مشاهدة مشاركة بصفحة مستقلة
  #1  
قديم 01/11/2006, 10:59 AM
ابوريوف ابوريوف غير متواجد حالياً
زعيــم متألــق
تاريخ التسجيل: 10/08/2002
المكان: قلوب الجميع
مشاركات: 1,281
قبل الاحتفال باليوبيل (مهم جداً)

حكم احتفال شركة العثيم بمرور خمسين عاماً


الحمد لله ربِّ العالمين ، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين ، نبينا محمد عليه وعلى آله وصحبه أفضل الصلاة وأتم التسليم .

أمَّا بعد :

فإنَّ خيرَ الحديثُ كتابُ الله ، وخير الهدي هدي محمد صلَّى الله عليه وسلَّم ، وشرَّ الأمورُ مُحدثاتها ، وكل بدعة ضلالة[1].

ولقد ذكرت جريدة الجزيرة يوم السبت 19/6/1427هـ أن شركة العثيم ستحتفل هذا اليوم الأحد بمرور خمسين عاماً على تأسيسها ، وكثر مثل هذا الاحتفال في بلاد المسلمين ، والمسلمون بحاجة للتذكير بحكم ذلك ، فأقول وبالله التوفيق :

إن مِنَ المعلوم مِنَ الدِّينِ بالضرورة ، أنَّ ديننا الإسلامي دينٌ كاملٌ لا يحتاجُ إلى زيادة أو نقصان ، صالِحٌ لكلِّ زمان ومكان .

وقد حذَّر النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم من البدع والإحداث في الدين ، فقال صلَّى الله عليه وسلَّم : ((مَنْ أحدثَ في أمرنا هذا ما ليسَ منه فهو ردٌّ ))[2].

وقال صلَّى الله عليه وسلَّم : ((عليكم بسنتي وسنةِ الْخلفاء الراشدينَ المهديينَ ، تَمسَّكوا بها ، وعَضُّوا عليها بالنواجذِ ، وإياكم ومحدثاتِ الأمورِ، فإنَّ كلَّ محدثةٍ بدعةٌ ، وكلَّ بدعةٍ ضلالةٌ )) [3].

وذكرَ شيخُ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى : ((أنَّ تحذيرَ الأمة من البدع والقائلين بها واجبٌ باتفاق المسلمين ))[4].

وإنه لا شيءَ أفسدَ للدين وأشدَّ تقويضاً لبنيانه من البدع ، وإنَّ من أشدِّ وأخطر ما تساهلَ فيه بعضُ المسلمين إحداثُ أعيادٍ بدعيةٍ ما أنزلَ اللهُ بها مِن سلطان ، و ( ما مِنْ عيدٍ في الناس ، إلاَّ وسببُ وجودِه تنويهٌ بشعائرِ دينٍ ، أو موافقة أئمة مذهبٍ ، أو شيء مما يُضاهي ذلك )[5].

ولقد ظهرت في كثير من بلاد المسلمين احتفالاتٌ بأعيادٍ لَمْ تكنْ معروفةً في القرون الْمُفضَّلَة ، كالاحتفال بمرور 25 عاماً أو 50 عاماً أو 100عام على إنشاء مؤسسة أو شركة أو غير ذلك ، والمسلمونَ في حاجةٍ لمعرفة حكم هذه النازلة العقَدِيَّة ؟ فأحببتُ الكتابة عن ذلك عبر المسائل الآتية :

المسألة الأولى : الْمُراد بالعيد في الإسلام .

إنه من المعلوم من دين الإسلام : أنَّ الله سبحانه جَعَلَ لكلِّ أُمة مَنْسكاً هم ناسكوه ، لإقامةِ ذكره ، والالتفات إلى شكره، و(العيدُ : اسمٌ لِمَا يعودُ من الاجتماع العام على وجهٍ مُعتادٍ ، عائد : إمَّا بعَوْدِ السَّنَةِ ، أو بعود الأسبوع ، أو الشهر أو نحو ذلك ) [6].

