| 
				
				قبل الاحتفال باليوبيل (مهم جداً)  
 حكم احتفال شركة العثيم بمرور خمسين عاماً 
 
 الحمد لله ربِّ العالمين ، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين ، نبينا محمد عليه وعلى آله وصحبه أفضل الصلاة وأتم التسليم .
 
 أمَّا بعد :
 
 فإنَّ خيرَ الحديثُ كتابُ الله ، وخير الهدي هدي محمد صلَّى الله عليه وسلَّم ، وشرَّ الأمورُ مُحدثاتها ، وكل بدعة ضلالة[1].
 
 ولقد ذكرت جريدة الجزيرة يوم السبت 19/6/1427هـ أن شركة العثيم ستحتفل هذا اليوم الأحد بمرور خمسين عاماً على تأسيسها ، وكثر مثل هذا الاحتفال في بلاد المسلمين ، والمسلمون بحاجة للتذكير بحكم ذلك ، فأقول وبالله التوفيق :
 
 إن مِنَ المعلوم مِنَ الدِّينِ بالضرورة ، أنَّ ديننا الإسلامي دينٌ كاملٌ لا يحتاجُ إلى زيادة أو نقصان ، صالِحٌ لكلِّ زمان ومكان .
 
 وقد حذَّر النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم من البدع والإحداث في الدين ، فقال صلَّى الله عليه وسلَّم : ((مَنْ أحدثَ في أمرنا هذا ما ليسَ منه فهو ردٌّ ))[2].
 
 وقال صلَّى الله عليه وسلَّم : ((عليكم بسنتي وسنةِ الْخلفاء الراشدينَ المهديينَ ، تَمسَّكوا بها ، وعَضُّوا عليها بالنواجذِ ، وإياكم ومحدثاتِ الأمورِ، فإنَّ كلَّ محدثةٍ بدعةٌ ، وكلَّ بدعةٍ ضلالةٌ )) [3].
 
 وذكرَ شيخُ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى : ((أنَّ تحذيرَ الأمة من البدع والقائلين بها واجبٌ باتفاق المسلمين ))[4].
 
 وإنه لا شيءَ أفسدَ للدين وأشدَّ تقويضاً لبنيانه من البدع ، وإنَّ من أشدِّ وأخطر ما تساهلَ فيه بعضُ المسلمين إحداثُ أعيادٍ بدعيةٍ ما أنزلَ اللهُ بها مِن سلطان ، و ( ما مِنْ عيدٍ في الناس ، إلاَّ وسببُ وجودِه تنويهٌ بشعائرِ دينٍ ، أو موافقة أئمة مذهبٍ ، أو شيء مما يُضاهي ذلك )[5].
 
 ولقد ظهرت في كثير من بلاد المسلمين احتفالاتٌ بأعيادٍ لَمْ تكنْ معروفةً في القرون الْمُفضَّلَة ، كالاحتفال بمرور 25 عاماً أو 50 عاماً أو 100عام على إنشاء مؤسسة أو شركة أو غير ذلك ، والمسلمونَ في حاجةٍ لمعرفة حكم هذه النازلة العقَدِيَّة ؟ فأحببتُ الكتابة عن ذلك عبر المسائل الآتية :
 
 المسألة الأولى : الْمُراد بالعيد في الإسلام .
 
 إنه من المعلوم من دين الإسلام : أنَّ الله سبحانه جَعَلَ لكلِّ أُمة مَنْسكاً هم ناسكوه ، لإقامةِ ذكره ، والالتفات إلى شكره، و(العيدُ : اسمٌ لِمَا يعودُ من الاجتماع العام على وجهٍ مُعتادٍ ، عائد : إمَّا بعَوْدِ السَّنَةِ ، أو بعود الأسبوع ، أو الشهر أو نحو ذلك ) [6].
 
 وسُمِّيَ العيدُ بهذا الاسم ( لِتكَرُّرهِ كلَّ عامٍ ، أو لِعَودِ السرور بعَوْدِهِ ، أو لكثرةِ عوائدِ الله على عباده فيه ) [7].
 
