لعلها أسخف فصول المسرحية الهزلية التي وضعت نهاية لأخر ملامح الحقبة الذهبية للكرة السعودية صاحبة الهيبة والنفوذ والسيطرة كأحد أكبر معاقل الكرة الآسيوية منذ المشاركة الاولي قاريا للاخضر السعودي ، حينما انتزع الكأس عام 1984 ، ثم احتفظ بها في البطولة التالية عام 1988 ، وأصبح بعد ذلك أحد عمالقة اللعبة آسيويا ،وما من بطولة آسيوية شارك فيها منذ ذلك التاريخ، إلا وفاز بكأسها او تأهل لمباراتها النهائية علي أقل تقدير ، ما عدا مرة واحدة حينما خرج من الدور الاول عام 2004، وكانت هذه حالة استثائية في تاريخ الاخضر، وكان المرجو ان يكون الاخضر في بطولة الدوحة كسابق عهده ، ولما انقلبت الامور، وخسر امام نسور سوريا، وتم تغيير المدرب بيسيرو، واستبداله بناصر الجوهر مدرب الطواريء ، ظن الكثيرون ان الامور سوف تستقيم ، خاصة أنها في مواجهة فريق نشامي الاردن المغمور الذي كرر نفس الفوز السوري ووقع شهادة الخروج المبكر للاخضر ، وتصاعدت الامور, وشاهدنا الامير سلطان بن فهد رئيس اتحاد الكرة السعودي وأكبر رأس في الرياضة السعودية يغادر الدوحة مسرعا، ليعٌلَن بعدها عن إعفاءه بٌناء علي طلبه، وكأنه كان يستشعر ان سفينة الاخضر ستغرق في قاع المحيط الآسيوي ، لم يكن أحد يصدق ان خسارة بطولة ستطيح بأمير اعتلي هرم السلطة الرياضية في المملكة لمدة 18 عاما ، ولكن ماهي إلا ساعات ، حتي انكشفت المزيد من الاسراروخفايا الانكسار الكروي الاخضر ، فلما كانت المباراة الاخيرة في الدور الاول للاخضر امام اليابان ، تصورنا ان الفريق السعودي الذي غادر مسرح البطولة معنويا قبل المباراة، سينتفض للدفاع عن سمعته والبقية الباقية من كبرياءه والامجاد الكروية التي سجلتها بلاده، وتصورنا أنه سيلعب مباراة للشهرة وربما يجر محاربي الساموراي معه خارج سرب البطولة ، وانه قادر علي الحاق هزيمة معنوية باليابانيين ، يؤكد بها تفوقه عليهم في البطولة السابقة حينما أسقطهم في الدور قبل النهائي قبل ان يخسر معركة النهائي امام اسود الرافدين، ولكن سبحان مغير الاحوال ، سقط الاخضر هذه المرة سقوطا مروعا وخسر بخمسة أهداف نظيفة ، وهي هزيمة تضاف لسجل أسوأ الهزائم في تاريخ الاخضر ، ويقال أن منها ماحدث في سياق زمني مختلف أيام "بدائية" الكرة السعودية حينما خسر صفر/ 13 امام منتخب مصر في الدورة العربية الثانية عام 1961 بالمغرب، وكذلك خسارته1 /7 امام العراق عام 1976 في دورة الخليج الرابعة بالكويت ، وأيضا خسارته 2/8 امام البرازيل في كأس القارات الرابعة عام 1999 رغم أنه في هذه البطولة فازعلي منتخب مصر 5/1 في مباراة درامية لا تٌنسي ، أما أشهرخسائر الكرة السعودية ، فهي الهزيمة الموجعة صفر/8 امام المانيا في مونديال 2002 بكوريا واليابان ، وهي من ضمن أكبر خمس هزائم في تاريخ كأس العالم .. ولا أستدعي هذه الخسائر للشماتة او المعايرة او لتنكئة جراح جماهير الاخضر المثخنة ، ولكني أتساءل : لماذا الان – وبلا داع - هذه الكارثة الكروية الخماسية أمام اليابان للاخضر الذي تلقي الرقم القياسي (صفر/ 5 ) لاكبر فريق خاسر في البطولة ، وحتي الهند الاضعف في البطولة خسرت صفر/ 4 امام استراليا و2/5 أمام البحرين ، لماذا جاءت هذه الخسارة التاريخية للاخضر امام اليابان " العادية " التي كانت مهزومة من الاردن حتي نهاية الوقت الاصلي للمباراة وتعادلت في الوقت بدل الضائع ، والتي كانت متعادلة مع سوريا بهدف لكل منهما حتي الدقيقة 82 ، وتجاوزت نسور سوريا بشق الانفس!

