَغـَطاً وأصواتاً تعلو وتنخفض ، فنظرنا فيها ، فإذا رجال ونساء عُراة ، وإذا أعلى التنور ضيق ، وأسفلُه واسع يتوقـّد ناراً ، فإذا ارتفعت النار ارتفعوا حتى كادوا يخرجون ، وعلا صياحُهم ألماً ومرارة ، وإذا خمدت النارُ رجعوا فيها ... فقلت : ما هؤلاء ؟! فلم أسمعْ منهما سوى انطلق انطلق، ولم يجيباني .
4) فتبعتـُهما ، فأتينا على نهر أحمر مثلِ الدم ، وإذا في النهر رجل سابح يسبح ، وإذا على شط النهر رجل قد جمع عنده حجارةً كثيرةً ، وإذا ذلك السابح يسبح ما يسبح ، ثم يأتي نحو الرجل الآخر يريد الخروج ، فإذا أراد أن يخرج ، وفتح فاه ألقمه هذا حجراً ، فردّه حيث كان ، فينطلق فيسبح ، فإذا عاد يريد الخروجَ فعل به مثل ما فعل سابقاً ، فيرجع كما كان . فقلت لصاحبيّ : ماهذان؟! وما الذي أراه ؟، فلم يردّا عليّ سوى انطلق انطلق . فأنطلق معهما .
5) حتى وصلنا إلى رجل كريه المنظر ، لم أرَ مثله هكذا إنساناً كريها ، وإذا هو عنده نارٌ يوقدُها ، ويسعى حولها مهتمّاً بحسن إيقادها . فقلت لهما : مَن هذا ؟ ولِمَ يوقد النار؟ فلم يجيبا كعادتهما ، بل أمراني أن أجدّ السيرَ ، فانطلقَ وراءهما ، فالتزمت أمرهما مسرعاً .
6) فأتينا على روضة ممتلئة زهوراً ووروداً ، جميلةٍ نضرةٍ وافيةِ النبات ، طويلـِهِ ، ورأيت في وسطها رجلاً طويلاً لا أكاد أرى رأسه طولاً في السماء ، وإذ حول الرجل أولاد كثيرون جداً ، لم أرَ مثلَهم قطّ . فسألتهما عنه وعمّنْ حوله ، فلم يصغيا لي ، وأمراني أن أتبعهما مسرعاً ففعلتُ .
7) فوصلنا إلى شجرة ضخمة جداً ، آخذةٍ في العرض والارتفاع ، لم أرَ مثلها اتـّساعاً وعلُوّا ، فقالا لي : ارْقَ فيها . فارتقينا فيها إلى مدينة مبنيّة من لـَبـِن ذهبيّة وأخرى فضّية . وارتقينا الباب ، فاستفتحاه ، ففُتح لنا ، فدخلنا المدينة ، فرأينا أوّل ما رأينا عجباً . تلـَقـّانا رجال نصفـُهم جميل كأحسن ما ترى من الجمال ، وشطرُهم الآخر قبيح كأقبح ما ترى من القبح . قالا لهم : اذهبوا فـَقعوا في النهر ، فذهبوا إلى نهر يجري ، كأن ماءه بياض خالص ، لا تشوبه شائبة ، فسبحوا فيه هنيهة ، ثم عادوا إلينا قد ذهب ذلك السوءُ عنهم ، فصاروا في أحسن صورة ....
ثم التفتا إليّ وقالا: هذه جنة عدن التي وعد الله المؤمنين .
وقال أحدهما : أمّا أنا فجبريل ، وهذا ميكائيل . فارتاحت نفسي إذ عرفتـُهما ، فقلت :
قد رأيتُ منذ الليلةِ عجباً ! ، فوضّحا لي ما رأيتُ .

قالا: أمَا إنا سنخبرك بعدما رأيتَ ما رأيتَ :
1- أما الرجل الأول الذي أتيتَ عليه يشق صاحبُه رأسَه بحجر ثقيل فإنه الرجل الذي يتهاون في قراءة القرآن ومُدارسَتِه ، الذي ينام عن الصلاة المكتوبة ، فلا يصليها لوقتها .
2- وأمّا الذي يقطع صاحبُه شِدقَه إلى قفاه ، ومَنخره إلى قفاه فهو الذي يخرج من بيته قد أكرمه الله وستره ، فلا يرى لشكر الله سوى الكذب ونشره والاجتهادِ في إذاعته على الناس جميعاً ، لا يرى في ذلك حرجاً .
3- وأما الرجال والنساءُ العُراةُ الذين هم في مثل بناء التنّور فإنهم الزناةُ والزواني الذين أشاعوا الفاحشة ، وانغمسوا فيها دون أن يحسُبوا للشرف والطهارة حساباً .
4- وأما الرجل الذي أتيتَ عليه يسبح في النهر الأحمر ، فيُلقِمُه صاحبُه الحجارةَ فإنه آكل الربا الذي يغصُب الناس أموالَهم وأقواتَهم التي بذلوا في سبيلها دماءهم وعرقهم .
5- وأما ارجل الكريه المنظر الذي عند النار يوقدها ، ويسعى حولها فإنه مالِكٌ خازن جهنّم ، يجهّزها للعُصاة المارقين .
6- وأما الرجل الطويلُ الذي في الروضة فإنه أبوك إبراهيم عليه السلام ، وأمّا الوِلْدانُ حوله فكل مولود مات على الفطرة ....
فقال بعض المسلمين الحاضرين : وأولادُ المشركين يا رسول الله ؟
قال صلى الله عليه وسلم : وأولاد المشركين .
7- وأما القوم الذين كانوا شطرٌ منهم حسنٌ ، وشطرٌ منهم قبيحٌ فإنهم قوم خلطوا عملاً صالحاً وآخر سيّئاً ، تجاوز الله عنهم .
وقال الملَكان مشيرين إلى مكان عالٍ : وهذا منزلك .
فرفعت رأسي فإذا فوقي مثلُ السحاب الأبيض ....
قلت لهما : بارك الله فيكما ، دعاني أدخل منزلي .
قالا: أمّا الآن فلا ، إنه بقي لك عُمُرٌ لم تستكملْه ، فلو استكملتَه أتيتَ منزلك .

رواه البخاري
رياض الصالحين / باب تحريم الكذب

اضافة رد مع اقتباس
  #278  
قديم 11/04/2011, 01:26 AM
الصورة الرمزية الخاصة بـ Özil 10
عضو اللجنة الإعلاميه للرياضة العالمية
و نائب رئيس رابطة ريال مدريد
تاريخ التسجيل: 10/09/2008
المكان: اقرب مما تتوقع !
مشاركات: 5,475
إنه خالص لله


قال الابن لوالده: لقد أعطيت مسؤول الجمعية الخيرية المالَ الذي تبرعنا به ، وحين سألني عن صاحب المكرمة ذكرت له اسمك.
قال الأب : ألم أوصِك – يا بنيّ- أن لا تفعل ذلك ؟ ألم أقل لك : ادفع المال ، وذيّل التوقيع باسم " فاعل خير " وامضِ دون أن يعرفوك ؟.
قال الابن : اجتهدت – يا والدي – أن تُعرف برَجل " البر والتقوى " ليقتدي بك الناس في السخاء والكرم .
قال الأب : أنا لا أحب الرياء يا ولدي ، فإنه يُحبط العمل الصالح ، ويُضيع الأجر .
قال الابن : من قال إنك تـُرائي بتبرعك بما أعطاك الله يا أبي ... إلاّ أنه خطر ببالي أن تبرعك على أعين الناس يشجعهم على تقليدك فيبذلوا المال ... وقد ترغب مرة أن ترشح نفسك لمنصب يخدم الأمة ، فيكون ذكرك الحسنُ شفيعاً عندهم للوصول إلى ما تبتغيه من خدمتهم والسهر على مصالحهم .
قال الأب : حسبك - يا بني – فهذه – والله- المراءاةُ بعينها ... لقد ضيعتني - يا ولدي – استغفر الله وأتوب إليه ... ما كنت أقصد ذلك .. أستغفرك ، يارب .
قال الابن : كيف يَضيرُك ما فعلتـُه – يا أبتِ – أنا لا أقصد إلا الخير .وهل في أن تكون النية الصالحة مختلطة بالمصلحة الدنيا مدعاة إلى سخط الله ؟!
قال الأب : إن الله تعالى لا يقبل من عبده إلاّ ما كان خالصاً لوجهه الكريم .. هل سمعتَ بقصة الشهيد والعالِم والمحسن الذين كـُبـّوا على وجوههم في النار حين تباهـَوا بما فعلوا ؟
قال الابن : أرجو - يا والدي –أن تعلَمني وترشدني ، فأنا إلى نصائحك وإرشادك أحوج مني إلى الماء الزلال .
قال الأب : يقول الرسول صلى الله عليه وسلم يوماً لأصحابه وهم متحلقون حوله ترنو إلى وجهه الصبوح عيونُهم ، وترشف من معين تعاليمه قلوبُهم :
إن أول الناس يُقضى يوم القيامة عليه رجلٌ استُشهد .
قال أحدهم : أيُقضى عليه أم لم له ؛ يا رسول الله ؟ فقد سمعنا منك أنه شهيد ، والشهيد له الدرجات العلا كما علمتنا يا رسول الله .
قال عليه الصلاة والسلام : بل يُقضى عليه ... تأتي به الملائكةُ إلى الحق – جلّ وعلا – فيُعرّفه نعمته التي أنعم بها عليه : الإيمان ، الصحة ، العافية ، القوة ، الرزق .... فيُقر الرجل بنعم الله تعالى عليه ..... فيسأله الله تعالى – وهو العليم – فما عملتَ فيها ؟
يقول الرجل : قاتلت في سبيلك وخضت المعارك أعلي كلمة الحق ، واستشهدت دفاعاً عن دينك القويم .
فيقول الحق تبارك وتعالى : كذبت أيها الرجل ( وإذا نطق الحق خرست الألسنة ونُكّست الرؤوس ، وأيقن المخاطَب بالهلاك والثبور وعظائم الأمور ) ولكنك قاتلت ليقول الناس إنك جريء ... وقد قيل ، فليس لك عندي ثواب سوى النار ، فأنا لا أقبل إلا ما كان خالصاً لوجهي ، خذوه إلى النار ... فيُسحب الرجل على وجهه مَهيناً ذليلاً ، ثم يُلقى في نار جهنّم .
يقول الرسول صلى الله عليه وسلم : ومثله رجل تعلم العلم ، وعلّمه الناسَ ، فلهجوا بذكره ، وكبر في عيونهم ، وقرأ القرآن بصوت حلو عذب ، فرتـّله ترتيلاً رائعاً ، فمالت رؤوس القوم له يستزيدونه ، فييزيدُهم ، ويُطرونه ، فيَسعد بإطرائهم .. ولقد كان يتعلّم ، ويعلّم ، ويقرأ ليستفيد مالاً ومركزاً وذكراً حسناً بالإضافة إلى ما يظنّه العملَ الصالحَ .. فهو يُفيد الناس َ!!!
تأتي به الملائكة يوم القيامة فيقف أمام الحق تبارك وتعالى ، فيُعرّفه نعمه الجليلة وأفضاله ، فيقرّ بها الرجل ، ويعترف بفضل الله سبحانه عليه ، فيسأله الله تعالى – وهو العليم – بما قدّم في الدنيا – فما عملتَ فيها ؟
يقول الرجل : تعلمتُ العلم ، وعلّمتُه ، وقرأت القرآن ورتّلتُه ... كل ذلك ابتغاء مرضاتك – يا رب- وطلباً لجنتك .
فيقول الحق تبارك وتعالى : كذبت أيها الرجل ( وهنا يشعر أنه خسر نفسه بريائه ، وهوى في جهنم قبل أن يهوي فيها ، وهل بعد قول الجليل قول ؟) ولكنك تعلمتَ ليُقال : عالم . وقرأتَ القرآن ليقال : قارئ . وقد قال الناس ذلك . ونلتَ استحسانهم ، وهذا ثوابك الذي أردتـَه . ، فليس لك عندي سوى نار جهنم ، فأنا لا أقبل من العمل إلا الخالص لي ... خذوه إلى جهنم ... فيُسحب على وجهه خزيان خاسراً حتى يُلقى فيها .
يقول الرسول صلى الله عليه وسلم : ومثله رجل وسّع الله عليه ، فأعطاه المالَ أصنافاً – دنانير ودراهم ودوراً وعقاراتٍ وأنعاماً – فقدّم إلى المحتاجين الكثيرَ ، وعُرف بين الناس بـ " رجل البر والتقوى " فسُرّ لهذا اللقب ، فجعل يُعطي ، ويمُنّ على العباد . وما جلس مجلساً إلا ذكر ما فعله ، وعدّد ما قدّمه ... تأتي به الملائكة أمام علاّم الغيوب ، فيُعرّفه أفضاله الجزيلة وخيراتِه الوفيرة، فيقر الرجل بفضل الله تعالى عليه ، وهل يُنكر عاقل فضل الله وكرمه؟!! فيسأله الله تعالى – وهو العليم .. العليم بكل شيء – ما عملْتَ فيما أعطيتك وفضّلتُ عليك ؟ .
يقول الرجل : ما تركتُ من سبيل تحب – يارب – أن يُنفق المال فيه إلا أنفقتُ في مرضاتك .
فيقول الحقّ تبارك وتعالى : كذبت: ( من كذب خاب ، ومن خاب عاب ... حين ينطق من يعلم السرائر بهذه الكلمة فقد باء المقصود بها بالمصير المرعب والنهاية الفاضحة ، فيا ويل من يصفه الله تعالى بالكذب ) ولكنك بذلت المال ليقول الناس : إنه جواد كريم ، وقد قالوا ذلك ، فماذا تبَقّى لك عندي ؟! من سمّع سمّع اللهُ به ، ومن يسلكْ طريق الرياء يجد ْعاقبة الرياء تنتظره ... خذوه إلى جهنّم .. ( إنه الحكم الفصل الذي لا استئناف فيه ) ... وتجره ملائكة العذاب على وجهه مهيناً ذليلاً ، فيُلقى في نار جهنّم .
وينهي الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم حديثه ، فترى القوم يسبحون في عرقهم خوف أن يكون في عملهم رياء ، ويستعيذون بالله من الرياء ، وسوء مصير صاحبه ,
وسكت الأب هنيهة ، ونظر إلى ابنه ليراه واجماً ساهماً ، كأنّ على رأسه الطير .
فقال : أعرفتً يا ولدي كيف ينبغي أن يكون العمل لله وحده ؟
كان سكوت الولد اوضحَ جواب .

