#1  
قديم 29/10/2009, 12:29 AM
زعيــم نشيــط
تاريخ التسجيل: 28/03/2008
مشاركات: 809
Lightbulb تفسير سورة المؤمنون (4)

[‏42 - 44‏]‏ ‏{‏ثُمَّ أَنْشَأْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ قُرُونًا آخَرِينَ * مَا تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَهَا وَمَا يَسْتَأْخِرُونَ * ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تَتْرَى كُلَّ مَا جَاءَ أُمَّةً رَسُولُهَا كَذَّبُوهُ فَأَتْبَعْنَا بَعْضَهُمْ بَعْضًا وَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ فَبُعْدًا لِقَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ‏}‏‏.‏
أي‏:‏ ثم أنشأنا من بعد هؤلاء المكذبين المعاندين قرونا آخرين، كل أمة في وقت مسمى، وأجل محدود، لا تتقدم عنه ولا تتأخر، وأرسلنا إليهم رسلا متتابعة، لعلهم يؤمنون وينيبون، فلم يزل الكفر والتكذيب دأب الأمم العصاة، والكفرة البغاة، كلما جاء أمة رسولها كذبوه، مع أن كل رسول يأتي من الآيات ما يؤمن على مثله البشر، بل مجرد دعوة الرسل وشرعهم، يدل على حقيه ما جاءوا به، ‏{‏فَأَتْبَعْنَا بَعْضَهُمْ بَعْضًا‏}‏ بالهلاك، فلم يبق منهم باقية، وتعطلت مساكنهم من بعدهم ‏{‏وَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ‏}‏ يتحدث بهم من بعدهم، ويكونون عبرة للمتقين، ونكالا للمكذبين، وخزيا عليهم مقرونا بعذابهم‏.‏ ‏{‏فَبُعْدًا لِقَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ‏}‏ ما أشقاهم‏"‏ وتعسا لهم، ما أخسر صفقتهم‏"‏‏.‏
‏[‏45 - 49‏]‏ ‏{‏ثُمَّ أَرْسَلْنَا مُوسَى وَأَخَاهُ هَارُونَ بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ * إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا عَالِينَ * فَقَالُوا أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنَا وَقَوْمُهُمَا لَنَا عَابِدُونَ * فَكَذَّبُوهُمَا فَكَانُوا مِنَ الْمُهْلَكِينَ * وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ‏}‏
مر عليَّ منذ زمان طويل كلام لبعض العلماء لا يحضرني الآن اسمه، وهو أنه بعد بعث موسى ونزول التوراة، رفع الله العذاب عن الأمم، أي‏:‏ عذاب الاستئصال، وشرع للمكذبين المعاندين الجهاد، ولم أدر من أين أخذه، فلما تدبرت هذه الآيات، مع الآيات التي في سورة القصص، تبين لي وجهه، أما هذه الآيات، فلأن الله ذكر الأمم المهلكة المتتابعة على الهلاك، ثم أخبر أنه أرسل موسى بعدهم، وأنزل عليه التوراة فيها الهداية للناس، ولا يرد على هذا، إهلاك فرعون، فإنه قبل نزول التوراة، وأما الآيات التي في سورة القصص، فهي صريحة جدا، فإنه لما ذكر هلاك فرعون قال‏:‏ ‏{‏وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ مِنْ بَعْدِ مَا أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الْأُولَى بَصَائِرَ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ‏}‏ فهذا صريح أنه آتاه الكتاب بعد هلاك الأمم الباغية، وأخبر أنه أنزله بصائر للناس وهدى ورحمة، ولعل من هذا، ما ذكر الله في سورة ‏"‏ يونس ‏"‏ من قولة‏:‏ ‏{‏ثم بعثنا من بعده‏}‏ أي‏:‏ من بعد نوح ‏{‏رسلا إلى قومهم فجاءوهم بالبينات فما كانوا ليؤمنوا بما كذبوا به من قبل كذلك نطبع على قلوب المعتدين* ثم بعثنا من بعدهم موسى وهارون‏}‏ الآيات والله أعلم‏.‏
فقوله‏:‏ ‏{‏ثُمَّ أَرْسَلْنَا مُوسَى‏}‏ بن عمران، كليم الرحمن ‏{‏وَأَخَاهُ هَارُونَ‏}‏ حين سأل ربه أن يشركه في أمره فأجاب سؤله‏.‏
‏{‏بِآيَاتِنَا‏}‏ الدالة على صدقهما وصحة ما جاءا به ‏{‏وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ‏}‏ أي‏:‏ حجة بينة، من قوتها، أن تقهر القلوب، وتتسلط عليها لقوتها فتنقاد لها قلوب المؤمنين، وتقوم الحجة البينة على المعاندين، وهذا كقوله ‏{‏وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ‏}‏ ولهذا رئيس المعاندين عرف الحق وعاند ‏{‏فَاسْأَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِذْ جَاءَهُمْ‏}‏ أي‏:‏ بتلك الآيات البينات ‏{‏فَقَالَ له فِرْعَوْنُ إِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا مُوسَى مَسْحُورًا‏}‏ فـ ‏{‏قال‏}‏ موسى ‏{‏قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنْزَلَ هَؤُلَاءِ إِلَّا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ بَصَائِرَ وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا فِرْعَوْنُ مَثْبُورًا‏}‏ وقال تعالى‏:‏ ‏{‏وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا‏}‏ وقال هنا‏:‏ ‏{‏ثُمَّ أَرْسَلْنَا مُوسَى وَأَخَاهُ هَارُونَ بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ* إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ‏}‏ كـ ‏"‏هامان‏"‏ وغيره من رؤسائهم، ‏{‏فَاسْتَكْبَرُوا‏}‏ أي‏:‏ تكبروا عن الإيمان بالله، واستكبروا على أنبيائه، ‏{‏وَكَانُوا قَوْمًا عَالِينَ‏}‏ أي‏:‏ وصفهم العلو، والقهر، والفساد في الأرض، فلهذا صدر منهم الاستكبار، ذلك غير مستكثر منهم‏.‏