وسُمِّيَ العيدُ بهذا الاسم ( لِتكَرُّرهِ كلَّ عامٍ ، أو لِعَودِ السرور بعَوْدِهِ ، أو لكثرةِ عوائدِ الله على عباده فيه ) [7].

المسألة الثانية : في إخبارِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم بوقوع التشبُّه بالكفار في هذه الأمة ؟ .

لقد أخبرَ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم عن وقوع التشبُّه بالكفار في هذه الأمة : ومن ذلك : عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم قال : ((لا تقومُ الساعةُ حتَّى تأخذَ أُمَّتِي بأخذِ القرون قبلَها شبراً بشبرٍ ، وذراعاً بذراعٍ ، فقيلَ يا رسولَ الله : كفارس والروم ، فقال : وَمَنِ الناسُ إلاَّ أولئك)) [8].

وقال شيخ الإسلام : (وهذا كلُّه خَرَجَ منه مَخْرجَ الْخَبَر عن وقوع ذلك ، والذَّمُّ لِمَنْ يفعله ، كما كانَ يُخبرُ عمَّا يفعله الناسُ بين يَدَيِّ الساعة من الأشراط والأمور المحرَّمات ، فَعُلِمَ أنَّ مشابهتها هذه الأمة اليهود والنصارى ، وفارس والروم ، مِمَّا ذمَّهُ الله ورسولُه، وهو المطلوب) [9].

المسألة الثالثة : دلالة الكتاب والسنة والإجماع على تحريم مشابهة الكفار في أعيادهم ؟ .

لقد دلَّ كتاب الله تعالى على تحريم مشابهة الكفار في أعيادهم ، ومن ذلك :

قوله تعالى : ((وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَاماً)) (الفرقان :72 ) .

قال بعضُ السلف : كابن عباس رضي الله تعالى عنهما ت68هـ [10]، وأبو العالية ت90هـ [11]، وطاووس بن كيسان ت106هـ [12]، ومحمد بن سيرين ت120هـ [13]، والضحاك بن مزاحم الهلالي ت102هـ [14]، والربيع بن أنس ت136هـ [15]، ومجاهد ت104هـ[16] ، وأحمد بن حنبل ت241هـ [17]، وأبو الشيخ الأصبهاني[18]، وأبو إسحاق الزجاج ت310هـ[19]، وعبدالملك بن حبيب ت233هـ[20]، والعز بن عبد السلام 660هـ [21] ، وشيخ الإسلام ابن تيمية ت728هـ [22]، وابن القيم ت751هـ [23]، وابن مفلح الحنبلي ت762هـ[24] ، ومحمد بن منصور السمعاني ت489هـ [25]، وأبو بكر ابن العربي ت543هـ [26]، ومحمد بن يوسف بن حيان ت745هـ [27]، ومحمد بن مكرم بن منظور ت711هـ [28] ، ومحمد مرتضى الزبيدي ت1205هـ[29] ، وغيرهم : أنَّ المرادَ بالزور في هذه الآية : أعياد المشركين .

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى : (وأمَّا أعيادُ المشركين : فجَمَعَتِ الشبهة والشهوة : وهي باطلٌ : إذ لا منفعة فيها في الدين ، وما فيها من اللذة العاجلة : فعاقبتها إلى أَلَمْ ، فصارت زوراً ، وحضورُها: شهودُها ، وإذا كان الله قد مدحَ تركَ شهودِها الذي هو مجرَّد الحضور برؤيةٍ أو سماعٍ ، فكيفَ بالموافقة بما يزيدُ على ذلك من العملِ الذي هو عَمَلُ الزور لا مجرَّد شهوده ؟ )[30].

وعن عبد الله بن عمرو رضي الله تعالى عنهما قال : قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم : ((مَنْ تَشَبَّهَ بقومٍ فَهُوَ مِنْهُم )) [31].

