المنتديات الموقع العربي الموقع الانجليزي الهلال تيوب بلوتوث صوتيات الهلال اهداف الهلال صور الهلال
العودة   نادي الهلال السعودي - شبكة الزعيم - الموقع الرسمي > المنتديات العامة > منتدى المجلس العام > صيـد الإنترنــت
   

صيـد الإنترنــت منتدى للمواضيع والمقالات المميزة والمفيدة المنقولة من المواقع الأخرى .

إضافة رد
   
 
LinkBack أدوات الموضوع طريقة عرض الموضوع
  #16  
قديم 03/04/2010, 04:21 PM
زعيــم جديــد
تاريخ التسجيل: 07/04/2006
مشاركات: 49
الحلقة التاسعة


كما ذكرت لكم في حلقة سابقة فقد أدخل أخي إلى عيادة هارلي ستريت كلينك لتردي حالته وتم تنويمه في الطابق الثالث في الغرفة رقم 333, وهذا الطابق خاص للمرضى الفي آي بي، واستمر تنويم أخي مدة ستة أشهر متواصلة، وكانت فاتورة المستشفى لوحده 500 ألف جنيه إسترليني دفعها جميعا الأمير سلطان بن عبد العزيز شفاه الله، وجعلها شفيعا له يوم القيامة. وهارلي ستريت عبارة عن شارع يقع في وسط لندن خلف محلات دبنهامز في اكسفورد ستريت ويمتد حتى شارع بيكر ستريت بالقرب متحف الشمع من الجهة المقابلة، وتشير السجلات التاريخية أنه في العام 1860، قبل نحو مئة عام من إنشاء "وزارة الصحة البريطانية إن إتش إس" كان يوجد في الشارع نحو 20 عيادة طبية، والآن وصل عدد الذين يعملون في المجال الطبي في الشارع نحو 3000 شخص. في تلك الأيام كان الشارع مليء بالعرب المحولين للعلاج فترى الكثير من المشاهير العرب وغيرهم من المرضى البسطاء الذين يتلقون العلاج في عيادات الشارع الشهيرة. كان اسم الطبيب الذي يشرف على علاج أخي الدكتور قولد مان، بريطاني الجنسية ويهودي الديانة ويعد أحد أفضل ثلاثة أطباء في العالم في علاج مرض اللوكيميا، أما الممرضات اللاتي يعملن في المستشفى فهن من أطيب وأرق ممرضات عرفتهن في حياتي في طريقة تعاملهن الإنساني مع المرضى، فهن يغدقن الحنان على المريض ويؤدين عملهن باحترافية عالية. أما بالنسبة للميزانية التي كنا نتمتع بها أثناء فترة العلاج في المستشفى فقد كانت مفتوحة على مصرعيها، لدرجة أنا كنا نطلب بجانب العلاج المكلف، ألذ أنواع الطعام من مطاعم لندن الشهيرة الإيطالية واللبنانية والفرنسية والصينية وكله على كله، بس أهم شيء نطلب عن طريق المستشفى، كما لم ننس أن نحلي بعد كل وجبة طعام دسمة بالأيسكريم أو الكيك أو الحلويات اللندنية المترفة وجلها تجلب لنا من سلفردجز لأنها حذفة عصى من المستشفى، وكله من خير الله ثم خير أبو خالد الله يشفيه يا رب. لذا رجعت حليمة إلى عادتها القديمة فازدادت حركة رجل الزوار للمستشفى لزيارة أخي، فلم نفرق بين اللوعى على حالته من الجوعى، فاتفقت مع العاملين في المستشفى على عدم تقديم أكثر من الشاي للزوار حتى لو طلبنا أمامهم غير ذلك.

في المستشفى كانت هنالك ممرضة دبدوبة جميلة لونها وردي ووجها طفولي بريء وخدودها حمراء قانية، حبوبة تتكلم بصوت خافت جدا لا يكاد يسمع واسمها "دبي" سبحان الله دبة واسمها دبي، دبي بكسر الداء والباء وليس بضمها أحسن شي بسميها "ديبي" عشان لا تتلخبطون مع مدينة دبي. مع مرور الأيام ومن طيبتها أصبحنا نتعامل وكأننا نعرف بعضنا منذ سنوات عديدة، وصرت أحب أن أمازحها وأخبل فيها وأجننها فأمسك خديها وأشدهما بقسوة، مثل ما عمل حسين الجسمي مع حليمة بولند، لكي أزيد من حمار خديها، كانت تستلطفني كثيرا وتحب بدورها مشاكستي طوال الوقت، وعندما أزور أخي، وبالرغم من أن أنه متشدد دينيا، إلا أن من طيبتها وقبولها لدى كل من عاشرها، كان يخبرني ويقول "ترى ديبي تسأل عنك من الصبح!! شفها في غرفة الممرضات ازعجتني كل شوي داقه الباب علي" كنت أجلب لها معي الكثير من الهدايا والكاكاو الذي تحبه كثيرا من هارودز خاصة كاكو اسمه Mozart-Herz’l.

أمام غرفة أخي توجد صالة منيفة تتوفر فيها العديد من المقاعد الوثيرة، وعندما ينام أخي أجلس فيها طويلاً حتى لا أزعجه وأقوم بقراءة بعض الكتب أو استقبل بعض ضيوفه في الخارج وأصرفهم بعد ما يشربون كاسة الشاي فقط لا غير. في أحد الأيام أخبرتني "ديبي" أن أحد الأمراء سوف يتم تنويمه في الغرفة المقابلة لنا وأنهم سيصلون الساعة الثانية ظهرا، من فضولي أتيت في اليوم التالي مبكرا وعندما دخلت المستشفى وفي الطابق الأرضي لمحت الفنانة سميرة توفيق جالسة وحيده في البهو، فغيرت من اتجاهي وتقدمت نحوها مباشرة وبدت لي جميلة وجذابة كما عهدتها منذ صغري، كانت ريانة العود بشكل يضفي عليها نوعا من الفخامة والوجاهة الملوكية، وترتدي فستانا خلابا زادها أنوثة وروعة اساسه أبيض ومحلى بصور لأوراق شجر برتقالية وصفراء اللون وأخرى وردية جذابة وحذاء بكعب متوسط كأنه مفصل على نفس لون الفستان، لن أتحدث عن نحرها ولا رقبتها لكي لا أقع في المحضور، بل أكتفي بوجهها الوضاح وحبة الخال الشهيرة وشعرها الأسود كسواد الليل المنسدل على عاتقها العريض وكحلها البدوي الذي أجزم أن ألف انجليزي قد بصق على زوجته عندما رآها في ذلك اليوم. أكمام فستانها كانت قصيرة فبدت يداها المكتنزتان جميلتان تأسر الألباب خاصة عند النظر لمعصمها الذي يزينه ساعة براقة ماركة BOUCHERON. حييتها وقلت لها سلامات يا ست الكل أنت تزورين أحد هنا أم تراجعين المستشفى، ردت بابتسامة مفعمة بالأنوثة وممزوجة بعطف الأمومة، الله يسلمك، بعيد عنك معدتي تعبانة بعض الشي، صار لي شي شهر ما بوكل إلا طعام مهروس، وبعمل فحوصات هون والشفا من عند ربنا. قلت سلامات والله، بس بصراحة إلي يشوفك يقول الناس كلهم عليلين وإنت الوحيدة الصحيحة، قالت شايف كيف، أنا بخبي آلامي داخلي، ضحكنا سويا ولم أتمالك نفسي وسألتها لما رأيت بساطتها وانفتاحها في الحديث، أش الذوق الراقي يا ست سميرة!! ساعتك جميلة كثير، قالت مقدمة والله، "بلهجتنا يعني تأمر عليها، أو تفداك"، هي الساعة أخذتها من هارودز أمس، أنت أول واحد تعجبه، قلت أكيد عليك بتطلع حلوة "القالب غالب يا ست الكل"، كانت الساعة مرصعة بالألماس واسمها BOUCHERON. لم ألبث أن ودعتها بعد أن تمنيت لها الشفاء وصعدت نحو غرفة أخي وبعد ما سلمت عليه وجلست معه بعض الوقت رجعت للصالة الخارجية وانتظرت الضيف العزيز إلي بيكون جارنا في المستشفى لمدة اسبوعين قادمين، بعد لحظات سمعت واحد يقول WHATS UP … WHATS UP…... WHATS UP، نظرت لمصدر الصوت واذا بي أرى رجل صعلوك رأسه ممغوط للأعلى ودقيق من الأسفل ويتشكل مثل حبة الفول من الأعلى، لكن عندما ركزت على ما يقول، أدركت أنه لم يكن يقول تلك الكلمة الانجليزية بل كان يقول، "وسع، وسع" يعني "درب، درب"، أي إفسحو الطريق، ويا للجهالة، كان يوجه كلامه للمرضات الانجليزيات إلي في الطريق لكي يفسحوا الطريق لسمو الأمير الذي كان يمشي الهوينا خلفه وبدا لي أنه طويل القامة وفي نهاية الأربعينات من عمره وسيم ومصفف شعره بعناية ويرتدي بدلة أنيقة بنية اللون وكرفته من نوع البوبيون التي تربط كورده في أعلى القميص ويرافقه نحو ثلاثة أشخاص وسرعان ما دلفوا إلى داخل الغرفة المقابلة لنا. جلست بعد ذلك وأنا أقرأ كتاب لعبد الله القصيمي أضن اسمه "العرب ظاهرة صوتية" واضعا قدمي اليمنى على اليسرى ومسترخي آخر استرخاء انتظارا لما ستحبل به الأيام من مفاجاءات من ضيفنا العزيز القادم لتوه، وفجأة خرج نفس الشخص بتاع "وسع، وسع" ودنى مني إلى أن وقف فوق رأسي وتفرس بي لبعض الوقت ثم حول نظراته الخائبة نحو الكتاب الذي أقرأه، وتفرست فيه بدوري فبدا لي لون بشرته أبهصا كلون البرص (يسمى الوزغ أو أم صالح، حسب التساهيل) ومليئ بالنمش كأنه نمل يمشي على وجه، وحدقتا عيناه قريبتان من وسط أنفه لتزيده دمامة على دمامه، أما شعره فأحمر ومجعد كسلك غسيل الصحون، وبدون مقدمات ولا تحيات، قال نزل رقلك الأمير قاي، لم أرد عليه واحتراما للأمير غيرت من جلستي وعكستها فوضعت اليسرى فوق اليمنى في الاتجاه الآخر، ثم عاد وقال لي نزل رقلك التانية، ما ينفعش كدا، ثم أردف بتمادي، بلاش الكتاب ده دي الوقت، وكان حديثه أثناء خروج الأمير الذي جلس قبالي في المقاعد الموجودة خارج غرفته. عند هذا الحد قلت له يا محترم، ممكن تحل عن سماي "الصراحة قلت له كلمة ما أقدر أكتبها الآن، عشان كذا من هول المفاجأة فتح فمه بابتسامة يائسة وكأني أعطيته كف على قفاه، وسبحان الله، عندما فتح فمه كان أشبه بحمار يستعد للنهيق، ففي البداية فتح فمه فظهرت أسنانه الأمامية المطعجة، ثم ازداد فمه اتساعا فظهرت نواجذه وضحك بصوت متقطع أقرب للنهيق، فرميت الكتاب جانبا ودفعته من منكبه واتجهت لسمو الأمير تركي وحييته وتحمدت على سلامة أحد أفراد أسرته المنوم في المستشفى. كان سموه لطيف للغاية وبادلني السؤال عني وماذا أفعل هنا، فحكيت له الأخبار بالتفصيل، وسأل إن كنت في حاجة لشيء فشكرته على لطفه. كان "بريصه الأصفهاني" يراقب حديثنا وهو يتلون مثل الحرباء كلما نظرت إليه رأيت شكله يختلف عن النظرة الأولى، وانضم إلينا في الحديث وكنت قد وصلت للحديث مع سموه عندما سجلت في الكلية العسكرية بالرياض وكيف أني لم أتمم دراستي بالكلية حتى أرافق أخي، فشاركنا بالموضوع، وقال الحمد لله إنك ما سجلت "اصلو أنا لما كنت في الكلية الحربية بتاعتنا كنت بنط من فوق النار، وأزحف من تحت الرصاص، والطلاب بقى كلهم يغمى عليه من التعب، إلا أنا، دا الوزير كان بيقولي بس يا بريصه، بس يا بريصه، وأنا أقوله سيب يا وزير، سيب يا وزير دنا حكمل المشوار لحد ما أصل سينا" نظرت لسمو الأمير ورأيته يضحك من كل قلبه على الأراجوز بريصه وعرفت الآن وظيفة بريصة بالضبط، فهو لم يعدو سوى أرجوز ومصدر لتوسيع صدر سموه .


حدثت جاكو عن سميرة توفيق وعن ساعتها الجميلة في نفس الليلة، فتحمست جاكو للذهاب إلى هارودز والسؤال عن الساعة BOUCHERON، وفعلا ركبنا اليوم التالي الأندرقراوند من محطة البيزووتر وتوقفنا عند محطة هاي ستريت كنجنستون التي تبعد نحو 500 متر عن هارودز، وبحثنا عن الساعة حتى وجدناها في شباك أحد البوتيكات داخل المتجر العريق. دلفنا للمحل ورحب بنا البائع الأنيق ترحيبا ملوكيا، يحسبنا المسكين من زبائنه المترفين. سألنا عن الساعة فأجلسنا على مقاعد وثيرة وطلب لنا قهوة وكعكا لذيذا وأحضر مخدة سوداء جميلة مخملية بلون القط الشيرازي ولبس قفازات من حرير"لزوم النصب الراقي" ونحن ننظر لبعضنا البعض بزهو وضابطين دور أولاد الأكابر، ثم أتى بالساعة ووضعها بعناية فوق المخدة التي لو نمت عليها من طراوتها لما استفقت بعد مئة عام. بعد ذلك أضاء أربعة أنوار صغيرة موجهة نحو الساعة، وطفق يشرح لنا نحو ربع ساعة عن عدد الألماسات المطعمة بها الساعة ومن صممها وكم من الوقت استغرقت صناعتها ومن هو أباها وجدها وقبيلتها، ونحن نشرب القهوة بكل ثقة وهدوء ولم يبدو علينا الاستعجال أو أننا تورطنا بالسؤال، ثم أخبرنا بالمفاجأة الكبرى وهو سعر الساعة وكان 77 ألف باوند إسترليني فقط لا غير، يعني أكثر من 330 ألف ريال سعودي بسعر تلك الأيام، الآن بالتأكيد السعر أعلى بكثير. زطينا آخر قطعة من الكعك اللذيذ وأخبرناه بأننا سوف نفكر في الأمر "ونكلم دادي" ثم نعود له قريبا جدا وأعطيناه أرقام هواتف المستشفى خخخخخخ لأنها أول أرقام بدت لي عندما طلب المعلومات الخاصة بنا للاتصال للتأكد مما سنقرره لاحقا عندما نشاور داددددددددددددي، هيهيهيههيهيهيه يا دادي إلي بيدفع 330 ألف في ساعة ونص والحسابة بتحسب. يبقى قابلنا يا حبيبي، أنا لاقي أحلق عشان أشتري ساعة ب 330 ألف ريال، بس والله تستاهلين أكثر يا سميرة توفيق ومثل هالساعة ما صنعت إلا للناس إلي مثلك إلي يستاهلون كل غالي ونفيس.


