06/08/2015, 10:45 AM
|
 | مشرف منتدى الجمهور الهلالي | | تاريخ التسجيل: 20/01/2002 المكان: وسط المعمعه
مشاركات: 12,893
| |
#من_الأندلس : هنا قرطبة ..!!
بسم الله الرحمن الرحيم
اشتقت للكتابة فدخلت هذا المجلس لأتحدث مع أحبابي .. 
#من_الأندلس : هنا قرطبة ..!!
هنا قرطبة حاضرة الاسلام وعاصمة الخلافة هنا الفردوس المفقود وجوهرة الدنيا .. هنا الداخل والناصر وابن ابي عامر ..هنا ابن حزم وابن رشد وعباس بن فرناس .. هنا الجامع الكبير والقنطرة والقلعة .. هنا الرصافة والزهراء والزاهرة .. هنا قصائد ابن زيدون و قصص ولادة بنت المستكفي .. هنا ظلال الزيتون ورائحة البرتقال .. هنا أمجادنا وجراحنا هنا أفراحنا ودماءنا .. هنا تاريخنا تليد بأيدينا اضعناهٌ .. هنا تذكرت قول الشاعر :
نزلتُ شَطكِ، بعدَ البينِ ولهانا
فذقتُ فيكِ من التبريحِ ألوانا
وسِرتُ فيكِ، غريباً ضلَّ سامرُهُ
داراً وشوْقاً وأحباباً وإخوانا
فلا اللسانُ لسانُ العُرْب نَعْرِفُهُ
ولا الزمانُ كما كنّا وما كانا
ولا الخمائلُ تُشْجينا بلابِلُها
ولا النخيلُ، سقاهُ الطَّلُّ، يلقانا
ولا المساجدُ يسعى في مآذِنِها
مع العشيّاتِ صوتُ اللهِ رَيّانا
من مدريد انطلقنا الى قرطبة نعم قرطبة تلك المدينة التي سكنت في قلوبنا وقرأناها في كتبنا ,تلك المدينة التي كنت اعتقد أنها لم تعد موجودة على وجه الارض لأنها رحلت مع التاريخ كما يرحل العظماء ,تلك المدينة التي تخيلتها بجسد وروح تتنفس وتتحدث .. تتألم وتفرح .. تبكي وتضحك .
كانت الرحلة تستغرق الثلاث ساعات مررنا خلالها بالكثير من الهضاب والقلاع وكنت أسأل نفسي كم من الجيوش مرت من هنا وكم من المعارك دارت رحاها هنا ؟ وكم بين هذه الصخور من رفات وخلف هذه القلاع من قصص وآهات ,كانت الارض تبدوا لي بتربتها الحمراء وكأنها مخضبة بالدماء وكأني بالمعري يقول لي :
خفف الوطء ما أظن أديم الارض إلا من هذه الاجسادِ ..
وصلنا قرطبة ليلاً كنت الساعة تشير الى العاشرة وكانت الشوراع شبه فارغة والهدوء يعم المكان الا من اصوات الرياح وابتسامة القمر , كنت اقود السيارة بصعوبة وارتباك ولا ادري ما سبب ذلك هل هو رعشة حب سرت في جسدي مع نسيم قرطبة او رعدة خوف قفزت الى ذاكرتي من كتب التاريخ ,كان رفيقاي راشد ومنصور يوجهونني للطريق الصحيح مع تعليقات ساخرة على قيادتي المرتبكة وانا أظهر التجلد والثبات مع ابتسامة تظهر عكس ما تبطن ,مررنا على نهر الوادي الكبير في اتجاه الفندق الذي كان يطل على النهر والقنطرة والجامع والمدينة القديمة ,وصلنا الفندق واستلمنا الغرفة ثم خرجنا نبحث عن مطعم يخفف وطأة الجوع وعن طعام نسد به الرمق وبعد بحث وعناء قادتنا الاقدار الى مطعم دومينوز بيتزا الذي كان على وشك الاغلاق فأقبلنا اليه مسرعين لتستقبلنا فتاة لطيفة وجميلة في العشرين من عمرها تخطف القلوب وتسحر الابصار ويصدق فيها قول نزار :
ما أغرب التاريخ كيف أعادني
لحفيـدة سـمراء من أحفادي
عينان سوداوان في حجريهما
تتوالـد الأبعاد مـن أبعـاد
وجه دمشـقي رأيت خـلاله
أجفان بلقيس وجيـد سعـاد
ودمشق، أين تكون؟ قلت ترينها
في شعـرك المنساب ..نهر سواد
في وجهك العربي، في الثغر الذي
ما زال مختـزناً شمـوس بلادي
لذلك اختار لها صديقي منصور اسم حفيدة الاجداد والتي بادرتنا معتذرة بأنها أنهت عملها وأنها تريد اغلاق المطعم لكن حينما رأت انكسارنا وانبهارنا عطفت علينا ورأفت بنا وقالت سأقدم لكم البيتزا ولكن تأكلونها بالخارج فوافقنا مباشرة على العرض الكريم بل زادت من كرمها ومنحتنا المشروب مجانا فقد أنهت حساباتها لذلك اليوم ولم يكن لديها صرف فاكتفت بقيمة البيتزا , اخذنا البيتزا من حفيدة الاجداد وودعنها ونحن نردد بيت ابن زريق :
ودعته وبودي لو يودعني :: صفو الحياة واني لا اودعه
كان امام المطعم حديقة اكتشفت فيما بعد انها مكان يقيم فيه اهل قرطبة احتفالاتهم فتوجهنا الى الحديقة وتناولنا البيتزا عن بكرة أبيها وتفاجئت بوجود مسجد صغير وسط الحديقة اسمه مسجد المرابطين يقال أنه المسجد الوحيد في قرطبة التي كانت تحتوي على أكثر من ثلاثة آلاف مسجد فيما مضى !!
