المنتديات الموقع العربي الموقع الانجليزي الهلال تيوب بلوتوث صوتيات الهلال اهداف الهلال صور الهلال
العودة   نادي الهلال السعودي - شبكة الزعيم - الموقع الرسمي > المنتديات العامة > منتدى الثقافة الإسلامية
   

منتدى الثقافة الإسلامية لتناول المواضيع والقضايا الإسلامية الهامة والجوانب الدينية

إضافة رد
   
 
LinkBack أدوات الموضوع طريقة عرض الموضوع
  #16  
قديم 22/08/2001, 12:03 PM
زعيــم مميــز
تاريخ التسجيل: 02/12/2000
المكان: أدغال فيتنام
مشاركات: 1,777
تسلم يالمهير والله يجزاك خير ,,,

تحياتي لك ,,,
اضافة رد مع اقتباس
  #17  
قديم 22/08/2001, 01:19 PM
زعيــم متألــق
تاريخ التسجيل: 25/04/2001
المكان: قصيمي مقيم في الدمام لظروف العمل
مشاركات: 1,191
مشكور يابراهيم
اضافة رد مع اقتباس
  #18  
قديم 25/08/2001, 12:08 PM
زعيــم نشيــط
تاريخ التسجيل: 22/03/2001
المكان: المملكة العربية السعودية...شارع المرعشلي..مقابل الفرن الالي
مشاركات: 676
جزاك الله خير
اضافة رد مع اقتباس
  #19  
قديم 25/08/2001, 12:41 PM
زعيــم متألــق
تاريخ التسجيل: 25/04/2001
المكان: قصيمي مقيم في الدمام لظروف العمل
مشاركات: 1,191
3boud : ولو
اضافة رد مع اقتباس
  #20  
قديم 26/08/2001, 05:25 AM
زعيــم متألــق
تاريخ التسجيل: 30/12/2000
المكان: في قلبها
مشاركات: 1,119
تسلم ياغالي على الطرح الجميل ونبي المزيد
اضافة رد مع اقتباس
  #21  
قديم 26/08/2001, 06:38 AM
الصورة الرمزية الخاصة بـ الاسير الهلالي
زعيــم نشيــط
تاريخ التسجيل: 03/08/2001
المكان: الرياض
مشاركات: 926
شكرا اخي المهير

شكرا لك حبيبي المهير
قصص رائعة جدا وفقك الله دنيا وآخرة .
اضافة رد مع اقتباس
  #22  
قديم 26/08/2001, 08:52 AM
زعيــم متألــق
تاريخ التسجيل: 19/04/2001
المكان: الرياض
مشاركات: 1,009
تسلم يالمهير هلى هالقصص الممتعة


اضافة رد مع اقتباس
  #23  
قديم 26/08/2001, 12:48 PM
زعيــم متألــق
تاريخ التسجيل: 25/04/2001
المكان: قصيمي مقيم في الدمام لظروف العمل
مشاركات: 1,191
راح اسرد كل بعض القصص اللي ليقيتها في بحثي وشكرا لكل منشارك ومرة اخرا شكرا لكل من شارك وشكراً.
اضافة رد مع اقتباس
  #24  
قديم 26/08/2001, 03:53 PM
زعيــم متألــق
تاريخ التسجيل: 25/04/2001
المكان: قصيمي مقيم في الدمام لظروف العمل
مشاركات: 1,191
قصص الطنطاوي (5)

اللي فاته الجزء الرابع يرعص هنا
هَذَيانُ مَجْنُونْ

ذهبت منذ أيام أوزر المستشفى الإسلامي الكبير،الذي تعاونت على إنشائه الجمعيات الإسلامية الأربع في دمشق .فوجدت شيئاً عظيماً يرفع الرأس، بناء ضخماً يطل على الربوة من هنا ويشرف على سهل المزة من هناك، قد قام حيث كانت تقوم تلك(القلاع العادية، فكان من تمام نعمة الله علينا به أن تخير له هذا المكان، فأبدلنا بعمارات الموت،وبنايات البلاء، تلك القلاع، هذا المستشفى، بيت الصحة، ودار الشفاء وجعل المدير، وهو شاب مسلم رضي الخلق، واسع الخبرة، يدور بي في المستشفى، ويمر بي على شعبه، حتى إذا وصلنا إلى جناح الأمراض العقلية قال لي إن هاهنا مريضاً يلح علينا أن ندعوك إليه، وهو لا يفتأ ينادي باسمك ويرجو أن يراك

قلت ومن هو؟ وما شأنه بي

قال : هو شاب مصاب بنوع من الهستريا الجنسية ،وهو يزعم انه تلميذك، وأنه وثيق المعرفة بك

فلم أحب أن أخيب رجاءه، وإن كنت لا أدري ما أصنع له، وانطلقت مع المدير حتى دخلت عليه، فإذا هو شاب حديث السن، شاحب اللون، بادي الضعف، شارد النظرات مسجّى، لا يبدو منه إلا وجهه، فتأملته ...فإذا هو قد كان تلميذاً لي .وإذا أنا أعرفه فسلمت عليه فرد السلام .وابتدرني فقال لي أنت أستاذي، وإني أترقب مجيئك ..إن لي حاجة إليك

