المنتديات الموقع العربي الموقع الانجليزي الهلال تيوب بلوتوث صوتيات الهلال اهداف الهلال صور الهلال
العودة   نادي الهلال السعودي - شبكة الزعيم - الموقع الرسمي > المنتديات العامة > منتدى الثقافة الإسلامية
   

منتدى الثقافة الإسلامية لتناول المواضيع والقضايا الإسلامية الهامة والجوانب الدينية

إضافة رد
   
 
LinkBack أدوات الموضوع طريقة عرض الموضوع
  #1  
قديم 24/03/2004, 03:21 PM
الصورة الرمزية الخاصة بـ المجهر
زعيــم مميــز
تاريخ التسجيل: 04/12/2001
مشاركات: 4,370
خطاب لأحد الشيعه ويبين في كرهه لبعض الصحابه وأحقية علي على ابو بكر بالخلافه

سحبت هذا الموضوع من مقال احد الشيعه الذين زاغوا فأزاغ الله قلوبهم نسأل الله السلامة والعافيه

اختار الله تعالى أهل بيت النبوة عليهم الصلاة والسلام، فأعطاهم دوراً خاصا ومميزاً لقيادة الأمة،
وبأمر من الله بين الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) استحالة إدراك الأمة للهدى إلا بالتمسك باثنين وهما كتاب الله باعتباره (القانون النافذ في مجتمع الأمة الإسلامية) وبأهل بيت النبوة باعتبار عميدهم في كل زمان هو قائد الأمة وإمامها ومرجعها، مثلما بين الرسول استحالة تجنب الضلالة بغير التمسك بالاثنين.

ولم يكتف الرسول بذلك إنما حدد الأئمة من بعده وسمى أثنى عشر إماما بأسمائهم وكلهم من ذريته الطاهرة، وكلهم عمداء لأهل بيت النبوة، فعلي وحسن، وحسين، وزين العابدين علي بن الحسين، والباقر.. سماهم الرسول، وتسعة منهم لم يولدوا بعد.

وهكذا تلقى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أمرا من ربه بأن يعلن علي بن أبي طالب وليا لعهده وإماما من بعده، وكلف الله رسوله أن يعد الإمام علي إعداداً خاصا للإمامة من بعده، وقبل أن ينتقل النبي إلى جوار ربه أكد عهده لعلي وتوجه أمام مئة ألف لإعلام البيعة وكان ذلك بغدير خم في حجة الوداع كما اشتهر في التاريخ وتواتر في الحديث.

وحيث أن الأمة قد دلها الله ورسوله على الشخص المتصف بصفات الإمامة، أو القيادة، أو المرجعية، فإنها بهذه الحالة تقبل على إمامها الجديد فتبايعه، بيسر وسهولة بدون هزة ولا رجة، فيسير الجميع ضمن إطار الشرعية والمشروعية الإلهية، تحت قيادة الرجل الذي ارتضاه الله ورسوله لقيادة الأمة.

وقبلت الأمة الإسلامية بالترتيبات الإلهية المتعلقة بالقيادة، أو الإمامة، أو المرجعية من بعد النبي، والتي بينها الرسول بيانا كاملا واقتنعت الأمة أو تظاهرت بالاقتناع بأن أهل البيت وآل محمد أحق بميراث محمد من غيرهم، ولم يندهش الناس من جمع الهاشميين للنبوة والملك معا، (وربك يخلق ما يشاء ويختار، ما كان لهم الخيرة) (وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم) ثم إن الله أعطه آل إبراهيم النبوة والملك والكتاب، كما ورد بالتنزيل.

ولم يثر هذا الجمع حفيظة أحد، خاصة وأن المسلمين قد سمعوا بأن رسول الله خير من إبراهيم عليهما وآلهما الصلاة والسلام، وأحيطوا علما بالدور المميز لبني هاشم عامة ولأهل بيت النبوة خاصة في نصرة قضية الإسلام طوال عهدي النبوة في الدعوة والدولة، وبالمكانة الدينية التي يتمتع بها علي بن أبي طالب (عليه السلام) وأهل بيت النبوة (عليهم السلام) ومن هنا تقبل الجميع الترتيبات الإلهية أو تظاهروا بقبولها، صحيح أن بطون قريش لم تقبل قلبيا بهذه الترتيبات، فهي تحسد الهاشميين، وتحقد على الإمام علي لأنه قتل ساداتها، ومن هذا المنطلق عارضت بطون قريش النبوة الهاشمية وقاومتها بكل وسائل المقاومة، ثم فشلت وظهر أمر الله، ودخل الناس في دين الله أفواجا، فلبدت بطون قريش أمام حالة القناعة العامة بالترتيبات الإلهية التي أعلنها الرسول، وتظاهرت بقبولها، لأن البطون موقنة بتعذر تغييرها أو تبديلها بذلك الوقت، ولأنها مهزومة نفسيا ويائسة من الانتصار على محمد في أي مواجهة، ثم إنها لم تعرف من يعلق الجرس! وهي كغيرها تفهم أو تتفهم بأن محمداً رجل وأقارب الرجل أولى به.

ولعلنا نجد شهادة من معاوية بن أبي سفيان لعنهما الله توضح هذا الأمر جليا، إذ جاء أنه أرسل رسالة إلى محمد بن أبي بكر وجاء فيها بالحرف: (وقد كنا وأبوك معنا في حياة من نبينا نرى حق ابن أبي طالب لازما لنا، وفضله مبرزا علينا، فلما اختار الله لنبيه ما عنده، وأتم له ما وعده، وأظهر دعوته وأفلج حجته، قبضه الله إليه فكان أبوك وفاروقه أول من ابتزه وخالفه، على ذلك اتفقا واتسقا.. إلخ) (مروج الذهب ج 3 ص 11).

فإذا كان معاوية الطليق ابن الطليق الذي قاد وأبوه الشرك والمواجهة ضد النبي طوال 21 عاما، والذي قتل علي (عليه السلام) أخاه وجده وخاله وابن خاله وسادات بني أمية يرى حق ابن أبي طالب لازما له، وفضله مبرزا عليه، فالأولى بغيره أن يرى هذا الحق وهذا الفضل مما يعني أن الترتيبات الإلهية التي أعلنها النبي والمتعلقة بالإمامة أو القيادة من بعده صارت قناعة عامة لدى الناس، وقبلوا بها، ولا تنزع هذه القناعة إلا بتدبير وجهد جبار وقوة خاصة.

وهناك شهادة أخرى من عمر بن الخطاب، فمع أن عمر هو الذي قاد الانقلاب على الرعية، ونفذ نسف الترتيبات الإلهية المتعلقة بالقيادة والتي أعلنها الرسول وبينها بياناً كاملاً، وعلى الرغم من أنه قد نصب أبا بكر خليفة، ثم وصل إلى سدة الخلافة إلا أنه قد صدرت منه مجموعة من الاعترافات تفيد، بأن آل محمد هم الأولى بميراثه، وأن على بن أبي طالب هو أولى الناس بخلافة النبي ليضمن عمر وقوف الأنصار إلى جانبه أو حيادهم فقد خاطبهم في سقيفة بني ساعدة قائلا (إنه والله لا ترضى العرب أن تؤمركم ونبيها من غيركم، ولكن العرب لا ينبغي أن تولي هذا الأمر إلا من كانت النبوة فيهم،.. لنا بذلك على من خالفنا من العرب الحجة الظاهرة والسلطان المبين، من ينازعنا سلطان محمد وميراثه ونحن أولياؤه وعشيرته، إلا مدل بباطل..) (الإمامة والسياسة ج 1 ص 6).

أنت تلاحظ أن حجة عمر هي حجة أهل بيت النبوة وقد وظفها عمر لصالحة، مع أنه من بني عدي ومحمد من بني هاشم ولكن عمر يقر صراحة بأن أهل محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) أولى بميراثه، وقد نقلت إقرار عمر بصيغته هذه الأكثرية من المؤرخين!

وفيما كان عمر يجلس على كرسي الخلافة؛ قال يوما لابن عباس: (.. أما والله يا بني عبد المطلب لقد كان علي بن أبي طالب فيكم أولى بهذا الأمر مني ومن أبي بكر) (الراغب في محاضراته ج 7 ص 13، وكنز العمال ج 6 ص 391) وقال يوما لابن عباس (يا ابن عباس والله إن صاحبك هذا لأولى الناس بالأمر بعد رسول الله ولكننا خفنا...) (شرح النهج لعلامة المعتزلة ابن أبي الحديد ح 2 ص 20). وقال يوماً لابن عباس: (.. ما أظن صاحبك إلا مظلوما) (شرح النهج لابن أبي الحديد ج 2 ص 18). ثم أعلن عمر بصراحة تامة: (بأن الأمر كان لعلي بن أبي طالب فزحزحوه عنه لحداثة سنه، والدماء التي عليه) (الطبقات لابن سعد ح 3 ص 130). فهذا إقرار واضح بأن عمر بن الخطاب يعلم علم اليقين بأن الأمر لعلي، وكيف ينسي ذلك، وهو أول من قدم التهاني لعلي بن أبي طالب في غدير خم!!؟ ولكنه مقتنع بأن اختيار الرسول لعلي بن أبي طالب ليس مناسبا، لحداثة سن علي!!، هذا أولا.

ويذكران أن ابن عباس قال له: (والله ما ستصغره رسول الله عندما أمره أن يأخذ سورة براءة من صاحبك أبي بكر) (شرح النهج ج 2 ص 18). والسبب الثاني، الدماء التي على علي بن أبي طالب، فأنت ترى أن عمر يعتبر تميز علي بن أبي طالب بالجهاد سببا يحول دون حقه بالخلافة، !! فعمر يكره سفك الدماء حتى ولو كانت في سبيل الله، وهذا هو السر في أنه لم يثبت أن عمر بن الخطاب قتل أو جرح مشركاً قط!