ودلَّ الإجماع على تحريم مشابهة المشركين في أعيادهم ، حيث اتفق ( الصحابةُ وسائرُ الفقهاء بعدَهم : أنَّ أهل الذمة مِن أهل الكتاب لا يُظهِرون أعيادَهم في دار الإسلام ، وسَمَّوا الشعانين[32]، والباعوث [33]، فإذا كانَ المسلمونَ قد اتفقوا على منعهم مِنْ إظهارها ، فكيفَ يَسُوغُ للمسلمينَ فعلُها ، أَوَ ليسَ فِعلُ المسلمِ لِهَا أشدُّ مِن فعل الكافر لَها ، مُظهراً لها ؟ ) [34].

ومِمَّن ذكر اتفاق أهل العلم سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ رحمه الله تعالى[35].

المسألة الرابعة : متى بدأ الابتداع في الأعياد في الأمة الإسلامية ؟ .

لم تبدأ إلاَّ بعد القرون الثلاثة المفضلة، وأظهرَ الدخولَ في الإسلام بعض المنافقين ، فحاولوا إظهار بعض شعارات دياناتهم السابقة، عن طريق بعض السلاطين، ويتجلَّى ذلك واضحاً في القرن الرابع الهجري ، حيث انتشرت فيه أعياد الكفار والمشركين في ظل الدولة الرافضية الفاطمية[36].

المسألة الخامسة : ذكر أشهر الأعياد التي أحدثتها الدولة العبيدية ؟ .

إنَّ العبيديين لَمَّا دخلوا مصر وأرادوا نشر مذهبهم الباطني ، متخذين التشيع ستاراً يحجب أنظار الناس عن حقيقة دعوتهم، استعملوا في سبيل ذلك شتى الوسائل : فأغروا العامة ورعاع الناس بالهدايا والولائم والاحتفالات كأداة من أدوات نشر مذهبهم ، وبالمقابل استعملوا القتل والسجن والأذى لمن عارضهم من أهل السنة المدركين لحقيقة دعوتهم .

فكان مناخاً مناسباً لانتشار البدع ، وتعويد الناس عليها ، وتعليقهم بها ، لِما يعلموا من وراء ذلك من الترغيب والترهيب من السلطان الظالم .

وكانت سياستهم موجهة إلى غاية واحدة ، هي العمل بكلِّ جدٍّ وإخلاص لحمل الناس على اعتناق مذهبهم، وجعله سائداً في كافة أنحاء الديار المصرية ، وغيرها من البلاد التي كانوا يحكمونها ، والمجاورة لهم .

وكانوا ولاتهم يعطفون على النصارى واليهود[37]، وعيَّنوهم في بعض المناصب ، ووصل الأمر بالحاكم العبيدي العزيز أن عيَّن منشأ بن إبراهيم اليهودي ، والياً على الشام[38].

وأكثرَ الولاة العبيديون من زيارة كنائس النصارى، وإكرام الرهبان وإجزال العطايا لهم[39].

وعمل العبيديون على لعن الخلفاء الثلاثة أبي بكر، وعمر، وعثمان رضي الله عنهم أجمعين وغيرهم من الصحابة ، إذ عدُّوهم أعداءً لعلي رضي الله عنه، وكان الخطباء يلعنون الصحابة رضي الله عنهم على كافة منابر مصر .

وقد ألزم العبيديون جميع الموظفين المصريين أن يعتنقوا المذهب العبيدي الباطني ، كما حتم على القضاة أن يصدروا أحكامهم وفق قوانين هذا المذهب .

وأمر الحاكم العبيدي العزيز بقطع صلاة التراويح من جميع البلاد المصرية، وذلك سنة 372هـ، وفي سنة 393هـ قُبض على ثلاثة عشر رجلاً، وضُربوا وشهروا على الجمال، وحُبسوا ثلاثة أيام ، من أجل أنهم صلُّوا صلاة الضحى .