قلت : مقضية إن كنت أقدر عليها

فظهر على وجهه خيال البشر، ولاحت على شفتيه ظلال ابتسامة... وقال لقد نعشتني وبشرتني، إن الذي أريده منك هو أن تعي حديثي وتنشره في الناس أف تقدر على ذلك

قلت : بلى أقدر إن شاء الله

* * * * * * * * *

قال : إنه خبر لا يكاد يصدقه أحد، ولكني أحلف لك أنه واقع، وإذا شككت فاسأل القرية، أتعرف قرية الجمالية ؟

قلت : ما سمعت بها إلا الآن

قال : لقد أردت أن ابتعد عن مرابع المصطافين ومواطن الازدحام إلى بلد أطلق فيه نفسي على سجيتها، لا أقيدها بقيد عادة ولا واجب مجاملة، فأممت بحيرة العتيبة، ثم صعدت جبل عيرام، حتى بلغت هذه القرية المختبئة في كنف واد عميق لا يصل البصر إلى قرارته، يري في بطنه نهر العامون متحدراً هائجاً يقفز من صخرة إلى صخرة، فيكون له دوي وخرير، ويعلوه الزبد فتراه من خلال الأشجار، وأنت في القرية كأنه البلور المذاب، وإذا كنت قد رأيت في زمانك بلوراً مذاباً، يحمي هذا الوادي المسحور جبلان عاليان تنطح ذراهما النجم، وقد لبست سفوحهما وحدور هما ثوباً من الشجر الأخضر، توارت خلاله هذه القرية واتخذت فيها داراً سلخت فيها شهراً من شهور الصيف، لم أعرف السعادة إلا فيه، ولم أدر حتى عشته ما لذة العيش وما الاطمئنان، فلقد كنت أغدو مع النور فأصعد في الجبل أحيي الشمس البازغة حين تشرق على الدنيا، وأهبط الضحى إلى بطن الوادي فأتخذ لي مكاناً على صخرة عالية، أو أقعد على حافة النهر الفياض، وكنت في أكثر الأيام أضع طعامي في سلّة وأرتاد المرابع، فحيثما استطبت المكان أقمت، وكنت أحمل معي كتاباً أقرأ فيه مرة، وفي مصحف الكون أخرى، فأمتع النظر بأعجب المشاهد وأبهى المرائي، ثم أروح العشية إلى داري، وقد طفحت نفسي بصور الجمال، وفاض جسمي بالعافية… حتى جاء ذلك اليوم الذي صبّ في كأس حياتي العلقم

* * * * * * * * *

لقد صعدت الجبل على عادتي حتى جاوزت حدود القرية وقاربت ينبوع البارة، وبلغت الغابة المهجورة التي تطيف به، فما راعني إلا الحجارة تتساقط من حولي كأنها المنجنيق، تنزل دراكاً نزول رصاص الرشاشات، فحرت لحظة ثم وليت هارباً أعدو ما أطقت العدو حتى وصلت إلى صخرة فاحتميت بها وجعلت أنظر: ما خبر الحجارة! فأسمع قهقهة مرعبة... فأحسب أن الجن تروعني ...ثم أرى امرأة تخرج من بين أشجار الغابة وتسير حذرة تتلفت فلما صارت قريبة مني رأيتها وهي لا تراني فإذا هي سمراء محلولة الشعر ذات جمال يروع الناظر ويأسر القلب، لها عينان سوداوان واسعتان ...إذا نظرت بهما إليك أحسست بهما في الفؤاد، وجسم ممشوق قد لوحته الشمس، وما عليها إلا أسمال بالية لا تكاد تستر إلا الأقل منها، فكأنما جسمها فيها البدر قد حجبته قطع من المزن الرقراق

* * * * * * * * *

وقد وقفت كالغزال المذعور، لا أقولها كما يقولها الأدباء المقلدون، بل أعني ما أقول، ولا أجد صفة هي أدنى إليها وأعلق بها ...وجعلت تنظر حواليها ..فلما اطمأنت ألقت حجارتها التي كانت تحملها وقعدت على الأرض، ونظرت إليها، فإذا ذلك الغضب الفاتن يسقط برقعه عن وجهها ويسدل عليه نقاب من الألم، الألم الحزين قد افتنّت فيه يدا عبقريّ وعقله ...فخرجت من مكاني وسرت إليها متلصصاً أسارق الخطو حتى إذا كدت أصل إليها وأضمها، أحسّت بي فوثبت وثبة ابتعد بها عني، ثم عدت تلقاء الغابة… وجعلت أرتاد هذا المكان كل يوم أفتش عنها وأطلبها حتى أنست بي واتصل بيننا الحديث... فسمعت لهجة فتاة ليست من بنات القرى ولا الجاهلات ولكن حديثها حديث المجانين

* * * * * * * * *

سألتها ما شأنها وأحببت أن أعرف خبرها فكانت تجيبني بكلام لا يعقل

قالت : إني أفتش عليه لقد دخلت المدن وولجت المدارس وبحثت في القصور وطفت الملاهي وتهت البراري وضربت الجبال وجست خلال الخرائب وسريت وحيدة حيث لا تجرؤ النسور أن تطير... كل ذلك أملا بلقائه