 المسألة الثانية : في إخبارِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم بوقوع التشبُّه بالكفار في هذه الأمة ؟ .
 
 لقد أخبرَ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم عن وقوع التشبُّه بالكفار في هذه الأمة : ومن ذلك : عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم قال : ((لا تقومُ الساعةُ حتَّى تأخذَ أُمَّتِي بأخذِ القرون قبلَها شبراً بشبرٍ ، وذراعاً بذراعٍ ، فقيلَ يا رسولَ الله : كفارس والروم ، فقال : وَمَنِ الناسُ إلاَّ أولئك)) [8].
 
 وقال شيخ الإسلام : (وهذا كلُّه خَرَجَ منه مَخْرجَ الْخَبَر عن وقوع ذلك ، والذَّمُّ لِمَنْ يفعله ، كما كانَ يُخبرُ عمَّا يفعله الناسُ بين يَدَيِّ الساعة من الأشراط والأمور المحرَّمات ، فَعُلِمَ أنَّ مشابهتها هذه الأمة اليهود والنصارى ، وفارس والروم ، مِمَّا ذمَّهُ الله ورسولُه، وهو المطلوب) [9].
 
 المسألة الثالثة : دلالة الكتاب والسنة والإجماع على تحريم مشابهة الكفار في أعيادهم ؟ .
 
 لقد دلَّ كتاب الله تعالى على تحريم مشابهة الكفار في أعيادهم ، ومن ذلك :
 
 قوله تعالى : ((وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَاماً)) (الفرقان :72 ) .
 
 قال بعضُ السلف : كابن عباس رضي الله تعالى عنهما ت68هـ [10]، وأبو العالية ت90هـ [11]، وطاووس بن كيسان ت106هـ [12]، ومحمد بن سيرين ت120هـ [13]، والضحاك بن مزاحم الهلالي ت102هـ [14]، والربيع بن أنس ت136هـ [15]، ومجاهد ت104هـ[16] ، وأحمد بن حنبل ت241هـ [17]، وأبو الشيخ الأصبهاني[18]، وأبو إسحاق الزجاج ت310هـ[19]، وعبدالملك بن حبيب ت233هـ[20]، والعز بن عبد السلام 660هـ [21] ، وشيخ الإسلام ابن تيمية ت728هـ [22]، وابن القيم ت751هـ [23]، وابن مفلح الحنبلي ت762هـ[24] ، ومحمد بن منصور السمعاني ت489هـ [25]، وأبو بكر ابن العربي ت543هـ [26]، ومحمد بن يوسف بن حيان ت745هـ [27]، ومحمد بن مكرم بن منظور ت711هـ [28] ، ومحمد مرتضى الزبيدي ت1205هـ[29] ، وغيرهم : أنَّ المرادَ بالزور في هذه الآية : أعياد المشركين .
 
 وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى : (وأمَّا أعيادُ المشركين : فجَمَعَتِ الشبهة والشهوة : وهي باطلٌ : إذ لا منفعة فيها في الدين ، وما فيها من اللذة العاجلة : فعاقبتها إلى أَلَمْ ، فصارت زوراً ، وحضورُها: شهودُها ، وإذا كان الله قد مدحَ تركَ شهودِها الذي هو مجرَّد الحضور برؤيةٍ أو سماعٍ ، فكيفَ بالموافقة بما يزيدُ على ذلك من العملِ الذي هو عَمَلُ الزور لا مجرَّد شهوده ؟ )[30].
 
 وعن عبد الله بن عمرو رضي الله تعالى عنهما قال : قال رسول الله صلَّى الله عليه  وسلَّم : ((مَنْ تَشَبَّهَ بقومٍ فَهُوَ مِنْهُم )) [31].
 