في يوم لاحق كنت أزور المريض الذي كان مع سمو الأمير وعندما نويت الخروج أعطاني سموه رسالة في ظرف مغلق لا تحمل أي عنوان، فكرت إنه يبغاني أرسلها بطريقي بالبريد، فتساءلت "نسيت تحط العنوان يا طويل العمر؟!"، ضحك وقال لا هذي الرسالة لك حط عليها عنوان بيتك، خخخخخخ.. خرجت وبريصه يراقبني وفشخ فمه فشخة بدون صوت، كتامي هذه المرة وكأنه فقد القدرة على الكلام, وذهبت من فضولي لدورة المياه وفتحت الرسالة وهالني ما رأيت في الرسالة، كانت محشوة برزم جنيهات من فئة الخمسين باوند، حسبتها فطلع المجموع خمسة آلاف باوند، وأدركت عندئذ بأنها هدية من سمو الأمير، رحت طاير لأخوي وقلت له تعال شوف الأمير أعطانا هديه خمسة آلاف باوند، يا كثر الفلوس إلي عندنا الحين وصرت أقوله مثل سعد الفرج "بسنا فلوس، بسنا فلوس"، البطانية في مخزن الشقة انترست فلوس، والحين خمسة آلاف، يا ساتر، بيد أن أخي لم يكترث للفلوس وأبدا عدم رضاه وأعطاني مثل لم أنسه للأن "أعطى الأمير ما لا يملك إلى من لا يستحق"، قلت شلون يعني نردها له، والله فشيلة ما أقدر، أصلا لو شفته كيف فرحان وهو يعطيني كأنه هو إلي محصل المبلغ، رد علي وقال ماني ما خذ منها شي أنت بكيفك، رجعت وقلت مافيه إلا بريصه الأصفهاني هو إلي بيحلها، استنيته لما طلع وناديته بريصه، بريصه، تعال أبيك بخدمة، تقدر تساعدني وترد الظرف لسمو الأمير وتعتذر منه إنا مقدرين له كرمه بس لو يعطيها أحد يستحق أكثر منا يمكن أفضل، ابتسم بريصه ابتسامته المعهودة لكن بصوت أقرب لفحيح الأفعى هذه المرة، الظاهر لكل حالة عنده نغمة خاصة في الضحك، وقال "برافو عليك يا واد يا نديم، أنت كدا عشرة على عشرة، حتكبر كتير أقوي في عين الأمير، ويعرف إنك مش بتاع فلوس"، قلت الحمد لله طمنتني والله خفت إنه بيزعل منا إذا رديناها. وبينما أنا أتحدث مع بريصه عن ترجيع الفلوس وإذ بمفرزة من قوات الشرطة الخاصة المسماة سكوتلانديارد تسرع نحو الباب الذي يوجد به المريض من عائلة سمو الأمير فتدفع الباب بعنف وأنا وبريصه نرقب المنظر بدهشة كبيرة ، حاول بريصه من هول الصدمة والخوف أن يتسلل بخفة ويلوذ بالفرار وسط الزحمة والربكة فدعست على قدميه حتى لا يتحرك ولاحظت أحدى الشرطيات أنه يحاول الهروب وقالت له YOU ARE GOING NOWHERE ، أي إبق مكانك ولا تغادر البتة. كان يبدو على سمو الأمير الهدوء التام وهو يضع رجلا على رجل ولم يتحرك من مكانه ولم يعلق على الطريقة المشينة التي داهمت بها الشرطة غرفة المريض في المستشفى، وكان في تلك اللحظات السفير المصري متواجدا لزيارة سمو الأمير في نفس الغرفة، فقام من مكانه وعرف بنفسه واستنكر الذي يجري، رد عليه الضابط بأن هذا موضوع لا يخصه من قريب أو بعيد كسفير، وأوضح الضابط بأن هنالك بلاغ بوجود أسلحة خطيرة في هذه الغرفة، ابتسم سمو الأمير وأخرج لهم بهدوء الهدية التي أتى بها لأبنه وهي عبارة عن لعبة رشاش تفحصها البوليس بدقة وهم في غاية الإحراج فأكتشفوا الخطأ الكبير الذي وقعوا فيه واعتذروا بأشد أنواع الاعتذار ولم يسلموا من تقريع السفير المصري الشديد لهم، وعند هذه النقطه هاج وماج بريصه بعدما شعر بالأمان وقال سبهم لي يا سمو الأمير دنا حخرب بيتهم، إزاي يتقرأو يعملوا كدا هي سايبة وإلا سايبة، أنا حا أخذ حقك منهم، دنا هرد لهم الاهانة الي ما ينسكتش عليها، قاله الأمير بكل برود انثبر، رد بريصه "حأنسبر إن شاء الله.

وفي اليوم التالي شرح لي بريصة خلفيات القصة وهي أن الممرضة الخاصة بهم والتي كانت تستلم بخشيشا 200 جنيه كل صباح، لاحظت الهدية التي أحضرها سمو الأمير لابنه فحسبت أنها رشاش حقيقي فبلغت البوليس، وكانت تلك السنة هي السنة التي قتلت فيها الشرطية البريطانية ايفون فليتشر اثناء مظاهرة امام السفارة الليبية في لندن برصاصة قالت السلطات البريطانية وقتها انها اطلقت من داخل السفارة الليبية والتبس الأمر على الممرضة التي كانت تشك في كل العرب ولا تفرق بين ليبي أو سعودي أو مصري.

عرفت بريصه على أخي المريض لعله يسري عنه بنكته المتواصلة وبشلخاته التي تهتز لها الجبال وعندما رأه أخي يضحك بطريقة غريبة وكأنه ينهق وينقطع نفسه شك بأن به مس من الجان وقال له سوف أرقيك لعلك تشفى يا بريصه، ما قولك؟، أجاب بريصه، لك ما شئت يا مولانا وسلم ناصيته لأخي وبدأ يقرأ عليه المعوذات وينفث عليه ضاغطا على ناصيته وقابضا على شوشته الحمراء في نفس الوقت، ويبدو لي أن أخي قد ضغط عليه أكثر من اللازم، فتضايق بريصه وبدأ يتململ ذات اليمين وذات الشمال وتصدر عنه حشرجة وكأنه يريد أن يعض يد أخي التي تسحب شوشته، فحسب أخي أن المارد هو الذي يتململ وأنه سوف يخرج لا محالة، فقال أنطق، تحدث قل من أنت، من أنت، أنطق،،،،أنطق أيها الجان، لماذا تلبست بعبد الله بريصه الأصفهاني، حلفتك بالله أن تنطق فمن أنت، رد بريصه المسكين بصوت يكسر الخاطر، أنا بريصه يا مولانا...خخخخخخ، فضرب أخي صدره بقفا يده ونفث في صدره وقال داوم على الإذكار تشفى باذن الله يا بريصه. عدنا على المقاعد وتمدد بريصه وهو يتنفس الصعداء، وسألني إيه الإذكار يا عم نديم، وشرحت له إذكار الصباح والمساء، قال مش لما نصلي بالأول، قلت له يعني ما تصلي يا بريصه، حسبي الله عليك، الله يهديك بس. نام أخي قرير العين بعد أن قرأ على بريصة وأتت "ديبي وتطمنت على المغذي والأدوية المحقونة بوريده، وغطته بالبطانية وأتت عند قدميه وغطتهما وكان فوق قدمي أخي تلفاز معلق بالسقف يرتفع نحو نصف متر فوق رجليه وبعدما انتهت "ديبي" من تغطية قدميه رفعت جسمها وانتصبت فاصدم رأسها من الخلف بالتلفاز وهوت مغمى عليها فتلقفتها بين يدي ومددت جسمها على الأرض وحاولت أن أعطيها اسعاف سريع CPR، مع تنفس صناعي سريع تعلمته في ثانوية الخليج في الدمام!!! ، نعم شكلي قلت شيء غلط، معقولة في ثانوية الخليج، قصدي في مدرسة اللغة الانجليزية في لندن، ولاحظت بريصه يتسلل بخفة من خلفي وتوقعت أنه يريد الهرب مرة أخرى فحنقت عليه كيف يتركني هذا الأرجوز في هذه اللحظات العصيبة. لكن بينما أنا مشغول بإعطاء "ديبي" قبلة الحياة انفجرت ضاحكة في وجهي وكأنها هي التي خرج منها المارد وليس بريصه، كانت تضحك لأن بريصه الحمار عندما تسلل من خلفي ذهب مباشرة للهاتف ودون احساسي به لهول الموقف واتصل بالطوارئ 999 وطلب سيارة اسعاف ولما سألته الشرطه عن العنوان أعطاهم عنوان المستشفى، يعني بريصه حبيب قلبي كان يطلب اسعاف يجي على عنوان المستشفى عشان نركبه وناخذ لفه على الكورنيش وبعدين نرجع لنفس المستشفى لتلقي العلاج!!!!!! ، لكنه بغباءه الشديد كشف خطة "ديبي" الجهنمية من حيث لايدري، فهي لم تكن مغمى عليها حقيقة، ولكن عملت التمثيلية لحاجة في نفسها، بيد أن حظها العاثر أوقعها مع بريصة المشؤوم وأكلت علقة خفيفة على علباها طلعت أكثر من بيع السوق.


بعد أن أنهى مريض بيت سمو الأمير فترة العلاج في المستشفى خرجوا بالسلامة فودعتهم وحزنت والله لفراقهم لأنهم ملؤوا الجو حركة في المستشفى وآنسوا وحشتنا وبيني وبينكم حبيت بريصة من كل قلبي وحسدت الأمير على وجود رجل مثله معه يسري عنه بعفويته ونصبه وضحكته الحمارية. وعندما غادر الأمير ودعني بكلمات رقيقة ولهول المفاجأة أعطاني رسالة جديدة وهو يضحك وقال إنت عارف العنوان زين المرة هذي صح،،،ترددت وقلت صح يا طويل العمر شكرا لك من أعماق قلبي، وأسرعت إلى نفس التواليت وفتحت الظرف وحسبت الفلوس الموجودة وجدتها 8 آلاف جنيه هذه المرة، أكثر من المرة الأولى، حسبي الله عليك يا بريصة الأصفهاني شكلك لطشت الخمسة ألاف باوند وما رجعتهم للأمير.

يتبع



بعدين بقلكم كيف بريصة استقبلني في مصر في مدينة الشيخ زايد وكيف أكرمني وكيف تحول إلى رجل درويش لا يفارق المسجد وبتاع ربنا على قولة أخوانا المصريين
اضافة رد مع اقتباس
  #17  
قديم 04/04/2010, 04:30 PM
زعيــم جديــد
تاريخ التسجيل: 07/04/2006
مشاركات: 49
الحلقة العاشرة

قابلت الأمير بعد مدة من مغادرتهم المستشفى ولم يكن في معيته بريصة وأخبرني بأنه لم يعد يعمل معه بعد الآن وأنه قد استقر به المقام في مصر وقد تغيرت أحواله بسبب ظروفه عائلية خاصة، ولم أكثر السؤال عن ماهية تلك الظروف أو عن عنوانه ونسيت موضوعة تماما، لكن الظروف تسنت لي للوصول إليه عندما حصلت على دورة متقدمة في الجامعة الأمريكية في القاهرة مع بعض الزملاء وكان عددنا 14 شخص في العام 1994 تحديدا، بعد عشر سنوات بالتمام والكمال من عملية النصب التي قام بها بريصة في هارلي ستريت كلنك.

وللإلتحاق بالدورة في مصر التي بدأت في شهر فبراير سبقني جميع أصدقائي بالسفر بالطائرة، أما أنا فقررت السفر بسيارتي الجديدة البي إم دبليو 740 الكحلية الأنيقة والتي لم يمض على شرائها شهرا لأني حبيت أن أتمتع بقيادتها في شوارع القاهرة. فقمت قبل موعد السفر بشراء الكثير من الملابس الأنيقة والهدايا والعطورات والبخور وجلها أحضرتها لأني كنت متأكد بأني سأجد من أهديها إليه لاحقا. وضعت جميع الأغراض بالسيارة في الليل على أمل أن أبدأ الرحلة في صباح اليوم الباكر. لكن بسبب سعادتي وأنا أفكر في الرحلة القادمة وما ستحبل به الأشهر الطويلة القادمة في قاهرة المعز من مغامرات، لم يأتيني النوم حتى الساعة الثالثة فجرا، فقمت من سريري وغيرت ملابسي وأطلقت العنان للسيارة من مدينة الخبر متجها نحو القاهرة. استمريت في القيادة حتى وصلت منهكا لمدينة بريدة في الساعة الثانية عشر ظهرا، نمت في فندق يمشي الحال حتى المساء ومن ثم واصلت السير إلى أن وصلت مدينة حائل ومنها اتجهت لمدينة تبوك التي بتعد عنها نحو 650 كلم، وهي منطقة صحراوية موحشة وقفراء ذات طريق مفرد ولا توجد به خدمات إلا ما ندر،وتوجد بها مدائن صالح وتشمل عدة كهوف ومقابر منحوتة في الجبال لأقوام حكموا وعاشوا في هذه المنطقة من آشوريين وأنباط ورومان وعرب، وقد قال الله عنهم في القرآن الكريم (ولقد كذب أصحاب الحجر المرسلين وآتيناهم آياتنا فكانوا عنها معرضين، وكانوا ينحتون من الجبال بيوتاً آمنين فأخذتهم الصيحة مصبحين، فما أغنى عنهم ما كانوا يكسبون)، وعند الساعة الواحدة ليلا توقفت عند محطة مظلمة لونها بلون طين الهجير المتفطر ومكائن ضخ البنزين صدئة متهالكة مائلة متمائلة فملئت خزان وقود السيارة وتوجهت للبوفيه داخل بيت طيني وباب خشبي متهالك موجودة في وسط المحطة وطلبت شاي ليساعدني على الاستيقاظ أثناء القيادة. نظرت نحو سيارتي وأنا أنتظر العامل يسكب الشاي من أبريق أصفر نحاسي مطعج من كل الجهات، وإذ بي أشاهد رجلا بالقرب من سيارتي، أشعث أغبر وأحدب الظهر يلمس سيارتي ثم التفت إلي بنظرة مريبة ومخيفة لم أكترث له كثيرا وودت أنه لم يمس السيارة لأنها كانت جديدة وكنت أحافظ عليها كثيرا تلك الأيام، فأخذت الشاي ونظرت مرة أخرى نحوه فلم أجده وتعجبت كيف أختفى بهذه السرعة. ركبت سيارتي وتحركت مسرعا لا ألوي على شيء من هذه المحطة المظلمة كقلب كافر، وأضئت النور الداخلي، وتفحصت المقعد الخلفي بالمرآة العاكسة على سبيل الاحتياط فقط. شغلت شريط أم كلثوم واسترخيت طوال الطريق الطويل والذي يبدو أنه لا نهاية له وأنا أستمع إلى أغنيتها الخالدة التي تصدح بأحلى الكلمات" رجعوني عنيك لأيامي اللي راحوا *** علموني أندم على الماضي وجراحه ***اللي شفته قبل ما تشوفك عنيه *** عمري ضايع يحسبوه إزاي عليه"، وبعد نحو ساعة وأنا قي قمة الاسترخاء، سرحان وأفكر في المغامرات القادمة التي ستحدث في أزقة وفنادق القاهرة ونيلها وحول الهرم، فأخذني الأفكار حتى تخيلت أني اسير وسط وادي الملوك وأتجول بين قبور الفراعنة في الوادي الصخري المحاط بالتماثيل والتعاويذ التي يعتقد الفراعنة أنها تحمي قبور ملوكهم فتبسمت منتعشا لهذه التخيلات اللذيذة، لكن فجأة ظهر لي شيئا وسط الظلام شل تفكيري ووقف له شعر رأسي وكدت أنحرف بالسيارة من الرعب الذي أصابني، فقد ظهر لي نفس الشخص الذي رأيته قبل ساعة في المحطة الموحشة وهو يقف في نصف الطريق وبدت لحيته الكثة وأسنانه ظاهرة كأنياب ذئب متوحش وعيناه المريبة ازدادت حمرة، كل ذلك حدث في جزء من الثانية لكن صورته انطبعت في مخيلتي بكل تفاصيلها، فأصبني الهلع الشديد وخشيت أن يكون عفريت من الجان لأني كنت قد قطعت إلى الآن نحو 150 كلم ولم أمر على أثر لوجود حياة أو إنسان أو حتى نار مشتعلة، فكيف وصل هذا المسخ إلى هنا ولماذا وقف وسط الطريق، وبسرعة وبفعل الخوف والرهبة أستبدلت شريط أم كلثوم ووضعت بدل منه القرآن الكريم بصوت الشيخ عبد الباسط عبد الصمد حتى وصلت لمنطقة جبلية ومنعطفات تلتف كأنها ثعبان ولا أعلم أين تقع على الخريطة التي معي واستمريت بالسير لنحو 10 كلم أخرى ثم أنبسط الطريق مرة أخرى وكنت أتمنى أن أجد أثر للحياة أو محطة وقود أو أي شيء أتوقف عنده حتى يهدأ روعي ويطمئن قلبي. وتذكرت وأنا أستمع للآيات الكريمة وحشة القبر عندما ينقطع الإنسان عن الناس والدنيا وكيف يكون حاله عندما يكون وحيدا ليقابل مصيره الحتمي تحت التراب والظلام الدامس، ولكني بدأت أشعر ببعض الطمأنينة عندما ظهرت في جانبي سيارة عراوي وبها شخصان ويضيئها نور أحمر خافت، فتجاوزاني ونظرت للسرعة لدي فكانت 140 كلم في الساعة، ارتحت بعض الشيء لوجود بشر بالقرب مني ولكن ذلك لم يدم طويلا، فقد اختفت السيارة بعد مدة في الظلام ثم أتت سيارة أخرى شبيهة لها تماما وتجاوزتني فازدادت دقات قلبي أكثر فأكثر وأحسست أن هنالك شيء غير طبيعي في تلك السياراتين، فقررت أن أتجاوزها بدوري فزدت من سرعتي وأنا أنظر إلى من بداخلها لأرى تحت الأضواء الحمراء الخافتة قزمان أجزم أنهما بطول طفل في الرابعة من العمر يضحكان ضحكات شيطانية من كل قلبهما وكأنهما يقولان شاركنا الضحك . فتعجبت كيف يمكنها سياقة السيارة وماهي سر تلك الضحكات التي تخلع القلب من مكانه، فاستبدلت شريط عبد الباسط عبد الصمد ووضعت سورة البقرة بصوت الشيخ العجمي، وتجاوزت السيارة بسرعة قصوى وألقيت عليهم نظرة أخيرة في المرآة العاكسة وقد اختفوا بعيدا عني، ولكن ويا للهول فبعد أكثر من ربع ساعة من تجاوزهم وأنا أقود بسرعة عالية وجدت السيارة الأولى أمامي، فزدت من السرعة حتى اقتربت من 200 كلم وتجاوزتها دون أن أجرأ حتى أن أنظر إليها فسطع ضوئها الأحمر بقوة علي وأضاء قمرة القيادة حتى أني رأيت قدماي واضحتان وعليهما ظلال قرني شيطان، ولكن المفاجأة التي كادت أن تقضي علي وتنهي كل شيئ في تلك اللحظة أن ظهرت سيارة أخرى ثالثة مماثلة أمامي وبها نفس الأشخاص ونفس الضوء الأحمر، فأحسست أني قد دخلت وادي التيه وخرجت من دائرة الزمان. كان قد بقي عن صلاة الفجر نحو ساعة فصرت أدعو الله أن يأتي بنور الصباح حتى تنتهي هذه الليلة المرعبة الطويلة وأنا وحيدا وجلا في قلب هذه البيداء التي لا نهاية لها أردد الأيات مع الشيخ العجمي، لكن ولله الحمد أتى الفرج عندما ظهر على مد البصر بصيص ضوء خافت في نهاية الطريق ففرحت واستبشرت خيرا وعادت الطمأنينة لي شيئا فشيئا وقررت التوجه إلى المكان والبقاء به حتى يشع نور الصباح. كان المحل الذي قصدته هو محطة تقوية للهاتف السعودي السيار الكحيان في تلك الأزمان، فتوقفت بالقرب منه وأطمأننت حينما وجدت عدة سيارات للهاتف وشخص مسلح يقوم بسكب ما بقي من القهوة على الرمال. وقفت في جانبه وكان ينظر إلي بحذر وأنا بدوري أنظر بحذر أكثر منه، سلمت عليه ورد التحية وقلت هل تسمح لي بالجلوس معكم حتى الصباح، رحب بي وقال حياك الله، تفضل صلي معنا الفجر وافطر ثم توكل على بركة الله. جلست معهم وكانوا نحو خمسة أشخاص وذكرت لهم قصتي، فأخبروني أني لست أول شخص يتوقف لديهم بسبب شعوره بالخوف والرهبة، بل في بعض الأحيان يأتي إليهم أكثر من خمسة أشخاص ومعهم سلاح ويطلبون الاستئناس معهم مثلي حتى الصباح. بعد الافطار وخروج الشمس استعدت ثقتي بنفسي وأكملت طريقي ووصلت إلى مدينة حقل على البحر الأحمر قرب الحدود الأردنية في السابعة صباحا، وسرعان ما نسيت العفاريت وشغلت أغنية لعبد الله الرويشد "على ايش نتفاهم وحبل المودة بيننا مقطوع" .