قلت : بلقاء من

قالت : بلقائه ...إني أحس بصوته أبداً يرن في أذني وأرى حيثما سرت عينيه وألمس أبداً جلده الدافئ فأشعر كان الكهرباء تسيل في عروقي ويطفر شيء إلى عينيّ ولكنه يحتبس فلا أستطيع أن أبكي

قلت : منذ كم فارقته ؟ وهل مات أو سافر

قالت : أنت مجنون… ما فارقته قط ولا اتصلت به، هو معي إذا قمت ومعي إذا نمت، أبكي لآلامه ويبتسم هو للذيذ أحلامي، ويغضب فيخفق قلبي ويأكل فتذهب جوعتي ولكني لا أقدر أن أضمه إليّ ولا أستطيع أن ألمسه بشفتي ولو لم تكن أعمى لرأيته، إن ريّاه في عبق كل وردة، وصوته في كل أغنية، وصورته في صفحة البدر وصفاء الينبوع وخضرة الروض

قلت : فمتى عرفته

قالت : مذ كان لي قلب،لقد همت به منذ وجدته في فكري، وقد ملأ عليّ نفسي، ولكني لا أدري أين يقيم، إني أراه في اليوم على ألف شكل، أرى في الرجل يمر بي عينيه، وأرى في آخر قامته، وربما استحال معنى من المعاني أحسّ به ولا املك التعبير عنه

قلت : فمن يلك عليه

قالت : قلبي يدلني عليه خفقانه، ألا تفهم، أليس لك قلب؟ هو الجمال كله فكل ما أرى من الجمال جماله ثم سكتت وأرخت أهداب عينيها وغابت في ذهلة عميقة فدنوت منها وضممتها إليّ فاستجابت لي وتعلقت بي ووضعت قلبها في شفتيها ووضعت قلبي على شفتي ثم ذقت منها قبلة ما أظن أن إنساناً ذاق مثلها ولكنها انتفضت فجأة وألقت برأسي على صخرة فشجّته وانطلقت لا تلوي على شيء ثم لم أرها ...وإن لم تغب خيالتها عن عيني

* * * * * * * * *

ولما خرجنا من حضرة المريض قال لي مدير المستشفى لا تصدق كلمة مما قال، إنه هذيان مجنون لم يقع منه شيء

قلت : إن آخر ما يهتم به الأديب أن يقع الحادث أو لا يقع، إني أكتب قصة لا تاريخاً، وحسبي في قصته من جمال الوصف وإن لم يكن لها مغزى، وإن كانت هذيان مجانين

قال : شأنك ...أنت أدرى به
اضافة رد مع اقتباس
  #25  
قديم 26/08/2001, 11:28 PM
زعيــم نشيــط
تاريخ التسجيل: 22/03/2001
المكان: المملكة العربية السعودية...شارع المرعشلي..مقابل الفرن الالي
مشاركات: 676
جزاك الله الف خير اخوي

و الله جميع الاجزاء مخزنة عندي في الجهاز
فعلا قصص رائعة

للامام
و ان شاء الله تصل الجزء 100
اضافة رد مع اقتباس
  #26  
قديم 27/08/2001, 01:43 AM
زعيــم متألــق
تاريخ التسجيل: 25/04/2001
المكان: قصيمي مقيم في الدمام لظروف العمل
مشاركات: 1,191
عبود 20 جزء بس
اضافة رد مع اقتباس
  #27  
قديم 27/08/2001, 03:15 AM
زعيــم متواصــل
تاريخ التسجيل: 03/07/2001
المكان: الرياض
مشاركات: 112
الله يعطيك الف الف عافية
تحياتي
عاشق الليل
اضافة رد مع اقتباس
  #28  
قديم 27/08/2001, 09:19 AM
زعيــم متألــق
تاريخ التسجيل: 19/04/2001
المكان: الرياض
مشاركات: 1,009
جزاك الله الف خير ونحن بانتظار الباقي


اضافة رد مع اقتباس
  #29  
قديم 27/08/2001, 12:32 PM
زعيــم متألــق
تاريخ التسجيل: 25/04/2001
المكان: قصيمي مقيم في الدمام لظروف العمل
مشاركات: 1,191
عاشق الليل : تابعنا ان زين .
صمام الامان : تامر امر.
اضافة رد مع اقتباس
  #30  
قديم 27/08/2001, 08:11 PM
زعيــم متألــق
تاريخ التسجيل: 25/04/2001
المكان: قصيمي مقيم في الدمام لظروف العمل
مشاركات: 1,191
قصص الطنطاوي (6)