 ودلَّ الإجماع على تحريم مشابهة المشركين في أعيادهم ، حيث اتفق ( الصحابةُ وسائرُ الفقهاء بعدَهم : أنَّ أهل الذمة مِن أهل الكتاب لا يُظهِرون أعيادَهم في دار الإسلام ، وسَمَّوا الشعانين[32]، والباعوث [33]، فإذا كانَ المسلمونَ قد اتفقوا على منعهم مِنْ إظهارها ، فكيفَ يَسُوغُ للمسلمينَ فعلُها ، أَوَ ليسَ فِعلُ المسلمِ لِهَا أشدُّ مِن فعل الكافر لَها ، مُظهراً لها ؟ ) [34].
 
 ومِمَّن ذكر اتفاق أهل العلم سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ رحمه الله تعالى[35].
 
 المسألة الرابعة : متى بدأ الابتداع في الأعياد في الأمة الإسلامية ؟ .
 
 لم تبدأ إلاَّ بعد القرون الثلاثة المفضلة، وأظهرَ الدخولَ في الإسلام بعض المنافقين ، فحاولوا إظهار بعض شعارات دياناتهم السابقة، عن طريق بعض السلاطين، ويتجلَّى ذلك واضحاً في القرن الرابع الهجري ، حيث انتشرت فيه أعياد الكفار والمشركين في ظل الدولة الرافضية الفاطمية[36].
 
 المسألة الخامسة : ذكر أشهر الأعياد التي أحدثتها الدولة العبيدية ؟ .
 
 إنَّ العبيديين لَمَّا دخلوا مصر وأرادوا نشر مذهبهم الباطني ، متخذين التشيع ستاراً يحجب أنظار الناس عن حقيقة دعوتهم، استعملوا في سبيل ذلك شتى الوسائل : فأغروا العامة ورعاع  الناس بالهدايا والولائم والاحتفالات كأداة من أدوات نشر مذهبهم ، وبالمقابل استعملوا القتل والسجن والأذى لمن عارضهم من أهل السنة المدركين لحقيقة دعوتهم .
 
 فكان مناخاً مناسباً لانتشار البدع ، وتعويد الناس عليها ، وتعليقهم بها ، لِما يعلموا من وراء ذلك من الترغيب والترهيب من السلطان الظالم .
 
 وكانت سياستهم موجهة إلى غاية واحدة ، هي العمل بكلِّ جدٍّ وإخلاص لحمل الناس على اعتناق مذهبهم، وجعله سائداً في كافة أنحاء الديار المصرية ، وغيرها من البلاد التي كانوا يحكمونها ، والمجاورة لهم .
 
 وكانوا ولاتهم يعطفون على النصارى واليهود[37]، وعيَّنوهم في بعض المناصب ، ووصل الأمر بالحاكم العبيدي العزيز أن عيَّن منشأ بن إبراهيم اليهودي ، والياً على الشام[38].
 
 وأكثرَ الولاة العبيديون من زيارة كنائس النصارى، وإكرام الرهبان وإجزال العطايا لهم[39].
 
 وعمل العبيديون على لعن الخلفاء الثلاثة أبي بكر، وعمر، وعثمان رضي الله عنهم أجمعين وغيرهم من الصحابة ، إذ عدُّوهم أعداءً لعلي رضي الله عنه، وكان الخطباء يلعنون الصحابة رضي الله عنهم على كافة منابر مصر .
 
 وقد ألزم العبيديون جميع الموظفين المصريين أن يعتنقوا المذهب العبيدي الباطني ، كما حتم على القضاة أن يصدروا أحكامهم وفق قوانين هذا المذهب .
 
 وأمر الحاكم العبيدي العزيز بقطع صلاة التراويح من جميع البلاد المصرية، وذلك سنة 372هـ، وفي سنة 393هـ قُبض على ثلاثة عشر رجلاً، وضُربوا وشهروا على الجمال، وحُبسوا ثلاثة أيام ، من أجل أنهم صلُّوا صلاة الضحى .
 
 وفي سنة 381هـ ضُرب رجل بمصر، وطيف به المدينة من أجل أنه وُجد عنده كتاب الموطأ للإمام مالك بن أنس رحمه الله .
 
