ربنا اغفر لي ما وقع مني مما لا يسلم منه البشر واغفر لوالديَّ, (وهذا قبل أن يتبيَّن له أن والده عدو لله) واغفر للمؤمنين جميعًا يوم يقوم الناس للحساب والجزاء.
ولا تحسبن -أيها الرسول- أن الله غافل عما يعمله الظالمون: من التكذيب بك وبغيرك من الرسل, وإيذاء المؤمنين وغير ذلك من المعاصي, إنما يؤخِّرُ عقابهم ليوم شديد ترتفع فيه عيونهم ولا تَغْمَض; مِن هول ما تراه. وفي هذا تسلية لرسول الله محمد صلى الله عليه وسلم.
يوم يقوم الظالمون من قبورهم مسرعين لإجابة الداعي رافعي رؤوسهم لا يبصرون شيئًا لهول الموقف, وقلوبهم خالية ليس فيها شيء; لكثرة الخوف والوجل من هول ما ترى.
وأنذر -أيها الرسول- الناس الذين أرسلتُكَ إليهم عذاب الله يوم القيامة, وعند ذلك يقول الذين ظلموا أنفسهم بالكفر: ربنا أَمْهِلْنا إلى وقت قريب نؤمن بك ونصدق رسلك. فيقال لهم توبيخًا: ألم تقسموا في حياتكم أنه لا زوال لكم عن الحياة الدنيا إلى الآخرة, فلم تصدِّقوا بهذا البعث؟
وحللتم في مساكن الكافرين السابقين الذين ظلموا أنفسهم كقوم هود وصالح, وعلمتم -بما رأيتم وأُخبرتم- ما أنزلناه بهم من الهلاك, وضربنا لكم الأمثال في القرآن, فلم تعتبروا؟
وقد دبَّر المشركون الشرَّ للرسول صلى الله عليه وسلم بقتله, وعند الله مكرهم فهو محيط به, وقد عاد مكرهم عليهم, وما كان مكرهم لتزول منه الجبال ولا غيرها لضعفه ووَهَنه, ولم يضرُّوا الله شيئًا, وإنما ضرُّوا أنفسهم
فلا تحسبن -أيها الرسول- أن الله يخلف رسله ما وعدهم به من النصر وإهلاك مكذبيهم. إن الله عزيز لا يمتنع عليه شيء, منتقم من أعدائه أشد انتقام.
والخطاب وإن كان خاصًّا بالنبي صلى الله عليه وسلم, فهو موجَّه لعموم الأمة.
وانتقام الله تعالى مِن أعدائه في يوم القيامة يوم تُبَدَّل هذه الأرض بأرض أخرى بيضاء نقيَّة كالفضة, وكذلك تُبَدَّل السموات بغيرها, وتخرج الخلائق من قبورها أحياء ظاهرين للقاء الله الواحد القهار, المتفرد بعظمته وأسمائه وصفاته وأفعاله وقهره لكل شيء.
هذا القرآن الذي أنزلناه إليك -أيها الرسول- بلاغ وإعلام للناس; لنصحهم وتخويفهم, ولكي يوقنوا أن الله هو الإله الواحد, فيعبدوه وحده لا شريك له, وليتعظ به أصحاب العقول السليمة.
(الر) هذه الحروف وغيرها من الحروف المقطَّعة في أوائل السور فيها إشارة إلى إعجاز القرآن; فقد وقع به تحدي المشركين, فعجزوا عن معارضته, وهو مركَّب من هذه الحروف التي تتكون منها لغة العرب. فدَلَّ عجز العرب عن الإتيان بمثله -مع أنهم أفصح الناس- على أن القرآن وحي من الله.
تلك الآيات العظيمة هي آيات الكتاب العزيز المنزل على محمد صلى الله عليه وسلم، وهي آيات قرآن موضِّح للحقائق بأحسن لفظ وأوضحه وأدلِّه على المقصود. فالكتاب هو القرآن جمع الله له بين الاسمين.