وفي سنة 381هـ ضُرب رجل بمصر، وطيف به المدينة من أجل أنه وُجد عنده كتاب الموطأ للإمام مالك بن أنس رحمه الله .

وفي سنة 395هـ في شهر صفر كُتب سبُّ السلف ولعنهم على سائر المساجد، وعلى جامع عمرو بن العاص بفسطاط بمصر، من ظاهره وباطنه ، ومن جميع جوانبه، وعلى أبواب الحوانيت ، والحجر ، وعلى المقابر، ونقش ذلك ، ولُوِّن بالأصباغ والذهب ، وعمل ذلك على أبواب الدور، وأُكره الناس على ذلك [40] .

وكان آخر الحكام العبيديين العاضد شديد التشيُّع، متغالياً في سبِّ الصحابة رضوان الله عليهم، وإذا رأى سُنيَّاً استحلَّ دمه[41].

وأشد من ذلك كله أن الحاكم العبيدي قد ادَّعى الألوهية ، فأمرَ الناس أن يقوموا على أقدامهم صفوفاً إذا ذكر الخطيب اسمه على المنبر، وقد فُعِل ذلك في سائر ممالِكِه ، حتى في المسجد الحرام والمسجد النبوي، وكان قد أمر أهل مصر على الخصوص إذا قاموا عند ذكره خرُّوا سجداً له [42] .

فما تقدَّم يعطي فكرة موجزة عن حالة المجتمع في عهد العبيديين ، ومن الاحتفالات التي أحدثها العبيديون :

الاحتفال باليوبيل الفضي واليوبيل الذهبي :

فاليوبيل الفضي بمناسبة مرور خمسة وعشرين عاماً على تولِّي الحاكم، أو إنشاء دولة، أو مؤسسة، أو نادي رياضي ... إلخ ، واليوبيل الذهبي بمناسبة مرور خمسين عاماً .. أو مائة عام ، أو خمسمائة عام وهكذا [43]، وهو من أعياد اليهود ، فيُعطِّلُون زراعة الأرض التي يَمُرُّ عليها (49) سنة، وتكون السنة خمسون يوبيلاً، فيحتفلون بذلك [44] ، وهذا العيد هو من الأعياد التي أحدثتها الدولة العبيدية الرافضية في الأمة الإسلامية ، والتي ما زالت إلى اليوم .

أخي المسلم :

فَمِمَّا تقدَّم يَتبيَّنُ لِمَنْ أرادَ الله هدايتَهُ أنَّ مشابهة الكفار على وجه العموم ، أو الخصوص - في أعيادهم - حرامٌ ومنافٍ للإيمان، دلَّ على ذلك الكتاب، والسنة ، والإجماع .

فحذارِ ثُمَّ حذارِ أخي المسلم : من مشابهة أهل الكتاب وغيرهم ، في العادات ، والتقاليد، والعبادات ، ظاهراً وباطناً ، لأنَّهُ مَنْ تشبَّه بقومٍ فَهُوَ منهم .

وعليك أيضاً :

النصح والإرشاد بالتي هي أحسن لِمَنْ رأيتَهُ يُقلِّدهم ويتشبَّه بهم ، فالرسول صلَّى الله عليه وسلَّم يقول : ((الدينُ النصيحة ، قلنا : لِمَنْ ، قال : لله ، ولكتابه ، ولرسوله ، ولأئمةِ المسلمينَ ، وعامَّتهم)) [45].

فلعلَّك تكون سبباً في أن يترك المتشبِّه مشابهتهم فينالك من الله الأجر والمثوبة ، لاسيما وأنَّ الذي يغلب على الظن : أنَّ أغلب الْمُقلِّدين لهم ليسَ عن اعتقاد ، وإنما هو مجرد تقليد أعمى ، يفعله عوام الناس وجهَّالهم .

