المنتديات الموقع العربي الموقع الانجليزي الهلال تيوب بلوتوث صوتيات الهلال اهداف الهلال صور الهلال
العودة   نادي الهلال السعودي - شبكة الزعيم - الموقع الرسمي > المنتديات العامة > منتدى الثقافة الإسلامية
   

منتدى الثقافة الإسلامية لتناول المواضيع والقضايا الإسلامية الهامة والجوانب الدينية

إضافة رد
   
 
LinkBack أدوات الموضوع طريقة عرض الموضوع
  #1  
قديم 13/03/2003, 05:16 PM
زعيــم متواصــل
تاريخ التسجيل: 20/10/2002
المكان: الرياض
مشاركات: 53
سيرة رسول الله ( صلى الله عليه وسلم )

سيرة الرسول-صلى الله عليه وسلم-
محمد بن عبدالله -صلى الله عليه وسلم- سيد الخلق وإمام الأنبياء، وحامل خاتم رسالات رب العالمين إلى الناس، النبى الأمى الذى سنتجول فى دروب حياته، نتنسم سيرته، ونتعقب خطواته، ونتسمع أخباره، ونسعى فى صحراء الجزيرة العربية نبحث، ونفتش ونقلب كتب التاريخ كى نتلمس آثاره، وفى رحلتنا تلك سنشاهد أحوال العالم قبل البعثة، ونطالع فصول حياته قبل نزول الوحى، ونتفهم كيف بدأ الدعوة سرًا؟، وكيف جهر بها؟، وكيف خرج بها من مكة؟، بل كيف خرج هو -صلى الله عليه وسلم- من مكة مهاجرًا إلى مدينته المنورة، حيث أسس لدعوته الدولة التى تحملها للناس، وسنرى كيف جاهد ببسالة كفار قريش؟ دفاعًا عن مدينته، حتى وقعت بينهما الهدنة. وما كسل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بعدها قط، وما خلد إلى الراحة فى دولته، بل جعل الهدنة فرصة ليثبت أمر الدين، وينشر نور الحق، إلى أن كان الفتح، وكان دخول الناس فى دين الله أفواجًا. وفى رحلتنا تلك لن ننسى أن نلمح بيته ونعرف صفته، وندرك ماجعل الله على يديه من معجزات براقة.
مولده
أن تاريخ ميلاده صلى الله عليه و سلم غير معروف، وأنكر أن يكون قد ولد عام الفيل، وادعى أننا لا نملك معلومات تاريخية متسلسلة عن حياته صلى الله عليه و سلم في المرحلة المكية، وعمد إلى التقليل من شرف نسبه ومكانة والده، وزعم أن صلة نسبه بأهل المدينة غير واضحة، وأثار الشك حول اسمه، وأنكر صحة الأحداث البارزة في طفولته، مما يعد إرهاصات لنبوته صلى الله عليه و سلم . كشق صدره، ورحلاته التجارية إلى الشام، وهو طفل، رفقة عمه أبي طالب. كما أنكر مشاركته في بناء الكعبة، وتجاهل أحداثاً أخرى لها أهمية كبيرة، وهكذا يبدو أن كاتب هذه المباحث كان يتعمد أن ينشر ظلال الغموض حول طفولته صلى الله عليه و سلم وحول المراحل الأولى من حياته في مكة من جميع جوانبها. ومن أجل ذلك تجاهل الحقائق الثابتة، وأنكر الأخبار الصحيحة المتواترة، ولم يبال بما أجمعت عليه مصادر الحديث الصحيح وكتب السيرة والتاريخ. فكأنه انطلق من حكم مسبق ومضى على وجهه يبغي إثباته، أو من هدف مرسوم أصلاً، وانطلق يريد الوصول إليه لا يلتفت يميناً ولا شمالاً.

وفيما يلي مناقشة موجزة لآرائه ومزاعمه المتعلقة بهذه المرحلة من حياته صلى الله عليه و سلم .

.2 تاريخ ميلاده :

ثبت بالأحاديث الصحيحة أن ميلاده صلى اللَّه عليه وسلم كان في عام الفيل بعد حادث الفيل الشهير. وذهب ابن إسحق إلى أنه ولد لاثنتي عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الأول من عام الفيل، وهي أوثق الروايات الواردة في تعيين الشهر واليوم الذي ولد فيه.

وثبت أن يوم ميلاده صلى الله عليه و سلم هو يوم الاثنين كما ثبت لدى الإمام مسلم في صحيحه، وأبي داود في سننه، والإمام أحمد في مسنده.

ومن حديث ابن عباس رضي اللَّه عنهما : قال : " ولد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم عام الفيل يوم الاثنين الثاني عشر من ربيع الأول، وفيه عرج به إلى السماء، وفيه هاجر، وفيه مات ". هذا هو المشهور عند الجمهور .

وذكر خليفة في تاريخه أن الروايات المخالفة كلها معلولة الأسانيد، وهي مقيدة.

وذهب معظم العلماء إلى أن مولده صلى اللَّه عليه وسلم كان عام الفيل، وأيدتهم الدراسات الحديثة التي قام بها باحثون مسلمون ومستشرقون، إذ وجدوا عام الفيل موافقاً لعام 571-570م.

أمام هذه الأحاديث وهذا الإجماع، لا يعتبر ما ذهب إليه كاتب مبحث حياة محمد صلى الله عليه و سلم في الموسوعة الإسلامية الذي أنكـــر أن يكــون ميــلاده عــام الفيــل، وأنكـر وقــوع حــادث الفيـل عام 570م، وزعم أنه " ينبغي أن يكون وقع قبل هذا التاريخ ".

ويجب أن يلاحظ أيضاً أن كاتب هذا المبحث يتخذ موقف الإنكار، ويصدر الأحكام من غير أن يكلف نفسه إثباتها بالدليل، وهذا سلوك يأباه المنهج العلمي الصحيح والعقل المتحررالسليم، وتأباه قواعد الفكر الوضعي الذي يؤمن به جل الكتاب الغربيين، ومنهم هذا الكاتب. وأما دعواه أننا لا نملك معلومات تاريخية متسلسلة عن المرحلة المكية من حياة النبي صلى الله عليه و سلم ، فليس لها أساس من الصحة. ويبدو أن كاتب هذا المبحث جعل القرآن المصدر الأساس لبحثه، وتجاهل كتب الحديث، واتخذ موقف الشك من مصادر السيرة، لذلك ذهب به الظن إلى هذا الرأي، وذلك لأنه لم يجد في القرآن سرداً مفصلاً لأحداث حياته صلى الله عليه و سلم في طفولته وفتوته.

ومما يؤيد رأينا هنا في تعامل الكاتب مع مصادر السيرة ومبالغته في الاعتماد على القرآن، أنه أشار إلى سورة "الضحى" وما ورد فيها من ذكر لنشأته صلى الله عليه و سلم يتيماً فقيراً، وكرر هناك زعمه أن ما عرف عن المرحلة الأولى من حياته صلى الله عليه و سلم قليل جداً، وأضاف إلى ذلك قوله :" إن ما اشتملت عليه المصادر من أخبار عن هذه المرحلة ليست له قيمة كبيرة في معرفة صورة محمد صلى الله عليه و سلم التاريخية ).

في هذا القول تعميم مضلل، لأن مصادر السيرة ـ كما ذكرنا من قبل ـ ليست كلها على درجة واحدة من حيث الصحة والضبط التاريخي، وكذلك المعلومات التي اشتملت عليها تلك المصادر ليست كلها ـ قليلة القيمة ـ كما زعم، ومع وجود بعض الروايات الضعيفة في بعض المصادر، فليس من الموضوعية والتحقيق العلمي تعميم هذا الحكم الجائر على مصادر السيرة، فمن بينها مصادر موثقة أثنى عليها العلماء وشهدوا لها بالصحة.في هذه المصادر نجد سرداً مفصلاً متسلسلاً لأهم الأحداث في حياته صلى الله عليه و سلم في مكة من طفولته إلى مبعثه ومن مبعثه إلى هجرته إلى المدينة، نجد فيها بياناً وافياً لنسبه الشريف ووالديه، والأحوال التي مرت فيها مرحلتا الحمل والوضع، وموت والده، ورضاعته ووفاة والدته، ونشأته يتيماً في كفالة جده عبد المطلب ثم عمه أبي طالب، وعمله راعياً لغنم عمه، وبعض القرشيين، ورحلته مع عمه أبي طالب إلى الشام للتجارة، ومشاركته في حلف الفضول ثم عمله في تجارة السيد ة خديجة بنت خويلد، وزواجه بها فيما بعد، وحياته معها في أسرة طيبة هنيئة أنجبت بنين وبنات. ومشاركته في بناء الكعبة، وتحاكم قبائل قريش إليه لوضع الحجر الأسود في مكانه بعد إعادة بناء الكعبة. وتحدثت تلك المصادر عن سيرته وأخلاقه وشهرته بين أهل مكة بالصدق والأمانة، فلقبوه الأمين، وتحدثت أيضاً عن تجنبه مشاركة أطفال مكة وشبابها في لهوهم وعبثهم، وتجنبه مشاركة قومه في عبادتهم ومعتقداتهم، وعن عادته فـــي الاختلاء بنفــــسه فــي غــــار حـراء للعبادة، بعيداً عن مشاغل الحياة اليومية.

ومن هنا نردُّ على الكاتب دعوى صعوبة الحصول على معلومات تاريخية متسلسلة عن حياة محمد صلى اللَّه عليه وسلم في المرحلة الأولى من حياته في مكة، لأنها دعوى لا أساس لها من الصحة.

التقليل من شرف نسب النبي صلى الله عليه و سلم :

هنا أيضا تجاهل الكاتب مصادر السيرة النبوية الصحيحة واعتمد على إشارات عابرة وجدها في أبيات شعرية.

واستشهد بقوله تعالى : { وَقَالُوا لَولا نُزِّلَ هَذَا القُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ القَرْيَتَيْن عَظِيم }.

وحكم على عائلة بني هاشم بأنها لا تبلغ إلى أن تقارن في الشرف بالعائلات القرشية ذات الشرف العالي كبني أمية، وبني مخزوم.

وقال : إن والده صلى الله عليه و سلم شخصية مغمورة، وشك في أن يكون سمي باسم عبد اللَّه قبل الإسلام.

وقال : إن جده صلى الله عليه و سلم سمي باسمين : شيبة، وعبد المطلب، وقال : إن العلاقة بين هذين الاسمين غامضة كغموض علاقتهما بعائلتي بني شيبة وبني المطلب.

وقال : من جهة أمه كانت له علاقات غير واضحة وضوحاً تاماً بالمدينة ( يثرب ). وختم بقوله ونحن نعرف القليل جداً ـ مما هو موثق ـ عن نسبه، لأن أعظم ما روي من ذلك متأثر بالأساطير المتأخرة.

وأول ما يجب أن نلاحظه هنا. هو أن الكاتب استخدم أسلوباً تطغى عليه النزعة الشكوكية، وتعمد نشر ظلال الغموض على نسب النبي صلى الله عليه و سلم ، والغريب أنه اكتفى في تقرير انتمائه صلى الله عليه و سلم إلى بني هاشم على أبيات شعرية غير موثقة، وكأن تلك الأشعار هي كل ما يمكن أن يستدل به عــــلى هـــــذه المســــألة الخطرة، فإحالته على الشعر في هذه المسألة، دليل آخر على تجاهله لمصادر الحديث والسيرة النبوية وكتب التاريخ.

وأما قوله تعالى :{ وَقَالُوا لَوْلاَ نُزِّلَ هَذَا القُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِن القَرْيَتَيْنِ عَظِيم } ، فهو إخبار عن قول كفار قريش الذين كفروا بنبوة محمد صلى الله عليه و سلم ثم أخذوا يتعللون بعلل مستمدة من معاييرهم الخاصة، ومنها أن محمداً صلى الله عليه و سلم لم يكن من عظماء القريتين، أي مكة والطائف. واقترحوا أن تنزل النبوة والرسالة على رجل عظيم من إحدى القريتين. هذا باختصار مقصود الآية الكريمة، أوضحناه بإيجاز لنبين أن الآية لا تتعلق بشرف النسب ـ كما ظن الكاتب ـ وإنما تتعلق بالمركز الاجتماعي والزعامة القبلية التي ترتكز عند الجاهليين على كثرة المال والسيادة في أوساط القبيلة.

وهذا الإصرار على التقليل من شرف نسبه صلى الله عليه و سلم مخالف للحقيقة والواقع، فبنوهاشم في الذروة من قريش نسباً وشرفاً. صدع أبو طالب بهذه الحقيقة في مجمع حافل بسادات قريش فما نازعه فيها منازع، وذلك في خطبة النكاح التي ألقاها في حفل إعلان زواج النبي صلى الله عليه و سلم من خديجة ـ رضي اللَّه عنها ـ إذ قال :" ثم إن ابن أخي هذا لا يوزن به رجل من قريش شرفاً و نبلاً وفضلاً إلاَّ رجح به، وهو إن كان في المال قل، فإن المال ظل زائل، وأمر حائل، وعارية مسترجعة، ومحمد من عرفتم قرابته ".

وأقر أبو سفيان أيضاً وكان من أعداء النبي صلى الله عليه و سلم بهذه الحقيقة، أي بعلوّ نسبه صلى الله عليه و سلم أمام امبراطور الروم، وذلك حين سأله هرقل :> كيف نسبه فيكم ؟ فأجاب أبو سفيان هوفينا ذو نسب. فقال هرقل : فكذلك الرسل تبعث في نسب قومها<.

وفي صحيح البخاري، باب مبعث النبي صلى الله عليه و سلم سَرْدٌ لنسبه الشريف متصلاً إلى معد بن عدنان. وهذا الجزء من نسبه متفق عليه بين علماء الأنساب. واتفقوا كذلك على أن نسبه ينتهي إلى إسماعيل بن إبراهيم ـ عليهما السلام ـ فهو جده الأعلى، وإن كانوا مختلفين في الحلقات الواصلة بين معد بن عدنان وإسماعيل.

وفي صحيح مسلم أن النبي ـ صلى اللَّه عليه وسلم ـ قال : > إن اللَّه اصطفى كنانة من ولد إسماعيل ، واصطفى من كنانة قريشاً، واصطفى من قريش بني هاشم واصطفاني من بني هاشم.

فبأي مقياس علمي سمح الكاتب لنفسه أن يتجاهل هذه النصوص الصحيحة والأدلة القوية الساطعة، على شرف نسبه صلى الله عليه و سلم ، وأن يصدر أحكاماً خطرة بلا دليل ولا حجة ؟ .

وأما دعواه بأن والده صلى الله عليه و سلم كان شخصية مغمورة، فليس لها أي تأثير سلبي على شرف نسبه ولا على نبوته.

ويبدو أن الكاتب كان يتصور أن النبوة شكل من أشكال الزعامة السياسية، وأن النبي ينبغي أن يكون من أسرة ذات زعامة ونفوذ سياسي. ثم إن والد النبي صلى الله عليه و سلم توفي وهو ابن خمس وعشرين سنة أي في المرحلة الأولى من شبابه، ولو امتد به العمر لكان من الممكن أن يحل محل والده في زعامة العائلة الهاشمية، وإذن لكان من سادات قريش وشيوخها من ذوي الشهرة الواسعة.

وأما شكه في أن يكون والده صلى الله عليه و سلم سمي عبد اللَّه، ودعواه أن هذا الاسم أطلق عليه بعد الإسلام، فلا أساس له، لأن مصادر الحديث والسيرة والتاريخ متفقة عليه، ولم يذكر عن أحد من علماء التاريخ والأنساب أنه تردد في ذلك أو أبدى أدنى شك فيه.

وأما ما ذكره من الغموض في العلاقة بين الاسمين اللذين سمي بهما جد النبي صلى الله عليه و سلم ، وهما شيبة وعبد المطلب، فيرجع إلى قلة معلوماته. لأن الأمر في ذلك سهل واضح، وذلك أن الرجل سمي في أول حياته شيبة، وهو اسمه الأول، ثـــــم لقـــــب بــــعبد المطلب، وغلب عليه لقبه، والمؤرخون وكتاب السيرة يعلمون ذلك، ويعلمون أنه لا غموض فيه.

وأما دعواه بأن صلة نسبه صلى الله عليه و سلم ، من جهة أمه بالمدينة (يثرب) ليست واضحة، فترجع كذلك إلى قلة معلوماته، أو إلى تجاهل المعلومات المذكورة في كتب السيرة والتاريخ.

ولعله استند في رأيه هذا إلى ما وجده في كتب السيرة من إشارة إلى أن أخواله صلى الله عليه و سلم هم بنو النجار، أحد أحياء يثرب، وظن أن أمه لها علاقة عائلية مباشرة بالمدينة، وهذا غير صحيح. فأمه صلى الله عليه و سلم هـــــي آمنـــة بنت وهب، من بني زهرة القرشيين، وتجتمع مع زوجها عبد اللَّه في جدهما الأعلى كلاب، فهي قرشية خالصة.

وأما صلة نسبه صلى الله عليه و سلم بالمدينة، فهي آتية من أم جده عبد المطلب، وهي سلمى بنت عمرو النجارية، التي تزوج بها هاشم بن عبد مناف، والد عبد المطلب. وكان هاشم رجلاً تاجراً كثير المال، يكثر من الأسفار بين مكة والشام. وفي سفر من أسفاره نزل بالمدينة، فرأى سلمى النجارية فأعجب بها فتزوجها، وولدت له عبد المطلب فسمته شيبة
تابع مولده (ص)
رأي الكاتِبَيْن في اسم النبي صلى الله عليه و سلم :

بعد أن أشارإلى ما تناقلته مصادر السيرة عن شهرة النبي صلى الله عليه و سلم بلقب "الأمين" الذي لقب به اعترافاً وتأكيداً لما كان يتحلى به، قبل بعثته من الأخلاق الحميدة، وفي مقدمتها الصدق والأمانة، أراد صاحب هذا البحث أن يستبعد عنه صلى الله عليه و سلم هذه الفضيلة، وهذا الاعتراف، فصرف هذا اللقب المحمود إلى دلالة اسمية عارية من كل فضيلة، فزعم أن لقبه " الأمين" هو اسمه الذي كان سمي به أول الأمر، ودليله على هذه الدعوى هو أن لفظ الأمين يلتقي في الاشتقاق الصرفي مع لفظ " آمنة " اسم أمه صلى الله عليه و سلم ، فلفظ الأمين للمذكر، ولفظ آمنة للمؤنـت، وقـال : إن مثـل هـذا وجـد فـي اللغـة الحميريــة. ففيهــا لفــظ " محمدة " للمؤنث، ومحمد للمذكر.

إن مثل هذا الافتراض البعيد الذي لا يرتكز على أي دليل صحيح، لا يلجأ إليه إلا في حال انعدام المعلومات الصحيحة الثابتة. أما والأدلة القوية الثابتة متوفرة. فلا يجوز تجاهلها والاسترسال مع الظن والتخمين.

