
26/11/2009, 04:30 PM
|
 | زعيــم متواصــل | | تاريخ التسجيل: 04/06/2009 المكان: وَلاَ تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَن تَخْرِقَ الأَرْضَ وَلَن تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولاً
مشاركات: 117
| |
||.. نظرة ثقافية سياسية تاريخية إلى الكلاسيكو الإسباني ..|| من الغريب أن يكون أكبر ديربي في العالم ليس ديربي بالمصطلح الجغرافي للكلمة، لأن كلمة ديربي تطلق على المباريات بين ناديين من نفس المدينة. لكن بمرور الوقت تحول لفظ ديربي بين الريال والبرسا إلى مصطلح أكثر جاذبية يدعى "الكلاسيكو" أو في بعض الأحيان "الكلاسيكو الكبير".
برشلونة يقع في إقليم كتلونيا وهو الإقليم الذي يقع في شمال شرق المملكة الإسبانية بينما يمثل ريال مدريد العاصمة الإسبانية مدريد..
وقد تنفرد إسبانيا دوناً عن أوروبا بكون مباراة مثل مباراة الكلاسيكو تكون الأجواء السياسية فيها واضحة جداً، وبالتأكيد فإن الدور السياسي والثقافي في الكلاسيكو يبرز بشدة لأن إقليم كتلونيا تختلف ثقافته جملة وتفصيلاً عن العاصمة الإسبانية رغم وقوعهما في نفس الدولة.
الكلاسيكو يمثل عقوداً من الدم، والكره والثأر بين العاصمة والإقليم، وهي المباراة التي تحولت إلى رمز للمقاومة والتحكم، وكل مصطلح من الإثنان يعتمد على الجانب الذي تقف بجانبه.
برشلونة على مدى العصور كان الممثل الأول لكتلونيا. إنه مؤسسة تمثل كل شئ كتالوني، ورمز للإقليم الذي شُل تقريباً خلال الفترة الديكتاتورية من الأربعينيات وحتى السبعينيات للجنرال فرانشيسكو فرانكو ديكتاتور إسبانيا الشهير، والتي شهدت الحرب الأهلية الإسبانية التي كان الكتالونيين يظهرون أنفسهم فيها من خلال برشلونة سواء على الصعيد السياسي، الثقافي، الإجتماعي وحتى الروحاني.
الجنرال فرانكو -الذي كان محباً لأتلتيكو مدريد في الأربعينيات والخمسينيات وربما كان مرتبطاً بالريال في السنوات التي تلتها – أخذ حقوق للكتلونيين بوسائل القمع ومنع اللغة الكتلونية، وهو الأمر الذي جعل ملعب الكامب نو بمثابة كاتدرائية للكتلونيين والمقصد الوحيد لهم .. يتكلمون فيه بحريتهم ويعبرون عن مشاعرهم بلغتهم الممنوعة بدون خوف أو تردد. النادي في أي مكان في العالم يعتبر رمز وممثل للمجتمع الكائن به، لكن برشلونة أصبح للكتلونيين أصبح أكثر من مجرد نادٍ، بل تحول إلى ما يشبه الهوس.
ولعل جملة (أكثر من مجرد نادٍ) تذكرنا بالشعار الشهير للكتلونيين (mes que un club) "أكثر من مجرد نادٍ" التي يتم وضعها على معظم لافتاتهم وأعلامهم التي يستخدمونها لتشجيع لبرسا وهي التي تعبر تماماً عما كان يمثله النادي في هذه الحقبة.
ربما العداوة الكروية الأولى بين ريال مدريد وبرشلونة حدثت في عام 1953 عندما كان يُعتقد أن الأسطورة الأرجنتينية الإسبانية "ألفريدو ديستيفانو" قد وقع لبرشلونة لكن خلافاً بين فصائل مشجعي برشلونة التي كان لا يريد بعضها الإعتراف بالعقد جعل رئيس ريال مدريد آنذاك "سانتياجو برنابيو" يخطف اللاعب من البرسا ليصبح أحد أشهر لاعبي الريال إن لم يكن أشهرهم على الإطلاق.
لكن البعض ينسى أيضاً قصة اللاعب الشهير كوبالا الذي كان قصته معكوسة، فمن لاعب قريب جداً من أن يصبح مدريدياً إلى لاعب أسطوري في صفوف البرسا.
وبمرور السنين، تنامى شعوراً لدى مشجعي الفرق الأخرى غير ريال مدريد أن الريال (ومعناها الملكي بالإسبانية وهي تماثل كلمة royal الإنجليزية ) يحظى بأفضلية لدى الجنرال الديكتاتوري، وأطلقت الجماهير الكتلونية الهتافات على الريال من نوعية "الفائز القبيح" وغيرها وتكهن هؤلاء المشجعون أن ريال مدريد يشتري الحكام ويرشوهم ويستميل مسئولي الإتحاد الإسباني ، وأنه يريد الهيمنة على كل مقدرات الكرة الإسبانية حتى يكون هو الوحيد على الساحة.
