المنتديات الموقع العربي الموقع الانجليزي الهلال تيوب بلوتوث صوتيات الهلال اهداف الهلال صور الهلال
العودة   نادي الهلال السعودي - شبكة الزعيم - الموقع الرسمي > المنتديات العامة > منتدى الثقافة الإسلامية
   

منتدى الثقافة الإسلامية لتناول المواضيع والقضايا الإسلامية الهامة والجوانب الدينية

إضافة رد
   
 
LinkBack أدوات الموضوع طريقة عرض الموضوع
  #1  
قديم 17/05/2002, 04:53 AM
زعيــم متواصــل
تاريخ التسجيل: 10/03/2002
المكان: السعودية
مشاركات: 62
Post عبدالكريم الحميد 1

قال حفظه الله :-

[ بسم الله الرحمن الرحيم ( نصيحـة وذكــرى للفلسطينيين خصوصاً وللمسلمين والعرب عموماً ).
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام علــى نبينا محمـد و على آلـــه وصحبه أجمعين .. أما بعد ..

فلقد قال نبي من أنبياء بني إسرائيل لما رأى ما يفعل بختنصر بقومه : (( بما كسبت أيدينا سلّطتَ علينا من لا يعرفك ولا يرحمنا)).

وقد اخترت هذا الكلام للمناسبة المشابهة، ولأن مدار هذه الذكرى على هذا المعنى. قال الله تعالى:{ فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنةٌ أو يصيبهم عذاب أليم }.

ولـمَّا ذكر سبحانه الأمم العاصية لرسله قال :{ فكُلاً أخذنا بذنبهِ فمنهم من أرسلنا عليه حاصباً ومنهم من أخذته الصيحة ومنهم من خسفنا به الأرض ومنهم من أغرقنا وما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون }.

فانظر قوله تعالى:{ فكلاً أخذنا بذنبه} وهذا حصل في الدنيا فما الذي يؤمِّن من سلك طريق العصاة أن يأتيه ما أتاهم من عقاب الله ونقمته ؟ (( فنفْسَك لُمْ ولا تَلُمِ المطايا )) . ونعوذ بالله أن نشْمت ، ولكن علينا أن نُبَيِّن ونُحذِّر .

وتأمل قول الله تعالى : { ليُذيقهم بعض الذي عملوا} وهذا يكون في العقوبات الدنيوية .

ثم يقول لنا الرب سبحانــــه بعدهم لنعتبر بهم ونخاف عادتــــــه التي جرت عليهــم:{ أأمنتـــــــم من فـــــــــــي السمـــــاء أن يخســـــف بكم الأرض فإذا هي تمور . أم أمنتم من في السماء أن يُرسل عليكم حاصباً فستعلمون كيف نذير }. ويقول سبحانه وتعالى:{ أفأمن الذين مكروا السيئات أن يخسف الله بهم الأرض أو يأتيهم العذاب من حيث لا يشعرون }. وإن تسليط اليهود على العرب إنما سببه الذنوب بلا شك ولا رَفْع لهذه العقوبة إلا بالتوبة .

وإن التوبة ليست مجردُ قولٍ باللسان وإنما هي مع ندم القلب حركة تغيير وانتقال مما يسخط الرب سبحانه إلى ما يرضيه لينتقل هو للعباد مما يغضبهم ويضرهم إلى ضده .

إنهم كثيرون في زماننا الذين يتكلمون في الدين في مهمات الأمة الكبرى وهم لا يحسنون إصلاح نفوسهم واستقامتها ،ولذلك فإن مجالات لومهم وتعنيفهم لاتخرج عن محيــــــط الحكام والدول وكــــــــــأن الشعــوب صُلحـــــاء أتقياء !! .

إنها لو صلحت الرعية لصلحت الرعاة و{ كما تكونوا يُولّى عليكم} .

أفما آن الآوان بعد ذلك لأن يستيقظ النائم ويستفيق الحالم ويعلم من يدعي أنه يهتم بأمر المسلمين أن طرقهم مسدودة . وأبواب نصرهم مغلقة لبلاء فيهم وهو سبب مصائبهم ودواهيهم .