إن صاحب هذا المبحث تجاهل ما ثبت بنص القرآن والحديث الصحيح، وأنكر ماصح من حقائق التاريخ وأجمعت عليه كتب السيرة، وسلم به العدو والصديق، والقريب والبعيد.

ففي القرآن الكريم :{ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّه والذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُم }.

وفيه كذلك : { وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُـمْ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ }.

ولا نحتاج إلى الإطالة بعرض الأدلة من القرآن والحديث على قضية لا تحتاج إلى إثبات، ولكننا نحب أن نذكر الكاتب بما في التواراة والإنجيل من أدلة واضحة. لقد بشر كل من سيدنا موسى وسيدنا عيسى، عليهما السلام، ببعثة محمد صلى الله عليه و سلم ووقع التحريف في نسخ التوراة والإنجيل وحذف منهما اسم " محمد "، إلا توراة السامرة وإنجيل برنابا الذي كان موجوداً قبل الإسلام، وحرم تداوله من آخر القرن الخامس الميلادي. وقد أيدته المخطوطات التي عثر عليها في منطقة البحر الميت حديثاً.

فقد جاء في إنجيل برنابا العبارات المصرحة باسم ـ النبي ـ محمد ـ مثل ما جاء في الإصحاح الواحد والأربعين منه. ونص العبارة :" فاحتجب اللَّه وطردهما الملك ميخائيل من الفردوس، فلما التفت آدم رأى مكتوباً فوق الباب :" لا إله إلا اللَّه محمد رسول اللَّه".

وفي موضع آخر منه هذه العبارة : " أجاب التلاميذ : يامعلم، من عسى أن يكون ذلك الرجل الذي تتكلم عنه الذي سيأتي إلى العالم ؟ أجاب يسوع بابتهاج قلب : إنه محمـد رسول اللَّه" .

أمام هذه الأدلة الواضحة التي تجاهلها كاتبا مادة "محمد نبي الإسلام" في الموسوعة الإسلامية. نستطيع أن نقول : إن الكاتبين كتبا هذه المادة تحت تأثير رغبة قوية في نشر ظلال الشك والغموض على حياة النبي صلى الله عليه و سلم من جميع الجوانب، لذلك لم يسلم حتى اسمه من شكوكهما. وإذا جاريناهما في شكوكهما، فإننا ننتهي إلى أن شيئاً من حياة النبي صلى الله عليه و سلم غير صحيح، وأنها حياة يلفها الغموض من كل جانب. وهذا موقف غير سليم.

إنكار أحداث الإرهاص بالنبوة :

وقعت للنبي صلى الله عليه و سلم أحداث فريدة في طفولته، فهمت على أنها تمهيد وإعداد لأمر عظيم سيكون له في مستقبل حياته، منها : شق صدره، صلى الله عليه و سلم عندما كان رضيعاً في بادية بني سعد، ومنها لقاؤه ببحيرا الراهب الذي أخبره بنبوته المنتظرة، ومنها مشاركته في بناء الكعبة، وما وقع أثناءها عندما وضع إزاره على كتفه فانكشفت عورته، فسقط مغمى عليه، وكان كشف العورة في الجاهلية أمراً مألوفاً. هذه الأحداث المشهورة التي تناقلتها كتب السيرة والتاريخ والحديث، وقف منها صاحبا مبحث " محمد نبي الإسلام " في الموسوعة الإسلامية موقف الإنكار التام.

إنكار شق الصدر :

أما شق صدره صلى الله عليه و سلم فقد أنكراه بدعوى أنه من غرائب الطبيعة، وأنه غير ممكن في العادة.وقالا : إن من الحكمة تنحية قصة شق الصدر جانباً، واستندا في موقفهما على رأي مستشرق آخر اسمه (بيركلاند) ذهب فيه إلى أن هذه القصة ما هي إلا تجسيد وتشخيص لمعنى قوله تعالى { أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ }.

هكذا أبى الكاتبان، ومعهما جماعة من المستشرقين، إلا أن يزنوا كل أحداث حياة النبي صلى الله عليه و سلم بميزان الواقع البشري المألوف، أو بعبارة أخرى بميزان الفكر المادي الوضعي الذي لا يقبل أي صلة بالغيبيات والروحانيات، حتى ولو كان الأمر يتعلق بحياة الأنبياء، ولا يدري هؤلاء أن استخدام هذا الميزان يبطل معجزات الأنبياء جميعاً، بما فيهم موسى وعيسى عليهما السلام.

والحق أن حادث شق الصدر من الخوارق ،ولكن خرق العادة وقوانين الطبيعة، موجود متكرر في سير الأنبياء يجريه اللَّه على أيديهم لحكمة يريدها. ولقد كانت ولادة عيسى وطفولته وسيرته ستاراً لأمور خارقة، فهو مولود بلا أب، وتكلم في المهد صبياً، ووقعت لموسى في طفولته أمور غريبة كذلك، فليس من التحقيق العلمي أن توزن أحداث حياة الأنبياء بمقاييس الفكر المادي الوضعي وحدها.

ومن قال من المستشرقين إن قصة شق الصدر تشخيص من المفسرين لقوله تعالى :{ أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ } فقد أخطأ، لأن شرح الصدر غير شقه، ثم إن المفسرين لم يربطوا بين المعنيين.

وبالرجوع إلى كتب الحديث النبوي الشريف، نجد أن حديث شق الصدر جاء بأسانيد صحيحة. فقد رواه أبو نعيم في دلائل النبوة، وأخرجه مسلم في صحيحه، والإمام أحمد في مسنده، وابن سعد في طبقات الصحابة، عن أنس رضي اللَّه عنه، أن النبي صلى الله عليه و سلم أتاه جبريل وهو يلعب مع الغلمان فأخذه فصرعه، فشق عن قلبه واستخرج منه علقة. فقال : هذا حظ الشيطان منك، ثم غسله في طست من ذهب بماء زمزم، ثم لأَمَهُ، ثم أعاده إلى مكانه. وجاء الغلمان يسعون إلى أمه، يعني مرضعته، أن محمداً قد قتل، فاستقبلوه وهو منتقع اللون ".

وللحديث شواهد كثيرة، فقد أخرجه الحاكم في المستدرك، وصححه، ووافقه الذهبي.

قال الحافظ بن حجر، بعد أن عرض لذكر الروايات الدالة على شق الصدر وتكرره :" وجميع ما ورد من شق الصدر، واستخراج القلب، وغير ذلك من الأمور الخارقة للعادة، مما يجب التسليم به دون التعرض لصرفه عن حقيقته، لصلاحية القدرة الإلهية، فلا يستحيل شيء من ذلك."

ولا شك أن التطهير من حظ الشيطان إرهاص مبكر بالنبوة. وإعداد للعصمة من الشر ومن عبادة غير اللَّه. وقد دلت أحداث صباه صلى الله عليه و سلم ، على تحقق ذلك، فلم يرتكب إثماً، ولم يسجد لصنم بالرغم من شيوع ذلك في قومه.

إن نفي المعجزات الحسية الثابتة بالنقل الصحيح، إنما هو في الحقيقة خضوع وانصياع للفكر المادي والفلسفات الوضعية. وسير الأنبياء ووقائع حياتهم وخصائصهم وروابطهم لا توزن بميزان الفكر المادي وحده.

إنكار رحلاته صلى الله عليه و سلم التجارية :

ذهب الكاتبان في الموسوعة الإسلامية، إلى أن من الحكمة كذلك تنحية رحلات النبي صلى الله عليه و سلم التجارية ( المزعومة) إلى الشام، وعمَّمَا حكمهما على رحلته الأولى حين كان طفلاً في كفالة عمه أبي طالب، وعلى رحلاته حين كان يعمل في تجارة زوجه خديجة ـ رضي اللَّه عنها ـ واستند الكاتبان في موقفهما إلى أن محور تلك الرحلات هو إخبار راهبين نصرانيين بأن محمداً صلى الله عليه و سلم سيبعث نبياً.

واستنكرا موقف بعض الكتاب الغربيين المعاصرين الذين سلموا بصحة تلك الرحلات وانتقدا رأيهم.

ولم يقدم الكاتبان أي دليل على موقفهما، ومن المعلوم الثابت بالعقل والمنطق، أن الإنكار حكم لا يصح إلا بالدليل، تماماً كالإثبات. والكاتبان لم يقدما أي دليل، وكل ما استندا إليه هو كون أخبار الرحلتين أو الرحلات، تدور على محور واحد هو التنبؤ بنبوة محمد صلى الله عليه و سلم .

والواقع أن أسس الحكم على هذه الرحلات، وعلى غيرها من أحداث السيرة النبوية، بالإثبات أو الإنكار، لا ينبني على مجرد الشك والظن، وإنما ينبني على التحقّق من طرق روايتها أولاً، فإن صحت روايتها عند المحققين من علماء الحديث وعلماء التاريخ والسيرة، ثبتت صحتها.

وبالرجوع إلى كتب الحديث، نجد أن قصة سفره صلى الله عليه و سلم مع عمه أبي طالب، وهو صغير السن ولقائه بالراهب النصراني بحيرا، ثابتة في حديث أبي موسى الأشعري، قال : >خرج أبو طالب وخرج معه النبي صلى اللَّه عليه وسلم في أشياخ من قريش، فلما أشرفوا على الراهب هبطوا فحلوا رحالهم، فخرج إليهم الراهب، وكانوا قبل ذلك يسيرون فلا يخرج إليهم ولا يلتفت، قال : فهم يحلون رحالهم، فجعل يتخللهم الراهب حتى جاء فأخذ بيد رسول اللَّه صلى الله عليه و سلم . قال : هذا سيد العالمين، هذا رسول رب العالمين يبعثه اللَّه رحمة للعالمين. فقال له أشياخ قريش : ما علمك؟ فقال : إنكم حين أشرفتم من العقبة لم يبق حجر ولا شجر إلاَّ خَرَّ ساجداً، ولا يسجد إلا لنبي، وإني أعرفه بخاتم النبوة، أسفل من غضروف كتفه مثل التفاحة...<.

والحديث طويل، وقد أخرجه الترمذي في المناقب : باب ما جاء في بدء النبوة، وقال حسن غريب. وأخرجه الحاكم في المستدرك، وقال : صحيح على شرط الشيخين، وأخرجه ابن أبي شيبة في المصنف. والماوردي في أعلام النبوة، وأبو نعيم في دلائل النبوة، والطبري في تاريخه. وقال ابن حجر في الإصابة : رجاله ثقات.

وأخرجه الذهبي في السيرة النبوية، وقال أظنه موضوعاً وبعضه باطل. والعلة التي جعلت الذهبي يذهب إلى هذا الظن هي ذكر بلال مؤذن رسول اللَّه وأبي بكر في آخر متن الحديث.

وحل العلماء هذا الإشكال بقولهم إن ذكر هذين الصحابِيَّيْنِ في الحديث وَهْمٌ وقع فيه بعض الرواة. ذكر ذلك الحافظ بن حجر وأيده ابن قيم الجوزية في زاد المعاد. وصححه في العصر الحديث الشيخ الألباني.

والخلاصة أن سند الحديث صحيح ورجاله ثقات. وذكر أبي بكر وبلال فيه غلط واضح.

إنكار مشاركة النبي صلى الله عليه و سلم في إعادة بناء الكعبة :

زعم الكاتبان أن من الواجب أن ينظر إلى خبر مشاركته صلى الله عليه و سلم في إعادة بناء الكعبة بالقليل من الثقة، لكنهما لم يذكرا أي سبب أو علة للشك في هذا الحدث. ولعلهما هنا أيضا أحبا أن ينكرا الخبر، أو على الأقل، أن ينشرا عليه ظلال الشك،لأنه خبر اشتمل ـ كما سترى في الحديث ــ على ذكر معلــــــومات، يستـــفـاد مــــنهـا أن محمـداً صلى الله عليه و سلم كـان ـ قبل البعثة ـ محاطاً بعناية ربانية خاصة تحفظه من سلوك الجاهليين المذموم.

وحديث مشاركته صلى الله عليه و سلم في بناء الكعبة أخرجه الطبراني في الكبير بطوله، وأخرج الإمام أحمد طرفاً منه في مسنده، من طريق ابن الطفيل. جاء في المقطع الأخير من الحديث.." فبينما النبي صلى الله عليه و سلم يحمل حجارة من أجناد، وعليه نمرة، فضاقت عليه النمرة، فذهب يضع النمرة على عاتقه فترى عورته من صغر النمرة، فنودي : يا محمد : خمر عورتك، فلم ير عرياناً بعد ذلك، وكان بين بناء الكعبة وبين ما أنزل عليه، خمس سنين."

وفي رواية عن جابر بن عبد اللَّه ـ رضي اللَّه عنه ـ أن رسول اللَّه صلى الله عليه و سلم كان ينقل معهم الحجارة للكعبة، وعليه إزاره، فقال له العباس عمه : يا ابن أخي لو حللت إزارك فجعلته على منكبك دون الحجارة، قال فحله فجعله على منكبه. قال فسقط مغشياً عليه، فما رؤي بعد ذلك عرياناً.

إذا علمنا صحة الحديث المتعلق بخبر مشاركته صلى الله عليه و سلم في بناء الكعبة، ظهر جلياً أنه لا وزن لإنكار المنكرين، ولا قيمة لشكوكهم، لأن الشك الذي لا يقوم على أسباب واضحة لا يلتفت إليه.
مبعث المصطفى
وكان الله تبارك وتعالى قد أخذ الميثاق على كل نبي بعثه قبله بالإيمان به والتصديق له والنصر له على من خالفه وأخذ عليهم أن يؤدوا ذلك إلى كل من آمن بهم وصدقهم فأدوا من ذلك ما كان عليهم من الحق فيه . يقول الله تعالى لمحمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه قال أأقررتم وأخذتم على ذلكم إصري أي ثقل ما حملتكم من عهدي قالوا أقررنا قال فاشهدوا وأنا معكم من الشاهدين فأخذ الله ميثاق النبيين جميعا بالتصديق له والنصر له ممن خالفه وأدوا ذلك إلى من آمن بهم وصدقهم من أهل هذين الكتابين .

[ أول ما بدئ به الرسول صلى الله عليه وسلم الرؤيا الصادقة ]
قال ابن إسحاق : فذكر الزهري عن عروة بن الزبير ، عن عائشة رضي الله عنها أنها حدثته أن أول ما بدئ به رسول الله صلى الله عليه وسلم من النبوة حين أراد الله كرامته ورحمة العباد به الرؤيا الصادقة لا يرى رسول الله صلى الله عليه وسلم رؤيا في نومه إلا جاءت كفلق الصبح قالت وحبب الله تعالى إليه الخلوة فلم يكن شيء أحب إليه من أن يخلو وحده .

[ تسليم الحجارة والشجر عليه صلى الله عليه وسلم ]
قال ابن إسحاق : وحدثني عبد الملك بن عبيد الله بن أبي سفيان بن العلاء بن جارية الثقفي ، وكان واعية عن أهل العلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أراده الله بكرامته وابتدأه بالنبوة كان إذا خرج لحاجته أبعد حتى تحسر عنه البيوت ويفضي إلى شعاب مكة وبطون أوديتها ، فلا يمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بحجر ولا شجر إلا قال السلام عليك يا رسول الله .
قال فيلتفت رسول الله صلى الله عليه وسلم حوله وعن يمينه وشماله وخلفه فلا يرى إلا الشجر والحجارة . فمكث رسول الله صلى الله عليه وسلم كذلك يرى ويسمع ما شاء الله أن يمكث ثم جاءه جبريل عليه السلام بما جاءه من كرامة الله وهو بحراء في شهر رمضان .

[ ابتداء نزول جبريل عليه السلام ]
قال ابن إسحاق : وحدثني وهب بن كيسان مولى آل الزبير . قال سمعت عبد الله بن الزبير وهو يقول لعبيد بن عمير بن قتادة الليثي حدثنا يا عبيد ، كيف كان بدء ما ابتدئ به رسول الله صلى الله عليه وسلم من النبوة حين جاءه جبريل عليه السلام ؟ قال فقال عبيد - وأنا حاضر يحدث عبد الله بن الزبير ومن عنده من الناس - : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجاور في حراء من كل سنة شهرا ، وكان ذلك مما تحنث به قريش في الجاهلية . والتحنث التبرز . قال ابن إسحاق : وقال أبو طالب

وثور ومن أرسى ثبيرا مكانه

وراق ليرقى في حراء ونازل

قال ابن هشام : تقول العرب : التحنث والتحنف يريدون الحنفية فيبدلون الفاء من الثاء كما قالوا : جدث وجدف يريدون القبر .

قال رؤبة بن العجاج :

لو كان أحجاري مع الأجداف


يريد الأجداث . وهذا البيت في أرجوزة له . وبيت أبي طالب في قصيدة له سأذكرها إن شاء الله في موضعها .

قال ابن هشام : وحدثني أبو عبيدة أن العرب تقول فم ، في موضع ثم يبدلون الفاء من الثاء .

قال ابن إسحاق : وحدثني وهب بن كيسان قال قال عبيد : فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجاور ذلك الشهر من كل سنة يطعم من جاءه من المساكين فإذا قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم جواره من شهره ذلك كان أول ما يبدأ به إذا انصرف من جواره الكعبة ، قبل أن يدخل بيته فيطوف بها سبعا أو ما شاء الله من ذلك ثم يرجع إلى بيته حتى إذا كان الشهر الذي أراد الله تعالى به فيه ما أراد من كرامته من السنة التي بعث الله تعالى فيها ; وذلك الشهر ( شهر ) رمضان خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى حراء ، كما كان يخرج لجواره ومعه أهله حتى إذا كانت الليلة التي أكرمه الله فيها برسالته ورحم العباد بها ، جاءه جبريل عليه السلام بأمر الله تعالى .