 وفي سنة 395هـ في شهر صفر كُتب سبُّ السلف ولعنهم على سائر المساجد، وعلى جامع عمرو بن العاص بفسطاط بمصر، من ظاهره وباطنه ، ومن جميع جوانبه، وعلى أبواب الحوانيت ، والحجر ، وعلى المقابر، ونقش ذلك ، ولُوِّن بالأصباغ والذهب ، وعمل ذلك على أبواب الدور، وأُكره الناس على ذلك [40] .
 
 وكان آخر الحكام العبيديين العاضد شديد التشيُّع، متغالياً في سبِّ الصحابة رضوان الله عليهم، وإذا رأى سُنيَّاً استحلَّ دمه[41].
 
 وأشد من ذلك كله أن الحاكم العبيدي قد ادَّعى الألوهية ، فأمرَ الناس أن يقوموا على أقدامهم صفوفاً إذا ذكر الخطيب اسمه على المنبر، وقد فُعِل ذلك في سائر ممالِكِه ، حتى في المسجد الحرام والمسجد النبوي، وكان قد أمر أهل مصر على الخصوص إذا قاموا عند ذكره خرُّوا سجداً له [42] .
 
 فما تقدَّم يعطي فكرة موجزة عن حالة المجتمع في عهد العبيديين ، ومن الاحتفالات التي أحدثها العبيديون :
 
 الاحتفال باليوبيل الفضي واليوبيل الذهبي :
 
 فاليوبيل الفضي بمناسبة مرور خمسة وعشرين عاماً على تولِّي الحاكم، أو إنشاء دولة، أو مؤسسة، أو نادي رياضي ... إلخ ، واليوبيل الذهبي بمناسبة مرور خمسين عاماً .. أو مائة عام ، أو خمسمائة عام وهكذا [43]، وهو من أعياد اليهود ، فيُعطِّلُون زراعة الأرض التي يَمُرُّ عليها (49) سنة، وتكون السنة خمسون يوبيلاً، فيحتفلون بذلك [44] ، وهذا العيد هو من الأعياد التي أحدثتها الدولة العبيدية الرافضية في الأمة الإسلامية ، والتي ما زالت إلى اليوم .
 
 أخي المسلم :
 
 فَمِمَّا تقدَّم يَتبيَّنُ لِمَنْ أرادَ الله هدايتَهُ أنَّ مشابهة الكفار على وجه العموم ، أو الخصوص - في أعيادهم - حرامٌ ومنافٍ للإيمان، دلَّ على ذلك الكتاب، والسنة ، والإجماع .
 
 فحذارِ ثُمَّ حذارِ أخي المسلم : من مشابهة أهل الكتاب وغيرهم ، في العادات ، والتقاليد، والعبادات ، ظاهراً وباطناً ، لأنَّهُ مَنْ تشبَّه بقومٍ فَهُوَ منهم .
 
 وعليك أيضاً :
 
 النصح والإرشاد بالتي هي أحسن لِمَنْ رأيتَهُ يُقلِّدهم ويتشبَّه بهم ، فالرسول صلَّى الله عليه وسلَّم يقول : ((الدينُ النصيحة ، قلنا : لِمَنْ ، قال : لله ، ولكتابه ، ولرسوله ، ولأئمةِ المسلمينَ ، وعامَّتهم)) [45].
 
 فلعلَّك تكون سبباً في أن يترك المتشبِّه مشابهتهم فينالك من الله الأجر والمثوبة ، لاسيما وأنَّ الذي يغلب على الظن : أنَّ أغلب الْمُقلِّدين لهم ليسَ عن اعتقاد ، وإنما هو مجرد تقليد أعمى ، يفعله عوام الناس وجهَّالهم .
 
 فالواجبُ على الإنسان المسلم أن يبدأ بنفسه ومن تحت يده ، فيترك كل ما فيه مشابهة للكفار وغيرهم ، فالله سبحانه وتعالى يقول: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ )) ( التحريم : 6) .
 
