< الـ س ـلام عليكم > . . رأيت الموضوع في بدايته لكن لم أكن أملك ما أُضيفـه .. الكلمات ذات الصدى لدي كنت أكتبها في ملاحظات الجوال .. لكن ما إن بدأت أُشارك هُنا وجدت الكثير والكثير ما يستحق أن أدوّنه لدي ., لكن تبقى مشكلة ( الكسل ) مُتملكة مني عالم الهلال فكرة مميزة جداً .. | إقتباس | | | | |
الرسالة الأصلية كتبت بواسطة أسيرة الزعيم | | | | | | | | إن كتب الله لي العودة .. سأحط رحالي هنا .. وإن لم أعد .. فأنا الخاسرة ! | | | | | |
ليس مجاملة لكن مجرد القاء نظرة على مشاركاتك سنجد كلمات أوجدت صداها لدينا . . مقال نُشر اليوم بقلم زاهي وهبي في جريدة الحياة بـ عنوان " حبر وملح - في غرفة الولادة " »حين يشدّ المولود الجديد على إصبع أبيه للمرة الأولى يعني أنه أمسك بها الى الأبد».
(غابرييل غارسيا ماركيز)
أزعم أنني عشتُ هذا الأمر وعلمته قبل قراءتي لعبارة ماركيز التي وردت في رسالة الى اصدقائه ومحبيه، ترجمها الشاعر جاد الحاج ونشرتها «الحياة» (21 كانون الأول / ديسمبر 2007).
قبل عشرين يوماً من نشر «الحياة» لرسالة ماركيز، فجر الاول من كانون الأول، كنتُ في غرفة الولادة الى جانب زوجتي أنصت لصرخة مولودنا الأول، أرى نظرته الأولى، أراقب حركاته التي تبدو كأنها تهليل للعالم الجديد أو احتجاج عليه.
قبل ذلك اليوم المشهود في حياتي، عشتُ تسعة شهور بالتمام والكمال استعداداً للولادة. شاركت رابعة الشاردة والواردة، تحسستُ بطنها المتكورة آلاف المرات، ذهبتُ برفقتها الى الطبيب أكثر من مرة، سألته أحياناً أكثر مما فعلت هي، حفظتُ كتاب مراحل الحمل والولادة غيباً. واحتفظنا معاً وتباعاً بكل الصور الصوتية التي تُظهر تشكل الجنين ومراحل نموّه. كانت الأيام تمر ثقيلة متكاسلة، وكان صبرنا ينفد في انتظاره فنروح نملأ الوقت بتخيله.
حين اخترنا له إسماً وحسمنا الامر لم يعد «هو» ضميراً. صار «دالي» فرداً من العائلة الصغيرة قبل ان يولد. أعددنا له كل ما استطعنا من عدة و «رباط» الطفولة. وكم كنتُ أنتشي وأفرح وأنا أراقب أمه تجهّز له كل ما يليق بقدومه، من دون ان أقول لها انني أتعاطى مع المسألة، في واحد من جوانبها، باعتبارها تعويضاً تأخر أكثر من أربعين سنة عن أشياء كثيرة حرمتني منها «الطفولة» وسرقتها الأيام، وها هي تعيدها بعد أربعة عقود ونيف.
لا تشبه غرفة الولادة في المستشفى الهادئ، الغرفة الترابية التي وُلدتُ فيها بأي شيء، لكنني كنتُ ممسكاً بيد زوجتي، وكأنني أولد من جديد. لثوان شعرتُ أنني الوالد والمولود في آن، واستعدت شريط حياتي منذ لحظة الوعي الأولى حتى اللحظة التي امتدت فيها يد «دالي» لتمسك إصبع يدي الى الأبد.
سبحان الخالق ما من عبارة أخرى تفي بالغرض، خصوصاً لمن يعيش تلك اللحظة النادرة في غرفة الولادة. اذ لا يجد المرء تفسيراً علمياً ومنطقياً على رغم كل المنجزات الطبية والتكنولوجية والفلسفية لهذا السر العظيم الذي يجعل يداً ضئيلة طرية ليّنة، تقبض بكل قوة على اصبع الروح منذ اللحظة الأولى والى الأبد.
هذا الصغير يعيد تشكيل صوتي بصراخه.
هذا الصغير يعيد ترتيب حياتي بنظرة واحدة.
هذا الصغير يعيد تشكيل روحي، بروحه البريئة النقية الطاهرة.
هذا الصغير يقبض على حنجرتي ومجرى النفس بابتسامة أرق من جناح فراشة، وأكثر نعومة من الرماد.
لماذا أكتب ما هو شخصي وحميم، وما علمه وذاقه قبلي البشر جيلاً تلو جيل؟ ولكن ما الكتابة إن لم تكن نابعة من الشخصي جداً والحميم جداً؟ وهل من أمر لم يقله او يكتبه الاسلاف؟
اذاً، أكتب لأشهد. وأشهد أن لحظة الولادة من أبهى لحظات العمر، وأن دخول الزوج غرفة الولادة ومشاركته المعنوية لزوجته (كما ينصح الأطباء كافة) فرصة حقيقية للزوجين ليتقاسما تلك المتعة وليرسخا الأواصر، بينهما وبينهما وبين المولود الجديد.
حبذا لو يقتنع الرجال. فنسبة الازواج الذكور الذين يدخلون غرفة الولادة في كل أنحاء العالم، لم تتجاوز الثلاثة في المئة، وهي نسبة ضئيلة تكشف كم يحتاج العقل الذكوري من الجهد والوقت ليقتنع بأن الحياة شراكة وبأن الانسان مثنّى لا مفرد.
»إسأل مجرب ولا تسأل حكيم»، يقول المثل. وبوصفي مجرّباً أضم صوتي الى صوت الاطباء وأقول لبني «جنسي» لا يفوّتنّ أحد منكم تلك اللحظات التي تفوق الوصف ومنها لحظة اللقاء الأول بين المولود وأمه. حين وضع الطبيب «دالي» بين ذراعي رابعة وضمته الى صدرها للمرة الأولى، كانت الكاميرا في يدي تثبّت لحظة لا توصف: الأم تنظر بحنان واستكشاف وتتهجى بشوق ولهفة ملامح مَن حملته في أحشائها تسعة شهور، والمولود ينظر بحنان واستكشاف ايضاً الى الوجه الذي من الآن فصاعداً سيفرح لفرحه ويحزن لحزنه، ويرافقه في رحلة الحياة وتصاريفها المختلفة.
ما تقدم ليس مقالة، بل بطاقة شكر للذين ملأوا بيتي وروداً وأمنيات، وشاركوني فرحة «الأبوة بعد الأربعين» (لي إليها عودة). مشاركةً مني لهم الاحاسيس الفطرية الخالصة المصفاة من شوائب الدنيا وأدرانها، وتحريضاً للأزواج الذكور على فعل «فعلتي»، و «لأن الغد ليس مؤكداً لا للشاب ولا للكهل – كما يقول ماركيز – فلنتصرف لئلا نندم لأننا لم نبذل الجهد الكافي لنبتسم، لنحنّ، لنطبع قبلة، أو لأننا مشغولون عن قول كلمة فيها أمل».
وكل أملي بات الآن ان يعيش «دالي» ورفاقه «زمناً» أكثر أماناً واستقراراً وطمأنينة من «زمن» أبيه ورفاقه.
مقالة جميلة آمل ان تعجبكم وأعتذر على الإطالـة (( متابع ))