والخلاصة: أن عمر كان يعلم علم اليقين بأن الولي من بعد النبي هو علي بن إبي طالب، وكان من أوائل الذين تقدموا بالتهاني لأمير المؤمنين في غدير خم ولما لا يعلم عمر، طالما أن الطلقاء كمعاوية والأعراب كانوا يعلمون، فقد قال الحسين بن علي عليهما السلام لعمر يوما: (أنزل عن منبر أبي)! فقال عمر: (هذا منبر أبيك لا منبر أبي، من أمرك بهذا!!) (تاريخ دمشق لابن عساكر ج 4 ص 321). قيل لعمر أنك تفعل أموراً لعلي بن أبي طالب لا تفعلها لسواه؟ فقال عمر: إنه مولاي. وقول عمر بن الخطاب: (هنيئا لك يا ابن أبي طالب أصبحت وأمسيت مولاي مولى كل مؤمن ومؤمنة) (قول مشهور) وهذا مما يجعلنا نجزم أن عمر كغيره من أفراد المجتمع المسلم كان يعلم علم اليقين أن الأمر من بعد النبي لعلي، حسب البيان النبوي، ولكن عمر بن الخطاب كان يعتقد بأن بيان الرسول ليس وحيا من الله، وأن الرسول يتكلم في الغضب والمرض، فلا ينبغي أن يحمل كل كلامه على محمل الجد!! ولعل هذا هو السر الذي حمل عمر في ما بعد على جمع الأحاديث المكتوبة عن رسول الله وحرقها، ومنعه الناس من كتابة أحاديث الرسول وروايتها بدعوى: أن القرآن وحده يكفي!!

ومن جهة ثانية فإن عمر كان يعتقد أن قرار الرسول باختيار علي بن أبي طالب خليفة له ليس مناسبا لحداثة سن علي، ولأن علي أثخن بقتل سادات بطون قريش وهم على الشرك.

ومن جهة ثالثة فإن عمر كان يعتقد أنه ليس من الإنصاف أن يكون النبي من بني هاشم وأن يكون الملك في بني هاشم!! قد لا يصدق القارئ ذلك!! وحتى يقطع الشك باليقين فليراجع ما قاله عمر بلسانه، حيث قال لابن عباس يوما: (كرهت قريش أن تجتمع النبوة والملك فيكم بني هاشم)! (الكامل لابن الأثير ج 3 ص 63 وتاريخ الطبري ج 4 ص 223 وشرح النهج ج3 ص 97).

وحسبك قول علامة المعتزلة ابن أبي الحديد نقلا عن ابن إسحاق: (كان عامة المهاجرين وجل الأنصار لا يشكون بأن علي بن أبي طالب هو صاحب الأمر بعد رسول الله).

وعبر قيس بن سعد بن عبادة سيد الخزرج عن عمق هذه القناعة فقال في ما بعد عن علي (عليه السلام): (أيها الناس إنا قد بايعنا خير من نعلم بعد محمد نبينا) (تاريخ الطبري ج 5 ص 228)، والكامل لابن الأثير ج 1 ص 115، وشرح النهج لعلامة المعتزلة ج 2 ص23).

وقال المقداد بن عمر ومتعجبا من فعلة قريش: (واعجبا لقريش، ودفعهم هذا الأمر عن أهل بيت نبيهم، وفيهم أول المؤمنين، وابن عم رسول الله وأعلم الناس وأفقههم في دين الله، وأعظمهم عناء في الإسلام، وأبصرهم في الطريق، وأهداهم إلى الصراط المستقيم، والله، لقد زوروها عن الهادي المهتدي، الطاهر النقي، والله ما أرادوا إصلاحا للأمة، ولا صوابا في المذاهب، ولكنهم آثروا الدنيا على الآخرة فبعدا وسحقا للقوم الظالمين) (التاريخ اليعقوبي ج 2 ص 140).

ولما قال المقداد: (ما رأيت مثل ما أوتي أهل هذا البيت بعد نبيهم ولا أقضى منهم بالعدل ولا أعرف بالحق.. - تأثر عبد الرحمن بن عوف - فقال للمقداد: يا مقداد اتق الله!! فإني أخشى عليك الفتنة) (العقد الفريد لابن عبد ربه ج 1 ص 260، والطبري ج 5 ص 37، وابن الأثير ج 3 ص 29 ص 30).

وقال المقداد يوماً: (ما رأيت مثل ما أوذي أهل هذا البيت بعد نبيهم فقال له عبد الرحمن: وما أنت وذلك يا مقداد بن عمر؟!! فقال المقداد: إني والله لأحبهم بحب رسول الله، وإن الحق معهم وفيهم يا عبد الرحمن، أعجب من قريش.. قد اجتمعوا على نزع سلطان رسول الله بعده من أيديهم، أما والله، يا عبد الرحمن، ولو أجد على قريش أنصارا لقاتلتهم كقتالي إياهم مع رسول الله يوم بدر) (مروج الذهب للمسعودي ج 1 ص 440).

وقد كانت الأنصار بأسرها قد تخلفت عن بيعة أبي بكر وقالت: لا نبايع إلا عليا، أو قالت: منا أمير ومنكم أمير (طبقات ابن سعد ج 2 ص 128).

وتقاعس عن بيعة أبي بكر: طلحة، والزبير، والمقداد، وسلمان، وعمار بن ياسر، وأبو ذر، وخالد بن سعيد، ورجال من المهاجرين وأبو إلا عليا عليه الصلاة والسلام) (الرياض النضرة للطبري ج 1 ص 167).

وكان سعد بن عبادة يقول لأبي بكر: (وايم الله، لو أن الجن اجتمعت لكم مع الإنس ما بايعتكم حتى أعرض على ربي وأعلم ما حسابي) وكان لا يصلي بصلاتهم ولا يجمع معهم، ولا يفيض بإفاضتهم (تاريخ الطبري ج 3 ص 198 و 200 و 107 و 210).

وبعد ما أقيمت الحجة على أبي بكر قال: (أقيلوني فلست بخيركم وعليّّ فيكم) (علي والحاكمون ص 109).

ولم يبايع الولي ولا عم النبي، ولا بنو هاشم، حيث كانوا مشغولين بمصيبتهم؛ والرسول مسجى بين أيديهم، وقد أغلق عليهم الباب. (سيرة ابن هشام ج 4 ص 336، والرياض النضرة للطبري ج 1 ص 163، والإمامة والسياسة لابن قتيبة ج 1 ص 11 و 14).

عندما جلس النبي على فراش الموت، كانت الأمة كلها على علم بالبيان النبوي لعصر ما بعد النبوة وحتى قيام الساعة، كانت على علم بأن علياً هو الإمام من بعد النبي، وأن الحسن هو الإمام من بعد علي، وأن الحسين هو الإمام من بعد الحسن.. الخ، كانت على علم بالدور المميز لأهل بيت النبوة في قيادة الأمة من بعد النبي. وعلى علم بعمق الارتباط والتصور الشرعي بين الله ورسوله والقرآن الكريم من جهة، وبين الولي من بعد النبي وأهل بيت النبوة من جهة أخرى.

وكان من غير المتصور نجاح أي قوة بتقطيع شبكة الترابط أو تعكير شاشة هذا التصور، ولم تكن تدري أن الانقلابيين وخصوم الأمس قد دبروا أمرهم بليل بهيم!!

عندما أعلن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ولاية علي (عليه السلام) سمعت بطون قريش - مهاجرها وطليقها - البيان النبوي فتأثروا تأثرا بالغا وأدركوا أن الهاشميين سيجمعون النبوة مع الملك، وهكذا تحرم البطون من الشرفين معا، ويختص الهاشميون الشرفين معا، وأدركوا أن النبي جاد في ما يقوله، والأعظم فإن محمدا يقول أن هذه الترتيبات والتعيينات من عند الله لأنه يتبع ما يوحى إليه!

وقررت قيادة البطون - المهاجرون والطلقاء معاً - أن تتحرك، وأن تحول دون تحقيق ذلك، ورفعت شعاراً بدا لها معقولا، وعرضت قسمة لاح لها بأنها عادلة، فقالت: لتبقى النبوة لبني هاشم لا يشاركهم فيها أحد من البطون، ولتكن الخلافة لبطون قريش وللناس عند الاقتضاء لا يشاركهم فيها هاشمي قط!

وفي سبيل إقناع الناس، (بإجحاف قسمة الله ورسوله)! وعدالة قسمة البطون، أخذ قادة البطون يبثون الدعايات والشائعات سراً التي تهدف إلى التشكيك بقول الرسول، وبشخص الرسول، وأن الترتيبات التي أعلنها الرسول ليست من عند الله، إنما هي باجتهاده الشخصي وتأويله، إذ من غير المعقول أن يعطي الله النبوة لبني هاشم ثم يعطيهم الملك، ويجمع لهم الشرفين معا، واستمالت هذه الدعايات الكاذبة المنافقين ودغدغت أحلامهم بتفويض الإسلام ووجدوها فرصة، فمد المنافقون أيديهم القذرة للبطون، وشجعوهم ليمضوا قدماً بمواجهة الرسول، وأدرك طلاب الدنيا أن بطون قريش والمنافقين كونوا حزبا قوياً، وأنهم قوة واقعية، قد تنجح فعلا بانقلابها، وتستولي على السلطة بالقوة.

وتعاطف مع البطون طلاب الدنيا أيضا، وانضمت المرتزقة من الأعراب إلى هذا التجمع، وصار هذا التحالف الواقعي السري المكون من بطون قريش، ومن المنافقين، ومن طلاب الدنيا، ومن المرتزقة من الأعراب، قوة هائلة.

وصارت الفئة المؤمنة الصادقة أقلية، وسط بحر هذا التجمع، وقد سمع المؤمنون الصادقون بدعايات البطون وشائعاتهم، فظنوها نفثات الصدور، وسمعوا بالتقارب الذي حدي بين بطون قريش والمنافقين والمرتزقة من الأعراب، ولكنهم لم يعطوا أهمية، فطوال تاريخ الدعوة والدولة الإسلامية كان المؤمنون أقلية، وشكل المنافقون الأكثرية، ولكن المؤمنين كانوا هم الفائزون، وكلمتهم في المجتمع هي العليا، وقيادة البلاد بأيديهم.

لم تخطر فكرة وجود انقلاب على البال، ولا فكرة وجود قاعدة شعبية لهذا الانقلاب، ولا وجود قيادة للانقلابيين، ولو وجود خطط لهذا الانقلاب، ولم يخطر ببال أحد أن قادة الانقلاب سيواجهون الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو في بيته المقدس ويقولوه له وبكل جرأة: (لا حاجة لنا بوصيتك ولا بكتابك، عندنا كتاب الله يكفينا أنت تهجر يا محمد)!!