ومن مدينة حقل الصغيرة التي تقع على في شمال البحر الأحمر يستطيع الشخص أن يرى مصر والاردن واسرائيل وهو واقف في نقطة واحدة، فتوجهت منها شطر مدينة العقبة في الأردن وفي الجمارك الأردنية البدائية فتشني كهل أردني يلبس بدلة وعليها شماغ وعقال وطلب مني في العودة أن أحضر له هدية عبارة عن جزمة مقاس 43، صدقوني هذا ما طلب، ويا ليتني وفيت بوعدي له لأني حسيت أنه رجل طيب ويستحق والله التقدير، فهو كبير في السن ويظهر أنه قد عانى كثيرا من شظف العيش. وفي ميناء العقبة التي تنطلق منها البواخر والعبارات نحو مصر كان موعد أول باخرة ستبحر نحو ميناء نويبع في صحراء سيناء عند الساعة الثالثة عصرا، فاستقليتها بعد أن دفعت 1000 ريال فقط رسوم السيارة والتذكرة وكان اسم الباخرة "حقوق الإنسان". عندما ركبت الباخرة كان قد مر علي يومان لم أنم سوى ساعات بسيطة لا تتعدى الخمس ساعات، فأدخلت سيارتي في قعر السفينة وتوجهت للأماكن المخصصة لركاب الدرجة الأولى وأخذت جولة سريعة في عبارة حقوق الإنسان التي يعود تاريخ صناعتها للستينات الميلادية واتجهت للطابق العلوي ودخلت عن طريق سلم قصي يؤدي لسطح آخر فوق دكة العبارة، فرأيت باب يشبه زنزانة السجن تماما وعليه سلسلة عظيمة كالتي تربط بها أرجل الأفيال وقفل في مقاس شنطة مدرسية متوسطة الحجم وخلف الأسوار ينتشر عمال صعايده مسحوقين ومتناثرين فوق سطح السفينة وكأنهم يقضون فترة عقوبة مع الأشغال الشاقة. كان الهدف من سجنهم في الأعلى هو عزلهم عن بقية المسافرين وكأنهم ليسوا بشرا مثلنا، وهذا دليل بأن جنوح السفن والعبارات التي تنقل البشر من وإلى مصر وآخرتها عبارة السلام هو بسبب جشع أصحاب تلك البواخر وعدم وجود من يدافع عن هؤلاء البسطاء المسحوقين.

نمت في الباخرة من الساعة الرابعة عصراً حتى الثانية عشر ليلا، وعندما وصلنا جمارك نويبع تعرفت على شخص من قطر اسمه عبد الهادي ويعمل كاتب عدل في محكمة الدوحة ولديه سيارة موستنج سوداء واتفقنا أن نكمل المشوار سويا، وطالت اجراءات الجمارك والتفتيش والبخشيش الذي لا ينقطع حتى أذان الفجر، كل شيء عليه جمارك، نوعية الاستيريو الفخمة، نوعية جنوط السيارة، فتحة السقف، ما باقي إلا شراريبي ياخذون عليها جمارك، حتى شكيت والله إنهم كميرا خفية، وكله من غير أوراق أو وصولات، إدفع تنجو، تلكأ في الدفع تنام في الجمرك، بعدها انظلقنا وسط صحراء سيناء باتجاه القاهرة دون عفاريت هذه المرة برحلة طولها نحو 500 كلم. في الطريق إلى القاهرة تغيرت المعالم كثيراً، ففي الأمس كنت أرى سيارت الجمس المتروس حريم وبزران وسيارات الكابريس والجيب والليموزين السعودي، وهأنا بعد يوم واحد فقط أتجاوز السيارات من نوع فيات ونصر وتكسي البيجو الأسود والأبيض المصري الشهير والكتابات الجميلة عليه، صلى على النبي، يا ناس يا شر كفاية قر، أبو محمود وسارة، يا تعدي يا تهدي، آكلك منين يا بطة، وناس رايقة وتحب الحياة مش مثلنا رسميين لو تنظر عند الإشارة لأي واحد تراه متجهم وجاحظ العينين وكأنه في طريقه لمستشفى الأمراض العقلية. كنت أعلق المنبه لهم وأحييهم "صباح الورد يا قدعان" وهم يحيوني بفرح ويقولون "نورت مصر يابيه، يا أمير"، فالمصريين أكثر أهل الأرض "عشرية" بل أن مصر هي البلد الوحيد في العالم الذي لا تحتاج أن يرافقك إليها صديق. إذهب إلى أي قهوة شعبية إن كنت وحيدا واسحب بكل ثقة كرسيا وسطها وأسأل أقرب شخص بجانبك، "كم الساعة يا أفندم" واعلم رحمك الله، أن المصري لن يعطيك الجواب بسرعة أو ببساطة كما تتوقع، بل سوف يقول لك "عايزها كم يا أفندم، منور والله مصر، حضرتك من فين" ثم يدخل معك بحوار طويل في السياسة والكورة والاقتصاد والحج وقبر النبي (ص)، طبعا غني عن القول بان المصري موسوعة بكل شيء، خخخخخ ، وبعدين يعزمك على الشاي"واللب والسداني" "فصفص وفول سوداني" واليوم الثاني ممكن يعزمك على بط ووز واليوم الثالث يزعل لو ما مريت عليه أو سألت عن أحوال خالته إلي أخبرك أنها عيانة وكأنك نسيت العشرة إلي بنكم، وعلى النقيض من لندن ومن الانجليز، فلو سألت رجلا انجليزيا عن الساعة، فسوف تسمع إجابة مقتضبة وكأنها رصاصة إنطلقت من فمه ولن يكرر لك الجواب إن لم تسمعه وسوف يختفي من حياتك وسط الزحام ولن تراه مرة أخرى ما حييت أبدا. ومن الأشياء الجميلة التي رأيتها في سيناء هي آثار حرب 73 التي قادها السادات رحمه الله بحنكته ودهائه، فتجد مئات الدبابات الإسرائلية محطمة ومحترقة وصدئة بفعل الزمن، والجميل بأن أغلب فوهاتها متجهة نحو الشمال الشرقي، أي أنها كانت في حالة إنسحاب إلى اسرائيل، مما يرد بعض الثقة للعربي المعاصر بأن خير جند الله في الأرض متى ما توفرت لهم الظروف المناسبة والقيادة الصادقة، فلن تجد أشجع ولا أدهى منهم في الحروب.

وصلنا مع شروق الشمس للقاهرة واتجهت أنا وعبد الهادي لفندق ماريوت وحصلنا على غرفة تطل على حديقة الشاي والمسبح ب 55 دولار فقط، يعني كل واحد يدفع حوالي 27 دولار، لذلك شاركت بشهر كامل هو مدة وجود عبد الهادي من قطر بالرغم من وجود سكن لي في الدورم (سكن طلاب الجامعة الأمريكية في القاهرة).

في اليوم التالي اتجهت لسكن الجامعة الذي يقع في نهاية شارع شجرة الدر في حي المهندسين الحي الذي كان يعد في أربعينات القرن الماضي من أحياء القاهرة الراقية، وأشهر شوارعه شارع جامعة الدول العربية وشارع أحمد عرابي و شارع 26 يوليو، ووجدت جميع رفاقي قد وصلوا بالسلامة على الخطوط المصرية وحكيت لهم ما حصل لي من أهوال في الطريق بين حائل وتبوك وحقل، وأخبرني أحدهم بأنه سيعود معي في نهاية الدورة ولن يدعني أغامر في العودة لوحدي. كان سكن الطلاب جميل بناه كما توضح لوحة الشرف المعلقة في مدخله كل من القصيبي والجريسي وأحمد عبد اللطيف جميل، وهو مكون من جناحين، جناح للطلاب وجناح للطالبات وفي الطابق الأرضي، في أقصى البهو يوجد مطعم جميل خاص بالطلاب المقيمين القادمين من أنحاء العالم.

في البداية "كش" منا جميع الطلاب والطالبات لأنهم لم يستسيغوا هؤلاء الغزاة الجدد الأعراب الأقحاح أحفاد عدنان ومعد وقضاعة وطي ومضر الذين يختلفون عنهم في المظهر والسن والملبس، خاصة أننا احتلينا ركنا مميزا في البهو وقلبناه إلى سوق عكاظ نتباهى فيه بمفاخرنا فتتعالى أصواتنا المتشنجة أثناء أي حديث مهما كان تافها حتى لو أردنا شراء سندوتش فلافل بدون شطة نحدث جلبة وازعاج ونعيق فيسمعنا آخر طالب تعيس الحظ في البهو أكثر مما يسمع للشخص الذي يجلس معاه في نفس الطاولة والذي قد يكون يتحدث معه عن تكنولوجيا النانو. وجل مواضيعنا التي نناقشها مستهلكة وبيزنطية الطابع مثل مواضيع سياقة المرأة وأننا أفضل بشر في العالم وشعب الله المختار وغيرنا يخشى عليه من عذاب النار. لكن بعد مدة تمكن "بعض الخارجين عن الجماعة" وعددهم أربع وأنا كبيرهم بالطبع من كسر الحاجز النفسي الوهمي وتعرفنا على شيرل كندية مسلمة، وسمر سورية، وهيفاء وهبة لبنانيتان شقيقتان، وتبثا سامنثا أمريكية، وسهيل ودانيال سعوديان رغم أن اسم دانيال غير عربي فهما سعوديان من جدة.

كسرنا الحاجز النفسي وسحبنا على الركن السعودي الممل الفوضوي وانضممنا لاصدقئنا الجدد وأصبحنا نذهب للجامعة سويا ونعود فنقضي أجمل الأوقات في ركوب الخيل في صحراء الهرم أواستئجار البواخر النيليلة والسهر في الأماكن الراقية مثل ورلدز ويندو، وهو مطعم راقي في أعلى هلتون رمسيس أو في ماريوت والفنادق الأخرى الراقية. مع مرور الأيام بدأت أميل لهبة اللبناية وجذبني إليها بالاضافة لجمالها ذوقها الرفيع ورزانتها وكذلك ثقافتها العالية. لكني لم أظهر لها شيئا من ذلك بل عزمت أن أحول إعجابي بها إلى نوع من "التلذذ بالحرمان ،،،،، لن أكمل هنا".!!!!..

لذلك قمت بعمل اتفاق مع صاحب محل للورود في بداية شارع شجرة الدر المتفرع من شارع 26 يوليو وقريب من السكن باحضار باقة ورد كل يوم الساعة الثالثة ظهرا ويضعها في الاستقبال باسمها، فكان يرسلها مع "الصبي بلية" على دراجته الرشيقة، وللطرافة كان أحد زملائنا الطيبين والمتبسطين في حياتهم اليومية وهو من الناس الذين أعتز بصدقاتهم، كان قد اتفق مع صاحب محل فراخ بجانب محل الورد بأن يحضر فرختين عليهم القيمة يوميا لعمل كبسة محترمة يوزعها على بعض الشباب من نفس المجموعة. لم يكن الطبخ مسموح به في السكن لأسباب تتعلق بالسلامة ولوجود مطعم في الطابق الأول ولكن حبيبنا أبو عبد الله حصل على استثناء من الظابط برتبة عميد المسؤول عن أمن السكن لطبخ وجبة عشاء فرختين يوميا مع رز المهيدب طويل الحبة على شرط أن يحصل الضابط على صدر أو فخذ فرخة بالرز المعمر يوميا. "الصبي بلية" أصبح يأتي كل يوم بفرختين وبوكيه ورد، يضع على يمين المقود الورد وعلى يساره الفراخ وهو يفرق بينمها في الدريكسو حتى لا تختلط رائحة الورود بزفر الفراخ والله أعلم، فيسلم الفرختين لحراس الأمن لتتجه لأبي عبد الله مباشرة فيشرع بعملية الطبخ بمزاج عالي، بينما يتجه بوكيه الورد إلى الغرفة رقم 242 في قسم البنات. كنت أؤوكد على صاحب محل الورد دوما بأن لا يفشي السر وقد حافظ عليه تماما مع الإكرامية المتواصلة بطبيعة الحال. كنت أصرف كالعادة كل ما لدي من أموال في مقابل أن أتمتع بمباهج الحياة دون زلل لأقصى حد، وبالرغم من أن كل واحد منا كان يستلم في تلك الأيام مبلغ يصل نحو 18 ألف ريال سعودي بالإضافة إلى مبلغ 30 دولار كمصروف جيب يومي وسكن مجاني، إلا أني بسبب تلك التصرفات أصبت بالفلس قبل يومين من نهاية الشهر فإتجهت إلى صديقي العزيزي الذي يسكن معي بالغرفة واسمه سامر، وطلبت منه ألف جنيه ليومين فقط حتى تأتي المهية آخر الشهر، فرد علي يا عمي مجنون أعطيك، إحنا نقول فرصتنا في هذا الكورس بنطلع بأربعين أو خمسين ألف ريال وأنت تفلس من أول شهر، روح يا حبيبي انتبه لفولسك، قلت له لا تعطيني فلوس بس يرضيك ينقطع بوكيه الورد عن هبة، فقفز من مكانه وقال أفا عليك وأنا أخو حصة، والله ما ينقطع الورد عن هبة لين ينقطع نهر النيل، قوم معاي البنك وصرف لي ثلاثة آلاف جنيه وقال لا تنس تختار ورد زين لبكرة والله الله باللون الأحمر، كثر منه، خخخخخخخخ.

كانت البنت اللبنانية تفتخر بالمعجب الخفي أمام جميع البنات وأمامنا نحن الشباب ويبدو أنها لم تدرك أني أنا العاشق الهيمان إلي يستاهل قرص الوذان. ومن غيرة البنات منها قامت بعضهن باهداء انفسهن وردا وادعين أنه من عاشق آخر هيمان وخفي وكمان في حبهم غلبان، فتقاولن مع صاحب الورد حتى امتلاء الرسبشن بالورود فحسب بعض المارة في الشارع أن السكن تحول إلى محل لبيع الورود فقصده العرسان يبحثون عن كوشات وزينات، وزوار المرضى عن بعض الوريدات، ولكن حبل الكذب قصير ولم يمتد سوى اسبوع أو اسبوعين والصبورة من امتد بها الحال لشهر من الخيال، خخخخخ .