بسم الله الرحمن الرحيم
اللي فاته الجزء الخامس يتفضل
العَجُوزَان

أغلق الشيخ الباب فتنفس أهل الدار الصعداء. وأفاقوا إفاقة من يودع الحلم المرعب، أو الكابوس الثقيل، ثم انفجروا يصيحون، يفرغون ما اجتمع في حلوقهم من الكلمات التي حبسها وجود الشيخ فلم ينبسوا بها، وانطلقوا في أرجاء الدار الواسعة. ولأولاد (صغار أولاد الشيخ وأحفاده ) يتراكضون ويتراشقون بما تقع عليه أيديهم من أثاث الدار، ويتراشون بالماء، أو يدفع بعضهم بعضا في البركة الكبيرة التي تتوسط صحن الدار، فيغوص الولد في أمواهها، فتعدو إليه أمه أو من تكون على مقربة منه فتخرجه من بين قهقهة الصغار وهتافهم وتقبل عليه لتنضو عنه ثيابه وتجفف خشية المرض جسده، فإذا هو يتفلت من بين يديها، ثم يركض وراء إخوته وأبناء عمه ليأخذ منهم بالثأر، والماء ينقط من ثيابه على أرض الدار المفروشة بالرخام الأبيض والمرمر الصافي التي أنفقت الأسرة ساعات الصباح كلها في غسل رخامها ومسحه بالإسفنج، حتى أضحى كالمرايا المجلوة أو هو أسنى … وعلى السجاد الثمين الذي يفرش القاعات الكثيرة والمخادع، وهم ينتقلون من غرفة إلى غرفة، ومن درج إلى درج، ويفسدون ما يمرون به من الأغراس التي لم تكن تخلو من مثلها دار في دمشق، من البرتقال والليمون والكباد والفراسكين والنارنج والأترج (الطرنج) وقباب الشمشير والياسمين والورد والفل، تتوسط ذلك كله الكرمة (الدالية) التي تتمدد على (سقالة) تظلل البركة تحمل العنب (البلدي) الذي يشبه في بياضه وصفائه اللؤلؤ، لولا أن الحبة الواحدة منه تزن أربع حبات مما يسمى في مصر والعراق عنبا … والجدة تعدو وراءهم ما وسعها العدو تصرخ فيهم صراخا يكاد من الألم يقطر منه الدم :

((ولك يا ولد انت ويّاه … يقصف عمري منكم … وسختم البيت … يا ضيعة التعب والهلاك … الله يجعل عليّ بالموت حتى أخلص منكم ))

فيختلط صراخها بصياح الأولاد، وضحك الضاحكين منهم وبكاء الباكين، وهم يتضاربون، ويسقطون ما يعثرون به من الأواني الكؤوس … ولا يصغي لنداء الجدة أحد منهم …

* * *

ويلبثون على ذلك حتى ينادي المؤذن بالظهر، فتنطفئ عند ذلك شعلة حماستهم، وتخافت أصواتهم ويحسبون بدنو ساعة الخطر، فينزوي كل واحد منهم في ركن من أركان الدار ينظر في ثيابه يحاول أن يزيل ما علق بها من الأوساخ، أو أن يصلح ما أفسد منها، كيلا يبقى عليه أثر يعلن فعلته، ويتذكرون ما هشموا من أثاث المنزل حين عاثوا فيه مخربين، فيجمع كل واحد منهم كل ما يقدر عليه من حطام الأواني فيلقيه في زاوية الزقاق في غير الطريق الذي يمر منه الشيخ ،ويرجع النسوة إلى أنفسهن فيسرعن في إعداد الطعام وإصلاح المنزل . وتدور العجوز لتطمئن على أن قبقاب الشيخ في مكانه لم يزح عنه شعرة، لا تكل هذه (المهمة) لكنتيها ولا لبناتها، لأنها لم تنس طعم العصي التي ذاقتها منذ أربعين سنة … في ذلك اليوم المشؤوم الذي وقعة فيه الكارثة ولم يكن قبقاب الشيخ في مكانه، وضم إليها القدر مصيبة أخرى أشد هولا وأعظم خطرا، فتأخر صب الطعام عن موعده المقدس (في الساعة الثامنة الغروبية) عشر دقائق كاملات …

وللشيخ حذاء (كندرة) للعمل، وخف (صرماية) للمسجد، و(بابوج) أصفر يصعد به الدرج ويمشي به في الدار، (وقبقاب) للوضوء، وقد تخالف الشمس مجراها فتطاع من حيث تغيب، ولا يخالف الشيخ عادته فيذهب إلى المسجد بحذاء السوق، أو يتوضأ ببابوج الدرج …

وتعد العجوز قميص الشيخ ومنديله، وتهيئ (اليقجة) التي تضع فيها ثياب السوق بعد أن تساعده على نزعها وتطويها على الطريقة التي ألفتها وسارت عليها منذ ستين سنة، من يوم تزوج بها الشيخ وكان في العشرين وكانت هي بنت ست عشرة،وهي لا تزال تذكر إلى الآن كيف وضع لها أسلوبه في الحياة وبين لها ما يحب وما يكره، وعلمها كيف تطوي الثياب وكيف تعد القبقاب، كما علمها ما هو أكبر من ذلك وما هو أصغر وحذرها نفسه وخوفا غضبه إذا هي أتت شيئا مما نهاه عنه، فأطاعت ولبث العمر كله وهي سعيدة مسعدة طائعة مسرورة لم تخالف إلا في ذلك اليوم المشؤوم وقد لقيت فيه جزاءها، ونظرت العجوز الساعة فإذا هي منتصف الثامنة، لقد بقي نصف ساعة … ففرقت أهل الدار ووزعت عليهم الأعمال، كما يفرق القائد ضباطه وجنده ويلزمهم مواقفهم استعداد للمعركة، فأمرت بنتها الكبرى بإعداد الخوان للطعام، وبعثت الأخرى لتمسح أرض الدار التي وسخها الأولاد، وأمرت كنتيها بتنظيف وجوه الصغار وإبدال ثيابهم حتى لا يراهم الشيخ إلا نظافا … ثم ذهبت ترد كل شيء إلى مكانه، ولكل شيء في هذا الدار الواسعة موضع لا يريمه ولا يتزحزح عنه، سنة سنها الشيخ لا تنال منه الغيرة ولا تبدلها الأيام، فهو يحب أن يضع يده على كل شيء في الظلمة أو نور،في ليل أو نهار، فيلقه في مكانه، ولما اطمأنت العجوز إلى أن كل شيء قد تم، نظرت إلى الساعة فإذا هي دون الموعد بخمس دقائق … فاستعدت وغسلت يديها و وجهها ولبست ثوبا نظيفا كعهدها ليلي عرسها لم تبدل العهد، واستعد أهل الدار بكبارهم و صغارهم.