وإنهم كثيرون أيضاً أصبحوا لا يستطيعون السمع إذا قيل لهم : إن سبب خذلان الشعوب المغلوبة إنما هو الذنوب .

وما سِرُّ هذا الوقر في مسامعهم إلا أنهم مشاركون في الآثام والعيوب .

وهل آن للشعوب المخذولة الآوان إلى أن تنظر بصدق إلى أسباب خذلانها لتتخلص منها ! ، وذلك بأن تقلل من لوم الحكام والدول راجعة بالملامة على نفسها فتغير من حالها ليغير الله لها !. ولقد تعلقت الشعوب اليوم بالحكام لأنها داخلة في ظلماتها حتى توكلت عليها لمشاركتها في تغييراتها وتبديلاتها ، ومع هذا حمّلتها الملامة دونها !. ولما وقعت في الشدائد إذا الطريق التي في سلوك نجاتها مسدودة، فوُكِلَت على من تعلقت به وتوكلت عليه ، وهذا هو عين الخذلان بلا شك . ولقد أخرج أحمد وابن ماجة أثراً عن مالك بن دينار أنه قال : قرأت في الحكمة أن الله عز وجل يقول : (( أنا الله مالك الملوك . قلوب الملوك بيدي، فمن أطاعني جعلتهم عليه رحمة ، ومن عصاني جلعتهم عليه نقمة. فلا تشغلوا أنفسكم بسَبِّ الملوك . ولكن توبوا إليَّ أعطفهم عليكم )).

فتأمل قوله عز وجل : (( توبوا إليَّ )) لتعلم بأنه ليس لنا من طريق نجاة إلا بالرجوع إلى من بيده أزمّة الأمور ، وإنما يكون ذلك بالتوبة الصادقة إذ أن للذنوب آثار سوء في الدنيا قبل عقاب الآخرة .

ولقد قال بختنصر لدانيال: ما الذي سلّطني على قومك ؟ قال : ((عظم خطيئتك وظلم قومي أنفسهم)).

فتأمل هنا قوله : (( وظلم قومي أنفسهم )) لتعلم أن هذه الشعوب إما أن تقول : ((لم نظلم أنفسنا )) فينقطع معها الكلام حينئذٍ ولا يُتعب المرء نفسه مع من لا يعقل . وإما أن يقولوا : (( ظلمنا أنفسنا )) فيُقال لهم حينئذ : توبوا إلى ربكم وانزعوا عن موجبات سخطه يُغيّر لكم .

ولقــد كــان الفُضيـــل بن عياض ـــ رحمه الله تعالى ـــ يقــــول للمجاهديــن إذا أرادوا الخروج للجهـــاد : (( عليكم بالتوبة فإنها ترد عنكم مالا تردّه السيوف )) .

بل وأبلغ من هذا تذكّر ما جرى في غزوة أحد من مخالفة الرماة وكيف أُديل العدو وسُلّط بسبب ذلك حتى أنزل الله قرآناً يعاتب فيه سادات الأولياء ؛ هذا وهم قد خرجوا جهاداً في سبيله خالصاً لتكون كلمته هي العليا بلا شوائب ، ومع ذلك ينزل سبحانه قوله :{ فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذابٌ أليم } . وبلا شك بأن رد بعض قول النبي ــ صلى الله عليه وسلم ــ مما يوجب الزيغ .

بل وقبل ذلك في غزوة بدر ينزل الله في شأن الأسرى { لولا كتاب من الله سبق لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم } ، وفي غزوة حنين تحصل الهزيمة لكلمة قيلت (( لن نُغلب اليوم من قلّة)) وينزل الله في ذلك قرآناً فيه العتاب حيث يقول سبحانه : { لقد نصركم الله في مواطن كثيرة ويوم حُنين إذا أعجبتكم كثرتكم ...}الآية .

وأخرج أحمد أثر جبير بن نفير أنه قال : (( لما فُتحت قُبرص فُرِّقَ بين أهلها فبكى بعضهم إلى بعض فرأيت أبا الدرداء جالساً وحده يبكي فقلت: يا أبا الدرداء ما يبكيك في يوم أعز الله فيه الإسلام وأهله ؟ فقال : ويلك يا جبير ما أهون الخلق على الله عز وجل إذا أضاعوا أمره . بينما هي أمة قاهرة ظاهرة لهم الملك تركوا أمر الله فصاروا إلى ما ترى )) انتهى .

