المنتديات الموقع العربي الموقع الانجليزي الهلال تيوب بلوتوث صوتيات الهلال اهداف الهلال صور الهلال
العودة   نادي الهلال السعودي - شبكة الزعيم - الموقع الرسمي > المنتديات العامة > منتدى الثقافة الإسلامية
   

منتدى الثقافة الإسلامية لتناول المواضيع والقضايا الإسلامية الهامة والجوانب الدينية

إضافة رد
   
 
LinkBack أدوات الموضوع طريقة عرض الموضوع
  #1  
قديم 29/03/2007, 10:27 AM
زعيــم متواصــل
تاريخ التسجيل: 25/03/2007
مشاركات: 55
Post أهمية الصدق في حياة المسلم

العلاقات العامة في الحضارة الاسلامية

عنى الاسلام بالانسان وكرامته وافكارة ورغباته ولذلك نجد ان الدعوه الاسلامية لم تاخذ نهج الارغام بل اعتمدت على البراهين والاقناع والحجه في نشرها. واستخدم الرسول صلى الله عليه وسلم وسائل الاتصال الشخصي وغير الشخصي حيث كان يوفد الرسل ويبعث الكتب إلى الملوك والامراء ويدعوهم إلى الدخول في الاسلام. ويعد اسلوب لاقناع من اهم الوسائل الحديثة التي يقوم عليها علم العلاقات العامة .
واهتم الاسلام بعد فتح البلاد بكتابات الفقهاء في التوجيه والارشاد . وكانوا يرون في تلاوة القران اثرا قويا في رفع الروح المعنوية للمسلمين في الحرب والسلم .
وان الدين الاسلامي دعا إلى المعاملة الحسنة والمعشر الطيب لما لذلك من اثر في تصفية النفوس وتفريبها بعضها من بعض .
أهمية الصدق في حياة المسلم .
الصدق خلق عظيم من أهم أخلاق المسلم وصفاتالداعية إلى الله تعالى وهو الأساس الذي قام عليه هذا الدين العظيم وهو ما عرف بهعليه الصلاة والسلام في مكة فما كان يُعرف حينئذ الا بالصادق الأمين وهو ايضاً مايُعرف به الانبياء والمرسلون (عليهم السلام) وقد أثنى الله تعالى على أنبيائهووصفهم بالصدق فقال: ((وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَصِدِّيقًا نَبِيًّا))، ((وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَصَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولا نَبِيًّا))، ((وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِإِدْرِيسَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا)).
والصدق كما عرّفه الامام ابنالقيم (رحمه الله) في مدارج السالكين (هو منزلة القوم الاعظم، الذي فيه تنشأ جميعمنازل السالكين، والطريق الأقوم الذي من لم يسر عليه فهو من المنقطعين الهالكين،وبه تميز أهل النفاق من أهل الايمان، وسكان الجنان من أهل النيران، وهو سيفالله فيأرضه الذي ما وضع على شيء الا قطعه، ولا واجه باطلاً الا أرداه وصرعه، من صال به لمتُرد صولته، ومن نطق به علت على الخصوم كلمته، فهو روح الاعمال ومحك الاحوالوالحامل على اقتحام الاهوال والباب الذي دخل منه الواصلون إلى حضرة ذي الجلال، وهوأساس بناء الدين وعمود فسطاط اليقين ودرجة تالية لدرجة النبوة التي هي أرفع درجاتالعالمين).
وتظهر أهمية الصدق للمسلم في انه يدخل في كل أمر من الامور، فالعبادةلا تصح الا بالصدق، وكذلك المعاملة والخلق والادب وغير ذلك فاذا فقد الصدق في أمرما فقد الركن الاعظم الذي لا يصح الشيء الا به، ولهذا جاءت النصوص في الكتاب والسنةتأمر بالصدق وتحث عليه وتأمر بلزوم أهله قال تعالى ((يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوااتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ))، ووصف تعالى نفسه بالصدق فقال))ومَن اصدق من الله حديثا))، وقال ((ومن أصدق من الله قيلا).
وامر الله تعالىرسوله عليه الصلاة والسلام أن يسأله ان يجعل مدخله ومخرجه الصدق فقال عز من قائل: ((وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍوَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَانًا نَصِيرًا))، وأخبر عن خليله ابراهيم عليهالسلام انه سأله أن يهبه لسان صدق في الآخرين ((واجعل لي لسان صدق فيالآخرين)).
وبشّر عباده بأن لهم عنده قدم صدق ومقعد صدق فقال تعالى: ((إِنَّالْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ * فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍمُقْتَدِرٍ))، قال الامام ابن القيم (رحمه الله) فهذه خمسة أشياء: مُدخل الصدق،ومخرج الصدق، ولسان الصدق، وقدم الصدق، ومقعد الصدق، وحقيقة الصدق في هذه الاشياءهو الحق الثابت المتصل بالله الموصل إلى الله وهو ما كان به وله من الاقوالوالاعمال وجزاء ذلك في الدنيا والآخرة.
ونظراً لأهمية الصدق في الإسلام فقد أمربه النبي صلى الله عليه وسلم في بداية الدعوة ولذلك لما سأل هرقل ابا سفيان (رضيالله عنه): فماذا يأمركم؟ يعني النبي صلى الله عليه وسلم قال ابو سفياناعبدواالله وحده ولا تشركوا به شيئا واتركوا ما يقول آباؤكم ويأمرنا بالصلاة والصدقوالعفاف والصلة) رواه البخاري. وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسولالله صلى الله عليه وسلم (ان الصدق يهدي إلى البر وان البر يهدي إلى الجنة وانالرجل ليصدق حتى يكتب عند الله صديقاً وان الكذب يهدي إلى الفجور وان الفجور يهديإلى النار وان الرجل ليكذب حتى يكتب عند الله كذاباً) متفق عليه.
وروي عن عمر بنالخطاب رضي الله عنه انه قال: (الا ان الصدق والبر في الجنة الا ان الكذب والفجورفي النار)).
وأقل الصدق هو استواء السر والعلانية والصادق من صدق في اقوالهوالصدّيق من صدق في جميع اقواله وأفعاله وأحواله، فالصدق في الاقوال استواء اللسانعلى الاقوال كاستواء السنبلة على ساقها والصدق في الاعمال استواء الافعال على الامروالمتابعة كاستواء الرأس على الجسد والصدق في الاحوال استواء اعمال القلب والجوارحعلى الاخلاص واستفراغ الوسع وبذل الطاقة فبذلك يكون العبد من الذين جاءوا بالصدقوبحسب كمال هذه الامور فيه وقيامه بها تكون بها تكون صدّيقيته ولذلك كان لابي بكررضي الله عنه ذروة سنام الصديقية، سُمي الصدّيق على الاطلاق والصدّيق أبلغ منالصدوق والصدوق ابلغ من الصادق ولذلك كانت الصديقية كمال الاخلاص والانقيادوالمتابعة للخبر والأمر ظاهراً وباطناً.
ثمرات وفوائد الصدق
مما لا شك فيه انللصدق فوائد جليلة وثمرات عديدة يجنيها الصادق بصدقه ويسعد بهذا الخلق العظيم فيالدنيا والآخرة ومن أهمها.
1-
الصدق دليل على الايمان والتقوى.
فقد اخبر اللهتعالى عن أهل البر واثنى عليهم بأحسن اعمالهم من الايمان والإسلام والصدقة والصبرثم وصفهم بأنهم اهل الصدق كما جاء في سورة البقرة ((لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّواوُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ)) إلى أن قال تعالى ((أُوْلَئِكَالَّذِينَ صَدَقُوا وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُتَّقُونَ))، وكذلك يورث التقوى))وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُوْلَئِكَ هُمْالْمُتَّقُونَ)).
2-
الصدق يؤدي إلى الخير وحسن العاقبة، قال تعالى ((فَإِذَاعَزَمَ الأَمْرُ فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ)).
3-
الصدقدليل على البراءة من النفاق.
فقد قسم الله تعالى الناس إلى صادق ومنافق فقال((لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِنْشَاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ)).
قال الامام ابن القيم: الايمان أساسه الصدق،والنفاق أساسه الكذب فلا يجتمع كذب وايمان الا واحدهما محارب للآخر.
4-
الصدقيؤدي إلى الجنة وينجي من النار كما مر في حديث عبد الله بن مسعود المتفقعليه.