فالواجبُ على الإنسان المسلم أن يبدأ بنفسه ومن تحت يده ، فيترك كل ما فيه مشابهة للكفار وغيرهم ، فالله سبحانه وتعالى يقول: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ )) ( التحريم : 6) .

وعن معقل بن يسار رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم : ((مَا مِنْ عبدٍ يسترعيه اللهُ رعيةً فلَمْ يُحِطْهَا بِنُصْحِهِ ، إلاَّ لَمْ يَجدْ رائحةَ الجنة)) [46].

وقال صلَّى الله عليه وسلَّم : ((كلُّكم راعٍ ، وكلُّكم مسؤولٌ عنْ رعيَّته ، والإمامُ راعٍ ومسؤولٌ عَنْ رعيَّته، والرجلُ راعٍ في أهله وهو مسؤولٌ عن رعيَّته )) [47].

وعليك بتوجيه ونصيحة من ابتُليَ بتقليدهم ، فإنَّ تقليدهم ومشابهتهم من المنكر الذي يجب تغييره، على حسب طاقة الإنسان وقدرته، فإما أن يغيره بيده ، فإن لَمْ يستطع فبلسانه، فإن لَمْ يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان .

وواجبُ الحكام والعلماء وطلاب العلم أكبر من واجب غيرهم، في إنكار هذا المنكر وغيره، لقدرتهم على ذلك ، فالحكام بسلطانهم ، والعلماء بعلمهم .

فإذا اجتمع السلطان والعلم كان الجهد أكبر ، والفائدة أكثر في قمع البدعة وإظهار السنَّة، والشواهد على ذلك من التاريخ كثيرة .

وقد روي عن عمر وعثمان رضي الله عنهما أنهما قالا : ((إنَّ اللهَ يَزَعُ بالسلطان ما لا يَزَعُ بالقرآن)) [48].

قال ابن كثير : (أي ليمنع بالسلطان عن ارتكاب الفواحش والآثام ما لا يمتنع كثير من الناس بالقرآن وما فيه من الوعيد الأكيد والتهديد الشديد ، وهذا هو الواقع) [49].

قال ابن النحاس رحمه الله تعالى : ( واعلم أنَّ أقبح البدع وأشنعها موافقة المسلمين للنصارى في أعيادهم بالتشبه بهم .. وفي ذلك من الوَهَن في الدين ، وتكثير سواد النصارى والتشبُّه بهم ما لا يخفى .. فالواجب على كل قادر أن يُنكر على أهل الذمة التظاهر بأعيادهم ومواسمهم ، ويمنع من أراد من المسلمين التشبه بهم في شيء من أفعالهم ومأكلهم وملابسهم ومخالطتهم فيها ، ومن يضلل الله فلا هادي له ، وهو على كل شيء قدير )[50]) .

وإنَّ على علماء المسلمين ( للأمة حفظ علم الدين ، وتبليغه ، فإذا لَم يُبلِّغوهم علم الدِّين ، أو ضيَّعوا حفظه ، كانَ ذلكَ من أعظم الظلم للمسلمين ، ولهذا قال الله تبارك وتعالى :

((إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَـئِكَ يَلعَنُهُمُ اللّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ )) (البقرة : 159) .

فإنَّ ضَرَرَ كتمانهم تعدَّى إلى البهائم وغيرها ، فلعنهم اللاَّعنونَ حتى البهائم ) [51].

( ومِنَ المعلوم أنه يَجبُ على مَنْ نَهى عن الاحتفالات البدعية ، ومنها : الاحتفال بعيد مولد النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم ، والاحتفال بليلة الإسراء والمعراج ، والاحتفال بليلة النصف من شعبان ، والاحتفال برأس العام الهجري والميلادي ، والاحتفال برأس القرن الهجري وغيرها من الأعياد الْمُبتدَعة لدى العالم الإسلامي ، والتِي أدخلَها الْمُضلِّلُون ، يجبُ على الناهين عن هذه الأعياد البدعية وجوباً أوليَّاً : أن يُعلنوا النهيَ عن الاحتفالات بمرور أعوام معينة على إنشاء مؤسسة أو شركة أو مدينة ... ومَنْ لَمْ يفعلْ فهو متناقضٌ ومضطربٌ شاءَ أمْ أبى ، وهذا من اتباع الهوى .