رواه مسلم
رياض الصالحين / باب تحريم الرياء
اضافة رد مع اقتباس
  #279  
قديم 11/04/2011, 01:27 AM
الصورة الرمزية الخاصة بـ Özil 10
عضو اللجنة الإعلاميه للرياضة العالمية
و نائب رئيس رابطة ريال مدريد
تاريخ التسجيل: 10/09/2008
المكان: اقرب مما تتوقع !
مشاركات: 5,475
(1)
أضحكهما كما أبكيتهما عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه قال :
جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال جئت أبايعك على الهجرة وتركت أبوي يبكيان فقال ( ارجع إليهما فأضحكهما كما أبكيتهما ) (1)
من روائع هذا الدين تمجيده للبر حتى صار يعرف به ، فحقا إن الإسلام دين البر الذي بلغ من شغفه به أن هون على أبنائه كل صعب في سبيل ارتقاء قمته العالية فصارت في رحابه أجسادهم كأنها في علو من الأرض وقلوبهم معلقة بالسماء
وأعظم البر ( بر الوالدين ) الذي لو استغرق المؤمن عمره كله في تحصيله لكان أفضل من الجهاد ، الأمر الذي أحرج أدعياء القيم والأخلاق في دول الغرب فجعلوا له يوما واحدا في العام يردون فيه بعض الجميل للأبوة المهملة بعدما أعياهم أن يكون من الفرد منهم بمنزلة الدم والنخاع كما عند المسلم الصادق
قال تعالى ( وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا )الإسراء 23- 24 بهذه العبارات الندية والصور الموحية يستجيش القرآن الكريم وجدان البر والرحمة في قلوب الأبناء ، ذلك أن الحياة وهي مندفعة في طريقها بالأحياء توجه اهتمامهم القوي إلى الأمام إلى الذرية إلى الناشئة الجديدة إلى الجيل المقبل وقلما توجه اهتمامهم إلى الوراء إلى الأبوة إلى الحياة المولية إلى الجيل الذاهب !ومن ثم تحتاج البنوة إلى استجاشة وجدانها بقوة لتنعطف إلى الخلف وتتلفت إلى الآباء والأمهات
إن الوالدين يندفعان بالفطرة إلى رعاية الأولاد إلى التضحية بكل شيء حتى بالذات . وكما تمتص النابتة الخضراء كل غذاء في الحبة فإذا هي فتات ، ويمتص الفرخ كل غذاء في البيضة فإذا هي قشر ، كذلك يمتص الأولاد كل رحيق وكل عافية وكل جهد وكل اهتمام من الوالدين فإذا هما شيخوخة فانية ــ إن أمهلهما الأجل ــ وهما مع ذلك سعيدان ! فأما الأولاد فسرعان ما ينسون هذا كله ويندفعون بدورهم إلى الأمام إلى الزوجات والذرية وهكذا تندفع الحياة ومن ثم لا يحتاج الآباء إلى توصية بالأبناء إنما يحتاج هؤلاء إلى استجاشة وجدانهم بقوة ليذكروا واجب الجيل الذي أنفق رحيقه كله حتى أدركه الجفاف ! وهنا يجيء الأمر بالإحسان إلى الوالدين في صورة قضاء من الله يحمل معنى الأمر المؤكد بعد الأمر المؤكد بعبادة الله
ثم يأخذ السياق في تظليل الجو كله بأرق الظلال وفي استجاشة الوجدان بذكريات الطفولة ومشاعر الحب والعطف والحنان ( إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما ) والكبر له جلاله وضعف الكبر له إيحاؤه وكلمة ( عندك ) تصور معنى الالتجاء والاحتماء في حالة الكبر والضعف ( فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما ) وهي أول مرتبة من مراتب الرعاية والأدب ألا يند من الولد ما يدل على الضجر والضيق وما يشي بالإهانة وسوء الأدب ( وقل لهما قولا كريما ) وهي مرتبة أعلى إيجابية أن يكون كلامه لهما يشي بالإكرام والاحترام ( واخفض لهما جناح الذل من الرحمة ) وهنا يشف التعبير ويلطف ويبلغ شغاف القلب وحنايا الوجدان فهي الرحمة ترق وتلطف حتى لكأنها الذل الذي لا يرفع عينا ولا يرفض أمرا وكأنما للذل جناح يخفضه إيذانا بالسلام والاستسلام ( وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا ) فهي الذكرى الحانية ذكرى الطفولة الضعيفة يراعها الوالدان وهما اليوم في مثلها من الضعف والحاجة إلى الرعاية والحنان وهو التوجه إلى الله أن يرحمهما فرحمة الله أوسع ورعاية الله أشمل وجناب الله أرحب وهو أقدر على جزائهما بما بذلا من دمهما وقلبهما مما لا يقدر على جزائه الأبناء (2)
الويل كل الويل لعاق والديه والخزي كل الخزي لمن ماتا غِِضابا عليه أف لك هل جزاء المحسن إلا الإحسان إليه أتبع الآن تقصيرك في حقهما أنينا وزفيرا ( وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا )
كم آثراك بالشهوات على النفس ولو غبت ساعة صارا في حبس حياتهما عندك بقايا شمس ، لقد راعياك طويلا فارعهما قصيرا ( وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا )
كم ليلة سهرا معك إلى الفجر يداريانك مداراة العاشق في الهجرِ فإن مرضت أجريا دمعا لم يجر ، تالله لم يرضيا لتربيتك غير الكف والحجر سريرا ( وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا )
يعالجان أنجاسك ويحبان بقاءك ولو لقيت منهما أذى شكوت شقاءك ، ما تشتاق لهما إذا غابا ويشتاقان لقاءك كم جرعاك حلوا وجرعتهما مريرا ( وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا )
تحب أولادك طبعا فأحبب والديك شرعا وتذكر أصلا أنبت لك فرعا ، وتذكر طيب المرعى أولا وأخيرا ( وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا ) (3)

-----------------------------
الهوامش والمصادر
(1) رواه أبو داود ــ كتاب الجهاد برقم 2166 ، والحديث صححه الشيخ الألباني في صحيح أبي داود / الألباني برقم 2205 ، وصحيح ابن ماجه/ الألباني برقم 2242، وصحيح النسائي / الألباني برقم 3881 ، وصحيح الترغيب / للمنذري ــ الألباني برقم 2481
وفي رواية ابن ماجة ( إني جئت أريد الجهاد معك أبتغي وجه الله والدار الآخرة ) رواه ابن ماجة ــ كتاب الجهاد برقم 2772 ، وفي رواية الإمام أحمد ( وأبى أن يبايعه ) المسند للإمام أحمد ــ مسند المكثرين من الصحابة برقم 6539
(2) في ظلال القرآن ــ سيد قطب ــ دار الشروق ص 2221 (3) التبصرة لابن الجوزي (1/ 189-190)



