][ ... هكذا كانت الساحة قبل أن تجتاحها قوافل السعودة ... ][

حياتي في الساحة العربية كحياة أي عضوٍ فيها، كنت أكتب فيها جميع ما يرد على ذهني من مقالاتٍ أو موضوعاتٍ أرى أنها تلامس الهم العام، أسلوبٍ ساخرٍ غارقٍ في السخرية، كمشكلتي مع المرور مثلاً، والتي قيل إنها انتشرت في المنتديات وفاق قراءها مليون قارئ والله أعلم، أو أنفس من خلالها عن نفسي، ولم أنشغل بالردود والمناقشات كما حصل في نهاية المطاف، وكان الإشراف غايةً في الصرامة والقوة والحزم والمتابعة، بل إنه أصدر عدداً من القرارات المصيرية بمنع نشر بيانات المعارضة في المنتدى وما إلى ذلك، كان عصراً ذهبياً حقيقياً للمنتدى يجبرك على التفرج والقراءة أكثر من أن تكتب أو تشارك، فقد ضمت في جنباتها رواداً حقيقيين من شتى بقاع الأرض، رجل كهل من موسكو اسمه عماد الدين يعمل في مجال التجارة، وآخر من دولة بنجلاديش تميز بإتقانه لفنون الحاسب الآلي بشكلٍ مثيرٍ، وثالث شيخ ستيني من دولة اليمن يكتب مقالاته باللهجة اليمنية الصرفة وكان ساخراً لاذعاً مثقفاً، اسمه في المنتدى ( هذا عم عبده ) ثوريون من المشرق والمغرب، من ليبيا والجزائر والمغرب وتركيا والعراق، باختصارٍ شديدٍ كانت ساحةً عربيةً حقاً، تلامس الهم العربي والإسلامي، قبل أن تجتاحها قوافل السعودة فتتحول إلى إقليميةٍ ضيقةٍ، أخرجت أو أجبرت أولئك على الخروج منها .


أبرز المراحل فيها قمت بتقسيمها إلى شطرين، معرف كنت أكتب فيه داخل الساحة المفتوحة أتناول فيه ومن خلاله الموضوعات الاجتماعية والمحلية، ومعرف آخر كنت أكتب فيه داخل الساحة السياسية، وأتجاوز فيه الخطوط الحمراء أحياناً كنوعٍ من الحرية التي طال غيابها، ولا أسمح للمعرفين بالإلتقاء بأي حالٍ من الأحوال، لا تأييداً ولا دفاعاً، حتى غلب معرف الساحة السياسية على معرف الساحة المفتوحة بالموضوعات والطرح، فجمّدته ( معرف الساحة المفتوحة ) ثم أهديته كما أهديت غيره، ولم أكن بحاجةٍ لاستعمال معرفاتٍ رديفةٍ للدفاع عن كتاباتي كنت أراها لا تليق بي، ولا يفعلها إلا هواة ومحترفي القص واللصق وما أكثرهم .


لم أواجه شيئاً ذا بالٍ، كنت كاتباً مثل غيري من الكتاب لا أحظى بأي امتيازاتٍ، حذفت لي مقالات وأوقفت عن الكتابة أكثر من ثلاثة أسابيع، هذا بعد الشهرة داخل المنتدى، كنت أعامل مثلي مثل أي عضوٍ من أعضاء الساحة العربية، وهذا الموقف يثمن لحيادية مشرفي الساحات وأصحابها، لم يكن هناك فرق بين الخيار ولا الفقوس . استمر العطاء التحريري في الساحة العربية حتى انهارت الأبراج الأمريكية، ودكت أفغانستان بالقنابل الذكية، واشتعلت جبهة الوطن الداخلية، بالقتل والتفجير، والنسف والاغتيال والتدمير، فكنا من ضحايا الإنترنت، وممن حظي بضيافةٍ مؤقتةٍ لدى وزارة الداخلية، والفتنة إذا حلت فلن تميز بين ثائر حروفٍ، أو ثائر قنابل، مع أنني والحق يقال كنت قد طلقت الإنترنت مؤقتاً، وكان ذلك الطلاق على مرحلتين .


الأولى : بعد الضغوط العائلية، كان طلاقاً مزيفاً، خرجت منها باسمٍ ودخلتها من الباب الخلفي باسمٍ آخر .