مرض رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ليس مفاجأة، لقد أعلن رسول الله مرارا وتكراراً بأنه سيمرض في ذلك العام، ويموت في مرضه لأنه قد خير فاختار ما عند الله، فقال للناس في حجة الوداع: (لا ألقاكم بعد عامي هذا) وقال للناس في غدير خم: (يوشك أن أدعى فأجيب). لقد قعد رسول الله على فراش المرض، في بيت عائشة، وأحيط الناس علما بأن الرسول سيموت من مرضه هذا، كل شيء واضح تماما، أكمل الله الدين وأتم النعمة، ولقد جرت العادة أن تجتمع الأسرة عند مريضها، وأن تستمع إليه، فيلخص لها الموقف. وجرت العادة أن تجتمع علية القوم عند زعيمهم إذا مرض مرض الموت ليلخص لهم الموقف وليعبروا له عن ارتباطهم به، وعن تقديرهم لجهده المميز الذي بذله طوال فترة قيادته لهم، هذا أمر طبيعي قد ألفته البشرية كلها، وحدث ويحدث مع كل أرباب الأسر وزعماء العالم فكيف بسيد ولد آدم محمد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وهو قائد الدعوة وقائد الدولة، العارف بماضيه وحاضره ومستقبله المشفق على أمته الرؤوف الرحيم بها؟! فهو الأولى بتلخيص الموقف، وإصدار توجيهاته النهائية بالوقت الذي يراه مناسبا، ولم لا؟ فمحمد سيبقى رسمياً رسول الله ومتمتعا بحقوق الرسالة، ويبقى قائداً للدولة وإماما وولياً للأمة ومتمتعاً بصلاحياته كافة حتى اللحظة التي تصعد فيها روحه الطاهرة إلى بارئها عز وجل.

ثم إن رسول الله كان يقعد على فراش مملوك له، وداخل بيته المملوك له لا في بيوت الناس، ومن حق المريض أي مريض على الإطلاق أن يقول ما يشاء!! ومن حق صاحب البيت - أي صاحب بيت - أن يقول داخل بيته ما يشاء، هذا حق طبيعي للإنسان تعارفت عليه البشرية واحترمته على مختلف ألوانها ومعتقداتها، ومحمد كسيد ولد آدم وكإنسان هو الأولى بممارسة هذا الحق!!

ثم إن محمداً رسول الله على صلة دائمة بالله تعالى، وعلى ارتباط عميق بالوحي، والملائكة تنزل وتصعد في كل لحظة، وأهل السماء في شغل شاغل لتغطية حدث موته وهو يعيى وعيا تاما ما يدور حوله، ومتأثر بحفاوة أهل السماء به!!

ثم إن محمداً (صلى الله عليه وآله وسلم) بهذا الوقت يخطط ويعبئ ويشرف على تسيير جيش أسامة للاصطدام مع إحدى القوتين الأعظم في العالم آنذاك!!

ومن كانت حاله كحالة النبي هذه، لا يمكن أن يكون قاصراً، ولا يمكن أن يكون بحاجة إلى توجيهات رعاع العرب، وليس مجنونا، أو فاقداً للسيطرة على نفسه، ولا هاجراً أو يهجر، كما زعم عمر بن الخطاب، والانقلابيون الذين اقتحموا عليه الغرفة المقدسة!!

من المؤكد أن رسول الله قد حدد موعداً لكتابة توجيهاته النهائية، وتلخيصه للموقف، ومن المؤكد أنه قد طلب حضور عدد من أهل ثقته ومن خواصه ليشهدوا كتابة توجيهاته، حتى يكونوا عونا لولي الأمر من بعده، وحجة على خصمه، فمحمد ليس رجلا عاديا، إنما هو خيرة الله من خلقه، ورسول الله، وولي الأمة وقائد دولتها، فمن غير الممكن عقلا أن لا يستحضر أحداً عند كتابة توجيهاته النهائية.

طالما أن الرسول قد حدد الموعد داخل بيته، ولم يعلم به إلا أهل بيت النبوة وزوجات الرسول فكيف عرف عمر بن الخطاب بهذا الموعد المحدد حتى جاء إليه ومعه حشد هائل من أنصاره ومن قادة التحالف ليحولوا بين رسول الله وبين كتابة توجيهاته النهائية؟ ومن الذي أخبر عمر عن مضمون التوجيهات النهائية حتى عرفها تماما وحشد حشده؛ اعترف عمر بن الخطاب في ما بعد قائلا: ( لقد أراد رسول الله في مرضه أن يصرح باسم علي بن أبي طالب فمنعته) (شرح النهج ج 3 ص 105).

مما يعني: أن عمر عرف وقت كتابة التوجيهات النهائية، ومضمون هذه التوجيهات من مصدر ما داخل بيت الرسول!! عندئذ كانت مع عمر المدة الكافية ليجمع قادة التحالف، ويخبرهم بالموعد وبالمضمون معا ويتفق وإياهم على خطة للحيلولة بين الرسول وبين كتابة ما أراد. فمن هو هذا المصدر من بيت الرسول الذي نبأ عمر بموعد كتابة التوجيهات النهائية وبمضمون هذه التوجيهات؟

هذا المصدر أو المخبر يكره علي بن أبي طالب بالضرورة، ويعارض خلافة علي للنبي، وتربطه بعمر وبأبي بكر علاقة قوية جداً ومميزة! ومن المستحيل استحالة مطلقة أن يكون من أهل بيت النبوة، إذن لابد أن يكون أحد الخدم، أو إحدى زوجات الرسول، والخدم لا يجرؤون إطلاقا على مثل هذا العمل الخطير، فيبقى الاحتمال المؤكد أن إحدى زوجات الرسول قد أطلعت عمر على وقت كتابة التوجيهات وعلى مضمون هذه التوجيهات لأنها سمعت الرسول يتكلم بذلك مع علي بن أبي طالب عليهما السلام.

وبهذه الحالة تقفز إلى الذهن حفصة زوجة الرسول وابنة عمر بن الخطاب، وتقفز عائشة زوجة الرسول وابنة أبو بكر، قال الواقدي في مغازيه: (إن أبا بكر وعمر لا يفترقان، وأن عائشة وحفصة ابنتاهما كانتا معا). ربما كانتا معا قد أخبرتا عمر، أو كانت إحداهما قد أخبرت عمر عن موعد كتابة التوجيهات النهائية وعن مضمون هذه التوجيهات.

وقد أخبرنا الله تعالى عن تظاهر زوجتين من زوجات الرسول عليه فقال: (وإن تظاهرا عليه فإن الله هو مولاه).. وقال عمر بن الخطاب في ما بعد أن اللتين تظاهرتا على الرسول هما حفصة وعائشة، وهكذا أخرج البخاري في تفسير هذه الآية (صحيح البخاري ج 3 ص 136 ص 137)، وأن الله سبحانه وتعالى طلب منهما أن تتوبا إلى الله، والتوبة لا تطلب إلا من المذنب.

واتلو ما أنزل الله تعالى: (إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما).. قالت عائشة للنبي يوما: (أنت الذي تزعم أنك رسول الله)! (آداب النكاح من الأحياء ج 2 ص 35 لمحمد الغزالي، وذكره في مكاشفة القلوب باب 94 ص 237)، ولهما ضرب الله مثلاً امرأة نوح وامرأة لوط (تفسير القرطبي ج 18 ص 202، وفتح القدير للشوكاني ج 5 ص 255). كل هذا يرجح أن تكون إحداهما قد أخبرت عمر بموعد كتابة التوجيهات النهائية وبمضمون هذه التوجيهات. ولكن من منهما؟ لنتابع استقراءنا للنصوص:

روى البخاري في صحيحه (كتاب الجهاد والسير) باب ما جاء في أزواج الرسول عن عبد الله بن عمر بن الخطاب قال: (قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) خطيبا فأشار نحو مسكن عائشة فقال: هاهنا الفتنة، هاهنا الفتنة، هاهنا الفتنة - ثلاثا - من حيث يطلع رن الشيطان)! (راجع صحيح البخاري ج 4 ص 100).

وفي لفظ آخر خرج رسول الله من بيت عائشة فقال: (رأس الكفر من هاهنا، من حيث يطلع قرن الشيطان) (صحيح مسلم كتاب الفتن باب الفتنة من المشرق ج 2 ص 560، بشرح النووي).. فإذا أخذنا بعين الاعتبار أن الرسول كان مريضا في بيت عائشة وأن المواجهة بين الرسول وبين عمر بن الخطاب تمت في بيت عائشة قرب الاحتمال أن تكون عائشة زوج النبي هي التي أخبرت عمر بن الخطاب عن موعد كتابة التوجيهات النهائية، وعن مضمون هذه التوجيهات!! وعلى أثرها استعد عمر وحشد عدداً كبيراً من أعوانه فكسروا خاطر النبي الشريف وحاولوا بينه وبين كتابة ما أراد.

ومن جهة أخرى، عائشة كانت تكره الإمام علي وتحقد عليه ولا تطيق ولا تحتمل أن تلفظ حتى اسمه بدليل:

عن عبيد الله بن عبد الله بن مسعود عن عائشة قالت: لما ثقل رسول الله واشتد به وجعه.. فخرج بين رجلين تخط رجلاه الأرض بين ابن عباس (تعني الفضل) وبين رجل آخر قال عبيد الله فأخبرت عبد الله بن عباس بالذي قالت عائشة فقال لي عبد الله بن عباس هل تدري من الرجل الآخر الذي لم تسم عائشة؟ قال: قلت لا. قال ابن عباس: هو علي بن أبي طالب ثم قال: قلت لا. قال ابن عباس: هو علي بن أبي طالب ثم قال: إن عائشة لا تطيب له نفسا بخير) (الطبقات الكبرى لابن سعد ج 2 ص 29 بسند صحيح ط ليدن، ج 2 ص 232 طبعة دار صادر بيروت، وصحيح البخاري باب مرض النبي ووفاته ج 5 ص 239 طبعة دار الفكر (ولكن البخاري حذف لا تطيب له نفسا بخير)، وراجع السيرة الحلبية ج 3 ص 334).!

عن عطاء بن يسار قال: جاء رجل فوق في علي وفي عمار عند عائشة فقالت عائشة: (أما علي فلست قائلة لك فيه شيء وأما عمار فقد سمعت رسول الله يقول فيه لا يخير بين أمرين إلا اختار أرشدهما) (مسند الإمام أحمد بن حنبل ج 6 ص 113).

وفي ما بعد خرجت على الإمام علي، وحاربته ونبحتها كلاب الحوأب، بدعوى المطالبة بدم عثمان مع أنها هي التي أفتت بقتله (تاريخ اليعقوبي ج 2 ص 152، وشرح النهج تحقيق أبي الفضل ج 6 ص 215 ص 216، وتذكرة الخواص ص 61 و 64، وتاريخ الطبري ج 4 ص 407، والكامل لابن الأثير ج 3 ص 206)!