5-
نيل مرتبة الصديقية التي تلي مرتبة النبوة قال تعالى: ((وَمَنْ يُطِعْاللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْمِنْ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَأُوْلَئِكَ رَفِيقًا)).
6-
الصدق ينجي العبد من اهوال القيامة، فقد أخبر اللهتعالى انه في يوم القيامة لا ينفع العبد وينجيه من العذاب الا صدقه ((هَذَا يَوْمُيَنفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَاالأَنهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ)).
7-
الصدق يورث الطمأنينة والراحة النفسية، فعنالحسن بن علي رضي الله عنهما قال حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم (دع مايريبك إلى ما لا يريبك فإن الصدق طمأنينة والكذب ريبة) رواه أحمد والترمذي وصححهالالباني.
8-
الصدق يورث منازل الشهداء فعن سهل بن حنيف رضي الله عنه ان النبيصلى الله عليه وسلم قال (من سأل الله تعالى الشهادة بصدق بلّغه الله منازل الشهداءوإن مات على فراشه) رواه مسلم.
9-
الصدق يورث محبة ومعية الله تعالى فمن اراد انيكون الله تعالى معه ويحبه فليلزم الصدق فإن الله تعالى مع الصادقين وان الله تعالىيحب الصادقين.
10-
الصدق يورث البركة في كل شيء، فقد روى البخاري ومسلم انه عليهالصلاة والسلام قال (البيعان بالخيار ما لم يتفرقا فإن صدقا بورك لهما في بيعهماوان كتما وكذبا محقت بركة بيعهما) حتى قيل ما افتقر تاجر صدوق.
مظاهرالصدق
هناك مظاهر كثيرة يتجلى فيها الصدق وأهمها:
1-
صدق اللسان: فالمسلم اذاحدّث لا يحدث بغير الحق والصدق واذا اخبر فلا يخبر الا بما هو مطابق للواقع فإنالكذب آية المنافق وعلامة له قال عليه الصلاة والسلام (آية المنافق ثلاث: اذا حدثكذب واذا وعد أخلف واذا اؤتمن خان) رواه البخاري ومسلم.
2-
الصدق في المعاملة: فالمسلم اذا عامل أحداً صدقه في معاملته فلا يغشه ولا يخدعه ولا يزور ولا يغرر بحالمن الاحوال وهو ايضاً يصدق في النصيحة والاستشارة.
3-
الصدق في النية والارادة: ويرجع ذلك إلى الاخلاص وهو الا يكون لديه باعث في الاقوال والافعال والحركاتوالسكنات الا الله تعالى، فاذا خالط ذلك شيء من حظوظ النفس أثر ذلك في صدقنيته.
4-
الصدق في العزم: فينبغي للمسلم ان لا يتردد في فعل ما ينبغي فعله منالواجبات والمأمورات والمستحبات وترك ما ينبغي عليه تركه من المحرمات والمحظوراتوالمكروهات وان يكون صادقاً في عزمه على ذلك.
5-
صدق الحال فالمسلم الصادق لايظهر خلاف ما يبطنه ولا يتظاهر بما ليس فيه من التقوى والاخلاص ولا يتكلف ما ليس لهقال عليه الصلاة والسلام (المتشبع بما لم يعط كلابس ثوبي زور) رواه البخاري ومسلم.. فالصدق موافقة الحق في السر والعلانية.
6-
الصدق في جميع مقامات الدين: وهو اعلىالدرجات واعزها كالصدق في الخوف والرجاء والتعظيم والزهد والرضا والتوكل والخشيةوالصبر والخوف وغيره.
نسال الله تعالى ان يرزقنا الصدق في القول والعملوالاعتقاد وان يثبتنا على ذلك.
وفي باب قواعد العقائد في الإيمان والإسلام وما بينهما من الاتصال
وما يتطرق إليه من الزبادة والنقصان ووجه استثناء السلف فيه وفيهثلاث مسائل مسألة اختلفوا في أن الإسلام هو الإيمان أو غيره وإن كان غيره فهل هومنفصل عنه يوجد دونه أو مرتبط به يلازمه فقيل إنهما شيء واحد وقيل إنهما شيئان لايتواصلان وقيل إنهما شيئان ولكن يرتبط أحدهما بالآخر‏.‏
وقد أورد أبو طالب المكي في هذا كلاماً شديد الاضطراب كثير التطويلفلنهجم الآن على التصريح بالحق من غير تعريج على نقل ما لا تحصيل له فنقول في هذاثلاثة مباحث‏:‏ بحث عن موجب اللفظين في اللغة وبحث عن المراد بهما في إطلاق الشعروبحث عن حكمهما في الدنيا والآخرة والبحث الأول لغوي والثاني تفسيري والثالث فقهيشرعي‏.‏
البحث الأول‏:‏ في موجب اللغة والحق فيه أن الإيمان عبارة عنالتصديق قال الله تعالى ‏"‏ وما أنت بمؤمن لنا ‏"‏ أي بمصدق والإسلام عبارة عنالتسليم والاستسلام بالإذعان والانقياد وترك التمرد والإباء والعناد وللتصديق محلخاص وهو القلب واللسان ترجمان‏.‏
وأما التسليم فإنه عام في القلب واللسان والجوارح فإن كل تصديقبالقلب فهو تسليم وترك الإباء والجحود وكذلك الاعتراف باللسان وكذلك الطاعةوالانقياد بالجوارح‏.‏
فموجب اللغة أن الإسلام أعم والإيمان أخص فكان الإيمان عبارة عنأشرف أجزاء الإسلام فإذن كل تصديق تسليم وليس كل تسليم تصديقاً‏.‏
البحث الثاني‏:‏ عن إطلاق الشرع والحق فيه أن الشرع قد وردباستعمالهما على سبيل الترادف والتوارد وورد على سبيل الاختلاف وورد على سبيلالتداخل أما الترادف ففي قوله تعالى ‏"‏ فأخرجنا من كان فيها من المؤمنين فما وجدنافيها غير بيت من المسلمين ‏"‏ ولم يكن بالاتفاق إلا بيت واحد وقال تعالى ‏"‏ يا قومإن كنتم آمنتم بالله فعليه توكلوا إن كنتم مسلمين ‏"‏ وقال صلى الله عليه وسلم ‏"‏بني الإسلام على خمس ‏"‏ وسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم مرة عن الإيمان فأجاببهذه الخمس وأما الاختلاف فقوله تعالى ‏"‏ قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكنقولوا أسلمنا ‏"‏ ومعناه استسلمنا في الظاهر فأراد بالإيمان ههنا التصديق بالقلبفقط وبالإسلام الاستسلام ظاهراً باللسان والجوارح وفي حديث جبرائيل عليه السلام لماسأله عن الإيمان فقال ‏"‏ أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وبالبعثبعد الموت وبالحساب وبالقدر خيره وشره فقال‏:‏ فما الإسلام فأجاب بذكر الخصال الخمس‏"‏ فعبر بالإسلام عن تسليم الظاهر بالقول والعمل‏.‏
وفي الحديث عن سعد أنه صلى الله عليه وسلم ‏"‏ أعطى رجلاً عطاء ولميعط الآخر فقال له سعد‏:‏ يا رسول الله تركت فلاناً لم تعطه وهو مؤمن فقال صلى اللهعليه وسلم أو مسلم فأعاد عليه فأعاد رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏ وأما التداخلفما روى أيضاً أنه سئل ‏"‏ فقيل أي الأعمال أفضل فقال صلى الله عليه وسلم‏:‏الإسلام فقال‏:‏ أي الإسلام أفضل فقال صلى الله عليه وسلم‏:‏ الإيمان ‏"‏ وهذا دليلعلى الاختلاف وعلى التداخل وهو أوفق الاستعمالات في اللغة لأن الإيمان عمل منالأعمال وهو أفضلها والإسلام هو تسليم إما بالقلب وإما باللسان وإما بالجوارحوأفضلها الذي بالقلب وهو التصديق الذي يسمى إيماناً والاستعمال لهما على سبيلالاختلاف وعلى سبيل التداخل وعلى سبيل الترادف كله غير خارج عن طريق التجوز فياللغة‏.‏