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاءني جبريل وأنا نائم بنمط من ديباج فيه كتاب فقال اقرأ قال قلت : ما أقرأ ؟ قال فغتني به حتى ظننت أنه الموت ثم أرسلني فقال اقرأ قال قلت : ما أقرأ ؟ قال فغتني به حتى ظننت أنه الموت ثم أرسلني ، فقال اقرأ قال قلت : ماذا أقرأ ؟ قال فغتني به حتى ظننت أنه الموت ثم أرسلني ، فقال اقرأ قال فقلت : ماذا أقرأ ؟ ما أقول ذلك إلا افتداء منه أن يعود لي بمثل ما صنع بي ، فقال اقرأ باسم ربك الذي خلق خلق الإنسان من علق اقرأ وربك الأكرم الذي علم بالقلم علم الإنسان ما لم يعلم قال فقرأتها ثم انتهى فانصرف عني وهببت من نومي ، فكأنما كتبت في قلبي كتابا . قال فخرجت حتى إذا كنت في وسط من الجبل سمعت صوتا من السماء يقول يا محمد أنت رسول الله وأنا جبريل قال فرفعت رأسي إلى السماء أنظر فإذا جبريل في صورة رجل صاف قدميه في أفق السماء يقول يا محمد أنت رسول الله وأنا جبريل . قال فوقفت أنظر إليه فما أتقدم وما أتأخر وجعلت أصرف وجهي عنه في آفاق السماء قال فلا أنظر في ناحية منها إلا رأيته كذلك فما زلت واقفا ما أتقدم أمامي وما أرجع ورائي حتى بعثت خديجة رسلها في طلبي ، فبلغوا أعلى مكة ورجعوا إليها وأنا واقف في مكاني ذلك ثم انصرف عني

[ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقص على خديجة ما كان من أمر جبريل معه ]
وانصرفت راجعا إلى أهلي حتى أتيت خديجة فجلست إلى فخذها مضيفا إليها : فقالت يا أبا القاسم أين كنت ؟ فوالله لقد بعثت رسلي في طلبك حتى بلغوا مكة ورجعوا لي ، ثم حدثتها بالذي رأيت فقالت أبشر يا ابن عم واثبت فوالذي نفس خديجة بيده إني لأرجو أن تكون نبي هذه الأمة

[ خديجة بين يدي ورقة تحدثه حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ]
ثم قامت فجمعت عليها ثيابها ، ثم انطلقت إلى ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزى بن قصي ، وهو ابن عمها ، وكان ورقة قد تنصر وقرأ الكتب وسمع من أهل التوراة والإنجيل ، فأخبرته بما أخبرها به رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه رأى وسمع فقال ورقة بن نوفل : قدوس قدوس والذي نفس ورقة بيده لئن كنت صدقتيني يا خديجة لقد جاءه الناموس الأكبر الذي كان يأتي موسى ، وإنه لنبي هذه الأمة فقولي له فليثبت . فرجعت خديجة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته بقول ورقة بن نوفل ، فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم جواره وانصرف صنع كما كان يصنع بدأ بالكعبة فطاف بها ، فلقيه ورقة بن نوفل وهو يطوف بالكعبة فقال يا ابن أخي أخبرني بما رأيت وسمعت فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له ورقة والذي نفسي بيده إنك لنبي هذه الأمة ولقد جاءك الناموس الأكبر الذي جاء موسى ولتكذبنه ولتؤذينه ولتخرجنه ولتقاتلنه ولئن أنا أدركت ذلك اليوم لأنصرن الله نصرا يعلمه ثم أدنى رأسه منه فقبل يافوخه ثم انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى منزله .

[ امتحان خديجة برهان الوحي ]
قال ابن إسحاق : وحدثني إسماعيل بن أبي حكيم مولى آل الزبير : أنه حدث عن خديجة رضي الله عنها أنها قالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم أي ابن عم أتستطيع أن تخبرني بصاحبك هذا الذي يأتيك إذا جاءك ؟ قال نعم . قالت فإذا جاءك فأخبرني به . فجاءه جبريل عليه السلام كما كان يصنع فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لخديجة يا خديجة هذا جبريل قد جاءني ، قالت قم يا ابن عم فاجلس على فخذي اليسرى ; قال فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فجلس عليها ، قالت هل تراه ؟ قال نعم قالت فتحول فاجلس على فخذي اليمنى ; قالت فتحول رسول الله صلى الله عليه وسلم فجلس على فخذها اليمنى ، فقالت هل تراه ؟ قال نعم . قالت فتحول فاجلس في حجري ، قالت فتحول رسول الله صلى الله عليه وسلم فجلس في حجرها . قالت هل تراه ؟ قال نعم قال فتحسرت وألقت خمارها ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس في حجرها ، ثم قالت له هل تراه ؟ قال لا ، قالت يا ابن عم اثبت وأبشر فوالله إنه لملك وما هذا بشيطان

قال ابن إسحاق : وقد حدثت عبد الله بن حسن هذا الحديث فقال قد سمعت أمي فاطمة بنت حسين تحدث بهذا الحديث عن خديجة إلا أني سمعتها تقول أدخلت رسول الله صلى الله عليه وسلم بينها وبين درعها ، فذهب عند ذلك جبريل فقالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم إن هذا لملك وما هو بشيطان

ابتداء تنزيل القرآن
قال ابن إسحاق : فابتدئ رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتنزيل في شهر رمضان بقول الله عز وجل شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان .

وقال الله تعالى : إنا أنزلناه في ليلة القدر وما أدراك ما ليلة القدر ليلة القدر خير من ألف شهر تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر سلام هي حتى مطلع الفجر

وقال الله تعالى : حم والكتاب المبين إنا أنزلناه في ليلة مباركة إنا كنا منذرين فيها يفرق كل أمر حكيم أمرا من عندنا إنا كنا مرسلين .

وقال تعالى : إن كنتم آمنتم بالله وما أنزلنا على عبدنا يوم الفرقان يوم التقى الجمعان وذلك ملتقى رسول الله صلى الله عليه وسلم والمشركين ببدر .

قال ابن إسحاق : وحدثني أبو جعفر محمد بن علي بن حسين : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم التقى هو والمشركون ببدر يوم الجمعة صبيحة سبع عشرة من رمضان .

قال ابن إسحاق : ثم تتام الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم . وهو مؤمن بالله مصدق بما جاءه منه قد قبله بقبوله وتحمل منه ما حمله على رضا العباد وسخطهم والنبوة أثقال ومؤنة لا يحملها ولا يستطيع بها إلا أهل القوة والعزم من الرسل بعون الله تعالى وتوفيقه لما يلقون من الناس وما يرد عليهم مما جاءوا به عن الله سبحانه وتعالى . قال فمضى رسول الله صلى الله عليه وسلم على أمر الله على ما يلقى من قومه من الخلاف والأذى .

إسلام خديجة بنت خويلد
وآمنت به خديجة بنت خويلد ، وصدقت بما جاءه من الله ووازرته على أمره وكانت أول من آمن بالله وبرسوله وصدق بما جاء منه . فخفف الله بذلك عن نبيه صلى الله عليه وسلم لا يسمع شيئا مما يكرهه من رد عليه وتكذيب له فيحزنه ذلك إلا فرج الله عنه بها إذا رجع إليها ، تثبته وتخفف عليه وتصدقه وتهون عليه أمر الناس رحمها الله تعالى .

[ فترة الوحي ونزول سورة الضحى ]
قال ابن إسحاق : ثم فتر الوحي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فترة من ذلك حتى شق ذلك عليه فأحزنه فجاءه جبريل بسورة الضحى ، يقسم له ربه وهو الذي أكرمه بما أكرمه به ما ودعه وما قلاه فقال تعالى : والضحى والليل إذا سجى ما ودعك ربك وما قلى يقول ما صرمك فتركك ، وما أبغضك منذ أحبك .

وللآخرة خير لك من الأولى أي لما عندي من مرجعك إلي خير لك مما عجلت لك من الكرامة في الدنيا . ولسوف يعطيك ربك فترضى من الفلج في الدنيا ، والثواب في الآخرة .

ألم يجدك يتيما فآوى ووجدك ضالا فهدى ووجدك عائلا فأغنى يعرفه الله ما ابتدأه به من كرامته في عاجل أمره ومنه عليه في يتمه وعيلته وضلالته واستنقاذه من ذلك كله برحمته .
الرسول والدعوة
ذكر أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أول ذكر أسلم
قال ابن إسحاق : ثم كان أول ذكر من الناس آمن برسول الله صلى الله عليه وسلم وصلى معه وصدق بما جاءه من الله تعالى : علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم ، رضوان الله وسلامه عليه وهو يومئذ ابن عشر سنين .

[ نشأته في حجر الرسول صلى الله عليه وسلم وسبب ذلك ]

وكان مما أنعم الله ( به ) على علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه كان في حجر رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل الإسلام .

قال ابن إسحاق : وحدثني عبد الله بن أبي نجيح ، عن مجاهد بن جبر أبي الحجاج قال كان من نعمة الله على علي بن أبي طالب ، ومما صنع الله له وأراده به من الخير أن قريشا أصابتهم أزمة شديدة وكان أبو طالب ذا عيال كثير : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للعباس عمه وكان من أيسر بني هاشم يا عباس إن أخاك أبا طالب كثير العيال وقد أصاب الناس ما ترى من هذه الأزمة فانطلق بنا إليه فلنخفف عنه من عياله آخذ من بنيه رجلا ، وتأخذ أنت رجلا ، فنكلهما عنه فقال العباس نعم . فانطلقا حتى أتيا أبا طالب فقالا له إنا نريد أن نخفف عنك من عيالك حتى ينكشف عن الناس ما هم فيه فقال لهما أبو طالب إذا تركتما لي عقيلا فاصنعا ما شئتما - قال ابن هشام : ويقال : عقيلا وطالبا . فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا ، فضمه إليه وأخذ العباس جعفرا فضمه إليه فلم يزل علي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بعثه الله تبارك وتعالى نبيا ، فاتبعه علي رضي الله عنه وآمن به وصدقه ولم يزل جعفر عند العباس حتى أسلم واستغنى عنه .

[ خروج علي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى شعاب مكة يصليان ووقوف أبي طالب على أمرهما ]

قال ابن إسحاق : وذكر بعض أهل العلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا حضرت الصلاة خرج إلى شعاب مكة ، وخرج معه علي بن أبي طالب مستخفيا من أبيه أبي طالب . ومن جميع أعمامه وسائر قومه فيصليان الصلوات فيها ، فإذا أمسيا رجعا . فمكثا كذلك ما شاء الله أن يمكثا . ثم إن أبا طالب عثر عليهما يوما وهما يصليان فقال لرسول الله صلى الله عليه وسلم يا ابن أخي ما هذا الدين الذي أراك تدين به ؟ قال أي عم هذا دين الله ، ودين ملائكته ودين رسله ودين أبينا إبراهيم - أو كما قال صلى الله عليه وسلم - بعثني الله به رسولا إلى العباد وأنت أي عم أحق من بذلت له النصيحة ودعوته إلى الهدى ، وأحق من أجابني إليه وأعانني عليه أو كما قال فقال أبو طالب أي ابن أخي ، إني لا أستطيع أن أفارق دين آبائي وما كانوا عليه ولكن والله لا يخلص إليك بشيء تكرهه ما بقيت وذكروا أنه قال لعلي أي بني ما هذا الدين الذي أنت عليه ؟ فقال يا أبت آمنت بالله وبرسول الله وصدقته بما جاء به وصليت معه لله واتبعته . فزعموا أنه قال له أما إنه لم يدعك إلا إلى خير فالزمه .

إسلام زيد بن حارثة ثانيا
قال ابن إسحاق : ثم أسلم زيد بن حارثة بن شرحبيل بن كعب بن عبد العزى بن امرئ القيس الكلبي مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان أول ذكر أسلم ، وصلى بعد علي بن أبي طالب .

[ نسبه وسبب تبني رسول الله صلى الله عليه وسلم له ]

قال ابن هشام : زيد بن حارثة بن شراحيل بن كعب بن عبد العزى بن امرئ القيس بن عامر بن النعمان بن عامر بن عبد ود بن عوف بن كنانة بن بكر بن عوف بن عذرة بن زيد اللاتي بن رفيدة بن ثور بن كلب بن وبرة . وكان حكيم بن حزام بن خويلد قدم من الشام برقيق فيهم زيد بن حارثة وصيف فدخلت عليه عمته خديجة بنت خويلد ، وهي يومئذ عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لها : اختاري يا عمة أي هؤلاء الغلمان شئت فهو لك ; فاختارت زيدا فأخذته فرآه رسول الله صلى الله عليه وسلم عندها ، فاستوهبه منها ، فوهبته له فأعتقه رسول الله صلى الله عليه وسلم وتبناه وذلك قبل أن يوحى إليه .

[ شعر حارثة حين فقد ابنه زيدا وقدومه على الرسول صلى الله عليه وسلم يسأله رده عليه ]

وكان أبوه حارثة قد جزع عليه جزعا شديدا ، وبكى عليه حين فقده فقال

بكيت على زيد ولم أدر ما فعل

أحي فيرجى أم أتى دونه الأجل

فوالله ما أدري وإني لسائل

أغالك بعدي السهل أم غالك الجبل

ويا ليت شعري هل لك الدهر أوبة

فحسبي من الدنيا رجوعك لي بجل

تذكرنيه الشمس عند طلوعها

وتعرض ذكراه إذا غربها أفل

وإن هبت الأرواح هيجن ذكره

فيا طول ما حزني عليه وما وجل

سأعمل نص العيس في الأرض جاهدا

ولا أسأم التطواف أو تسأم الإبل

حياتي أو تأتي علي منيتي

فكل امرئ فان وإن غره الأمل


ثم قدم عليه وهو عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم إن شئت فأقم عندي ، وإن شئت فانطلق مع أبيك ، فقال بل أقيم عندك . فلم يزل عند رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بعثه الله فصدقه وأسلم ، وصلى معه فلما أنزل الله عز وجل ادعوهم لآبائهم قال أنا زيد بن حارثة .

إسلام أبي بكر الصديق رضي الله عنه وشأنه
قال ابن إسحاق : ثم أسلم أبو بكر بن أبي قحافة ، واسمه عتيق واسم أبي قحافة عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر .

قال ابن هشام : واسم أبي بكر : عبد الله وعتيق لقب لحسن وجهه وعتقه

قال ابن إسحاق : فلما أسلم أبو بكر رضي الله عنه أظهر إسلامه ودعا إلى الله وإلى رسوله .

وكان أبو بكر رجلا مألفا لقومه محببا سهلا ، وكان أنسب قريش لقريش وأعلم قريش بها ، وبما كان فيها من خير وشر وكان رجلا تاجرا ، ذا خلق ومعروف وكان رجال قومه يأتونه ويألفونه لغير واحد من الأمر لعلمه وتجارته وحسن مجالسته فجعل يدعو إلى الله وإلى الإسلام من وثق به من قومه ممن يغشاه ويجلس إليه .

ذكر من أسلم من الصحابة بدعوة أبي بكر رضي الله عنه
[ إسلام عثمان والزبير وعبد الرحمن وسعد وطلحة ]

قال فأسلم بدعائه - فيما بلغني - عثمان بن عفان بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب والزبير بن العوام بن خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي .

وعبد الرحمن بن عوف بن عبد عوف بن عبد بن الحارث بن زهرة بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي وسعد بن أبي وقاص ، واسم أبي وقاص مالك بن أهيب بن عبد مناف بن زهرة بن مرة بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي ، وطلحة بن عبيد الله بن عثمان بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة بن كعب بن لؤي فجاء بهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حين استجابوا له فأسلموا وصلوا .

وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فيما بلغني : ما دعوت أحدا إلى الإسلام إلا كانت فيه عنده كبوة ونظر وتردد إلا ما كان من أبي بكر بن أبي قحافة ما عكم عنه حين ذكرته له وما تردد فيه .

قال ابن هشام : قوله " بدعائه " عن غير ابن إسحاق .

قال ابن هشام : قوله عكم تلبث قال رؤبة بن العجاج :

وانصاع وثاب بها وما عكم


قال ابن إسحاق : فكان هؤلاء النفر الثمانية الذين سبقوا الناس بالإسلام فصلوا وصدقوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بما جاءه من الله .


[ إسلام أبي عبيدة وأبي سلمة والأرقم وأبناء مظعون وعبيدة بن الحارث وسعيد بن زيد وامرأته وأسماء وعائشة وخباب ]

ثم أسلم أبو عبيدة بن الجراح ، واسمه عامر بن عبد الله بن الجراح بن هلال بن أهيب بن ضبة بن الحارث بن فهر . وأبو سلمة واسمه عبد الله بن عبد الأسد بن هلال بن عبد الله بن عمر بن مخزوم بن يقظة بن مرة بن كعب بن لؤي ، والأرقم بن أبي الأرقم . واسم أبي الأرقم عبد مناف بن أسد - وكان أسد يكنى أبا جندب - بن عبد الله بن عمر بن مخزوم بن يقظة بن مرة بن كعب بن لؤي . وعثمان بن مظعون بن حبيب بن وهب بن حذافة بن جمح بن عمرو بن هصيص بن كعب بن لؤي . وأخواه قدامة وعبد الله ابنا مظعون بن حبيب . وعبيدة بن الحارث بن المطلب بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي .

وسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل بن عبد العزى بن عبد الله بن قرط بن رياح بن رزاح بن عدي بن كعب بن لؤي ; وامرأته فاطمة بنت الخطاب بن نفيل بن عبد العزى بن عبد الله بن قرط بن رياح بن رزاح بن عدي بن كعب بن لؤي ، أخت عمر بن الخطاب .

وأسماء بنت أبي بكر . وعائشة بنت أبي بكر ، وهي يومئذ صغيرة . وخباب بن الأرت ، حليف بني زهرة .

قال ابن هشام : خباب بن الأرت من بني تميم ويقال هو من خزاعة .

[ إسلام عمير وابن مسعود وابن القاري ]

قال ابن إسحاق : وعمير بن أبي وقاص ، أخو سعد بن أبي وقاص . وعبد الله بن مسعود بن الحارث بن شمخ بن مخزوم بن صاهلة بن كاهل بن الحارث بن تميم بن سعد بن هذيل . ومسعود بن القاري وهو مسعود بن ربيعة بن عمرو بن سعد بن عبد العزى بن حمالة بن غالب بن محلم بن عائذة بن سبيع بن الهون بن خزيمة من القارة .

[ شيء عن القارة ]

قال ابن هشام : والقارة : لقب ( لهم ) ولهم يقال

قد أنصف القارة من راماها


وكانوا قوما رماة .

[ إسلام سليط وأخيه وعياش وامرأته وخنيس ، وعامر ]

قال ابن إسحاق : وسليط بن عمرو بن عبد شمس بن عبد ود بن نصر بن مالك بن ( حسل بن ) عامر بن لؤي بن غالب بن فهر : ( وأخوه حاطب بن عمرو ) وعياش بن أبي ربيعة بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم بن يقظة بن مرة بن كعب بن لؤي ، وامرأته أسماء بنت سلامة بن مخربة التميمية . وخنيس بن حذافة بن عدي بن سعد بن سهم بن عمرو بن هصيص بن كعب بن لؤي .

وعامر بن ربيعة ، من عنز بن وائل ، حليف آل الخطاب بن نفيل بن عبد العزى . قال ابن هشام : عنز بن وائل أخو بكر بن وائل ، من ربيعة بن نزار .