فانظر قوله ((ما أهون الخلق على الله إذا أضاعوا أمره )) فالنجاة والنصر والعز إنما تكون في القيام بأمر الله و ضد ذلك إنما هو في تضييعه ولا طريق ثالث البتة .

وقد قال صلى الله عليه وسلم : ((إِذا ظَهَرَتِ المَعاصي في أُمَّتي عَمَّهُم الله بعَذَابٍ مِنْ عِنْدِهِ ... )). الحديث ، وقد ظهرت المعاصي والكفريات في كل أرض ظهوراً لم يسبق له مثيل فكيف يُستنكر عذاب الحروب إذاً .

ولقد أصبحت الأمة غُثاءً كغثاء السيل حتى نُزعت مهابتهــا من قلوب أعدائهـــا ـــ كمــا في حديث ثوبان ـــ، وفي حديث عبد الله بن مسعود : (( إذا ظَهرَ الربا والزّنا في قريةٍ أذن الله عز وجل بهلاكها )) وقد ظهر ذلك ظهوراً بيّناً ، وقد قيل لحذيفة ــ رضي الله عنه ــ : في يوم واحد تركت بنو إسرائيل دينهم !! فقال : (( لا ، ولكنهم كانوا إذا أمروا بشيء تركوه وإذا نُهوا عن شيء فعلوه حتى انسلخوا من دينهم كما ينسلخ الرجل من قميصه )).

وليُنظر حال الفلسطينين وغيرهم من العرب كيف شابهوا بني إسرائيل في ذلك ، وفي حديث عبد الله بن مسعود ــ رضي الله عنه ــ أن رسول الله ــ صلى الله عليه وسلم ــ قال (( يا معشر قريش .. إنكم أهل لهذا الأمر ما لم تعصوا الله فإذا عصيتموه بعث عليكم من يلحاكم كما يُلحى هذا القضيب والقضيب في يده ، ثم لحى قضيبه فإذا هو أبيض يصلد )) .

فتأمل هذا وأنه ليس بين الله وبين عباده نسب ، وانظر قوله ــ صلى الله عليه وسلم ــ : ((..فإنكم أهل لهذا الأمر ما لم تعصوا الله فإذا عصيتموه بعث عليكم من يلحاكم كما يلحى القضيب )) فأليس في هذا عبرة لمن يعتبر وموعظة لمن يتعظ !.

وإن كل شر في العالم فإنما سببه الذنوب وقد لا يرى العبد أثر الذنوب السيء في الحال فقد يتأخر تأثيرها فينسى ذلك ويظن أن الله لا يُغيّر عليه سواء في خاصته أو ما يعمّ شره من الذنوب .

وقد قال ابن القيم ـــ رحمه الله ـــ في ذلك : (( وسبحان الله ماذا أهلكت هذه النكتة من الخلق ، وكم أزالت من نعمة ، وكم جلبت من نقمة ، وما أكثر المغترين بها من العلماء والفضلاء فضلاً عن الجهال ، ولم يعلم المغتر أن الذنب ينقض ولو بعد حين كما ينقض السهم وكما ينقض الجرح المندمل على الغش والدغل ثم ذكر قول أبي الدرداء t : (( وأن الإثم لا ينسى )) .

وقد ذكر ابن القيم رحمه الله في كتابه [ الجواب الكافي ] أثار الذنوب والمعاصي وأطال ، حتى أتى بما يُدهش وما بعضه يكفي في الزجر عن معاصي الجليل سبحانه وبحمده ، بل وأتى بما بعضه يكفي لمعرفة سبب تسليط اليهود على العرب . وسأنقل نبذة مختصرة من كلامه في ذلك لمعرفة شؤم الذنوب وآثارها وعقوباتها في القلب والبدن في الدنيا والآخرة مما لا يعلمه إلا الله ، فمن آثارها : (( حرمان العلم وحرمان الرزق .

