#1  
قديم 05/10/2008, 09:30 AM
زعيــم نشيــط
تاريخ التسجيل: 28/03/2008
مشاركات: 809
Lightbulb تفسير سورة الحديد (2)

[‏12ـ 15‏]‏

‏{‏يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ * يُنَادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ قَالُوا بَلَى وَلَكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ وَغَرَّتْكُمُ الْأَمَانِيُّ حَتَّى جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ وَغَرَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ * فَالْيَوْمَ لَا يُؤْخَذُ مِنْكُمْ فِدْيَةٌ وَلَا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مَأْوَاكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلَاكُمْ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ‏}‏

يقول تعالى ـ مبينا لفضل الإيمان واغتباط أهله به يوم القيامة ـ ‏:

‏ ‏{‏يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِم‏}‏
أي‏:‏ إذا كان يوم القيامة، وكورت الشمس، وخسف القمر، وصار الناس في الظلمة، ونصب الصراط على متن جهنم، فحينئذ ترى المؤمنين والمؤمنات، يسعى نورهم بين أيديهم وبأيمانهم، فيمشون بأيمانهم ونورهم في ذلك الموقف الهائل الصعب، كل على قدر إيمانه، ويبشرون عند ذلك بأعظم بشارة، فيقال‏:‏

‏{‏بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ‏}
‏ فلله ما أحلى هذه البشارة بقلوبهم، وألذها لنفوسهم، حيث حصل لهم كل مطلوب ‏[‏محبوب‏]‏، ونجوا من كل شر ومرهوب، فإذا رأى المنافقون نور المؤمنين يمشون به وهم قد طفئ نورهم وبقوا في الظلمات حائرين، قالوا للمؤمنين‏:

‏{‏انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُم‏}
‏ أي‏:‏ أمهلونا لننال من نوركم ما نمشي به، لننجو من العذاب، فـ ‏{‏قِيلَ‏}‏ لهم‏:‏

‏{‏ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا‏}
‏ أي‏:‏ إن كان ذلك ممكنا، والحال أن ذلك غير ممكن، بل هو من المحالات، ‏

{‏فَضُرِبَ‏}‏
بين المؤمنين والمنافقين

‏{‏بِسُورٍ‏}‏
أي‏:‏ حائط منيع، وحصن حصين،

‏{‏لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ‏}
‏ وهو الذي يلي المؤمنين

‏{‏وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ‏}
‏ وهو الذي يلي المنافقين، فينادي المنافقون المؤمنين، فيقولون لهم تضرعا وترحما‏:‏

‏{‏أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُم‏}
‏ في الدنيا نقول‏:‏ ‏{‏لا إله إلا الله‏}‏ ونصلي ونصوم ونجاهد، ونعمل مثل عملكم‏؟‏

‏{‏قَالُوا بَلَى‏}‏
كنتم معنا في الدنيا، وعملتم ‏[‏في الظاهر‏]‏ مثل عملنا، ولكن أعمالكم أعمال المنافقين، من غير إيمان ولا نية ‏[‏صادقة‏]‏ صالحة، بل

‏{‏فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُم‏}‏
أي‏:‏ شككتم في خبر الله الذي لا يقبل شكا،

‏{‏وَغَرَّتْكُمُ الْأَمَانِيُّ‏}‏
الباطلة، حيث تمنيتم أن تنالوا منال المؤمنين، وأنتم غير موقنين،

‏{‏حَتَّى جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ‏}‏
أي‏:‏ حتى جاءكم الموت وأنتم بتلك الحال الذميمة‏.‏

‏{‏وَغَرَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ‏}‏
وهو الشيطان، الذي زين لكم الكفر والريب، فاطمأننتم به، ووثقتم بوعده، وصدقتم خبره‏.‏

‏{‏فَالْيَوْمَ لَا يُؤْخَذُ مِنْكُمْ فِدْيَةٌ وَلَا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا‏}‏
فلو افتديتم بمثل الأرض ذهبا ومثله معه، لما تقبل منكم،

‏{‏مَأْوَاكُمُ النَّارُ‏}‏
أي‏:‏ مستقركم،

‏{‏هِيَ مَوْلَاكُم‏}‏
التي تتولاكم وتضمكم إليها، ‏{‏وَبِئْسَ الْمَصِيرُ‏}‏ النار‏.‏

‏[‏قال تعالى‏:‏‏]‏ ‏{‏وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ نَارٌ حَامِيَةٌ‏}‏

‏[‏16ـ 17‏]‏ ‏{‏أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ * اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ‏}‏
لما ذكر حال المؤمنين والمؤمنات والمنافقين والمنافقات في الدار الآخرة، كان ذلك مما يدعو القلوب إلى الخشوع لربها، والاستكانة لعظمته، فعاتب الله المؤمنين ‏[‏على عدم ذلك‏]‏، فقال‏:‏

‏{‏أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ‏}‏
أي‏:‏ ألم يجئ الوقت الذي تلين به قلوبهم وتخشع لذكر الله، الذي هو القرآن، وتنقاد لأوامره وزواجره، وما نزل من الحق الذي جاء به محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ‏؟‏ وهذا فيه الحث على الاجتهاد على خشوع القلب لله تعالى، ولما أنزله من الكتاب والحكمة، وأن يتذكر المؤمنون المواعظ الإلهية والأحكام الشرعية كل وقت، ويحاسبوا أنفسهم على ذلك،