ومن متابعة المباراة أقول ان الاخضر لعب بلا روح ،وبدا وكأنه يسعي للفوز، وضغط وهاجم ووصل للمرمي الياباني ولكن بسذاجة كبيرة وبتمركز متواضع وبلا إحساس بالمسئولية وخاصة لحارس المرمي الضائع وليد عبد الله المسئول عن ثلاثة أو أربعة أهداف من الخمسة بسوء تقديره لالتقاط الكرات العرضية او الامامية وعدم التفاهم مع مدافعيه او توجيههم ، أما زملائه المدافعين فقد كانوا متواضعين و تقاعسوا في مراقبة اليابانيين والحد من خطورتهم ، بالاضافة الي لاعبي وسط تائهين يلفون حول أنفسهم ،ومهاجمين بلا أنياب كان من السهل احتوائهم واسكات أي خطورة لهم ، بعض الخبثاء يزعم ان لاعبي الاخضر ، ارادوا الانتقام من هزيمتيهم امام سوريا والاردن ، فتعمدوا الخسارة في مواجهة اليابان لان فوزهم علي الفريق الياباني مع فوز سوريا علي الاردن كان يؤهل السوريين والاردنيين معا ، ولكني بكل ثقة أنفي التخاذل وتعمد الهزيمة للاعبي الاخضر، فذلك ليس من دأب وسلوك اللاعب السعودي، وكل ما هنالك أننا كنا امام فريق فاقد الثقة ومعنوياته منهارة ، ولعب بتسرع وسذاجة تكتيكية مع قيادة مهزوزة لمدربه ناصر الجوهر، مما تسبب في الكارثة خاصة مع الاهداف الثلاثة الاولي المبكرة التي جاءت علي مدي ال19 دقيقة الاولي، وهي هزيمة سببت انهيارا في سمعة وهيبة الكرة السعودية وجراحا لكل محبيها – وأنا منهم بكل تأكيد – وهذه الجراح لن يشفيها تحقيق وعقوبات وغرامات وايقافات لبعض اللاعبين ، بل الامر يحتاج إلي علاج من الجذور !

ولعلي هنا أزعم انني امتلك من الشجاعة ما يجعلني أتراجع عن رأي سابق كتبته هنا ، بل وقلته علي الهواء عبر قناة الإخبارية السعودية قبل يومين، حين طالبت بتهدئة الانتقادات الاعلامية ، وقللت من شأن أول هزيمتين للاخضر وكذلك من خروجه المبكر من البطولة واستشهدت بموقف فرنسا في مونديال 2002 وايطاليا في مونديال 2010 ، مؤكدا ان الخسائر والخروج من البطولات امر طبيعي في عالم الكرة ، ولكني أتراجع وأقول ان هناك أمورا لم تكن طبيعية في فترة الاعداد وخلال البطولة وخلال السنوات الاخيرة في أجواء الكرة السعودية تستحق البحث والدراسة المتأنية والعميقة لاكتشاف أسباب ما حدث والعمل بسرعة علي ألا يحدث مرة أخري، وربما كانت هذه الهزة العنيفة مطلوبة لتلك القلعة الخليجية والعربية والآسيوية صاحبة التقاليد الكروية العريقة التي كثيرا مارفعت رأسنا نحن العرب جميعا في المحافل العالمية وأدخلت الفخر والسرور إلي قلوبنا، وشخصيا أري وأتوقع أن الكرة السعودية قادرة علي الشفاء والعودة بسرعة وبشكل أكبر مما يحلم به الشامتون!


المصدر / كورة