ومع أن عائشة قد خسرت حربها، ووقعت أسيرة بعد أن ثارتها فتنة عمياء إلا أن الإمام علي أكرمها وأعادها معززة مكرمة. ولما قتل عثمان كانت تتصور أن الناس سيبايعون ابن عمها طلحة. قال البلاذري في أنساب الأشراف (ص 217): (كانت عائشة في مكة حين بلغها قتل عثمان، ولم تكن تشك في أن طلحة هو صاحب الأمر فقالت: بعداً (لنعثل) أي لعثمان وسحقا إيه ذا الأصبع أبا شبل إيه يا ابن عم لكأني أنظر إلى أصبعه وهو يبايع)، تعني بذلك ابن عمها طلحة.

ولما علمت أن طلحة لم يبايع، وأن الناس قد اجتمعوا على علي بن أبي طالب صعقت فقالت: (والله، ليت أن هذه انطبقت على هذه) أي انطبقت السماء على الأرض. ثم قالت ردوني ردوني وقادت فتنتها العمياء بالتعاون مع طلحة والزبير أكثر المؤلبين على عثمان للمطالبة بدم عثمان!!

ومع أن الإمام علي أكرمها وأعادها معززة إلى بيتها التي خرجت منه وقد أمرت أن تقر فيه إلا أنه لما بلغها موت الإمام علي (سجدت لله شكراً) (مقاتل الطالبين لأبي فرج الأصفهاني ص 43، وكتاب الجمل للشيخ المفيد ص 83 - 84).

هذه طبيعة مشاعر عائشة نحو علي بن أبي طالب عليه الصلاة والسلام، فمن الطبيعي أن تتحالف مع أي كان لصرف الأمر عنه، ومن الطبيعي أن تخبر عمر وأبا بكر عن موعد كتابة التوجيهات النبوية النهائية وعن مضمون هذه التوجيهات وأن تشترك معهما باتخاذ كل ما يلزم للحيلولة بين الإمام علي وحقه الشرعي بالقيادة من بعد النبي، وهي تعلم علم اليقين أن علي هو صاحب الأمر شرعا من بعد النبي.

ولكن كيف تحب من قتل أولاد عمها في بدر، إنها تكره علي وتكره ذريته. فعندما أرادوا دفن ابن النبي الحسن بن علي بجانب جده رسول الله، ركبت عائشة بغلاً، واستعونت بني أمية ليحولوا بين الحسن وبين أن يدفن بجانب جده، (راجع ترجمة الحسن من مقاتل الطالبيين). وجاءها القاسم بن محمد بن أبي بكر وقال لها: (يا عمة ما غسلنا رؤوسنا من يوم الجمل الأحمر أتريدين أن يقال (يوم البغلة الشهباء) (مروج الذهب للمسعودي). فعلت كل هذا وقد أذنت أن يدفن أبوها، وعمر بن الخطاب مع أن الدار لرسول الله لا لها، ولها منها 9/1 الثمن فقط وفي ذلك يقول ابن عباس:

تجملت تبغلــت ولو عشت تفيـّلت

لك التسع من الثمن وبا لكـل تملّكـت

والتي تفعل كل هذا يهون عليها أن تخبر عمر بن الخطاب وقادة التحالف عن موعد كتابة التوجيهات النبوية النهائية وعن مضمون هذه التوجيهات.

والمكانة التي تمتعت بها عائشة في عهدي أبي بكر وعمر، تجعلنا نجزم بأنها هي التي أخبرتهما بموعد ومضمون التوجيهات النبوية الإلهية، حتى عدا العدة، وحالا بين الرسول وبين كتابة ما أراد، وكسرا خاطره الشريف.

فلا أحد من المسلمين والمسلمات كان يأخذ عطاء في عهدي أبي بكر وعمر أكثر من عائشة وحفصة، فلكل واحدة منهما إثنا عشر ألفا فهما مميزتان على نساء الرسول اللواتي أعطيت لكل واحدة منهن عشرة آلاف.

وكلمة عائشة عند عمر كانت أمراً، انظر إلى قوله: (ومن تأمرني أن أستخلف) ذلك أنه لما طعن عمر أرسل ابنه عبد الله بن عمر ليستأذن عائشة فيدفن في بيت الرسول إلى جانبه وجانب أبي بكر، فقالت عائشة حبا وكرامة، ثم قالت لعبد الله بن عمر (يا بني أبلغ عمر سلامي وقل له لا تدع أمة محمد بلا راع، استخلف عليهم ولا تدعهم بعدك هملا، فإني أخشى عليهم الفتنة! عندئذ قال عمر: ومن تأمرني أن أستخلف) (على سبيل المثال الإمامة والسياسة لابن قتيبة الدينوري ج 1 ص 22).

فلو أمرته أم المؤمنين أن يستخلف أعرابياً من البادية لفعل، فهو مدين لها بمنصب الخلافة، فلو لم تخبره بموعد ومضمون التوجيهات النبوية النهائية لسار الأمر سيرا طبيعيا ولما اختلف اثنان في ما بعد.

والخلاصة وعلى ضوء ما ذكرنا: فإن عائشة هي المصدر أو المخبر الذي أخبر عمر بن الخطاب وقادة التحالف بموعد كتابة التوجيهات النبوية النهائية وبمضمون هذه التوجيهات، مما أعطى عمر الوقت والفرصة ليجمع قادة التحالف ويقتحم بهم بيت رسول الله فيحولوا بينه وبين كتابة ما أراد.

منذ إعلان النبوة والرسالة، وبطون قريش بحركة دائمة لا يستقيم لها حال، وهمها الأعظم صرف شرف النبوة عن محمد الهاشمي، والحيلولة بين العرب وبين الاعتراف بهذه النبوة، لا كراهية بالدين الجديد، فليس في الدين الجديد ما تعافه النفس البشرية، ولكن حسداً لبني هاشم، وبعد مقاومة ضارية، وحرب ضروس دامتا 21 عاما قتل الهاشميون خلالها أكثر أبناء بطون قريش وجاهة صارت البطون تحقد على محمد والهاشميين لأنهم قتلة الأحبة وهكذا جمعت البطون مع الحسد لبني هاشم الحقد عليهم، وفوجئت البطون بجيش جرار قوامه عشرة آلاف مقاتل يغزوها في عقر دارها بقيادة محمد والهاشميين، فاستسلمت، وتلفظت بالشهادتين،ولكن الحسد والحقد على بني هاشم كانا قد استقرا في نفوس أبناء البطون نهائيا. ولم ينقب الرسول الكريم عما في نفوس البطون بل اكتفى بالظاهر لأن البواطن اختصاص إلهي، وفتح النبي صفحة جديدة، وقالت البطون أنها قد نسيت الماضي، وأسفت عليه وأنها تفتح صفحة جديدة أيضا. وكان فتح مكة فرصة لالتقاء أبناء قبيلة قريش، المهاجر منهم والطليق، وفرصة لتذكر الأحبة الذين قتلت أكثريتهم على يد الهاشميين وبسبب محمد، وكانت فرصة لتذكر الصيغة السياسية القائمة على اقتسام مناصب الشرف بين البطون، وعلى التوازن والتعادل في ما بينها.

وركز النبي تركزاً خاصاً على منصب القيادة من بعده على اعتبار أنه النظام الواقعي الأمثل الذي يبقى جموع المسلمين داخل إطار الشرعية والمشروعية، وبأمر من ربه قدم الرسول علي بن أبي طالب كأول إمام وقائد للأمة من بعده.

حضر الذين اصطفاهم النبي ليكتب أمامهم التوجيهات النهائية وليلخص أمامهم الموقف، وفجأة؟ هل يلغي الموعد، ويضرب موعدا جديدا، أم يمضي قدما إلى حيث أمره الله؟ لقد اختار النبي الحل الأخير فقال:

(قربوا أكتب لكم كتاباً لن تضلوا بعده أبداً) وفي رواية ثانية: (ائتوني بكتاب أكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده أبداً) وفي رواية ثالثة: (ائتوني بالكتف والدواة أو اللوح والدواة أكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده أبداً) وفي رواية رابعة: (ائتوني بكتاب أكتب لكم كتابا لا تضولا بعده أبداً)، وفي رواية خامسة: (ائتوني أكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده أبدا)، وفي رواية سادسة قال: (ائتوني بكتف أكتب لكم كتابا لا تضلوا بعده أبدا)، وفي رواية سابعة قال الرسول: (هلم أكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده).

هذا ما قال الرسول حسب كل الروايات، وهذا سبب المواجهة المباشر بين الرسول وعمر بن الخطاب وحزبه!

انظر ملياً إلى هذه الروايات السبع التي أسندت للرسول: هل فيها خطأ؟ هل فيها غلط!! هل فيها إساءة لأحد!! من يرفض التأمين ضد الضلالة، ولماذا، ولمصلحة من هذا الرفض؟ ثم إن الرسول في بيته، ومن حق الإنسان أن يقول داخل بيته ما يشاء، ثم إن الرسول مسلم ومن حق المسلم أن يوصي، ثم إن الرسول مازال رسولا وقائداً للدولة وسيبقى حتى تصعد روحه الطاهرة إلى بارئها متمتعا بصلاحياته كرئيس. إنه وبكل المعايير العقلية والإنسانية والدينية لا يوجد ما يبرر مواجهة الرسول بسبب قوله (هلم أكتب لكم كتابا لا تضولا بعده أبدا) بل إن المؤمن الصادق يستجيب لله ولرسوله، ويفرح بهذا العرض الذي يحصن الأمة ضد الضلالة أبداً!!

والغريب أنه ما إن أتم رسول الله جملته: (قربوا أكتب لكم كتابا..) حتى تصدى له عمر بن الخطاب وقال متجاهلا النبي وموجها كلامه للحاضرين: (إن النبي يهجر وعندكم القرآن حسبنا كتاب الله) (تذكرة الخواص للسبط بن الجوزي الحنفي ص 62، وسر العالمين وكشف ما في الدارين لأبي حامد الغزالي ص 21).

وما أن أتم عمر كلامه حتى قال أعوانه بصوت واحد متجاهلين وجود الرسول وموجهين كلامهم للحضور: (هجر رسول الله، إن رسول الله يهجر، ما شأنه أهجر؟ استفهموه؟ ما له أهجر؟ استفهموه؟ وردد أتباع عمر مع كل جملة من الجمل الأربعة قافية (القول ما قال عمر) متجاهلين بالكامل وجود الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)!