 وعن معقل بن يسار رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم : ((مَا مِنْ عبدٍ يسترعيه اللهُ رعيةً فلَمْ يُحِطْهَا بِنُصْحِهِ ، إلاَّ لَمْ يَجدْ رائحةَ الجنة)) [46].
 
 وقال صلَّى الله عليه وسلَّم : ((كلُّكم راعٍ ، وكلُّكم مسؤولٌ عنْ رعيَّته ، والإمامُ راعٍ ومسؤولٌ عَنْ رعيَّته، والرجلُ راعٍ في أهله وهو مسؤولٌ عن رعيَّته )) [47].
 
 وعليك بتوجيه ونصيحة من ابتُليَ بتقليدهم ، فإنَّ تقليدهم ومشابهتهم من المنكر الذي يجب تغييره، على حسب طاقة الإنسان وقدرته، فإما أن يغيره بيده ، فإن لَمْ يستطع فبلسانه، فإن لَمْ يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان .
 
 وواجبُ الحكام والعلماء وطلاب العلم أكبر من واجب غيرهم، في إنكار هذا المنكر وغيره، لقدرتهم على ذلك ، فالحكام بسلطانهم ، والعلماء بعلمهم .
 
 فإذا اجتمع السلطان والعلم كان الجهد أكبر ، والفائدة أكثر في قمع البدعة وإظهار السنَّة، والشواهد على ذلك من التاريخ كثيرة .
 
 وقد روي عن عمر وعثمان رضي الله عنهما أنهما قالا : ((إنَّ اللهَ يَزَعُ بالسلطان ما لا يَزَعُ بالقرآن)) [48].
 
 قال ابن كثير : (أي ليمنع بالسلطان عن ارتكاب الفواحش والآثام ما لا يمتنع كثير من الناس بالقرآن وما فيه من الوعيد الأكيد والتهديد الشديد ، وهذا هو الواقع) [49].
 
 قال ابن النحاس رحمه الله تعالى : ( واعلم أنَّ أقبح البدع وأشنعها موافقة المسلمين للنصارى في أعيادهم بالتشبه بهم .. وفي ذلك من الوَهَن في الدين ، وتكثير سواد النصارى والتشبُّه بهم ما لا يخفى .. فالواجب على كل قادر أن يُنكر على أهل الذمة التظاهر بأعيادهم ومواسمهم ، ويمنع من أراد من المسلمين التشبه بهم في شيء من أفعالهم ومأكلهم وملابسهم ومخالطتهم فيها ، ومن يضلل الله فلا هادي له ، وهو على كل شيء قدير )[50]) .
 
 وإنَّ على علماء المسلمين ( للأمة حفظ علم الدين ، وتبليغه ، فإذا لَم يُبلِّغوهم علم الدِّين ، أو ضيَّعوا حفظه ، كانَ ذلكَ من أعظم الظلم للمسلمين ، ولهذا قال الله تبارك وتعالى :
 
 ((إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَـئِكَ يَلعَنُهُمُ اللّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ )) (البقرة : 159) .
 
 فإنَّ ضَرَرَ كتمانهم تعدَّى إلى البهائم وغيرها ، فلعنهم اللاَّعنونَ حتى البهائم ) [51].
 
 ( ومِنَ المعلوم أنه يَجبُ على مَنْ نَهى عن الاحتفالات البدعية ، ومنها : الاحتفال بعيد مولد النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم ، والاحتفال بليلة الإسراء والمعراج ، والاحتفال بليلة النصف من شعبان ، والاحتفال برأس العام الهجري والميلادي ، والاحتفال برأس القرن الهجري وغيرها من الأعياد الْمُبتدَعة لدى العالم الإسلامي ، والتِي أدخلَها الْمُضلِّلُون ، يجبُ على الناهين عن هذه الأعياد البدعية وجوباً أوليَّاً : أن يُعلنوا النهيَ عن الاحتفالات بمرور أعوام معينة على إنشاء مؤسسة أو شركة أو مدينة ... ومَنْ لَمْ يفعلْ فهو متناقضٌ ومضطربٌ شاءَ أمْ أبى ، وهذا من اتباع الهوى .
 