(ومنها) : وحشة يجدها العاصي في قلبه بينه وبين الله لا يوازيها ولا يقاربها لذة أصلاً ولوْ اجتمعت له لذات الدنيا بأسرها لم تفِ بتلك الوحشة .

(ومنها) : الوحشة التي بينه وبين الناس ولا سيما أهل الخير منهم فإنه يجد وحشة بينه وبينهم،وكلما قويت تلك الوحشة بَعُدَ منهم ومن مجالستهم،وحُرم بركة الانتفاع بهم ،وَقَرُب من حزب الشيطان بقدر ما بَعُد من حزب الرحمن .

(ومنها) : تعسير أموره فلا يتوجه لأمر إلا ويجده مغلقاً دونه أو متعسراً عليه ، وهذا كما أن من اتقى الله جعل الله له من أمره يسراً .

(ومنها) ظلمةٌ يجدها في قلبه حقيقة يحسُ بها كما يحس بظلمة الليل البهيم إذا ادلهم،فتصير ظلمة المعصية لقلبه كالظلمة الحسية لبصره فإن الطاعة نور والمعصية ظُلمة،وكلما قويت الظلمة ازدادت حيرته حتى يقع في البدع والضلالات والأمور المهلكة وهو لا يشعر كأعمى خرج في ظلمة الليل يمشي وحده .

(ومنها) : أن المعاصي توهن القلب والبدن .

(ومنها) : حرمان الطاعة .

(ومنها) : أن المعاصي تقصر العمر وتمحق بركته ولا بد .

(ومنها) : أن المعاصي تزرع أمثالها ويولّد بعضها بعضاً .

(ومنها) : ـــ وهو أخوفها على العبد ـــ أنها تضعف القلب عن إرادته فتقوى فيه إرادة المعصية وتضعف إرادة التوبة شيئاً فشيئاً إلى أن تنسلخ من قلبه إرادة التوبة بالكلية ، فلو مات نصفه لما تاب إلى الله فيأتي بالاستغفار وتوبة الكذابين باللسان لشيءٍ كثير وقلبه معقود بالمعصية مصرٌ عليها عازم على مواقعتها متى أمكنه ، وهذا من أعظم الأمراض وأقربها إلى الهلاك .

(ومنها) : أنه ينسلخ من القلب استقباحها فتصير له عادة فلا يستقبح من نفسه رؤية الناس له ولا كلامهم فيه . وهذا عند أرباب الفسوق هو غاية التفكّه وتمام اللذة حتى يفتخر أحدهم بالمعصية ويُحدث بها من لم يكن يعلم أنه عملها .

(ومنها): أن كل معصية من المعاصي فهي ميراث عن أمة من الأمم التي أهلكها الله عز وجل . فاللوطية ميراث عن قوم لوط .

(ومنها): أن المعصية سبب لِهَوَان العبد على ربه وسقوطه من عينه . قال الحسن البصري : (( هانوا على الله فعصوه ولو عَزّوا عليه لعصمهــم )) . وإذا هان العبــد على الله لم يكرمه أحد كمــا قال تعالــــى : { وَمنْ يُهنِ الله فما له من مُكرم }. وإن عظَّمهم الناس في الظاهر لحاجتهم إليهم أو خوفاً من شرهم فهم في قلوبهم أحقر شيء وأهْونه.

(ومنها) : أن العبد لا يزال يرتكب الذنوب حتى تهون عليه وتصغر في قلبه وذلك علامة الهلاك . فإن الذنب كلما صغر في عين العبد عظم عند الله .

وقد ذكر البخاري ـــ رحمه الله ــــ في صحيحه عن ابن مسعود أنه قال : (( إن المؤمن يرى ذنوبه كأنها في أصل جبل يخاف أن يقع عليه . وإن الفاجر يرى ذنوبه كذباب وقع على أنفه فقال به هكذا فطار )) !! .

(ومنها) : أن غيره من الناس والدواب يعود عليه شؤم ذنبه فيحترق هو وغيره بشؤم الذنوب والظلم .

(ومنها) : أن المعصية تورث الذل ولا بد فإن العز كل العز في طاعة الله تعالى . قال تعالى : { من كان يُريد العزة فلله العزة جميعاً} أي فليطلبها في طاعة الله فإنه لا يجدها إلا في طاعة الله .

