03/04/2001, 01:05 AM
|
عضو جديد | | تاريخ التسجيل: 03/04/2001
مشاركات: 1
| |
قال الله تعالى {يَا أَيُّهَا الَذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ ولِلرَّسُولِ
إذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ واعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ
المَرْءِ وقَلْبِهِ وأَنَّهُ إلَيْهِ تُحْشَرُونَ } .
ما أكرم الإنسان ،عندما يفيء إلى ربه ، ويستجيب لدعوته ويبصر أمامه الطريق
المستقيم ، ليقوم بدوره في هذه الحياة،ويدرك معنى وجوده فيها وعندئذ تتحقق له
الحياة الحقيقية ، الحياة الكريمة الطيبة .
فالذين يستجيبون لله وللرسول ظاهراً وباطناً هم الأحياء وإن ماتوا ، وهم الأغنياء
وإن قلَّت ذات أيديهم ، وهم الأعزة وإن قلَّ الأهل والعشيرة ، وغيرهم هم الأموات
حقيقةً وإن كانوا أحياء الأبدان ، يَسْعَوْنَ بين الناس جيئةً وذُهاباً {أَمْوَاتٌ
غَيْرُ أَحْيَاءٍ ومَا يَشْعُرُونَ}، وهم الفقراء ، ولو كان الذهب النُّضار يملأ
خزائنهم ، ويَعْمُر جيوبهم ،وهم الذين تغشاهم الذلة ، ولو كانوا يمتون بالنسب ،
وينتمون إلى أعرق القبائل .
والله سبحانه وتعالى يوجِّه الدعوة الكريمة للمؤمنين ، ويستجيش فيهم عاطفة الإيمان
، ويخاطبهم بهذه الصفة : صفة الإيمان ، ويذكّرهم بمقتضى هذا الذي آمنوا به ،
فيناديهم بصفتهم مؤمنين ليكون ذلك حاملاً لهم على المبادرة إلى إجابة الدعوة بعناية
واستعداد ، وقوة وعزيمة . وهذا هو شأن المؤمن : إنه يتلقى أوامر الله ودعوته بقوة
{خُذُوا مَا آتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ واذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ }.
هذا النداء الذي يوجهه الله تعالى لعباده المؤمنين دعوة إلى الحياة بكل صورها،
وبكل معانيها، ولكنها ليست أيَّ حياة ، إنما هي الحياة الكريمة العزيزة ، الحياة
الحقيقية الكاملة ، التي يتميز بها المسلم عن سائر البشرية التي تحيا حياة بهيمية ،
تحركها دوافع البطن أو الفرج ، فهي لا تعرف غاية نبيلة تسعى إليها ، ولا رسالة تحيا
من أجلها وتكافح في سبيلها ، فحسب الواحد منهم دريهمات يملأ بها جيبه ، أو لقيمات
تملأ معدته الفارغة ، أوثياب تكسو جسده العاري ، أو سيارة فارهة يتنقل بها ، أو
منزلاً فخماً يسكنه وليكن بعد ذلك ما يكون ، فهو لا يسعى لأكثر من هذا .
إن الاستجابة لله ورسوله حياة القلب والعقل ، بالعقيدة التي تعمر القلب ، فتملأ
كيان الإنسان نوراً وهداية {أَوَ مَن كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وجَعَلْنَا
لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ
بِخَارِجٍ مِّنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ }.
وحياة للروح والجسد ، دون انفصام بينهما ولا صراع ، فما كان تعذيب الجسد في شريعة
الله سبيلاً لرقي الروح وتزكيتها ، ما كانت العناية بالروح عاملاً يدفع المؤمن إلى
ترك ما أحل الله للإنسان وتحريمه ، ولا حرمانه من حق الحياة الطيبة والزينة التي
أخرجها الله لعباده {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَتِي أَخْرَجَ
لِعِبَادِهِ والطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي
الحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ القِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ
لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} {وابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ ولا
تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إلَيْكَ} .
وهذا ما علمه النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه وقذفه في قلوبهم وعقولهم ، فكان
درساً وتعليماً لا ينسى ، فعن أنس بن مالك رضى الله عنه قال : جاء ثلاثة رهط إلى
بيوت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم يسألون عن عبادة النبي صلى الله عليه وسلم ،
فلما أخبروا كأنهم تقالُّوها ، فقالوا : وأين نحن من النبي صلى الله عليه وسلم ، قد
غُفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخَّر ؛ قال أحدهم : أما أنا فإني أصلي الليل أبداً ؛
وقال الآخر : أنا أصوم الدهر ولا أفطر ؛ وقال آخر : أنا أعتزل النساء فلا أتزوج
أبداً .
فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : " أنتم الذين قلتم كذا وكذا ؛ أما والله
إني لأخشاكم لله وأتقاكم له ، لكني أصوم وأفطر ، وأصلي وأرقد ، وأتزوج النساء ؛ فمن
رغب عن سُنتي فليس مني" . ( متفق عليه ).
وقد جعل النبي صلى الله عليه وسلم هذه الاستجابة والتمسك بدين الإسلام ظاهراً
وباطناً كالمطر الذي ينزل على الأرض الهامدة فيحييها .
