بسم الله الرحمن الرحيم
بيت تهدم, من روائع القصص, لمصطفى لطفي المنفلوطي أرجوا أن تقرأوها:
---------------------------------
ما اكثر ايام الحياة وما أقلها؟
لم أعش من تلك الأعوام الطوال التي شتها في هذ العالم إلا عاما واحدا مر بي كما يمر النجم الدهري في سماء الدنيا ليلة واحدة, ثم لا يراه الناس بعد ذلك.
قضيت الشطر الأول من حياتي أفتش عن صديق ينظر إلى أصدقائه بعين غير العين التي ينظر بها التاجر إلى سلعته، والزارع إلى زرعه، فأعوزني ذلك حتى عرفت فلانًا منذ ثماني عشرة عاما، فعرفت امرءا ما شئت أن ارى خلة من خلال الخير والمعروف في ثياب رجل إلا وجدتها فيه، ولا تخيلت صورة من صورالكمال الإنساني في وجه إنسان إلا وأضاءت لي في وجهه، فجلت مكانته عندي ونزل من نفسي منزلة لم ينزلها احد قبله، وصفت كأس الود بيني وبينه لا يكدرها علينا مكدر، حتى عرض إلي من حوادث الدهر ما أزعجني من مستقري ، فهجرت القاهرة إلى مسقط رأسي غير آسف على شيء فيها إلا على فراق ذلك الصديق الكريم، فتراسلنا حقبة من الزمن، ثم فترت عني كتبه، ثم انقطعت، فحزنت لذلكحزنا شديدا وذهبت بي الظنون في شأنه كل مذهب، إلا أن ارتاتب في صدقه ووفائه، وكنت كلما هممت بالمسير إليه لتعرف حاله، قعدبي عن ذلك هم كان يقعدني عن كل شأن حتى شأن نفسي. فلم أعد إلى القاهرة إلا بعد أعوام، فكان أول همي يوم هبطت أرضها أن أراه، فذهبت إلى منزله في الساعة الأولى من الليلنظ فرأيت ما لا تزال حسرته متصلة بقلبي حتى اليوم.
تركت هذا المنزل فردوسا صغيرا من فراديس الجنان، تتراءى فيه السعادة غي ألوانها المختلفة، وتترقرق وجوه ساكنيه بشرا وسرورا، ثم زرته اليوم فخيل إلي أنني أمام مقبرة موحشة لا يهتف فيها صوت ولا يترءى في جوانبها شبح ولا يلمع في أرجائها مصباح؛ فظننت أني أخطأت المنزل الذي أريده، أو أنني بين يدي منزل مهجور، حتى سمعت بكاء طفل صغير، ولمحت في بعض النوافذ نورا ضئيلا، فمشيت إلى الباب، فطرقته، فلمحت من خصاصه نورا مقبلا، ثم لم يلبث أن انفرج لي عن وجه غلام صغير في ملابس بالية يحمل في يده مصباحا ضئيلا، فتأملته على ضوء المصباح فرأيت في وجهه صورة أبيه، فعرفت أنه ذلك الطفل الجميل المدلل الذي كان بالأمس زهرة هذا المنزل وبدر سمائه فسألته عن أبيه، فأشار إلي بالدخول ومشى أمامي بمصباحه حتى وصل بي إلى قاعة مغبرة بالية المقاعد والأستار، ولو لا نقوش لاحت لي في بعض جدرانها ما عرفت أنها القاعة التي قضينا فيها ليالي السعادة والهناء اثني عشر هلالا، ثم جرى بيني وبين الغلام حديث قصير عرف فيه من أنا، وعرفت أن أباه لم يعد إلى المنزل حتى الساعة ، وأنه عما قليل عائد، ثم تركني ومضى، وما لبث إلا قليلا حتى عاد يقول لي : إن والدته تريد أن تحدثني حديثا يتعلق بأبيه فخفق قلبي خفقة الرعب والخوف وأحست بش لا أعرف مأتاه.
----------------------------------------------
والبقية تأتي اذا شفت ردود
-----------------------------------------------------------------------------------------------------