#1  
قديم 11/10/2008, 05:47 AM
زعيــم نشيــط
تاريخ التسجيل: 28/03/2008
مشاركات: 809
Lightbulb تفسير سورة الواقعه (2)

‏[‏41ـ 48‏]‏‏{‏وَأَصْحَابُ الشِّمَالِ مَا أَصْحَابُ الشِّمَالِ * فِي سَمُومٍ وَحَمِيمٍ * وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ * لَا بَارِدٍ وَلَا كَرِيمٍ * إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُتْرَفِينَ * وَكَانُوا يُصِرُّونَ عَلَى الْحِنْثِ الْعَظِيمِ * وَكَانُوا يَقُولُونَ أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ * أَوَآبَاؤُنَا الْأَوَّلُونَ‏}‏
المراد بأصحاب الشمال ‏[‏هم‏:‏‏]‏ أصحاب النار، والأعمال المشئومة‏.‏
فذكر ‏[‏الله‏]‏ لهم من العقاب، ما هم حقيقون به، فأخبر أنهم

‏{‏فِي سَمُومٍ‏}‏
أي‏:‏ ريح حارة من حر نار جهنم، يأخذ بأنفاسهم، وتقلقهم أشد القلق،

‏{‏وَحَمِيمٍ‏}‏
أي‏:‏ ماء حار يقطع أمعاءهم‏.‏

‏{‏وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ‏}
‏ أي‏:‏ لهب نار، يختلط بدخان‏.‏

‏{‏لَا بَارِدٍ وَلَا كَرِيمٍ‏}
‏ أي‏:‏ لا برد فيه ولا كرم، والمقصود أن هناك الهم والغم، والحزن والشر، الذي لا خير فيه، لأن نفي الضد إثبات لضده‏.‏
ثم ذكر أعمالهم التي أوصلتهم إلى هذا الجزاء فقال‏:‏

‏{‏إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُتْرَفِينَ‏}
‏ أي‏:‏ قد ألهتهم دنياهم، وعملوا لها، وتنعموا وتمتعوا بها، فألهاهم الأمل عن إحسان العمل، فهذا هو الترف الذي ذمهم الله عليه‏.‏

‏{‏وَكَانُوا يُصِرُّونَ عَلَى الْحِنْثِ الْعَظِيمِ‏}
‏ أي‏:‏ وكانوا يفعلون الذنوب الكبار ولا يتوبون منها، ولا يندمون عليها، بل يصرون على ما يسخط مولاهم، فقدموا عليه بأوزار كثيرة ‏[‏غير مغفورة‏]‏‏.‏
وكانوا ينكرون البعث، فيقولون استبعادا لوقوعه‏:‏

‏{‏أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ أَوَآبَاؤُنَا الْأَوَّلُونَ‏}‏
أي‏:‏ كيف نبعث بعد موتنا وقد بلينا، فكنا ترابا وعظاما‏؟‏ ‏[‏هذا من المحال‏]‏ ‏{‏أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ أَوَآبَاؤُنَا الْأَوَّلُونَ‏}‏ قال تعالى جوابا لهم وردا عليهم ‏:‏


‏{‏قُلْ إِنَّ الْأَوَّلِينَ والآخرين لمجموعون إلى ميقات يَوْمٍ مَعْلُومٍ‏}
‏ أي‏:‏ قل إن متقدم الخلق ومتأخرهم، الجميع سيبعثهم الله ويجمعهم لميقات يوم معلوم، قدره الله لعباده، حين تنقضي الخليقة، ويريد الله تعالى جزاءهم على أعمالهم التي عملوها في دار التكليف‏.‏


‏{‏ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضَّالُّونَ‏}
‏ عن طريق الهدى، التابعون لطريق الردى،


‏{‏الْمُكَذِّبُونَ‏}
‏ بالرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ وما جاء به من الحق والوعد والوعيد‏.‏


‏{‏لَآكِلُونَ مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ‏}‏
وهو أقبح الأشجار وأخسها، وأنتنها ريحا، وأبشعها منظرا‏.‏


‏{‏فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ‏}‏
والذي أوجب لهم أكلها ـ مع ما هي عليه من الشناعةـ الجوع المفرط، الذي يلتهب في أكبادهم وتكاد تنقطع منه أفئدتهم‏.‏ هذا الطعام الذي يدفعون به الجوع، وهو الذي لا يسمن ولا يغني من جوع‏.‏
وأما شرابهم، فهو بئس الشراب، وهو أنهم يشربون على هذا الطعام من الماء الحميم الذي يغلي في البطون شرب الإبل الهيم أي‏:‏ العطاش، التي قد اشتد عطشها، أو ‏[‏أن الهيم‏]‏ داء يصيب الإبل، لا تروى معه من شراب الماء‏.‏