‏{‏وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ‏}‏
أي‏:‏ ولا يكونوا كالذين أنزل الله عليهم الكتاب الموجب لخشوع القلب والانقياد التام، ثم لم يدوموا عليه، ولا ثبتوا، بل طال عليهم الزمان واستمرت بهم الغفلة، فاضمحل إيمانهم وزال إيقانهم،

‏{‏فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ‏}
‏ فالقلوب تحتاج في كل وقت إلى أن تذكر بما أنزل له الله، وتناطق بالحكمة، ولا ينبغي الغفلة عن ذلك، فإن ذلك سبب لقسوة القلب وجمود العين‏.‏


‏{‏اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ‏}‏
فإن الآيات تدل العقول على العلم بالمطالب الإلهية، والذي أحيا الأرض بعد موتها قادر على أن يحيي الأموات بعد موتهم، فيجازيهم بأعمالهم، والذي أحيا الأرض بعد موتها بماء المطر قادر على أن يحيي القلوب الميتة بما أنزله من الحق على رسوله، وهذه الآية تدل على أنه لا عقل لمن لم يهتد بآيات الله و‏[‏لم‏]‏ ينقد لشرائع الله‏.‏

‏[‏18ـ 19‏]‏ ‏{‏إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقَاتِ وَأَقْرَضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعَفُ لَهُمْ وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ *وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ أُولَئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَدَاءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ‏}‏

‏{‏إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقَاتِ‏}‏
بالتشديد أي‏:‏ الذين أكثروا من الصدقات الشرعية، والنفقات المرضية،

‏{‏وَأَقْرَضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا‏}
‏ بأن قدموا من أموالهم في طرق الخيرات ما يكون مدخرا لهم عند ربهم،

‏{‏يُضَاعَفُ لَهُمُ‏}‏
الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، إلى أضعاف كثيرة،

‏{‏وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ‏}
‏ وهو ما أعده الله لهم في الجنة، مما لا تعلمه النفوس‏.‏

‏{‏وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ‏}
‏ والإيمان عند أهل السنة‏:‏ هو ما دل عليه الكتاب والسنة، هو قول القلب واللسان، وعمل القلب واللسان والجوارح، فيشمل ذلك جميع شرائع الدين الظاهرة والباطنة، فالذين جمعوا بين هذه الأمور هم الصديقون أي‏:‏ الذين مرتبتهم فوق مرتبة عموم المؤمنين، ودون مرتبة الأنبياء‏.‏
‏[‏وقوله‏:‏‏]

‏ ‏{‏وَالشُّهَدَاءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُم‏}‏
كما ورد في الحديث الصحيح‏:‏ ‏{‏إن في الجنة مائة درجة، ما بين الدرجتين كما بين السماء والأرض، أعدها الله للمجاهدين في سبيله‏}‏ وهذا يقتضي شدة علوهم ورفعتهم، وقربهم الله تعالى‏.‏

‏{‏وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ‏}
‏ فهذه الآيات جمعت أصناف الخلق، المتصدقين، والصديقين، والشهداء، وأصحاب الجحيم، فالمتصدقون الذين كان جل عملهم الإحسان إلى الخلق، وبذل النفع إليهم بغاية ما يمكنهم، خصوصا بالنفع بالمال في سبيل الله‏.‏
والصديقون هم الذين كملوا مراتب الإيمان والعمل الصالح، والعلم النافع، واليقين الصادق، والشهداء هم الذين قاتلوا في سبيل الله ‏[‏لإعلاء كلمة الله، وبذلوا أنفسهم وأموالهم‏]‏ فقتلوا، وأصحاب الجحيم هم الكفار الذين كذبوا بآيات الله‏.‏
وبقي قسم ذكرهم الله في سورة فاطر، وهم المقتصدون الذين أدوا الواجبات وتركوا المحرمات، إلا أنهم حصل منهم تقصير ببعض حقوق الله وحقوق عباده، فهؤلاء مآلهم الجنة، وإن حصل لهم عقوبة ببعض ما فعلوا‏.‏

تفسير السعدي (تيسير الكريم المنان في تفسير كلام الرحمن)


سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم
اضافة رد مع اقتباس
  #2  
قديم 05/10/2008, 09:41 AM
موقوف
تاريخ التسجيل: 06/06/2008
المكان: الـشـرقـيه
مشاركات: 7,139
جـــزاك اله خيرا وجعله في موازيين حسناتك,,

ونفع بك,,

ورده
اضافة رد مع اقتباس
   


إضافة رد

أدوات الموضوع
طريقة عرض الموضوع

قوانين المشاركة
غير مصرّح لك بنشر موضوع جديد
غير مصرّح لك بنشر ردود
غير مصرّح لك برفع مرفقات
غير مصرّح لك بتعديل مشاركاتك

وسوم vB : مسموح
[IMG] كود الـ مسموح
كود الـ HTML غير مسموح
Trackbacks are مسموح
Pingbacks are مسموح
Refbacks are مسموح



الوقت المعتمد في المنتدى بتوقيت جرينتش +3.
الوقت الان » 04:39 AM.

جميع الآراء و المشاركات المنشورة تمثل وجهة نظر كاتبها فقط , و لا تمثل بأي حال من الأحوال وجهة نظر النادي و مسؤوليه ولا إدارة الموقع و مسؤوليه.


Powered by: vBulletin Version 3.8.7
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd

Google Plus   Facebook  twitter  youtube