(2)
أحاديث لها قصة
الحياء من الإيمان

عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه قال : مر النبي صلى الله عليه وسلم على رجل وهو يعاتب أخاه في الحياء يقول [ إنك لتستحي ] حتى كأنه يقول [ قد أضر بك ] فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( دعه فإن الحياء من الإيمان ) (1)
صدق رسولنا العظيم الكريم صلى الله عليه وسلم لأن من استحيا من الناس لا يفعل ما يخجله إذا عُرف منه أنه فعله ، فكان من أعظم بركة الحياء من الناس تعويد النفس ركوب الخصال المحمودة ومجانبتها الخلال المذمومة وتلك حقيقة الإيمان ، ومن استحى من الناس أن يروه بقبيح دعاه ذلك إلى أن يكون حياؤه من ربه تعالى أشد فلا يضيع فريضة ولا يرتكب خطيئة ، لأن المؤمن يعلم بأن الله يرى كل ما يفعله فيلزمه الحياء منه لعلمه بذلك وبأنه لابد أن يقرره على ما عمله فيخجل فيؤديه إلى ترك ما يخجل منه
قال صلى الله عليه وسلم ( الحياء والإيمان قرنا جميعا ، فإذا رفع أحدهما رفع الآخر ) ) (2) وعن ابن عباس قال :الحياء والإيمان في طلق فإذا انتزع أحدهما من العبد اتبعه الآخر ، وكان الفاروق عمر رضي الله عنه يقول : من قل حياؤه قل ورعه ومن قل ورعه مات قلبه . ويقول أيضا : من استحيا استخفى ومن استخفى اتقى ومن اتقى وقي
وللحياء حقيقة ، فعن ابن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ذات يوم لأصحابه ( استحيوا من الله تعالى حق الحياء ) قالوا ( إنا نستحي يا رسول الله ) قال ( ليس ذاكم ولكن من استحيا من الله حق الحياء فليحفظ الرأس وما وعى وليحفظ البطن وما حوى وليذكر الموت والبلى ومن أراد الآخرة ترك زينة الحياة الدنيا فمن فعل ذلك فقد استحيا من الله حق الحياء ) (3) ‌
والذين يستحي منهم الإنسان : الله عز وجل ثم الملائكة والناس ونفسه ، فمن استحى من الناس ولم يستحي من نفسه فنفسه أخس عنده من غيره لأنه يراها أحقر من أن يستحى منها ، ومن استحى من نفسه ولم يستحي من الله فلعدم معرفته بالله عز وجل فمن ثم قال صلى الله عليه وسلم للرجل الذي استوصاه ( أوصيك أن تستحي من الله كما تستحي من الرجل الصالح من قومك ) (4)
فحق الإنسان إذا هم بقبيح أن يتصور أحدا من نفسه كأنه يراه ، فالإنسان يستحي ممن يكبر في نفسه ولذلك لا يستحي من الحيوان ولا من الأطفال ولا من الذين لا يميزون ويستحي من العالم أكثر مما يستحي من الجاهل ومن الجماعة أكثر مما يستحي من الواحد ، وينبغي على الإنسان إذا كبرت عنده نفسه أن يكون استحياؤه منها أكثر من استحيائه من غيره ولذلك قال أحد الصالحين : من عمل في السر عملا يستحي منه في العلانية فليس لنفسه عنده قدر
إن حياء المرء من نفسه هو حياء النفوس الشريفة العزيزة الرفيعة ، فيجد نفسه مستحييا من نفسه حتى كأن له نفسين يستحي بإحداهما من الأخرى وهذا أكمل ما يكون من الحياء فإن العبد إذا استحي من نفسه فهو بأن يستحي من غيره أجدر وبهذا يكون قد حاز حقيقة الإيمان
قال أبو حاتم : إن المرء إذا اشتد حياؤه صان عرضه ودفن مساويه ونشر محاسنه ، ومن ذهب حياؤه ذهب سروره ومن ذهب سروره هان على الناس ومقت ، ومن مقت أوذي ومن أوذي حزن ومن حزن فقد عقله ومن أصيب في عقله كان أكثر قوله عليه لا له ، ولا دواء لمن لا حياء له ولا حياء لمن لا وفاء له ولا وفاء لمن لا إخاء له ومن قل حياؤه صنع ما شاء وقال ما أحب
ولا يفهم من الحض على الحياء وإن أضر بحق المستحي أن من استغل هذا الحياء عار عن الإثم والحيف فقد قال العلماء [ أخذ المال بالحياء كأخذه بالسيف ] مستنبطين ذلك من قوله صلى الله عليه وسلم ( لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفس منه ) (5) وعن أبي حميد رضي الله عنه قال [ لا يحل لرجل أن يأخذ عصا أخيه بغير طيب نفس وذلك لشدة ما حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم من مال المسلم على المسلم ]

-----------------------------
الهوامش
(1) رواه البخاري ــ كتاب الأدب برقم 5653 (2) رواه الحاكم في المستدرك 1/22 عن ابن عمر وقال صحيح على شرطهما وأقره الذهبي ( صحيح ) حديث رقم : 3200 في صحيح الجامع السيوطي / الألباني (3) رواه أحمد (حسن) انظر حديث رقم: 935 في صحيح الجامع. (4) السلسلة الصحيحة / للألباني برقم 741 (5) رواه أبو داود عن حنيفة الرقاشي.(صحيح) انظر حديث رقم: 7662 في صحيح الجامع

(3)
أحاديث لها قصة
إن الحسنات يذهبن السيئات

عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود رضي الله عنه قَالَ : جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي عَالَجْتُ امْرَأَةً فِي أَقْصَى الْمَدِينَةِ وَإِنِّي أَصَبْتُ مِنْهَا مَا دُونَ أَنْ أَمَسَّهَا , فَأَنَا هَذَا فَاقْضِ فِيَّ مَا شِئْتَ , فَقَالَ لَهُ عُمَرُ لَقَدْ سَتَرَكَ اللَّهُ لَوْ سَتَرْتَ نَفْسَكَ , قَالَ فَلَمْ يَرُدَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم شَيْئًا , فَقَامَ الرَّجُلُ فَانْطَلَقَ , فَأَتْبَعَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم رَجُلا دَعَاهُ ، وَتَلا عَلَيْهِ هَذِهِ الآيَةَ [ أَقِمْ الصَّلَاةَ طَرَفَيْ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنْ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ ] فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ الْقَوْمِ يَا نَبِيَّ اللَّهِ هَذَا لَهُ خَاصَّةً ؟ قَالَ ( بَلْ لِلنَّاسِ كَافَّةً ) (1)
رحمة الله جائزة الطائعين , ومرجع التائبين , وملاذ المسرفين من القنوط من عفو رب العالمين ، إنها الغيث الذي تنبت به القلوب المؤمنة , والنور الذي يضيء الطرق الحالكة ، والغيض الذي بلغ المؤمن غاية رشده ، والفيض الذي تعجز الأقلام عن وصف حده ، فرحمة الله تعالى تفيض على عباده جميعا , وتسعهم جميعا وبها يقوم وجودهم وتقوم حياتهم , وهي تتجلى في كل لحظة من لحظات وجودهم وفي جميع حركاتهم وسكناتهم
قال تعالى ( ‌ورحمتي وسعت كل شيء فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة والذين هم بآياتنا يؤمنون ) الأعراف 156، وقال تعالى ( نبئ عبادي أني أنا الغفور الرحيم ) الحجر 49 وقال تعالى ( حم تنزيل الكتاب من الله العزيز العليم غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب ذي الطول لا إله إلا هو إليه المصير ) غافر 1-3 روي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه افتقد رجلا ذا بأس شديد من أهل الشام فقيل له : تتابع في هذا الشراب , فقال عمر لكاتبه : اكتب من عمر إلى فلان , سلام عليك وأنا أحمد الله إليك الذي لا إله إلا هو , بسم الله الرحمن الرحيم ( حم تنزيل الكتاب من الله العزيز العليم غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب ذي الطول لا إله إلا هو إليه المصير ) ثم ختم الكتاب , وقال لرسوله لا تدفعه إليه حتى تجده صاحيا , ثم أمر من عنده بالدعاء له بالتوبة , فلما أتته الصحيفة جعل يقرؤها ويقول : قد وعدني الله أن يغفر لي وحذرني عقابه , فلم يبرح يرددها حتى بكى ثم نزع فأحسن النزوع وحسنت توبته , فلما بلغ أمره , قال : هكذا فاصنعوا إذا رأيتم أحدكم قد زل زلة فسددوه وادعوا الله له أن يتوب عليه ولا تكونوا أعوانا للشيطان عليه
وقال جل ذكره ( وربك الغني ذو الرحمة ) الأنعام 133 ( وربك الغفور ذو الرحمة لو يؤاخذهم بما كسبوا لعجل لهم العذاب بل لهم موعد لن يجدوا من دونه موئلا ) الكهف 58 ( وإذا جاءك الذين يؤمنون بآياتنا فقل سلام عليكم كتب ربكم على نفسه الرحمة أنه من عمل منكم سوءا بجهالة ثم تاب من بعده وأصلح فأنه غفور رحيم ) الأنعام 54 , ( كتب على نفسه الرحمة ) الأنعام 12
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال صلى الله عليه وسلم ( إن الله تعالى خلق الرحمة يوم خلقها مائة رحمة , فأمسك عنده تسعا وتسعين رحمة وأرسل في خلقه كلهم رحمة واحدة , فلو يعلم الكافر بكل الذي عند الله من الرحمة لم ييأس من الجنة , ولو يعلم المؤمن بكل الذي عند الله من العذاب لم يأمن من النار ) (2) وعن أبي سعيد رضي الله عنه قال صلى الله عليه وسلم ( لو تعلمون قدر رحمة الله لاتكلتم عليها ) (3)
وتمسك بظاهر قوله تعالى (إن الحسنات يذهبن السيئات) المرجئة وقالوا: إن الحسنات تكفر كل سيئة كبيرة كانت أو صغيرة، وحمل جمهور العلماء هذا المطلق على المقيد في الحديث الصحيح ( الصلوات الخمس كفارة لما بينهن ما اجتنبت الكبائر ) (4) فقال طائفة: إن اجتنبت الكبائر كانت الحسنات كفارة لما عدا الكبائر من الذنوب، وإن لم تجتنب الكبائر لم تحط الحسنات شيئا. وقال آخرون: إن لم تجتنب الكبائر لم تحط الحسنات شيئا منها وتحط الصغائر. وقال ابن عبد البر: ذهب بعض أهل العصر إلى أن الحسنات تكفر الذنوب، واستدل بهذه الآية وغيرها من الآيات والأحاديث الظاهرة في ذلك. قال: ويرد الحث على التوبة في أي كبيرة، فلو كانت الحسنات تكفر جميع السيئات لما احتاج إلى التوبة. واستدل بهذا الحديث على عدم وجوب الحد في القبلة واللمس ونحوهما لقوله [ عالجي امرأة .. ] أي داعبت واستمتعت بها , مع قوله [ وَإِنِّي أَصَبْتُ مِنْهَا مَا دُونَ أَنْ أَمَسَّهَا ..] كناية عن الجماع ، واستدلوا بهذا الحديث أيضا على سقوط التعزيز عمن أتى شيئا منها وجاء تائبا نادما

-----------------------------
الهوامش
(1) رواه مسلم ــ كتاب التوبة ــ باب إن الحسنات يذهبن السيئات رقم 4964، والترمذي كتاب تفسير القرآن ــ باب ومن سورة هود رقم 3112 (2) رواه البخاري ــ كتاب الرقائق برقم 5988 (3) رواه البزار (صحيح) انظر حديث رقم: 5260 في صحيح الجامع (4) رواه أبو نعيم في الحلية عن أنس (صحيح) انظر حديث رقم: 3874 في صحيح الجامع.