(ومنها) : أن المعاصــــي تفسد العقــــل فإن للعقل نـــــوراً والمعصية تطفئ نور العقــــل ولا بد .

وإذا طفئ نوره ضعف ونقص ،قال بعض السلف : (( ما عصى الله أحد حتى يغيب عقله )) وهذا ظاهر فإنه لو حضره عقله لحجزه عن المعصية وهو في قبضة الرب تعالى ، وتحت قهره وهو مطلعٌ عليه وفي داره على بساطه وملائكته شهود عليه ناظرون إليه وواعظ القرآن ينهاه وواعظ الإيمان ينهاه وواعظ النار ينهاه، والذي يفوته بالمعصية من خير الدنيا أضعاف أضعاف ما يحصل له من السرور واللذة بها،فهل يُقدم على الاستهانة بذلك كله والاستخفاف به ذو عقلٍ سليم ؟ .

(ومنها) : أن الذنوب إذا تكاثرت طبع على قلب صاحبها .

(ومنها) : أن الذنوب تُدخل العبد تحت لعنة رسول الله ــ صلى الله عليه وسلم ــ فإنه لعن على معاصي وغيرها أكبر منها فهي أولي بدخول فاعلها تحت اللعنة .

(ومنها) : حرمان دعوة رسول الله ــ صلى الله عليه وسلم ــ ودعوة الملائكة .

(ومنها) : أنها تحدث في الأرض أنواعاً من الفساد . والفساد المراد به الذنوب وموجباتها، ويدل عليه قوله تعالى : {ليذيقهم بعض الذي عملوا} .

فهذه حالنا وإنما أذاقنا الله الشيءَ اليسير من أعمالنا ، فلو أذاقنا كل أعمالنا لما ترك على ظهرها من دابة .

ومن تأثير المعاصي : ما يحل بها من الخسف والزلازل ويمحق بركتها .

وقد مر رسول الله ــ صلى الله عليه وسلم ــ على ديار ثمود فمنعهم من دخول ديارهم إلا وهم باكون ، ومن شرب مياههم ومن الاستسقاء من آبارهم )) انتهى.

فانظر قول ابن القيم : (( فهذه حالنا ... ــ إلى آخره ــ)).. فأين في زماننا هذا من يعترف بأن سبب الحروب والمصائب وغيرها إنما هو بسبب ما نعمل من الذنوب ؟!! .. لقد سيطرت السياسات الطاغوتية على الملة الحنيفية !!.

ومن آثار المعاصي والذنوب ـــ كما يقول ابن القيم ـــ: (( أنها تطفئ من القلب نار الغيرة التي هي لحياته وصلاحه كالحرارة الغريزية لحياة جميع البدن فإن الغيرة حرارته وناره التي تخرج ما فيه من الخبث والصفات المذمومة كما يُخرج الكير خبث الذهب والفضة والحديد وأشرف الناس وأعلاهم قدراً وهمة أشدهم غيرةً على نفسه وخاصته وعموم الناس .

ولهذا كان النبي ــ صلى الله عليه وسلم ــ أغير الخلق على الأمه والله سبحانه أشد غيرة منه كما ثبت في الصحيح عنه ــ صلى الله عليه وسلم ــ أنه قال: (( أتعجبون من غيرة سعد؟ لأنا أغير منه والله أغير مني)).

(ومنها): ذهاب الحياء الذي هو مادة الحياة للقلب، وهو أصل كل خير.وذهابه ذهاب كل خير بأجمعه.

(ومنها): أنها تضعف في القلب تعظيم الرب جل جلاله وتضعف وقاره في قلب العبد لما تجرأ على معاصيه.

(ومنها): أن يرفع الله عز وجل مهابته من قلوب الخلق فيهون عليهم ويستخفون به كما هان عليه أمر الله واستخف به.

(ومنها) : أنها تستدعي نسيان الله لعبده وتركه وتخليته بينه وبين نفسه وشيطانه . وهنالك الهلاك الذي لا يرجى معه نجاة .

(ومنها): إبعاده عن رفقة المؤمنين فيفوته دفاع الله لأن الله يدافع عن الذين آمنوا .