وصعق الحضور من غير حزب عمر من هول ما سمعوا فقالوا: قربوا يكتب لكم الرسول؛ ويرد عمر عليهم متجاهلا وجود النبي: (إن النبي يهجر، وعندنا كتاب الله حسبنا كتاب الله)، - وعلى الفور - يضج أتباعه بالقافية: القول ما قال عمر إن النبي يهجر، ما له استفهموه أهجر؟ ما شأنه أهجر!!

قال ابن سعد في طبقاته (ج 2 ص 243 - 244): (لما مرض الرسول قال: (ائتوني بصحيفة ودواة أكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده أبدا، قالت النسوة: ألا تسمعون رسول الله قربوا.. فقال عمر: إنكن صويحبات يوسف، فقال الرسول: (دعوهن فإنهن خير منكم).

يبدو أن النساء المتجمعات في بيت رسول الله بمناسبة مرضه سمعن اللغط والمشادة بين عمر وأتباعه من جهة، الذين يحاولون بكل ما أوتوا من قوة أن يحولوا بين الرسول وبين كتابة ما أراد وبين المؤمنين الصادقين الحاضرين الذين استجابوا لله وللرسول، فعندئذ تجمعن أمام الباب أو من وراء الستر، وتعجبن مما يفعل عمر وحزبه فقلن ما قلنه وعندئذ نهرهن عمر وقال أنتن صويحبات يوسف فرد الرسول عليه ذلك الرد الموجع.

كثر اللغط، وكثر اللغو، وكثر الاختلاف، وارتفعت الأصوات، وتنازع الفريقان، فريق عمر، والفريق الذي يؤيد الرسول وسمعت النساء بما جرى وهتفن: ألا تسمعون رسول الله! وصاح عمر وحزبه كانوا على استعداد لفعل أي شيء يحول بين الرسول وبين كتابة ما أراد، وقد أدرك الرسول ذلك ورأى الكثرة التي جلبها لهذه الغاية.

رأى رسول الله كثرة حزب عمر، وإصرارهم على فعل أي شيء للحيلولة دون الرسول ودون كتابة ما أراد، فلو أصر الرسول على كتابة ما أراد لأصر عمر وحزبه على إثبات هجر رسول الله، مع ما يجره هذا الاتهام من عواقب مدمرة للتشكيك بكل ما قاله الرسول، وبما أن اللغط والاختلاف، وارتفاع الأصوات عند النبي قد كثر، وحدثت مشادة كادت تؤدي للتنازع، بل وبدأ التنازع فعلا، لذلك رأى رسول الله أن يصرف النظر عن كتابة توجيهاته النهائية، وتلخيصه للموقف، وحسم موضوع هذا التجمع، فعندما وصل الأمر بالنساء لانتقاد تصرفات عمر، ورد عمر وحزبه على النساء متهمين إياهن (بأنهن صويحبات يوسف)، تكلم رسول الله وأجاب عمر وحزبه (بأنهن خير منكم) (طبقات ابن سعد ج 2 ص 243 - 244). وقال الرسول: (دعوني فالذي أنا فيه خير مما تدعوني إليه)، أو (ذروني فالذي أنا فيه خير مما تدعوني إليه)، أو قال: (قوموا عني ولا ينبغي عندي التنازع)، أو قال: (قوموا عني). وهذا ما تمناه عمر وحزبه، فبعد ما نجح عمر وحزبه بالحيلولة دون رسول الله وكتابة ما أراد، فقد تحققت الغاية من اقتحامهم لبيت الرسول، ولم يعد ما يوجب البقاء! (صحيح البخاري كتاب المرض باب قول المريض قوموا عني ج 7 ص 9، وصحيح مسلم في آخر كتاب الوصية ج 5 ص 75، وصحيح مسلم بشرح النووي ج 11 ص 95، ومسند الإمام أحمد ج 4 ص 356، ح 2992، وصحيح بخاري ج 4 ص 31، وصحيح مسلم ج 2 ص 16، ومسند أحمد ج 3 ص 286، و ج 1 ص 355، وتاريخ الطبري ج 2 ص 192، والكامل لابن الأثير ج 2 ص 320، وتذكرة الخواص للسبط بن الجوزي ص 62، وسر العالمين وكشف ما في الدارين لأبي حامد الغزالي ص 21).

لقد اعترف عمر في ما بعد، بأنه وحزبه لم يحولوا بين الرسول وبين كتابة ما أراد لأن المرض قد اشتد به، أو لأن القرآن وحده يكفي كما زعموا يومها، إنما صدوا النبي عن كتابة ما أراد حتى لا يجعلوا الأمر لعلي بن أبي طالب!! (شرح النهج لعلامة المعتزلة ابن أبي الحديد ج 3 ص 114).

ولننظر في حوادث مشابهة لما جرى،، لنعرف هل أن هذا التعامل الفظ والغليظ والوقح وقع فيها أم لا؟!

لقد مرض أبو بكر مرضا شديدا قبل أن يموت، فدعا عثمان قبيل وفاته بقليل ليكتب توجيهاته النهائية، وطلب من عثمان أن لا يسمع أحد وقال لعثمان اكتب: (إني قد وليت عليكم.. - فأغمي على أبي بكر من شدة الوجع - فكتب عثمان اسم (عمر) (إني قد وليت عليكم عمر) فلما أفاق أبو بكر من غيبوبته، طلب من عثمان أن يقرأ له ما كتب، فقرأ عثمان، فسر أبو بكر وقال: (لو كتبت نفسك لكنت أهلا لها)! وأصغى المسلمون لأبي بكر ونفذوا تعليماته وعاملوه بكل التوقير والاحترام ولم يقولوا إن أبا بكر هجر، ولا قالوا إن المرض قد اشتد به، ولا قالوا حسبنا كتاب الله! (تاريخ الطبري ج 3 ص 429، وسيرة عمر لابن الجوزي ص 37، وتاريخ ابن خلدون ج 2 ص 85).

عندما أراد أبو بكر أن يكتب توجيهاته النهائية وهو مريض وقبيل وفاته كان عمر جالسا مع المجموعة التي اختارها أبو بكر ليشهدوا كتابة توجيهاته النهائية ومعه شديد مولى أبي بكر حاملا للصحيفة.

فكان عمر يقول: (أيها الناس اسمعوا وأطيعوا قول خليفة رسول الله) لماذا لم يقل عمر مثل ما قال بالنسبة إلى الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) نفسه؟! (تاريخ الطبري ج 1 ص 138).

قارن بين موقف عمر وحزبه من رسول الله وموقفهم من أبي بكر، لم يقل عمر إن أبا بكر قد اشتد به الوجع، مع أن وجع أبي بكر أشد من وجع الرسول!! ولم يقل عمر: (إن أبا بكر قد هجر كما قال هو وحزبه عن الرسول!!) ولم يختلف الحضور ولم يتنازعوا ولم يكثر اللغط ولم تتدخل النساء، إن هذا لأمر عجاب!! هل لأبي بكر قيمة عند عمر وحزبه وقداسة أكثر من قيمة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وقداسته؟! أجب كما يحلو لك!!

وعندما طعن عمر بن الخطاب، قال طبيبه: لا أرى أن تمسي فما كنت فاعلا فافعله، واشتد بعمر الوجع، وقال: لو أن لي ما اطلعت عليه الشمس لافتديت به من هول المطلع!! الويل لعمر ولأم عمر إن لم يغفر الله لعمر!! وقال لابنه عبد الله ضع خدي على الأرض لا أم لك!! (الإمامة والسياسة لابن قتيبة ج 1 ص 21 - 22، والطبقات لابن سعد ج 2 ص 364).

ومع هذا كتب عمر توجيهاته النهائية وعهد لستة نظريا وعهد لعثمان عمليا، وأمر بضرب عنق من يخالف تعليماته النهائية! (الطبقات لابن سعد ج 3 ص 247، وأنساب الأشراف للبلاذري ج 5 ص 18، وتاريخ الطبري ج 5 ص 33).

لقد كتب عمر ما أراد؛ ولم يعترضه أحد، ولم يقل أحد إنا المرض قد اشتد بعمر، مع أن المرض قد اشتد به فعلاً أكثر مما اشتد المرض برسول الله!! ولم يقل أحد أن عمر يهجر كما قال ذلك عمر وحزبه لرسول الله، ولم يقل أحد عندنا كتاب الله وهو يكفينا ولا حاجة لوصيتك، إنما عومل عمر بكل التوقير والتقديس والاحترام، ونفذت تعليماته النهائية حرفياً كأنها كتاب منزّل من عند الله وأكثر!! فهل لعمر وأبي بكر قداسة عند الناس أكثر من رسول الله؟! وبأي كتاب أنزل بأن الاثنين أولى بالاحترام والطاعة من رسول الله؟! أجب بما يحلو لك، فإنك لن تغير الحقيقة المرة!!

لم يصدف طوال التاريخ أن عُومل ولي الأمر سواء أكان خليفة أو ملكا وهو مريض بالقسوة والجلافة التي عومل بها رسول الله!!، ولم يصدف أن اعترض المسلمون أي خليفة إذا أراد أن يكتب تعليماته النهائية أو يستخلف من بعده بل على العكس، قال ابن خلدون في مقدمته (إن الخليفة ينظر للناس حال حياته، وتبع ذلك أن ينظر لهم بعد وفاته ويقيم لهم من يتولى أمورهم من بعده).

لم يقل أحد لأي خليفة (قد اشتد به الوجع!! ولم يقل أحد أنه قد هجر!! ولم يقل أحد عندنا كتاب الله حسبنا، كما قيل لرسول الله فهل للخليفة وقار عند المسلمين أكثر من الرسول!! وهل له مكانة أعظم من مكانة الرسول!! إن هذا لأمر عجاب!! لقد قالوا بصراحة أن الخليفة أعظم من الرسول). (تاريخ ابن كثير ج 10 ص 7،8، وسنن أبي داود ج 4 ص 210 - 209، الحديث 2642، ومروج الذهب للمسعودي ج 3 ص 147، والعقد الفريد لابن عبد ربه ج 5 ص 52، وتاريخ الطبري ج 5 ص 61).