‏{‏هَذَا‏}‏
الطعام والشراب


‏{‏نُزُلُهُم‏}
‏ أي‏:‏ ضيافتهم

‏{‏يَوْمَ الدِّينِ‏}‏
وهي الضيافة التي قدموها لأنفسهم، وآثروها على ضيافة الله لأوليائه‏.‏
قال تعالى‏:‏ ‏{‏إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا خَالِدِينَ فِيهَا لَا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلًا‏}‏
ثم ذكر الدليل العقلي على البعث، فقال‏:


‏ ‏{‏نَحْنُ خَلَقْنَاكُمْ فَلَوْلَا تُصَدِّقُونَ‏}
أي‏:‏ نحن الذين أوجدناكم بعد أن لم تكونوا شيئا مذكورا، من غير عجز ولا تعب، أفليس القادر على ذلك بقادر على أن يحيي الموتى‏؟‏ بلى إنه على كل شيء قدير، ولهذا وبخهم على عدم تصديقهم بالبعث، وهم يشاهدون ما هو أعظم منه وأبلغ‏.‏

‏[‏58ـ 62‏]‏ ‏{‏أَفَرَأَيْتُمْ مَا تُمْنُونَ * أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ * نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ * عَلَى أَنْ نُبَدِّلَ أَمْثَالَكُمْ وَنُنْشِئَكُمْ فِي مَا لَا تَعْلَمُونَ * وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأُولَى فَلَوْلَا تَذَكَّرُونَ‏}‏
أي‏:‏ أفرأيتم ابتداء خلقتكم من المني الذي تمنون، فهل أنتم خالقون ذلك المني وما ينشأ منه‏؟‏ أم الله تعالى الخالق الذي خلق فيكم من الشهوة وآلتها من الذكر والأنثى، وهدى كلا منهما لما هنالك، وحبب بين الزوجين، وجعل بينهما من المودة والرحمة ما هو سبب للتناسل‏.‏
ولهذا أحالهم الله تعالى على الاستدلال بالنشأة الأولى على النشأة الأخرى، فقال‏:‏


‏{‏وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأُولَى فَلَوْلَا تَذَكَّرُونَ‏}‏

أن القادر على ابتداء خلقكم، قادر على إعادتكم‏.‏


‏[‏63ـ 67‏]‏ ‏{‏أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ * أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ * لَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَامًا فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ * إِنَّا لَمُغْرَمُونَ * بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ‏}‏
وهذا امتنان منه على عباده، يدعوهم به إلى توحيده وعبادته والإنابة إليه، حيث أنعم عليهم بما يسره لهم من الحرث للزروع والثمار، فتخرج من ذلك من الأقوات والأرزاق والفواكه، ما هو من ضروراتهم وحاجاتهم ومصالحهم، التي لا يقدرون أن يحصوها، فضلا عن شكرها، وأداء حقها، فقررهم بمنته، فقال‏:

‏ ‏{‏أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ‏}
‏ أي‏:‏ أأنتم أخرجتموه نباتا من الأرض‏؟‏ أم أنتم الذين نميتموه‏؟‏ أم أنتم الذين أخرجتم سنبله وثمره حتى صار حبا حصيدا وثمرا نضيجا‏؟‏ أم الله الذي انفرد بذلك وحده، وأنعم به عليكم‏؟‏ وأنتم غاية ما تفعلون أن تحرثوا الأرض وتشقوها وتلقوا فيها البذر، ثم بعد ذلك لا علم عندكم بما يكون بعد ذلك، ولا قدرة لكم على أكثر من ذلك ومع ذلك، فنبههم على أن ذلك الحرث معرض للأخطار لولا حفظ الله وإبقاؤه لكم بلغة ومتاعا إلى حين‏.‏
فقال‏:‏


‏{‏لَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَاهُ‏}‏
أي‏:‏ الزرع المحروث وما فيه من الثمار


‏{‏حُطَامًا‏}
‏ أي‏:‏ فتاتا متحطما، لا نفع فيه ولا رزق،


‏{‏فَظَلْتُم‏}
‏ أي‏:‏ فصرتم بسبب جعله حطاما، بعد أن تعبتم فيه وأنفقتم النفقات الكثيرة


‏{‏تَفَكَّهُونَ‏}‏
أي‏:‏ تندمون وتحسرون على ما أصابكم، ويزول بذلك فرحكم وسروركم وتفكهكم، فتقولون‏:‏