أما الاختلاف فهو أن يجعل الإيمان عبارة عن التصديق بالقلب فقط وهوموافق للغة والإسلام عبارة عن التسليم ظاهراً وهو أيضاً موافق للغة فإن التسليمببعض محال التسليم ينطلق عليه اسم التسليم فليس من شرط حصول الإسلام عموم المعنىلكل محل يمكن أن يوجد المعنى فيه فإن من لمس غيره ببعض بدنه يسمى لامساً وإن لميستغرق جميع بدنه فإطلاق اسم الإسلام على التسليم الظاهر عند عدم تسليم الباطنمطابق للسان وعلى هذا الوجه جرى قوله تعالى ‏"‏ قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنواولكن قولوا أسلمنا ‏"‏ وقوله صلى الله عليه وسلم في حديث سعد أو مسلم لأنه فضلأحدهما على الآخر ويريد بالاختلاف تفاضل المسميين‏.‏
وأما التداخل فموافق أيضاً للغة في خصوص الإيمان وهو أن يجعلالإسلام عبارة عن التسليم بالقلب والقول والعمل جميعاً والإيمان عبارة عن بعض مادخل في الإسلام وهو التصديق بالقلب وهو الذي عنيناه بالتداخل وهو موافق للغة فيخصوص الإيمان وعموم الإسلام للكل وعلى هذا خرج قوله الإيمان في جواب قول السائل أيالإسلام أفضل لأنه جعل الإيمان خصوصاً من الإسلام فأدخله فيه وأما استعماله فيه علىسبيل الترادف بأن يجعل الإسلام عبارة عن التسليم بالقلب والظاهر جميعاً فإن كل ذلكتسليم وكذا الإيمان ويكون التصرف في الإيمان على الخصوص بتعميمه وإدخال الظاهر فيمعناه وهو جائز لأن تسليم الظاهر بالقول والعمل ثمرة تصديق الباطن ونتيجته وقد يطلقاسم الشجر ويراد به الشجر مع ثمره على سبيل التسامح فيصير بهذا القدر من التعيمممرادفاً لاسم الإسلام ومطابقاً له فلا يزيد عليه ولا ينقص وعليه خرج قوله ‏"‏ فماوجدنا فيها غير بيت من المسلمين ‏"‏ البحث الثالث‏:‏ عن الحكم الشرعي‏.‏
والإسلام والإيمان حكمان أخروي ودنيوي‏.‏
أما الأخروي فهو الإخراج من النار ومنع التخليد إذ قال رسول اللهصلى الله عليه وسلم ‏"‏ يخرج من النار من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان ‏"‏ وقداختلفوا في أن هذا الحكم على ماذا يترتب وعبروا عنه بأنالإيمان ماذا هو فمن قائلإنه مجرد العقد ومن قائل يقول إنه عقد بالقلب وشهادة باللسان ومن قائل يزيد ثالثاًوهو العمل بالأركان ونحن نكشف الغطاء عنه ونقول من جمع بين هذه الثلاثة فلا خلاف فيأن مستقره الجنة وهذه درجة‏.‏
الدرجة الثانية‏:‏ أن يوجد اثنان وبعض الثالث - وهو القول والعقدوبعض الأعمال - ولكن ارتكب صاحبه كبيرة أو بعض الكبائر فعند هذا قالت المعتزلة‏:‏خرج بهذا عن الإيمان ولم يدخل في الكفر بل اسمه فاسق وهو على منزلة بين المنزلتينوهو مخلد في النار وهذا باطل كما سنذكره الدرجة الثالثة‏:‏ أن يوجد التصديق بالقلبوالشهادة باللسان دون الأعمال بالجوارح وقد اختلفوا في حكمه فقال أبو طالب المكي‏:‏العمل بالجوارح من الإيمان ولا يتم دونه وادعى الإجماع فيه واستدل بأدلة تشعر بنقيضغرضه كقوله تعالى ‏"‏ الذين آمنوا وعملوا الصالحات ‏"‏ إذ هذا يدل على أن العملوراء الإيمان لا من نفس الإيمان وإلا فيكون العمل في حكم المعاد والعجب أنه ادعىالإجماع في هذا وهو مع ذلك ينقل قوله صلى الله عليه وسلم ‏"‏ لا يكفر أحد إلا بعدجحوده لما أقر به ‏"‏ وينكر على المعتزلة قولهم بالتخليد في النار بسبب الكبائروالقائل بهذا قائل بنفس مذهب المعتزلة إذ يقال له من صدق بقلبه وشهد بلسانه ومات فيالحال فهل هو في الجنة فلابد أن يقول نعم وفيه حكم بوجود الإيمان دون العمل فنزيدونقول لو بقي حياً حتى دخل عليه وقت صلاة واحدة فتركها ثم مات أو زنى ثم مات فهليخلد في النار فإن قال نعم فهو مراد المعتزلة وإن قال لا فهو تصريح بأن العمل ليسركناً من نفس الإيمان ولا شرطاً في وجوده ولا في استحقاق الجنة به وإن قال أردت بهأن يعيش مدة طويلة ولا يصلي ولا يقدم على شيء من الأعمال الشرعية فنقول فما ضبط تلكالمدة وما عدد تلك الطاعات التي بتركها يبطل الإيمان وما عدد الكبائر التيبارتكابها يبطل الإيمان وهذا لا يمكن التحكم بتقديره ولم يصر إليه صائر أصلاً‏.‏
الدرجة الرابعة‏:‏ أن يوجد التصديق بالقلب قبل أن ينطق باللسان أويشتغل بالأعمال ومات فهل نقول مات مؤمناً بينه وبين الله تعالى‏:‏ وهذا مما اختلففيه ومن شرط القول لتمام الإيمان يقول هذا مات قبل الإيمان وهو فاسد إذ قال صلىالله عليه وسلم ‏"‏ يخرج من النار من كان في قلبه مثقال ذرة من الإيمان ‏"‏ وهذاقلبه طافح بالإيمان فكيف يخلد في النار ولم يشترط في حديث جبريل عليه السلامللإيمان إلا التصديق بالله تعالى وملائكته وكتبه واليوم الآخر كما سبق‏.‏
الدرجة الخامسة‏:‏ أن يصدق بالقلب ويساعده من العمر مهلة النطقبكلمتي الشهادة وعلم وجوبها ولكنه لم ينطق بها فيحتمل أن يجعل امتناعه عن النطقكامتناعه عن الصلاة ونقول هو مؤمن غير مخلد في النار والإيمان هو التصديق المحضواللسان ترجمان الإيمان فلا بد أن يكون الإيمان موجوداً بتمامه قبل اللسان حتىيترجمه اللسان وهذا هو الأظهر إذ لا مستند إلا اتباع موجب الألفاظ ووضع اللسان أنالإيمان هو عبارة عن التصديق بالقلب‏.‏
وقد قال صلى الله عليه وسلم ‏"‏ يخرج من كان في قلبه مثقال ذرة ‏"‏ولا ينعدم الإيمان من القلب بالسكوت عن النطق الواجب كما لا ينعدم بالسكوت عن الفعلالواجب وقال قائلون‏:‏ القول ركن إذ ليس كلمتا الشهادة إخباراً عن القلب بل هوإنشاء عقد آخر وابتداء شهادة والتزام والأول أظهر وقد غلا في هذا طائفة المرجئةفقالوا هذا لا يدخل النار أصلاً وقالوا إن المؤمن وإن عصى فلا يدخل النار وسنبطلذلك عليهم‏.‏