بعد نجاح الانقلابيين بمواجهتهم مع النبي، وحيلولتهم دون الرسول وكتابة ما أراد، وبعد أن تلقى الناس نبأ المواجهة غير المتوقع وتأكدوا من وجود انقلاب على الشرعية الإلهية، وبعد أن بهر الانقلابيون المنافقين، واقتنع طلاب الدنيا المرتزقة من الأعراب أن ميزان القوى إلى جانب الانقلابيين، وبعد تفكير عميق قرر الانقلابيون المنافقين، واقتنع طلاب الدنيا المرتزقة من الأعراب أن ميزان القوى إلى جانب الانقلابيين، وبعد تفكير عميق قرر الانقلابيون أن يكون موعد تنفيذ الانقلاب خلال الفترة الزمنية الواقعة بين وفاة النبي وبين دفنه وهي فترة انشغال آل محمد وبني هاشم بمصابهم الجلل برسول الله، وإعدادهم واستعدادهم لتجهيزه ودفنه، إذ لو حضر آل محمد، وكان هنالك تكافؤ فرصة لتمكن الإمام علي من إقامة الحجة على الانقلابيين، وإذا تصدى له الانقلابيون كأشخاص فإنه سيسحقهم سحقاً، والحل الأمثل أن يُنفذ الانقلاب خلال الفترة التي حدودها وفي غياب آل محمد، حتى يتمكن الانقلابيون من تنصيب خليفة يزفه أعوانه وأنصاره زفا ويفاجؤون آل محمد بأمر واقع، فإذا اعترض آل محمد عندئذ يصورهم الانقلابيون بصورة الخارجين على الجماعة الشاقين لعصا الطاعة، ويصورهم قادة الانقلاب بصورة طلاب زعامة وهكذا يستخفون الناس، ويحرفون الكلم عن مواضعه، ويتلاعبون بعواطف السذج فإذا خطر ببال علي أو آل محمد أن يقاوموا وأن يستعلموا القوة، فلن يكون عمر أو غيره من قادة الانقلاب مضطراً لمواجهة علي بل يسلط على الإمام مجموعة من الغوغائيين فيحيطون به ويقبضون عليه، وإذا تجاوز حدوده يقتلونه، وإذا تعاضد معه نفر من الناس، فعندها يسلط الانقلابيون عليهم قبيلة من المرتزقة، وخلال مدة محدودة تكون نساء آل محمد سبايا، وأموالهم غنيمة لتلك القبيلة، وهكذا نجح الانقلابيون بتحديد الوقت المناسب!

من اللحظة التي قعد فيها رسول الله على فراش المرض، استنفر الانقلابيون قاعدتهم الشعبية، وقامت قيادة الانقلاب بتحديد الخطوات، وتوزيع الأدوار على القيادة والقواعد الشعبية، بحيث ينجح الانقلاب، ويتم تنصيب خليفة خلال الفترة الواقعة بين وفاة النبي وبين دفنه، فيواجه آل محمد بواقع لا قبل لهم بتبديله، أو تعديله أو تغييره.

ووضع قسم كبير من أنصار الانقلاب في المسجد وحوله، ليكونوا قرب آل محمد، يراقبون تحركات آل محمد، وينتظرون اللحظة التي يأتي بها الخليفة الجديد، فيستقلونه مجرد وصوله ويبايعونه أمام آل محمد، بعفوية وبدون اعتراض، وكأن هذا القسم لا يعرف شيئا عن الانقلاب، وكأنه قد فوجئ كما فوجئ آل محمد، ولكن ليبدو الأمر طبيعيا يباشر هذا القسم بالبيعة.

وبالفعل عندما جاء الخليفة الجديد نهضت هذه المجموعة لاستقبال الخليفة، فقال لهم عمر بن الخطاب: (مالي أراكم حلقا شتى قوموا فبايعوا أبا بكر، فقد بايعتَه وبايعتُه الأنصار)! (الإمامة والسياسة لابن قتيبة الدينوري ج 1 ص 11).

وكأن كلام عمر مسحة رسول! فقام عثمان بن عفان والأمويون فبايعوا الخليفة الجديد، وقام سعد بن أبي وقاص وعبد الرحمن بن عوف ومن معهما من بني زهرة فبايعوا الخليفة الجديد، ولم يبق من هذا الجمع بدون بيعة إلا علي بن أبي طالب والعباس ومن معهما من بني هاشم بالإضافة إلى الزبير الذي انضم إليهم.

وهكذا عزل الهاشميون وآل محمد كما خطط قادة الانقلاب، ونجح القسم الذي وضع في المسجد بأداء دوره على أكمل وجه.

وبعد ذلك تحرك قسم من الانقلابيين إلى منطقة الأنصار، واجتمعوا في سقيفة بني ساعدة كأنهم زوار لسعد بن عبادة الذي كان مريضا وطريح الفراش بإجماع كل المؤرخين، ومهمة هذا القسم أن ينتظر قدوم قادة الانقلاب الرئيسيين الثلاثة وأن يشتركوا بالحوار وكأنهم لا علم لهم بوجود انقلاب، حتى إذا نجح قادة الانقلاب بجر المجتمعين إلى الخوض في حديث خليفة النبي، أو من يخلف النبي، أمسكوا بالحديث وتابعوه حتى يتم تنصيب الخليفة المتفق عليه وهو أبو بكر عندئذ ينهض القسم الذي تجمع في سقيفة بني ساعدة ويبايع أبا بكر كأول خليفة للنبي، فينذهل الحاضرون من غير الانقلابيين ويجدون أن من الحكمة مبايعة الخليفة الجديد حتى يشركهم في ما بعد بالمنافع والأدوار، ويحافظوا على مصالحهم.

سعد بن عبادة مريض بالإجماع، وقاعد على فراش المرض في منزله المجاور لسقيفة بني ساعدة، ولأن سعدا سيد الخزرج بلا كلام، فمن الطبيعي أن تأتي وجوه الخزرج لعيادته والاطمئنان على صحته، وليتدارسوا الوضع بعد أن تأكدت وفاة الرسول الكريم خاصة وأن وفاة النبي ستترك فراغا هائلا، وفجأة حضرت الأوس المتفقة مع قادة الانقلاب، والمحصورة مهمتها بمبايعة الخليفة الجديد عند طرحه من قبل قادة الانقلاب الثلاثة، وليس في حضور الأوس أو جزء كبير من الأوس، أو مجموعة من الأوس لزيارة سعد بن عبادة ما يثير الريبة، فسعد مريض، وعيادة المريض وزيارته مرغوبة في الجاهلية والإسلام، وهي من حيث الظاهر مبادرة نبيلة من الأوس.

جلس الجميع واطمأنوا ظاهرياً على صحة المريض، سعد سيد الخزرج، ومن غير المستبعد أن الانقلابيين من الأوس قد تطرقوا إلى عصر ما بعد النبوة، ويجمع المؤرخون بأنهم قالوا لسعد بن عبادة الأمر لك، فما كنت فاعلا فلن نعصي لك أمراً، بمعنى أن سعد بن عبادة يتولى توجيه الأنصار إلى ما يمكن عمله، وكيف وليس المقصود تولية سعد خليفة على المسلمين، فلا سعد يقبل ذلك، ولا الأوس تقبل ذلك، ومن الطبيعي أن ينشرح خاطر سعد، فهو سيد الخزرج بلا منازع، وتولى من حضر من الأوس وهم كثير، الأمر لك أمر غريب و مدهش، ولكن تقبله سعد وتقبلته الخزرج بحسن نية وبارتياح كانت الخزرج خالية الذهن تماما من موضوع الانقلاب،ومن تورط أعداد كبيرة من الأوس فيه.

حضور قادة الانقلاب الثلاثة، وفجأة حضر أبو بكر وعمر وأبو عبيدة، حضور أبي بكر وعمر خاصة أمر مستهجن، فهم أصهار الرسول، وقد جرت العادة أن ينشغل الأصهار مع أهل الميت بتجهيزه ودفنه ولكن سعد والخزرج تصوروا أن زيارة الثلاثة، تعبير عن محبتهم لسعد بن عبادة، ولفتة نبيلة منهم تجاه الخزرج، ومن الطبيعي أن ينهض الجميع، أو يتفسحوا على الأقل للزوار الثلاثة، ومن الطبيعي أن ينقطع الحديث بوصول الزوار الثلاثة، ومن ثم يجلس الجميع، الحشد الذي كان عند سعد، بالإضافة إلى الزوار الثلاثة، فمن الذي وصل الحديث، أو من الذي بدا الحديث!!؟ وكيف تطور إلى الحديث عن خلافة النبي؟! لا أحد يعلم ذلك على وجه اليقين!! لم تعد الروايات التاريخية التي هندستها وسائل إعلام السلطة مقبولة عقلياً، ولا قادرة على الوقوف أمام أي تحليل منطقي محايد!!

لكن المؤكد الوحيد أن غاية الثلاثة من قدومهم هو تنصيب الخليفة الجديد بهذا المكان الملائم بعيداً عن آل محمد، ثم زف الخليفة إلى المسجد حيث يبايعه الانقلابيون المتواجدين في المسجد وحول بيت الرسول، ومن المؤكد أيضا أن قسماً كبيراً من الأوس كان ضالعا، وأن تواجدهم ليس صدفة، إنما هو عمل مدبر وثمرة تخطيط وتدبير مسبق، فأسيد بن حضير قدمته وسائل إعلام الدولة على أنه سيد الأوس، وبعد يوم واحد من دفن الرسول يشترك في سرية يقودها عمر بن الخطاب مهمتها إحراق بيت فاطمة بنت محمد على من فيه، وفيه علي والحسن والحسين وفاطمة!! فهل يعقل أن يكون هذا الاندفاع ثمرة صدفة في السقيفة أم أنه فصل في كتاب المؤامرة؟! (تاريخ الطبري ج 2 ص 443 - 444)، (وأبو بكر الجوهري حسب رواية ابن أبي الحديد في ج 1 ص 130 - 134، ج 3 ص 19 تجد أن أسيد بن حضير هو أحد رجالات سرية الحريق!!).

ماذا جرى داخل السقيفة؟

هنالك إجماع على أن أبا بكر قد تكلم فقال: (إن المهاجرين هم أول من عبد الله في الأرض، وأنهم عشيرة الرسول، وأنهم الأمراء، والأنصار هم الوزراء)! (تاريخ الطبري ج 3 ص 198، والإمامة والسياسة لابن قتيبة ج 1 ص 8، وشرح النهج لعلامة المعتزلة بن أبي الحديد ج 2 ص 226).

