لتلك الأيام التي قضيتها معك يا أمي والتي حفرت تاريخها على الوجوه :
- كيف لي أن أتواصل معها..؟
-كيف لي أن أستقي من تجاربها الحية..؟
- كيف لي أن أعزف على أوتارها لحن المعرفة..؟
- كيف لي أن أرتمي في أحضانها باحثا عن ينابيع الفرح الأسطوري..؟
- كيف لي أن أستمع في خدرها إلى سيمفونيات عودة القبطان إلى مرفئه..؟
- كيف لي أن أمازج فيها ثنائيات ديمومة المتعة..؟


لتلك الأيام التي مرغت في صحرائها ذكرياتي معك يا أمي :
-كلما علا صوتك الدافئ مناديا على تمرد الابن.
- كلما زرعت أمومتك الرائعة في طعم القبلة الحانية.
- كلما مر يوم مؤذنا برحيل علاقة حميمة عشتها.
- كلما ارتابت شقاوة الطفل في عيني لمرآك.
- كلما غردت عصافير الشوق إليك وأنا بعيد عنك يا أمي..


لطعم الأمومة المستعصي على زنابق كثيرة :
- لوهج الأمومة المغروس أنوارا متلالئة في العيون.
- لعظمة الأمومة المعلقة بجوانح الفلك المغرور.
- لكبرياء الأمومة الذي يبدد تفاصيل الحياة المائعة القاسية.
- لرائحة الأمومة التي لاينهيها طول المسافات وبعد الأرواح.


لك أنت يا أمي وأنت تتمددين بين عيني انتصارا طال انتظاره :
- لك يا أمي وأنت تتماثلين أمامي مسرحية ليس لها نهاية..قوامها : حب الأبناء..
- لك يا أمي وأنت تخطين بكل ثقل السنين المريرة على الساعات.
- لك يا أمي وأنت تقاتلين لتحصلي على سعادة لأبنائك..
- لك يا أمي وأنت روائح القلق الإنساني المعلق على صدر الحياة خوفا على أبنائك..



عندما أستقبل أنا العيد من دونك..تكونين بخوره وحلوه:
- تكونين هاجس الفرح الغض على ضفاف اللقاءات رغم البعد.
- تكونين مستودع الوله الضارب في أعماق ابنك الذي افتقدك بكل حرقة وألم ..رغم البعد.
- تكونين رذاذ الفجر فيه مفاهيم العدالة والحب يا أمي رغم البعد.


ما ذا سأفعل وأنت يا أمي الفعل نفسه؟!!:
- أنت يا أمي انشطار الروح عن عشب الحياة.
- أنت يا أمي انعتاق الحرف من قيد الوصاية.
- أنت يا أمي ارتعاد النفس لمرأى غيمة لاتستقر.
- أنت يا أمي اقتراب المزار لتيه القوافل والسفر.
- أنت وأنت وأنت..أحبك يا أمي وأفتقدك..



معذرة أمي :
- فأنا المقصر والمعاند والمغرر والنفور.
- أنا الذي لو جئت ألثم حفنة الرمل التي تمشين عليها ما بلغت..
- أنا الذي لو بت أبني خيوط الروح جسرا للتواصل ما وفيت..
- أنا الذي مهما كتبت لنور وجهك ما أجدت..
- أنا الذي يقتاتني قلقي أنك لم ترضي عني..
- أنا الذي ترتاع بي بكر الزهور ، وأنا أردد مقطعا استمعت إليه منك بلهجة العوام ذات مساء حينما فاتتني صلاة الجماعة منشغلا بفرض مدرسي وأنا ابن 8 سنوات :
الوادي الي ما يسيل إلا بغضب الله عمره لايسيل..



معذرة أمي :
- فأنا الرجل الذي سيقتلني شوقي إليك..لكني مازلت أحيا وكأنك معي بتربيتك وتوجيهاتك ورسالتك التي كتبتها إلي قبل رحيلك..
- ما زلت موجودا لأفتش في سراديب ذاكرتي الهزيلة المثقوبة عن ليلة أو ليلتين ، عن كلمة أو كلمتين ، عن حالة أو حالتين ، عن وردة أو وردتين ، عن رحلة أو رحلتين ، عن أي شيئ جميل عشته معك قبل رحيلك..
فتنفرط مسبحة الذكريات وتحضرين شامخة محبة لي كما أنتي دائما بنظراتك الحانية وعتبك الرائع ..بكلماتك المختزلة ، بمواقف الشجاعة ..بحرصك المتوارث أن أكون رجلا أفضل من كثير من الرجال..

أحبك يا أمي وأفتقدك..!!



لعالمك الواسع الذي مانسيته يا أمي منذ رحيلك..أكتب هذه الكلمات وأرجو من الله أن تكوني سعيدة في الدار الأخرى..

سأظل غصنا يظل عليك بالدعاء والبر ماحييت..وسأبقى مبتسما لأن هذه وصيتك الأخيرة إلى عبدالعزيز..

فامنحيني عفوا ..
وسأهرول في مساحات الفرح ..
ومشاهد الألفة..
لأعبر منها ومن خلالها إلى رضى الله أولا..
ورضى والدي ثانيا..
ورضى مليكي ووطني ومجتمعي وأمتي..

لله أنتِ من أمٍ عظيمةٍ فقدتها وقت الصغر..


.........................

هذه كلمات كتبتها عن أمي فجر هذا اليوم حينما ألم بي طاريها..فعصرني وكتبت هذه الحروف..ومسحتها وأعدتها ومسحتها..
حتى كتبتها بقليل من العاطفة الظاهرة - لا الحقيقية التي تعصفني عصفا - وشيئ من الحكمة التي تعلمتها من مدرسة الحياة ..لتناسب كل أحد..

أو على الأقل لاتضر إنسانا..




تحياتي لكم..

عبدالعزيز..