الدرجة السادسة أن يقول بلسانه ‏"‏ لا إله إلا الله محمد رسول الله‏"‏ ولكن لم يصدق بقلبه فلا نشك في أن هذا في حكم الآخرة من الكفار وأنه مخلد فيالنار ولا نشك في أنه في حكم الدنيا للذي يتعلق بالأئمة والولاة من المسلمين لأنقلبه لا يطلع عليه وعلينا أن نظن به أنه ما قاله بلسانه إلا وهو منطو عليه في قلبهوإنما نشك في أمر ثالث وهو الحكم الدنيوي فيما بينه وبين الله تعالى وذلك بأن يموتله في الحال قريب مسلم ثم يصدق بعد ذلك بقلبه ثم يستفتي ويقول كنت غير مصدق بالقلبحالة الموت والميراث الآن في يدي فهل يحل لي بيني وبين الله تعالى أو نكح مسلمة ثمصدق بقلبه هل تلزمه إعادة النكاح هذا محل نظر فيحتمل أن يقال أحكام الدنيا منوطةبالقول الظاهر ظاهراً وباطناً ويحتمل أن يقال تناط بالظاهر في حق غيره لأن باطنهغير ظاهر لغيره وباطنه ظاهر له في نفسه بينه وبين الله تعالى والأظهر والعلم عندالله تعالى أنه لا يحل له ذلك الميراث ويلزمه إعادة النكاح ولذلك كان حذيفة رضيالله عنه لا يحضر جنازة من يموت من المنافقين وعمر رضي الله عنه كان يراعي ذلك منهفلا يحضر إذا لم يحضر حذيفة رضي الله عنه والصلاة فعل ظاهر في الدنيا وإن كانت منالعبادات‏.‏
والتوقي عن الحرام أيضاً من جملة ما يجب لله كالصلاة لقوله صلى اللهعليه وسلم ‏"‏ طلب الحلال فريضة بعد فريضة ‏"‏ وليس هذا مناقضاً لقولنا إن الإرثحكم الإسلام وهو الاستسلام بل الاستسلام التام هو ما يشمل الظاهر والباطن وهذهمباحث فقهية ظنية تبنى على ظواهر الألفاظ والعمومات والأقيسة فلا ينبغي أن يظنالقاصر في العلوم أن المطلوب فيه القطع من حيث جرت العادة بإيراده في فن الكلامالذي يطلب فيه القطع فما أفلح من نظر إلى العادات والمراسم في العلوم‏.‏
فإن قلت‏:‏ فما شبهة المعتزلة والمرجئة وما حجة بطلان قولهم فأقولشبهتهم عمومات القرآن أما المرجئة فقالوا لا يدخل المؤمن النار وإن أتى بكل المعاصيلقوله عز وجل ‏"‏ فمن يؤمن بربه فلا يخاف بخساً ولا رهقاً ‏"‏ ولقوله سبحانه وتعالى‏"‏ والذين آمنوا بالله ورسوله أولئك هم الصديقون ‏"‏ الآية ولقوله تعالى ‏"‏ كلماألقي فيها فوج سألهم خزنتها - إلى قوله - فكذبنا وقلنا ما نزل الله من شيء ‏"‏فقوله ‏"‏ كلما ألقي فيها فوج ‏"‏ عام فينبغي أن يكون من ألقي في النار مكذباًولقوله تعالى ‏"‏ لا يصلاها إلا الأشقى الذي كذب وتولى ‏"‏ وهذا حصر وإثبات ونفيولقوله تعالى ‏"‏ من جاء بالحسنة فله خير منها وهم من فزع يومئذ آمنون ‏"‏ فالإيمانرأس الحسنات ولقوله تعالى ‏"‏ والله يحب المحسنين ‏"‏ وقال تعالى ‏"‏ إنا لا نضيعأجر من أحسن عملاً ‏"‏ ولا حجة لهم في ذلك فإنه حيث ذكر الإيمان في هذه الآيات أريدبه الإيمان مع العمل إذ بينا أن الإيمان قد يطلق ويراد به الإسلام وهو الموافقةبالقلب والقول والعمل ودليل هذا التأويل أخبار كثيرة في معاقبة العاصين ومقاديرالعقاب وقوله صلى الله عليه وسلم ‏"‏ يخرج من النار من كان في قلبه مثقال ذرة منإيمان ‏"‏ فكيف يخرج إذا لم يدخل ومن القرآن قوله تعالى ‏"‏ إن الله لا يغفر أنيشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ‏"‏ والاستثناء بالمشيئة يدل على الانقسام وقولهتعالى ‏"‏ ومن يعص الله ورسوله فإن له نار جهنم خالدين فيها ‏"‏ وتخصيصه بالكفرتحكم وقوله تعالى ‏"‏ ألا إن الظالمين في عذاب مقيم ‏"‏ وقال تعالى ‏"‏ ومن جاءبالسيئة فكبت وجوههم في النار ‏"‏ فهذه العمومات في معارضة عموماتهم ولابد من تسليطالتخصص والتأويل على الجانبين لأن الأخبار مصرحة بأن العصاة يعذبون بل قوله تعالى‏"‏ وإن منكم إلا واردها ‏"‏ كالصريح في أن ذلك لابد منه للكل إذ لا يخلو مؤمن عنذنب يرتكبه وقوله تعالى ‏"‏ لا يصلاها إلا الأشقى الذي كذب وتولى ‏"‏ أراد به منجماعة مخصوصين أو أراد بالأشقى شخصاً معيناً أيضاً وقوله تعالى ‏"‏ كلما ألقي فيهافوج سألهم خزنتها ‏"‏ أي فوج من الكفار وتخصيص العمومات قريب‏.‏
ومن هذه الآية وقع للأشعري وطائفة من المتكلمين إنكار صيغ العموموأن هذه الألفاظ يتوقف فيها إلى ظهور قرينة تدل على معناها‏.‏
وأما المعتزلة فشبهتهم قوله تعالى ‏"‏ وإني لغفار لمن تاب وآمن وعملصالحاً ثم اهتدى ‏"‏ وقوله تعالى ‏"‏ والعصر إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنواوعملوا الصالحات ‏"‏ وقوله تعالى ‏"‏ وإن منكم إلا واردها كان على ربك حتماً مقضياً‏"‏ ثم قال ‏"‏ ثم ننجي الذين اتقوا ‏"‏ وقوله تعالى ‏"‏ ومن يعص الله ورسوله فإنله نار جهنم ‏"‏ وكل آية ذكر الله عز وجل العمل الصالح فيها مقروناً بالإيمان وقولهتعالى ‏"‏ ومن يقتل مؤمناً متعمداً فجزاءه جهنم خالداً فيها ‏"‏ وهذه العموماتأيضاً مخصوصة بدليل قوله تعالى ‏"‏ ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ‏"‏ فينبغي فينبغي أنتبقى له مشيئة في مغفرة ما سوى الشرك‏.‏
وكذلك قوله عليه السلام ‏"‏ يخرج من النار من كان في قلبه مثقال ذرةمن إيمان ‏"‏ وقوله تعالى ‏"‏ إنا لا نضيع أجر من أحسن عملاً ‏"‏ وقوله تعالى ‏"‏إن الله لا يضيع أجر المحسنين ‏"‏ فكيف يضيع أجر أصل الإيمان وجميع الطاعات بمعصيةواحدة وقوله تعالى ‏"‏ ومن يقتل مؤمناً متعمداً ‏"‏ أي لإيمانه وقد ورد على مثل هذاالسبب‏.‏
فإن قلت‏:‏ فقد مال الاختيار إلى أن الإيمان حاصل دون العمل‏.‏
وقد اشتهر عن السلف قولهم‏:‏ الإيمان عقد وقول وعمل فما معناهقلنا‏.‏
لا يبعد أن يعد العمل من الإيمان لأنه مكمل له ومتمم كما يقال الرأسواليدان من الإنسان ومعلوم أنه يخرج عن كونه إنساناً بعدم الرأس ولا يخرج عنه بكونهمقطوع اليد وكذلك يقال التسبيحات والتكبيرات من الصلاة وإن كانت لا تبطل بفقدههافالتصديق بالقلب من الإيمان كالرأس من وجود الإنسان إذ ينعدم بعدمه وبقيةالطاعات‏.‏