ويجمع المؤرخون بأن عمر قد تكلم ومما قاله: (بأن المهاجرين هم أولياء الرسول وعشيرته والأحق بالأمر من بعده، وأن العرب تأبى أن نؤمر الأنصار ونبيها من غير الأنصار، ولكن العرب لا ينبغي أن تولي هذا الأمر إلا من كانت النبوة فيهم، من ينازعنا سلطانه وميراثه ونحن أهله وعشيرته)، ويجمع المؤرخون بأن أبا عبيدة قد قال: (يا معشر الأنصار إنكم كنتم أول من نصر وآزر، فلا تكونوا أول من بدل وغير)!!! (الإمامة والسياسة لابن قتيبة ج 1 ص 8 وما فوق، وتاريخ الطبري حوادث سنة 11 هـ، وتاريخ ابن الأثير ج 2 ص 125).

أنت تلاحظ أن المهاجرين الثلاثة قد احتجوا بحجة آل محمد ليحصلوا على بيعة الأنصار!! فهل حقيقة أن أبا بكر وعمر وأبو عبيدة هم عشيرة النبي، وأولياؤه، وأنهم هم الأولى بسلطانه وبميراثه كما قالوا؟! فكل واحد من هؤلاء الثلاثة من بطن مستقل عن الآخر، ومحمد من البطن الهاشمي المستقبل عن هذه البطون والمتميز عليها.

ويلاحظ أيضا أن الثلاثة صوروا وكأن الأنصار يريدون أن يكون الخليفة منهم، وهذا غير صحيح، فلم يفكر الأنصار بذلك، والموجود من الأنصار في السقيفة عدد قليل، وسعد بن عبادة أنبل وأرفع وأجل من أن يقبل أن يكون خليفة مع وجود علي، ومن غير المعقول أن يتقدم على علي فسعد من شيعة علي، وابنه قيس من شيعة علي، والمقداد من شيعة علي، والحباب بن المنذر من شيعة علي، أولئك هم الذين قادوا جبهة الأنصار في السقيفة، ومن جهة ثانية، فإن الذين حضروا من الأنصار في السقيفة، ولم يكونوا متورطين مع الانقلابيين كانوا مع الشرعية وكانوا مع علي بن أبي طالب فقد قام المنذرين الأرقم وقال: (إن فيكم لرجلا لو طلب هذا الأمر لم ينازعه أحد (يعني علي بن أبي طالب) (تاريخ اليعقوبي ج 2 ص 103، والموفقيات للزبير بن بكار ص 579).

ويروي المؤرخون: أن الأنصار قالت - أو قال بعض الأنصار-: (لا نبايع إلا علي بن أبي طالب)! (تاريخ الطبري ج 3 ص 208، وطبعة أوروبا ج 1 ح 6818، وابن الأثير ج 2 ص 123 قال: إن الأنصار قالت: بعد أن بويع أبو بكر).

قال أبو بكر، هذا عمر، وهذا أبو عبيدة بايعوا أيهما شئتم! فقال عمر لأبي بكر ابسط يدك أبايعك، وكثر اللغط وكثر الاختلاف، أهل الشرعية من الأنصار يقولون لا نبايع إلا عليا، والثلاثة يريدون عملياً أبا بكر والمندسون من الانقلابيين ينتظرون الفرصة.

كان بشير بن سعد الخزرجي رجلا مغموراً، بشكل أو بآخر أقنعه الانقلابيون بالانضمام إليهم، وبشير هذا كان يكره الإمام علي، وأورث هذا الكره لابنه النعمان - فقد كان ثاني اثنين من الأنصار يقفون في ما بعد بصف معاوية ضد علي كما يروي ابن أبي الحديد في شرح النهج ولما رأى حالة الاختلاف، وأن مفاتيح الأمور مع سعد بن عبادة ورجاله، حسد سعداً، ورأى أن الفرصة ملائمة ليتحول من رجل مغمور إلى بطل فوقف بشير بن سعد وقال: (يا معشر الأنصار إنا والله لئن كنا أولى فضيلة في جهاد المشركين، وسابقة في هذا الدين، ما أردنا به إلا رضى ربنا، وطاعة نبينا والكدح لأنفسنا، فما يبغي أن نستطيل على الناس بذلك.. إلا إن محمداً من قريش وقومه أحق به وأولى، وأيم الله لا يراني الله أنازعهم هذا الأمر أبداً، فاتقوا الله ولا تخالفوهم ولا تخالقوهم).

عندئذ قال أبو بكر هذا عمر وهذا أبو عبيدة فأيهما شئتم فبايعوا! قال الاثنان: (والله لا نتولى هذا الأمر عليك)!.

أنت تلاحظ أن بشير بن سعد استعمل حجة أبي بكر وحجة عمر وهي حجة آل محمد، وأنه كان متفقا معهما اتفاقا تاما، فهم يتصرفون كأنهم آل محمد، وكأنهم ورثته، وبشير بن سعد يتبنى حرفيا ادعاءهم!! بهذه الأثناء قفز بشير بن سعد الأنصاري وبايع أبا بكر فكان أول من بايع، وتقدم أسيد بن حضير وعويم بن ساعدة وأبو عبيدة وكل المتواجدين من الانقلابيين فبايعوا أبا بكر، وذهل الفريق الآخر ولم يدر ماذا يفعل وتزاحم الحاضرون من أوليائهم على البيعة، وتصور الحضور أن بيعة أولئك الذين بايعوا عفوية، ولم يدروا أن الأمر قد دبر بإحكام بالغ.

واستقدم الانقلابيون أعداداً كبيرة من المرتزقة من الأعراب، وطلبوا منهم أن يتواجدوا بالوقت الذي حدوده قرب بيت سعد بن عبادة. وجاءت قبيلة أسلم بالوقت الذي جاء فيه من حضر من الانقلابيين في سقيفة بني ساعدة يبايعون الخليفة الجديد أبا بكر.

روى الطبري: أن أسلم (قبيلة كبيرة) أقبلت بجماعتها حتى تضايق بهم السكك فبايعوا أبا بكر. (تاريخ الطبري ج 2 ص 458، وطبعة أوروبا ج 1 ح 1843، وقال ابن الأثير في تاريخه ج 2 ص 224 (وجاءت أسلم فبايعت)، وقال الزبير بن بكار في الموفقيات برواية ابن أبي الحديد ج 6 ص 287 (فقوي بهم أبو بكر)، قال المفيد في كتابه الجمل ص 43 (إن القبيلة كانت قد جاءت لتمتار من المدينة).

قال عمر بن الخطاب: (ما هو إلا أن رأيت أسلم فأيقنت بالنصر)!! جاءت قبيلة أسلم الكبيرة، أو تجمع من القبائل كان أبرزها قبيلة اسلم حتى تضايق بهم السكك لكثرتهم، فبايعوا جميعاً أبا بكر!

وعلق عمر على هذه الواقعة في ما بعد فقال: (ما هو إلا أن رأيت أسلم فأيقنت بالنصر). (المصادر السابقة).

والسؤال المهم الذي يطرح نفسه هو: (كيف علم عمر أن تجمع القبائل القادم من خارج المدينة سيبايع أبا بكر؟ كيف أيقن عمر بن الخطاب، أن هذا التجمع القبلي معه وسينصره، وسيبايع أبا بكر؟ هل هو يعلم ما في نفوس هذا التجمع الكبير، حتى تيقن بأنهم معه، وأنه سينصرونه؟ إن عمر نفسه لا يدعي أنه يعلم ما في النفوس!!، وأتباع قادة التاريخ لا يقولون بأن عمر يعلم الغيب، هم يعتبرونه مواز للرسول، ويرجحونه على الرسول عندما يختلفان!! ولكنهم لا يقولون بأن عمر يعلم الغيب!! إذا كيف تيقن عمر أن كل ذلك التجمع من القبائل التي ضاق بهم السكك معه؟ يقولون أنه ذو فراسة وعراف، إن الفراسة والعرافة قد تجدي بفرد أو فردين أو عشرة أو مائة ولكن أي ذي فراسة وأي عراف هذا الذي يتيقن من فعل الآلاف قبل أن يقع!!!

إذا يبقى المؤكد الوحيد أن عمر بن الخطاب قد استحضرهم لهذه الغاية، وقد أطلعهم على مجريات الأمور، وطلب منهم أن يحضروا بالوقت الذي حدده لهم فيبايعوا أبا بكر ويشتركوا بزفته إلى المسجد!! ومن غير المستبعد أن يكون عمر وقادة الانقلاب قد منوهم بجعل على ذلك أو مكافأة، ومن الممكن أن تكون هذه القبائل قد تصورت أنها ستحصل على غنائم سهلة، فأقبلت حتى ضاقت بهم السكك!! ومثل عمر المخطط البارع لا يترك الأمور للصدفة، ولا يبني انقلاب على الصدف، ولا نعلم النصر على من ؟!!

وقول عمر: (فأيقنت بالنصر)!! أنه بالرغم من بيعة الانقلابيين لأبي بكر في السقيفة، إلا أنه لم يتصور أن هذه البيعة ستحقق له الانتصار على آل محمد!! فقط تيقن بالنصر عندما شاهد جموع القبائل والمرتزقة يتجهون نحو السقيفة ليؤيدوا الخليفة الجديد، وليقفوا معه ومع حزبه، ضد إرادة محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) ولانتزاع حق آل محمد عليهم السلام الثابت بالقيادة والإمامة من بعد النبي !! وأقبلت المرتزقة من القبائل المستحضرة للمدينة من كل جانب تبايع أبا بكر. لقد بايع أبا بكر الانقلابيون من المهاجرين والطلقاء والأنصار ومن المرتزقة من الأعراب (وكان عمر محتجراً يهرول بين يدي أبي بكر ويقول: (ألا إن الناس قد بايعوا أبا بكر) (كتاب السقيفة للجوهري كما نقله ابن أبي الحديد في شرح النهج ج1 ص 133، و ص 74 بلفظ آخر).

وأحاطت جموع الانقلابيين الكبيرة بالخليفة، وزفوه زفا إلى المسجد، محتفين بتنصيبه، وتحركوا بزفتهم إلى المسجد حيث يسجى الجثمان المقدس، وحيث يحيط به الآل الكرام.

وشق موكب الخليفة المدينة، مكبراً مهللاً، معلناً ابتهاجه بتنصيب الخليفة، ووصل الموكب إلى المسجد، وعلا التكبير واستقبله القسم الأول من الانقلابيين فرحين سعداء بتنصيبه، وأخذوا يبايعونه حسب الخطة، وتجاوبت أرجاء المسجد بالتكبير! (الموفقيات ص 578، والرياض النضرة ج 1 ص 164 للطبري، وتاريخ الخميس ج 1 ص 88).