ولذا وجبَ على أهل العلم والْهُدى : البيانُ عن تحريم الأعياد الْمُحدَثة ، و بهذا يُقيم حملَةُ الشريعة الْحُجَّة على الْخَلْق حَسَبَ الوسع ، وهذا من طاعة الله تعالى ، وطاعة رسوله صلَّى الله عليه وسلَّم في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، الذي فيه صلاحُ المعاش والمعاد ، وهو من أفضل الأعمال، ومِن كَمال محبة الله تعالى ، ومحبة رسوله صلَّى الله عليه وسلَّم ، ومحبَّة ما شرع الله سبحانه وأَمَرَ به ، وكراهة ما نَهى عنه ، وعلى هذا يجمعُ الله القلوب ، ويُؤلِّف بينها ، وتجري الأحوال على جادَّة واضحة لا اختلاف فيها ولا اضطراب ، ولا لَبْسَ فيها ولا غُموض .

ولا تَتِمُّ مصالح الآدميين إلاَّ بالاجتماع والتعاون على البرِّ والتقوى ، وأمَّا السكوتُ عن بيان الأحكام فهو من أعظم أسباب الفتن ، واختلاط الأحوال ، وخفاء الشريعة ، وتقلُّص نورها ، وظهور البدع والضلالات وأهلها ، وإلى الله تعالى وحده الْمُشتَكى مِنْ أُناسٍ يَعكسُون القضيَّة ، ويَطيبُ لَهُم التشبُّه بحَطَبِ جهنَّم ، مِنَ الْمَغضوب عليهم ومن الضالين ، وكيفَ نعتقدُ كفرَهُم ونُعلنُ البراءَة منهم ، ثمَّ يقوم بعض المسلمين بالنَّوْبَةِ عنهم ، فيُقيمون الأعياد البدعية .

والمسلمُ مَنْ إذا ذُكِّرَ تَذَكَّر ، وإذا بُصِّرَ تبَصَّرَ ، رزَقَنا الله جميعاً البصيرة في دينه القويم ، ولا حولَ ولا قوة إلاَّ بالله العزيز الحكيم )[52]

(( إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاَحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ)) (هود : 88).

وفَّق اللهُ علماء وحُكَّامَ المسلمين وشعوبهم للصواب والإخلاص في الأقوال والأعمال ، ونفعَ بهم البلاد والعباد، وأعانهم على ذكره، وشكره ، وخشيته ، وحسن عبادته، ونُصرة كتابه وسنة نبيه صلَّى الله عليه وسلَّم، وأعانهم على ترك الأعياد الْمُحدَثة، إنه سبحانه يهدي مَن يشاءُ إلى صراط مستقيم .

وصلى الله وسلَّم على عبده ورسوله محمد وآله وصحبه وسلَّم .



--------------------------------------------------------------------------------

[1] رواه الإمام مسلم ح867 بابُ تخفيف الصلاة والخطبة .

[2] رواه البخاري ح2550 بابُ إذا اصطلحوا على صلح جور فالصلح مردود , ومسلم ح1718 باب نقض الأحكام الباطلة وردِّ محدثات الأمور .

[3] رواه أبو داود واللفظ له ح4607 بابٌ في لزوم السنة , وابن ماجة ح42 باب اتباع سنة الخلفاء الراشدين , والترمذي وقال : حسنٌ صحيحٌ ح2676 باب ما جاء في الأخذ بالسنة واجتناب البدع , والدارمي ح95 باب إتباع السنة , والحاكم وصحَّحه ح329 كتاب العلم , وابن حبان ح5 ذكر وصف الفرقة الناجية من بين الفرق التي تفترق عليها أمة المصطفى صلَّى الله عليه وسلَّم , وصحَّحه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في مجموع الفتاوى ج20/309 .

