( ملفات خاصة 03) ... قصتـي مـع الحـب المستحيـل ؟!
كنت أستقل معه الباص في رحلة العودة من بيروت الى دمشق بعد ان قضينا بضعة ايام كنت ابحث من خلالها عن تلك التي اطلق عليها ذات يوم سويسرا الشرق !
لطالما كان والدي يحفظه الله يحدثني عن حقبة الستينات الميلادية وعن عدن وبيروت والقاهرة ! .. وعن الجمال والروح الطيبة !
سألني ذات يوم : كيف وجدت القاهرة وبيروت في زياراتك ؟
قلت له : يبدو أن تلك الديار لم تعد كما كانت !
قال لي : وايضا عدن لم تعد كما كانت !
قلت له : هل هي لعنة ما ؟!
قال لي : بل هو الشيطان عندما ينال من طهر ارواحنا .. والله المستعان ،،،
كان المساء قد حل علينا وقد تجاوزنا الحدود السورية في اتجاه دمشق .. وكان ان اخرج من حقيبته اليدوية سي دي يحمل بضع اغنيات مفضلة لديه ناولها للسائق ثم عاد الى مقعده ليشعل سيجارته ويرسم تلك الحلقات من الدخان في الهواء .. حتى قلت له ضاحكا : في طبقات الجو وهو وضيع يا ابو ماضي ! " قائل هذا الشطر من البيت هو الشاعر إيليا ابو ماضي .. لذى وجب التنويه " ..
أكتفى ان رسم ابتسامته وهو ينظر عبر النافذة الى لا نهاية في خشوع ورضى !
قلت له وخشيت ان يطول به المقام في الصمت الذي اطبق عليه : ما رأيك لو تتحدث عوضا عن دور بوذا الزاهد في مغارة خايسة بالتبت ! .. اذكر ربك ! .. كيف حالك ؟!
قال لي وقد بدى متضايقا وانا اقطع عليه حبل وجدانياته : مال افكارك يا طارق ؟!
قلت له : يا صاحبي .. فضفض وقل لي ما الذي حدث ؟ .. لم يتبقى سوى شهر على زفافكما .. فلماذا قررتما فجأة ان تفترقا ؟!
قال : الله يوفقها !
قلت له : نعم .. الله يوفقها .. ويوفقك .. ويوفقني معكما ! .. انا اعلم ان هذه الرحلة كانت نوع من الفرار .. ولكني احترمت مشاعرك خلال الايام الماضية .. واعتقد اذا ما تحدثت فسوف ترتاح قليلا يا صاحبي ..
قال : لقد ضاقت بي الدينا يا طارق بما رحبت ! .. شعرت كمن انتزع شئ من نفسي ! .. لذلك قررت ان ابتعد قليلا لعل في ذلك خير ..
قلت له : وطالما تملك حيالها كل هذه المشاعر .. وما كلف الله عليك ان تتركها وترحل ؟!
قال : لم أتركها ! .. هي من قررت فجأة الرحيل ! .. فماذا عساني أن افعل ! .. هل اجبرها على البقاء معي وهي كارهة ؟!
قلت له : .....
أستطرد في حديثه : هذه أول فتاه يا صاحبي قلت لها كلمة أحبك ! .. هذه أول فتاه وضعت يدي عليها ! .. وأول فتاه تسكن في عيني بعد ان كانت مجرد حلم مجهول ! .. وأول فتاه تضع عرشها متربعا فوق صدري ! .. كنت استيقظ من نومي وان ابحث في جوالي عن ماذا ستقول لي في رسالتها ! .. كنت ابحث عن اي سبب حتى اجد مبرر لكي اتصل بها ! .. كنت اتمنى ان الايام جميعها ( جمعه ) لأن هذا اليوم المسموح لي ان التقي بها ! .. لقد تغيرت كثيرا يا طارق بسببها ! .. اتذكر عندما كنت والشباب تداعبوني عن سر التغير في شخصيتي التي اصبحت اكثر هدوءا وسلاما ! .. حتى منزلنا يا صديقي .. لقد رسمنا سوية كل زاوية منه .. ولطالما ذهبت الى عملي مواصلا لأنني قضيت الليل كله مع العمال في تجهيز غرض ما لأن ذلك كان سيسعدها ! .. كنت أحبها يا صديقي .. لذلك كان فراقها مثل الموت الا اننا لا نموت !