لكن الغريب أن شكوى مشجعي البرسا طوال الوقت من فرانكو وعهده صاحبه نجاحاً كبيراً في النصف الأول من عهد الديكتاتور للنادي الكتلوني، وهو ما يجعل مشجعي الأخير يتساءلون عن أي قمع يتحدث عنه محبي البرسا !؟
وكان يُنظر إلى إقليم كتلونيا في هذه الفترة على أنه أصل الأفكار التقدمية والمظهر الحضاري في إسبانيا عكس مدريد التي كانت تتخذ الطابع التقليدي في كل شئ، وأصبح الإقليم الشمالي الشرقي لإسبانيا على الحدود مع فرنسا بؤرة التقدم الثقافي وبداية الأمة الحرة بدلاً من الديكتاتورية.
الطابع العام في كتالونيا -ونادي برشلونة تحديداً- أنهم ضحايا للحكومة المدريدية التي يعتبرونها مثال للشر، وكان أبرز مثال للتدليل على هذا الأمر ما حدث عقب وفاة الجنرال فرانكو صباح يوم 20 نوفمبر من عام 1975 عندما خرج سكرتير عام البرسا خاومي روسيل ومدير النادي خوان جرانادوس ليلعبان بتمثال مصغر لفرانكو في دلالة صارخة على أن عصر من الظلم والقمع قد ولى وانتهى.
الكتلونيين احتضنوا القادمين للإقليم من مختلف الجنسيات الأوروبية وحتى من القارات الأخرى وحاولوا أن يجعلوهم يتشربون من الطابع الكتلوني وذلك في صراعهم المعنوي ضد مدريد. عندما جاء يوهان كرويف في عام 1973 أصبح على الفور محبوباً في كتلونيا وتحول هو نفسه إلى مناصر للقضية الكتلونية عندما أعلن أنه لن يلعب ابداً لريال مدريد بسبب ارتباطهم بالديكتاتور فرانكو. في واقع الأمر الإعلان كان له وقع مدوّي في أوروبا إذ أصبحت أوروبا تنظر في للريال وباتروناتهم ومشاهيرهم ومسئوليهم على أنهم وريثو فرانكو.
في الأعوام التالية أصبح برشلونة الإمتداد الإسباني للكرة الهولندية الشاملة، وأصبحوا مهوسين بالكرة الممتعة، وهي كرة القدم التي كانوا يرون أن مدريد لن تستطيع لعبها أبداً، وأصبح الكتالونيين ينشأوا على كره مدريد حتى وصولوا إلى إعتبار بعض الأجانب رموز كتالونية كارهة للريال مثل هريستو ستويشكوف ولويس فيجو الذي أصبح خائناً في نظرهم بعد أن انتقل إلى ريال مدريد في عام 2000.
لكن ريال مدريد أصبح لهم رموزهم أيضاً بدءاً من ديستيفانو مروراً بخورخي فالدانو ، زين الدين زيدان ، راؤول وانتهاءاً بإيكر كاسياس.
مدريد يعتبر تاريخياً النادي الأنجح في إسبانيا ولا ينفك مشجعوه يذكرون مؤيدي البرسا بأفضلية الريال وهيمنته وتفوقه في إسبانيا. وما يزيد على ذلك أن مشجعي الريال يؤكدون بكل فخر أن برشلونة – يحاول التباهي "يائساً" بأنه يستطيع مناطحة ريال مدريد- وهو الأمر الذي يرى المدريديون أنه من المستحيل أن يتساوى الإثنان معاً.
التنافر الثقافي والسياسي والعداوة بين الناديين عميق جداً وحتى مع ظهور العولمة في كرة القدم خلال القرن الـ21 لم ينجح أي شئ في تخفيف الصراع وظل مشتعلاً دائماً، ويتبنى بعضاَ من المخلصين للريال كالمجموعة سيئة السمعة "ألتراس سور" أو "الألتراس الجنوبيين" فكر فاشي تماماً في هذا الصدد.
لكن بعضاً من النقاط الطريفة قد تكون نقاطاً مضيئة، إذ يعتبر رئيس الوزراء الإسباني الحال خوسيه لويس ثاباتيرو مشجعاً برشلونياً في الوقت الذي يوصف صهر خوان لابورتا -رئيس البرسا- أليخاندرو إيكيفاريّا بأنه أحد الأوصياء على مؤسسة الجنرال فرانشيسكو فرانكو والتي أسستها أسرة الديكتاتور في ذكراه.
وبالتأكيد فإن السياسة تعتبر لعنة لكرة القدم ، لكن الأمر هنا ليس مجرد سياسية.. إنه ثقافة وتاريخ وسيكولوجيا "نفسية" وإيدولوجيا قد تجعل الكلاسيكو أكبر مباراة كرة قدم على الكوكب الذي نعيش عليه. Goal  |