كان من ضمن الأشخاص الذين تعرفنا عليهم شاب سوري يدعى باسل وهو ولد معجباني ترعرع وتقرع شعر رأسه في مدينة الخبر، وسيم وجسمه رياضي ويحلق شعره على الصفر يوميا ويدعوه المصريون ب"زلبطة" يعني قرعة بلغتنا. وفي أحد الأيام كنا نتسامر وهبة تضع بوكيه الورد بكل فخر بحظنها ولكنها لما قامت سلمته إلى باسل وقالت خذ هذه الباقة لك فقد امتلئت غرفتي بالورود وأخذها باسل وتوجه بها لغرفته وعاد عندما أوشك وقت العشاء وبدأنا نحضر الطعام اللذيذ من المطعم في الطابق الأرضي. لم يرق لي ما فعلته هبة فقررت أن أقوم بمغامرة مجنونة فتسللت دون أن يشعر بي أحد وكأني ذاهب إلى دورة المياه، وهذه الطريقة استوحيتها كذلك من قصة شورلك هولمز المشوقة "مغامرة إكليل العقيق" التي يقوم خلالها القاتل بالتسلل من طاولة الطعام فيقتل الضحية ويعود لإكمال العشاء وكأنه ذهب لدورة المياه ليكون الجميع شهودا بأن القاتل كان معهم أثناء وقوع الجريمة، ذهبت وكان يفصل بين السكن الخاص بالشباب عن سكن البنات ساحة تتوسطها نافورة جميلة، نظرت فوجدت معظم الشبابيك مفتوحة في الجهتين ومن ضمنها شباك باسل وشباك هبة، فقررت تنفيذ الخطة التي طرأت لي وأقتربت من مواصير تصريف المياه وتسلقتها بخفة ودخلت غرفة باسل ووجدت البوكية فحملته ورأيت بيانو جميل في غرفته ثم وجدت ورقة وقلم فأخذت الورقة وكتبت الجملة التالية "لو أخذت الورد ثاني مرة كسرت البيانو فوق رأسك يا زلبطة، التوقيع زنهم أبودراع، فتوة الحسين "خخخخخخ، وربطت الورد في حزام بنطلوني ونزلت بسرعة بعد أن أخذت في جيبي ورقة أخرى وقلم زلبطة لأكتب رسالة أخرى لهبة واتجهت للجهة المقابلة وتسلقت إلى غرفتها ووضعت الورد على سريرها وكتب "أهديتك أجمل الورود ونسجت لك في قلبي أعذب الشعر، فاحفظي الورد كي أحفظ لكي في قلبي أجمل الأشعار، المتيم نديم الهوى". وعدت سريعا بعد أن نفضت ملابس من أي أثر للجريمة وأكملت العشاء معهم، وعندما عادت هبة لغرفتها رجعت وهي فرحة وخائفة في نفس الوقت تحمل بوكيه الورد والورقة المكتوبة عليها، فقام باسل مسرعا واتجه نحو غرفته وأحضر الورقة الأخرى التي كتبتها له وقرأها علينا جميعا، فاستغليت فرصة شعورهم بالشك والريبة والغموض الذي بدأ يتلبسهم عن سر هذا الشخص الخفي فقلت يا جماعة الخير أجزم أن لدينا جان هنا في السكن وأخبرتهم بالقصة التي حصلت لي في الطريق بين تبوك وحائل، وقلت لهم أني أشك أن الجان قد لحق بي أو أنه قد ركب في المقعد الخلفي معي بالسيارة وبدأ يلعب معنا ويتسلى بحكاية الورد، لكن تطمنوا، يبدو أنه عفريت رومانسي، وإلا حرام العفريت يحب يعني . عندما سمعت هبة ما أقول سقطت على المقعد شبه مغشي عليها وأتت بنت سمراء أخرى من جنوب أفريقيا فسالت ما بها وترجم لها باسل ما حصل وحدثها عن شكنا بالجن فسقطت كذلك مغشيا عليها وقمنا بمساعدتهما وأتى الطبيب بسرعة تسبقه كرشة العظيمة وكشف عليهما وقال أن كل نتائج الفحوصات سليمة ولكنهما تحتاجان لبعض الراحة. في الواقع لم يكن مغمى عليهم ولكنه دلع بنات مع شيء من الرهبة، وعدت المسألة على خير وبصراحة بغيت أعترف على نفسي لما حصل الموقف هذا بس انتظرت ولما تأكدت أن الجميع بخير بلعت العافية وسكت.

إلى هذا اليوم لم تكتشف هبة أني أنا الذي كنت أرسل لها الورد كل يوم، ولم أخبرها بدوري بشيء، ولم يكن يعرف سر الورد سوى صديقي سامر، لكن هبة بالتأكيد شكت في كثيرا، وقد تكون تأكدت من ذلك عندما سافرنا وانقطع عنها الورد، كما انقطعت الفراخ ورز المهيدب طويل الحبة عن السكن.

طولت عليكم، بتقولون بس وين بريصة اليوم، وأطمنكم إنه بخير وقد أخذ إجازة بسبب طول حلقة اليوم وسيعود لكم في الحلقة القادمة إن شاء الله



يتبع

اضافة رد مع اقتباس
  #18  
قديم 04/04/2010, 09:39 PM
الصورة الرمزية الخاصة بـ ω α ŋ Ŧ Є Đ
زعيــم مميــز
تاريخ التسجيل: 17/07/2008
المكان: к s α
مشاركات: 3,708
بالله لو الخط كبير قريته ، يآخي نسق على الاقل ..

عالعموم مشكوور ..
اضافة رد مع اقتباس
  #19  
قديم 04/04/2010, 11:02 PM
الصورة الرمزية الخاصة بـ أحب الليفر
زعيــم نشيــط
تاريخ التسجيل: 02/03/2007
المكان: الرياض
مشاركات: 724
يعيطيك العافيه قصه مجنونه


متابع بصمت
اضافة رد مع اقتباس
  #20  
قديم 07/04/2010, 04:15 PM
زعيــم جديــد
تاريخ التسجيل: 07/04/2006
مشاركات: 49
الحلقة الثامنة


سامح محمد، شاب مصري شبيه بالمخرج الأمريكي وودي آلان (Woody Allen) يعمل في فندق اسمه بارك لودج هوتيل في شارع INVERNESS TERRACE، خلف شارع الكوينز واي، وبينه وبين الهايدبارك أقل من 50 متر. تعرفت عليه في أحد الأيام وأنا أسير من أمام الفندق الصغير الذي يعمل فيه وحيدا كعامل استقبال واستدبار وجامع للغلة وسارقها في نفس الوقت. الفندق كان أقرب منه للشقق المفروشة المنتشرة في كل مكان في السعودية، وهو فندق وضيع وقديم ومتهالك لم تطله يد الصيانة من العصر الفكتوري، والعصر الفكتوري هو الحقبة التاريخية التي حكمت خلالها الملكة فكتوريا من العام 1837 وحتى العام 1901، وتعد بالمقارنة مثل فترة هارون الرشيد بالنسبة للخلافة الاسلامية من حيث الازدهار والتقدم والرقي في شتى المجالات، وأكثر مباني لندن التاريخية الحالية يطلق على تصميمها الطراز الفكتوري نسبة للملكة فكتوريا. والفندق من أملاك سيدة كبيرة في السن دردبيس مقطوعة من شجرة حنظل تمشى على عكاز، وتحتاج نصف نهار لطلوع أعلى الفندق، وعندما ترغب في النزول يقوم سامح محمد البهلواني بزحلقتها فوق قطعة بلاستيكية شبية بالطشت من أعلى الدرج لأسفله، وهو اختراع يسجل لعائلة سامح حيث يقول أن جده الأكبر أول من سن الطريقة في عمارة تابعة لهم موجودة في بولاق الدكرور، وهي أشق مهمة بالنسبة له ويتمنى في أعماق قلبه أن يأتي يوم ويطلق العنان للطشت فلا يقف بها إلا عند الحانوتي. وعندما تنتهي مهمته الشاقة اليومية يجلس طوال النهار، وينام طوال الليل في الرسبشن للاشراف على تأجير الفندق واختلاس مايمكن اختلاسة من الأموال 24 ساعة في اليوم و 7 أيام في الأسبوع. وأكثر ما يختلس الباوندات من الزبائن الذين يطلبون السكن لعدة ساعات فقط ثم يغادرون الفندق، فيساومهم على السعر وفي بعض الأحيان يرضى بسرقة خمسة باوندات فقط، وباوند على باوند يعمل كثير على رأيه.

الفندق يحتوي على 55 غرفة، وبعد أن توطدت صداقتي معه، سألني عما إذا كنت أعرف أحد من التجار السعوديين ليقنع صاحبة الفندق العجوز المخرفة بأن تبيعه "بتلات اربع مليون قنيه انقليزي" وهي صفقة مربحة جدا فيكفي موقع الفندق بجانب حديقة الهايدبارك بالاضافة لدخلة المربح حتى مع سرقاته المتكررة. أخبرته بأن أبي سوف يأتي عن قريب لزيارتنا وسوف أعرض عليه الموضوع. عندما حل علينا شهر رمضان المبارك عرجت على سامح محمد بعد الإفطار وطلبت منه أن يرافقني لنتجول في الليستر سكوير، فقد افتقدت الأجواء الرمضانية والتسلية في الليل الطويل ولم يكن يوجد في لندن مثل الآن محلات معسل وقهاوي عربية ومن غير المعقول أن أذهب لملهى للسهر في هذا الشهر الفضيل ولم يكن هنالك حل سوى التسكع بالليستر سكوير. لكن سامح محمد رد علي وقال "اللهم إني صائم يا عم أنا مستحيل أروح معاك"، قلت يا عم سامح، حيرتنا معاك، تلطش المعلوم كل يوم من العجوز المسكينة بيدك الخفيفة والحين تقول اللهم إني صائم، على راحتك أنا بروح لوحدي. وفعلا لم يرافقني طوال شهر رمضان، وربنا يزيدك ايمان كمان وكمان يا سامح يابن محمد ويتوب عليك من المال الحرام. وبعد العيد، زارنا أبي واهتبلت الفرص وعرضت عليه شراء الفندق من المرأة العجوز، وكنت أتحدث معه وأحاول أن أقنعه بأي طريقة، كان يستمع لي ولا يتكلم لمدة نصف ساعة، بالغت في أهمية المكان والسعر "تلات اربع مليون قنيه" على رأي سامح محمد، وفسرتها لأبي بأنها ثلاثة أو أربعة ملايين جنيه استرلين، ولا زال سعر الاسترليني 4.3 في تلك الأيام. لم يرد علي أبي وكنت أتوقع أنه لا ينصت إلي، لكنه قال أنا لم أرد عليك لأني عارف من البداية ماذا تريد أن تصل إليه في النهاية، تريد أن تتفاخر غدا عند راشد الماجد ونبيل ومحمد وليد بأنا نملك فندق في لندن، بغض النظر عن صحة الاستثمار، أبديت امتعاضي من استنتاجة، بالرغم من اقراري بصحة ما قال في داخلي، بيد أني طلبت منه مرافقتي ليحكم بعينيه ويتعرف على الرجل الأمين (ادعيت لأبي أنه أمين ومصلي، ولم أنس أن أذكر له عندما قال لي "اللهم إني صائم" في رمضان خشية رؤية المعاصي والفتن ما ظهر منها وما بطن في منطقة الليستر سكوير. عندما وصلنا للفندق تفحص أبي الفندق جيدا، وتفحص سامح أكثر من الفندق، وعدنا للغداء في مطعم ايطالي في ركن ادجوررود مقابل مطعم رنوش للوجبات السريعة، الآن حل محله مطعم مروش اللبناني، في المطعم كنت أنتظر رأي أبي وكنت أتمنى أن يكون من أعماق قلبي أنه وافق على شراء الفندق، لكن أبي أصيب بنوبة ضحك لا تنقطع، كل دقيقتين ودون سبب وجيه لي، كلما سالته ها بشر وش رأيك نقول مبروك؟ بتشتري الفندق، عجبك السعر والموقع؟، وكلما حاول أن يبدي رأيه ينفجر من الضحك مجددا، أسأله فيستجمع قواه ويحاول أن يرد علي، ثم يعود للضحك مرة أخرى، تضايقت من تهكمه علي وعدم اعطاء أي اعتبار أو اشراكي في الرأي على الأقل في استثماراته، فأنا ابنه ومن حقي عليه أن اشاركه في إدارة ثروته، وهذه فرصة استثمارية أتيت بها له على طبق من ذهب له وهي فرصة استثمار في بريطانيا كي نتوسع عالميا

. بعد أن قلت نتوسع عالميا لم يعد أبي يطيق أكثر وذهبت عنه نوبة الضحك خاصة أن الكلمة وسيعة شوي وما قدري يصرفها، قال يا ولدي يا نديم يا مفتح اسمعني جيدا ولا تنصدم، أولا صاحبك هذا الي تقول إنه مسلم وأمين "واللهم إني صائم" مسيحي الديانة، مع إحترامي لكل الأديان، قلت نعم شلون مسيحي هذا صاحبي وأنا أعرفه من مده وكيف مسيحي واسمه سامح محمد، رد وهو ينظر إلي بشفقة، يا ولدي اسمه سامح حنا وليس محمد، وهو ما كذب عليك بس أنت طاير بالعجة، بعدين "تلات اربع مليون قنيه" إلي قالها لك بأنها سعر الفندق ما كان يقصد ثلاثة أو أربعة ملايين جنيه، يقصد ثلاثة أرباع المليون، يعني يا فهلوي يعني 750 ألف جنيه استرليني فقط

. أم الحالة، أم الحالة، كم فولط من الكهرباء أحتاج يا عالم الآن بعد هذه الصدمة لأسترجع توازني وثقتي بنفسي، يا دي الفضيحة يا أولاد، كيف بس أتخلص من المأزق الذي وضعت نفسي فيه أمام والدي، والله صارت رقبتي أد السمسمة وانصدمت من سذاجتي وإني مسوي روحي" بزبز مان"، وتوسع دولي أو عالمي، يا حلاوة حلي. تفشلت والله فشيلة صرت بعدها ما أقدر أناقشه بأي موضوع تجاري لمدة سنوات بعد هذي الحادثة والتي كان يحلو له عندما يريد أن يمازحني بكلمة "توسع دولي"ههههه. لم أستطيع تناول شي من الطعام وكان المطعم الايطالي مطعم راقي ويتجول بين الزبائن موسيقي ايطالي يعزف على آلة الأكورديون(accordion) للزبائن، وهي الآلة التي تحمل فوق الصدر ويسحبها العازف للخارج بكلتا يديه ثم يعيد يديه للداخل بتماوج فتصدر ألحانا جميلة، لكني لم أكن رائق له وعندما اقترب مني وأخذ يدق فوق رأسي زجرته وقلت إذا لم تبتعد عني سوف أحشرك داخل آلاتك المزعجة، فهرب لأبعد منضدة مني وجلا من هذا الاعرابي الجلف الذي لا يقدر قيمة الموسيقى. ذهبت من فوري دون أن آكل شيء لسامح حنا، وحييته بتحية ما قبل الاسلام، أي تحية أهل الجاهلية، وقلت له عمت مساء يا هذا، أأنت رجل مسلم أم ماذا أجبني في الحال أيها النكبة، قال مسيحي يا عم فيها حاقة، قلت لا على عيني وراسي، بس كيف تقول ان اسمك سامح محمد، رد قال ما عمري قلتلكش محمد، أنا بأقولك سامح حنا وأنت تسمعها محمد، يبقى المشكلة في وذنيك . طيب، كيف تقول "اللهم إني صائم" قال لا، ذي الجملة بالذات بقى متعلمها منكم يا مسلمين وهي حلوة ومعبرة وإلا إيه رأيك يا هندسة. عدك العيب والله يا واد يا سامح يا بن حنا المعمداني، يا بتاع التلات ورقات أنا الغلطان، والله زين ما عرفتك على أخوي السلفي وقدمتك له على أنك مشروع مجاهد محتمل الذين "نحسبهم كذلك والله حسيبهم". لكن صداقتي مع سامح الطيب استمرت وكأن شيء لم يكن بالرغم من أنه نصاب فقد أحسست أنه لما يتعرف على سعودي أو خليجي جديد يلحن في القول عندما يعرف بنفسة فيجعل اسم سامح حنا أقرب لمحمد، فهو يلحس بعض الحروف كما يلحس الفلوس التي يسرقها...خخخخخخخخ

الفندق اشتراه شخص لبناني ب 750 ألف وباعة بعد عام 1998 ب 12 مليون جنيه ولا أعلم سعره الآن، ولكن قد يصل 18 مليون جنيه، وهذا عنوانه لمن يريد أن يقوقله، أي يبحث عنه في قوقل Park Lodge LONDON INVERNESS TERRACE.