فلما استوى عقرب الثامنة أرهفوا أسماعهم فإذا المفتاح يدور في الباب إنه الموعد ولم يتأخر الشيخ عن وعده هذا منذ ستين سنة إلا مرات معدودات عرض له فيها شاغل لم يكن إلى دفعه سبيل . فلما دخل أسرعوا إليه يقبلون يده وأخذت ابنته العصا فعلقتها في مكانها وأعانته على خلع الحذاء وانتعال البابوج الأصفر، وسبقته زوجته إلى غرفته لتقدم إليه ثياب المنزل التي يتفضل بها .

غاضت الأصوات، وهدأت الحركة، وعادت هذه الدار الواسعة إلى صمتها العميق، فلم يكن يسمع فيها إلا صوت الشيخ الحزم المتزن، وأصوات أخرى تهمس بالكلمة أو الكلمتين ثم تنقطع، وخطى خفيفة متلصصة تنتقل على أرض الدار بحذر وخوف … وكانت غرفة الشيخ يؤثرها على يمين الإيوان العظيم ذي القوس العالية والسقف النقوش الذي لا تخلو من مثله دار في دمشق، والذي يتوجه أبدا إلى القبلة ليكون لأهل الدار مصيفا يغنيهم عن ارتياد الجبال في الصيف، ورؤية ما فيها من ألوان الفسوق، يشرفون منه على الصحن المرمري وأغراسه اليانعة وبركته ذات النوافير … وكانت غرفة الشيخ رحبة ذات عتبة مستطيلة تمتد على عرض الغرفة التي تعلو عن الأرض أكثر من ذراع كسائر غرف الدور الشامية، تغطيها (تخشيبة) مدّ عليها السجاد وفرشت في جوانبها (الطراريح) : الوسائد والمساند، وقامت في صدرها دكة أعلى ترتفع عن (التخشيبة) مقدار ما تهبط عنها العتبة . وكان مجلس الشيخ في يمين الغرفة يستند إلى الشباك المطل على رحبة الدار، وقد صفّ إلى جانبه علبة وأدوات، وهن حق النشوق الذي يأخذ منه بيده ما ينشقه من التبغ المدقوق الذي ألفه المشايخ فاستحلوه بلا دليل حتى صاروا يشتمونه في المسجد كما حرموا الدخان بلا دليل …

وإلى جنب هذا الحق علبة نظارات الشيخ ومنديله الكبير والكتابان الذي لا ينتهي من قراءتهما : الكشكول و المخلاة، وفي زاوية الشباك أكياس بيضاء نظيفة مطوية يأخذها معه كل يوم حينما يغدو لشراء الطعام من السوق فيضع الفاكهة في كيس واللحم في آخر، وكل شيء في كيسه الذي خصصه به، وهذه الأكياس تغسل كل يوم وتعاد إلى مكانها .

وعن يساره خزانة صغيرة من خشب السنديان المتين أشيه الأشياء بصندوق الحديد، لا يدري أحد حقيقة ما فيها من التحف والعجائب، فهي مستودع ثروة الشيخ وتحفه، ومما علم أهل الدار عنها أنفيها علبا صغارا في كل علبة نوع من أنواع النقد : من النحاسات وأصناف المتاليك والمتاليك وأمات الخمسين وأمات المائة والبشالك والزهراويات إلى المجيديات وأجزائها والليرات العثمانية والإنكليزية والفرنسية، كل نوع منها في علبة من هذه العلب، فإذا أصبح أخذ مصروف يومه الذي قدره له يوم وضع (ميزانية الشهر)، ثم إذا عاد نظر إلى ما فضل معه، فضم كل جنس إلى جنسه، وفي هذه الخزانة (وهي تدعى في دمشق الخرستان)، الفنار العجيب الذي كان يخرجه إذا ذهب ليلا (وقلما كان يفعل) يستضيء به في طريق دمشق التي لم يكن بها أنوار إلا أنوار النجوم ومصابيح الأولياء وسرجهم، وأكثر هذه السرج يضاء ببركة الشيخ عثمان ويطفأ ليلا … وفيها الكأس التي تطوى … والمكبرة التي توضع في شعاع الشمس فتحرق الورقة من غير نار … وفيها خواتم العقيق التي حملها الشيخ من مكة، فأهدى إلى صاحبه قسما منها وأوع الباقي خزانته … وفيها الليرات الذهبية التي كان يعطيها الأطفال فيأكلونها لأن حشوها (شكلاطة) … وكانت هي عجائب الدار السبع!