[ إسلام ابني جحش وجعفر وامرأته وأولاد الحارث ونسائهم والسائب والمطلب وامرأته ]

قال ابن إسحاق : وعبد الله بن جحش بن رئاب بن يعمر بن صبرة بن مرة بن كبير بن غنم بن دودان بن أسد بن خزيمة . وأخوه أبو أحمد بن جحش ، حليفا بني أمية بن عبد شمس . وجعفر بن أبي طالب ; وامرأته أسماء بنت عميس بن النعمان بن كعب بن مالك بن قحافة ، من خثعم : وحاطب بن الحارث بن معمر بن حبيب بن وهب بن حذافة بن جمح بن عمرو بن هصيص بن كعب بن لؤي ; وامرأته فاطمة بنت المجلل بن عبد الله بن أبي قيس بن عبد ود بن نصر بن مالك بن حسل بن عامر بن لؤي بن غالب بن فهر وأخوه حطاب بن الحارث ; وامرأته فكيهة بنت يسار . ومعمر بن الحارث بن معمر بن حبيب بن وهب بن حذافة بن جمح بن عمرو بن هصيص بن كعب بن لؤي .

والسائب بن عثمان بن مظعون بن حبيب بن وهب . والمطلب بن أزهر بن عبد عوف بن عبد بن الحارث بن زهرة بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي ، وامرأته رملة بنت أبي عوف بن صبيرة بن سعيد ( بن سعد ) بن سهم بن عمرو بن هصيص بن كعب بن لؤي . والنحام ، واسمه نعيم بن عبد الله بن أسيد ، أخو بني عدي بن كعب بن لؤي .
[ إسلام نعيم ونسبه ]

قال ابن هشام : هو نعيم بن عبد الله بن أسيد بن عبد عوف بن عبيد بن عويج بن عدي بن كعب بن لؤي وإنما سمي النحام ، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لقد سمعت نحمه في الجنة

قال ابن هشام : نحمه صوته . ( ونحمه ) : حسه .

[ إسلام عامر بن فهيرة ونسبه ]

قال ابن إسحاق : وعامر بن فهيرة ، مولى أبي بكر الصديق رضي الله عنه . قال ابن هشام : عامر بن فهيرة مولد من مولدي الأسد أسود اشتراه أبو بكر رضي الله عنه منهم .

[ إسلام خالد بن سعيد وامرأته أمينة ]

قال ابن إسحاق : وخالد بن سعيد بن العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي ; وامرأته أمينة بنت خلف بن أسعد بن عامر بن بياضة بن سبيع بن جعثمة بن سعد بن مليح بن عمرو ، من خزاعة . قال ابن هشام ويقال همينة بنت خلف .
تابع ... الرسول والدعوة
[ إسلام حاطب وأبي حذيفة وإسلام واقد وشيء عنه ]

قال ابن إسحاق : وحاطب بن عمرو بن عبد شمسبن عبد ود بن نصر بن مالك بن حسل بن عامر بن لؤي بن غالب بن فهر

وأبو حذيفة ، واسمه مهشم - فيما قال ابن هشام - بن عتبة بن ربيعة بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي . وواقد بن عبد الله بن عبد منافبن عرين بن ثعلبة بن يربوع بن حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تميم ، حليف بني عدي بن كعب .

قال ابن هشام : جاءت به باهلة ، فباعوه من الخطاب بن نفيل ، فتبناه فلما أنزل الله تعالى : ادعوهم لآبائهم قال أنا واقد بن عبد الله ، فيما قال أبو عمرو المدني .

[ إسلام بني البكير وعمار بن ياسر ]

قال ابن إسحاق : وخالد وعامر وعاقل وإياس بنو البكير ابن عبد ياليل بن ناشب بن غيرة بن سعد بن ليث بن بكر بن عبد مناة بن كنانة حلفاء بني عدي بن كعب . وعمار بن ياسر ، حليف بني مخزوم بن يقظة . قال ابن هشام : عمار بن ياسر عنسي من مذحج .

[ إسلام صهيب ونسبه ]

قال ابن إسحاق : وصهيب بن سنان ، أحد النمر بن قاسط ، حليف بني تيم بن مرة .

قال ابن هشام : النمر بن قاسط بن هنب بن أفصى بن جديلة بن أسد بن ربيعة بن نزار ويقال أفصى بن دعمي بن جديلة بن أسد ، ويقال صهيب مولى عبد الله بن جدعان بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم ويقال إنه رومي . فقال بعض من ذكر أنه من النمر بن قاسط ، إنما كان أسيرا في أرض الروم ، فاشتري منهم . وجاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم صهيب سابق الروم

[ خروج الرسول صلى الله عليه وسلم بأصحابه إلى شعاب مكة وما فعله سعد ]
قال ابن إسحاق : وكان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلوا ، ذهبوا في الشعاب فاستخفوا بصلاتهم من قومهم فبينا سعد بن أبي وقاص في نفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في شعب من شعاب مكة ، إذ ظهر عليهم نفر من المشركين وهم يصلون فناكروهم وعابوا عليهم ما يصنعون حتى قاتلوهم فضرب سعد بن أبي وقاص يومئذ رجلا من المشركين بلحي بعير فشجه فكان أول دم أهريق في الإسلام .

[ إظهار قومه صلى الله عليه وسلم العداوة له وحدب عمه أبي طالب عليه ]
قال ابن إسحاق : فلما بادى رسول الله صلى الله عليه وسلم قومه بالإسلام وصدع به كما أمره الله لم يبعد منه قومه ولم يردوا عليه - فيما بلغني - حتى ذكر آلهتهم وعابها ; فلما فعل ذلك أعظموه وناكروه وأجمعوا خلافه وعداوته إلا من عصم الله تعالى منهم بالإسلام وهم قليل مستخفون وحدب على رسول الله صلى الله عليه وسلم عمه أبو طالب ومنعه وقام دونه ومضى رسول الله صلى الله عليه وسلم على أمر الله مظهرا لأمره لا يرده عنه شيء .

فلما رأت قريش ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يعتبهم من شيء أنكروه عليه من فراقهم وعيب آلهتهم ورأوا أن عمه أبا طالب قد حدب عليه وقام دونه فلم يسلمه لهم مشى رجال من أشراف قريش إلى أبي طالب عتبة وشيبة ابنا ربيعة بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب . وأبو سفيان بن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر .

قال ابن هشام : واسم أبي سفيان صخر .

قال ابن إسحاق : وأبو البختري واسمه العاص بن هشام بن الحارث بن أسد بن عبد العزى بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي .

قال ابن هشام : أبو البختري العاص بن هاشم .

قال ابن إسحاق : والأسود بن المطلب بن أسد بن عبد العزى بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي . وأبو جهل - واسمه عمرو ، وكان يكنى أبا الحكم - بن هشام بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم بن يقظة بن مرة بن كعب بن لؤي .

والوليد بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم بن يقظة بن مرة بن كعب بن لؤي . ونبيه ومنبه ابنا الحجاج بن عامر بن حذيفة بن سعد بن سهم بن عمرو بن هصيص بن كعب بن لؤي . والعاص بن وائل .

قال ابن هشام : العاص بن وائل بن هاشم بن سعيد بن سهم بن عمرو بن هصيص بن كعب بن لؤي .

[ وفد قريش مع أبي طالب في شأن الرسول صلى الله عليه وسلم ]
قال ابن إسحاق : أو من مشى منهم . فقالوا : يا أبا طالب إن ابن أخيك قد سب آلهتنا ، وعاب ديننا ، وسفه أحلامنا ، وضلل آباءنا ; فإما أن تكفه عنا ، وإما أن تخلي بيننا وبينه فإنك على مثل ما نحن عليه من خلافه فنكفيكه فقال لهم أبو طالب قولا رفيقا ، وردهم ردا جميلا ، فانصرفوا عنه .

[ استمرار رسول الله صلى الله عليه وسلم في دعوته ورجوع وفد قريش إلى أبي طالب ثانية ]

ومضى رسول الله صلى الله عليه وسلم على ما هو عليه يظهر دين الله ويدعو إليه ثم شرى الأمر بينه وبينهم حتى تباعد الرجال وتضاغنوا ، وأكثرت قريش ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم بينها ، فتذامروا فيه وحض بعضهم بعضا عليه ثم إنهم مشوا إلى أبي طالب مرة أخرى ، فقالوا له يا أبا طالب إن لك سنا وشرفا ومنزلة فينا ، وإنا قد استنهيناك من ابن أخيك فلم تنهه عنا ، وإنا والله لا نصبر على هذا من شتم آبائنا ، وتسفيه أحلامنا ، وعيب آلهتنا ، حتى تكفه عنا ، أو ننازله وإياك في ذلك حتى يهلك أحد الفريقين أو كما قالوا له . ( ثم ) انصرفوا عنه فعظم على أبي طالب فراق قومه وعداوتهم ولم يطب نفسا بإسلام رسول الله صلى الله عليه وسلم لهم ولا خذلانه .

[ طلب أبي طالب إلى الرسول صلى الله عليه وسلم الكف عن الدعوة وجوابه له ]
قال ابن إسحاق : وحدثني يعقوب بن عتبة بن المغيرة بن الأخنس أنه حدث أن قريشا حين قالوا لأبي طالب هذه المقالة بعث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له يا ابن أخي ، إن قومك قد جاءوني ، فقالوا لي كذا وكذا ، للذي كانوا قالوا له فأبق علي وعلى نفسك ، ولا تحملني من الأمر ما لا أطيق قال فظن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قد بدا لعمه فيه بداء أنه خاذله ومسلمه وأنه قد ضعف عن نصرته والقيام معه . قال فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا عم ، والله لو وضعوا الشمس في يميني ، والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر حتى يظهره الله أو أهلك فيه ما تركته قال ثم استعبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فبكى ثم قام فلما ولى ناداه أبو طالب فقال أقبل يا ابن أخي ، قال فأقبل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال اذهب يا ابن أخي ، فقل ما أحببت فوالله لا أسلمك لشيء أبدا .
[ مشي قريش إلى أبي طالب ثالثة بعمارة بن الوليد المخزومي ]
قال ابن إسحاق : ثم إن قريشا حين عرفوا أن أبا طالب قد أبى خذلان رسول الله صلى الله عليه وسلم وإسلامه وإجماعه لفراقهم في ذلك وعداوتهم مشوا إليه بعمارة بن الوليد بن المغيرة ، فقالوا له - فيما بلغني - يا أبا طالب هذا عمارة بن الوليد أنهد فتى في قريش وأجمله فخذه فلك عقله ونصره واتخذه ولدا فهو لك ، وأسلم إلينا ابن أخيك هذا ، الذي قد خالف دينك ودين آبائك ، وفرق جماعة قومك ، وسفه أحلامهم فنقتله فإنما هو رجل برجل فقال والله لبئس ما تسومونني أتعطونني ابنكم أغذوه لكم وأعطيكم ابني تقتلونه هذا والله ما لا يكون أبدا . قال فقال المطعم بن عدي بن نوفل بن عبد مناف بن قصي : والله يا أبا طالب لقد أنصفك قومك ، وجهدوا على التخلص مما تكرهه فما أراك تريد أن تقبل منهم شيئا ; فقال أبو طالب للمطعم والله ما أنصفوني ، ولكنك قد أجمعت خذلاني ومظاهرة القوم علي فاصنع ما بدا لك ، أو كما قال . فحقب الأمر وحميت الحرب وتنابذ القوم وبادى بعضهم بعضا .

تحير الوليد بن المغيرة فيما يصف به القرآن
[ اجتماعه بنفر من قريش ليبيتوا ضد النبي صلى الله عليه وسلم واتفاق قريش أن يصفوا الرسول صلى الله عليه وسلم بالساحر وما أنزل الله فيهم ]

ثم إن الوليد بن المغيرة اجتمع إليه نفر من قريش ، وكان ذا سنيهم وقد حضر الموسم فقال لهم يا معشر قريش ، إنه قد حضر هذا الموسم وإن وفود العرب ستقدم عليكم فيه وقد سمعوا بأمر صاحبكم هذا ، فأجمعوا فيه رأيا واحدا ، ولا تختلفوا فيكذب بعضكم بعضا ، ويرد قولكم بعضه بعضا ; قالوا : فأنت يا أبا عبد شمس ، فقل وأقم لنا رأيا نقول به قال بل أنتم فقولوا أسمع قالوا : نقول كاهن قال لا والله ما هو بكاهن لقد رأينا الكهان فما هو بزمزمة الكاهن ولا سجعه قالوا : فنقول مجنون قال ما هو بمجنون لقد رأينا الجنون وعرفناه فما هو بخنقه ولا تخالجه ولا وسوسته قالوا : فنقول شاعر قال ما هو بشاعر لقد عرفنا الشعر كله رجزه وهزجه وقريضه ومقبوضه ومبسوطه فما هو بالشعر قالوا : فنقول ساحر قال ما هو بساحر لقد رأينا السحار وسحرهم فما هو بنفثهم ولا عقدهم قالوا : فما نقول يا أبا عبد شمس ؟ قال والله إن لقوله لحلاوة ، وإن أصله لعذق وإن فرعه لجناة - قال ابن هشام : ويقال لغدق - وما أنتم بقائلين من هذا شيئا إلا عرف أنه باطل وإن أقرب القول فيه لأن تقولوا ساحر جاء بقول هو سحر يفرق به بين المرء وأبيه وبين المرء وأخيه وبين المرء وزوجته وبين المرء وعشيرته . فتفرقوا عنه بذلك فجعلوا يجلسون بسبل الناس حين قدموا الموسم لا يمر بهم أحد إلا حذروه إياه وذكروا لهم أمره .

فأنزل الله تعالى في الوليد بن المغيرة وفي ذلك من قوله ذرني ومن خلقت وحيدا وجعلت له مالا ممدودا وبنين شهودا ومهدت له تمهيدا ثم يطمع أن أزيد كلا إنه كان لآياتنا عنيدا أي خصيما .

قال ابن هشام : عنيد معاند مخالف . قال رؤبة بن العجاج :

ونحن ضرابون رأس العند


وهذا البيت في أرجوزة له . سأرهقه صعودا إنه فكر وقدر فقتل كيف قدر ثم قتل كيف قدر ثم نظر ثم عبس وبسر

قال ابن هشام : بسر كره وجهه . قال العجاج

مضبر اللحيين بسرا منهسا


يصف كراهية وجهه . وهذا البيت في أرجوزة له ثم أدبر واستكبر فقال إن هذا إلا سحر يؤثر إن هذا إلا قول البشر

[ ما أنزل الله في النفر الذين كانوا مع المغيرة ]
قال ابن إسحاق : وأنزل الله تعالى : في النفر الذين كانوا معه يصنفون القول في رسول الله صلى الله عليه وسلم وفيما جاء به من الله تعالى : كما أنزلنا على المقتسمين الذين جعلوا القرآن عضين فوربك لنسألنهم أجمعين عما كانوا يعملون

. قال ابن هشام : واحدة العضين عضة يقول عضوه فرقوه . قال رؤبة بن العجاج :

وليس دين الله بالمعضى


وهذا البيت في أرجوزة له .

الاسراء والمعراج وعجائب ماراه الرسول
فكان عبدالله بن مسعود - فيما بلغني عنه - يقول ‏‏:‏‏

أُتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بالبراق - وهي الدابة التي كانت تحُمل عليها الأنبياء قبله ، تضع حافرها في منتهى طرفها - فحُمل عليها ، ثم خرج به صاحبه ، يرى الآيات فيما بين السماء والأرض ، حتى انتهى إلى بيت المقدس ، فوجد فيه إبراهيم الخليل وموسى وعيسى في نفر من الأنبياء قد جمُعوا له ، فصلى بهم ‏‏.‏‏ ثم أُتي بثلاثة آنية ، إناء فيه لبن ، وإناء فيه خمر ، وإناء فيه ماء ‏‏.‏‏ قال ‏‏:‏‏ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏‏:‏‏ فسمعت قائلا يقول حين عُرضت علي ‏‏:‏‏ إن أخذ الماء غرق وغرقت أمته ، وإن أخذ الخمر غوى وغوت أمته ، وإن أخذ اللبن هُدي وهديت أمته ‏‏.‏‏ قال ‏‏:‏‏ فأخذت إناء اللبن ، فشربت منه ، فقال لي جبريل عليه السلام ‏‏:‏‏ هُديت وهديت أمتك يا محمد ‏‏.‏‏
الرسول صلى الله عليه وسلم يصعد إلى السماء الأولى ‏‏(‏‏ حديث الخدري عن المعراج ‏‏)‏‏

قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ وحدثني من لا أتهم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أنه قال ‏‏:‏‏ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ‏‏:‏‏ لما فرغت مما كان في بيت المقدس ، أُتي بالمعراج ، ولم أر شيئا قط أحسن منه ، وهو الذي يمد إليه ميتكم عينيه إذا حُضر ، فأصعدني صاحبي فيه ، حتى انتهى بي إلى باب من أبواب السماء ، يقال له ‏‏:‏‏ باب الحفظة ، عليه ملك من الملائكة ، يقال له ‏‏:‏‏ إسماعيل ، تحت يديه اثنا عشر ألف ملك ، تحت يدي كل ملك منهم اثنا عشر ألف ملك - قال ‏‏:‏‏ يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم حين حدث بهذا الحديث ‏‏:‏‏ وما يعلم جنود ربك إلا هو - فلما دُخل بي ، قال ‏‏:‏‏ من هذا يا جبريل ‏‏؟‏‏ قال ‏‏:‏‏ هذا محمد ‏‏.‏‏ قال ‏‏:‏‏ أوقد بعث ‏‏؟‏‏ قال ‏‏:‏‏ نعم ‏‏.‏‏ قال ‏‏:‏‏ فدعا لي بخير ، وقاله ‏‏.‏‏

صفة مالك خازن النار

قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ وحدثني بعض أهل العلم عمن حدثه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أنه قال ‏‏:‏‏ تلقتني الملائكة حين دخلت السماء الدنيا ، فلم يلقني ملك إلا ضاحكا مستبشرا ، يقول ‏خيرا ويدعو به ، حتى لقيني ملك من الملائكة ، فقال مثل ما قالوا ، ودعا بمثل ما دعوا به ، إلا أنه لم يضحك ، ولم أر منه من البشر مثل ما رأيت من غيره ، فقلت لجبريل ‏‏:‏‏ يا جبريل من هذا الملك الذي قال لي كما قالت الملائكة ولم يضحك إلي ، ولم أر منه من البشر مثل الذي رأيت منهم ‏‏؟‏‏ قال ‏‏:‏‏ فقال لي جبريل ‏‏:‏‏ أما إنه لو ضحك إلى أحد كان قبلك ، أو كان ضاحكا إلى أحد بعدك ، لضحك إليك ، ولكنه لا يضحك ، هذا مالك صاحب النار ‏‏.‏‏