والطلاق الثاني : بعد أن قام المشرف العام بتحديد ردودي إلى ثلاثة ردودٍ، موضوعٍ واحدٍ، لأنني قمت برفع مقالي مرةً واحدةٍ بنفس المعرف، فقلت له : عاقبني كما تحب، قم بإيقافي سنةً لو أردت، لكنني لن أكتب تحت ردودٍ محددةٍ، أصر على رأيه، فودعته وخرجت هاجراً الساحة نهائياً لأشهرٍ، لم أكتب خلالها أي حرفٍ حتى حللت ضيفاً على الشباب بأثرٍ رجعيٍ لكتاباتي، وبعد خروجي من التوقيف عدت إليها ثانيةً، كان ذلك في أواخر عام 2003 تقريباً حتى اتخذت قراراً باعتزالي النهائي وتحرري منها، مع شكري لهم من أعماق قلبي، فلهم علي فضل بعد الله تعالى لا أنكره أو أجحده .

اخترت هذا اللقب إغاظةً للبعض، وإثارةً لكوامن الخيال، إذ ينقدح في ذهن القارئ صورة نمطية ذات أبعادٍ لا تمت للواقع بصلةٍ، خفاشاً أسوداً !! شيء غريب أليس ذلك . صورة نمطية تجبرك على بغض هذا الكاتب لله لا لكتاباته، ومن أطرف تباعات هذا الاسم أن أحدهم حاول أن يلصق بي تهمة تأييد المطلوبين أمنياً، فقال على لساني : إنني قلت لأحدهم إن لهم اجتهادهم !؟ هذا غير الذي نقل أنني قذفت جميع القبائل في المملكة، والحمد لله أنهم لم يتهموني مثلاً بأنني سبب نكسة سوق الأسهم ورفع أسعار الأرز !

][ ... سياسة الأبواب الموصدة وأسطول الإخلاء الطبي ... ][

أعتقد أن موضوع رزان ( في مملكة الإنسانية ) وموضوع اغتصاب أنثى على قارعة الطريق ( سرقة السيارات ) كان لهما أكبر الأثر على صعيد القراءة والتفاعل والحزن ( بالنسبة للموضوع الأول ) غير أن التأثير كان تعاطفاً مع الطفلة وذويها ولم يحدث ذلك التغيير الملائم من معاقبةٍ للجلاد ووزير الصحة، ومسؤول الشؤون الصحية في المنطقة، رحلت الطفلة، ودفنت وانتهت القضية، وعشت ورأيت أنا وغيري أكثر من رزانٍ تنحر في المستشفيات والمستوصفات الخاصة، شخصياً لا ألوم الجلاد بل ألوم المرتزقة، خصومك الذين لا يلوذون بصمتهم حتى وإن كنت على حقٍ، وإليك هذا المثال الغريب، بعد ظهوري في الصحافة وما صاحب ذلك الظهور من إطلالة مهرجي الشبكة وفضولييها، من مراهقي غرف الدردشة وهواة المقاطع الفضائحية، قال أحدهم : هذا الخفاش يشتم أسطول الإخلاء الطبي !! وذكر قصة رزان كشاهدٍ على اتهامه الخطير، معاداة السامية !! لوهلةٍ لم أغضب شخصياً، فأنت بصدد التعامل مع مختلف شرائح المجتمع، من مخبوطين على قفاهم، وعقول هلامية، وحونشجية، ومخلوقات طفيلية، أشخاص كثر، إلا إنني كنت أسأل نفسي هل يمت له أسطول الإخلاء الطبي بصلةٍ ما !! هل تشبه طائرات الترايستار مثلاً أقاربه لا سمح الله !!؟

علاقتي مع الإعلام سيئة للغاية، لا كوزارةٍ مثلاً أو مسؤولين، بل بعض أفراد عصابات الصحافة من المسيطرين عليها والجاثمين على أنفاسها، من أصحاب سياسة ما أريكم إلا ما أرى، والمواطن ناصر ففقد محفظته وحفيظته ثم فقد عائلته ونفسه عندما اطلع على مقالةٍ لحمودي آديداس وهو ركن قائم في صحيفة الرياض مثلاً، يبث الهراء والصفاقة والعمالة والخيانة، ويكفر عباد الله ويرميهم بالخوارج !!