وأمام الشيخ (الرحلاية) وفوقها (السكمجاية)، وهي صندوق صغير فيه أدراج دقيقة ومخابئ وشقوق للأوراق، وبيوت للأقلام في صنعة لطيفة، وهيئة غريبة، كانت شائعة يومئذ في دمشق، موجودة في أكثر البيوت المحترمة …

والويل لمن يمس شيئاً من أدوات الشيخ أو يجلس في مكانه . ولقد جنى الجناية أحد الأطفال مرة فعبث بلعبة النشوق فأسرعت أمه فزعة وأخذتها منه وأبعدته وأعادتها إلى مكانها، فانزاحت لشؤم الطالع عن موضعها مقدار أنملة وعرف ذلك الشيخ، فكان نهار أهل المنزل أسود، وحرموا بعده من الدنو من هذا الحمى!

* * *

كان الشيخ في الثمانين ولكنه كان متين البناء شديد الأسر، أحاط شبابه بالعفاف والتقى، فأحاط العفاف شيخوخته بالصحة والقوة، وكان فارع الطول عريض الأكتاف، لم يشكو في حياته ضعفا، ولم يسرف على نفسه في طعام ولا شراب ولا لذة، ولم يحد عن الخطة التي أختطها لنفسه منذ أدرك . فهو يفيق سحرا والدنيا تتخطر في ثوب الفتنة الخشعة والخشوع الفاتن، والعلم ساكن لا يمشي في جوانبه إلا صوت المؤذن وهو يكبر الله في السحر يتحدر أعلى المنارة فيخالط النفوس المؤمنة فيهزها ويشجيها، يمازحه خرير الماء المتصل من نافورة الدار يكبر (هو الآخر) ربه ويسبح بحمده، (وإن من شيء إلا يسبح بحمده)، فيقف الشيخ متذوقا حلاوة الإيمان، ثم ينطق لسانه ب(لا إله إلا الله) تخرج من قرارة فؤاده المترع باليقين، ثم ينزع ثيابه وينغمس في البركة يغتسل بالماء البارد ما ترك ذلك قط طوال حياته، لا يبالي برد الشتاء ولا رطوبة الليل . وكثيرا ما كان يعمد إلى قرص الجليد الذي يغطي البركة فيكسره بيده و يغطس في الماء ثم يلبس ثيابه ويصلي ما شاء الله أن يصلي، ثم يمشي إلى المسجد فيصلي الصبح مع الجماعة في مجلس له وراء الإمام ما بدله يوما واحدا، ويبقى مكانه يذكر الله حتى تطلع الشمس وترتفع فيركع الركعتين المأثورتين بعد هذه الجلسة، ويرجع إلى داره فيجد الفطور معدا والأسرة منتظرة فيأكل معهم البن الحليب والشاي والجبن أو الزبدة والزيتون والمكدوس، ثم يغدو إلى دكانه فيجدها مفتوحة قد سبقه ابنه الأكبر إليها ففتحا ورتبها .

والدكان في سوق البزازين أمام قبر البطل الخالد نور الدين زنكي . وهي عالية قد فرشت أرضها بالسجاد وصف أثواب البز أمام الجدران، ووضعت للشيخ وسادة يجلس عليها في صدر الدكان ويباشر أبناؤه البيع والشراء بسمعه وبصره، ويدفعون إليه الثمن، فإذا ركد السوق تلا الشيخ ما تيسر من القران أو قرأ في (دلائل الخيرات ) أو تحدث إلى جار له مسن حديث التجارة، أما السياسة فلم يكن في دمشق من يفكر فيها أو يحفلها، وإنما تركها الناس للوالي والدفتردار والقاضي والخمسة أو الستة من أهل الحل و العقد، وكان هؤلاء هم الحكومة (كلها…) وكان الشيخ مهيبا في السوق كهيبته في المنزل، تحاشى النسوة المستهترات الوقف عليه، وإذا تجرأت امرأة فكشفت وجهها أمامه لترى البضاعة، كما تكشف كل مستهترة، صاح فيها فأرعبها وأمرها أن تتستر وأن تلزم أبدا حدود الدين والشرف وكانت تبلغ به الهيبة أن يعقد الشباب بينهم رهانا، أيهم يقرع عليه بابه، ويجعلون الرهان ريالا مجيدا أبيض، فلا يفوز أحد منهم .