من صفات جهنم أعاذنا الله منها

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏‏:‏‏ فقلت لجبريل ، وهو من الله تعالى بالمكان الذي وصف لكم ‏‏(‏‏ مطاع ثم أمين ‏‏)‏‏ ‏‏:‏‏ ألا تأمره أن يُريني النار ‏‏؟‏‏ فقال ‏‏:‏‏ بلى ، يا مالك ، أرِ محمدا النار ‏‏.‏‏ قال ‏‏:‏‏ فكشف عنها غطاءها ، فقال ‏‏:‏‏ ففارت وارتفعت ، حتى ظننت لتأخذن ما أرى ‏‏.‏‏ قال ‏‏:‏‏ فقلت لجبريل ‏‏:‏‏ يا جبريل ، مُرْه فليردها إلى مكانها ‏‏.‏‏ قال ‏‏:‏‏ فأمره ، فقال لها ‏‏:‏‏ اخبي ، فرجعت إلى مكانها الذي خرجت منه ‏‏.‏‏ فما شبَّهت رجوعها إلا وقوع الظل ‏‏.‏‏ حتى إذا دخلت من حيث خرجت رد عليها غطاءها ‏‏.‏‏

عرض الأرواح على آدم عليه السلام ، ‏‏(‏‏ و عود إلى حديث الخدري عن المعراج ‏‏)‏‏

و قال أبو سعيد الخدري في حديثه ‏‏:‏‏ إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ‏‏:‏‏ لما دخلت السماء الدنيا ، رأيت بها رجلا جالسا تُعرض عليه أرواح بني آدم ، فيقول لبعضها إذا عُرضت عليه خيرا ويُسّر به ، ويقول ‏‏:‏‏ روح طيبة خرجت من جسد طيب ؛ ويقول لبعضها إذا عُرضت عليه ‏‏:‏‏ أف ، ويعبس بوجهه ويقول ‏‏:‏‏ روح ‏خبيثة خرجت من جسد خبيث ‏‏.‏‏ قال ‏‏:‏‏ قلت ‏‏:‏‏ من هذا جبريل ‏‏؟‏‏ قال ‏‏:‏‏ هذا أبوك آدم ، تعرض عليه أرواح ذريته ، فإذا مرت به روح المؤمن منهم سر بها ‏‏.‏‏ وقال ‏‏:‏‏ روح طيبة خرجت من جسد طيب ‏‏.‏‏ وإذا مرت به روح الكافر منهم أفَّف منها وكرهها ، وساءه ذلك ، وقال ‏‏:‏‏ روح خبيثة خرجت من جسد خبيث ‏‏.‏‏

صفة أكلة أموال اليتامى ظلما

قال ‏‏:‏‏ ثم رأيت رجالا لهم مشافر كمشافر الإبل ، في أيديهم قطع من نار كالأفهار ، يقذفونها في أفواههم ، فتخرج من أدبارهم ‏‏.‏‏ فقلت ‏‏:‏‏ من هؤلاء يا جبريل ‏‏؟‏‏ قال ‏‏:‏‏ هؤلاء أكلة أمول اليتامى ظلما ‏‏.‏‏

صفة أكلة الربا

قال ‏‏:‏‏ ثم رأيت رجالا لهم بطون لم أر مثلها قط بسبيل آل فرعون ، يمرون عليهم كالإبل المهيومة حين يُعرضون على النار ، يطئونهم لا يقدرون على أن يتحولوا من مكانهم ذلك ‏‏.‏‏ قال ‏‏:‏‏ قلت ‏‏:‏‏ من هؤلاء يا جبريل ‏‏؟‏‏ قال ‏‏:‏‏ هؤلاء أكلة الربا ‏‏.‏‏

صفة الزناة من بني آدم

قال ‏‏:‏‏ ثم رأيت رجالا بين أيديهم لحم ثـمين طيب ، إلى جنبه لحم غث منتن ، يأكلون من الغث المنتن ، ويتركون السمين الطيب ‏‏.‏‏ قال ‏‏:‏‏ قلت ‏‏:‏‏ من هؤلاء يا جبريل ‏‏؟‏‏ قال ‏‏:‏‏ هؤلاء الذين يتركون ما أحل الله لهم من النساء ، ويذهبون إلى ما حرم الله عليهم منهن ‏‏.‏‏ ‏

من نسبت ابنا لزوجها من غيره

قال ‏‏:‏‏ ثم رأيت نساء معلقات بثديهنّ ، فقلت ‏‏:‏‏ من هؤلاء يا جبريل ‏‏؟‏‏ قال ‏‏:‏‏ هؤلاء اللاتي أدخلن على الرجال من ليس من أولادهم ‏‏.‏‏

قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ وحدثني جعفر بن عمرو ، عن القاسم بن محمد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال ‏‏:‏‏ اشتد غضب الله على امرأة أدخلت على قوم من ليس منهم ، فأكل حرائبهم ، واطلع على عوراتهم ‏‏.‏‏

صعوده صلى الله عليه وسلم إلى السماوات الآخرة ، وما رأى منها

ثم رجع إلى حديث أبي سعيد الخدري ، قال ‏‏:‏‏ ثم أصعدني إلى السماء الثانية ، فإذا فيها ابنا الخالة ‏‏:‏‏ عيسى بن مريم ، ويحيى بن زكريا ، قال ‏‏:‏‏ ثم أصعدني إلى السماء الثالثة ، فإذا فيها رجل صورته كصورة القمر ليلة البدر ؛ قال ‏‏:‏‏ قلت ‏‏:‏‏ من هذا يا جبريل ‏‏؟‏‏ قال ‏‏:‏‏ هذا أخوك يوسف ابن يعقوب ‏‏.‏‏ قال ‏‏:‏‏ ثم أصعدني إلى السماء الرابعة ، فإذا فيها رجل فسألته ‏‏:‏‏ ‏من هو ‏‏؟‏‏ قال ‏‏:‏‏ هذا إدريس - قال ‏‏:‏‏ يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏‏:‏‏ ورفعناه مكانا عليا - قال ‏‏:‏‏ ثم أصعدني إلى السماء الخامسة فإذا فيها كهل أبيض الرأس واللحية ، عظيم العثنون ، لم أر كهلا أجمل منه ؛ قالت ‏‏:‏‏ قلت ‏‏:‏‏ من هذا يا جبريل ‏‏؟‏‏ قال هذا المحبَّب في قومه هارون بن عمران ‏‏.‏‏ قال ‏‏:‏‏ ثم أصعدني إلى السماء السادسة ، فإذا فيها رجل آدم طويل أقنى ، كأنه من رجال شنوءة ؛ فقلت له ‏‏:‏‏ من هذا يا جبريل ‏‏؟‏‏ قال ‏‏:‏‏ هذا أخوك موسى بن عمران ‏‏.‏‏ ثم أصعدني إلى السماء السابعة ، فإذا فيها كهل جالس على كرسي إلى باب البيت المعمور ، يدخله كل يوم سبعون ألف ملك ، لا يرجعون فيه إلى يوم القيامة ‏‏.‏‏ لم أر رجلا أشبه بصاحبكم ، ولا صاحبكم أشبه به منه ؛ قال ‏‏:‏‏ قلت ‏‏:‏‏ من هذا يا جبريل ‏‏؟‏‏ قال ‏‏:‏‏ هذا أبوك إبراهيم ‏‏.‏‏ قال ‏‏:‏‏ ثم دخل بي الجنة ، فرأيت فيها جارية لعساء ، فسألتها ‏‏:‏‏ لمن أنت ‏‏؟‏‏ وقد أعجبتني حين رأيتها ؛ فقالت ‏‏:‏‏ لزيد بن حارثة ، فبشَّر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم زيد بن حارثة ‏‏.‏‏ ‏

فرض الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم

قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ ومن حديث عبدالله بن مسعود رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، فيما بلغني ‏‏:‏‏ أن جبريل لم يصعد به إلى سماء من السماوات إلا قالوا له حين يستأذن في دخولها ‏‏:‏‏ من هذا يا جبريل ‏‏؟‏‏ فيقول ‏‏:‏‏ محمد ؛ فيقولون ‏‏:‏‏ أوقد بعث إليه ‏‏؟‏‏ فيقول ‏‏:‏‏ نعم ؛ فيقولون ‏‏:‏‏ حياه الله من أخ وصاحب ‏‏!‏‏ حتى انتهى به إلى السماء السابعة ، ثم انتهى به إلى ربه ، ففرض عليه خمسين صلاة في كل يوم ‏‏.‏‏

موسى بن عمران عليه السلام يطلب من النبي عليه الصلاة والسلام سؤال ربه التخفيف عن أمته في أمر الصلاة

قال ‏‏:‏‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏‏:‏‏ فأقبلت راجعا ، فلما مررت بموسى بن عمران ، ونعم الصاحب كان لكم ، سألني كم فُرض عليك من الصلاة ‏‏؟‏‏ فقلت ‏‏:‏‏ خمسين صلاة كل يوم ؛ فقال ‏‏:‏‏ إن الصلاة ثقيلة ، وإن أمتك ضعيفة ، فارجع إلى ربك ، فاسأله أن يخفف عنك وعن أمتك ‏‏.‏‏ فرجعت فسألت ربي أن يخفف عني وعن أمتي ، فوضع عني عشرا ‏‏.‏‏ ثم انصرفت فمررت على موسى فقال لي مثل ذلك ؛ فرجعت فسألت ربي ، أن يخفف عني وعن أمتي ، فوضع عني عشرا ‏‏.‏‏ ثم انصرفت فمررت على موسى فقال لي مثل ذلك ؛ فرجعت فسألت ربي ، فوضع عني عشرا ‏‏.‏‏ ثم لم يزل يقول لي مثل ذلك ، كلما رجعت إليه ، قال ‏‏:‏‏ فارجع فاسأل ربك ، حتى انتهيت إلى أن وضع ذلك عني ، إلا خمس صلوات في كل يوم وليلة ‏‏.‏‏ ثم رجعت إلى موسى ، فقال لي مثل ذلك ، فقلت ‏‏:‏‏ قد راجعت ربي وسألته ، حتى استحييت منه ، فما أنا بفاعل ‏‏.


هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم

سبب تأخر أبي بكر وعلي في الهجرة

وأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة بعد أصحابه من المهاجرين ينتظر أن يُؤذن له في الهجرة ، ولم يتخلف معه بمكة أحد من المهاحرين إلا من حُبس أو فتن ، إلا علي بن أبي طالب ، وأبو بكر بن أبي قحافة الصديق رضي الله عنهما ، وكان أبو بكر كثيرا ما يستأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الهجرة ، فيقول له رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏‏:‏‏ لا تعجل لعل الله يجعل لك صاحبا ، فيطمع أبو بكر أن يكونه ‏‏.‏‏

قريش تتشاور في أمره عليه الصلاة و السلام

قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ ولما رأت قريش أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد صارت له شيعة وأصحاب من غيرهم بغير بلدهم ، ورأوا خروج أصحابه من المهاجرين إليهم ، عرفوا أنهم قد نزلوا دارا ، وأصابوا منهم منعة ، فحذروا خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم ، وعرفوا أنهم قد أجمع لحربهم ‏‏.‏‏ فاجتمعوا له في دار الندوة - وهي دار قصي بن كلاب التي كانت قريش لا تقضي أمرا إلا فيها - يتشاورون فيها ما يصنعون في أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، حين خافوه ‏‏.‏‏

قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ فحدثني من لا أتهم من أصحابنا ، عن عبدالله بن أبي نجيح ، عن مجاهد بن جبير أبي الحجاج ، وغيره ممن لا أتهم ، عن عبدالله بن عباس رضي الله عنهما قال ‏‏:‏‏ لما أجمعوا لذلك ، واتعدوا أن يدخلوا في دار الندوة ليتشاوروا فيها في أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، غدوا في اليوم الذي اتعدوا له ، وكان ذلك اليوم يسمى يوم الزحمة ، فاعترضهم إبليس في هيئة شيخ جليل ، عليه بتلة ، فوقف على باب الدار ، فلما رأوه واقفا على بابها ، قالوا ‏‏:‏‏ من الشيخ ‏‏؟‏‏ قال ‏‏:‏‏ شيخ من أهل نجد سمع بالذي اتعدتم له ، فحضر معكم ليسمع ما تقولون ، وعسى أن لا يُعدمكم منه رأيا ونصحا ، قالوا ‏‏:‏‏ أجل ، فادخل ، فدخل معهم ، وقد اجتمع فيها أشراف قريش ؛ من بني عبد شمس ‏‏:‏‏ عتبة بن ربيعة ، وشيبة بن ربيعة ، وأبو سفيان بن حرب ‏‏.‏‏ ومن بني نوفل بن عبد مناف ‏‏:‏‏ طعيمة بن عدي ، وجبير بن مطعم ، والحارث بن عامر بن نوفل ‏‏.‏‏ ومن بني عبدالدار بن قصي ‏‏:‏‏ النضر بن الحارث بن كلدة ‏‏.‏‏ ومن بني أسد بن عبدالعزى ‏‏:‏‏ أبو البختري بن هشام ، وزمعة بن الأسود بن المطلب ، وحكيم بن حزام ‏‏.‏‏ ومن بني مخزوم ‏‏:‏‏ أبو جهل بن هشام ‏‏.‏‏ ومن بني سهم ‏‏:‏‏ نُبيه ومنبَّه ابنا الحجاج ، ومن بني جمح ‏‏:‏‏ أمية بن ‏خلف ، ومن كان معهم وغيرهم ممن لا يعد من قريش ‏‏.‏‏

فقال بعضهم لبعض ‏‏:‏‏ إن هذا الرجل قد كان من أمره ما قد رأيتم ، فإنا والله ما نأمنه على الوثوب علينا فيمن قد اتبعه من غيرنا ، فأجمعوا فيه رأيا ‏‏.‏‏ قال ‏‏:‏‏ فتشاوروا ، ثم قال قائل منهم ‏‏:‏‏ احبسوه في الحديد ، وأغلقوا عليه بابا ، ثم تربصوا به ما أصاب أشباهه من الشعراء الذين كانوا قبله ، زهيرا والنابغة ، ومن مضى منهم ، من هذا الموت ، حتى يصيبه ما أصابهم ‏‏.‏‏

فقال الشيخ النجدي ‏‏:‏‏ لا والله ، ما هذا لكم برأي ‏‏.‏‏ والله لئن حبستموه كما تقولون ليخرجن أمره من وراء الباب الذي أغلقتم دونه إلى أصحابه ، فلأوشكوا أن يثبوا عليكم ، فينزعوه من أيديكم ، ثم يكاثروكم به ، حتى يغلبوكم على أمركم ، ما هذا لكم برأي ، فانظروا في غيره ‏‏.‏‏

فتشاوروا ‏‏.‏‏ ثم قال قائل منهم ‏‏:‏‏ نخرجه من بين أظهرنا ، فننفيه من بلادنا ، فإذا أُخرج عنا ، فوالله ما نبالي أين ذهب ، ولا حيث وقع ، إذا غاب عنا وفرغنا منه ، فأصلحنا أمرنا وأُلْفتنا كما كانت ‏‏.‏‏

فقال الشيخ النجدي ‏‏:‏‏ لا والله ، ما هذا لكم برأي ، ألم تروا حُسْن حديثه ، وحلاوة منطقه ، وغلبته على قلوب الرجال بما يأتي به ، والله لو فعلتم ذلك ما أمنتم أن يحل على حي من العرب ، فيغلب عليهم بذلك من قوله وحديثه حتى يتابعوه عليه ، ثم يسير بهم إليكم حتى يطأكم بهم في بلادكم ، فيأخذ أمركم من أيديكم ، ثم يفعل بكم ما أراد ، دبروا فيه رأيا غير هذا ‏‏.‏‏

قال ‏‏:‏‏ فقال أبو جهل بن هشام ‏‏:‏‏ والله إن لي فيه لرأيا ما أراكم وقعتم عليه بعد ؛ قالوا ‏‏:‏‏ وما هو يا أبا الحكم ‏‏؟‏‏ قال ‏‏:‏‏ أرى أن نأخذ من كل قبيلة فتى شابا جليدا نسيبا وسيطا فينا ، ثم نعطي كل فتى منهم سيفا صارما ، ثم يعمدوا إليه ، فيضربوه بها ضربة رجل واحد ، فيقتلوه ، فنستريح منه ‏‏.‏‏ فإنهم إذا فعلوا ذلك تفرق دمه في القبائل جميعا ، فلم يقدر بنو عبد مناف على حرب قومهم جميعا ، فرضوا منا بالعَقْل ، فعقلناه لهم ‏‏.‏‏

قال ‏‏:‏‏ فقال الشيخ النجدي ‏‏:‏‏ القول ما قال الرجل ، هذا الرأي الذي لا رأي غيره ، فتفرق القوم على ذلك وهم مجمعون له ‏‏.‏‏

خروج النبي صلى الله عليه وسلم و استخلافه عليا على فراشه

فأتى جبريل عليه السلام رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال ‏‏:‏‏ لا تَبِتْ هذه الليلة على فراشك الذي كنت تبيت عليه ‏‏.‏‏ قال ‏‏:‏‏ فلما كانت عتمة من الليل اجتمعوا على بابه يرصدونه متى ينام ، فيثبون عليه ؛ فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم مكانهم ، قال لعلي بن أبي طالب ‏‏:‏‏ نم على فراشي وتسجّ بِبُردي هذا الحضرمي الأخضر ، فنم فيه ، فإنه لن يخلص إليك شيء تكرهه منهم ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينام في برده ذلك إذا نام ‏‏.‏‏

قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ فحدثني يزيد بن زياد ، عن محمد بن كعب القرظي قال ‏‏:‏‏ لما اجتمعوا له ، وفيهم أبو جهل بن هشام ، فقال وهم على بابه ‏‏:‏‏ إن محمدا يزعم أنكم إن تابعتموه على أمره ، كنتم ملوك العرب والعجم ، ثم بُعثتم من بعد موتكم ، فجُعلت لكم جنان كجنان الأردن ، وإن لم تفعلوا كان له فيكم ذبح ، ثم بُعثتم من بعد موتكم ، ثم جعلت لكم نار تحُرقون فيها ‏‏.‏‏

قال ‏‏:‏‏ وخرج عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأخذ حفنة من تراب في يده ، ثم قال ‏‏:‏‏ أنا أقول ذلك ، أنت أحدهم ‏‏.‏‏ وأخذ الله تعالى على أبصارهم عنه ، فلا يرونه ، فجعل ينثر ذلك التراب على رؤوسهم وهو يتلو هؤلاء الآيات من يس ‏‏:‏‏ ‏‏(‏‏ يس والقرآن الحكيم ‏‏.‏‏ إنك لمن المرسلين ‏‏.‏‏ على ‏ صراط مستقيم ‏‏.‏‏ تنزيل العزيز الرحيم ‏‏)‏‏ ‏‏.‏‏‏‏.‏‏‏‏.‏‏ إلى قوله ‏‏:‏‏ ‏‏(‏‏ فأغشيناهم فهم لا يبصرون ‏‏)‏‏ ‏‏.‏‏ حتى فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من هؤلاء الآيات ، ولم يبق منهم رجل إلا و قد وضع على رأسه ترابا ، ثم انصرف إلى حيث أراد أن يذهب ، فأتاهم آت ممن لم يكن معهم ، فقال ‏‏:‏‏ ما تنتظرون ها هنا ‏‏؟‏‏ قالوا ‏‏:‏‏ محمدا ؛ قال ‏‏:‏‏ خيبكم الله ‏‏!‏‏ قد والله خرج عليكم محمد ، ثم ما ترك منكم رجلا إلا وقد وضع على رأسه ترابا ، وانطلق لحاجته ، أفما ترون ما بكم ‏‏؟‏‏ قال ‏‏:‏‏ فوضع كل رجل منهم يده على رأسه ، فإذا عليه تراب ، ثم جعلوا يتطلعون فيرون عليا على الفراش متسجيا بِبُرْد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فيقولون ‏‏:‏‏ والله إن هذا لمحمد نائما ، عليه برده ‏‏.‏‏ فلم يبرحوا كذلك حتى أصبحوا فقام علي رضي الله عنه عن الفراش ، فقالوا ‏‏:‏‏ والله لقد كان صدقنا الذي حدثنا ‏‏.‏‏