(4)
أحاديث لها قصة
الاستئذان من النظر

عن هزيل بن شرحبيل قال : جاء رجل فوقف على باب النبي صلى الله عليه وسلم يستأذن فقام على الباب وفي رواية مستقبل الباب فقال له النبي صلى الله عليه وسلم ( هكذا عنك أو هكذا فإنما الاستئذان من النظر ) (1)
لقد جعل الله تعالى البيوت سكنا , يفئ إليها الناس فتسكن أرواحهم وتطمئن نفوسهم ويأمنون على عوراتهم وحرماتهم ويلقون أعباء الحذر والحرص المرهقة للأعصاب , والبيوت لا تكون كذلك إلا حين تكون حرما آمنا لا يستبيحه أحد إلا بعلم أهله وإذنهم , وفي الوقت الذي يريدون وعلى الحالة التي يحبون أن يلقوا عليها الناس ، ذلك إلى أن إلى أن استباحة حرمة البيت من الداخلين دون استئذان يجعل أعينهم تقع على عورات وتلتقي بمفاتن تثير الشهوات وتهيئ الفرصة للغواية الناشئة من اللقاءات العابرة والنظرات الطائرة التي قد تتكرر فتتحول إلى نظرات قاصدة تحركها الميول التي أيقظتها اللقاءات الأولى على غير قصد ولا انتظار وتحولها إلى علاقات آثمة بعد بضع خطوات أو إلى شهوات محرومة تنشأ عنها العقد النفسية والانحرافات ، ولقد كانوا في الجاهلية يهجمون هجوما فيدخل الزائر البيت ثم يقول : لقد دخلت ! وكان يقع أن يكون صاحب الدار مع أهله في الحالة التي لا يجوز أن يراهما عليها أحد , وكان يقع أن تكون المرأة عارية أو مكشوفة العورة هي أو الرجل وكان ذلك يؤذي ويجرح ويحرم البيوت أمنها وسكينتها , كما يعرض النفوس من هنا وهناك للفتنة حين تقع العين على ما يثير , من أجل هذا وذلك أدب الله المسلمين بهذا الأدب العالي , أدب الاستئذان على البيوت والسلام على أهلها لإيناسهم وإزالة الوحشة من نفوسهم قبل الدخول (2)
قال تعالى ( يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها , ذلكم خير لكم لعلكم تذكرون ) النور 27 والأصل في الاستئذان أن يكون باللفظ وصيغته المثلى أن يقول المستأذن [ السلام عليكم أأدخل ؟ ] فيجمع بين السلام والاستئذان , وينبغي أن يكون الاستئذان ثلاث مرات يقول المستأذن في كل مرة [ السلام عليكم أأدخل ؟ ] فإن لم يؤذن له في الثالثة فليرجع ولا يزد على الثلاث , وإذا قال له رب المنزل للمستأذن [ من أنت ] ؟ فلا يجوز له أن يقول [ أنا ] بل يفصح باسمه وكنيته إن كان مشهورا بها , فعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال : أتيت النبي e في دين كان على أبي فدققت الباب فقال ( من ذا ؟ ) فقلت : أنا , فقال ( أنا أنا ) كأنه كرهها (3)
ومن آداب الاستئذان أن لا يقف المستأذن قبالة الباب مستقبلا إياه , ولكن يقف بجنب وينحرف جاعلا الباب عن يمينه أو يساره , والمقصود أن يقف على صفة لا يطلع معها على داخل البيت في إقباله وإدباره , فعن عبد الله بن بسر قال كان رسول الله e إذا أتى باب قوم لم يستقبل الباب من تلقاء وجهه , ولكن من ركنه الأيمن أو الأيسر ويقول ( السلام عليكم , السلام عليكم ) وذلك أن الدور لم يكن عليها يومئذ ستور (4) , وفي حديثنا الجليل قال صلى الله عليه وسلم ( هكذا عنك أو هكذا ) أي تنح عن الباب إلى جهة أخرى ( فإنما الاستئذان من النظر ) قال الحافظ : أي إنما شرع من أجله لأن المستأذن لو دخل بغير إذن لرأى بعض ما يكرهه من يدخل إليه أن يطلع عليه , وقال الكرماني : أي إنما شرع الاستئذان في الدخول لأجل أن لا يقع النظر على عورة أهل البيت ولئلا يطلع على أحوالهم (5)
وأخيرا قد يأتي اعتذار صاحب البيت عن الإذن بدخوله ضمنيا أو صريحا وقد دل قوله تعالى ( فإن لم تجدوا فيها أحد ) النور28 على حالة الاعتذار الضمني , فربما كان في البيت صاحبه لكنه لم يشأ أن يرد على المستأذن , فيصدق على المستأذن أنه لم يجد فيها أحد , لأنه تعالى نفى الوجدان ولم ينف الوجود ولو قال ( فإن لم يكن فيها أحد ) لما كان هذا المنزع اللطيف والسر الدقيق , ودل على الاعتذار الصريح قوله تعالى ( وإن قيل لكم ارجعوا فارجعوا هو أزكى لكم ) النور28, فإذا استأذن شخص وأجيب بقول صاحب الدار [ ارجعوا] فالواجب الانصراف فورا وهو على يقين أن هذا أفضل له , لأن ما قال الله إنه أزكى لنا لا شك أن لنا فيه خيرا وأجرا

-----------------------------
الهوامش
(1) رواه أبو داود ــ أبواب النوم / باب في الاستئذان رقم 5165 وصححه الألباني في صحيح أبي داود رقم 4310 , 3/972 (2) في ظلال القرآن / سيد قطب رحمه الله تعالى ص 2508 (3) رواه البخاري ــ كتاب الاستئذان ــ باب إذا قال من ذا فقال أنا رقم 5781 , ومسلم ــ كتاب الآداب ــ باب كراهة قول المستأذن أنا إذا قيل من ذا رقم 4011 (4) رواه البخاري في الأدب المفرد رقم 1082 وأبو داود 5186 وصححه الألباني في صحيح الأدب المفرد ص 417 رقم 822 (5) عون المعبود شرح سنن أبي داود ج 14 ص 63 ط دار الفكر


(5)
أحاديث لها قصة
إن تصدق الله يصدقك
عن شداد بن الهاد رضي الله عنه أن رجلا من الأعراب جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فآمن به واتبعه ثم قال أهاجر معك فأوصى به النبي صلى الله عليه وسلم بعض أصحابه فلما كانت غزوة غنم النبي صلى الله عليه وسلم سبيا فقسم وقسم له فأعطى أصحابه ما قسم له وكان يرعى ظهرهم فلما جاء دفعوه إليه فقال: ما هذا؟ قالوا: قسم قسمه لك النبي صلى الله عليه وسلم فأخذه فجاء به إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ما هذا؟ قال (قسمته لك) قال: ما على هذا اتبعتك ولكني اتبعتك على أن أرمى إلى هاهنا ــ وأشار إلى حلقه ــ بسهم فأموت فأدخل الجنة فقال ( إن تصدق الله يصدقك ) فلبثوا قليلا ثم نهضوا في قتال العدو فأتي به النبي صلى الله عليه وسلم يحمل قد أصابه سهم حيث أشار فقال النبي صلى الله عليه وسلم ( أهو هو ) قالوا: نعم قال: (صدق الله فصدقه) ثم كفنه النبي صلى الله عليه وسلم في جبة النبي صلى الله عليه وسلم ثم قدمه فصلى عليه فكان فيما ظهر من صلاته (اللهم هذا عبدك خرج مهاجرا في سبيلك فقتل شهيدا أنا شهيد على ذلك) (1)

رفعة الإنسان أن يعيش لله عز وجل ، ينتصر إذا انتصر لإعلاء كلمته وتقرير دينه وتحرير عباده من العبودية المذلة لسواه ،ويستشهد في سبيله ليؤدي لدينه شهادة بأنه خير عنده من الحياة ، ويستشعر في كل حركة وفي كل خطوة أنه أقوى من قيود الأرض ، وأنه أرفع من ثقلة الأرض
وكل هذه المعاني النبيلة لا تتأتى ولا تجتمع إلا من أهل الصدق مع الله تعالى ، فالصدق هو الطريق الأقوم الذي من لم يسر فيه فهو من المنقطعين الهالكين ، وبه تميز أهل النفاق من أهل الإيمان ، وسكان الجنان من أهل النيران ، وهو سيف الله في أرضه الذي ما وضع على شيء إلا قطعه ، ولا واجه باطلا إلا أرداه وصرعه ، من صال به لم ترد صولته ، ومن نطق به علت على الخصوم كلمته . فهو روح الأعمال ومحك الأحوال والحامل على اقتحام الأهوال ، والباب الذي دخل منه الواصلون إلى حضرة ذي الجلال ، وهو أساس بناء الدين وعمود فسطاط اليقين ودرجته تالية لدرجة ( النبوة ) التي هي أرفع درجات العالمين
قال يوسف بن أسباط : لأن أبيت ليلة أعامل الله بالصدق أحب إلى من أن أضرب بسيفي في سبيل الله ، وقال الحارث المحاسبي : الصادق هو الذي لا يبالي لو خرج كل قدر له في قلوب الخلق من أجل صلاح قلبه ولا يحب اطلاع الناس على مثاقيل الذر من حسن عمله ، وقال ابراهيم الخواص الصادق لا تراه إلا في فرض يؤديه أو فضل يعمل فيه
والصدق مع الله أحد الأسرار التي بها علا قدر الصحابة رضوان الله تعالى عليهم فكانت منهم في ذات الله الأعاجيب ، فهذا سعد بن خيثمة الأنصاري رضي الله عنه لما ندب رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس إلى غزوة بدر قال له أبوه خيثمة : إنه لابد لأحدنا أن يقيم فآثرني بالخروج وأقم مع نسائك فأبى سعد وقال : لو كان غير الجنة آثرتك به إني لأرجو الشهادة في وجهي هذا ، فاستهما فخرج سهم سعد فخرج فقتل ببدر ، وهذا سالم مولى أبي حذيفة رضي الله عنه لما كان يوم اليمامة وانكشف صف المسلمين حفر سالم لنفسه حفرة وتحنط بحنوطه وأمسك براية المهاجرين ، فقالوا له:يا سالم إنا نخشى أن نؤتى من قبلك فقال : بئس حامل القرآن إذا أنا ، فأخذ اللواء بيمينه فقطعت فرفعه بشماله فقطعت فاعتنق اللواء وجعل يقرأ ( وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم )آل عمران144 إلى أن قتل ، وهكذا يموت سيد القراء في الميدان ومن أولى بهذا منه وقد قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ( الحمد لله الذي جعل في أمتي مثله ) (2)