وكان الشيخ قائما بحق أهله لا يرد لهم طلبا، ولا يمنعهم حاجة يقدر عليها، ولكنه لا يلن لهم حتى يجرؤوا عليه،ولا يقصر في تأديب المسيء منهم، ولا يدفع إليهم الفلوس أصلا . وما لهم والفلوس وما في نسائه وأولاده من يخرج من الدار ليشتري شيئا ؟ ومالهم ولها وكل طعام أو شراب أو كسوة أو حلية بين أيديهم، وما اشتهوا منه يأتيهم ؟ ولماذا تخرج المرأة من دارها، إذا كانت دارها جنة من الجنان بجمالها وحسنها، ثم فيها كل ما تشتهي الأنفس وتلذّ الأعين ؟

يلبث الشيخ في دكانه مشرفا على البيع والشراء حتى يقول الظهر : (الله أكبر) ، فينهض إلى الجامع الأموي وهو متوضئ منذ الصباح، لأن الوضوء سلاح المؤمن، فيصلي فيه مع الجماعة الأولى، ثم يأخذ طريقه إلى المنزل، أو يتأخر قليلا ليكون في المنزل عندما تكون الساعة في الثامنة . أما العصر فيصليه في مسجد الحي، ثم يجلس عند (برو العطار) فيتذاكر مع شيوخ الحي فيما دقّ وجل من شؤونه … اختلف أبو عبده مع شريكه فبجب أن تألف جمعية لحل الخلاف… والشيخ عبد الصمد في حاجة إلى قرض عشر ليرات فلتهيأ له… وعطا أفندي سلط ميزابه على الطريق وآذى السابلة فلينصح وليجبر على رفع الأذى عن الناس …

أي أن هذه الجماعة محكمة، ومجلس، بلدي، وجمعية خيرية إصلاحية تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر . وكان (برو العطار) مخبر اللجنة ووكيلها الذي يعرف أهل الحي جميعاً برجالهم ونسائهم، فإذا رأى رجلاً غريباً عن الحي حول أحد المنازل سألعنه من هو؟ وماذا يريد ؟ وإذا رأى رجلاً يماشي امرأة نظر لعلها ليست زوجته ولا أخته، ولم يكن في دمشق صاحب مروءة يماشي امرأة في طريق فتعرف به حيثما سارت، بل يتقدما أو تتقدمه ويكون بينهما بعد بعيد، وإذا بنى رجل غرفة يشرف منها إلى نساء جاره أنبأ الشيخ وأصحابه فألزموه حده . وإن فتح امرؤ شباكا على الجادة سدّوه، لأن القوم كانوا يحرصون على التستر ويكرهون التشبه بالإفرنج، فالبيوت تبدو من الطريق كأنها مخازن للقمح لا نافذة ولا شباك، ولكنها من داخل الفراديس والجنان . فكان الحي كله بفضل الشيخ وصحبه نقيا من الفواحش صيناً، أهل كأهل الدار الواحدة لا يضن أحد منهم على الآخر بجاهه ولا بماله، وإذا أقام أحدهم وليمة، أو كان عنده عرس أو ختان، فكل ما في الحي من طباق و(صوان) وكؤوس تحت يده وملك يمينه .

* * *

مر دهر والحياة في هذه الدار سائرة في طريقها لا تتغير ولا تتبدل ولا تقف . مطردة اطراد القوانين الكونية، حتى جاء ذلك اليوم … ودقت الساعة دقاتها الثمان، وتهيأ أهل الدار على عادتهم لاستقبال الشيخ لكن العجوز الطيبة والزوجة المخلصة لم تكن بينهم، وإنما لبثت مضطجعة على الأريكة تشكو ألماً شديدا لم يفارقها منذ الصباح . وأدار الشيخ مفتاحه ودخل فلم يراها وهي التي عوده الانتظار عند الباب، ولم تحد هذه العادة مدة ستين سنة إلا أيام الوضع ويوم ذهبت لتودع أباها قبل وفاته، فسأل الشيخ عنها بكلمة واحدة أكملها بإشارة من يده، فخبرته ابنته وهي تتعثر بالكلمات هيبة له وشفقة على أمها، أنها مريضة . فهز رأسه ودخل، فلما وقع بصره عليها لم تتمالك نفسها فنهضت على غير شعور منها تقبل يده، فلا مست أصابعه أحس كأنما لمسته جمرة ملتهبة، وكان الشيخ على ما يبدو من شدته وحزمه وحبه للنظام، قوي العاطفة، محبا لزوجته مخلصا لها، فرجع من فوره ولم يأكل، ولم يدر أحد في المنزل لماذا رجع ولم يجرؤ على سؤاله واكتفوا بتبادل الآراء لتعليل هذا الحادث الغريب، الذي يشبه في أنظارهم خروج القمر عن مداره . ومضت على ذلك ساعة أو نحوها، فدخل الشيخ وصاح روحوا من الطريق)، فاختبأ النسوة ليدخل الضيف، غير أنهن نظرن من شق الباب _ على عادة نساء البلد _ فأبصرن الطبيب وكن يعرفنه لتردده على المنزل كلما تردد عليه المرض … وكان الطبيب شيخا وكانت بينه وبين العجوز قرابة، ومع ذلك أمر الشيخ العجوز بلبس ملاءتها وألا تظهر منها إلا ما لابد من إظهاره، ثم أدخله عليها، فجس نبضها، وقاس حرارتها، ورأى لسانها . وكان هذا منتهى الدقة في الفحص في تلك الأيام، ثم خرج مع الشيخ يساره حتى بلغا الباب، فودعه الشيخ وعاد، فأمر بأن تبقى العجوز في غرفتها وأن تلزم الحمية وأن تتناول العلاج الذي يأتيها به …

* * *

مرت أيام طويلة والعجوز لم تفارق الفراش، وكان المرض يشتد عليها حتى تذهل عن نفسها، وتغلبها الحمى فتهذي … (( صارت الساعة الثامنة … يلاّ يا بنت، حضري الخوان … والقبقاب؟ هل هو في مكانه …))، وتهم أحيانا بالنهوض لتستقبل زوجها، وكانت بنتاها وكنتها يمرضانها ويقمن في خدمتها فإذا أفاقت حدثتهن وسألتهن عن الشيخ هل هو مستريح؟ ألم يزعجه شيء؟ والدار؟ هل هي كعادتها أم اضطربت أحوالها؟ ذلك همها في وفي صحتها، لا هم لها سواه .