(ومنها) : أنها تضعف سير القلب إلى الله والدار الآخرة وتعوقه وتوقفه وتعطفه عن السير فلا تدعه يخطوا إلى الله خطوة .

هذا إذا لم ترده عن وجهته إلى ورائه، فالذنب يحجب الواصل ويقطع السائر وينكس الطالب ، والذنب إما أن يميت القلب أو يمرضه مرضاً مخوفاً أو يضعف قوته ولا بد .

(ومنها) : أنها تزيل النعم وتحل النقم فما زالت عن العبد نعمة إلا بسبب ذنب ، ولا حلت به نقمة إلا بذنب كما قال علي بن أبي طالب ــ رضي الله عنه ــ (( ما نزل بلاء إلا بذنب ولا رفع بلاء إلا بتوبة ))، وفي بعض الآثار الإلهية عن الرب تبارك وتعالى أنه قال : (( وعزتي وجلالي لا يكون عبد من عبيدي على ما أحب ثم ينتقل عنه إلى ما أكره إلا انتقلت له مما يحب إلى ما يكره . ولا يكون عبدٌ من عبيدي على ما أكره فينتقل عنه إلى ما أحب إلا انتقلت له مما يكره إلى ما يحب )) انتهى .

فتأمل قوله سبحانه : (( ولا يكون عبد من عبيدي على ما أكره فينتقل عنه إلى ما أحب إلا انتقلت له مما يكره إلى ما يحب )) إن تطبيق هذا عملياً من الفلسطينين وغيرهم من العرب إنما يكون بالكفر بالطاغوت وبالكفر بالتحاكم إليه من هيئة أمم وغيرها سوى الكتاب والسنة .

ويكون ذلك ـــ أيضا ـــ بتسوية القبور وعدم الاعتقاد فيها والتعلق بها فلا يذبح لها ولا ينذر لها ولا يُدعى أربابها ولا يدعى عندها ولا يُتبرك بها ولا تُبنى عليها القباب .

فهذا كله شرك ووسيلة إلى الشرك وذلك من أعظم المحرمات .

ويكون ذلك التطبيق العملي ـــ أيضا ـــ بتكفير الكفار وبغضهم والبراءة منهم ؛ وهذا هو أصل ملة الخليلين إبراهيم ومحمد عليهما الصلاة والسلام . ويكون ذلك ـــ أيضا ـــ بإقامة الجهاد في سبيل الله لتكون كلمته هي العليا فحسب تجرداً من كل شعار جاهلي ، ويكون ـــ أيضا ـــ بإقامة الحدود الشرعية على كل أحد وأداء الفرائض كما جاء في الشرع والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والتوبة من شرب الخمر والدخان وجميع المخدرات ومن حلق اللحى وتبرج النساء وكشف وجوههن وتحطيم التلفاز والدش والراديو والفيديو وأمثالها من الخوارق التي تمثل الأصوات والصور والاقتصار على علم الرسول ــ صلى الله عليه وسلم ــ دون أن تطلب به الدنيا ، وكذلك إعدام الصور وتحريم التصوير والغناء واللواط والزنا والربا وجميع المنكرات . فمن أراد أن ينتقل الله له مما يكره إلى ما يحب فَلْيُري الله من نفسه خيراً .

إن بعض ما ذكرتُـه هنا من ذنوبنا ليكفي في تسليط الأعداء . وإننا لنخشى بأنه قد عُرج بالألباب لتنفذ المقادير.

قال الحسن البصري في مخالفة الرماة يوم أُحد وما جرى للنبي ــ صلى الله عليه وسلم ــ وسادات الأولياء معه قال عند قوله تعالى:{ ولقد عفا الله عنكم والله ذو فضلٍ على المؤمنين} قال ـــ رحمه الله ـــ : (( كيف عفا عنهم وقد قُتل منهم سبعون وقتل عم رسول الله ــ صلى الله عليه وسلم ــ وكُسرت رباعيته وشج في وجهه ، قال ثم يقول : قال الله عز وجل: قد عفوت عنكم إذ عصيتموني ألا أكون استأصلتكم ، ثم يقول الحسن : هؤلاء مع رسول الله ــ صلى الله عليه وسلم ــ وفي سبيل الله غضاب لله يقاتلون أعداء الله نُهوا عن شيءٍ فصنعوه فوالله ما تُرِكوا حتى غُموا بهذا الغم، فأفسق الفاسقين اليوم من يتجرأ على كل كبيرة ويركب كل داهية ويسحب عليها ثيابه ويزعم أن لا بأس عليه فسوف يعلم )) انتهى .