 ولذا وجبَ على أهل العلم والْهُدى : البيانُ عن تحريم الأعياد الْمُحدَثة ، و بهذا يُقيم حملَةُ الشريعة الْحُجَّة على الْخَلْق حَسَبَ الوسع ، وهذا من طاعة الله تعالى ، وطاعة رسوله صلَّى الله عليه وسلَّم في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، الذي فيه صلاحُ المعاش والمعاد ، وهو من أفضل الأعمال، ومِن كَمال محبة الله تعالى ، ومحبة رسوله صلَّى الله عليه وسلَّم ، ومحبَّة ما شرع الله سبحانه وأَمَرَ به ، وكراهة ما نَهى عنه ، وعلى هذا يجمعُ الله القلوب ، ويُؤلِّف بينها ، وتجري الأحوال على جادَّة واضحة لا اختلاف فيها ولا اضطراب ، ولا لَبْسَ فيها ولا غُموض .
 
 ولا تَتِمُّ مصالح الآدميين إلاَّ بالاجتماع والتعاون على البرِّ والتقوى ، وأمَّا السكوتُ عن بيان الأحكام فهو من أعظم أسباب الفتن ، واختلاط الأحوال ، وخفاء الشريعة ، وتقلُّص نورها ، وظهور البدع والضلالات وأهلها ، وإلى الله تعالى وحده الْمُشتَكى مِنْ أُناسٍ يَعكسُون القضيَّة ، ويَطيبُ لَهُم التشبُّه بحَطَبِ جهنَّم ، مِنَ الْمَغضوب عليهم ومن الضالين ، وكيفَ نعتقدُ كفرَهُم ونُعلنُ البراءَة منهم ، ثمَّ يقوم بعض المسلمين بالنَّوْبَةِ عنهم ، فيُقيمون الأعياد البدعية .
 
 والمسلمُ مَنْ إذا ذُكِّرَ تَذَكَّر ، وإذا بُصِّرَ تبَصَّرَ ، رزَقَنا الله جميعاً البصيرة في دينه القويم ، ولا حولَ ولا قوة إلاَّ بالله العزيز الحكيم )[52]
 
 (( إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاَحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ)) (هود : 88).
 
 وفَّق اللهُ علماء وحُكَّامَ المسلمين وشعوبهم للصواب والإخلاص في الأقوال والأعمال ، ونفعَ بهم البلاد والعباد، وأعانهم على ذكره، وشكره ، وخشيته ، وحسن عبادته، ونُصرة كتابه وسنة نبيه صلَّى الله عليه وسلَّم، وأعانهم على ترك الأعياد الْمُحدَثة، إنه سبحانه يهدي مَن يشاءُ إلى صراط مستقيم .
 
 وصلى الله وسلَّم على عبده ورسوله محمد وآله وصحبه وسلَّم .
 
 
 
 --------------------------------------------------------------------------------
 
 [1] رواه الإمام مسلم ح867 بابُ تخفيف الصلاة والخطبة .
 
 [2] رواه البخاري ح2550 بابُ إذا اصطلحوا على صلح جور فالصلح مردود , ومسلم ح1718 باب نقض الأحكام الباطلة وردِّ محدثات الأمور .
 
 [3] رواه أبو داود واللفظ له ح4607 بابٌ في لزوم السنة , وابن ماجة ح42 باب اتباع سنة الخلفاء الراشدين , والترمذي وقال : حسنٌ صحيحٌ ح2676 باب ما جاء في الأخذ بالسنة واجتناب البدع , والدارمي ح95 باب إتباع السنة , والحاكم وصحَّحه ح329 كتاب العلم , وابن حبان ح5 ذكر وصف الفرقة الناجية من بين الفرق التي تفترق عليها أمة المصطفى صلَّى الله عليه وسلَّم , وصحَّحه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في مجموع الفتاوى ج20/309 .
 