وحل موسم المعقود وهي مريضة فلم تطق على البقاء صبراً، وكيف تتركه وهي التي لم تتركه سنة واحدة من هذه السنين الستين التي عاشتها في كنف زوجها، بل كانت تعقد المشمش والجانرك والباذنجان والسفرجل، منه ما تعقده بالسكر ومنه ما تعقد بالدبس، وكانت تعمل مربى الكباد واليقطين، فيجتمع لها كم أنواع المعقودات والمربيات والمخللات (الطرشي) ومن أنواع الزيتون الأسود والأخضر والمفقش والجلط وأشكال المكدوس معمل أمقار(كونسروة) صغير تقوم به هذه الزوجة المخلصة وحدها صامته، ولا يعيقها ذلك عن تربية الأولاد ولا عن إدارة منزلها وتنظيفه ولا عن خياطة أثوابها وأثواب زوجها وبنيها، بل تصنع مع هذا كله البرغل، وتغسل القمح تعجن العجين .

حل الموسم فكيف تصنع العجوز المريضة…؟ لقد آلمها وحز في كبدها، وبلغ منها أكثر مما بلغ المرض بشدته و هوله، فلم يكن من ابنتها وكنتها الوفية إلا أن جاءتا بالمشمش فوضعتاه أمام فراشها وطفقتا تعقدانه أمامها، وتعملان برأيها فكان ذلك أجمل ما تتمنى العجوز .

واشتدت العلة بالمرأة وانطلقت تصيح حتى اجتمع حولها أهل الدار جميعاً، ووقفوا ووفق الأطفال صامتين وحبهم لهذه العجوز الطيبة التي عاشت عمرها كلها لزوجها وبنيها يطفر من عيونهم دمعا حارا مدراراً، وهم لا يدرون ماذا يعملون، يودون لو تفتدى بنفوسهم ليفدونها . ثم هدأ صياحها، وجعل صوتها يتخافت حتى انقطع، فتسلل بعض النسوة من الغرفة، ووقف من وفق حائراً يبكي .

ولكن العجوز عادت تنطق بعد ما ظنوها قضت، فاستبشروا وفرحوا، وسمعوها تتكلم عن راحة الشيخ وعن المائدة والساعة الثامنة والبابوج والقبقاب … بيد أنها كانت يقظة الموت، ثم أعقبها الصمت الأبدي . وذهبت هذه المرأة الطيبة، وكان آخر ما فكرت فيه عند موتها، وأول ما كانت تفكر فيه في حياتها : زوجها ودارها … ارتفع الكابوس عن صدور الأطفال حين اختل نظام الفلك ولم يبق لهذا الموعد المقدس في الساعة الثامنة روعته ولا جلاله، ولم يعد يحفل أحد بالشيخ لأنه لم يعد هو يحفل بشيء . لقد فقد قرينه ووليفه وصديق ستين سنة فخلت حياته من الحياة، وعادت كلمة لا معنى لها، وانصرف عن الطعام وأهمل النظام، فعبثت الأيدي بعلبه وأكياسه، وامتدت إلى(الخرستان) السرية التي أصبح بابها مفتوحاً، فلم تبق فيها تحفاً ولا مالاً، وهو لا يأسى على شيء ضاع عد ما أضاع شقيقة نفسه . وتهافت هذا البناء الشامخ، وعاد ابن الثمانين إلى الثمانين، فانحنى ظهره وارتجفت يداه ووهنت ركبتاه، ولم يكن إلا قليل حتى طويت هذه الصفحة، فختم بها سفر من أسفار الحياة الاجتماعية في دمشق كله طهر وتضحية ونبل !
اضافة رد مع اقتباس
   


إضافة رد


قوانين المشاركة
غير مصرّح لك بنشر موضوع جديد
غير مصرّح لك بنشر ردود
غير مصرّح لك برفع مرفقات
غير مصرّح لك بتعديل مشاركاتك

وسوم vB : مسموح
[IMG] كود الـ مسموح
كود الـ HTML غير مسموح
Trackbacks are مسموح
Pingbacks are مسموح
Refbacks are مسموح



الوقت المعتمد في المنتدى بتوقيت جرينتش +3.
الوقت الان » 08:15 PM.

جميع الآراء و المشاركات المنشورة تمثل وجهة نظر كاتبها فقط , و لا تمثل بأي حال من الأحوال وجهة نظر النادي و مسؤوليه ولا إدارة الموقع و مسؤوليه.


Powered by: vBulletin Version 3.8.7
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd

Google Plus   Facebook  twitter  youtube