‏{‏فَقَالُوا‏}‏ كبرًا وتيهًا، وتحذيرًا لضعفاء العقول، وتمويها‏:‏ ‏{‏أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنَا‏}‏ كما قاله من قبلهم سواء بسواء، تشابهت قلوبهم في الكفر، فتشابهت أقوالهم وأفعالهم، وجحدوا منة الله عليهما بالرسالة‏.‏
‏{‏وَقَوْمُهُمَا‏}‏ أي‏:‏ بنو إسرائيل ‏{‏لَنَا عَابِدُونَ‏}‏ أي‏:‏ معبدون بالأعمال والأشغال الشاقة، كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏وَإِذْ نَجَّيْنَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلَاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ‏}‏
فكيف نكون تابعين بعد أن كنا متبوعين‏؟‏‏"‏ وكيف يكون هؤلاء رؤساء علينا‏؟‏‏"‏ ونظير قولهم، قول قوم نوح‏:‏ ‏{‏أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ‏}‏ ‏{‏وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ‏}‏ من المعلوم أن هذا لا يصلح لدفع الحق، وأنه تكذيب ومعاندة‏.‏
ولهذا قال‏:‏ ‏{‏فَكَذَّبُوهُمَا فَكَانُوا مِنَ الْمُهْلَكِينَ‏}‏ في الغرق في البحر، وبنو إسرائيل ينظرون‏.‏
‏{‏وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى‏}‏ بعدما أهلك الله فرعون، وخلص الشعب الإسرائيلي مع موسى، وتمكن حينئذ من إقامة أمر الله فيهم، وإظهار شعائره، وعده الله أن ينزل عليه التوراة أربعين ليلة، فذهب لميقات ربه، قال الله تعالى ‏{‏وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الْأَلْوَاحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ‏}‏ ولهذا قال هنا‏:‏ ‏{‏لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ‏}‏ أي‏:‏ بمعرفة تفاصيل الأمر والنهي، والثواب والعقاب، ويعرفون ربهم بأسمائه وصفاته‏.‏
‏[‏50‏]‏ ‏{‏وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً وَآوَيْنَاهُمَا إِلَى رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ‏}‏
أي‏:‏ وامتننا على عيسى ابن مريم، وجعلناه وأمه من آيات الله العجيبة، حيث حملته وولدته من غير أب، وتكلم في المهد صبيا، وأجرى الله على يديه من الآيات ما أجرى، ‏{‏وَآوَيْنَاهُمَا إِلَى رَبْوَةٍ‏}‏ أي‏:‏ مكان مرتفع، وهذا ـوالله أعلمـ وقت وضعها، ‏{‏ذَاتِ قَرَارٍ‏}‏ أي‏:‏ مستقر وراحة ‏{‏وَمَعِينٍ‏}‏ أي‏:‏ ماء جار، بدليل قوله‏:‏ ‏{‏قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ‏}‏ أي‏:‏ تحت المكان الذي أنت فيه، لارتفاعه، ‏{‏سَرِيًّا‏}‏ أي‏:‏ نهرا وهو المعين ‏{‏وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا* فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا‏}‏
‏[‏51 - 56‏]‏ ‏{‏يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ * وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ * فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُرًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ * فَذَرْهُمْ فِي غَمْرَتِهِمْ حَتَّى حِينٍ * أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مَالٍ وَبَنِينَ * نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَل لَا يَشْعُرُونَ‏}‏
هذا أمر منه تعالى لرسله بأكل الطيبات، التي هي الرزق الطيب الحلال، وشكر الله، بالعمل الصالح، الذي به يصلح القلب والبدن، والدنيا والآخرة‏.‏ ويخبرهم أنه بما يعملون عليم، فكل عمل عملوه، وكل سعي اكتسبوه، فإن الله يعلمه، وسيجازيهم عليه أتم الجزاء وأفضله، فدل هذا على أن الرسل كلهم، متفقون على إباحة الطيبات من المآكل، وتحريم الخبائث منها، وأنهم متفقون على كل عمل صالح وإن تنوعت بعض أجناس المأمورات، واختلفت بها الشرائع، فإنها كلها عمل صالح، ولكن تتفاوت بتفاوت الأزمنة‏.‏
ولهذا، الأعمال الصالحة، التي هي صلاح في جميع الأزمنة، قد اتفقت عليها الأنبياء والشرائع، كالأمر بتوحيد الله، وإخلاص الدين له، ومحبته، وخوفه، ورجائه، والبر، والصدق، والوفاء بالعهد، وصلة الأرحام، وبر الوالدين، والإحسان إلى الضعفاء والمساكين واليتامى، والحنو والإحسان إلى الخلق، ونحو ذلك من الأعمال الصالحة، ولهذا كان أهل العلم، والكتب السابقة، والعقل، حين بعث الله محمدا ـ صلى الله عليه وسلم ـ يستدلون على نبوته بأجناس ما يأمر به، وينهى عنه، كما جرى لهرقل وغيره، فإنه إذا أمر بما أمر به الأنبياء، الذين من قبله، ونهى عما نهوا عنه، دل على أنه من جنسهم، بخلاف الكذاب، فلا بد أن يأمر بالشر، وينهى عن الخير‏.‏