من كثرة جلساتي مع سامح حنا في فندق بارك لودج هوتيل تعرفت على شاب سعودي يدرس في برايتون وكان قادما ليقضي اجازة اسبوعين في لندن وسكن أول يوم في الفندق، وبعد أن توطدت معرفتي به انتقل للسكن معي في الشقة توفيرا للمال وكسبته كصديق جديد فال الدنيا ويحب أن يتمتع بمباهج الحياة، كان أخي المريض قد ادخل المستشفى للتنويم في تلك الفترة. اسم الشخص هذا هو فتى النسيم، تجتمع في الكثير من المفارقات، فهو مرة إعرابي أحمق في تصرفاته، وفي بعض الأحيان انسان سريع البديهة ويعرف من أين تأكل الكتف والرقبة، وهو بالرغم من بداوته الداخلية المتأصلة فهو حليق الذقن والشنب وايطالي الملبس والمظهر إذا حافظ على فمه مغلق، لا يستقر في مكانه كأنه بندول ساعة يتحرك ذات اليمين وذات الشمال ولديه سيارة انجليزية Classic Austin Maxiعتيقة صدئة، يوجد في جانبها الأيسر الخلفي فتحة مصدية أكد لي بجدية أنه يسكن داخلها فأر وحرمه، وليس لديهم أطفال، فهم مصابين بالعقم على حسب كلامه، وموديل السيارة يعود للستينات الميلادية، وهي مليئة بالمخالفات المرورية، لن أبالغ اذا قلت أن لديه أكثر من 800 كرت مخالفة مرورية، وكان يحتفظ بالمخالفات في شنطة سيارته الخلفية كذكريات، فهذه المخالفة يتذكرها بحنين وشوق منقطع النظير، فهذه المخالفة مثلا حصل عليها عندما أوصل صديقه العزيز للمطار ووقف في مواقف التكاسي، والأخرى عندما وقف فوق فتحة المان هول" غطاء البالوعة" بعد أن أزاح من حولها المثلاثات التحذيرية، وقف فوقها وكان يشتغل أحد الانجليز تعيسي الحظ داخلها، وسرعان ما حصل على مخالفة ولحق على سيارته قبل أن تأتي (السطحة) لسحب سيارته وانقاذ الانجليزي تعيس الحظ في الحفرة، عندما رأيت كمية المخالفات في شنطة سيارته هالني كثرتها وكن أعتقدت أنها كوبونات مسابقة شهر رمضان. بعد أن عرفته أكثر أدركت أنه ليس سوى دبوس متنكر بهيئة طالب وهو لا يدرس ولا يعمل ولا يهتم بالقوانين ولا المخالفات، أهم شئ عنده هو السهر والضحك وشرب العصير، وفي الليل اظطر للسياقة بدل منه، فهو لا يستطيع القيادة في الليل بالرغم أنه لم يكن لدي في تلك الأيام حتى رخصة قيادة سعودية. ذكر لي في يوم من الأيام أثناء تجاذبنا أطراف الحديث أن لديه محل يسمى تسجيلات النسيم، على ما أعتقد في شارع الأربعين، بحي النسيم. في أحد الايام وأثناء تجولنا في بالقرب من تريكاديرو وهو محل يوجد في البيكاديلي ويحبه المراهقين من العرب لوجود الألعاب الالكترونية والبلياردو وسيارات التصادم وغيرها ويوجد به مركز غينيس للقياسات العالمية، دخل فتى النسيم على محل شاورما مصري مقابل التريكاديرو وسأل هل يوجد لديك طعام بخمسين بنس فقط، نظر إليه العامل المصري متعجب من هذا العربي المفلس الذي يشحذ الطعام واعطاه سندوتش شاورما مجاني وفلافل وبيتزا وعلبة بيبسي. استأت من طريقته في الطلب، وقلت له يا أخي ليش تشحذ منه بهذي الطريقة، إنت ما عندك فلوس؟ قلي ولا تفشلنا قدام الرجال يحسبنا ألحين شحاذين، لذلك لما عدنا للمنزل طلب مني سلفه يمشي فيها حالة حتى نهاية الشهر، وكنت ذيك الأيام من كثر الفلوس أخفيها في المخزن تحت بطانية نوم عتيقة غير الي في البنك والي يجيبه أبوي وأخوي الكبير لما يزورنا كل شهر من السعودية. وعادة اخفاء الفلوس تحت البلاطه وفي الحمام، وتحت السيفون ومثلي في المخزن، عادة سعودية وخليجية قديمة وتعتبر ماركة مسجلة في الأزمان الغابرة أثناء السفر، لعلها فوبيا السرقة التي يحذرون منها بعضهم بعض قبل الشروع بالسفر، فهم يسمعون دوما بأن الأجانب يسرقون الكحل من العين. كان السعودين وخاصة الحديثي عهد بالسفر عادة يخفون أموالهم المنقولة داخل الشراريب، بل أن بعضهم يتمنى لو أنه كان يمشي على أربع لكي يكون لديه مساحة تخزين أكبر، خخخخخ، وعندما يحاسبون يظطرون للركوع وفتح الشراريب والتي تكون عادة من النوع الرديء والرخيص واخراج القدر المطلوب من الفلوس. آخر مرة رأيت سعودي يخفي الاموال في حوافره، قصدي في رجلية كان في دولة مصر الحبيبة، وهو شخص من سامطه، حشر عشرة آلاف جنيه مصري دفعة واحدة في شرابيه وكان لون شراريبه لون غريب مثل لون العصفر، لا أعلم هل هو زيادة في التمويه مثل ما يفعل المحاربين في الغابات أو أن هذه هو اللون المتوفر في سامطه وأحد المسارحة. الأخ كان رابط الشراريب بسلك مقوى بالبلاستيك، مثل السلك الذي يلف فيه كيس الخبز اللبناني،خخخخخ، وهو يمشي وعيناه لا تبتعد عن كعبيه، فكثير ما يصدم بالمارة، ويقول للرجل آسف يا مزموزيل، يحسب مزموزيل تستخدم للرجال والنساء. ما أطول عليكم، أخرجت ألف جنيه من تحت البطانية وأعطيته فتى النسيم، ثم صحوت من النوم في اليوم التالي ولم أجد أثر لفتى النسيم، كأنه فص ملح وذاب، بحثت عنه في فندق سامح حنا، ولم أجده وبعد مدة ادركت أنه نصب علي وطار بالألف باوند ومن المستحيل أن أجد له أثر بعد ذلك، فلم أكن أعرف عنوانه ولست متأكد ان كان الاسم الذي عرف به نفسه صحيحا أم لا. بيد أني لم أستسلم وقررت أن أصل إليه مهما طال الزمن، وأصبحت أتردد على فندق بارك لودج أكثر من العادة، لأني قرأت مرة في أحد قصص شرلوك هولمز واسمها (مغامرة المشكلة الأخيرة (أنه لا بد للمجرم ومهما كانت ظروف الجريمة أن يعود لسبب أو لآخر لمكان الجريمة. وشرلوك هولمز يا أخوة يا كرام يعد من أعرق وأشهر محققي البوليس والتحري في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين ولديه اسلوب رائع في فك الأحجيات البوليسية أذهلت القراء عندما قدم أول رواية له في العام 1878، واشتهر بمهارته الشديدة في استخدام المنطق والمراقبة لحل القضايا. وقد ألف أربع روايات، وستاً وخمسين قصة قصيرة، ولمن أراد أن يزور بيته الذي انطلقت منه جميع الروايات والقصص المشوقة، فهو على بعد عشر دقائق من ادجوررود إن كنتم فاعلين، والعنوان هو المنـزل رقـم 221 ب، بيكر ستريت بالقرب من المركز الاسلامي.
ولكن للأسف لم تفلح كل خطط شرلوك هولمز في القبض على فتى النسيم، وكيف تفلح الخطط ولم يفلح بوليس لندن ولا الاسكتولانديارد أن يلقي القبض عليه وفي رقبته أكثر من 800 مخالفة مرورية. لكن لأن فكرة القبض عليه واسترجاع اموالي كانت بالنسبة لي مسألة مبدأ، استطعت أن أتغلب حتى على شرلوك هولمز في الكشف عن موقع المجرم وتتبعه بطريقتي الأكثر تعقيدا وحبكة، فقد اقتفيت أثر فتى النسيم ولاحقته خلف البحار والبراري والقفار وقطعت قارة أوربا وأفريقيا وأسيا حتى أصل إليه في حي النسيم في الرياض. وقصة المطاردة المعقدة بدأت عندما عدنا للسعودية لانقضاء فترة العلاج، وبعد سنتين تقريبا من وقوع حادثة النصب، حيث كنت في زيارة خاصة لمدينة الرياض بسيارتي السيلكا موديل 86، فتذكرت خيطا موسيقيا، اقصد خيطا رفيعا سيدلني حتما علي المطلوب فتى النسيم، ألا وهو تسجيلات النسيم، نعم تسجيلات النسيم التي أخبرني بها سابقا وقال أنها تخصه، قد تكون زلة لسان منه أوصلتني له بعد سنتين. اعتصرت ذاكرتي الضعيفة لأقصى حد وتذكرت أن المحل يقع في شارع الأربعين في حي النسيم. وصلت للموقع بعد أن سألت كما هائلا من الملاقيف، كل ماسألت شخص معين أجابني بنفس الوقت سبعة أشخاص فلا أدري لمن أستمع، المهم وصلت الوكر، اقصد التسجيلات ووجدت بائع يمني الجنسية سألته عن فتى النسيم، وأشار بسبابته نحو رجل يختلف تماما عن فتى النسيم يضع شماغ برتقالي اللون على كتفه الأيسر وطاقية زري عتيقة بالية الخيوط ومنتفة وله شنب يقف عليه القنفذ ويعتمر ثوبا كويتينا أصفر مغبر. اقتربت منه وعرفني بسرعة عكسي أنا، وفغر فمه بابتسامة بلهاء، والله لم أعرفه إلا من اسنانه البنية اللون بسبب أنه بطنه قد انتفخ منذ صغره بشرب مياه الآبار الصحراوية المليئة بكمية عالية من الفلور ولم تنفع بعدها مياه ايفيان أو تلميع الأسنان في عيادات لندن لجعلها بيضاء كاسنان خلق الله. رحب بي فتى الوادي أيما ترحيب وأوجب لي ، يعني ذبح لي خروف للي لغته تمشي الحال، حتى أني خجلت أن أفتح معاه موضوع الفلوس، لكني استجمعت قوتي، وكلمة تستحي منها بدها على قولتهم، وسألته وين الفلوس يا فتى النسيم يا نصاب ليه هربت ثاني يوم من غير توديع ولا أحم ولا دستور، والله لو قلت لي ما أقدر اردهم كان سامحتك وأعطيتك زود بعد، قال نعم الفلوس في ذمتي والحمد لله إنك وصلت لي عشان تحللني، بس لازم قبل ما أردهم لك نسأل كم وصل سعر صرف الجنيه الاسترليني عشان تأخذ حقك كامل، يمكن نزل سعر الصرف، قلت يا عمي كان سعر الصرف 4.3 ضرب الف يعني أبي منك الله لا يهينك الحين 4300 ريال، قال لا، لازم نسال البنك أول شيء. رحنا بنك الراجحي القريب من محل التسجلات، وسألنا عن سعر الصرف وطلع السعر 6.2 يعني 6200، وبكذا ربحت منه الفين ريال دفعها عن يد وهو صاغر بعد أن حاول العودة للسعر الأصلي، ولكن أخذت من المبلغ وقلت له يا حبيي هذي أتعاب إدارية، هههه، او خخخخخخخخخخخخخخخخخخخخخخخ .

يتبع
اضافة رد مع اقتباس
  #21  
قديم 08/04/2010, 12:49 AM
الصورة الرمزية الخاصة بـ وينك يالزعيم
زعيــم مميــز
تاريخ التسجيل: 28/02/2004
المكان: بـ آحضُآنْ الرْيآضْ ♥
مشاركات: 14,092
مـــشكور على القصه.....جاااري القراءه











ربي يعطيك العافيه
اضافة رد مع اقتباس
  #22  
قديم 11/04/2010, 06:56 AM
زعيــم جديــد
تاريخ التسجيل: 07/04/2006
مشاركات: 49
شكراً أعزائي على المتابعة وسوف أجعل الخط أكبر هذه المرة والمرات القادمة


الحلقة التاسعة


كما ذكرت لكم في حلقة سابقة فقد أدخل أخي إلى عيادة هارلي ستريت كلينك لتردي حالته وتم تنويمه في الطابق الثالث في الغرفة رقم 333, وهذا الطابق خاص للمرضى الفي آي بي، واستمر تنويم أخي مدة ستة أشهر متواصلة، وكانت فاتورة المستشفى لوحده 500 ألف جنيه إسترليني دفعها جميعا الأمير سلطان بن عبد العزيز شفاه الله، وجعلها شفيعا له يوم القيامة. وهارلي ستريت عبارة عن شارع يقع في وسط لندن خلف محلات دبنهامز في اكسفورد ستريت ويمتد حتى شارع بيكر ستريت بالقرب متحف الشمع من الجهة المقابلة، وتشير السجلات التاريخية أنه في العام 1860، قبل نحو مئة عام من إنشاء "وزارة الصحة البريطانية إن إتش إس" كان يوجد في الشارع نحو 20 عيادة طبية، والآن وصل عدد الذين يعملون في المجال الطبي في الشارع نحو 3000 شخص. في تلك الأيام كان الشارع مليء بالعرب المحولين للعلاج فترى الكثير من المشاهير العرب وغيرهم من المرضى البسطاء الذين يتلقون العلاج في عيادات الشارع الشهيرة. كان اسم الطبيب الذي يشرف على علاج أخي الدكتور قولد مان، بريطاني الجنسية ويهودي الديانة ويعد أحد أفضل ثلاثة أطباء في العالم في علاج مرض اللوكيميا، أما الممرضات اللاتي يعملن في المستشفى فهن من أطيب وأرق ممرضات عرفتهن في حياتي في طريقة تعاملهن الإنساني مع المرضى، فهن يغدقن الحنان على المريض ويؤدين عملهن باحترافية عالية. أما بالنسبة للميزانية التي كنا نتمتع بها أثناء فترة العلاج في المستشفى فقد كانت مفتوحة على مصرعيها، لدرجة أنا كنا نطلب بجانب العلاج المكلف، ألذ أنواع الطعام من مطاعم لندن الشهيرة الإيطالية واللبنانية والفرنسية والصينية وكله على كله، بس أهم شيء نطلب عن طريق المستشفى، كما لم ننس أن نحلي بعد كل وجبة طعام دسمة بالأيسكريم أو الكيك أو الحلويات اللندنية المترفة وجلها تجلب لنا من سلفردجز لأنها حذفة عصى من المستشفى، وكله من خير الله ثم خير أبو خالد الله يشفيه يا رب. لذا رجعت حليمة إلى عادتها القديمة فازدادت حركة رجل الزوار للمستشفى لزيارة أخي، فلم نفرق بين اللوعى على حالته من الجوعى، فاتفقت مع العاملين في المستشفى على عدم تقديم أكثر من الشاي للزوار حتى لو طلبنا أمامهم غير ذلك.

في المستشفى كانت هنالك ممرضة دبدوبة جميلة لونها وردي ووجها طفولي بريء وخدودها حمراء قانية، حبوبة تتكلم بصوت خافت جدا لا يكاد يسمع واسمها "دبي" سبحان الله دبة واسمها دبي، دبي بكسر الداء والباء وليس بضمها أحسن شي بسميها "ديبي" عشان لا تتلخبطون مع مدينة دبي. مع مرور الأيام ومن طيبتها أصبحنا نتعامل وكأننا نعرف بعضنا منذ سنوات عديدة، وصرت أحب أن أمازحها وأخبل فيها وأجننها فأمسك خديها وأشدهما بقسوة، مثل ما عمل حسين الجسمي مع حليمة بولند، لكي أزيد من حمار خديها، كانت تستلطفني كثيرا وتحب بدورها مشاكستي طوال الوقت، وعندما أزور أخي، وبالرغم من أن أنه متشدد دينيا، إلا أن من طيبتها وقبولها لدى كل من عاشرها، كان يخبرني ويقول "ترى ديبي تسأل عنك من الصبح!! شفها في غرفة الممرضات ازعجتني كل شوي داقه الباب علي" كنت أجلب لها معي الكثير من الهدايا والكاكاو الذي تحبه كثيرا من هارودز خاصة كاكو اسمه Mozart-Herz’l.