ما نزل من القرآن في تربص المشركين بالنبي صلى الله عليه وسلم

قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ وكان مما أنزل الله عز وجل من القرآن في ذلك اليوم ، وما كانوا أجمعوا له ‏‏:‏‏ ‏‏(‏‏ وإذ يمكر بك الذين كفروا لِيُثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك ويمكرون ويمكر الله ، والله خير الماكرين ‏‏)‏‏ ‏‏.‏‏ وقول الله ‏عز وجل ‏‏:‏‏ ‏‏(‏‏ أم يقولون شاعر نتربص به ريب المنون ‏‏.‏‏ قل تربصوا فإني معكم من المتربصين ‏‏)‏‏ ‏‏.‏‏

قال ابن هشام ‏‏:‏‏ المنون ‏‏:‏‏ الموت ‏‏.‏‏ وريب المنون ‏‏:‏‏ ما يريب ويعرض منها ‏‏.‏‏ قال أبو ذؤيب الهذلي ‏‏:‏‏

أمن المنون وريبها تتوجَّع * والدهر ليس بمعتب من يجزع

وهذا البيت في قصيدة له ‏‏.‏‏

قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ وأذن الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم عند ذلك في الهجرة ‏‏.‏‏

أبو بكر يطمع في مصاحبة النبي في الهجرة ، و ما أعد لذلك

قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ وكان أبو بكر رضي الله عنه رجلا ذا مال ، فكان حين استأذن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم في الهجرة ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏‏:‏‏ لا تعجل ، لعل الله يجد لك صاحبا ، قد طمع بأن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم ، إنما يعني نفسه ، حين قال له ذلك ، فابتاع راحلتين ، فاحتبسهما في داره ، يعلفهما إعدادا لذلك ‏‏.‏‏

حديث الهجرة إلى المدينة

قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ فحدثني من لا أتهم ، عن عروة بن الزبير ، عن عائشة أم المؤمنين أنها قالت ‏‏:‏‏ كان لا يخطئ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأتي بيت أبي بكر أحد طرفي النهار ، إما بكرة ، وإما عشية ، حتى إذا كان اليوم الذي أذن فيه لرسول الله صلى الله عليه وسلم في الهجرة ، والخروج من مكة من بين ظهري قومه ، أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالهاجرة ، في ساعة كان لا يأتي فيها ‏‏.‏‏

قالت ‏‏:‏‏ فلما رآه أبوبكر ، قال ‏‏:‏‏ ما جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الساعة إلا لأمر حدث ‏‏.‏‏

قالت ‏‏:‏‏ فلما دخل ، تأخر له أبو بكر عن سريره ، فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وليس عند أبي بكر إلا أنا وأختي أسماء بنت أبي بكر ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏‏:‏‏ أخرج عني من عندك ؛ فقال ‏‏:‏‏ يا رسول الله ، إنما هما ابنتاي ، وما ذاك ‏‏؟‏‏ فداك أبي وأمي ‏‏!‏‏ فقال ‏‏:‏‏ إن الله قد أذن لي في الخروج والهجرة ‏‏.‏‏ قالت ‏‏:‏‏ فقال أبو بكر ‏‏:‏‏ الصحبة يا رسول الله ؛ قال ‏‏:‏‏ الصحبة ‏‏.‏‏

قالت ‏‏:‏‏ فوالله ما شعرت قط قبل ذلك اليوم أن أحدا يبكي من الفرح ، حتى رأيت أبا بكر يبكي يومئذ ، ثم قال ‏‏:‏‏ يا نبي الله ، إن هاتين راحلتان قد كنت أعددتهما لهذا ‏‏.‏‏

فاستأجرا عبدالله بن أرقط - رجلا من بني الدئل بن بكر ، وكانت أمه امرأة من بني سهم بن عمرو ، وكان مشركا - يدلهما على الطريق ، فدفعا إليه راحلتيهما ، فكانتا عنده يرعاهم لميعادهما ‏‏.‏‏

من علم بأمر هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم

قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ ولم يعلم فيما بلغني ، بخروج رسول الله صلى الله عليه وسلم أحد ، حين خرج ، إلا علي بن أبي طالب ، وأبو بكر الصديق ، وآل أبي بكر ‏‏.‏‏

أما علي فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم - فيما بلغني - أخبره بخروجه ، وأمره أن يتخلف بعده بمكة ، حتى يؤدي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الودائع ، التي كانت عنده للناس ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس بمكة أحد عنده شيء يخشى عليه إلا وضعه عنده ، لما يُعلم من صدقه وأمانته صلى الله عليه وسلم ‏‏.‏‏

قصة الرسول صلى الله عليه و سلم مع أبي بكر في الغار

قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ فلما أجمع رسول الله صلى الله عليه وسلم الخروج ، أتى أبا بكر بن أبي قحافة ، فخرجا من خوخة لأبي بكر في ظهر بيته ، ثم عمدا إلى غار بثور - جبل بأسفل مكة - فدخلاه ، وأمر أبو بكر ابنه عبدالله بن أبي بكر أن يتسمع لهما ما يقول الناس فيهما نهاره ، ثم يأتيهما إذا أمسى بما يكون في ذلك اليوم من الخبر ؛ وأمر عامر بن فُهيرة مولاه أن يرعى غنمه نهاره ، ثم يُريحها عليهما ، يأتيهما إذا أمسى في الغار ‏‏.‏‏ وكانت أسماء بنت أبي بكر تأتيهما من الطعام إذا أمست بما يُصلحهما ‏‏.‏‏

قال ابن هشام ‏‏:‏‏ وحدثني بعض أهل العلم ، أن الحسن بن أبي الحسن البصري قال ‏‏:‏‏ انتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر إلى الغار ليلا ، فدخل أبو بكر رضي الله عنه قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلمس الغار ، لينظر أفيه سبع أو حية ، يقي رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفسه ‏‏.‏‏

من قام بشأن الرسول صلى الله عليه وسلم في الغار

قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ فأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم في الغار ثلاثا ومعه أبو بكر ، وجعلت قريش فيه حين فقدوه مائة ناقة ، لمن يرده عليهم ‏‏.‏‏ وكان عبدالله بن أبي بكر يكون في قريش نهاره معهم ، يسمع ما يأتمرون به ، وما يقولون في شأن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر ، ثم يأتيهما إذا أمسى فيخبرهما الخبر ‏‏.‏‏

وكان عامر بن فهيرة ، مولى أبي بكر رضي الله عنه ، يرعى في رُعْيان أهل مكة ، فإذا أمسى أراح عليهما غنم أبي بكر ، فاحتلبا وذبحا ، فإذا عبدالله بن أبي بكر غدا من عندهما إلى مكة ، اتبع عامر ‏ بن فهيرة أثره بالغنم حتى يعفِّي عليه ، حتى إذا مضت الثلاث ، وسكن عنهما الناس أتاهما صاحبهما الذي استأجراه ببعيرَيْهما وبعير له ، وأتتهما أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها بسفرتهما ، ونسيت أن تجعل لها عصاما ، فلما ارتحلا ذهبت لتعلق السفرة ، فإذا ليس لها عصام ، فتحلّ نطاقها فتجعله عصاما ، ثم علقتها به ‏‏.‏‏

سبب تسمية أسماء بذات النطاق

فكان يقال لاسماء بنت أبي بكر ‏‏:‏‏ ذات النطاق ، لذلك ‏‏.‏‏

قال ابن هشام ‏‏:‏‏ وسمعت غير واحد من أهل العلم يقول ‏‏:‏‏ ذات النطاقين ‏‏.‏‏ وتفسيره ‏‏:‏‏ أنها لما أرادت أن تعلق السفرة شقت نطاقها باثنين ، فعلقت السفرة بواحد ، وانتطقت بالآخر ‏‏.‏‏

أبو بكر يقدم راحلة للرسول صلى الله عليه و سلم

قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ فلما قرب أبو بكر ، رضي الله عنه ، الراحلتين إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قدم له أفضلهما ، ثم قال ‏‏:‏‏ اركب ، فداك أبي وأمي ؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏‏:‏‏ إني لا أركب بعيرا ليس لي ؛ قال ‏‏:‏‏ فهي لك يا رسول الله ، بأبي أنت وأمي ؛ قال ‏‏:‏‏ لا ، ولكن ما الثمن الذي ابتعتها به ‏‏؟‏‏ قال ‏‏:‏‏ كذا وكذا ؛ قال ‏‏:‏‏ قد أخذتها به ؛ قال ‏‏:‏‏ هي لك يا رسول الله ‏‏.‏‏ فركبا وانطلقا وأردف أبو بكر الصديق رضي الله عنه عامر بن فهيرة مولاه خلفه ، ليخدمهما في الطريق ‏‏.‏‏

أبو جهل يضرب أسماء

قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ فحُدثت عن أسماء بنت أبي بكر أنها قالت ‏‏:‏‏ لما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر رضي الله عنه ، أتانا نفر من قريش ، فيهم أبو جهل بن هشام ، فوقفوا على باب أبي بكر ، فخرجت إليهم ؛ فقالوا ‏‏:‏‏ أين أبوك يا بنت أبي بكر ‏‏؟‏‏ قالت ‏‏:‏‏ قلت ‏‏:‏‏ لا أدري والله أين أبي ‏‏؟‏‏ قالت ‏‏:‏‏ فرفع أبو جهل يده ، وكان فاحشا خبيثا ، فلطم خدي لطمة طرح منها قرطي ‏‏.‏‏

خبر الهاتف من الجني الذي تغنى بمقدمه صلى الله عليه وسلم

قالت ‏‏:‏‏ ثم انصرفوا ‏‏.‏‏ فمكثنا ثلاث ليال ‏‏.‏‏ وما ندري أين وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، حتى أقبل رجل من الجن من أسفل مكة ، يتغنى بأبيات من شعر غناء العرب ، وإن الناس ليتبعونه ، يسمعون صوته وما يرونه ، حتى خرج من أعلى مكة وهو يقول ‏‏:‏‏

جزى الله ربُّ الناس خير جزائه * رفيقين حلا خيمتَيْ أم معبدِ

هما نزلا بالبر ثم تروَّحا * فأفلح من أمسى رفيق محمد

ليهنِ بنو كعب مكانُ فتاتهم * ومقعدها للمؤمنين بمرصد

نسب أم معبد

قال ابن هشام ‏‏:‏‏ أم معبد بنت كعب ، امرأة من بني كعب ، من خزاعة ‏‏.‏‏ وقوله ‏‏(‏‏ حلا خيمتي ‏‏)‏‏ و ‏‏(‏‏ هما نزلا بالبر ثم تروحا ‏‏)‏‏ عن غير ابن إسحاق ‏‏.‏‏

قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ قالت أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما ‏‏:‏‏ فلما سمعنا قوله ، عرفنا حيث وَجْه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأن وجهه إلى المدينة وكانوا أربعة ‏‏:‏‏ رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأبو بكر الصديق رضي الله عنه ، وعامر بن فهيرة مولى أبي بكر ، وعبدالله بن أرقط دليلهما ‏‏.‏‏

قال ابن هشام ‏‏:‏‏ ويقال ‏‏:‏‏ عبدالله بن أُرَيْقط ‏‏.

تابع
موقف آل أبي بكر بعد الهجرة

قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ فحدثني يحيى بن عباد بن عبدالله بن الزبير أن أباه عبادا حدثه عن جدته أسماء بنت أبي بكر ، قالت ‏‏:‏‏ لما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وخرج أبو بكر معه ، احتمل أبو بكر ماله كله ، ومعه خمسة آلاف درهم أو ستة آلاف ، فانطلق بها معه ‏‏.‏‏

قالت ‏‏:‏‏ فدخل علينا جدي أبو قحافة ، وقد ذهب بصره ، فقال ‏‏:‏‏ والله إني لأراه قد فجعكم بماله مع نفسه ‏‏.‏‏ قالت ‏‏:‏‏ قلت ‏‏:‏‏ كلا يا أبت ‏‏!‏‏ إنه قد ترك لنا خيرا كثيرا ‏‏.‏‏ قالت ‏‏:‏‏ فأخذت أحجارا فوضعتها في كوة في البيت الذي كان أبي يضع ماله فيها ، ثم وضعت عليها ثوبا ، ثم أخذت بيده ، فقلت ‏‏:‏‏ يا أبت ، ضع يدك على هذا المال ‏‏.‏‏ قالت ‏‏:‏‏ فوضع يده عليه ، فقال ‏‏:‏‏ لا بأس ، إذا كان ترك لكم هذا فقد أحسن ، وفي هذا بلاغ لكم ‏‏.‏‏ ولا والله ما ترك لنا شيئا ، ولكني أردت أن أسكن الشيخ بذلك ‏‏.‏‏

سراقة بن مالك و ركوبه في أثر الرسول صلى الله و سلم

قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ وحدثني الزهري أن عبدالرحمن بن مالك بن جعشم حدثه ، عن أبيه ، عن عمه سراقة بن مالك بن جعشم ، قال ‏‏:‏‏ لما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة مهاجرا إلى ‏‏ المدينة ، جعلت قريش فيه مائة ناقة لمن رده عليهم ‏‏.‏‏

قال ‏‏:‏‏ فبينا أنا جالس في نادي قومي إذ أقبل رجل منا ، حتى وقف علينا ، فقال ‏‏:‏‏ والله لقد رأيت ركبة ثلاثة مروا علي آنفا ، إني لأراهم محمدا وأصحابه ، قال ‏‏:‏‏ فأومأت إليه بعيني ‏‏:‏‏ أن اسكت ، ثم قلت ‏‏:‏‏ إنما هم بنو فلان ، يبتغون ضالة لهم ؛ قال ‏‏:‏‏ لعله ، ثم سكت ‏‏.‏‏ قال ‏‏:‏‏ ثم مكثت قليلا ، ثم قمت فدخلت بيتي ، ثم أمرت بفرسي ، فقيد لي إلى بطن الوادي ، وأمرت بسلاحي ، فأُخرج لي من دبر حجرتي ، ثم أخذت قداحي التي أستقسم بها ، ثم انطلقت ، فلبست لأمتي ، ثم أخرجت قداحي ، فاستقسمت بها ؛ فخرج السهم الذي أكره ‏‏(‏‏ لا يضره ‏‏)‏‏ ‏‏.‏‏ قال ‏‏:‏‏ وكنت أرجو أن أرده على قريش ، فآخذ المائة الناقة ‏‏.‏‏ قال ‏‏:‏‏ فركبت على أثره ، فبينما فرسي يشتد بي عثر بي ، فسقطت عنه ‏‏.‏‏ قال ‏‏:‏‏ فقلت ‏‏:‏‏ ما هذا ‏‏؟‏‏ قال ‏‏:‏‏ ثم أخرجت قداحي فاستقسمت بها ، فخرج السهم الذي أكره ‏‏(‏‏ لا يضره ‏‏)‏‏ قال ‏‏:‏‏ فأبيت إلا أن أتبعه ‏‏.‏‏ قال ‏‏:‏‏ فركبت في أثره ، فبينا فرسي يشتد بي ، عثر بي ، فسقطت عنه ‏‏.‏‏ قال ‏‏:‏‏ فقلت ‏‏:‏‏ ما هذا ‏‏؟‏‏ قال ‏‏:‏‏ ثم أخرجت قداحي فاستقسمت بها ، فخرج السهم الذي أكره ‏‏(‏‏ لا يضره ‏‏)‏‏ قال ‏‏:‏‏ فأبيت إلا أن أتبعه ، فركبت في أثره ‏‏.‏‏ فلما بدا لي القوم ورأيتهم ، عثر بي فرسي ، فذهبت يداه في الأرض ، وسقطت عنه ، ثم انتزع يديه من الأرض ، وتبعهما دخان كالإعصار ‏‏.‏‏

قال ‏‏:‏‏ فعرفت حين رأيت ذلك أنه قد مُنع مني ، وأنه ظاهر‏‏.‏‏

قال ‏‏:‏‏ فناديت القوم ‏‏:‏‏ فقلت ‏‏:‏‏ أنا سراقة بن جعشم ‏‏:‏‏ انظروني أكلمكم ، فوالله لا أريبكم ، ولا يأتيكم مني شيء تكرهونه ‏‏.‏‏

قال ‏‏:‏‏ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر ‏‏:‏‏ قل له ‏‏:‏‏ وما تبتغي منا ‏‏؟‏‏ قال ‏‏:‏‏ فقال ذلك أبو بكر ، قال ‏‏:‏‏ قلت ‏‏:‏‏ تكتب لي كتابا يكون آية بيني وبينك ‏‏.‏‏

قال ‏‏:‏‏ اكتب له يا أبا بكر ‏‏.‏‏

إسلام سراقة بن جعشم

قال ‏‏:‏‏ فكتب لي كتابا في عظم ، أو في رقعة ، أو في خزفة ، ثم ألقاه إلي ، فأخذته ، فجعلته في كنانتي ، ثم رجعت ، فسكت فلم أذكر شيئا مما كان ، حتى إذا كان فتح مكة على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وفرغ من حنين والطائف ، خرجت ومعي الكتاب لألقاه ، فلقيته بالجعرانة ‏‏.‏‏ قال ‏‏:‏‏ فدخلت في كتيبة من خيل الأنصار ‏‏.‏‏ قال ‏‏:‏‏ فجعلوا يقرعونني بالرماح ويقولون ‏‏:‏‏ إليك إليك ، ماذا تريد ‏‏؟‏‏ قال ‏‏:‏‏ فدنوت من رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على ناقته ، والله لكأني أنظر إلى ساقه في غرزه كأنها جمارة ‏‏.‏‏