كالأطراف بعضها أعلى من بعض وقد قال صلى الله عليه وسلم ‏"‏ لا يزنيالزاني حين يزني وهو مؤمن ‏"‏ والصحابة رضي الله عنهم ما اعتقدوا مذهب المعتزلة فيالخروج عن الإيمان بالزنا ولكن معناه غير مؤمن حقاً إيماناً تاماً كاملاً كما يقالللعاجز المقطوع الأطراف هذا ليس بإنسان أي ليس له الكمال الذي هو وراء حقيقةالإنسانية مسألة فإن قلت‏:‏ فقد اتفق السلف على أن الإيمان يزيد وينقص - يزيدبالطاعة وينقص بالمعصية - فإذا كان التصديق هو الإيمان فلا يتصور فيه زيادة ولانقصان فأقول‏:‏ السلف هم الشهود العدول وما لأحد عن قولهم عدول فما ذكروه حق وإنماالشأن في فهمه وفيه دليل على أن العمل ليس من أجزاء الإيمان وأركان وجوده بل هومزيد عليه يزيد به والزائد موجود والناقص موجود والشيء لا يزيد بذاته فلا يجوز أنيقال الإنسان يزيد برأسه بل يقال يزيد بلحيته وسمنه ولا يجوز أن يقال الصلاة تزيدبالركوع والسجود بل تزيد بالآداب والسنن فهذا تصريح بأن الإيمان له وجود ثم بعدالوجود يختلف حاله بالزيادة والنقصان‏.‏
فإن قلت‏:‏ فالإشكال قائم في أن التصديق كيف يزيد وينقص وهو خصلةواحدة فأقول‏:‏ إذا تركنا المداهنة ولم نكترث بتشغيب من تشغب وكشفنا الغطاء ارتفعالإشكال فنقول‏:‏ الإيمان اسم مشترك يطلق من ثلاثة أوجه الأول‏:‏ أنه يطلق للتصديقبالقلب على سبيل الاعتقاد والتقليد من غير كشف وانشراح صدور وهو إيمان العوام بلإيمان الخلق كلهم إلا الخواص وهذا الاعتقاد عقدة عن القلب تارة تشتد وتقوى وتارةتضعف وتسترخي كالعقدة على الخيط مثلاً‏.‏
ولا تستبعد هذا واعتبره باليهودي وصلابته في عقيدته التي لا يمكننزوعه عنها بتخويف وتحذير ولا بتخييل ووعظ ولا تحقيق وبرهان وكذلك النصرانيوالمبتدعة وفيهم من يمكن تشكيكه بأدنى كلام ويمكن استنزاله عن اعتقاده بأدنىاستمالة أو تخويف مع أنه غير شاك في عقده كالأول ولكنهما متفاوتان في شدةالتصميم‏.‏
وهذا موجود في الاعتقاد الحق أيضاً والعمل يؤثر في نماء هذا التصميموزيادته كما يؤثر سقي الماء في نماء الأشجار ولذلك قال الله تعالى ‏"‏ فزادتهمإيماناً ‏"‏ وقال تعالى ‏"‏ ليزدادوا إيماناً مع إيمانهم ‏"‏ وقال صلى الله عليهوسلم فيما يروى في بعض الأخبار ‏"‏ الإيمان يزيد وينقص ‏"‏ وذلك بتأثير الطاعات فيالقلب وهذا لا يدركه إلا من راقب أحوال نفسه في أوقات المواظبة على العبادة والتجردلها بحضور القلب مع أوقات الفتور وإدراك التفاوت في السكون إلى عقائد الإيمان فيهذه الأحوال حتى يزيد عقده استعصاء على من يريد حله بالتشكيك بل من يعتقد في اليتيممعنى الرحمة إذا عمل بموجب اعتقاده فمسح رأسه وتلطف به أدرك من باطنه تأكيد الرحمةوتضاعفها بسبب العمل‏:‏ وكذلك معتقد التواضع إذا عمل بموجبه عملاً مقبلاً أو ساجداًلغيره أحس من قلبه بالتواضع عند إقدامه على الخدمة‏.‏
وهكذا جميع صفات القلب تصدر منها أعمال الجوارح ثم يعود أثر الأعمالعليها فيؤكدها ويزيدها وسيأتي هذا في ربع المنجيات والمهلكات عند بيان وجه تعلقالباطن بالظاهر والأعمال بالعقائد والقلوب فإن ذلك من جنس تعلق الملك بالملكوتوأعني بالملك عالم الشهادة المدرك بالحواس وبالملكوت عالم الغيب المدرك بنورالبصيرة والقلب من عالم الملكوت والأعضاء وأعمالها من عالم الملك‏.‏
ولطف الارتباط ودقته بين العالمين انتهى إلى حد ظن بعض الناس اتحادأحدهما بالآخر وظن آخرون أنه لا عالم إلا عالم الشهادة وهو هذه الأجسام المحسوسة‏.‏
ومن أدرك الأمرين وأدرك تعددهما ثم ارتباطهما عبر عنه فقال‏:‏
رق الزجاج ورقت الخمر وتشابها فتشاكل الأمر فكأنما خمر ولا قدحوكأنما قدح ولا خمر ولنرجع إلى المقصود فإن هذا العلم خارج عن علم المعاملة ولكنبين العلمين أيضاً اتصال وارتباط فلذلك ترى علوم المكاشفة تتسلق كل ساعة على علومالمعاملة إلى أن تنكشف عنها بالتكليف فهذا وجه زيادة الإيمان بالطاعة بموجب هذاالإطلاق ولهذا قال علي كرم الله وجهه‏:‏
إن الإيمان ليبدو لمعة بيضاء فإذا عمل العبد الصالحات نمت فزادت حتىيبيض القلب كله وإن النفاق ليبدو نكتة سوداء فإذا انتهك الحرمات نمت وزادت حتى يسودالقلب كله فيطبع عليه فذلك هو الختم وتلا قوله تعالى ‏"‏ كلا بل ران على قلوبهم ‏"‏الآية‏.‏
الإطلاق الثاني‏:‏ أن يراد به التصديق والعمل جميعاً كما قال صلىالله عليه وسلم ‏"‏ الإيمان بضع وسبعون باباً ‏"‏ وقال صلى الله عليه وسلم ‏"‏ لايزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ‏"‏ وإذا دخل العمل في مقتضى لفظ الإيمان لم تخفزيادته ونقصانه وهل يؤثر ذلك في زيادة الإيمان الذي هو مجرد التصديق هذا فيه نظروقد أشرنا إلى أنه يؤثر فيه‏.‏
الإطلاق الثالث‏:‏ أن يراد به التصديق اليقيني على سبيل الكشفوانشراح الصدر والمشاهدة بنور البصيرة وهذا أبعد الأقسام عن قبول الزيادة ولكنيأقول الأمر اليقيني الذي لا شك فيه تختلف طمأنينة النفس إليه فليس طمأنينة النفسإلى أن الاثنين أكثر من
الواحد كطمأنينتها إلى أن العالم مصنوع حادث وإن كان شك في واحدمنهما فإن اليقينيات تختلف في درجات الإيضاح ودرجات طمأنينة النفس إليها وقد تعرضنالهذا في فصل اليقين من كتاب العلم في باب علامات علماء الآخرة فلا حاجة إلىالإعادة‏.‏
وقد ظهر في جميع الإطلاقات على ما قالوه من زيادة الإيمان ونقصانهحق وكيف وفي الأخبار ‏"‏ أنه يخرج من النار من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان ‏"‏وفي بعض المواضع في خبر آخر ‏"‏ مثقال دينار ‏"‏ فأي معنى لاختلاف مقاديره إن كانما في القلب لا يتفاوت مسألة فإن قلت‏:‏ ما وجه السلف ‏"‏ أنا مؤمن إن شاء الله ‏"‏والاستثناء شك والشك في الإيمان كفر وقد كانوا كلهم يمتنعون عن جزم الجواب بالإيمانويحترزون عنه‏.‏
فقال سفيان الثوري رحمه الله من قال أنا مؤمن عند الله فهو منالكذابين ومن قال أنا مؤمن حقاً فهو بدعة فكيف يكون كاذباً وهو يعلم أنه مؤمن فينفسه ومن كان مؤمناً في نفسه كان مؤمناً عند الله كما أن من كان طويلاً وسخياً فينفسه وعلم ذلك كان كذلك عند الله وكذا من كان مسروراً أو حزيناً أو سميعاً أوبصيراً ولو قيل للإنسان هل أنت حيوان‏:‏ لم يحسن أن يقول أنا حيوان إن شاء الله‏.‏
ولما قال سفيان ذلك قيل له فماذا تقول قال‏:‏ قولوا آمنا بالله وماأنزل إلينا وأي فرق بين أن يقول آمنا بالله وما أنزل إلينا وبين أن يقول أنا مؤمنوقيل للحسن‏:‏ أمؤمن أنت فقال إن شاء الله فقيل له‏:‏ لم تستثني يا أبا سعيد فيالإيمان فقال أخاف أن أقول نعم فيقول الله سبحانه كذبت يا حسن فتحق علي الكلمة‏.‏