-----------------------------
الهوامش
(1)رواه النسائي ــ كتاب الجنائز 4/6146 وصححه الألباني في ( صحيح سنن النسائي ) برقم 1845
(2) أخرجه البزار ورجاله ثقات كما قال الحافظ في الإصابة (2/7)
اضافة رد مع اقتباس
  #280  
قديم 11/04/2011, 01:07 PM
الصورة الرمزية الخاصة بـ Özil 10
عضو اللجنة الإعلاميه للرياضة العالمية
و نائب رئيس رابطة ريال مدريد
تاريخ التسجيل: 10/09/2008
المكان: اقرب مما تتوقع !
مشاركات: 5,475
المسيح الدجال

عن أنس رضي الله عنه قال :
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما من نبي إلا وقد أنذر أمته الأعور الكذاب .. ألا إنّه أعور ، وإن ربكم عز وجل ليس بأعور ، مكتوب بين عينيه : " ك . ف . ر" متفق عليه .
بهذا بدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثه عن المسيح الدجال .
فقال له أصحابه : يا رسول الله ؛ أكثرْتَ الحديث عنه ، فخفنا ، حتى ظنناه قريباً منا ، وكأنه سيطلع علينا بعد قليل من ناحية هذا النخيل .
قال صلى الله عليه وسلم : غيرَ الدجال أخوفني عليكم ، إذا خرج فيكم فأنا حجيجه دونكم – أكفيكم مؤونته - ، وإن يخرج ولست فيكم فامرؤٌ حجيجُ نفسه – فكل منكم مسؤول عن نفسه - ، والله خليفتي على كل مسلم .
قالوا : يا رسول الله صفه لنا .
قال : إنه شاب شديد جعود الشعر ، عينه اليمنى بارزة ناتئة كأنها عَنَبةٌ ، قد ذهب نورُها ، أعور ، يدّعي الألوهية ، مكتوب على جبينه : كافر ... يرى المؤمن ذلك واضحاً .
قالوا : فمن أين يخرج يا رسول الله ؟.
قال : يخرج من طريق بين الشام والعراق ، فيعيث فساداً في الأرض أينما ذهب .
قالوا : فما لبثه في الأرض ؟ - كم يبقى في الأرض –
قال : أربعون يوماً : يوم كسنة ، ويوم كشهر ، ويوم كجمعة ، وسائر أيامه كأيامكم .
قالوا : يا رسول الله ؛ فذلك اليوم الذي كسنة أتكفينا فيه صلاة يوم ؟ - فالصلاة للمسلم كالماء للحي ، لا يعيش دونها .
قال : لا : اقدروا له قدْرَه ... - فلا بد من تقسيم الوقت في هذا اليوم ، وكأنه سنة - .
قالوا : فمن يتبعه ؛ يا رسول الله ؟ .
قال : يتبع الدجالَ - من يهود أصفهان – سبعون ألفاً عليهم الطيالسة " ثياب اليهود المزركش بالأخضر " .
قالوا : يا رسول الله ؛ كيف سرعته في الأرض ؟.
قال : كالغيث استدبرته الريح – إسراع المطر الذي تسوقه الريح بشدة ، فيصل إلى كل بقاع الأرض - .
قالوا : أيدخل كل البلاد ويفسدها؟! .
قال : ليس من بلد إلا سيطؤه الدجال ، إلا مكة والمدينة ، تحول الملائكة بينه وبينهما صافـّين يحرسونهما . فإن وصل المدينة نزل بالسبخة القريبة منها ، فترجف المدينة ثلاث رجَفات ، يُخرج الله منها كل كافر ومنافق .
قالوا : فماذا نفعل ، إن ظهر ونحن أحياء ؟
قال : انفروا في الجبال ، ولا تقفوا في طريقه ، فما بين خلق آدم إلى قيام الساعة أمرٌ أكبر من الدجال ، فمن أدركه منكم فليقرأ عليه فواتح سورة الكهف .
قالوا : فما الذي يفعله ؟!
قال : يأتي على القوم ، فيؤمنون به ، ويستجيبون له . فيأمر السماء ، فتمطر، والأرضَ فتنبت، وتعود عليهم إبلهم وبقرهم وأغنامهم ضخمة الأجسام ، ممتدة في الطول والعرض سِمَناً ، ويكثر لبنُها . – وهذا استدراج كبير نسأل الله الثبات على دينه - .
ويمر بالخِربة التي هجرها أهلها منذ غابر الأزمان ، فيقول لها : أخرجي كنوزك ، فتتبعه كنوزها كذكور النحل المجتمعة ، فيزداد أتباعُه به ضلالاً .
ويأتي على القوم ، فيدعوهم ، فيردون عليه قوله ، ويثبتهم الله على الإيمان ، فينصرف الدجال عنهم ، فيصبحون ممحلين ، ينقطع الغيث عنهم ، وتيبس الأرض والكلأ ، ليس في أيديهم شيء من أموالهم ولا أنعامهم ، نسأل الله أن يثبتهم على دينهم .
قالوا : يا رسول الله ؛ أمعه شيء غير هذا ؟.
قال : نعم .... فمن ذلك أن الدجال يخرج ومعه ماء ونار . فأما الذي يراه الناس ماء فنار تحرق ، وأما الذي يراه الناس ناراً فماء بارد وعذب . فمن أدركه منكم فلْيقعْ في الذي يراه ناراً ، فإنه ماء عذب طيب .
قالوا : يا رسول الله ؛ أفلا نحاجه ، ونكذّبه ؟ .
قال : لا يظنّنّ أحدكم أنه قادر على ذلك . فإذا ذهب إليه فتنه ، فتبعه ، فضلّ وكفر .
قالوا : فمن أعظم شهادة عند رب العالمين إذ ذاك ؟.
قال : يتوجه إليه رجل من المؤمنين ، فيتلقّاه مقدّمة جنود الدجال ... فيقولون له : إلى أين تذهب أيها الرجل ؟ فيقول : أعمد إلى هذا الرجل الذي يزعم أنه إله ... فيتعجبون من جوابه ، ويسألونه : أوَ ما تؤمن بربنا ؟! فيقول : هذا ليس رباً ، إنما ربكم الذي خلق السموات والأرض ، وما هذا إلا مارق كافر .
فيثورون فيه ، ويتنادَون لقتله ، ويهمّون بذلك ، لولا أن كبيرهم يذكّرهم أن الدجال أمرهم أن لا يقتلوا أحداً حتى يُعلموه بذلك . فيقيّدونه وينطلقون به إلى الدجال .
فإذا رآه المؤمن صاح بأعلى صوته : أيها الناس ؛ لا يغرنكم هذا الشيطان ، فإنه أفـّاك دجال ، يدّعي ما ليس له ، هذا الذي حذركم منه رسول الله صلى الله عليه وسلم .
فيشتد غضب الدجال ، ويأمر زبانيته ، فيوثقونه مشبوحاً ، ويوسعون ظهره وبطنه ضرباً . فيقول الدجال مغضباً آمراً رجاله أن يُؤذوه ويشجوه ، فيزداد الرجل المؤمن إيماناً .
حينذاك يأمر الدجال رجاله أن ينشروه بالمنشار من رأسه إلى أن يفرق بين رجليه ، فيفعلون ، ويُبعدون القسمين أحدهما عن الآخر ... فيمشي الدجال بينهما مستعرضاً ألوهيته ، فيخر الناس ساجدين له ـ فينتشي عظمة وخُيلاء .
ثم يقول له : قم .. فيقترب النصفان ، فيلتحمان ، فيعود الرجل حياً ، فيقول له الدجال : أتؤمن بي إلهاً ؟ . فيتهلل وجه المؤمن قائلاً : ما ازددت فيك إلا بصيرة ، وقد حدثنا الرسول صلى الله عليه وسلم أنك ستفعل بي ذلك .
ينادي الرجل بأعلى صوته : انتبهوا أيها الناس ، إنه لن يستطيع أن يفعل بعدي بأحد من الناس شيئاً ، لقد بطل سحره ، وعاد رجلاً مسلوب الإرادة كما كان . فيأخذه الدجال ليذبحه ، فلا يستطيع إليه سبيلاً ، لأن الله تعالى جعل ما بين رقبته إلى ترقوته نحاساً ، فيأخذ الدجال بيديه ورجليه فيقذف به . فيحسب الناس أنما قذفه إلى النار ، وإنما ألقي في الجنة .
فهذا أعظم شهادة عند رب العالمين .
قالوا : يا رسول الله ؛ كيف ينقذنا الله من فتنة الدجال ؟
قال : في هذه اللحظة – حين يبلغ السيل الزبى – يرسل الله أخي عيسى ، ليكون السهم الذي يصمّ به عدوّ الله وعدوّكم .
قالوا : وأين يكون عيسى عليه السلام ، يا رسول الله ؟.
قال : إنه في السماء ، رفعه الله تعالى إليه حين مكر اليهود به ، وأرادوا قتله . ورعاه هناك ليعود إلى الأرض في الوقت الذي قدّره الله تعالى ، وللأمر الذي يريده سبحانه .
قالوا : صفه لنا ، يا رسول الله ؟ .
قال : ينزل عند المنارة البيضاء ، شرقيّ دمشق ، يلبس ثوبين جميلين ، واضعاً كفيه على أجنحة ملكين ، إذا طأطأ رأسه انحدر منه ماء الوضوء ، وإذا رفع رأسه انحدر منه قطرات الماء كأنها اللؤلؤ الصافي . فلا يحل لكافر يجد ريح نفسه إلا أن يموت ،وينتهي نفَسُه إلى حيث ينتهي طَرْفُه.
قالوا : أليس في ذلك الوقت جماعة للمسلمين ؟.
قال : بلى ، إنه المهدي الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً ، بعد أن مُلئت جَوراً وظلماً . ينصر الله المسلمين على يديه ، إنه من آل بيتي ، من ولد الحسن بن علي ، وهو الذي يفتح روما عاصمة الروم " الإيطاليين " ، يبيد جيوش أوربة الكافرة .
قالوا : ولم يجتاح الدجال البلاد ، والمسلمون أقوياء إذ ذاك ؟! .
قال : ألم أقل لكم : إنها الفتنة الكبرى ، حيث يرتد كثير من المسلمين على يد المسيح الدجال .
قالوا : وأين يكون المهدي ؛ يا رسول الله ؟
قال : في القدس يحاصره الدجال ، ويحاول اقتحامها ليجعلها عاصمته الأبدية ، عاصمة اليهود ودجالهم . والمهدي وجنوده يدافعون عنها ، ويقاتلون ما وسعهم القتال .
قالوا : وماذا يفعل المسيح عليه السلام حين ينزل في دمشق ؟.
قال : ينطلق إلى القدس ، فيدخلها ، فيتعرف المهديّ عليه والمسلمون ، ويفرحون لنزوله ، فيستلم قيادة المسلمين ، ويهاجم الدجال .
قالوا: فماذا يفعل الدجال حين يسمع بعيسى عليه السلام قادماً ؟.
قال : يفر من بين يديه إلى اللد ؛ وهي مدينة في فلسطين ، قريبة من القدس ، لكنّ عيسى عليه السلام يتبعه ، ويطعنه برمحه ، فيذوب بين يديه كما يذوب الملح في الماء ... ويرفع الله الهمّ والغمّ عن المسلمين ، ويحدثهم عيسى رسول الله بدرجاتهم في الجنة ، ويمسح عن وجوههم بيده الشريفة ، فما في الدنيا إذ ذاك أعظم سعادة منهم .