[4] يُنظر : مجموع الفتاوى ج28/231 .

[5] حجة الله البالغة ج1/479 للدهلوي .

[6] اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم ج1/441-442 لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله .

[7] شرح الزرقاني ج1/511 , وفيض القدير ج5/181 , والإقناع للشربيني ج1/186 , ومغني المحتاج ج1/310 , وأسنى المطالب في شرح روضة الطالب ج1/279 , وشرح المنهج ج2/92 , ونهاية المحتاج ج2/385 , والمجموع شرح المهذب للنووي ج2/5 , وأنيس الفقهاء لقاسم القونوي ص188 , والبناية في شرح الهداية للعيني ج2/849 , وكشاف القناع للبهوتي ج2/49-50 .

[8] رواه البخاري ح6888 باب قول النبي صلَّى الله عليه وسلَّم : لتتبعن سنن من كان قبلكم .

[9] اقتضاء الصراط المستقيم ج1/147-149 .

[10] يُنظر : تاريخ بغداد ج12/13 , والجامع لأحكام القرآن للقرطبي ج13/79 , وأحكام أهل الذمة لابن القيم ج3/1244 , والدر المنثور للسيوطي ج6/282 .

[11] - يُنظر : تفسير ابن كثير ج3/329-330 .

[12] يُنظر : تفسير ابن كثير ج3/329-330 , وتفسير ابن أبي حاتم ج8/2737 .

[13] يُنظر : تفسير ابن كثير ج3/329-330 , وتفسير ابن أبي حاتم ج8/2737

[14] يُنظر : تفسير ابن كثير ج3/329-330 , وتفسير ابن أبي حاتم ج8/2737 , ومجموع الفتاوى ج25/327 , والفتاوى الكبرى ج2/101 , وأحكام أهل الذمة ج3/1244 .

[15] يُنظر : تفسير ابن كثير ج3/330 , ومجموع فتاوى ابن تيمية ج25/327 , وزاد المسير لابن الجوزي ج6/109 .

[16] يُنظر : مجموع فتاوى ابن تيمية ج25/327 , والفتاوى الكبرى ج2/101 , وتفسير ابن كثير ج3/330 , وتفسير البغوي ج3/378 .

[17] يُنظر : مجموع فتاوى شيخ الإسلام ج25/326 .

[18] يُنظر : مجموع فتاوى شيخ الإسلام ج25/327 .

[19] يُنظر : المحكم والمحيط الأعظم لابن سيده ج9/102 .

[20] يُنظر : الفتاوى الكبرى ج2/100 .

[21] يُنظر : تفسير العز بن عبدالسلام ج2/434 .

[22] في غير ما موضع من كتبه , وخاصة كتابه العظيم : اقتضاء الصراط المستقيم .

[23] يُنظر : إغاثة اللهفان ج1/241 .

[24] يُنظر : الفروع ج5/235 , والآداب الشرعية ج3/416 .

[25] يُنظر : تفسير السمعاني ج4/35 .

[26] يُنظر : أحكام القرآن لابن العربي ج3/453 .

[27] يُنظر : تفسير البحر المحيط لأبي حيان ج6/473 .

[28] يُنظر : لسان العرب لابن منظور ج4/337 .

[29] يُنظر : تاج العروس ج11/462 للزبيدي

[30] الاقتضاء ج1/429 .