أمام غرفة أخي توجد صالة منيفة تتوفر فيها العديد من المقاعد الوثيرة، وعندما ينام أخي أجلس فيها طويلاً حتى لا أزعجه وأقوم بقراءة بعض الكتب أو استقبل بعض ضيوفه في الخارج وأصرفهم بعد ما يشربون كاسة الشاي فقط لا غير. في أحد الأيام أخبرتني "ديبي" أن أحد الأمراء سوف يتم تنويمه في الغرفة المقابلة لنا وأنهم سيصلون الساعة الثانية ظهرا، من فضولي أتيت في اليوم التالي مبكرا وعندما دخلت المستشفى وفي الطابق الأرضي لمحت الفنانة سميرة توفيق جالسة وحيده في البهو، فغيرت من اتجاهي وتقدمت نحوها مباشرة وبدت لي جميلة وجذابة كما عهدتها منذ صغري، كانت ريانة العود بشكل يضفي عليها نوعا من الفخامة والوجاهة الملوكية، وترتدي فستانا خلابا زادها أنوثة وروعة اساسه أبيض ومحلى بصور لأوراق شجر برتقالية وصفراء اللون وأخرى وردية جذابة وحذاء بكعب متوسط كأنه مفصل على نفس لون الفستان، لن أتحدث عن نحرها ولا رقبتها لكي لا أقع في المحضور، بل أكتفي بوجهها الوضاح وحبة الخال الشهيرة وشعرها الأسود كسواد الليل المنسدل على عاتقها العريض وكحلها البدوي الذي أجزم أن ألف انجليزي قد بصق على زوجته عندما رآها في ذلك اليوم. أكمام فستانها كانت قصيرة فبدت يداها المكتنزتان جميلتان تأسر الألباب خاصة عند النظر لمعصمها الذي يزينه ساعة براقة ماركة BOUCHERON. حييتها وقلت لها سلامات يا ست الكل أنت تزورين أحد هنا أم تراجعين المستشفى، ردت بابتسامة مفعمة بالأنوثة وممزوجة بعطف الأمومة، الله يسلمك، بعيد عنك معدتي تعبانة بعض الشي، صار لي شي شهر ما بوكل إلا طعام مهروس، وبعمل فحوصات هون والشفا من عند ربنا. قلت سلامات والله، بس بصراحة إلي يشوفك يقول الناس كلهم عليلين وإنت الوحيدة الصحيحة، قالت شايف كيف، أنا بخبي آلامي داخلي، ضحكنا سويا ولم أتمالك نفسي وسألتها لما رأيت بساطتها وانفتاحها في الحديث، أش الذوق الراقي يا ست سميرة!! ساعتك جميلة كثير، قالت مقدمة والله، "بلهجتنا يعني تأمر عليها، أو تفداك"، هي الساعة أخذتها من هارودز أمس، أنت أول واحد تعجبه، قلت أكيد عليك بتطلع حلوة "القالب غالب يا ست الكل"، كانت الساعة مرصعة بالألماس واسمها BOUCHERON. لم ألبث أن ودعتها بعد أن تمنيت لها الشفاء وصعدت نحو غرفة أخي وبعد ما سلمت عليه وجلست معه بعض الوقت رجعت للصالة الخارجية وانتظرت الضيف العزيز إلي بيكون جارنا في المستشفى لمدة اسبوعين قادمين، بعد لحظات سمعت واحد يقول WHATS UP … WHATS UP…... WHATS UP، نظرت لمصدر الصوت واذا بي أرى رجل صعلوك رأسه ممغوط للأعلى ودقيق من الأسفل ويتشكل مثل حبة الفول من الأعلى، لكن عندما ركزت على ما يقول، أدركت أنه لم يكن يقول تلك الكلمة الانجليزية بل كان يقول، "وسع، وسع" يعني "درب، درب"، أي إفسحو الطريق، ويا للجهالة، كان يوجه كلامه للمرضات الانجليزيات إلي في الطريق لكي يفسحوا الطريق لسمو الأمير الذي كان يمشي الهوينا خلفه وبدا لي أنه طويل القامة وفي نهاية الأربعينات من عمره وسيم ومصفف شعره بعناية ويرتدي بدلة أنيقة بنية اللون وكرفته من نوع البوبيون التي تربط كورده في أعلى القميص ويرافقه نحو ثلاثة أشخاص وسرعان ما دلفوا إلى داخل الغرفة المقابلة لنا. جلست بعد ذلك وأنا أقرأ كتاب لعبد الله القصيمي أضن اسمه "العرب ظاهرة صوتية" واضعا قدمي اليمنى على اليسرى ومسترخي آخر استرخاء انتظارا لما ستحبل به الأيام من مفاجاءات من ضيفنا العزيز القادم لتوه، وفجأة خرج نفس الشخص بتاع "وسع، وسع" ودنى مني إلى أن وقف فوق رأسي وتفرس بي لبعض الوقت ثم حول نظراته الخائبة نحو الكتاب الذي أقرأه، وتفرست فيه بدوري فبدا لي لون بشرته أبهصا كلون البرص (يسمى الوزغ أو أم صالح، حسب التساهيل) ومليئ بالنمش كأنه نمل يمشي على وجه، وحدقتا عيناه قريبتان من وسط أنفه لتزيده دمامة على دمامه، أما شعره فأحمر ومجعد كسلك غسيل الصحون، وبدون مقدمات ولا تحيات، قال نزل رقلك الأمير قاي، لم أرد عليه واحتراما للأمير غيرت من جلستي وعكستها فوضعت اليسرى فوق اليمنى في الاتجاه الآخر، ثم عاد وقال لي نزل رقلك التانية، ما ينفعش كدا، ثم أردف بتمادي، بلاش الكتاب ده دي الوقت، وكان حديثه أثناء خروج الأمير الذي جلس قبالي في المقاعد الموجودة خارج غرفته. عند هذا الحد قلت له يا محترم، ممكن تحل عن سماي "الصراحة قلت له كلمة ما أقدر أكتبها الآن، عشان كذا من هول المفاجأة فتح فمه بابتسامة يائسة وكأني أعطيته كف على قفاه، وسبحان الله، عندما فتح فمه كان أشبه بحمار يستعد للنهيق، ففي البداية فتح فمه فظهرت أسنانه الأمامية المطعجة، ثم ازداد فمه اتساعا فظهرت نواجذه وضحك بصوت متقطع أقرب للنهيق، فرميت الكتاب جانبا ودفعته من منكبه واتجهت لسمو الأمير تركي وحييته وتحمدت على سلامة أحد أفراد أسرته المنوم في المستشفى. كان سموه لطيف للغاية وبادلني السؤال عني وماذا أفعل هنا، فحكيت له الأخبار بالتفصيل، وسأل إن كنت في حاجة لشيء فشكرته على لطفه. كان "بريصه الأصفهاني" يراقب حديثنا وهو يتلون مثل الحرباء كلما نظرت إليه رأيت شكله يختلف عن النظرة الأولى، وانضم إلينا في الحديث وكنت قد وصلت للحديث مع سموه عندما سجلت في الكلية العسكرية بالرياض وكيف أني لم أتمم دراستي بالكلية حتى أرافق أخي، فشاركنا بالموضوع، وقال الحمد لله إنك ما سجلت "اصلو أنا لما كنت في الكلية الحربية بتاعتنا كنت بنط من فوق النار، وأزحف من تحت الرصاص، والطلاب بقى كلهم يغمى عليه من التعب، إلا أنا، دا الوزير كان بيقولي بس يا بريصه، بس يا بريصه، وأنا أقوله سيب يا وزير، سيب يا وزير دنا حكمل المشوار لحد ما أصل سينا" نظرت لسمو الأمير ورأيته يضحك من كل قلبه على الأراجوز بريصه وعرفت الآن وظيفة بريصة بالضبط، فهو لم يعدو سوى أرجوز ومصدر لتوسيع صدر سموه .


حدثت جاكو عن سميرة توفيق وعن ساعتها الجميلة في نفس الليلة، فتحمست جاكو للذهاب إلى هارودز والسؤال عن الساعة BOUCHERON، وفعلا ركبنا اليوم التالي الأندرقراوند من محطة البيزووتر وتوقفنا عند محطة هاي ستريت كنجنستون التي تبعد نحو 500 متر عن هارودز، وبحثنا عن الساعة حتى وجدناها في شباك أحد البوتيكات داخل المتجر العريق. دلفنا للمحل ورحب بنا البائع الأنيق ترحيبا ملوكيا، يحسبنا المسكين من زبائنه المترفين. سألنا عن الساعة فأجلسنا على مقاعد وثيرة وطلب لنا قهوة وكعكا لذيذا وأحضر مخدة سوداء جميلة مخملية بلون القط الشيرازي ولبس قفازات من حرير"لزوم النصب الراقي" ونحن ننظر لبعضنا البعض بزهو وضابطين دور أولاد الأكابر، ثم أتى بالساعة ووضعها بعناية فوق المخدة التي لو نمت عليها من طراوتها لما استفقت بعد مئة عام. بعد ذلك أضاء أربعة أنوار صغيرة موجهة نحو الساعة، وطفق يشرح لنا نحو ربع ساعة عن عدد الألماسات المطعمة بها الساعة ومن صممها وكم من الوقت استغرقت صناعتها ومن هو أباها وجدها وقبيلتها، ونحن نشرب القهوة بكل ثقة وهدوء ولم يبدو علينا الاستعجال أو أننا تورطنا بالسؤال، ثم أخبرنا بالمفاجأة الكبرى وهو سعر الساعة وكان 77 ألف باوند إسترليني فقط لا غير، يعني أكثر من 330 ألف ريال سعودي بسعر تلك الأيام، الآن بالتأكيد السعر أعلى بكثير. زطينا آخر قطعة من الكعك اللذيذ وأخبرناه بأننا سوف نفكر في الأمر "ونكلم دادي" ثم نعود له قريبا جدا وأعطيناه أرقام هواتف المستشفى خخخخخخ لأنها أول أرقام بدت لي عندما طلب المعلومات الخاصة بنا للاتصال للتأكد مما سنقرره لاحقا عندما نشاور داددددددددددددي، هيهيهيههيهيهيه يا دادي إلي بيدفع 330 ألف في ساعة ونص والحسابة بتحسب. يبقى قابلنا يا حبيبي، أنا لاقي أحلق عشان أشتري ساعة ب 330 ألف ريال، بس والله تستاهلين أكثر يا سميرة توفيق ومثل هالساعة ما صنعت إلا للناس إلي مثلك إلي يستاهلون كل غالي ونفيس.


في يوم لاحق كنت أزور المريض الذي كان مع سمو الأمير وعندما نويت الخروج أعطاني سموه رسالة في ظرف مغلق لا تحمل أي عنوان، فكرت إنه يبغاني أرسلها بطريقي بالبريد، فتساءلت "نسيت تحط العنوان يا طويل العمر؟!"، ضحك وقال لا هذي الرسالة لك حط عليها عنوان بيتك، خخخخخخ.. خرجت وبريصه يراقبني وفشخ فمه فشخة بدون صوت، كتامي هذه المرة وكأنه فقد القدرة على الكلام, وذهبت من فضولي لدورة المياه وفتحت الرسالة وهالني ما رأيت في الرسالة، كانت محشوة برزم جنيهات من فئة الخمسين باوند، حسبتها فطلع المجموع خمسة آلاف باوند، وأدركت عندئذ بأنها هدية من سمو الأمير، رحت طاير لأخوي وقلت له تعال شوف الأمير أعطانا هديه خمسة آلاف باوند، يا كثر الفلوس إلي عندنا الحين وصرت أقوله مثل سعد الفرج "بسنا فلوس، بسنا فلوس"، البطانية في مخزن الشقة انترست فلوس، والحين خمسة آلاف، يا ساتر، بيد أن أخي لم يكترث للفلوس وأبدا عدم رضاه وأعطاني مثل لم أنسه للأن "أعطى الأمير ما لا يملك إلى من لا يستحق"، قلت شلون يعني نردها له، والله فشيلة ما أقدر، أصلا لو شفته كيف فرحان وهو يعطيني كأنه هو إلي محصل المبلغ، رد علي وقال ماني ما خذ منها شي أنت بكيفك، رجعت وقلت مافيه إلا بريصه الأصفهاني هو إلي بيحلها، استنيته لما طلع وناديته بريصه، بريصه، تعال أبيك بخدمة، تقدر تساعدني وترد الظرف لسمو الأمير وتعتذر منه إنا مقدرين له كرمه بس لو يعطيها أحد يستحق أكثر منا يمكن أفضل، ابتسم بريصه ابتسامته المعهودة لكن بصوت أقرب لفحيح الأفعى هذه المرة، الظاهر لكل حالة عنده نغمة خاصة في الضحك، وقال "برافو عليك يا واد يا نديم، أنت كدا عشرة على عشرة، حتكبر كتير أقوي في عين الأمير، ويعرف إنك مش بتاع فلوس"، قلت الحمد لله طمنتني والله خفت إنه بيزعل منا إذا رديناها. وبينما أنا أتحدث مع بريصه عن ترجيع الفلوس وإذ بمفرزة من قوات الشرطة الخاصة المسماة سكوتلانديارد تسرع نحو الباب الذي يوجد به المريض من عائلة سمو الأمير فتدفع الباب بعنف وأنا وبريصه نرقب المنظر بدهشة كبيرة ، حاول بريصه من هول الصدمة والخوف أن يتسلل بخفة ويلوذ بالفرار وسط الزحمة والربكة فدعست على قدميه حتى لا يتحرك ولاحظت أحدى الشرطيات أنه يحاول الهروب وقالت له YOU ARE GOING NOWHERE ، أي إبق مكانك ولا تغادر البتة. كان يبدو على سمو الأمير الهدوء التام وهو يضع رجلا على رجل ولم يتحرك من مكانه ولم يعلق على الطريقة المشينة التي داهمت بها الشرطة غرفة المريض في المستشفى، وكان في تلك اللحظات السفير المصري متواجدا لزيارة سمو الأمير في نفس الغرفة، فقام من مكانه وعرف بنفسه واستنكر الذي يجري، رد عليه الضابط بأن هذا موضوع لا يخصه من قريب أو بعيد كسفير، وأوضح الضابط بأن هنالك بلاغ بوجود أسلحة خطيرة في هذه الغرفة، ابتسم سمو الأمير وأخرج لهم بهدوء الهدية التي أتى بها لأبنه وهي عبارة عن لعبة رشاش تفحصها البوليس بدقة وهم في غاية الإحراج فأكتشفوا الخطأ الكبير الذي وقعوا فيه واعتذروا بأشد أنواع الاعتذار ولم يسلموا من تقريع السفير المصري الشديد لهم، وعند هذه النقطه هاج وماج بريصه بعدما شعر بالأمان وقال سبهم لي يا سمو الأمير دنا حخرب بيتهم، إزاي يتقرأو يعملوا كدا هي سايبة وإلا سايبة، أنا حا أخذ حقك منهم، دنا هرد لهم الاهانة الي ما ينسكتش عليها، قاله الأمير بكل برود انثبر، رد بريصه "حأنسبر إن شاء الله.

وفي اليوم التالي شرح لي بريصة خلفيات القصة وهي أن الممرضة الخاصة بهم والتي كانت تستلم بخشيشا 200 جنيه كل صباح، لاحظت الهدية التي أحضرها سمو الأمير لابنه فحسبت أنها رشاش حقيقي فبلغت البوليس، وكانت تلك السنة هي السنة التي قتلت فيها الشرطية البريطانية ايفون فليتشر اثناء مظاهرة امام السفارة الليبية في لندن برصاصة قالت السلطات البريطانية وقتها انها اطلقت من داخل السفارة الليبية والتبس الأمر على الممرضة التي كانت تشك في كل العرب ولا تفرق بين ليبي أو سعودي أو مصري.

عرفت بريصه على أخي المريض لعله يسري عنه بنكته المتواصلة وبشلخاته التي تهتز لها الجبال وعندما رأه أخي يضحك بطريقة غريبة وكأنه ينهق وينقطع نفسه شك بأن به مس من الجان وقال له سوف أرقيك لعلك تشفى يا بريصه، ما قولك؟، أجاب بريصه، لك ما شئت يا مولانا وسلم ناصيته لأخي وبدأ يقرأ عليه المعوذات وينفث عليه ضاغطا على ناصيته وقابضا على شوشته الحمراء في نفس الوقت، ويبدو لي أن أخي قد ضغط عليه أكثر من اللازم، فتضايق بريصه وبدأ يتململ ذات اليمين وذات الشمال وتصدر عنه حشرجة وكأنه يريد أن يعض يد أخي التي تسحب شوشته، فحسب أخي أن المارد هو الذي يتململ وأنه سوف يخرج لا محالة، فقال أنطق، تحدث قل من أنت، من أنت، أنطق،،،،أنطق أيها الجان، لماذا تلبست بعبد الله بريصه الأصفهاني، حلفتك بالله أن تنطق فمن أنت، رد بريصه المسكين بصوت يكسر الخاطر، أنا بريصه يا مولانا...خخخخخخ، فضرب أخي صدره بقفا يده ونفث في صدره وقال داوم على الإذكار تشفى باذن الله يا بريصه. عدنا على المقاعد وتمدد بريصه وهو يتنفس الصعداء، وسألني إيه الإذكار يا عم نديم، وشرحت له إذكار الصباح والمساء، قال مش لما نصلي بالأول، قلت له يعني ما تصلي يا بريصه، حسبي الله عليك، الله يهديك بس. نام أخي قرير العين بعد أن قرأ على بريصة وأتت "ديبي وتطمنت على المغذي والأدوية المحقونة بوريده، وغطته بالبطانية وأتت عند قدميه وغطتهما وكان فوق قدمي أخي تلفاز معلق بالسقف يرتفع نحو نصف متر فوق رجليه وبعدما انتهت "ديبي" من تغطية قدميه رفعت جسمها وانتصبت فاصدم رأسها من الخلف بالتلفاز وهوت مغمى عليها فتلقفتها بين يدي ومددت جسمها على الأرض وحاولت أن أعطيها اسعاف سريع CPR، مع تنفس صناعي سريع تعلمته في ثانوية الخليج في الدمام!!! ، نعم شكلي قلت شيء غلط، معقولة في ثانوية الخليج، قصدي في مدرسة اللغة الانجليزية في لندن، ولاحظت بريصه يتسلل بخفة من خلفي وتوقعت أنه يريد الهرب مرة أخرى فحنقت عليه كيف يتركني هذا الأرجوز في هذه اللحظات العصيبة. لكن بينما أنا مشغول بإعطاء "ديبي" قبلة الحياة انفجرت ضاحكة في وجهي وكأنها هي التي خرج منها المارد وليس بريصه، كانت تضحك لأن بريصه الحمار عندما تسلل من خلفي ذهب مباشرة للهاتف ودون احساسي به لهول الموقف واتصل بالطوارئ 999 وطلب سيارة اسعاف ولما سألته الشرطه عن العنوان أعطاهم عنوان المستشفى، يعني بريصه حبيب قلبي كان يطلب اسعاف يجي على عنوان المستشفى عشان نركبه وناخذ لفه على الكورنيش وبعدين نرجع لنفس المستشفى لتلقي العلاج!!!!!! ، لكنه بغباءه الشديد كشف خطة "ديبي" الجهنمية من حيث لايدري، فهي لم تكن مغمى عليها حقيقة، ولكن عملت التمثيلية لحاجة في نفسها، بيد أن حظها العاثر أوقعها مع بريصة المشؤوم وأكلت علقة خفيفة على علباها طلعت أكثر من بيع السوق.


بعد أن أنهى مريض بيت سمو الأمير فترة العلاج في المستشفى خرجوا بالسلامة فودعتهم وحزنت والله لفراقهم لأنهم ملؤوا الجو حركة في المستشفى وآنسوا وحشتنا وبيني وبينكم حبيت بريصة من كل قلبي وحسدت الأمير على وجود رجل مثله معه يسري عنه بعفويته ونصبه وضحكته الحمارية. وعندما غادر الأمير ودعني بكلمات رقيقة ولهول المفاجأة أعطاني رسالة جديدة وهو يضحك وقال إنت عارف العنوان زين المرة هذي صح،،،ترددت وقلت صح يا طويل العمر شكرا لك من أعماق قلبي، وأسرعت إلى نفس التواليت وفتحت الظرف وحسبت الفلوس الموجودة وجدتها 8 آلاف جنيه هذه المرة، أكثر من المرة الأولى، حسبي الله عليك يا بريصة الأصفهاني شكلك لطشت الخمسة ألاف باوند وما رجعتهم للأمير.