قال ‏‏:‏‏ فرفعت يدي بالكتاب ، ثم قلت ‏‏:‏‏ يا رسول الله ، هذا كتابك لي ، أنا سراقة بن جعشم ؛ قال ‏‏:‏‏ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏‏:‏‏ يوم وفاء وبر ، ادنُهْ ‏‏.‏‏ قال ‏‏:‏‏ فدنوت منه ، فأسلمت ‏‏.‏‏ ثم تذكرت شيئا أسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه فما أذكره ، إلا أني قلت ‏‏:‏‏ يا رسول الله ، الضالة من الإبل تغشى حياضي ، وقد ملأتها لإبلي ، هل لي من أجر في أن أسقيها ‏‏؟‏‏ قال ‏‏:‏‏ نعم ، في كل ذات كبد حرّى أجر ‏‏.‏‏ قال ‏‏:‏‏ ثم رجعت إلى قومي ، فسقت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صدقتي ‏‏.‏‏

تصويب نسب عبدالرحمن الجعشمي

قال ابن هشام ‏‏:‏‏ عبدالرحمن بن الحارث بن مالك بن جعشم ‏‏.‏‏

طريق الهجرة

قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ فلما خرج بهما دليلهما عبدالله بن أرقط ، سلك بهما أسفل مكة ، ثم مضى بهما على الساحل ، حتى عارض الطريق أسفل من عسفان ، ثم سلك بهما على أسفل أمج ، ثم استجاز بهما ، حتى عارض بهما الطريق ، بعد أن أجاز قديدا ، ثم أجاز بهما من مكانه ذلك ، فسلك بهما الخرار ، ثم سلك بهما ثنية المرة ، ثم سلك بهما لقفا ‏‏.‏‏

قال ابن هشام ‏‏:‏‏ ويقال ‏‏:‏‏ لفتا ‏‏.‏‏ قال معقل بن خويلد الهذلي ‏‏:‏‏

نزيعا محلبا من أهل لفت * لحي بين أثلة والنحام

قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ ثم أجاز بهم مدلجة لِقْف ثم استبطن بهما مدلجة محاج - ويقال ‏‏:‏‏ مجاج ، فيما قال ابن هشام - ثم سلك بهما مرجح محاج ، ثم تبطن بهما مرجح من ذي العضوين - قال ابن هشام ‏‏:‏‏ ويقال ‏‏:‏‏ العَضَوين - ثم بطن ذي كشر ، ثم أخذ بهما على الجداجد ، ثم على ‏الأجرد ، ثم سلك بهما ذا سلم ، من بطن أعداء مدلجة تعهن ، ثم على العبابيد ‏‏.‏‏

قال ابن هشام ‏‏:‏‏ ويقال ‏‏:‏‏ العبابيب ؛ ويقال ‏‏:‏‏ العثيانة ‏‏.‏‏ يريد ‏‏:‏‏ العبابيب ‏‏.‏‏

قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ ثم أجاز الفاجَّة ؛ ويقال ‏‏:‏‏ القاحة ، فيما قال ابن هشام ‏‏.‏‏

قال ابن هشام ‏‏:‏‏ ثم هبط بهما العرج ، وقد أبطأ عليهما بعض ظهرهم ، فحمل رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل من أسلم ، يقال له ‏‏:‏‏ أوس بن حجر ، على جمل له - يقال له ‏‏:‏‏ ابن الرداء - إلى المدينة ، وبعث معه غلاما له ، يقال له ‏‏:‏‏ مسعود بن هنيدة ، ثم خرج بهما دليلهما من العرج ، فسلك بهما ثنية العائر ، عن يمين ركوبة - ويقال ‏‏:‏‏ ثنية الغائر ، فيما قال ابن هشام - حتى هبط بهما بطن رئم ، ثم قدم بهما قباء ، على بني عمرو بن عوف ، لاثنتي عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الأول يوم الاثنين ، حين اشتد الضَّحاء ، وكادت الشمس تعتدل ‏‏.‏‏

قدومه صلى الله عليه وسلم قباء

قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ فحدثني محمد بن جعفر بن الزبير ، عن عروة بن الزبير ، عن عبدالرحمن بن عويمر بن ساعدة ، قال ‏‏:‏‏ حدثني رجال من قومي من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قالوا ‏‏:‏‏ لما سمعنا بمخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة ، وتوكفنا قدومه ، كنا ‏نخرج إذا صلينا الصبح ، إلى ظاهر حرتنا ننتظر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فوالله ما نبرح حتى تغلبنا الشمس على الظلال فإذا لم نجد ظلا دخلنا ، وذلك في أيام حارة ‏‏.‏‏ حتى إذا كان اليوم الذي قدم فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، جلسنا كما كنا نجلس ، حتى إذا لم يبق ظل دخلنا بيوتنا ، وقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم حين دخلنا البيوت ، فكان أول من رآه رجل من اليهود ، و قد رأى ما كنا نصنع ، وأنَّا ننتظر قدوم رسول الله صلى الله عليه وسلم علينا ، فصرخ بأعلى صوته ‏‏:‏‏ يا بني قيلة ، هذا جدكم قد جاء ‏‏.‏‏ قال ‏‏:‏‏ فخرجنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهو في ظل نخلة ، ومعه أبو بكر رضي الله عنه في مثل سنه ، وأكثرنا لم يكن رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل ذلك ، وركبه الناس وما يعرفونه من أبي بكر ، حتى زال الظل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقام أبو بكر فأظله بردائه ، فعرفناه عند ذلك ‏‏.‏‏
منزله عليه الصلاة و السلام بقباء

قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم - فيما يذكرون - على كلثوم بن هدم ، أخي بني عمرو بن عوف ، ثم أحد بني عبيد ‏‏:‏‏ ويقال ‏‏:‏‏ بل نزل على سعد بن خيثمة ‏‏.‏‏ ويقول من يذكر أنه نزل على كلثوم بن هدم ‏‏:‏‏ إنما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خرج من منزل كلثوم بن هدم جلس الناس في بيت سعد بن خيثمة ‏‏.‏‏ وذلك أنه كان عزبا لا أهل له ، وكان منزل ‏ الأعزاب من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من المهاجرين ، فمن هنالك يقال ‏‏:‏‏ نزل على سعد بن خيثمة ، وكان يقال لبيت سعد بن خيثمة ‏‏:‏‏ بيت الأعزاب ‏‏.‏‏ فالله أعلم أي ذلك كان ، كلا قد سمعنا ‏‏.‏‏

منزل أبي بكر بقباء

ونزل أبو بكر الصديق رضي الله عنه على خبيب بن إساف ، أحد بني الحارث بن الخزرج بالسنح ‏‏.‏‏ ويقول قائل ‏‏:‏‏ كان منزله على خارجة بن زيد بن أبي زهير ، أخي بني الحارث بن الخزرج ‏‏.‏‏

منزل علي بن أبي طالب بقباء

وأقام علي بن أبي طالب عليه السلام بمكة ثلاث ليال وأيامها ، حتى أدى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الودائع التي كانت عنده للناس ، حتى إذا فرغ منها ، لحق برسول الله صلى الله عليه وسلم ، فنزل معه على كلثوم بن هدم ‏‏.‏‏

من فضائل سهل بن حنيف

فكان علي بن أبي طالب ، وإنما كانت إقامته بقباء ليلة أو ليلتين يقول ‏‏:‏‏ كانت بقباء امرأة لا زوج لها ، مسلمة ‏‏.‏‏ قال ‏‏:‏‏ فرأيت إنسانا يأتيها من جوف الليل ، فيضرب عليها بابها ، فتخرج إليه فيعطيها شيئا معه فتأخذه ‏‏.‏‏ قال ‏‏:‏‏ فاستربت بشأنه ، فقلت لها ‏‏:‏‏ يا أمة الله ، من هذا الرجل الذي يضرب عليك بابك كل ليلة ، فتخرجين إليه فيعطيك شيئا لا أدري ما هو ، وأنت امرأة ‏مسلمة لا زوج لك ‏‏؟‏‏ قالت ‏‏:‏‏ هذا سهل بن حنيف بن واهب ، قد عرف أني امرأة لا أحد لي ، فإذا أمسى عدا على أوثان قومه فكسرها ، ثم جاءني بها ، فقال ‏‏:‏‏ احتطبي بهذا ، فكان علي رضي الله عنه يأثر ذلك من أمر سهل بن حنيف ، حتى هلك عنده بالعراق ‏‏.‏‏

قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ وحدثني هذا ، من حديث علي رضي الله عنه ، هند بن سعد بن سهل بن حنيف ، رضي الله عنه ‏‏.

تابع
موقف آل أبي بكر بعد الهجرة

قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ فحدثني يحيى بن عباد بن عبدالله بن الزبير أن أباه عبادا حدثه عن جدته أسماء بنت أبي بكر ، قالت ‏‏:‏‏ لما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وخرج أبو بكر معه ، احتمل أبو بكر ماله كله ، ومعه خمسة آلاف درهم أو ستة آلاف ، فانطلق بها معه ‏‏.‏‏

قالت ‏‏:‏‏ فدخل علينا جدي أبو قحافة ، وقد ذهب بصره ، فقال ‏‏:‏‏ والله إني لأراه قد فجعكم بماله مع نفسه ‏‏.‏‏ قالت ‏‏:‏‏ قلت ‏‏:‏‏ كلا يا أبت ‏‏!‏‏ إنه قد ترك لنا خيرا كثيرا ‏‏.‏‏ قالت ‏‏:‏‏ فأخذت أحجارا فوضعتها في كوة في البيت الذي كان أبي يضع ماله فيها ، ثم وضعت عليها ثوبا ، ثم أخذت بيده ، فقلت ‏‏:‏‏ يا أبت ، ضع يدك على هذا المال ‏‏.‏‏ قالت ‏‏:‏‏ فوضع يده عليه ، فقال ‏‏:‏‏ لا بأس ، إذا كان ترك لكم هذا فقد أحسن ، وفي هذا بلاغ لكم ‏‏.‏‏ ولا والله ما ترك لنا شيئا ، ولكني أردت أن أسكن الشيخ بذلك ‏‏.‏‏

سراقة بن مالك و ركوبه في أثر الرسول صلى الله و سلم

قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ وحدثني الزهري أن عبدالرحمن بن مالك بن جعشم حدثه ، عن أبيه ، عن عمه سراقة بن مالك بن جعشم ، قال ‏‏:‏‏ لما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة مهاجرا إلى ‏‏ المدينة ، جعلت قريش فيه مائة ناقة لمن رده عليهم ‏‏.‏‏

قال ‏‏:‏‏ فبينا أنا جالس في نادي قومي إذ أقبل رجل منا ، حتى وقف علينا ، فقال ‏‏:‏‏ والله لقد رأيت ركبة ثلاثة مروا علي آنفا ، إني لأراهم محمدا وأصحابه ، قال ‏‏:‏‏ فأومأت إليه بعيني ‏‏:‏‏ أن اسكت ، ثم قلت ‏‏:‏‏ إنما هم بنو فلان ، يبتغون ضالة لهم ؛ قال ‏‏:‏‏ لعله ، ثم سكت ‏‏.‏‏ قال ‏‏:‏‏ ثم مكثت قليلا ، ثم قمت فدخلت بيتي ، ثم أمرت بفرسي ، فقيد لي إلى بطن الوادي ، وأمرت بسلاحي ، فأُخرج لي من دبر حجرتي ، ثم أخذت قداحي التي أستقسم بها ، ثم انطلقت ، فلبست لأمتي ، ثم أخرجت قداحي ، فاستقسمت بها ؛ فخرج السهم الذي أكره ‏‏(‏‏ لا يضره ‏‏)‏‏ ‏‏.‏‏ قال ‏‏:‏‏ وكنت أرجو أن أرده على قريش ، فآخذ المائة الناقة ‏‏.‏‏ قال ‏‏:‏‏ فركبت على أثره ، فبينما فرسي يشتد بي عثر بي ، فسقطت عنه ‏‏.‏‏ قال ‏‏:‏‏ فقلت ‏‏:‏‏ ما هذا ‏‏؟‏‏ قال ‏‏:‏‏ ثم أخرجت قداحي فاستقسمت بها ، فخرج السهم الذي أكره ‏‏(‏‏ لا يضره ‏‏)‏‏ قال ‏‏:‏‏ فأبيت إلا أن أتبعه ‏‏.‏‏ قال ‏‏:‏‏ فركبت في أثره ، فبينا فرسي يشتد بي ، عثر بي ، فسقطت عنه ‏‏.‏‏ قال ‏‏:‏‏ فقلت ‏‏:‏‏ ما هذا ‏‏؟‏‏ قال ‏‏:‏‏ ثم أخرجت قداحي فاستقسمت بها ، فخرج السهم الذي أكره ‏‏(‏‏ لا يضره ‏‏)‏‏ قال ‏‏:‏‏ فأبيت إلا أن أتبعه ، فركبت في أثره ‏‏.‏‏ فلما بدا لي القوم ورأيتهم ، عثر بي فرسي ، فذهبت يداه في الأرض ، وسقطت عنه ، ثم انتزع يديه من الأرض ، وتبعهما دخان كالإعصار ‏‏.‏‏

قال ‏‏:‏‏ فعرفت حين رأيت ذلك أنه قد مُنع مني ، وأنه ظاهر‏‏.‏‏

قال ‏‏:‏‏ فناديت القوم ‏‏:‏‏ فقلت ‏‏:‏‏ أنا سراقة بن جعشم ‏‏:‏‏ انظروني أكلمكم ، فوالله لا أريبكم ، ولا يأتيكم مني شيء تكرهونه ‏‏.‏‏

قال ‏‏:‏‏ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر ‏‏:‏‏ قل له ‏‏:‏‏ وما تبتغي منا ‏‏؟‏‏ قال ‏‏:‏‏ فقال ذلك أبو بكر ، قال ‏‏:‏‏ قلت ‏‏:‏‏ تكتب لي كتابا يكون آية بيني وبينك ‏‏.‏‏

قال ‏‏:‏‏ اكتب له يا أبا بكر ‏‏.‏‏

إسلام سراقة بن جعشم

قال ‏‏:‏‏ فكتب لي كتابا في عظم ، أو في رقعة ، أو في خزفة ، ثم ألقاه إلي ، فأخذته ، فجعلته في كنانتي ، ثم رجعت ، فسكت فلم أذكر شيئا مما كان ، حتى إذا كان فتح مكة على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وفرغ من حنين والطائف ، خرجت ومعي الكتاب لألقاه ، فلقيته بالجعرانة ‏‏.‏‏ قال ‏‏:‏‏ فدخلت في كتيبة من خيل الأنصار ‏‏.‏‏ قال ‏‏:‏‏ فجعلوا يقرعونني بالرماح ويقولون ‏‏:‏‏ إليك إليك ، ماذا تريد ‏‏؟‏‏ قال ‏‏:‏‏ فدنوت من رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على ناقته ، والله لكأني أنظر إلى ساقه في غرزه كأنها جمارة ‏‏.‏‏

قال ‏‏:‏‏ فرفعت يدي بالكتاب ، ثم قلت ‏‏:‏‏ يا رسول الله ، هذا كتابك لي ، أنا سراقة بن جعشم ؛ قال ‏‏:‏‏ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏‏:‏‏ يوم وفاء وبر ، ادنُهْ ‏‏.‏‏ قال ‏‏:‏‏ فدنوت منه ، فأسلمت ‏‏.‏‏ ثم تذكرت شيئا أسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه فما أذكره ، إلا أني قلت ‏‏:‏‏ يا رسول الله ، الضالة من الإبل تغشى حياضي ، وقد ملأتها لإبلي ، هل لي من أجر في أن أسقيها ‏‏؟‏‏ قال ‏‏:‏‏ نعم ، في كل ذات كبد حرّى أجر ‏‏.‏‏ قال ‏‏:‏‏ ثم رجعت إلى قومي ، فسقت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صدقتي ‏‏.‏‏

تصويب نسب عبدالرحمن الجعشمي

قال ابن هشام ‏‏:‏‏ عبدالرحمن بن الحارث بن مالك بن جعشم ‏‏.‏‏

طريق الهجرة

قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ فلما خرج بهما دليلهما عبدالله بن أرقط ، سلك بهما أسفل مكة ، ثم مضى بهما على الساحل ، حتى عارض الطريق أسفل من عسفان ، ثم سلك بهما على أسفل أمج ، ثم استجاز بهما ، حتى عارض بهما الطريق ، بعد أن أجاز قديدا ، ثم أجاز بهما من مكانه ذلك ، فسلك بهما الخرار ، ثم سلك بهما ثنية المرة ، ثم سلك بهما لقفا ‏‏.‏‏

قال ابن هشام ‏‏:‏‏ ويقال ‏‏:‏‏ لفتا ‏‏.‏‏ قال معقل بن خويلد الهذلي ‏‏:‏‏

نزيعا محلبا من أهل لفت * لحي بين أثلة والنحام

قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ ثم أجاز بهم مدلجة لِقْف ثم استبطن بهما مدلجة محاج - ويقال ‏‏:‏‏ مجاج ، فيما قال ابن هشام - ثم سلك بهما مرجح محاج ، ثم تبطن بهما مرجح من ذي العضوين - قال ابن هشام ‏‏:‏‏ ويقال ‏‏:‏‏ العَضَوين - ثم بطن ذي كشر ، ثم أخذ بهما على الجداجد ، ثم على ‏الأجرد ، ثم سلك بهما ذا سلم ، من بطن أعداء مدلجة تعهن ، ثم على العبابيد ‏‏.‏‏

قال ابن هشام ‏‏:‏‏ ويقال ‏‏:‏‏ العبابيب ؛ ويقال ‏‏:‏‏ العثيانة ‏‏.‏‏ يريد ‏‏:‏‏ العبابيب ‏‏.‏‏

قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ ثم أجاز الفاجَّة ؛ ويقال ‏‏:‏‏ القاحة ، فيما قال ابن هشام ‏‏.‏‏

قال ابن هشام ‏‏:‏‏ ثم هبط بهما العرج ، وقد أبطأ عليهما بعض ظهرهم ، فحمل رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل من أسلم ، يقال له ‏‏:‏‏ أوس بن حجر ، على جمل له - يقال له ‏‏:‏‏ ابن الرداء - إلى المدينة ، وبعث معه غلاما له ، يقال له ‏‏:‏‏ مسعود بن هنيدة ، ثم خرج بهما دليلهما من العرج ، فسلك بهما ثنية العائر ، عن يمين ركوبة - ويقال ‏‏:‏‏ ثنية الغائر ، فيما قال ابن هشام - حتى هبط بهما بطن رئم ، ثم قدم بهما قباء ، على بني عمرو بن عوف ، لاثنتي عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الأول يوم الاثنين ، حين اشتد الضَّحاء ، وكادت الشمس تعتدل ‏‏.‏‏