وكان يقول‏:‏ ما يؤمنني أن يكون الله سبحانه قد اطلع علي في بعض مايكره فمقتني وقال اذهب لا قبلت لك عملاً فأنا أعمل في غير معمل‏.‏
وقال إبراهيم بن أدهم‏:‏ إذا قيل لك أمؤمن أنت فقل لا إله إلا اللهوقال مرة‏:‏ قل أنا لا أشك في الإيمان وسؤالك إياي بدعة‏.‏
وقيل لعلقمة‏:‏ أمؤمن أنت قال‏:‏ أرجو إن شاء الله‏.‏
وقال الثوري‏:‏ نحن مؤمنون بالله وملائكته وكتبه ورسله وما ندري مانحن عند الله تعالى فما معنى هذه الاستثناءات فالجواب‏:‏ أن هذا الاستثناء صحيح ولهأربعة أوجه وجهان مستندان إلى الشك لا في أصل الإيمان ولكن في خاتمته أو كمالهووجهان لا يستندان إلى الشك لا في أصل الإيمان ولكن في خاتمته أو كماله ووجهان لايستندان إلى الشك‏.‏
الوجه الأول - الذي لا يستند إلى معارضة الشك‏:‏ الاحتراز من الجزمخيفة ما فيه من تزكية النفس قال الله تعالى ‏"‏ فلا تزكوا أنفسكم ‏"‏ وقال ‏"‏ ألمتر إلى الذين يزكون أنفسهم ‏"‏ وقال تعالى ‏"‏ انظر كيف يفترون على الله الكذب ‏"‏وقيل لحكيم‏:‏ ما الصدق القبيح‏:‏ فقال‏:‏ ثناء المرء على نفسه‏.‏
والإيمان من أعلى صفات المجد والجزم تزكية مطلقة وصيغة الاستثناءكأنها ثقل من عرف التزكية كما يقال للإنسان أنت طبيب أو فقيه أو مفسر فيقول‏:‏ نعمإن شاء الله لا في معرض التشكيك ولكن لإخراج نفسه عن تزكية نفسه فالصيغة صيغةالترديد والتضعيف لنفس الخبر ومعناه التضعيف لللازم من لوازم الخبر وهو التزكية‏.‏
وبهذا التأويل لو سئل عن وصف ذم لم يحسن الاستثناء‏.‏
الوجه الثاني‏:‏ التأدب بذكر الله تعالى في كل حال وإحالة الأموركلها إلى مشيئة الله سبحانه فقد أدب الله سبحانه نبيه صلى الله عليه وسلم فقالتعالى ‏"‏ ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غداً إلا أن يشاء الله ‏"‏ ثم لم يقتصر علىذلك فيما لا يشك فيه بل قال تعالى ‏"‏ لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنينمحلقين رءوسكم ومقصرين ‏"‏ وكان الله سبحانه عالماً بأنهم يدخلون لا محالة وأنهشاءه ولكن المقصود تعليمه ذلك فتأدب رسول الله صلى الله عليه وسلم في ما كان يخبرعنه معلوماً كان أو مشكوكاً حتى قال صلى الله عليه وسلم لما دخل المقابر ‏"‏ السلامعليكم دار قوم مؤمنين وإنا إن شاء الله بكم لاحقون ‏"‏ واللحوق بهم غير مشكوك فيهولكن مقتضى الأدب ذكر الله تعالى وربط الأمور به‏.‏
وهذه الصيغة دالة عليه حتى صار بعرف الاستعمال عبارة عن إظهارالرغبة والتمني فإذا قيل لك إن فلاناً يموت سريعاً فتقول إن شاء الله فيفهم منهرغبتك لا تشكك وإذا قيل لك فلان سيزول مرضه ويصح فتقول إن شاء الله بمعنى الرغبةفقد صارت الكلمة معدولة عن معنى التشكيك إلى معنى الرغبة وكذلك العدول إلى معنىالتأدب لذكر الله تعالى كيف كان الأمر‏:‏ الوجه الثالث‏:‏ مستنده الشك ومعناه أنامؤمن حقاً إن شاء الله إذ قال الله تعالى لقوم مخصوصين بأعيانهم ‏"‏ أولئك همالمؤمنون حقاً ‏"‏ فانقسموا إلى قسمين ويرجع هذا إلى الشك في كمال الإيمان لا فيأصله وكل إنسان شاك في كمال إيمانه وذلك ليس بكفر والشك في كمال الإيمان حق منوجهين أحدهما‏:‏ من حيث إن النفاق يزيل كمال الإيمان وهو خفي لا تتحقق البراءةمنه‏.‏
والثاني‏:‏ أنه يكمل بأعمال الطاعات ولا يدري وجودها على الكمال‏:‏أما العمل فقد قال الله تعالى ‏"‏ إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لميرتابوا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله أولئك هم الصادقون ‏"‏ فيكون الشكفي هذا الصدق وكذلك قال الله تعالى ‏"‏ ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخروالملائكة والكتاب والنبيين ‏"‏ فشرط عشرين وصفاً كالوفاء بالعهد والصبر علىالشدائد‏.‏
ثم قال تعالى ‏"‏ أولئك الذين صدقوا ‏"‏ وقد قال تعالى ‏"‏ يرفعالله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات ‏"‏ وقال تعالى ‏"‏ لا يستوي منكممن أنفق من قبل الفتح وقاتل ‏"‏ الآية وقد قال تعالى ‏"‏ هم درجات عند الله ‏"‏وقال صلى الله عليه وسلم ‏"‏ الإيمان عريان ولباسه التقوى ‏"‏ الحديث وقال صلى اللهعليه وسلم ‏"‏ الإيمان بضع وسبعون باباً أدناها إماطة الأذى عن الطريق ‏"‏ فهذا مايدل على ارتباط كمال الإيمان بالأعمال وأما ارتباطه بالبراءة عن النفاق والشركالخفي فقوله صلى الله عليه وسلم ‏"‏ أربع من كن فيه فهو منافق خالص وإن صام وصلىوزعم أنه مؤمن‏:‏ من إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا ائتمن خان وإذا خاصم فجر ‏"‏وفي بعض الروايات ‏"‏ وإذا عاهد غدر ‏"‏ وفي حديث أبي سعيد الخدري ‏"‏ القلوبأربعة‏:‏ قلب أجرد وفيه سراج يزهر فذلك قلب المؤمن وقلب مصفح فيه إيمان ونفاق فمثلالإيمان فيه كمثل البقلة يمدها الماء العذب ومثل النفاق فيه كمثل القرحة يمدهاالقيح والصديد فأي المادتين غلب عليه حكم له بها ‏"‏ وفي لفظ آخر ‏"‏ غلبت عليهذهبت به ‏"‏ وقال عليه السلام ‏"‏ أكثر منافقي هذه الأمة قراؤها ‏"‏ وفي حديث ‏"‏الشرك أخفى في أمتى من دبيب النمل على الصفا ‏"‏ وقال حذيفة رضي الله عنه ‏"‏ كانالرجل يتكلم بالكلمة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يصير بها منافقاً إلى أنيموت وإني لأسمعها من أحدكم في اليوم عشر مرات ‏"‏ وقال بعض العلماء‏:‏ أقرب الناسمن النفاق من يرى أنه بريء من النفاق‏.‏
وقال حذيفة‏:‏ المنافقون اليوم أكثر منهم على عهد النبي صلى اللهعليه وسلم فكانوا إذ ذاك يخفونه وهم اليوم يظهرونه وهذا النفاق يضاد صدق الإيمانوكماله وهو خفي وأبعد الناس منه من يتخوفه وأقربهم منه من يرى أنه بريء منه‏.‏
فقد قيل للحسن البصري‏:‏ يقولون أن لا نفاق اليوم فقال يا أخي لوهلك المنافقون لاستوحشتم في الطريق‏.‏
وقال هو أو غيره‏:‏ لو نبتت للمنافقين أذناب ما قدرنا أن نطأ علىالأرض بأقدامنها وسمع ابن عمر رضي الله عنه رجلاً يتعرض للحجاج فقال‏:‏ أرأيت لوكان حاضراً يسمع أكنت تتكلم فيه فقال‏:‏ لا فقال‏:‏ كنا نعد هذا نفاقاً على عهدرسول الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏ وقال صلى الله عليه وسلم ‏"‏ من كان ذا لسانين فيالدنيا جعله الله ذا لسانين في الآخرة ‏"‏ وقال أيضاً صلى الله عليه وسلم ‏"‏ شرالناس ذا الوجهين الذي يأتي هؤلاء بوجه ويأتي هؤلاء بوجه ‏"‏ وقيل للحسن‏:‏ إنقوماً ما يقولون إنا لا نخاف النفاق فقال‏:‏ والله لأن أكون أعلم أني بريء منالنفاق أحب إلي من تلاع الأرض ذهباً‏.‏