[31] رواه الإمام أحمد ح5114 , وأبو داود ح4031 باب في لبس الشهرة , وابن أبي شيبة ح33016 , وعبد الرزاق ح20986 , وصحح سنده الحافظ العراقي في المغني عن حمل الأسفار في الأحياء من الأخبار ج2/65 , وحسن إسناده الحافظ في الفتح ج6/98 , وصحَّح إسناده شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب ، مجموع مؤلفات الشيخ ، قسم الحديث ج1/108 ، وقال الألباني في صحيح سنن أبي داود ح3451 : حسن صحيح ، ويُنظر : الإرواء 1269 رحمهم الله تعالى .

[32] الشعانين : عيدٌ للنصارى يُقيمونه يوم الأحد السابق لعيد الفصح , ويحتفلون فيه بحمل السعف , ويزعمون أنَّ ذلك ذكرى لدخول المسيح بيت المقدس .

( يُنظر : المعجم الوسيط ج1/488 , والاقتضاء ج1/478 ) .

[33] هو خروج النصارى واجتماعهم كما يخرج المسلمون يوم الأضحى والفطر ( الاقتضاء ج1/321 ) .

[34] الاقتضاء ج1/454 .

[35] مجموع فتاوى سماحته ج3/105 .

[36] بدأت هذه الدولة بدخول المعز محمد بن إسماعيل القاهرة سنة 362هـ , وانتهت بوفاة العاضد سنة 567هـ , وهي دولة رافضية باطنية , تنتسب زوراً وبهتاناً إلى أحد أولاد علي بن أبي طالب رضي الله عنه , وظاهرهم الرفض , وباطنهم الكفر المحض , ويشهد عليهم علماء الأمة وأئمتها وجماهيرها بأنهم كانوا منافقين زنادقة , يُظهرون الإسلام ويُبطنون الكفر .

( يُنظر : الفرق بين الفرق ص272 , ومجموع الفتاوى ج35/120 , والبداية والنهاية ج11/291-369 , ووفيات الأعيان ج3/117-118 ) .

[37] يُنظر : تاريخ الدولة الفاطمية ص202 لحسن إبراهيم حسن .

[38] يُنظر : البداية والنهاية ج11/358 ، والمنتظم في تاريخ الملوك والأمم ج7/190لابن الجوزي ، واتعاظ الحنفا بأخبار الأئمة الفاطميين الحنفا ج1/297 لمؤرخ الدولة العبيدية الباطنية أحمد المقريزي .

[39] يُنظر : تاريخ الدولة الفاطمية ص202-216 .

[40] يُنظر : الخطط المقريزي ج2/341 .

[41] يُنظر : وفيات الأعيان ج3/110 لأبي العباس أحمد بن خلِّكان .

[42] يُنظر : البداية والنهاية ج12/ 10، 11 ، والمنتظم ج7/298 .

[43] الديارات لأبي الندماء الشابشتي ص93 .

[44] تاريخ الإسرائيليين ص101 , الإصحاح 5 , الفقرة 8-12 , والآثار الباقية للبيروني ص281 , والخطط للمقريزي ج2/474-479 .

[45] رواه الإمام مسلم رحمه الله تعالى ح196 باب : بيان أنَّ الدين النصيحة .

[46] رواه الإمام البخاري ح6731 باب : من استُرعي رعية فلم ينصح .

[47] رواه الإمام البخاري ح853 باب : الجمعة في القرى والمدن , ومسلم ح1828 باب : فضيلة الإمام العادل وعقوبة الجائر ، والحث على الرفق بالرعية ، والنهي عن إدخال المشقة عليهم .

[48] تاريخ بغداد ج4/107 , الجد الحثيث ح57 ص60 للعامري ت1143هـ , البداية والنهاية ج2/10 .

[49] تفسير ابن كثير ج3/60 .

[50] تنبيه الغافلين لابن النحاس ص307-310 .

[51] مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى ج28/187 .

[52] - عيد اليوبيل بدعة في الإسلام للعلامة الشيخ بكر بن عبدالله أبو زيد ص5-27 بتصرُّف وزيادة
اضافة رد مع اقتباس