 [4] يُنظر : مجموع الفتاوى ج28/231 .
 
 [5] حجة الله البالغة ج1/479 للدهلوي .
 
 [6] اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم ج1/441-442 لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله .
 
 [7] شرح الزرقاني ج1/511 , وفيض القدير ج5/181 , والإقناع للشربيني ج1/186 , ومغني المحتاج ج1/310 , وأسنى المطالب في شرح روضة الطالب ج1/279 , وشرح المنهج ج2/92 , ونهاية المحتاج ج2/385 , والمجموع شرح المهذب للنووي ج2/5 , وأنيس الفقهاء لقاسم القونوي ص188 , والبناية في شرح الهداية للعيني ج2/849 , وكشاف القناع للبهوتي ج2/49-50 .
 
 [8] رواه البخاري ح6888 باب قول النبي صلَّى الله عليه وسلَّم : لتتبعن سنن من كان قبلكم .
 
 [9] اقتضاء الصراط المستقيم ج1/147-149 .
 
 [10] يُنظر : تاريخ بغداد ج12/13 , والجامع لأحكام القرآن للقرطبي ج13/79 , وأحكام أهل الذمة لابن القيم ج3/1244 , والدر المنثور للسيوطي ج6/282 .
 
 [11] - يُنظر : تفسير ابن كثير ج3/329-330 .
 
 [12] يُنظر : تفسير ابن كثير ج3/329-330 , وتفسير ابن أبي حاتم ج8/2737 .
 
 [13] يُنظر : تفسير ابن كثير ج3/329-330 , وتفسير ابن أبي حاتم ج8/2737
 
 [14] يُنظر : تفسير ابن كثير ج3/329-330 , وتفسير ابن أبي حاتم ج8/2737 , ومجموع الفتاوى ج25/327 , والفتاوى الكبرى ج2/101 , وأحكام أهل الذمة ج3/1244 .
 
 [15] يُنظر : تفسير ابن كثير ج3/330 , ومجموع فتاوى ابن تيمية ج25/327 , وزاد المسير لابن الجوزي ج6/109 .
 
 [16] يُنظر : مجموع فتاوى ابن تيمية ج25/327 , والفتاوى الكبرى ج2/101 , وتفسير ابن كثير ج3/330 , وتفسير البغوي ج3/378 .
 
 [17] يُنظر : مجموع فتاوى شيخ الإسلام ج25/326 .
 
 [18] يُنظر : مجموع فتاوى شيخ الإسلام ج25/327 .
 
 [19] يُنظر : المحكم والمحيط الأعظم لابن سيده ج9/102 .
 
 [20] يُنظر : الفتاوى الكبرى ج2/100 .
 
 [21] يُنظر : تفسير العز بن عبدالسلام ج2/434 .
 
 [22] في غير ما موضع من كتبه , وخاصة كتابه العظيم : اقتضاء الصراط المستقيم .
 
 [23] يُنظر : إغاثة اللهفان ج1/241 .
 
 [24] يُنظر : الفروع ج5/235 , والآداب الشرعية ج3/416 .
 
 [25] يُنظر : تفسير السمعاني ج4/35 .
 
 [26] يُنظر : أحكام القرآن لابن العربي ج3/453 .
 
 [27] يُنظر : تفسير البحر المحيط لأبي حيان ج6/473 .
 
 [28] يُنظر : لسان العرب لابن منظور ج4/337 .
 
 [29] يُنظر : تاج العروس ج11/462 للزبيدي
 
 [30] الاقتضاء ج1/429 .
 