وقال الحسن‏:‏ إن من النفاق اختلاف اللسان والقلب والسر والعلانيةوالمدخل والمخرج‏.‏
وقال رجل لحذيفة رضي الله عنه‏:‏ إني أخاف أن أكون منافقاً فقال‏:‏لو كنت منافقاً ما خفت النفاق إن المنافق من أمن النفاق‏.‏
وقال ابن أبي مليكة‏:‏ أدركت ثلاثن ومائة - وفي رواية خمسين ومائة - من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كلهم يخافون النفاق‏.‏
وروي ‏"‏ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان جالساً في جماعة منأصحابه فذكروا رجلاً وأكثروا الثناء عليه فبينا هم كذلك إذ طلع عليهم الرجل ووجههيقطر ماء من أثر الوضوء وقد علق نعله بيده وبين عينيه أثر السجود فقالوا‏:‏ يا رسولالله هو هذا الرجل الذي وصفناه فقال صلى الله عليه وسلم‏:‏ أرى على وجهه سفعة منالشيطان فجاء الرجل حتى سلم وجلس مع القوم فقال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ نشدتكالله هل حدثت نفسك حين أشرفت على القوم أنه ليس فيهم خير منك فقال‏:‏ اللهم نعم ‏"‏فقال صلى الله عليه وسلم في دعائه ‏"‏ اللهم إني أستغفرك لما علمت ولما لم أعلمفقيل له‏:‏ أتخاف يا رسول الله فقال‏:‏ وما يؤمنني والقلوب بين أصبعين من أصابعالرحمن يقلبها كيف يشاء‏!‏ وقد قال سبحانه ‏"‏ وبدا لهم من الله ما لم يكونوايحتسبون ‏"‏ قيل في التفسير‏:‏ عملوا أعمالاً ظنوا أنها حسنات فكانت في كفةالسيئات‏.‏
وقال سري السقطي‏:‏ لو أن إنساناً دخل بستاناً فيه من جميع الأشجارعليها من جميع الطيور فخاطبه كل طير منها بلغة فقال‏:‏ السلام عليك يا ولي اللهفسكنت نفسه إلى ذلك كان أسيراً في يديها فهذه الأخبار والآثار تعرفك خطر الأمر بسببدقائق النفاق والشرك الخفي وأنه لا يؤمن منه حتى كان عمر بن الخطاب رضي الله عنهيسأل حذيفة عن نفسه وأنه هل ذكر في المنافقين وقال أبو سليمان الداراني‏:‏ سمعت منبعض الأمراء شيئاً فأردت أن أنكره فخفت أن يأمر بقتلي ولم أخف من الموت ولكن خشيتأن يعرض لقلبي التزين للخلق عند خروج روحي فكففت‏.‏
وهذا من النفاق الذي يضاد حقيقة الإيمان وصدقه وكماله وصفاءه لاأصله‏.‏
فالنفاق نفاقان أحدهما‏:‏ يخرج من الدين ويلحق بالكافرين ويسلك فيزمرة المخلدين في النار‏.‏
والثاني‏:‏ يفضي بصاحبه إلى النار مدة أو ينقص من درجات عليين ويحطمن رتبة الصديقين وذلك مشكوك فيه ولذلك حسن الاستثناء فيه‏.‏
وأصل هذا النفاق تفاوت بين السر والعلانية والأمن من مكر اللهوالعجب وأمور أخر لا يخلو عنها إلا الصديقون‏.‏
الوجه الرابع‏:‏ وهو أيضاً مستند إلى الشك وذلك من خوف الخاتمة فإنهلا يدري أيسلم له الإيمان عند الموت أم لا فإن ختم له بالكفر حبط عمله السابق لأنهموقوف على سلامة الآخر ولو سئل الصائم ضحوة النهار عن صحة صومه فقال‏:‏ أنا صائمقطعاً فلو أفطر في أثناء نهاره بعد ذلك لتبين كذبه إذ كانت الصحة موقوفة على التمامإلى غروب الشمس من آخر النهار‏.‏
وكما أن النهار ميقات تمام الصوم فالعمر ميقات تمام صحة الإيمانووصفه بالصحة قبل آخره بناء على الاستصحاب وهو مشكوك فيه والعاقبة مخوفة ولأجلهاكان بكاء أكثر الخائفين لأجل أنها ثمرة القضية السابقة والمشيئة الأزلية التي لاتظهر إلا بظهور المقضي به ولا مطلع عليه لأحد من البشر فخوف الخاتمة كخوف السابقةوربما يظهر في الحال ما سبقت الكلمة بنقيضه فمن الذي يدري أنه من الذين سبقت لهم منالله الحسنى وقيل في معنى قوله تعالى ‏"‏ وجاءت سكرة الموت بالحق ‏"‏ أي بالسابقةيعني أظهرتها‏.‏
وقال بعض السلف‏:‏ إنما يوزن من الأعمال خواتيمها‏.‏
وكان أبو الدرداء رضي الله عنه يحلف بالله ما من أحد يأمن أن يسلبإيمانه إلا سلبه‏.‏
وقيل من الذنوب ذنوب عقوبتها سوء الخاتمة نعوذ بالله من ذلك‏.‏
وقيل هي عقوبات دعوى الولاية والكرامة بالافتراء‏.‏
وقال بعض العارفين‏:‏ لو عرضت علي الشهادة عند باب الدار والموت علىالتوحيد عند باب الحجرة لاخترت الموت على التوحيد عند باب الحجرة لأني لا أدري مايعرض لقلبي من التغيير عن التوحيد إلى باب الدار وقال بعضهم‏:‏ لو عرفت واحداًبالتوحيد خمسين سنة ثم حال بيني وبينه سارية ومات لم أحكم أنه مات على التوحيد‏.‏
وفي الحديث ‏"‏ من قال أنا مؤمن فهو كافر ومن قال أنا عالم فهو جاهل‏"‏ وقيل في قوله تعالى ‏"‏ وتمت كلمات ربك صدقاً وعدلاً ‏"‏ صدقاً لمن مات علىالإيمان وعدلاً لمن مات على الشرك وقد قال تعالى ‏"‏ ولله عاقبة الأمور ‏"‏ فمهماكان
الشك بهذه المثابة كان الاستثناء واجباً لأن الإيمان عبارة عما يفيدالجنة كما أن الصوم عبارة عما يبرىء الذمة‏.‏
وما فسد قبل الغروب لا يبرىء الذمة فيخرج عن كونه صوماً فكذلكالإيمان بل لا يبعد أن يسأل عن الصوم الماضي الذي لا يشك فيه بعد الفراغ منه فيقالأصمت بالأمس فيقول نعم إن شاء الله تعالى إذ الصوم الحقيقي هو المقبول والمقبولغائب عنه لا يطلع عليه إلا الله تعالى فمن هذا حسن الاستثناء في جميع أعمال البرويكون ذلك شكا في القبول إذ يمنع منا لقبول بعد جريان ظاهر شروط الصحة أسباب خفيفةلا يطلع عليها إلا رب الأرباب جل جلاله فيحسن الشك فيه‏.‏
فهذه وجوه حسن الاستثناء في الجواب عن الإيمان وهي آخر ما نختم به‏"‏ كتاب قواعد العقائد ‏"‏ تم الكتاب بحمد الله تعالى وصلى الله على سيدنا محمدوعلى كل عبد مصطفى
اضافة رد مع اقتباس
  #2  
قديم 29/03/2007, 10:29 AM
الصورة الرمزية الخاصة بـ زعــيــ511ــم
زعيــم مميــز
تاريخ التسجيل: 09/12/2006
المكان: شبكة الزعيم
مشاركات: 32,274
جزاك الله خيرا
اضافة رد مع اقتباس
  #3  
قديم 29/03/2007, 10:32 AM
زعيــم مميــز
تاريخ التسجيل: 01/05/2005
المكان: هلالي مطوع سابقا
مشاركات: 3,748
الله يجزاك خير ويبارك فيك
اضافة رد مع اقتباس