رواه مسلم
رياض الصالحين ، باب المنثورات والمُلح

اضافة رد مع اقتباس
  #281  
قديم 11/04/2011, 01:08 PM
الصورة الرمزية الخاصة بـ Özil 10
عضو اللجنة الإعلاميه للرياضة العالمية
و نائب رئيس رابطة ريال مدريد
تاريخ التسجيل: 10/09/2008
المكان: اقرب مما تتوقع !
مشاركات: 5,475

عيسى عليه السلام ويأجوج ومأجوج



قال الصحابة الكرام لرسولهم الحبيب عليه الصلاة والسلام :
قد حدثتنا ؛ يا رسول الله عن عيسى عليه السلام وقتله الدجال شر قتلة ، فهل يرتاح المسلمون بعد ذلك ؟.
قال : لا؛ إنما يبعث الله تعالى يأجوج ومأجوج – قبيلتين ضخمتي العدد ، يأتون من الشرق يجتاحون بلاد المسلمين . – وقد تبين لمن سافر إلى الصين أن هاتين القبيلتين عماد سكان الصين الذين يبلغون ملياراً ومئتي مليون إنسان ، وهم يتكاثرون بشكل سريع .
قالوا : فماذا يفعل المسلمون بقيادة نبيهم عيسى عليه السلام أمام هذا العدد الهائل من الصينيين ، أبناء يأجوج ومأجوج؟.
قال : يتجهزون لقتالهم ، فيوحي الله تعالى إلى عيسى عليه السلام أنْ لا قِبَل لك بهم . ولا يستطيع أحد أن يقف أمامهم .
فيقول عيسى عليه السلام : فماذا أفعل يا رب ؟
فيقول تعالى : اصعد إلى جبل الطور ، وحرّز عبادي فيه ، فأنتم هناك في مأمن .
قالوا : أوَهم كثيرون إلى هذا الحد المخيف ؛ يا رسول الله ؟.
قال : يبعث الله يأجوج ومأجوج ، وهم من كل حَدَب ينسلون – يسرعون المشي والخروج - ، فيمر أوائلهم على بحيرة " طبرية " – شمال فلسطين على الحدود السورية – فيشربون ما فيها من ماء . ويمر آخرهم ، فيقول : لقد كان مرة بهذه ماء !!
أرأيت كثرتهم ؟ ما لأحد بهم من طاقة .
وتقل المؤن في المسلمين ، وتضيق عليهم الدنيا ، ويلجأون إلى الله تعالى يدعونه ، ويتضرعون إليه ، وهل غيره من مجيب ؟ وهل غيره سبحانه من ملاذ وملجأ ؟! هو سبحانه مفرّج الكروب ، ومُذهب الهمّ.
اللهم أذهبْ عنا ما نحن فيه من الهمّ والغمّ ، ونجّنا برحمتك ، يا أرحم الراحمين .
اللهم ؛ لقد طغَوا وبغَوا ، وجاهروك بالعداوة ، وأذلوا عبادك ، وليس إلا إليك المهرب ، وإلى رحابك العَوذ والملجأ ..... ويُكثر المسلمون الدعاء والرجاء .
قالوا : يا رسول الله ؛ صلى الله عليك وعلى إخوانك الأنبياء ، فماذا يكون ؟.
قال : يرسل الله تعالى الدود في رقابهم فتأكلها ، فيصبحون موتى جميعاً ،
وينزل أحد المسلمين يستطلع أخبارهم ، فيراهم جثثاً هامدة لا حراك فيها ...
وكانوا قد أعلنوا أنهم هزموا أهل الأرض جميعاً ...
وإمعاناً في الكفر والضلال يرمي كبيرهم رمحه أو سهمه في السماء ، فيعود مصبوغاً بالدم ، فيقول : ها نحن قتلنا من في السماء أيضاً ، فلنا كل شيء . ...
ما بهم الآن قد انتشروا جيَفاً قذرة يملأ نتنُها الآفاق ؟!.. ما في الأرض موضع شبر إلا ملأه زهَمهُم ونتنُهم وخبثُ رائحتهم .
إن الله تعالى الذي قتلهم قادر على تخليص العباد منهم ... ولكن ما على العباد إلا أن يدعوا ، ويرغبوا إلى الله تعالى ، وأن يتضرّعوا إليه سبحانه ... وقد فعل عيسى وأصحابه ذلك .
قالوا : وكيف ينجّيهم الله تعالى من عفن يأجوج ومأجوج وخبث رائحتهم ونتَن أجسادهم الذي ملأ الأرض ؟.
قال : يرسل الله تعالى طيوراً كأعناق البخت " الإبل الخراسانية الضخمة " فتحمل هؤلاء القتلى ، فتطرحهم إلى حيث يشاء الله تعالى .
ثم يرسل الله غيثا غزيراً ، يملأ وديان الأرض لغزارته ، فيغسلها ، حتى يتركها صافية كالمرآة النظيفة .
ينزل المسلمون ، ويسجدون لله شكراً على نعمائه وفضله .
ثم يُقال للأرض : أنبتي ثمرتَك ، وردّي برَكَتك . فيومئذ تأكل الجماعة من الرمانة ، ويستظلون ، بقشرها !! ، ويبارك الله تعالى في ضرع الأنعام ، فتدر الحليب ، حتى إن لبن الناقة الواحدة ليكفي الجماعة من الناس ، واللقحة من البقرة لتكفي القبيلة من الناس ، ولبن الغنمة ليُشبع العشيرة منهم .
قالوا : وكم يلبث عسى عليه السلام في الأرض ؟
قال : سبع سنين ، فيها الحياة رغيدة ، والعدل قائم ، والإيمان وارف الظلال ، ويعيش الناس بعده ما يشاء الله لهم أن يعيشوا في دولة الإسلام وعزتها ، وصفاء العقيدة ، وضيائها .
ثم يرسل الله ريحاً باردة من قِبَل الشام ، فلا يبقى على وجه الأرض أحد في قلبه مثقال ذرة من إيمان أو خير إلا قبضَتْه . حتى لو أن أحدهم كان داخل كبد جبل لدخلت عليه حتى تقبضه .
فيبقى شرار الناس في خفة الطير إلى الشر ، وإلى الشهوات والفساد . وفي أحلام السباع إلى العداوة والبغضاء والشحناء ، لا يعرفون معروفاً ، ولا يُنكرون منكراً . ..
على أمثال هؤلاء تقوم الساعة .

رواه مسلم
رياض الصالحين / باب المنثورات والمُلح

اضافة رد مع اقتباس
  #282  
قديم 11/04/2011, 01:09 PM
الصورة الرمزية الخاصة بـ Özil 10
عضو اللجنة الإعلاميه للرياضة العالمية
و نائب رئيس رابطة ريال مدريد
تاريخ التسجيل: 10/09/2008
المكان: اقرب مما تتوقع !
مشاركات: 5,475
فَهمها سليمان

كانت امرأتان ، معهما ابناهما الرضيعان
جاء الذئب ، فذهب بابن إحداهما .
قالت الكبرى : أكل الذئب ولدك ، وهذا ابني .
قالت الصغرى : بل أكل الذئب ابنك ، وهذا ولدي .
واختصمتا إلى داوود عليه السلام ...
ولعل الكبرى كانت ألحن بحجتها من الصغرى ، فحكم لها داوود بالولد
حملت الكبرى الولد مغتبطة فرحة ،
وانطلقت الصغرى حزينة كئيبة تندب حظها .
رآهما سليمان بن داوود عليه السلام ، فدعاهما ، وسألهما ،
فأخبرتاه بما ادّعت كل منهما ، وبما حكم أبوه .
وكان سليمان ذا نظر ثاقب ، آتاه الله الحكمة ، وعلّمه فصل الخطاب .
فقال في نفسه : إن الذي يحكم في هذه القضية العاطفةُ لا العقلُ.
فلأستثيرَنّ المرأتين ، فمن ظهر منها الحب الأكبرللرضيع حكمت به لها .
قال لهما : كل واحدة تعتقد ان هذا الولد لها ؟
قالتا : نعم .
قال : وتصر أنه ولدها ؟
قالتا : أجل .
قال : إيتوني أيها الرجال بالسكين ، أشقه بينهما .
سكتت الكبرى ..
ونادت الصغرى متلهفة : لا تفعل ذلك – رحمك الله – هو ابنها .
ورضيت الصغرى أن يكون ولدها للكبرى فيعيش ـ وتراه عن بعد .
هذا يسعدها لا شك . وهل ترضى الأمّ أن يُقتل ولدها ؟!
نظر سليمان إليها ، وقال : هو لك ، فخذيه .