ثم استطرد : هل تعلم لماذا أخترت بيروت ؟!
قلت له : لا ..
قال : هي تحب بيروت ! .. فقد عاشت جزء من طفولتها هناك حينما كان عمل والدها يتطلب منه المقام فيها .. وكانت تسعد اذا ما تمكنت من زيارتها صيفا مع والديها .. لذلك اتيت بيروت .. اقرأ بين جدرانها ذكريات من أحببتها !
قلت له : كل ذلك ..
قال لي : بل أكثر من ذلك ! .. ثم استطرد : لقد كانت تستحق كل ذلك وأكثر من ذلك ! .. نعم قد لا اكون من اولئك الشباب الذين عصرهم الحب وعرفوا النساء ! .. وان كنت أعلم ان ذلك عبث وسفاهة عقل ودين وليس له علاقة بالحب .. ولكننا لسنا في حاجة حتى نعرف اذا ما كان الآخرين يحبوننا أم لا ! .. لقد كانت كريمة جدا في مشاعرها حيالي .. كل نظرة او كلمة أو فعل ينطق منها بكلمة أحبك ! .. كانت عندما تراني تكاد الدنيا لا تسعها فرحا بي .. كانت تتحرى كل لحظة او مناسبة حتى ترسم السعادة في نفسي .. كثير يا صديقي .. كثير جدا ،،،
قلت له : هنالك من يقول .. ان المرحلة التي عشتماها سوية .. تعد في أحيان عديدة كالحلم الذي سرعان ما تستيقظ منه الى حقيقة أخرى قد تجبر أحد الطرفين على الفراق !
قال : هذا كلام من لا يعرف معنى كيف يحب ؟! .. لقد كنت صادقا معها في حياتي وطباعي وصفاتي وقدراتي .. لم أكذب مطلقا او أظهر بحقيقة بعيدة عن حقيقتي ! .. ولقد كانت هي ايضا كذلك .. ومع ذلك حتى اذا ما حدث خلاف بيننا حيال أمر ما فأننا سرعان ما نلتقي .. لذلك لم تكن مجرد مرحلة .. بل كان حقيقة ،،،
قلت له : هل هنالك مشاكل بين عائلتك وعائلتها !
قال : بل مثل السمن على العسل ! .. اذا ما كنت تحب السمن بالعسل ؟!
قلت له متسائلا : يا أخي .. ولماذا افترقتما ؟! .. اين المشكلة ؟!
قال : صدقا يا صديقي .. ليس هنالك مشكلة نستطيع ان نطلق عليها مشكلة ! .. كما ان الوقت لم يعد متاحا لوجود مشاكل .. فلم يبقى على زفافنا سوى 30 يوم !
قلت له مواسيا : هل تظن ان هنالك سحر في الموضوع أو حسد !
ضحك ساخرا : السحر والحسد حق .. ولكن دعنا من هذه الشماعة التي نلقي عليها دوما كل اخفاقاتنا !
صمت مفكرا ..
فقاطعني : يحدث في احيان ان نشعر اننا نملك أمر ما وهو حقيقة ليس ملك لنا !
قلت له : ماذا تعني ؟
قال : لقد احب كل منا الآخر حتى أعتقدنا سوية انه لن يفرقنا سوى القبر ! .. ويبدو ان تناسينا في لحظة افراحنا وسعادتنا ان هنالك حقيقة أخرى ؟!
قلت له : وما هي ؟
قال : وما تشاؤون الا ان يشاء الله .. صدق الله العظيم ،،،
ودمتـم في حـب