  #4  
قديم 30/03/2007, 12:19 AM
الصورة الرمزية الخاصة بـ الحضرمي
زعيــم مميــز
تاريخ التسجيل: 31/05/2004
المكان: أرض الله الوآسعة
مشاركات: 3,922
إقتباس
"‏ وقال تعالى ‏"‏ لا يستوي منكممن أنفق من قبل الفتح وقاتل ‏"‏ الآية وقد قال تعالى ‏"‏ هم درجات عند الله ‏"‏وقال صلى الله عليه وسلم ‏"‏ الإيمان عريان ولباسه التقوى ‏"‏ الحديث وقال صلى اللهعليه وسلم ‏"‏ الإيمان بضع وسبعون باباً أدناها إماطة الأذى عن الطريق ‏"‏ فهذا مايدل على ارتباط كمال الإيمان بالأعمال وأما ارتباطه بالبراءة عن النفاق والشركالخفي فقوله صلى الله عليه وسلم ‏"‏ أربع من كن فيه فهو منافق خالص وإن صام وصلىوزعم أنه مؤمن‏:‏ من إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا ائتمن خان وإذا خاصم فجر ‏"‏وفي بعض الروايات ‏"‏ وإذا عاهد غدر ‏"‏ وفي حديث أبي سعيد الخدري ‏"‏ القلوبأربعة‏:‏ قلب أجرد وفيه سراج يزهر فذلك قلب المؤمن وقلب مصفح فيه إيمان ونفاق فمثلالإيمان فيه كمثل البقلة يمدها الماء العذب ومثل النفاق فيه كمثل القرحة يمدهاالقيح والصديد فأي المادتين غلب عليه حكم له بها ‏"‏ وفي لفظ آخر ‏"‏ غلبت عليهذهبت به ‏"‏ وقال عليه السلام ‏"‏ أكثر منافقي هذه الأمة قراؤها ‏"‏ وفي حديث ‏"‏الشرك أخفى في أمتى من دبيب النمل على الصفا ‏"‏ وقال حذيفة رضي الله عنه ‏"‏ كانالرجل يتكلم بالكلمة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يصير بها منافقاً إلى أنيموت وإني لأسمعها من أحدكم في اليوم عشر مرات ‏"‏ وقال بعض العلماء‏:‏ أقرب الناسمن النفاق من يرى أنه بريء من النفاق‏.‏
وقال حذيفة‏:‏ المنافقون اليوم أكثر منهم على عهد النبي صلى اللهعليه وسلم فكانوا إذ ذاك يخفونه وهم اليوم يظهرونه وهذا النفاق يضاد صدق الإيمانوكماله وهو خفي وأبعد الناس منه من يتخوفه وأقربهم منه من يرى أنه بريء منه‏.‏
فقد قيل للحسن البصري‏:‏ يقولون أن لا نفاق اليوم فقال يا أخي لوهلك المنافقون لاستوحشتم في الطريق‏.‏
وقال هو أو غيره‏:‏ لو نبتت للمنافقين أذناب ما قدرنا أن نطأ علىالأرض بأقدامنها وسمع ابن عمر رضي الله عنه رجلاً يتعرض للحجاج فقال‏:‏ أرأيت لوكان حاضراً يسمع أكنت تتكلم فيه فقال‏:‏ لا فقال‏:‏ كنا نعد هذا نفاقاً على عهدرسول الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏ وقال صلى الله عليه وسلم ‏"‏ من كان ذا لسانين فيالدنيا جعله الله ذا لسانين في الآخرة ‏"‏ وقال أيضاً صلى الله عليه وسلم ‏"‏ شرالناس ذا الوجهين الذي يأتي هؤلاء بوجه ويأتي هؤلاء بوجه ‏"‏ وقيل للحسن‏:‏ إنقوماً ما يقولون إنا لا نخاف النفاق فقال‏:‏ والله لأن أكون أعلم أني بريء منالنفاق أحب إلي من تلاع الأرض ذهباً‏.‏
وقال الحسن‏:‏ إن من النفاق اختلاف اللسان والقلب والسر والعلانيةوالمدخل والمخرج‏.‏
وقال رجل لحذيفة رضي الله عنه‏:‏ إني أخاف أن أكون منافقاً فقال‏:‏لو كنت منافقاً ما خفت النفاق إن المنافق من أمن النفاق‏.‏
وقال ابن أبي مليكة‏:‏ أدركت ثلاثن ومائة - وفي رواية خمسين ومائة - من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كلهم يخافون النفاق‏.‏وروي ‏"‏ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان جالساً في جماعة منأصحابه فذكروا رجلاً وأكثروا الثناء عليه فبينا هم كذلك إذ طلع عليهم الرجل ووجههيقطر ماء من أثر الوضوء وقد علق نعله بيده وبين عينيه أثر السجود فقالوا‏:‏ يا رسولالله هو هذا الرجل الذي وصفناه فقال صلى الله عليه وسلم‏:‏ أرى على وجهه سفعة منالشيطان فجاء الرجل حتى سلم وجلس مع القوم فقال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ نشدتكالله هل حدثت نفسك حين أشرفت على القوم أنه ليس فيهم خير منك فقال‏:‏ اللهم نعم ‏"‏فقال صلى الله عليه وسلم في دعائه ‏"‏ اللهم إني أستغفرك لما علمت ولما لم أعلمفقيل له‏:‏ أتخاف يا رسول الله فقال‏:‏ وما يؤمنني والقلوب بين أصبعين من أصابعالرحمن يقلبها كيف يشاء‏!‏ وقد قال سبحانه ‏"‏ وبدا لهم من الله ما لم يكونوايحتسبون ‏"‏ قيل في التفسير‏:‏ عملوا أعمالاً ظنوا أنها حسنات فكانت في كفةالسيئات‏.‏
وقال سري السقطي‏:‏ لو أن إنساناً دخل بستاناً فيه من جميع الأشجارعليها من جميع الطيور فخاطبه كل طير منها بلغة فقال‏:‏ السلام عليك يا ولي اللهفسكنت نفسه إلى ذلك كان أسيراً في يديها فهذه الأخبار والآثار تعرفك خطر الأمر بسببدقائق النفاق والشرك الخفي وأنه لا يؤمن منه حتى كان عمر بن الخطاب رضي الله عنهيسأل حذيفة عن نفسه وأنه هل ذكر في المنافقين وقال أبو سليمان الداراني‏:‏ سمعت منبعض الأمراء شيئاً فأردت أن أنكره فخفت أن يأمر بقتلي ولم أخف من الموت ولكن خشيتأن يعرض لقلبي التزين للخلق عند خروج روحي فكففت‏.‏
وهذا من النفاق الذي يضاد حقيقة الإيمان وصدقه وكماله وصفاءه لاأصله‏.‏
فالنفاق نفاقان أحدهما‏:‏ يخرج من الدين ويلحق بالكافرين ويسلك فيزمرة المخلدين في النار‏.‏
والثاني‏:‏ يفضي بصاحبه إلى النار مدة أو ينقص من درجات عليين ويحطمن رتبة الصديقين وذلك مشكوك فيه ولذلك حسن الاستثناء فيه‏.‏وأصل هذا النفاق تفاوت بين السر والعلانية والأمن من مكر الله والعجب وأمور أخر لا يخلو عنها إلا الصديقون‏.‏


جزاك الله خير وبارك فيك

ونفع بما كتبت
اضافة رد مع اقتباس
   


إضافة رد


قوانين المشاركة
غير مصرّح لك بنشر موضوع جديد
غير مصرّح لك بنشر ردود
غير مصرّح لك برفع مرفقات
غير مصرّح لك بتعديل مشاركاتك

وسوم vB : مسموح
[IMG] كود الـ مسموح
كود الـ HTML غير مسموح
Trackbacks are مسموح
Pingbacks are مسموح
Refbacks are مسموح



الوقت المعتمد في المنتدى بتوقيت جرينتش +3.
الوقت الان » 05:53 PM.

جميع الآراء و المشاركات المنشورة تمثل وجهة نظر كاتبها فقط , و لا تمثل بأي حال من الأحوال وجهة نظر النادي و مسؤوليه ولا إدارة الموقع و مسؤوليه.


Powered by: vBulletin Version 3.8.7
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd

Google Plus   Facebook  twitter  youtube