ولهذا قال تعالى للرسل‏:‏ ‏{‏وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أمَّةً‏}‏ أي‏:‏ جماعتكم ـيا معشر الرسلـ جماعة ‏{‏وَاحِدَةً‏}‏ متفقة على دين واحد، وربكم واحد‏.‏


تفسير السعدي (تيسير الكريم المنان في تفسير كلام الرحمن)

سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم
اضافة رد مع اقتباس
  #2  
قديم 29/10/2009, 01:57 AM
الصورة الرمزية الخاصة بـ -( هلالي لو يقصوني )
زعيــم نشيــط
تاريخ التسجيل: 21/05/2009
المكان: شًبُكِة الزعٌيَمُ
مشاركات: 627
والله آنت الي صعب تتكرر .. والله موآضيع رآئعه ..
رغم النقل .. بس يله .. عموما يعطيك العافيه ..
اضافة رد مع اقتباس
   


إضافة رد

أدوات الموضوع
طريقة عرض الموضوع

قوانين المشاركة
غير مصرّح لك بنشر موضوع جديد
غير مصرّح لك بنشر ردود
غير مصرّح لك برفع مرفقات
غير مصرّح لك بتعديل مشاركاتك

وسوم vB : مسموح
[IMG] كود الـ مسموح
كود الـ HTML غير مسموح
Trackbacks are مسموح
Pingbacks are مسموح
Refbacks are مسموح



الوقت المعتمد في المنتدى بتوقيت جرينتش +3.
الوقت الان » 04:48 AM.

جميع الآراء و المشاركات المنشورة تمثل وجهة نظر كاتبها فقط , و لا تمثل بأي حال من الأحوال وجهة نظر النادي و مسؤوليه ولا إدارة الموقع و مسؤوليه.


Powered by: vBulletin Version 3.8.7
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd

Google Plus   Facebook  twitter  youtube