سياسة الأبواب الموصدة التي انتهجتها بعض صحفنا تجاه الشرفاء لا أقول من كتاب النت، بل من أبناء الوطن، هي التي أفرزت هذه المعاداة التي لن تضمحل بل هي آخذة في الازدياد والتفاقم، والبقاء للأصلح والأقوى، وأشباح الشبكة قادمون بقوةٍ وبقسوةٍ، والقارئ تعلم وأصبحت لديه الخيارات، هذه الصحف ستفقد مصداقيتها طال الزمان أم قصر بحولٍ من الله تعالى إن لم تغير من سياستها، ولذلك بدأت بخطواتها الاستباقية في مهاجمة كتاب الشبكة، ورأيت كما رأى غيري صحفاً كالوطن والجزيرة والرياض تبث سمومها تجاه المنتديات مثلاً، على شكل مقالاتٍ واتهاماتٍ ورسومٍ كاريكاتورية وعلى قدر الصراخ يكون الألم، فهي حرب طاحنة، تدور رحاها بين بعض أرباب الزور، وبين عاشقي الحرية والصدق من كتابٍ وقراء . ولى زمن الوصاية، نحن في عصر الفضائيات والإنترنت .

][ ...هي قربة أتقرب بها إلى الله وهذه أسباب ابتعادي عن الساحة... ][

قصة سيارة الحبحب والبطيخ هي الواجهة الرسمية للاتهامات الجاهزة لكل من أوقعه حظه العاثر في مخالفة الخصوم، واختيار الطريق، وهي تهم مغلفة جاهزة , لم يحسن الغبي الذي أوردها أن يجمل حياكتها، فقالوا قبل الخروج : إنه خرج من سجنه بعد أن قدم خدماتٍ جليلةٍ للمباحث !! لا أدري ما هي هذه الخدمات، هل هي من قبيل إنشاء موقعٍ خاصٍ للقوم، أم كتابة خطاباتهم، أم تعليمهم فنون البلاغة ؟ ثالث قال : إنه أوقع مطلوبين أمنياً !! وأنا أقول هذه ليست بخدمةٍ، هذا دين أدين به ربي إن ثبت لي بالدليل القطعي أن آثماً من الناس رام سوءً بالمسلمين في هذه البلاد، بتفجيرٍ أو اغتيالٍ أو نسفٍ أو تخريبٍ، فإنني أتقرب إلى ربي قربةً كما أتقرب إليه بصلاتي بالإبلاغ عنه دون أن أنتظر مكافئةً من أحدٍ .

رابع قال : إن الصحيفة أعطته مقابلاً للقائه، الصحيفة لم تعرض علي وأنا لم أشترط ولم أكن بحاجةٍ لمالهم فقد أغناني الله من فضله .

فهذه هي قصة سيارة الحبحب باختصارٍ شديدٍ .

ثمانية أعوامٍ داخل نطاقٍ معينٍ كانت كافيةً للانعتاق والظهور، غياب ورحيل الرفاق القدامى، هاجس إدمان المنتدى سيطر على الذهن واحتل مساحةً شاسعةً من التفكير، على حساب مواقع أخرى، انحطاط صبغة الخطاب الارتزاقي في الساحة ووصوله إلى درجةٍ من الإسفاف واللعق لا تحتمل ولا تطاق ! تأثير كتاباتك لم أشعر أنني أرمم ثغرةً، الهدف الذي لأجله سطرت المقالة خرجت عن نطاق التغيير إلى نطاق التنفيس، كان هناك صراع مع النفس حول جدوى الكتابة أصلاً في مجتمعٍ لا يؤمن بالتغيير والانتقال إلى الأحسن أو إلى الأفضل، لأنه أخضع نفسه لرتمٍ واحدٍ من الحياة، ظروف عائلية خاصة، وقت يضيع، مصالح متضاربة مع الإشراف، رؤى تخالفك فيها الإدارة، هذه العوامل بلورت لدي الرؤية وأعطتني الضوء الأخضر للرحيل دون ترددٍ أو ندمٍ .

فتحمست لتلك المقابلة حتى أقطع الطريق على نفسي بتاتاً .

كان لابد من رداءٍ جديدٍ بعد الرحيل، رداء يلائم ذلك اللقب المزعج ويوازيه، فكانت الصعلكة والتصعلك .

][ ...محطة سبق الإلكترونية ومدونة الصعاليك... ][

][ ...أشباح الإنترنت يُغتالون .. وجاسوس فنيلة حنتوش ... ][