متفق عليه
رياض الصالحين / باب المنثورات والملح

اضافة رد مع اقتباس
  #283  
قديم 11/04/2011, 01:11 PM
الصورة الرمزية الخاصة بـ Özil 10
عضو اللجنة الإعلاميه للرياضة العالمية
و نائب رئيس رابطة ريال مدريد
تاريخ التسجيل: 10/09/2008
المكان: اقرب مما تتوقع !
مشاركات: 5,475
فضائل الصدقة


كان يحب الخير ، ويرجوه لغيره ، ويتصدق على الفقراء والمساكين ليدخل في زمرة الشاكرين ... وعلم أن صدقة السر تطفئ غضب الرب ، وأنها تدفع الأذي وتشفي – بإذن الله –
فقال: لأتصدّقنّ سراً .
وفي الليل خرج بصدقته ، يجتهد أن يضعها في يد من يستحقها ، ورأى من بعيد شخصاً يقترب منه ، لم يتبيّنه ،
فقال: هذه بغيتي ، فلما التزمه – التصق به – أعطاه صدقته ، وانطلق إلى بيته يسأل الله تعالى الثواب وحسن الجزاء .
كانت الملائكة تكتب على أبواب الناس في ذلك الزمن ما يفعلون .. وفي الصباح تحدث الناس عن صدقة وقعتْ في يد لص سارق .
قال الرجل : يا رب؛ ما أردتُ السارق ، ولكن أردت من يستحق هذه الصدقة ... لك الحمد أولاً وآخراً فأنت عليم خبير أردتَ بإيصال هذه الصدقة للسارق حكمة لا أدريها .
لأتصدّقنّ ثانية ، فلعل الصدقة تقع في يد من يحتاجها .. وانطلق حين أظلم الليل يجتهد أن يضع صدقته هذه في يد من يستحقها ، فرأى شبحاً يدنو منه ، فقال : لعله هو الذي أبحث عنه ، فدفع إليه صدقته وأسرع إلى بيته لا يراه أحد .
وفي الصباح تحدث الناس عن صدقة وقعت في يد زانية .
قال الرجل : يا رب؛ ما أردت الزانية ، ولكن أردْت من تستره هذه الصدقةُ . لك الحمد أولاً وآخراً أنت الحكيم تفعل ما تشاء .
لأتصدّقنّ ثالثة ، فعسى أن تقع في يد ذي حاجة ، فتسعفه .... وحين أسدل الليل ثوبه الأسود على المدينة انطلق صاحبنا يحمل صدقته ، فرأى ظلاً قابعاً في زاوية ، فقال : لعله فقير . فدفع إليه صدقته ، وتوارى سريعاً إلى داره .
وفي الصباح تحدّث الناس عن صدقة وقعت في يد غني ...
فقال : اللهم لك الحمد على سارق وعلى زانية وعلى غني ! .
فأرسل الله إليه من يقول له :
1- أما صدقتك على سارق فلعله أن يستعفّ عن سرقته .
2- وأما صدقتك على زانية فلعلها تستعفّ عن زناها .
3- وأما صدقتك على غني فلعله يعتبر ، فينفق مما آتاه الله .

متفق عليه
رياض الصالحين / باب المنثورات والملح
اضافة رد مع اقتباس
  #284  
قديم 11/04/2011, 01:11 PM
الصورة الرمزية الخاصة بـ Özil 10
عضو اللجنة الإعلاميه للرياضة العالمية
و نائب رئيس رابطة ريال مدريد
تاريخ التسجيل: 10/09/2008
المكان: اقرب مما تتوقع !
مشاركات: 5,475
إسماعيل عليه السلام وأمه هاجر


جاء إبراهيم عليه الصلاة والسلام بأم إسماعيل وابنها- وهي ترضعه- حتى وضعهما عند الكعبة ، عند ( دوحة فوق زمزم ) في أعلى المسجد ، وليس بمكة يومئذ أحد ، وليس بها ماء ، فوضعهما هناك ، ووضع عندهما جراباً ( وعاء من جلد ) فيه تمر ، وسقاء فيه ماء .
ثم قفـّى إبراهيم عليه السلام منطلقاً .
فتبعته أم إسماعيل ، فقالت : يا إبراهيم ؛ أين تذهب وتتركنا بهذا الوادي الذي ليس فيه أنيس ، ولا شيء ؟! قالت له ذلك مراراً وهو لا يلتفت إليها ...
فقالت له : آلله أمرك بهذا ؟
قال : نعم .
قالت ( قول الواثق بربه المؤمن به ) : إذاً لا يضيّعنا .
ثم رجعت ، فانطلق إبراهيم عليه السلام ، حتى إذا كان عند الثنيّة ( منطقة الحجون ) حيث لا يريانه فاستقبل بوجهه البيت ، ثم دعا بهؤلاء الدعوات : " ربّ ؛ إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم .. " حتى بلغ " يشكرون "
وجعلت أم إسماعيل تشرب من ذلك الماء ، ويدر لبنها على صبيّها ، حتى إذا نفد ما في السقاء عطشت ، وعطش ولدها ، وجعلت تنظر إليه يتلوّى ، فانطلقت كراهية أن تنظر إليه وهو على هذه الحال ، فوجدت الصفا أقرب جبل في الأرض يليها ، فقامت عليه ، ثم استقبلت الوادي تنظر هل ترى أحداً ؟ فلم ترَ أحداً ، فهبطت من الصفا حتى إذا بلغت الوادي رفعت طرف درعها ( ثوبها ) ثم سعت سعْيَ الإنسان المجهود ( الذي أصابه الجهد والتعب ) حتى جاوزت الوادي ، ثم أتت المروة ( الجبل الصغير المقابل للصفا ) ، فنظرت هل ترى من أحد ، فلم ترَ أحداً .
ففعلت ذلك سبع مرات ...
قال ابن عباس رضي الله عنهما : قال النبي صلى الله عليه وسلم : " فذلك سعي الناس بينهما " فلما أشرفت على المروة (في الشوط السابع ) سمعت صوتاً ، فقالت : صهْ - تريد نفسها – ثم تسمّعتْ ، فسمعتْ ايضاً ( الصوت الذي سمعته سابقاً ) فقالت : قد أسمَعْتَ إن كان عندك غواثٌ ( الغوث والمساعدة ) ( فعادت إلى ابنها ) فإذا هي بالملَك عند موضع زمزم ، فبحث بعقبه – أو جناحه – حتى ظهر الماء ، فجعلتْ تحوضُه ( تجعله مثل الحوض ) ، وتقول بيدها هكذا ( لا تريده أن يخرج من الحوض ) وجعلت تغرف في سقائها ، وهو يفور ، وكلما غرفتْ عاد الماء كما كان يملأ الحوض .
قال ابن عباس رضي الله عنهما : قال النبي صلى الله عليه وسلم : " رحم الله أم إسماعيل لو
تركت زمزم – أو قال : لو لم تغرف من الماء – لكانت زمزم
عيناً معيناً " ( جاريةً على ظهر الأرض ) .
قال : فشربت ، وأرضعت ولدها .
فقال لها الملَك : لا تخافوا الضيعة ( الهلاك ) فإن ههنا بيتاً يبنيه هذا الغلام وأبوه ، وإن الله لا يُضَيّع أهله ( الصالحين )
وكان البيت مرتفـَعاً من الأرض – كالرابية – تأتيه السيول ، فتأخذ عن يمينه وعن شماله .
فكانت كذلك ( مر عليها زمن على هذه الحالة ) حتى مر بهما رفقة من ( قبيلة جُرهُم ) أو أهل بيت من جرهم مقبلين من طريق كـَداء ، فنزلوا أسفل مكة ، فرأوا طائراً عائفاً ( يحوم على الماء ويتردد ، ولا يمضي عنه ) فقالوا: إن هذا الطائر ليدور على ماء ، لَـَعهدُنا بهذا الوادي وما فيه ماء ، فأرسلوا جرِيّاً أو جَريّتين ( رُسلاً ) فإذا هم بالماء ، فرجعوا ، فأخبروهم ، فأقبلوا وأم إسماعيل على الماء ، فقالوا : أتأذنين لنا أن ننزل عندكِ؟ قالت : نعم ، ولمن لا حق لكم في الماء . قالوا : نعم.
قال ابن عباس : قال النبي صلى الله عليه وسلم : " فألفى ذلك أم إسماعيل وهي تحب الأنس ( تأنس إلى الناس وترغب بمجاورتهم ) فنزلوا ، فأرسلوا إلى أهليهم ، فنزلوا معهم ، حتى إذا كانوا بها أهل أبيات ( بنَوا بيوتاً حول الماء ) وشب الغلام ، وتعلم العربية منهم ( فهو عراقي الأصل وولد في فلسطين ، ولغة أبيه غير العربية ) وأنفَسَهم ( أعجبهم لما فيه من شمائل حميدة ) وأعجبهم حيث شبّ ، فلما أدرك ( بلغ مبلغ الرجال ) زوّجوه امرأة منهم .
وكان إبراهيم عليه السلام يزورهما ويتفقدهما كل حين ..
وماتت أم إسماعيل ، فجاء إبراهيم عليه السلام بعدما تزوج إسماعيل يطالع تركتَه ( يتفقد آل بيته ) فلم يجد إسماعيل ، فسأل امرأته عنه ، فقالت : خرج يبتغي لنا – وفي رواية يصيد لنا – ثم سألها عن عيشهم وهيئتهم ، فقالت : نحن بِشَرّ ، نحن في ضيق وشدة ، وشكَت إليه ...
قال : فإذا جاء زوجك فأقرئي عليه السلام ، وقولي له : يغيّرْ عتبة بابه . فلما جاء إسماعيل كأنه آنس ( أحسّ) شيئاً ،
فقال : هل جاءكم من أحد ؟
قالت: نعم ، جاءنا شيخ كذا وكذا ، فسألَنا عنك ، فأخبرتُه ، فسأني : كيف عيشنا ؟ فأخبرته أننا في جهد وشدة .
قال : هل اوصاك بشيء؟
قالتْ : نعم ، أمرني أن أقرأ عليك السلام ، ويقول : غيّرْ عتبة بابك .
قال : ذلك أبي ، وقد أمرني أن أفارقك .. الحقي بأهلك ، فطلّقها ... وتزوّج منهم أخرى .
فلبث ( غاب ) عنهم إبراهيم عليه السلام ماشاء الله ، ثم أتاهم بعدُ ، فلم يجده ، فدخل على امرأته ، فسأل عنه . قالت : خرج يبتغي لنا . قال : كيف أنتم ؟ وسألها عن عيشتهم وهيئتهم ، فقالت : نحن بخير وسعة . وأثنت على الله تعالى . فقال لها : ما طعامكم ؟ قال : اللحم . قال : وشرابكم ؟ قالت : الماء . قال : اللهم بارك لهم في اللحم والماء .
قال النبي صلى الله عليه وسلم : " ولم يكن لهم يومئذ حَبّ ، ولو كان لهم دعا لهم فيه " .
ثم دعته إلى طعامهم وشرابهم ... ثم قال لها : إذا جاء زوجك فأقرئيه السلام ، ومريه أن يثبت عتبة داره .
فلما جاء إسماعيل قال : هل أتاكم من أحد؟ قالت نعم ، أتانا شيخ حسن الهيئة ، وأثنت عليه ، فسألني عنك ، فأخبرته، فسألني : كيف عيشنا ؟ فأخبرته أنا بخير .. قال إسماعيل : فأوصاك بشيء ؟ قالت: نعم ، يقرأ عليك السلام ، ويأمرك أن تثبت عتبة دارك .
قال : ذاك أبي ، وأنت عتبة بابي ، أمرني أن أمسكك.
ثم لبث عنهم ما شاء الله ، ثم جاء بعد ذلك ، وإسماعيل يبري نبلاً ( يبري السهم قبل أن يركب في نصله وريشه ) له تحت دوحة ، قريباً من زمزم . فما رآه قام إليه ، فصنع كما يصنع الوالد بالولد والولد بالوالد ( من المعانقة والترحيب وغير ذلك ) .
قال إبراهيم عليه السلام : يا إسماعيل ؛ إن الله أمرني بأمر .
قال إسماعيل : فاصنع ما أمر ربك .
قال : وتعينني ؟
قال : وأعينك .
قال : فإن الله أمرني أن أبني بيتاً ههنا . .. وأشار إلى أكمة مرتفعة على ما حولها .
فعند ذلك رفع القواعد من البيت ، فجعل إسماعيل يأتي يبالحجارة ، وإبراهيم يبني .. حتى إذا ارتفع البناء جاء بهذا الحجر ( الحجر الأسود ) فوضعه له . فقام عليه وهو يبني ، وإسماعيل يناوله الحجارة ، وهما يقولان " ربنا تقبل منا ، إنك أنت السميع العليم "