‏{‏إِنَّا لَمُغْرَمُونَ‏}‏
أي‏:‏ إنا قد نقصنا وأصابتنا مصيبة اجتاحتنا‏.‏
ثم تعرفون بعد ذلك من أين أتيتم، وبأي سبب دهيتم، فتقولون‏:


‏ ‏{‏بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ‏}‏
فاحمدوا الله تعالى حيث زرعه الله لكم، ثم أبقاه وكمله لكم، ولم يرسل عليه من الآفات ما به تحرمون نفعه وخيره‏.‏

‏[‏68ـ 70‏]‏ ‏{‏أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ * أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ * لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا فَلَوْلَا تَشْكُرُونَ‏}‏
لما ذكر تعالى نعمته على عباده بالطعام، ذكر نعمته عليهم بالشراب العذب الذي منه يشربون، وأنهم لولا أن الله يسره وسهله، لما كان لكم سبيل إليه، وأنه الذي أنزله من المزن، وهو السحاب والمطر، ينزله الله تعالى فيكون منه الأنهار الجارية على وجه الأرض وفي بطنها، ويكون منه الغدران المتدفقة، ومن نعمته أن جعله عذبا فراتا تسيغه النفوس، ولو شاء لجعله ملحا أجاجا مكروها للنفوس‏.‏ لا ينتفع به

‏{‏فَلَوْلَا تَشْكُرُونَ‏}‏
الله تعالى على ما أنعم به عليكم‏.‏


‏[‏71ـ 74‏]‏ ‏{‏أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ * أَأَنْتُمْ أَنْشَأْتُمْ شَجَرَتَهَا أَمْ نَحْنُ الْمُنْشِئُونَ * نَحْنُ جَعَلْنَاهَا تَذْكِرَةً وَمَتَاعًا لِلْمُقْوِينَ * فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ‏}‏
وهذه نعمة تدخل في الضروريات التي لا غنى للخلق عنها، فإن الناس محتاجون إليها في كثير من أمورهم وحوائجهم، فقررهم تعالى بالنار التي أوجدها في الأشجار، وأن الخلق لا يقدرون أن ينشئوا شجرها، وإنما الله تعالى الذي أنشأها من الشجر الأخضر، فإذا هي نار توقد بقدر حاجة العباد، فإذا فرغوا من حاجتهم، أطفأوها وأخمدوها‏.‏


‏{‏نَحْنُ جَعَلْنَاهَا تَذْكِرَةً‏}
‏ للعباد بنعمة ربهم، وتذكرة بنار جهنم التي أعدها الله للعاصين، وجعلها سوطا يسوق به عباده إلى دار النعيم،


‏{‏وَمَتَاعًا لِلْمُقْوِينَ‏}‏
أي‏:‏ ‏[‏المنتفعين أو‏]‏ المسافرين وخص الله المسافرين لأن نفع المسافر بذلك أعظم من غيره، ولعل السبب في ذلك، لأن الدنيا كلها دار سفر، والعبد من حين ولد فهو مسافر إلى ربه، فهذه النار، جعلها الله متاعا للمسافرين في هذه الدار، وتذكرة لهم بدار القرار، فلما بين من نعمه ما يوجب الثناء عليه من عباده وشكره وعبادته، أمر بتسبيحه وتحميده فقال‏:‏



‏{‏فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ‏}‏
أي‏:‏ نزه ربك العظيم، كامل الأسماء والصفات، كثير الإحسان والخيرات، واحمده بقلبك ولسانك، وجوارحك، لأنه أهل لذلك، وهو المستحق لأن يشكر فلا يكفر، ويذكر فلا ينسى، ويطاع فلا يعصى‏.‏

تفسير السعدي (تيسير الكريم المنان في تفسير كلام الرحمن)


سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم
اضافة رد مع اقتباس
   


إضافة رد

أدوات الموضوع
طريقة عرض الموضوع

قوانين المشاركة
غير مصرّح لك بنشر موضوع جديد
غير مصرّح لك بنشر ردود
غير مصرّح لك برفع مرفقات
غير مصرّح لك بتعديل مشاركاتك

وسوم vB : مسموح
[IMG] كود الـ مسموح
كود الـ HTML غير مسموح
Trackbacks are مسموح
Pingbacks are مسموح
Refbacks are مسموح



الوقت المعتمد في المنتدى بتوقيت جرينتش +3.
الوقت الان » 03:58 PM.

جميع الآراء و المشاركات المنشورة تمثل وجهة نظر كاتبها فقط , و لا تمثل بأي حال من الأحوال وجهة نظر النادي و مسؤوليه ولا إدارة الموقع و مسؤوليه.


Powered by: vBulletin Version 3.8.7
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd

Google Plus   Facebook  twitter  youtube