 [31] رواه الإمام أحمد ح5114 , وأبو داود ح4031 باب في لبس الشهرة , وابن أبي شيبة ح33016 , وعبد الرزاق ح20986 , وصحح سنده الحافظ العراقي في المغني عن حمل الأسفار في الأحياء من الأخبار ج2/65 , وحسن إسناده الحافظ في الفتح ج6/98 , وصحَّح إسناده شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب ، مجموع مؤلفات الشيخ ، قسم الحديث ج1/108 ، وقال الألباني في صحيح سنن أبي داود ح3451 : حسن صحيح ، ويُنظر : الإرواء 1269 رحمهم الله تعالى .
 
 [32] الشعانين : عيدٌ للنصارى يُقيمونه يوم الأحد السابق لعيد الفصح , ويحتفلون فيه بحمل السعف , ويزعمون أنَّ ذلك ذكرى لدخول المسيح بيت المقدس .
 
 ( يُنظر : المعجم الوسيط ج1/488 , والاقتضاء ج1/478 ) .
 
 [33] هو خروج النصارى واجتماعهم كما يخرج المسلمون يوم الأضحى والفطر ( الاقتضاء ج1/321 ) .
 
 [34] الاقتضاء ج1/454 .
 
 [35] مجموع فتاوى سماحته ج3/105 .
 
 [36] بدأت هذه الدولة بدخول المعز محمد بن إسماعيل القاهرة سنة 362هـ , وانتهت بوفاة العاضد سنة 567هـ , وهي دولة رافضية باطنية , تنتسب زوراً وبهتاناً إلى أحد أولاد علي بن أبي طالب رضي الله عنه , وظاهرهم الرفض , وباطنهم الكفر المحض , ويشهد عليهم علماء الأمة وأئمتها وجماهيرها بأنهم كانوا منافقين زنادقة , يُظهرون الإسلام ويُبطنون الكفر .
 
 ( يُنظر : الفرق بين الفرق ص272 , ومجموع الفتاوى ج35/120 , والبداية والنهاية ج11/291-369 , ووفيات الأعيان ج3/117-118 ) .
 
 [37] يُنظر : تاريخ الدولة الفاطمية ص202 لحسن إبراهيم حسن .
 
 [38] يُنظر : البداية والنهاية ج11/358 ، والمنتظم في تاريخ الملوك والأمم ج7/190لابن الجوزي ، واتعاظ الحنفا بأخبار الأئمة الفاطميين الحنفا ج1/297 لمؤرخ الدولة العبيدية الباطنية أحمد المقريزي .
 
 [39] يُنظر : تاريخ الدولة الفاطمية ص202-216 .
 
 [40] يُنظر : الخطط المقريزي ج2/341 .
 
 [41] يُنظر : وفيات الأعيان ج3/110 لأبي العباس أحمد بن خلِّكان .
 
 [42] يُنظر : البداية والنهاية  ج12/ 10، 11 ، والمنتظم ج7/298 .
 
 [43] الديارات لأبي الندماء الشابشتي ص93 .
 
 [44] تاريخ الإسرائيليين ص101 , الإصحاح 5 , الفقرة 8-12 , والآثار الباقية للبيروني ص281 , والخطط للمقريزي ج2/474-479 .
 
 [45] رواه الإمام مسلم رحمه الله تعالى ح196 باب : بيان أنَّ الدين النصيحة .
 
 [46] رواه الإمام البخاري ح6731 باب : من استُرعي رعية فلم ينصح .
 
 [47] رواه الإمام البخاري ح853 باب : الجمعة في القرى والمدن , ومسلم ح1828 باب : فضيلة الإمام العادل وعقوبة الجائر ، والحث على الرفق بالرعية ، والنهي عن إدخال المشقة عليهم .
 
 [48] تاريخ بغداد ج4/107 , الجد الحثيث ح57 ص60 للعامري ت1143هـ , البداية والنهاية ج2/10 .
 
 [49] تفسير ابن كثير ج3/60 .
 
 [50] تنبيه الغافلين لابن النحاس ص307-310 .
 
 [51] مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى ج28/187 .
 
 [52] - عيد اليوبيل بدعة في الإسلام للعلامة الشيخ بكر بن عبدالله أبو زيد ص5-27 بتصرُّف وزيادة
 |