ومن آثار المعاصي والذنوب ـــ كما يقول ابن القيم ـــ: (( ما يلقيه الله سبحانه من الرعب والخوف في قلب العاصي فلا تراه إلا خائفاً مرعوباً .

(ومنها) : أنها توقع الوحشة العظيمة في القلب فيجد المذنب نفسه متوحشة قد وقعت الوحشة بينه وبين ربه وبينه وبين الخلق وبينه وبين نفسه .

(ومنها ) : أنها تصرف القلب عن صحته واستقامته إلى مرضه وانحرافه .

(ومنها) : أنها تعمي بصر القلب وتطمس نوره .

(ومنها) : أنها تصغر النفس وتقمعها وتدسيها وتحقرها حتى تصير أصغر من كل شيء وأحقره ، كما أن الطاعة تنميها وتزكيها وتكبرها .

(ومنها): أن العاصي في أسر شيطانه وسجن شهواته وقيود هواه . فهو أسير مسجون مقيَّد ، ولا أسير أسوأ حالاً من أسير أسَره أعدى عدو له ولا سجن أضيق من سجن الهوى ولا قيد أصعب من قيد الشهوة فكيف يسير إلى الله والدار الآخرة قلبٌ مأسور مسجون مقيد ، وكيف يخطو خطوة واحدة )) انتهى .

إن ما تقدم ذكره من الكفريات والمنكرات وترك الطاعات أعظم سجن للقلب وأعظم أسرٍ له وأشد قيد . وإن هذا ليحس به كوابيس الهم والغم المحيطة بالقلب وقد لا يعلم المصاب بذلك عن السبب وأنه بُعده من ربه وقربه من عدوه ، ومن شاء فليسأل كل من تاب إلى ربه وأقبل على طاعته عن التغيير الذي شعر به وأحسه وسيجد الجواب بأنه قد وجد راحة نفسية وأُنساً واستنارة في قلبه ورقة وأن كوابيس الهموم والغموم قد زالت عنه وانجلت عن قلبه ظلمتها .
اضافة رد مع اقتباس
  #2  
قديم 17/05/2002, 11:32 AM
مشرف سابق بمنتدى الثقافة الإسلامية
تاريخ التسجيل: 15/12/2000
المكان: القصيم
مشاركات: 2,953
الله يجزاك خير اخوي ابو علي
وبارك الله في الشيخ ونفعنا بعلمه ان شاء الله

إقتباس
إنهم كثيرون في زماننا الذين يتكلمون في الدين في مهمات الأمة الكبرى وهم لا يحسنون إصلاح نفوسهم واستقامتها ،ولذلك فإن مجالات لومهم وتعنيفهم لاتخرج عن محيــــــط الحكام والدول وكــــــــــأن الشعــوب صُلحـــــاء أتقياء !! .

اضافة رد مع اقتباس
   


إضافة رد


قوانين المشاركة
غير مصرّح لك بنشر موضوع جديد
غير مصرّح لك بنشر ردود
غير مصرّح لك برفع مرفقات
غير مصرّح لك بتعديل مشاركاتك

وسوم vB : مسموح
[IMG] كود الـ مسموح
كود الـ HTML غير مسموح
Trackbacks are مسموح
Pingbacks are مسموح
Refbacks are مسموح



الوقت المعتمد في المنتدى بتوقيت جرينتش +3.
الوقت الان » 01:38 AM.

جميع الآراء و المشاركات المنشورة تمثل وجهة نظر كاتبها فقط , و لا تمثل بأي حال من الأحوال وجهة نظر النادي و مسؤوليه ولا إدارة الموقع و مسؤوليه.


Powered by: vBulletin Version 3.8.7
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd

Google Plus   Facebook  twitter  youtube