أبرمت لجنة مباريات الدوري الممتاز الإنجليزي لكرة القدم عقدا مع شركة (BSK YB) العالمية البريطانية لحقوق نقل مباريات الدوري الإنجليزي الممتاز على الهواء مباشرة لمدة ثلاثة مواسم بقيمة 1.65 بليون دولار .. أي الموسم الواحد بقيمة (550) مليون دولار .. هكذا جاء الخبر .
الرقم يمنحك مساحة للحلم ، في نهاية حلمك يأتي السؤال (لِمَ لا يحدث هذا هنا) ؟ فتبحث عن الإجابة .
المتحكم في هذا الرقم كما يسميه علماء السياسة والاقتصاد (السوق) .. وهذا السوق مرتبط بمثلث متساوي الأضلاع ، المستهلك ، المنتج ، السلعة .
فتعمل مقارنة سريعة بين السعودية وإنجلترا من خلال (السوق) كما يسميه علماء الاقتصاد ، لا يمكن لك تجاهل هذا الثالوث المسيطر على السوق .. تتكشف لك أمور تساعدك في بحثك على الإجابة .

المستهلك ..
وهو المواطن العادي .. عدد سكان السعودية 24.2 مليونا حسب إحصائية الأمم المتحدة 2003م .. أي نصف عدد سكان انجلترا 57 مليونا ، الدخل السنوي هناك فارق شاسع وكبير ، 19.740 دولارا للفرد البريطاني ، مقابل 8.640 دولارا .
في 1980م كان دخل الفرد السعودي يقترب كثيرا من 19.000 دولار .. ما الذي جعله يتراجع وكيف ؟
ربما السبب قفزنا عن مرحلة يمر بها المجتمع ليتطور وهي مرحلة الإنتاج ، فنحن انتقلنا إلى مجتمع مستهلك قبل أن نكون منتجا بسبب (البترول) هذه الثروة التي أصبحت أشبه بأسطورة (جلجماش) الوجه الجميل والقبيح .. فعاد دخل الفرد إلى الخلف ليمر بمرحلة الإنتاج إن أراد التطور أو سيصاب بالفقر .. فالمجتمع المستهلك فقط سيتم مص دمه من الشركات ثم يلقى على قارعة الأرض فنصبح وسط أفريقيا جديدا .. كما قال أحد المفكرين الإفريقيين : (أعطانا الغرب الإنجيل مقابل ثرواتنا) .
وبين فارق عدد السكان وفارق الدخل أي تقهقر دخل الفرد سقط نصف المبلغ وقلت : يكفي أن أحلم بـ (275) مليون دولار ، وتابعت بحثي .

المنتج .. (بكسر التاء) ..
الاتحاد السعودي والاتحاد الإنجليزي .. هما من ينتجان الدوري .. كيف هي الكفاءة ؟
الدوري الإنجليزي محدد ومعروف الهوية ، ويمكن لك شراء آخر مباراة في الدوري ، كذلك المباراة لا تقام إلا في إجازة المستهلك والذي سيدفع المال .. أي يومي السبت والأحد .
الدوري السعودي غير محدد الملامح ولا الأيام ، فمباريات الدوري تلعب في كل أيام الأسبوع باستثناء يوم السبت الوحيد والحزين .
أهم الفروقات بين الدوري السعودي والإنجليزي هي الكفاءة ، دوري محدد المعالم ويحترم وقت المستهلك ، ويحترم إنتاجية المستهلك والتي تقوم على عمله طوال الأسبوع فلا يشغله بمباريات وسط الأسبوع .. وآخر هلامي ولا يقدر الوقت لأنه يعتمد اعتمادا كليا على دعم الدولة ، والدولة كثرة مهامها وهمومها فبدأت تقلص الميزانية ، وبدأ الاتحاد يقلص رواتب اللاعبين ، وبدأت أنا أقلص حلمي ليصبح الرقم (275) مليون ريالا ، أي الربع .. وأكملت بحثي .

السلعة ..
أو اللاعب ، اللاعب الإنجليزي يملك ثقافة رياضية لتطوير مستواه ، كذلك الدوري يساعد على تطوير المستوى ، فحين يلعب يوم السبت ، هذا يعني أن الأحد إجازته الأسبوعية ، الاثنين تدريب لتصحيح الأخطاء التي حدثت في المباراة ، الثلاثاء تمارين قوة تعتمد على الحديد لجعل العضلة تتحمل ، الأربعاء تمارين سرعة وتطوير المهارة ( تكنيك) ، الخميس تطوير اللعب الجماعي (تكتيك) ، الجمعة طريقة اللعب التي ستواجه بها الفريق الخصم ، السبت مباراة .
كذلك سقف الراتب ليس مغلقا ، فكلما جود اللاعب أداءه زاد راتبه .
اللاعب السعودي لا يساعد نفسه ليملك الثقافة ، ولا يساعده الدوري ليطور موهبته ، ويطرد المدرب لدينا رغم أنه لا يستطيع تطوير مستوى الفريق وسط دوري غير محدد المعالم ، فكيف يطبق التمارين العلمية وسط جدول عشوائي (العشوائية عدو العلم) .
ناهيك عن قتل (الدافع والحافز) لدى اللاعب ، الدافع وهو طموح داخلي يحرض اللاعب للتفوق ، وهذا عمل مناط بالبيت والمدرسة ، وكلاهما لا يقومان بدورهما .. والحافز ، وهو الراتب الذي بدأ يتقلص ويخفض ، فضمر الحافز المحرض لتطور اللاعب .
وسط هذه الفروقات الكبيرة لم يبق من الحلم شيئا ، فتذكرت صديقي الذي قال ليّ : (يا اخي أحلم على قدك) .
قد يبدو المقال للوهلة الأولى محبطا لأي حلم .. بيد أني وددت أن أقول : في الحلم لا تحتاج لأحد كي تحلم كما تريد ، ولكن ليصبح الحلم واقعا .. لابد أن يصبح المستهلك منتجا أيضا ليرفع دخله ، لابد من المنتج أن يعتمد على الكفاءات ليجود منتجه ، لابد من اللاعب أن يطور ذاته .
المشكلة أنه علينا أن نعمل في كل الجهات وفي آن واحد ، وهذه أزمة العقل أحادي الفكر .