رجعنا الى الفندق وخلد اصحابي الى النوم اما انا فلم اقاوم رغبتي بالخروج فتوجهت الى القنطرة وظللت اسير في المدينة القديمة وحول الجامع حتى اطفئت الانوار بعد منتصف الليل فجلست على القنطرة اتذكر التاريخ وأراقب الوادي وأتأمل جامع قرطبة وأردد قول ابن اللبانة الاندلسي :
وكعبة كانت الامال تعمرها
فاليوم لا عاكف فيها ولا باد
يا ضيف أقفر بيت المكرمات فخذ
في ضم رحلك واجمع فضله الزاد
ويا مؤمل واديهم ليسكنه
خفّ الفطين وجف الزرع بالوادي
ولم يقطع صفو هذا الهدوء ويعكر جمال هذا المكان سوى أحد القشتاليين الذي مر من امامي وهو في حالة سكر يصرخ ويغني وقد خلع ملابسه في منظر تشمئز منه النفوس حتى هممت أن القيه في الوادي غير مأسوفاً عليه ,بعد ذلك رجعت الى الفندق احمل معي احلامي وذكرياتي وغطيت في نوم عميق .
في صباح اليوم التالي خرجنا من الفندق لنأخذ جولة سياحية في قرطبة مع الباص السياحي الذي كان موقفة امام الفندق وكان لنا هناك مع الحب موعد جديد فقد كانت فتاة التذاكر كما دعاه صديقي راشد لا تقل في الحسن والجمال والأدب عن فتاة البيتزا لذلك جلسنا معها نتجاذب اطراف الحديث تحت اغضان التين لحين وصول الباص لنودعها كما ودعنا صاحبتها ونردد قول المتنبي :
لعَيْنَيْكِ ما يَلقَى الفُؤادُ وَمَا لَقي
وللحُبّ ما لم يَبقَ منّي وما بَقي
وَما كنتُ ممّنْ يَدْخُلُ العِشْقُ قلبَه
وَلكِنّ مَن يُبصِرْ جفونَكِ يَعشَقِ
سار بنا الباص في انحاء مدينة قرطبة القديمة والجديدة وكنا نستمع لشرح صوتي عن المدينة بالعربية وكنا نشاهد الكنائس منتشرة في انحاء المدينة لها محاريب تبكي ومآذن تشكي تدل على انها كنت ذات يوم مساجد يرفع فيها الاذن وتقام فيها الصلوات والله المستعان .
بعد الجوالة السياحية توجهنا الى المدينة القديمة وتناولنا في احد مطاعمها الغداء وكان من البايايا او البايلا الطبق الاسباني الشهير .. ثم اتجهنا الى جامع قرطبة وكان وقت صلاة الظهر قد دخل فتوضئنا من نافورة بساحة الجامع لكن الامن اخبرنا بأنه يمنع الصلاة في الجامع لأنه على حد قوله متحف تابع للكنسية الكاثوليكية لذلك صلينا الظهر في ساحة الجامع خلف احد الاعمدة وما ان أنهينا الصلاة حتى وجدنا امامنا اثنان من الامن يطلبان منا عدم الصلاة ويصفان لنا مكان يمكننا الصلاة فيه , بعد ذلك اخذنا جولة في قرطبة القديمة بين بيوتها وأسواقها ثم عدنا الى الفندق لنودع هذه المدينة الجميلة التي كانت في يوم من الايام اعظم عاصمة في اوروبا !!     
دمتم بحفظ الله 
اخر تعديل كان بواسطة » الهلالي دائماً في يوم » 06/08/2015 عند الساعة » 11:07 AM |
2Likes
الوضع العادي