عن أبي موسى الأشعري ، رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " مثل ما
بعثني الله به من الهدى والعلم ، كمثل الغيث الكثير ، أصاب أرضاً ، فكان منها
نَقِيَّةٌ قبلت الماء فأنبتت الكلأ والعشب الكثير ، وكان منها أجَادِبُ أمسكت الماء
فنفع الله بها الناس فشربوا وسقوا وزرعوا. وأصابت منها طائفة أخرى ، إنما هي
قِيعَانٌ لا تُمسك ماء ، ولا تُنبت كلأ فذلك مثل من فقه في دين الله ونفعه ما
بعثني الله به ، فعَلِمَ وعلَّمَ. ومثل من لم يرفع بذلك رأساً ولم يقبل هُدى الله
الذي أرسلت به" (متفق عليه) .
إنها دعوة إلى الحياة الحقـيقـيـة فـي الجنة دار الحيوان {ومَا هَذِهِ الحَيَاةُ
الدُّنْيَا إلاَّ لَهْوٌ ولَعِبٌ وإنَّ الدَّارَ الآخِرَةَ لَهِيَ الحَيَوَانُ لَوْ
كَانُوا يَعْلَمُونَ}. فالدار الآخرة هي المتاع الذي ينبغي أن يحرص عليه المرء ولا
يرضى به بديلاً ، ولا يبغي عنه حولاً ، ولذلك ينبغي الاستعداد والتأهُّب لها ففيها
من النعيم مالا يخطر على بال أحد من الناس ، قال تعالى في الحديث القدسي :" أعددت
لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر " .
وأمـا الـذين يرفـضـون الاسـتـجـابـة لله والـرسـول فـإنهم يرفضون الحياة الكريمة
اللائـقة بالإنسان ، فليس لهم إلا الدُّون ومصيرهم الهلاك، ومآلهم الدمار والـبـوار
{أَلَـمْ تَـرَ إلَـى الَذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْراً وأَحَلُّوا
قَوْمَهُمْ دَارَ البَوَارِ ، جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا وبِئْسَ القَرَارُ }.
وما أعظم خسارة الذين آثروا الدنيا الفانية على الآخرة الباقية الدائمة وما أعظم
ضلال الذين حصروا الوجود في هذا الذي تقع عليه حواسُّهم قريباً في الدنيا ، ويحسبون
أن وجودهم محصور فيها فلا يعملون لغيرها :
خُلِق النّاسُ للـبقاءِ فضلِّت أمّـةٌ يحسـبـونهـم
للنَّـفـاد
إنما يُنقـلـون من دار أعمالٍ إلى دار شقوة أو رشـاد!
وبعد ، أخي المسلم :
فـهـل تسـتجـيـب لهذه الدعـوة الكريمة التي وجَّهها إليك رب العزة، جل جلاله ،
لتظفر بالحـيـاة الـكريمة في الدنيا وبالفوز والنجاة يوم القيامة ؟ .
اعلم أنك لست بالخيار .. إن أردت أن تكون مؤمناً .. فإما إيمان .. أو لا إيمان..
إما استجابة.. وإما إعراض... .
ولــن يـكـون مـؤمـناً ذاك الذي يُعرض عن دعوة الله ، ولا يستجيب لها ، أو يجعلها
دبر أذنــيــه ، فــإن الاستجابة لله وللرسول صلى الله عليه وسلم هي المحكُّ
الحقيقي والمظهر العملي للإيمان {إنَّمَا كَانَ قَــوْلَ المُـؤْمِنـِـينَ إذَا
دُعُوا إلَى اللَّهِ ورَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا
وأَطَعْنَا وأُوْلَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ} .
{لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ ولا أَمَانِيِّ أَهــْلِ الـكِـتَـابِ مَن يَعْمَلْ
سُوءاً يُجْزَ بِهِ ولا يَجِدْ لَهُ مِن دُونِ اللَّهِ ولِياً ولا نَصِيراً ، ومَن
يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ
يَدْخُلُونَ الجَنَّةَ ولا يُظْلَمُونَ نَقِيراً} .
والمؤمن يستجيب لنداء الإيمان من فوره {رَبَّنَا إنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِياً
يُنَادِي لِلإيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا
ذُنُوبَنَا وكَفِّرْ عَــنَّــا سَــيِّـئَـاتِـنَا وتَوَفَّنَا مَعَ الأَبْرَارِ *
رَبَّنَا وآتِنَا مَا وعَدتَّنَا عَلَى رُسُلِكَ ولا تُخْزِنَا يَوْمَ القِيَامَةِ
إنَّكَ لا تُخْلِفُ المِيعَادَ} .
ولذلك قال عبد الله بن مسعود ، رضي الله عنه : ( إذا سـمـعـت الله تعالى يقول . يا
أيها الذين آمنوا ! فأرْعِها سمعك ، فإنه إما خيرٌ تؤمر به ، وإما شرٌ تنهى عنه).
والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
الفقير إلى عفو ربه
سعد بن عبد الله البريك |