يتبع



بعدين بقلكم كيف بريصة استقبلني في مصر في مدينة الشيخ زايد وكيف أكرمني وكيف تحول إلى رجل درويش لا يفارق المسجد وبتاع ربنا على قولة أخوانا المصريين
اضافة رد مع اقتباس
  #23  
قديم 14/04/2010, 04:53 PM
زعيــم مميــز
تاريخ التسجيل: 17/05/2005
المكان: قلب الزعيم
مشاركات: 2,235
هلا اخوي نديم الهوي


مشاء الله عليك كل مشهور تقابلت معه نبيل شعيل , راشد الماجد, الامير تركي , سميرة توفيق

والتاجر اللذي حجز على امواله وعلى مايبدو لى انه معن الصانع


عموما قصص مشوقه وياليت تكملها !!!!
اضافة رد مع اقتباس
  #24  
قديم 14/04/2010, 07:43 PM
زعيــم جديــد
تاريخ التسجيل: 07/04/2006
مشاركات: 49
إقتباس
الرسالة الأصلية كتبت بواسطة ابونوف الهلالى
هلا اخوي نديم الهوي


مشاء الله عليك كل مشهور تقابلت معه نبيل شعيل , راشد الماجد, الامير تركي , سميرة توفيق

والتاجر اللذي حجز على امواله وعلى مايبدو لى


عموما قصص مشوقه وياليت تكملها !!!!



تسلم على المتابعة

بس الشخص إلي كان معانا مهو نبيل شعيل الفنان المشهور، ،،،، هذا واحد من شباب الدمام اسمه نبيل الشعيبي

أما رشود أو راشد الماجد فهو جارنا في مدينة العمال،،، ربينا سوى وكان ومازال من أعز وأطيب الناس إلي أفتخر إني عرفته..ولو صادف وقرأ القصة بيعرفني من أول حلقة،،،، وأزيدك بعد أنا علمته السواقة بأول سيارة زوكي اشتريتها،،،،،كان والله رشود عنده في وقتها دباب إلي يجي أحمر وأبيض، أظن اسمه زوكي بعد،،،خخخخخ،،

سميرة توفيق والأمير تركي،،،، رح لندن وأحلقها إذا ما قابلت،،،، وإلا أقلك روح وشف بنفسك

التاجر ما صرحت ، عسى عمرك طويل،،،،،خلنا على الموجود في القصة


بس على فكرة توقيعك خطير،،،
اضافة رد مع اقتباس
  #25  
قديم 15/04/2010, 09:17 AM
زعيــم متواصــل
تاريخ التسجيل: 05/12/2006
مشاركات: 119
اخوي نديم الله يهديك الحين توصلنا للحلقه العاشره بعدين ترجع تعيد الحلقه الثامنه والتاسعه؟
اضافة رد مع اقتباس
  #26  
قديم 15/04/2010, 01:18 PM
الصورة الرمزية الخاصة بـ Carizma
زعيــم مميــز
تاريخ التسجيل: 24/11/2008
المكان: .. هلآليَ / مدريديَ ..
مشاركات: 15,326
يعطيك العافيـه نديـم .
صايم من عام 2006 , وجيتنآ عآم 2010 بموضوع دسـم .

وآصل القصـه .. ولاهنت خيوو .
اضافة رد مع اقتباس
  #27  
قديم 16/04/2010, 04:57 PM
زعيــم مميــز
تاريخ التسجيل: 17/05/2005
المكان: قلب الزعيم
مشاركات: 2,235
هلا اخوي نديم الهواي


وش فيه خطير توقيعي !! ومن اى ناحيه الخطورة ؟


يالبيه ياقصتك عز الله اني عشت فصولها ...
اضافة رد مع اقتباس
  #28  
قديم 16/04/2010, 04:58 PM
زعيــم مميــز
تاريخ التسجيل: 17/05/2005
المكان: قلب الزعيم
مشاركات: 2,235
وياليت تسرد الحلقات الجايه سرد
اضافة رد مع اقتباس
  #29  
قديم 17/04/2010, 06:56 PM
زعيــم جديــد
تاريخ التسجيل: 07/04/2006
مشاركات: 49
هلالي جوه خيالي،، شكراً لك على المتابعة،،، أبونوف الهلالي،،، حياك الله عزيزيي وترى أقصد توقيعك خطير، يعني رهيب

شكراً أخي عبد المحسن على التنبيه، وقاتل الله العجلة التي تسبب لي دوماً تسبب لي الكثير من الإحراج،،، هأنا أعيد ترتيب الحلقات،، وهذه الحلقة العاشرة!!!



الحلقة العاشرة

قابلت الأمير بعد مدة من مغادرتهم المستشفى ولم يكن في معيته بريصة وأخبرني بأنه لم يعد يعمل معه بعد الآن وأنه قد استقر به المقام في مصر وقد تغيرت أحواله بسبب ظروفه عائلية خاصة، ولم أكثر السؤال عن ماهية تلك الظروف أو عن عنوانه ونسيت موضوعة تماما، لكن الظروف تسنت لي للوصول إليه عندما حصلت على دورة متقدمة في الجامعة الأمريكية في القاهرة مع بعض الزملاء وكان عددنا 14 شخص في العام 1994 تحديدا، بعد عشر سنوات بالتمام والكمال من عملية النصب التي قام بها بريصة في هارلي ستريت كلنك.

وللإلتحاق بالدورة في مصر التي بدأت في شهر فبراير سبقني جميع أصدقائي بالسفر بالطائرة، أما أنا فقررت السفر بسيارتي الجديدة البي إم دبليو 740 الكحلية الأنيقة والتي لم يمض على شرائها شهرا لأني حبيت أن أتمتع بقيادتها في شوارع القاهرة. فقمت قبل موعد السفر بشراء الكثير من الملابس الأنيقة والهدايا والعطورات والبخور وجلها أحضرتها لأني كنت متأكد بأني سأجد من أهديها إليه لاحقا. وضعت جميع الأغراض بالسيارة في الليل على أمل أن أبدأ الرحلة في صباح اليوم الباكر. لكن بسبب سعادتي وأنا أفكر في الرحلة القادمة وما ستحبل به الأشهر الطويلة القادمة في قاهرة المعز من مغامرات، لم يأتيني النوم حتى الساعة الثالثة فجرا، فقمت من سريري وغيرت ملابسي وأطلقت العنان للسيارة من مدينة الخبر متجها نحو القاهرة. استمريت في القيادة حتى وصلت منهكا لمدينة بريدة في الساعة الثانية عشر ظهرا، نمت في فندق يمشي الحال حتى المساء ومن ثم واصلت السير إلى أن وصلت مدينة حائل ومنها اتجهت لمدينة تبوك التي بتعد عنها نحو 650 كلم، وهي منطقة صحراوية موحشة وقفراء ذات طريق مفرد ولا توجد به خدمات إلا ما ندر،وتوجد بها مدائن صالح وتشمل عدة كهوف ومقابر منحوتة في الجبال لأقوام حكموا وعاشوا في هذه المنطقة من آشوريين وأنباط ورومان وعرب، وقد قال الله عنهم في القرآن الكريم (ولقد كذب أصحاب الحجر المرسلين وآتيناهم آياتنا فكانوا عنها معرضين، وكانوا ينحتون من الجبال بيوتاً آمنين فأخذتهم الصيحة مصبحين، فما أغنى عنهم ما كانوا يكسبون)، وعند الساعة الواحدة ليلا توقفت عند محطة مظلمة لونها بلون طين الهجير المتفطر ومكائن ضخ البنزين صدئة متهالكة مائلة متمائلة فملئت خزان وقود السيارة وتوجهت للبوفيه داخل بيت طيني وباب خشبي متهالك موجودة في وسط المحطة وطلبت شاي ليساعدني على الاستيقاظ أثناء القيادة. نظرت نحو سيارتي وأنا أنتظر العامل يسكب الشاي من أبريق أصفر نحاسي مطعج من كل الجهات، وإذ بي أشاهد رجلا بالقرب من سيارتي، أشعث أغبر وأحدب الظهر يلمس سيارتي ثم التفت إلي بنظرة مريبة ومخيفة لم أكترث له كثيرا وودت أنه لم يمس السيارة لأنها كانت جديدة وكنت أحافظ عليها كثيرا تلك الأيام، فأخذت الشاي ونظرت مرة أخرى نحوه فلم أجده وتعجبت كيف أختفى بهذه السرعة. ركبت سيارتي وتحركت مسرعا لا ألوي على شيء من هذه المحطة المظلمة كقلب كافر، وأضئت النور الداخلي، وتفحصت المقعد الخلفي بالمرآة العاكسة على سبيل الاحتياط فقط. شغلت شريط أم كلثوم واسترخيت طوال الطريق الطويل والذي يبدو أنه لا نهاية له وأنا أستمع إلى أغنيتها الخالدة التي تصدح بأحلى الكلمات" رجعوني عنيك لأيامي اللي راحوا *** علموني أندم على الماضي وجراحه ***اللي شفته قبل ما تشوفك عنيه *** عمري ضايع يحسبوه إزاي عليه"، وبعد نحو ساعة وأنا قي قمة الاسترخاء، سرحان وأفكر في المغامرات القادمة التي ستحدث في أزقة وفنادق القاهرة ونيلها وحول الهرم، فأخذني الأفكار حتى تخيلت أني اسير وسط وادي الملوك وأتجول بين قبور الفراعنة في الوادي الصخري المحاط بالتماثيل والتعاويذ التي يعتقد الفراعنة أنها تحمي قبور ملوكهم فتبسمت منتعشا لهذه التخيلات اللذيذة، لكن فجأة ظهر لي شيئا وسط الظلام شل تفكيري ووقف له شعر رأسي وكدت أنحرف بالسيارة من الرعب الذي أصابني، فقد ظهر لي نفس الشخص الذي رأيته قبل ساعة في المحطة الموحشة وهو يقف في نصف الطريق وبدت لحيته الكثة وأسنانه ظاهرة كأنياب ذئب متوحش وعيناه المريبة ازدادت حمرة، كل ذلك حدث في جزء من الثانية لكن صورته انطبعت في مخيلتي بكل تفاصيلها، فأصبني الهلع الشديد وخشيت أن يكون عفريت من الجان لأني كنت قد قطعت إلى الآن نحو 150 كلم ولم أمر على أثر لوجود حياة أو إنسان أو حتى نار مشتعلة، فكيف وصل هذا المسخ إلى هنا ولماذا وقف وسط الطريق، وبسرعة وبفعل الخوف والرهبة أستبدلت شريط أم كلثوم ووضعت بدل منه القرآن الكريم بصوت الشيخ عبد الباسط عبد الصمد حتى وصلت لمنطقة جبلية ومنعطفات تلتف كأنها ثعبان ولا أعلم أين تقع على الخريطة التي معي واستمريت بالسير لنحو 10 كلم أخرى ثم أنبسط الطريق مرة أخرى وكنت أتمنى أن أجد أثر للحياة أو محطة وقود أو أي شيء أتوقف عنده حتى يهدأ روعي ويطمئن قلبي. وتذكرت وأنا أستمع للآيات الكريمة وحشة القبر عندما ينقطع الإنسان عن الناس والدنيا وكيف يكون حاله عندما يكون وحيدا ليقابل مصيره الحتمي تحت التراب والظلام الدامس، ولكني بدأت أشعر ببعض الطمأنينة عندما ظهرت في جانبي سيارة عراوي وبها شخصان ويضيئها نور أحمر خافت، فتجاوزاني ونظرت للسرعة لدي فكانت 140 كلم في الساعة، ارتحت بعض الشيء لوجود بشر بالقرب مني ولكن ذلك لم يدم طويلا، فقد اختفت السيارة بعد مدة في الظلام ثم أتت سيارة أخرى شبيهة لها تماما وتجاوزتني فازدادت دقات قلبي أكثر فأكثر وأحسست أن هنالك شيء غير طبيعي في تلك السياراتين، فقررت أن أتجاوزها بدوري فزدت من سرعتي وأنا أنظر إلى من بداخلها لأرى تحت الأضواء الحمراء الخافتة قزمان أجزم أنهما بطول طفل في الرابعة من العمر يضحكان ضحكات شيطانية من كل قلبهما وكأنهما يقولان شاركنا الضحك . فتعجبت كيف يمكنها سياقة السيارة وماهي سر تلك الضحكات التي تخلع القلب من مكانه، فاستبدلت شريط عبد الباسط عبد الصمد ووضعت سورة البقرة بصوت الشيخ العجمي، وتجاوزت السيارة بسرعة قصوى وألقيت عليهم نظرة أخيرة في المرآة العاكسة وقد اختفوا بعيدا عني، ولكن ويا للهول فبعد أكثر من ربع ساعة من تجاوزهم وأنا أقود بسرعة عالية وجدت السيارة الأولى أمامي، فزدت من السرعة حتى اقتربت من 200 كلم وتجاوزتها دون أن أجرأ حتى أن أنظر إليها فسطع ضوئها الأحمر بقوة علي وأضاء قمرة القيادة حتى أني رأيت قدماي واضحتان وعليهما ظلال قرني شيطان، ولكن المفاجأة التي كادت أن تقضي علي وتنهي كل شيئ في تلك اللحظة أن ظهرت سيارة أخرى ثالثة مماثلة أمامي وبها نفس الأشخاص ونفس الضوء الأحمر، فأحسست أني قد دخلت وادي التيه وخرجت من دائرة الزمان. كان قد بقي عن صلاة الفجر نحو ساعة فصرت أدعو الله أن يأتي بنور الصباح حتى تنتهي هذه الليلة المرعبة الطويلة وأنا وحيدا وجلا في قلب هذه البيداء التي لا نهاية لها أردد الأيات مع الشيخ العجمي، لكن ولله الحمد أتى الفرج عندما ظهر على مد البصر بصيص ضوء خافت في نهاية الطريق ففرحت واستبشرت خيرا وعادت الطمأنينة لي شيئا فشيئا وقررت التوجه إلى المكان والبقاء به حتى يشع نور الصباح. كان المحل الذي قصدته هو محطة تقوية للهاتف السعودي السيار الكحيان في تلك الأزمان، فتوقفت بالقرب منه وأطمأننت حينما وجدت عدة سيارات للهاتف وشخص مسلح يقوم بسكب ما بقي من القهوة على الرمال. وقفت في جانبه وكان ينظر إلي بحذر وأنا بدوري أنظر بحذر أكثر منه، سلمت عليه ورد التحية وقلت هل تسمح لي بالجلوس معكم حتى الصباح، رحب بي وقال حياك الله، تفضل صلي معنا الفجر وافطر ثم توكل على بركة الله. جلست معهم وكانوا نحو خمسة أشخاص وذكرت لهم قصتي، فأخبروني أني لست أول شخص يتوقف لديهم بسبب شعوره بالخوف والرهبة، بل في بعض الأحيان يأتي إليهم أكثر من خمسة أشخاص ومعهم سلاح ويطلبون الاستئناس معهم مثلي حتى الصباح. بعد الافطار وخروج الشمس استعدت ثقتي بنفسي وأكملت طريقي ووصلت إلى مدينة حقل على البحر الأحمر قرب الحدود الأردنية في السابعة صباحا، وسرعان ما نسيت العفاريت وشغلت أغنية لعبد الله الرويشد "على ايش نتفاهم وحبل المودة بيننا مقطوع" .

ومن مدينة حقل الصغيرة التي تقع على في شمال البحر الأحمر يستطيع الشخص أن يرى مصر والاردن واسرائيل وهو واقف في نقطة واحدة، فتوجهت منها شطر مدينة العقبة في الأردن وفي الجمارك الأردنية البدائية فتشني كهل أردني يلبس بدلة وعليها شماغ وعقال وطلب مني في العودة أن أحضر له هدية عبارة عن جزمة مقاس 43، صدقوني هذا ما طلب، ويا ليتني وفيت بوعدي له لأني حسيت أنه رجل طيب ويستحق والله التقدير، فهو كبير في السن ويظهر أنه قد عانى كثيرا من شظف العيش. وفي ميناء العقبة التي تنطلق منها البواخر والعبارات نحو مصر كان موعد أول باخرة ستبحر نحو ميناء نويبع في صحراء سيناء عند الساعة الثالثة عصرا، فاستقليتها بعد أن دفعت 1000 ريال فقط رسوم السيارة والتذكرة وكان اسم الباخرة "حقوق الإنسان". عندما ركبت الباخرة كان قد مر علي يومان لم أنم سوى ساعات بسيطة لا تتعدى الخمس ساعات، فأدخلت سيارتي في قعر السفينة وتوجهت للأماكن المخصصة لركاب الدرجة الأولى وأخذت جولة سريعة في عبارة حقوق الإنسان التي يعود تاريخ صناعتها للستينات الميلادية واتجهت للطابق العلوي ودخلت عن طريق سلم قصي يؤدي لسطح آخر فوق دكة العبارة، فرأيت باب يشبه زنزانة السجن تماما وعليه سلسلة عظيمة كالتي تربط بها أرجل الأفيال وقفل في مقاس شنطة مدرسية متوسطة الحجم وخلف الأسوار ينتشر عمال صعايده مسحوقين ومتناثرين فوق سطح السفينة وكأنهم يقضون فترة عقوبة مع الأشغال الشاقة. كان الهدف من سجنهم في الأعلى هو عزلهم عن بقية المسافرين وكأنهم ليسوا بشرا مثلنا، وهذا دليل بأن جنوح السفن والعبارات التي تنقل البشر من وإلى مصر وآخرتها عبارة السلام هو بسبب جشع أصحاب تلك البواخر وعدم وجود من يدافع عن هؤلاء البسطاء المسحوقين.