رواه البخاري : رياض الصالحين / باب المنثورات والمُلح
اضافة رد مع اقتباس
  #285  
قديم 11/04/2011, 01:12 PM
الصورة الرمزية الخاصة بـ Özil 10
عضو اللجنة الإعلاميه للرياضة العالمية
و نائب رئيس رابطة ريال مدريد
تاريخ التسجيل: 10/09/2008
المكان: اقرب مما تتوقع !
مشاركات: 5,475
عقوبة العُجب

قال صهيب بن سنان الرومي رضي الله تعالى عنه :
كان المسلمون أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يتابعون نبيهم صلى الله عليه وسلم في حركاته وسكناته ، وأقواله وأفعاله ، وعلاقته بالصغير والكبير فهو صلى الله عليه وسلم أسوتهم وقدوتهم لا يتركونه في لحظة من لحظات خروجه من بيته إلى أن يعود إليه . بل كانوا يسألون نساءه – أمهات المؤمنين رضي الله عنهنّ- عن حياته صلى الله عليه وسلم في أبياته وبين زوجاته كي يكون المشكاة التي يرون بنورها ، ويتصرفون على هداها .
رآه أصحابه يوم حنين بعد صلاة الفجر يحرك شفتيه بشيء لا يسمعونه .
فقالوا : يا رسول الله رأيناك تحرك شفتيك بشيء لا نفهمه .
قال صلى الله عليه وسلم : ألم نكن في معركتنا مع القوم اثني عشر ألف مقاتل ؟
قالوا بلى ؛ يا رسول الله .
قال : أتدرون لم انكفأتم أول المعركة ، وتركتموني مع ثلة من إخوانكم المؤمنين الذين ثبتوا معي في وجه قبائل هوازن وثقيف وسعد بن بكر وغيرهم ؟
سكت القوم فلم ينبسوا ببنت شفة لأنهم كانوا يعرفون السبب ، فقد رأوا جموعهم – جموع المسلمين - كثيرة وأسلحتهم وافرة ، ورأوا أنفسهم ينتقلون من نصر إلى آخر بفضل الله وحوله ، وكان آخر انتصارات المسلمين ذلك الفتح المبين " فتح مكة " .. فلما التقوا في حنين بهوازن وأحلافها أعجبت المسلمين كثرتـُهم ، واغتروا بقوتهم ، وأنساهم الشيطان أن النصر من عند الله ، فقالوا : لن نُغلب اليوم عن قلة !!
فأراد سبحانه وتعالى أن يعيدهم إلى جادّة الصواب ، إلى التوكل على الله والاعتماد عليه ، فوكلهم إلى أنفسهم أول الأمر ، فضعفوا وهربوا ، فنادى النبي صلى الله عليه وسلم :
أنا النبي لاكذِبْ .... أنا ابن عبد المطلبْ
وأمر عمه العباس أن ينادي المسلمين بصوته الجهوري يحثهم على العودة إلى القتال ، وان يتحلقوا حول بطل الأبطال وسيد الشجعان نبيهم محمد عليه الصلاة والسلام . فناداهم ، وبدأ الذهول ينقشع عنهم ، وآبوا إلى الحبيب المصطفى يقاتلون معه ، ويدفعون عنه ، ويستغفرون الله تعالى أن يقيلهم من زلتهم هذه ، وان يعفو عنهم وينصرهم ، فقد تعلموا الدرس ، وأيقنوا أن نصر الله باللجوء إليه ، واللياذ به سبحانه " ، فحول النصر إليهم والهزيمة إلى عدوّهم ، وأنزل الله تعالى في سورة التوبة يقرر هذا الأمر ، ويصور هذه الحادثة لتكون العبرة َ على مر الدهر "
لقد نصركم الله في مواطن كثيرة " ..
فالنصر من الله وحده ، وبيده سبحانه فقط ...
" ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتُكم .." ومن أعجب بكثرته وقوته رفع الله تعالى يده عنه لأنه تعلق بغير حبل الله تعالى فوكله إلى نفسه .
" 1- فلم تغن عنكم شيئاً ،
2- وضاقت عليكم الأرض بما رحُبتْ ،
3- ثم وليتم مدبرين ،"
وهكذا ضاعوا بداية الأمر لخطئهم الكبير هذا ... فلما أحسوا بهذا الزلل وذلوا لله تعالى ، والتفوا حول نبيهم الكريم صلى الله عليه وسلم وعلموا أن النصر بإذن الله وتوفيقه ، وعلموا أن الله ينصر المؤمنين القلائل على الكفار الكثيرين بتأييد منه سبحانه
" كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله " أعاد إليهم الثبات ووهبهم القوة ، وأيدهم بالملائكة ، فاستراحت نفوسهم وتعلقت بالله سبحانه فكانت الدائرة لهم على عدو الله وعدوهم :
" 1- ثم أنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين ،
2- وأنزل جنوداً لم تروها ،
3- وعذّب الذين كفروا ، وذلك جزاء الكافرين " .
ثم قالوا : الحمد لله على فضله وكرمه ؛ يا رسول الله ...ولكن ما علاقة هذا بما حركت به شفتيك وكأنك تحدث نفسك .
قال : إن نبياً ممن كان قبلكم نظر إلى قومه فأعجبه كثرتهم وقوتهم . فقال : من يفي لهؤلاء؟ ! ومن يقوم لهم ؟! وظن أن الكثرة والقوة وحدهما كفيلتان بأن تصلا إلى النصر والغَلَبة فقال : لن يروم أحداً هؤلاء بشيء . ولا يقف أمامهم أحد ..
وهذا عجب بالنفس يبعد عن الحقيقة التي يريد المولى سبحانه أن يعلـّمناها ، فنتمسك بها . وكان لا بد من رده وقومه إلى جادة الصواب وإلى الدين القويم . وقد يكون الرد صعباً – بعقوبة - وقد يكون سهلاً – بعفو - وكل ذلك بمشيئة الله تعالى ..
ثم دعا النبي صلى الله عليه وسلم بدعائه المشهور " اللهم ردّنا إلى دينك ردّاً جميلاً " فقد كان الرد لهذا النبي الكريم الذي يحدثنا النبي صلى الله عليه وسلم ، ولقومه قاسياً وعقوبة شديدة .
قال الصحابة : يا رسول الله ؛ فما هي العقوبة ؟

قال صلى الله عليه وسلم : خيـّر الله تعالى ذلك النبي وأصحابه بأمر من ثلاثة أمور :
1- أن يسلط عليهم عدواً شديداً يحتل بلادهم ويستبيحها ، فيأسرهم ويستذلهم .
2- أو أن يعاقبهم بالجوع الشديد .
3- وإما أن يرسل عليهم الموت فيقبض منهم الكثير .
فزع النبي الكريم عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام وأصحابه إلى الصلاة والدعاء والاستغفار ، فصلوا ما شاءوا - فمن حزبه أمر فليلجأ إلى الله تعالى يستخيره ويستلهمه - وسألوا الله السداد في الاختيار .
ثم قالوا : لا نصبر على الأولى والثانية ، فما أحد يرضى أن يستذله عدو غاشم ، ولا نصبر على الجوع ، فهو موت بطيء قاتل .
ولكن نختار الموت ، فمصير العباد كلهم إلى الموت .. اللهم هوّن علينا الموت ، وارحمنا إذا ما صرنا إليك ..
قال النبي صلى الله عليه وسلم : فمات منهم في يوم - أو قال ثلاثة أيام - سبعون ألفاً .
أرأيتم كيف فضل الله تعالى أمة محمد عليه الصلاة والسلام ، فخفف عنهم ، ورفع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم ؟!
قال النبي صلى الله عليه وسلم : أما أنا فأقول : " اللهم بك أقاتل ، وبك أحاول ، وبك أصاول ، ولا قوة إلا بك " .
فقال أصحابه من بعده : اللهم بك نقاتل ، وبك نحاول ، وبك نصاول ، ولا قوة إلا بك .
وذلت ألسنتهم بها .
حديث صحيح الإسناد

الأحكام الصغرى :537
المهذب : 7/ 3699
موقع الدرر السنية : كلمة ( اللهم بك أقاتل)

اضافة رد مع اقتباس
   


إضافة رد

أدوات الموضوع
طريقة عرض الموضوع

قوانين المشاركة
غير مصرّح لك بنشر موضوع جديد
غير مصرّح لك بنشر ردود
غير مصرّح لك برفع مرفقات
غير مصرّح لك بتعديل مشاركاتك

وسوم vB : مسموح
[IMG] كود الـ مسموح
كود الـ HTML غير مسموح
Trackbacks are مسموح
Pingbacks are مسموح
Refbacks are مسموح



الوقت المعتمد في المنتدى بتوقيت جرينتش +3.
الوقت الان » 10:27 AM.

جميع الآراء و المشاركات المنشورة تمثل وجهة نظر كاتبها فقط , و لا تمثل بأي حال من الأحوال وجهة نظر النادي و مسؤوليه ولا إدارة الموقع و مسؤوليه.


Powered by: vBulletin Version 3.8.7
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd

Google Plus   Facebook  twitter  youtube