وجاء البراء بن عازب، فضرب الباب على الهاشميين وقال يا معشر بني هاشم بويع أبو بكر!! وقال بعض الهاشميين لبعضهم الآخر: ما كان المسلمون يحدثون حدثا نغيب عنه ونحن أولى برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)!

ودخلت الجموع إلى المسجد يتقدمها الخليفة الجديد، فقال عمر لأبي بكر: اصعد منبر رسول الله، فتردد أبو بكر ولم يزل به عمر حتى صعد فبايعه الحاضرون كلهم من جديد.

وبعد ذلك ألقى الخليفة الجديد خطبته وجاء فيها: (أما بعد أيها الناس إني قد وليت عليكم ولست بخيركم، فإن أحسنت فأعينوني، وإن أسأت فقوموني.. أطيعوني ما أطعت الله ورسوله فإذا عصيت الله ورسوله فلا طاعة لي عليكم، قوموا إلى صلاتكم يرحمكم الله) (طبقات ابن سعد ج 2 قسم 2 ص78).

وسمع أمير المؤمنين صلوات الله عليه ذلك فقال متمثلا بقول القائل:

وأصبح أقوام يقولون ما اشتهوا ويطغون لما غال زيد غوائل

نقل هذا أبو بكر الجوهري في كتابه (السقيفة)، كما نقل ذلك عنه ابن أبي الحديد في شرح النهج.

وهكذا تم الانقلاب، وتم عزل آل محمد كما خطط الانقلابيون، وتمت مواجهة آل محمد بأمر واقع!

ونجح الانقلابيون بتنفيذ خطة الانقلاب المتماسكة، بنداً بنداً، ونجحوا بتنصيب الخليفة في الغياب الكامل لآل محمد ودون مشورتهم، ثم زفت الجموع الخليفة إلى المسجد حيث يتجمع الآل الكرام في بيت النبي حول الجثمان المقدس وعلا التكبير والتهليل، وبايعت الجموع خليفتها الجديد مرة ثانية على مسمع ومرأى من آل محمد، وخطب الخليفة الجديد، وخطب نائبه عمر بن الخطاب، وانتظر الخليفة والنائب آل محمد ليأتوهما مبايعين مباركين بعد أن واجهوهما بأمر واقع، ولم يحدث هذا، فغضب الخليفة، وغضب نائبه، وغضبت حاشيتهما، وغضبت الجموع، لتجاهل آل محمد لهذا الأمر الواقع، ولكن الخليفة كان رجلا حليما عاقلا، فتجمل بالصبر وطلب من الجميع ضمنيا أن يمارسوا ضبط النفس، وذهبوا إلى آل محمد كأن الأمر طبيعي، وكأن شيئا لم يحدث، وكأن القائد جاء ليتفقد الرعية، وليشارك أهل المصاب مصابهم، كان لفتة نبيلة من أبي بكر ونائبه وقاعدته الشعبية أن يتذكروا بعد 48 ساعة موت الرسول والإمام والقائد!!

وتذكر الانقلابيون أن علي بن أبي طالب والعترة الطاهرة ألهاهم الرسول المسجى بين أيديهم، وقد أغلقوا عليهم الباب (سيرة ابن هشام ج 4 ص 336، والرياض النضرة للطبري ج 1 ص 163)، وأن أهل بيت محمد، كانوا مشغولين بتجهيز الرسول (الطبقات لابن سعد ج 2 قسم 2 ص 821). وأن الرسول قد مكث ثلاثة أيام لا يدفن (تاريخ ابن كثير ج 5 ص 271، وتاريخ أبي الفداء ج 1 ص 152)، وذلك من يوم الاثنين إلى يوم الأربعاء (الطبقات لابن سعد ج 1 ص 499، وسيرة ابن سيد الناس ج 2 ص 340، وقال بعض المؤرخين: والصحيح أنه دفن ليلة الأربعاء، انظر تاريخ ابن كثير ج 5 ص 171).

وتبين للانقلابيين أن أهل الرسول قد تولوا دفنه (العقد الفريد لابن عبد ربه ج 3 ص 61، وقريب منه تاريخ الذهبي ج 1 صفحات 321،324،326)، وأن عليا والفضل وقثم ابنا العباس وشقران مولاه وأسامة بن زيد قد تولوا غسله وتكفينه وأمره كله.

أبو بكر وعمر لم يشهدا دفن الرسول ولا تغسيله أو تجهيزه، حيث كانوا مشغولين بمتاعب الانقلاب (كنز العمال ج 3 ص 140 تجد أنهما لم يشهدا الدفن)، ومن باب أولى أن لا يشهدا الغسل والتكفين والتجهيز، أما عائشة زوجي النبي فقد قالت: (ما علمنا بدفن النبي حتى سمعنا صوت المساحي من جوف الليل ليلة الأربعاء) (سيرة ابن هشام ج 4 ص 344 وتاريخ الطبري ج 2 ص 452 و 455 وطبعة أوروبا ج 1 ص 1833 و 1837 وتاريخ ابن كثير ج 5 ص 270، وابن الأثير في أسد الغابة ج 1 ص 34 في ترجمة الرسول وطبقات ابن سعد ج 2 ق 2 ص 78، وتاريخ الخميس ج 1 ص 191 وتاريخ الذهبي ج 1 ص 327 ومسند أحمد ج 6 ص 62).

وأكبر الظن أن عائشة كانت مشغولة مع أبيها ومع قادة الانقلاب بترتيب أمور المسلمين بعد وفاة الرسول، لأن دفن الرسول بنظرهم ليس مشكلة إنما المشكلة الأهم هو تعيين الخليفة الجديد، فالأهم بتقدم على المهم!!

ولكن لا ننسى أن عمر عندما تأكد من وفاة الرسول، وكان أبو بكر غائبا، وقف وأخذ يقول: إن الرسول لم يمت، وإنما ارتفع إلى السماء! وهدد أن يعلو راس من يقول بموت الرسول بالسيف، وألهى الناس بهذه المقولة فترى حتى إذا حضر أبو بكر ذهب عنه الروع، وكبت مشاعره وذهوله، وانطلق مع أبي بكر كأن لم يك به شيئا ليواجه الأهم وهو تنصيب الخليفة، ويتركا المهم وهو تجهيز الرسول ودفنه، ثم عمر قريب العهد بالرسول فقبل يوم واحد شاهده ومعه مجموعة كبيرة من حزبه، وقال بحضور النبي متجاهلا وجوده: (إن النبي يهجر حسبنا كتاب الله)!

بمعنى: أن عمر وحزبه حديثو العهد بالرسول، والأهم عندهم تنصيب خليفة للرسول، فمحمد بشر، وقد انتهي دوره، ومواراته في ضريحه الأقدس ليس أمراً عاجلا بنظر عمر وحزبه. لأن ما يعنيهم هو مصلحة المسلمين ووضع حد للتميز الهاشمي!!

بمعنى: أن عمر تهدد بالموت من يقول بموت الرسول، وشغل الناس بمقولة رفع النبي للسماء حتى جاء أبو بكر، ولما جاء أبو بكر قال أبو بكر: (وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل).. عندئذ سكت عمر واسترد عمر وعيه وسار مع أبي بكر كأنه لم يكن به شيء!!! ورتب الاثنان مع أعوانهما أمر الخلافة وواجهوا آل محمد بأمر واقع لا قبل لهم برفعه!

وهكذا وقع أول انقلاب في الإسلام على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) والشرعية الإلهية، وكم تلته الانقلابات!!
اضافة رد مع اقتباس
  #2  
قديم 24/03/2004, 09:26 PM
زعيــم متواصــل
تاريخ التسجيل: 13/07/2003
المكان: السعودية - الرياض
مشاركات: 189
[ALIGN=CENTER]





السلام عليكم ورحمة الله وبركاته



إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهد الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وبعد

في بادي ذء بدئ أود أن اقدم الشكر الجزيل لإخي الفاضل المجهر - حفظه الله روعاه - على كل ما اورده من خلال ( خطاب لأحد الشيعه ويبين في كرهه لبعض الصحابه وأحقية علي على ابو بكر بالخلافه )، فجزاه الله عنا اطيب خير

استسمحك لإعقب على قليل من كثير فماذا نرجي من فرقة نشأت حينما ظهر رجل يهودي يُدعى ( عبد الله بن سبأ ) ادَّعى الإسلام، وزعم محبة آل البيت، وغالى في علي - رضي الله عنه - وادعى له الوصية بالخلافة ثم رفعه إلى مرتبة الألوهية، وهذا ما تعترف به الكتب الشيعية نفسها. وقد قال البغدادي: السبئية أتباع عبد الله بن سبأ الذي غلا في علي - رضي الله عنه - وزعم أنه كان نبياً ثم غلا فيه حتى زعم أنه الله (1)

وماذا نرجى من فرقة رفضة إمامة أبي بكر وعمر، بل رفضو الدين والإسلام وتولوا اليهود والنصارى فهنيئاً لهم !!! والحديث في هذا الشأن طويل يحتاج الى عدة صفحات وصفحات... ووو آلخ



مع فائق احترامنا لشخصكم الكريم - الشمري[/ALIGN]

</normalfont></normalfont></normalfont></normalfont>



هوامش
(1) أصول اعتقاد أهل السنة اللالكائي ( 1 / 22 - 23 )
اضافة رد مع اقتباس
   


إضافة رد


قوانين المشاركة
غير مصرّح لك بنشر موضوع جديد
غير مصرّح لك بنشر ردود
غير مصرّح لك برفع مرفقات
غير مصرّح لك بتعديل مشاركاتك

وسوم vB : مسموح
[IMG] كود الـ مسموح
كود الـ HTML غير مسموح
Trackbacks are مسموح
Pingbacks are مسموح
Refbacks are مسموح



الوقت المعتمد في المنتدى بتوقيت جرينتش +3.
الوقت الان » 10:31 AM.

جميع الآراء و المشاركات المنشورة تمثل وجهة نظر كاتبها فقط , و لا تمثل بأي حال من الأحوال وجهة نظر النادي و مسؤوليه ولا إدارة الموقع و مسؤوليه.


Powered by: vBulletin Version 3.8.7
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd

Google Plus   Facebook  twitter  youtube