نمت في الباخرة من الساعة الرابعة عصراً حتى الثانية عشر ليلا، وعندما وصلنا جمارك نويبع تعرفت على شخص من قطر اسمه عبد الهادي ويعمل كاتب عدل في محكمة الدوحة ولديه سيارة موستنج سوداء واتفقنا أن نكمل المشوار سويا، وطالت اجراءات الجمارك والتفتيش والبخشيش الذي لا ينقطع حتى أذان الفجر، كل شيء عليه جمارك، نوعية الاستيريو الفخمة، نوعية جنوط السيارة، فتحة السقف، ما باقي إلا شراريبي ياخذون عليها جمارك، حتى شكيت والله إنهم كميرا خفية، وكله من غير أوراق أو وصولات، إدفع تنجو، تلكأ في الدفع تنام في الجمرك، بعدها انظلقنا وسط صحراء سيناء باتجاه القاهرة دون عفاريت هذه المرة برحلة طولها نحو 500 كلم. في الطريق إلى القاهرة تغيرت المعالم كثيراً، ففي الأمس كنت أرى سيارت الجمس المتروس حريم وبزران وسيارات الكابريس والجيب والليموزين السعودي، وهأنا بعد يوم واحد فقط أتجاوز السيارات من نوع فيات ونصر وتكسي البيجو الأسود والأبيض المصري الشهير والكتابات الجميلة عليه، صلى على النبي، يا ناس يا شر كفاية قر، أبو محمود وسارة، يا تعدي يا تهدي، آكلك منين يا بطة، وناس رايقة وتحب الحياة مش مثلنا رسميين لو تنظر عند الإشارة لأي واحد تراه متجهم وجاحظ العينين وكأنه في طريقه لمستشفى الأمراض العقلية. كنت أعلق المنبه لهم وأحييهم "صباح الورد يا قدعان" وهم يحيوني بفرح ويقولون "نورت مصر يابيه، يا أمير"، فالمصريين أكثر أهل الأرض "عشرية" بل أن مصر هي البلد الوحيد في العالم الذي لا تحتاج أن يرافقك إليها صديق. إذهب إلى أي قهوة شعبية إن كنت وحيدا واسحب بكل ثقة كرسيا وسطها وأسأل أقرب شخص بجانبك، "كم الساعة يا أفندم" واعلم رحمك الله، أن المصري لن يعطيك الجواب بسرعة أو ببساطة كما تتوقع، بل سوف يقول لك "عايزها كم يا أفندم، منور والله مصر، حضرتك من فين" ثم يدخل معك بحوار طويل في السياسة والكورة والاقتصاد والحج وقبر النبي (ص)، طبعا غني عن القول بان المصري موسوعة بكل شيء، خخخخخ ، وبعدين يعزمك على الشاي"واللب والسداني" "فصفص وفول سوداني" واليوم الثاني ممكن يعزمك على بط ووز واليوم الثالث يزعل لو ما مريت عليه أو سألت عن أحوال خالته إلي أخبرك أنها عيانة وكأنك نسيت العشرة إلي بنكم، وعلى النقيض من لندن ومن الانجليز، فلو سألت رجلا انجليزيا عن الساعة، فسوف تسمع إجابة مقتضبة وكأنها رصاصة إنطلقت من فمه ولن يكرر لك الجواب إن لم تسمعه وسوف يختفي من حياتك وسط الزحام ولن تراه مرة أخرى ما حييت أبدا. ومن الأشياء الجميلة التي رأيتها في سيناء هي آثار حرب 73 التي قادها السادات رحمه الله بحنكته ودهائه، فتجد مئات الدبابات الإسرائلية محطمة ومحترقة وصدئة بفعل الزمن، والجميل بأن أغلب فوهاتها متجهة نحو الشمال الشرقي، أي أنها كانت في حالة إنسحاب إلى اسرائيل، مما يرد بعض الثقة للعربي المعاصر بأن خير جند الله في الأرض متى ما توفرت لهم الظروف المناسبة والقيادة الصادقة، فلن تجد أشجع ولا أدهى منهم في الحروب.

وصلنا مع شروق الشمس للقاهرة واتجهت أنا وعبد الهادي لفندق ماريوت وحصلنا على غرفة تطل على حديقة الشاي والمسبح ب 55 دولار فقط، يعني كل واحد يدفع حوالي 27 دولار، لذلك شاركت بشهر كامل هو مدة وجود عبد الهادي من قطر بالرغم من وجود سكن لي في الدورم (سكن طلاب الجامعة الأمريكية في القاهرة).

في اليوم التالي اتجهت لسكن الجامعة الذي يقع في نهاية شارع شجرة الدر في حي المهندسين الحي الذي كان يعد في أربعينات القرن الماضي من أحياء القاهرة الراقية، وأشهر شوارعه شارع جامعة الدول العربية وشارع أحمد عرابي و شارع 26 يوليو، ووجدت جميع رفاقي قد وصلوا بالسلامة على الخطوط المصرية وحكيت لهم ما حصل لي من أهوال في الطريق بين حائل وتبوك وحقل، وأخبرني أحدهم بأنه سيعود معي في نهاية الدورة ولن يدعني أغامر في العودة لوحدي. كان سكن الطلاب جميل بناه كما توضح لوحة الشرف المعلقة في مدخله كل من القصيبي والجريسي وأحمد عبد اللطيف جميل، وهو مكون من جناحين، جناح للطلاب وجناح للطالبات وفي الطابق الأرضي، في أقصى البهو يوجد مطعم جميل خاص بالطلاب المقيمين القادمين من أنحاء العالم.

في البداية "كش" منا جميع الطلاب والطالبات لأنهم لم يستسيغوا هؤلاء الغزاة الجدد الأعراب الأقحاح أحفاد عدنان ومعد وقضاعة وطي ومضر الذين يختلفون عنهم في المظهر والسن والملبس، خاصة أننا احتلينا ركنا مميزا في البهو وقلبناه إلى سوق عكاظ نتباهى فيه بمفاخرنا فتتعالى أصواتنا المتشنجة أثناء أي حديث مهما كان تافها حتى لو أردنا شراء سندوتش فلافل بدون شطة نحدث جلبة وازعاج ونعيق فيسمعنا آخر طالب تعيس الحظ في البهو أكثر مما يسمع للشخص الذي يجلس معاه في نفس الطاولة والذي قد يكون يتحدث معه عن تكنولوجيا النانو. وجل مواضيعنا التي نناقشها مستهلكة وبيزنطية الطابع مثل مواضيع سياقة المرأة وأننا أفضل بشر في العالم وشعب الله المختار وغيرنا يخشى عليه من عذاب النار. لكن بعد مدة تمكن "بعض الخارجين عن الجماعة" وعددهم أربع وأنا كبيرهم بالطبع من كسر الحاجز النفسي الوهمي وتعرفنا على شيرل كندية مسلمة، وسمر سورية، وهيفاء وهبة لبنانيتان شقيقتان، وتبثا سامنثا أمريكية، وسهيل ودانيال سعوديان رغم أن اسم دانيال غير عربي فهما سعوديان من جدة.

كسرنا الحاجز النفسي وسحبنا على الركن السعودي الممل الفوضوي وانضممنا لاصدقئنا الجدد وأصبحنا نذهب للجامعة سويا ونعود فنقضي أجمل الأوقات في ركوب الخيل في صحراء الهرم أواستئجار البواخر النيليلة والسهر في الأماكن الراقية مثل ورلدز ويندو، وهو مطعم راقي في أعلى هلتون رمسيس أو في ماريوت والفنادق الأخرى الراقية. مع مرور الأيام بدأت أميل لهبة اللبناية وجذبني إليها بالاضافة لجمالها ذوقها الرفيع ورزانتها وكذلك ثقافتها العالية. لكني لم أظهر لها شيئا من ذلك بل عزمت أن أحول إعجابي بها إلى نوع من "التلذذ بالحرمان ،،،،، لن أكمل هنا".!!!!..

لذلك قمت بعمل اتفاق مع صاحب محل للورود في بداية شارع شجرة الدر المتفرع من شارع 26 يوليو وقريب من السكن باحضار باقة ورد كل يوم الساعة الثالثة ظهرا ويضعها في الاستقبال باسمها، فكان يرسلها مع "الصبي بلية" على دراجته الرشيقة، وللطرافة كان أحد زملائنا الطيبين والمتبسطين في حياتهم اليومية وهو من الناس الذين أعتز بصدقاتهم، كان قد اتفق مع صاحب محل فراخ بجانب محل الورد بأن يحضر فرختين عليهم القيمة يوميا لعمل كبسة محترمة يوزعها على بعض الشباب من نفس المجموعة. لم يكن الطبخ مسموح به في السكن لأسباب تتعلق بالسلامة ولوجود مطعم في الطابق الأول ولكن حبيبنا أبو عبد الله حصل على استثناء من الظابط برتبة عميد المسؤول عن أمن السكن لطبخ وجبة عشاء فرختين يوميا مع رز المهيدب طويل الحبة على شرط أن يحصل الضابط على صدر أو فخذ فرخة بالرز المعمر يوميا. "الصبي بلية" أصبح يأتي كل يوم بفرختين وبوكيه ورد، يضع على يمين المقود الورد وعلى يساره الفراخ وهو يفرق بينمها في الدريكسو حتى لا تختلط رائحة الورود بزفر الفراخ والله أعلم، فيسلم الفرختين لحراس الأمن لتتجه لأبي عبد الله مباشرة فيشرع بعملية الطبخ بمزاج عالي، بينما يتجه بوكيه الورد إلى الغرفة رقم 242 في قسم البنات. كنت أؤوكد على صاحب محل الورد دوما بأن لا يفشي السر وقد حافظ عليه تماما مع الإكرامية المتواصلة بطبيعة الحال. كنت أصرف كالعادة كل ما لدي من أموال في مقابل أن أتمتع بمباهج الحياة دون زلل لأقصى حد، وبالرغم من أن كل واحد منا كان يستلم في تلك الأيام مبلغ يصل نحو 18 ألف ريال سعودي بالإضافة إلى مبلغ 30 دولار كمصروف جيب يومي وسكن مجاني، إلا أني بسبب تلك التصرفات أصبت بالفلس قبل يومين من نهاية الشهر فإتجهت إلى صديقي العزيزي الذي يسكن معي بالغرفة واسمه سامر، وطلبت منه ألف جنيه ليومين فقط حتى تأتي المهية آخر الشهر، فرد علي يا عمي مجنون أعطيك، إحنا نقول فرصتنا في هذا الكورس بنطلع بأربعين أو خمسين ألف ريال وأنت تفلس من أول شهر، روح يا حبيبي انتبه لفولسك، قلت له لا تعطيني فلوس بس يرضيك ينقطع بوكيه الورد عن هبة، فقفز من مكانه وقال أفا عليك وأنا أخو حصة، والله ما ينقطع الورد عن هبة لين ينقطع نهر النيل، قوم معاي البنك وصرف لي ثلاثة آلاف جنيه وقال لا تنس تختار ورد زين لبكرة والله الله باللون الأحمر، كثر منه، خخخخخخخخ.

كانت البنت اللبنانية تفتخر بالمعجب الخفي أمام جميع البنات وأمامنا نحن الشباب ويبدو أنها لم تدرك أني أنا العاشق الهيمان إلي يستاهل قرص الوذان. ومن غيرة البنات منها قامت بعضهن باهداء انفسهن وردا وادعين أنه من عاشق آخر هيمان وخفي وكمان في حبهم غلبان، فتقاولن مع صاحب الورد حتى امتلاء الرسبشن بالورود فحسب بعض المارة في الشارع أن السكن تحول إلى محل لبيع الورود فقصده العرسان يبحثون عن كوشات وزينات، وزوار المرضى عن بعض الوريدات، ولكن حبل الكذب قصير ولم يمتد سوى اسبوع أو اسبوعين والصبورة من امتد بها الحال لشهر من الخيال، خخخخخ .

كان من ضمن الأشخاص الذين تعرفنا عليهم شاب سوري يدعى باسل وهو ولد معجباني ترعرع وتقرع شعر رأسه في مدينة الخبر، وسيم وجسمه رياضي ويحلق شعره على الصفر يوميا ويدعوه المصريون ب"زلبطة" يعني قرعة بلغتنا. وفي أحد الأيام كنا نتسامر وهبة تضع بوكيه الورد بكل فخر بحظنها ولكنها لما قامت سلمته إلى باسل وقالت خذ هذه الباقة لك فقد امتلئت غرفتي بالورود وأخذها باسل وتوجه بها لغرفته وعاد عندما أوشك وقت العشاء وبدأنا نحضر الطعام اللذيذ من المطعم في الطابق الأرضي. لم يرق لي ما فعلته هبة فقررت أن أقوم بمغامرة مجنونة فتسللت دون أن يشعر بي أحد وكأني ذاهب إلى دورة المياه، وهذه الطريقة استوحيتها كذلك من قصة شورلك هولمز المشوقة "مغامرة إكليل العقيق" التي يقوم خلالها القاتل بالتسلل من طاولة الطعام فيقتل الضحية ويعود لإكمال العشاء وكأنه ذهب لدورة المياه ليكون الجميع شهودا بأن القاتل كان معهم أثناء وقوع الجريمة، ذهبت وكان يفصل بين السكن الخاص بالشباب عن سكن البنات ساحة تتوسطها نافورة جميلة، نظرت فوجدت معظم الشبابيك مفتوحة في الجهتين ومن ضمنها شباك باسل وشباك هبة، فقررت تنفيذ الخطة التي طرأت لي وأقتربت من مواصير تصريف المياه وتسلقتها بخفة ودخلت غرفة باسل ووجدت البوكية فحملته ورأيت بيانو جميل في غرفته ثم وجدت ورقة وقلم فأخذت الورقة وكتبت الجملة التالية "لو أخذت الورد ثاني مرة كسرت البيانو فوق رأسك يا زلبطة، التوقيع زنهم أبودراع، فتوة الحسين "خخخخخخ، وربطت الورد في حزام بنطلوني ونزلت بسرعة بعد أن أخذت في جيبي ورقة أخرى وقلم زلبطة لأكتب رسالة أخرى لهبة واتجهت للجهة المقابلة وتسلقت إلى غرفتها ووضعت الورد على سريرها وكتب "أهديتك أجمل الورود ونسجت لك في قلبي أعذب الشعر، فاحفظي الورد كي أحفظ لكي في قلبي أجمل الأشعار، المتيم نديم الهوى". وعدت سريعا بعد أن نفضت ملابس من أي أثر للجريمة وأكملت العشاء معهم، وعندما عادت هبة لغرفتها رجعت وهي فرحة وخائفة في نفس الوقت تحمل بوكيه الورد والورقة المكتوبة عليها، فقام باسل مسرعا واتجه نحو غرفته وأحضر الورقة الأخرى التي كتبتها له وقرأها علينا جميعا، فاستغليت فرصة شعورهم بالشك والريبة والغموض الذي بدأ يتلبسهم عن سر هذا الشخص الخفي فقلت يا جماعة الخير أجزم أن لدينا جان هنا في السكن وأخبرتهم بالقصة التي حصلت لي في الطريق بين تبوك وحائل، وقلت لهم أني أشك أن الجان قد لحق بي أو أنه قد ركب في المقعد الخلفي معي بالسيارة وبدأ يلعب معنا ويتسلى بحكاية الورد، لكن تطمنوا، يبدو أنه عفريت رومانسي، وإلا حرام العفريت يحب يعني . عندما سمعت هبة ما أقول سقطت على المقعد شبه مغشي عليها وأتت بنت سمراء أخرى من جنوب أفريقيا فسالت ما بها وترجم لها باسل ما حصل وحدثها عن شكنا بالجن فسقطت كذلك مغشيا عليها وقمنا بمساعدتهما وأتى الطبيب بسرعة تسبقه كرشة العظيمة وكشف عليهما وقال أن كل نتائج الفحوصات سليمة ولكنهما تحتاجان لبعض الراحة. في الواقع لم يكن مغمى عليهم ولكنه دلع بنات مع شيء من الرهبة، وعدت المسألة على خير وبصراحة بغيت أعترف على نفسي لما حصل الموقف هذا بس انتظرت ولما تأكدت أن الجميع بخير بلعت العافية وسكت.

إلى هذا اليوم لم تكتشف هبة أني أنا الذي كنت أرسل لها الورد كل يوم، ولم أخبرها بدوري بشيء، ولم يكن يعرف سر الورد سوى صديقي سامر، لكن هبة بالتأكيد شكت في كثيرا، وقد تكون تأكدت من ذلك عندما سافرنا وانقطع عنها الورد، كما انقطعت الفراخ ورز المهيدب طويل الحبة عن السكن.

طولت عليكم، بتقولون بس وين بريصة اليوم، وأطمنكم إنه بخير وقد أخذ إجازة بسبب طول حلقة اليوم وسيعود لكم في الحلقة القادمة إن شاء الله



يتبع
اضافة رد مع اقتباس
  #30  
قديم 19/04/2010, 11:21 PM
الصورة الرمزية الخاصة بـ rashid-7
محرر أخبار رابطة ريال مدريد
تاريخ التسجيل: 21/01/2008
المكان: Real Madrid 2012-2013
مشاركات: 1,547
وييييينك ياخي؟؟

كمل كمل

الله يعاااااااااافيك
اضافة رد مع اقتباس
   


إضافة رد


قوانين المشاركة
غير مصرّح لك بنشر موضوع جديد
غير مصرّح لك بنشر ردود
غير مصرّح لك برفع مرفقات
غير مصرّح لك بتعديل مشاركاتك

وسوم vB : مسموح
[IMG] كود الـ مسموح
كود الـ HTML غير مسموح
Trackbacks are مسموح
Pingbacks are مسموح
Refbacks are مسموح



الوقت المعتمد في المنتدى بتوقيت جرينتش +3.
الوقت الان » 05:22 AM.

جميع الآراء و المشاركات المنشورة تمثل وجهة نظر كاتبها فقط , و لا تمثل بأي حال من الأحوال وجهة نظر النادي و مسؤوليه ولا إدارة الموقع و مسؤوليه.


Powered by: vBulletin Version 3.8.7
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd

Google Plus   Facebook  twitter  youtube