قدومه صلى الله عليه وسلم قباء

قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ فحدثني محمد بن جعفر بن الزبير ، عن عروة بن الزبير ، عن عبدالرحمن بن عويمر بن ساعدة ، قال ‏‏:‏‏ حدثني رجال من قومي من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قالوا ‏‏:‏‏ لما سمعنا بمخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة ، وتوكفنا قدومه ، كنا ‏نخرج إذا صلينا الصبح ، إلى ظاهر حرتنا ننتظر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فوالله ما نبرح حتى تغلبنا الشمس على الظلال فإذا لم نجد ظلا دخلنا ، وذلك في أيام حارة ‏‏.‏‏ حتى إذا كان اليوم الذي قدم فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، جلسنا كما كنا نجلس ، حتى إذا لم يبق ظل دخلنا بيوتنا ، وقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم حين دخلنا البيوت ، فكان أول من رآه رجل من اليهود ، و قد رأى ما كنا نصنع ، وأنَّا ننتظر قدوم رسول الله صلى الله عليه وسلم علينا ، فصرخ بأعلى صوته ‏‏:‏‏ يا بني قيلة ، هذا جدكم قد جاء ‏‏.‏‏ قال ‏‏:‏‏ فخرجنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهو في ظل نخلة ، ومعه أبو بكر رضي الله عنه في مثل سنه ، وأكثرنا لم يكن رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل ذلك ، وركبه الناس وما يعرفونه من أبي بكر ، حتى زال الظل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقام أبو بكر فأظله بردائه ، فعرفناه عند ذلك ‏‏.‏‏
منزله عليه الصلاة و السلام بقباء

قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم - فيما يذكرون - على كلثوم بن هدم ، أخي بني عمرو بن عوف ، ثم أحد بني عبيد ‏‏:‏‏ ويقال ‏‏:‏‏ بل نزل على سعد بن خيثمة ‏‏.‏‏ ويقول من يذكر أنه نزل على كلثوم بن هدم ‏‏:‏‏ إنما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خرج من منزل كلثوم بن هدم جلس الناس في بيت سعد بن خيثمة ‏‏.‏‏ وذلك أنه كان عزبا لا أهل له ، وكان منزل ‏ الأعزاب من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من المهاجرين ، فمن هنالك يقال ‏‏:‏‏ نزل على سعد بن خيثمة ، وكان يقال لبيت سعد بن خيثمة ‏‏:‏‏ بيت الأعزاب ‏‏.‏‏ فالله أعلم أي ذلك كان ، كلا قد سمعنا ‏‏.‏‏

منزل أبي بكر بقباء

ونزل أبو بكر الصديق رضي الله عنه على خبيب بن إساف ، أحد بني الحارث بن الخزرج بالسنح ‏‏.‏‏ ويقول قائل ‏‏:‏‏ كان منزله على خارجة بن زيد بن أبي زهير ، أخي بني الحارث بن الخزرج ‏‏.‏‏

منزل علي بن أبي طالب بقباء

وأقام علي بن أبي طالب عليه السلام بمكة ثلاث ليال وأيامها ، حتى أدى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الودائع التي كانت عنده للناس ، حتى إذا فرغ منها ، لحق برسول الله صلى الله عليه وسلم ، فنزل معه على كلثوم بن هدم ‏‏.‏‏

من فضائل سهل بن حنيف

فكان علي بن أبي طالب ، وإنما كانت إقامته بقباء ليلة أو ليلتين يقول ‏‏:‏‏ كانت بقباء امرأة لا زوج لها ، مسلمة ‏‏.‏‏ قال ‏‏:‏‏ فرأيت إنسانا يأتيها من جوف الليل ، فيضرب عليها بابها ، فتخرج إليه فيعطيها شيئا معه فتأخذه ‏‏.‏‏ قال ‏‏:‏‏ فاستربت بشأنه ، فقلت لها ‏‏:‏‏ يا أمة الله ، من هذا الرجل الذي يضرب عليك بابك كل ليلة ، فتخرجين إليه فيعطيك شيئا لا أدري ما هو ، وأنت امرأة ‏مسلمة لا زوج لك ‏‏؟‏‏ قالت ‏‏:‏‏ هذا سهل بن حنيف بن واهب ، قد عرف أني امرأة لا أحد لي ، فإذا أمسى عدا على أوثان قومه فكسرها ، ثم جاءني بها ، فقال ‏‏:‏‏ احتطبي بهذا ، فكان علي رضي الله عنه يأثر ذلك من أمر سهل بن حنيف ، حتى هلك عنده بالعراق ‏‏.‏‏

قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ وحدثني هذا ، من حديث علي رضي الله عنه ، هند بن سعد بن سهل بن حنيف ، رضي الله عنه ‏‏.

انتشار الإسلام و من بقي على شركه من أهل المدينة

قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ فأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة إذ قدمها شهر ربيع الأول ، إلى صفر من السنة الداخلة ، حتى بُني له فيها مسجده ومساكنه ، واستجمع له إسلام هذا الحي من الأنصار ، فلم يبق دار من دور الأنصار إلا أسلم أهلها ، إلا ما كان من خطمة ، وواقف ، ووائل ، وأمية ، وتلك أوس الله ، وهم حي من الأوس ، فإنهم أقاموا على شركهم ‏‏.‏‏ ‏

أول خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم

وكانت أول خطبة خطبها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فيما بلغني عن أبي سلمة بن عبدالرحمن - نعوذ بالله أن نقول على رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لم يقل - أنه قام فيهم ، فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله ، ثم قال ‏‏:‏‏

أما بعد ، أيها الناس ، فقدموا لأنفسكم ‏‏.‏‏ تَعْلَّمُنَّ والله لَيُصعقن أحدكم ، ثم ليدعن غنمه ليس لها راع ، ثم ليقولن له ربه ، وليس له ترجمان ولا حاجب يحجبه دونه ‏‏:‏‏ ألم يأتك رسولي فبلغك ، وآتيتك مالا وأفضلت عليك ‏‏؟‏‏ فما قدمت لنفسك ‏‏؟‏‏ فلينظرن يمينا وشمالا فلا يرى شيئا ، ثم لينظرن قدامه فلا يرى غير جهنم ‏‏.‏‏ فمن استطاع أن يقي وجهه من النار ولو بشق من تمرة فليفعل ، ومن لم يجد فبكلمة طيبة ، فإن بها تجُزى الحسنة عشر أمثالها ، إلى سبع مئة ضعف ، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ‏‏.‏‏

خطبته الثانية صلى الله عليه وسلم

قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ ثم خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس مرة أخرى ، فقال ‏‏:‏‏

إن الحمد لله ، أحمده وأستعينه ، نعوذ بالله من شرور أنفسنا ، وسيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ‏‏.‏‏ إن أحسن الحديث كتاب الله تبارك وتعالى ، قد أفلح من زينه الله في قلبه ، وأدخله في الإسلام بعد الكفر ، واختاره على ما سواه من أحاديث الناس ، إنه أحسن الحديث وأبلغه ، أحبوا ما أحب الله ، أحبوا الله من كل قلوبكم ، ولا تملوا كلام الله وذكره ، ولا تقس عنه قلوبكم ، فإنه من كل ما يخلق الله يختار ويصطفي ، وقد سماه الله خيرته من الأعمال ، ومصطفاه من العباد ، والصالح من الحديث ؛ ومن كل ما أوتي الناس الحلال والحرام ، فاعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا ، واتقوه حق تقاته ، واصدقوا الله صالح ما تقولون بأفواهكم ، وتحابوا بروح الله بينكم ، إن الله يغضب أن يُنكث عهده ، والسلام عليكم ‏‏.‏‏

الرسول صلى الله عليه و سلم يوادع اليهود وكتابه بين المسلمين من المهاجرين و الأنصار

قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ وكتب رسول الله صلى الله عليه وسلم كتابا بين المهاجرين والأنصار ، وادع فيه يهود وعاهدهم ، وأقرهم على دينهم وأموالهم ، وشرط لهم ، واشترط عليهم ‏‏:‏‏

بسم الله الرحمن الرحيم ، هذا كتاب من محمد النبي صلى الله عليه وسلم ، بين ‏المؤمنين والمسلمين من قريش ويثرب ، ومن تبعهم ، فلحق بهم ، وجاهد معهم ، إنهم أمة واحدة من دون الناس ، المهاجرون من قريش على ربعتهم يتعاقلون بينهم ، وهم يفدون عانيهم بالمعروف والقسط بين المؤمنين ؛ وبنو عوف على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى ، كل طائفة تفدي عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين ؛ وبنو ساعدة على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى ، وكل طائفة منهم تفدي عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين ؛ وبنو الحارث على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى ، وكل طائفة تفدي عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين ؛ وبنو جشم على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى ، وكل طائفة منهم تفدي عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين ؛ وبنو النجار على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى ، وكل طائفة منهم تفدي عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين ؛ وبنو عمرو بن عوف على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى ، وكل طائفة تفدي عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين ؛ وبنو النبيت على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى ، وكل طائفة تفدي عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين ؛ وبنو الأوس على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى ، وكل طائفة منهم تفدي عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين ؛ وإن المؤمنين لا يتركون مُفْرَحا بينهم أن يعطوه بالمعروف في فداء أو عقل ‏‏.‏‏

قال ابن هشام ‏‏:‏‏ المُفْرح ‏‏:‏‏ المثقل بالدين والكثير العيال ‏‏.‏‏ قال الشاعر ‏‏:‏‏

إذا أنت لم تبرح تؤدي أمانة * وتحمل أخرى أفرحتك الودائع

وأن لا يحالف مؤمن مولى مؤمن دونه ؛ وإن المؤمنين المتقين على من بغى منهم ، أو ابتغى دسيعة ظُلم ، أو إثم ، أو عدوان ، أو فساد بين المؤمنين ؛ وإن أيديهم عليه جميعا ، ولو كان ولد أحدهم ؛ ولا يقتل مؤمن مؤمنا في كافر ، ولا ينصر كافرا على مؤمن ؛ وإن ذمة الله واحدة ، يجير عليهم أدناهم ؛ وإن المؤمنين بعضهم موالي بعض دون الناس ؛ وإنه من تبعنا من يهود فإن له النصر والأسوة ، غير مظلومين ولا متناصرين عليهم ؛ وإن سلم المؤمنين واحدة ، لا يسالم مؤمن دون مؤمن في قتال في سبيل الله ، إلا على سواء وعدل بينهم ؛ وإن كل غازية غزت معنا يُعقب بعضها بعضا ؛ وإن المؤمنين يُبيء بعضهم على بعض بما نال دماءهم في سبيل الله ؛ وإن المؤمنين المتقين على أحسن هدي وأقومه ؛ وإنه لا يجير مشرك مالا لقريش ولا نفسا ، ولا يحول دونه على مؤمن ؛ وإنه من اعتبط مؤمنا قتلا عن بينة فإنه قود به إلا أن يرضى ولي المقتول ، وإن المؤمنين عليه كافة ، ولا يحل لهم إلا قيام عليه ؛ وإنه لا يحل لمؤمن أقر بما في هذه الصحيفة ، وآمن بالله واليوم الآخر ، أن ينصر مُحْدثا ولا يُؤويه ؛ وأنه من نصره أو آواه ، فإن عليه لعنة الله وغضبه يوم القيامة ، ولا يؤخذ منه صرف ‏ولا عدل ؛ وإنكم مهما اختلفتم فيه من شيء ، فإن مرده إلى الله عز وجل ، وإلى محمد صلى الله عليه وسلم ؛ وإن اليهود ينفقون مع المؤمنين ما داموا محاربين ؛ وإن يهود بني عوف أمة مع المؤمنين ، لليهود دينهم ، وللمسلمين دينهم ، مواليهم وأنفسهم ، إلا من ظلم وأثم ، فإنه لا يُوتِغُ إلا نفسه ، وأهل بيته ، وإن ليهود بني النجار مثل ما ليهود بني عوف ؛ وإن ليهود بني الحارث مثل ما ليهود بني عوف ؛ وإن ليهود بني ساعدة مثل ما ليهود بني عوف ؛ وإن ليهود بني جشم مثل ما ليهود بني عوف ؛ وإن ليهود بني الأوس مثل ما ليهود بني عوف ؛ وإن ليهود بني ثعلبة مثل ما ليهود بني عوف ؛ إلا من ظلم وأثم ، فإنه لا يُوتغ إلا نفسه وأهل بيته ؛ وإن جفنة بطن من ثعلبة كأنفسهم ؛ وإن لبني الشُّطَيبة مثل ما ليهود بني عوف ، وإن البر دون الإثم ؛ وإن موالي ثعلبة كأنفسهم ؛ وإن بطانة يهود كأنفسهم ؛ وإنه لا يخرج منهم أحد إلا بإذن محمد صلى الله عليه وسلم ؛ وإنه لا ينحجز على نار جرح ؛ وإنه من فتك فبنفسه فتك ، وأهل بيته ، إلا من ظلم ؛ وإن الله على أبر هذا ؛ وإن على اليهود نفقتهم وعلى المسلمين نفقتهم ؛ وإن بينهم النصر على من حارب أهل هذه الصحيفة ؛ وإن بينهم النصح والنصيحة ، والبر دون الإثم ؛ وإنه لم يأثم امرؤ بحليفه ؛ وإن النصر للمظلوم ؛ وإن اليهود ينفقون مع المؤمنين ما داموا محاربين ؛ وإن يثرب حرام جوفها لأهل هذه الصحيفة ؛ وإن الجار كالنفس غير مُضار ولا آثم ؛ وإنه لا تجُار حُرمة إلا بإذن أهلها ؛ وإنه ما كان بين أهل هذه الصحيفة من حدث أو اشتجار يخُاف فساده ، فإن مرده إلى الله عز وجل ، ‏وإلى محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ وإن الله على أتقى ما في هذه الصحيفة وأبره ؛ وإنه لا تجُار قريش ولا من نصرها ؛ وإن بينهم النصر على من دهم يثرب ، وإذا دُعوا إلى صلح يصالحونه ويلبسونه ، فإنهم يصالحونه ويلبسونه ؛ وإنهم إذا دُعوا إلى مثل ذلك فإنه لهم على المؤمنين ، إلا من حارب في الدين ، على كل أناس حصتهم من جانبهم الذي قِبَلَهم ؛ وإن يهود الأوس ، مواليهم وأنفسهم ، على مثل ما لأهل هذه الصحيفة ‏‏.‏‏ مع البر المحض ‏‏؟‏‏ من أهل هذه الصحيفة ‏‏.‏‏

قال ابن هشام ‏‏:‏‏ ويقال ‏‏:‏‏ مع البر المحسن من أهل هذه الصحيفة ‏‏.‏‏

قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ وإن البر دون الإثم ، لا يكسب كاسب إلا على نفسه ؛ وإن الله على أصدق ما في هذه الصحيفة وأبره ؛ وإنه لا يحول هذا الكتاب دون ظالم وآثم ، وإنه من خرج آمنٌ ، ومن قعد آمن بالمدينة ، إلا من ظلم أو أثم ؛ وإن الله جار لمن بر واتقى ، ومحمد رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏‏.
المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار

من آخى بينهم صلى الله عليه و سلم

قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ وآخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أصحابه من المهاجرين والأنصار ، فقال - فيما بلغنا ، ونعوذ بالله أن نقول عليه ما لم يقل - ‏‏:‏‏ تآخَوْا في الله أخوين أخوين ؛ ثم أخذ بيد علي بن أبي طالب ، فقال ‏‏:‏‏ هذا أخي ‏‏.‏‏ فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم سيد المرسلين ، وإمام المتقين ، ورسول رب العالمين ، الذي ليس له خطير ولا نظير من العباد ، وعلي بن أبي طالب رضي الله عنه ، أخوين ؛ وكان حمزة بن عبدالمطلب ، أسد الله وأسد رسوله صلى الله عليه وسلم ، وعم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وزيد بن حارثة ، مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أخوين ، وإليه أوصى حمزة يوم أحد حين حضره القتال إن حدث به حادث الموت ؛ وجعفر بن أبي طالب ذو الجناحين ، الطيار في الجنة ، ومعاذ بن جبل ، أخو بني سلمة ، أخوين


قال ابن هشام ‏‏:‏‏ وكان جعفر بن أبي طالب يومئذ غائبا بأرض الحبشة ‏‏.‏‏

قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ وكان أبو بكر الصديق رضي الله عنه ، ابن أبي قحافة ، وخارجة بن زهير ، أخو بلحارث بن الخزرج ، أخوين ؛ وعمر بن الخطاب رضي الله عنه ، وعتبان بن مالك ، أخو بني سالم بن عوف ابن عمرو بن عوف بن الخزرج ، أخوين ؛ وأبو عبيدة بن عبدالله بن الجراح ، واسمه عامر بن عبدالله ، وسعد بن معاذ بن النعمان ، أخو بني عبدالأشهل ، أخوين ‏‏.‏‏ وعبدالرحمن بن عوف ، وسعد بن الربيع ، أخو بلحارث بن الخزرج ، أخوين ‏‏.‏‏ والزبير بن العوام ، وسلامة بن سلامة ابن وقش ، أخو بني عبدالأشهل ، أخوين ‏‏.‏‏ ويقال ‏‏:‏‏ بل الزبير وعبدالله بن مسعود ، حليف بني زهرة ، أخوين ‏‏.‏‏ وعثمان بن عفان ، وأوس بن ثابت بن المنذر ، أخو بني النجار ، أخوين ‏‏.‏‏ وطلحة بن عبيد الله ، وكعب بن مالك ، أخو بني سلمة ، أخوين ‏‏.‏‏ وسعد بن زيد بن عمرو ابن نفيل ، وأُبي بن كعب ، أخو بني النجار ‏‏:‏‏ أخوين ‏‏.‏‏ ومصعب بن عمير بن هاشم ، وأبو أيوب خالد بن زيد ، أخو بني النجار ‏‏:‏‏ أخوين ؛ وأبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة ، وعباد بن بشر بن وقش ، أخو بني عبدالأشهل ‏‏:‏‏ أخوين ‏‏.‏‏ وعمار بن ياسر ، حليف بني مخزوم ، وحذيفة بن اليمان ، أخو بني عبد عبس ، حليف بني عبدالأشهل ‏‏:‏‏ أخوين ‏‏.‏‏ ويقال ‏‏:‏‏ ثابت بن قيس بن الشماس ، أخو بلحارث بن الخزرج ، خطيب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وعمار بن ياسر ‏‏:‏‏ أخوين ‏‏.‏‏ وأبو ذر ، وهو بُرير بن جنادة الغفاري ، والمنذر بن عمرو ، المُعْنِق ليموت ، أخو بني ساعدة بن كعب بن الخزرج ‏‏:‏‏ أخوين ‏‏.‏‏

قال ابن هشام ‏‏:‏‏ وسمعت غير واحد من العلماء يقول ‏‏:‏‏ أبو ذر ، جُنْدَب ابن جنادة ‏‏.‏‏

قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ وكان حاطب بن أبي بلتعة ، حليف بني أسد بن عبدالعزى ، وعويم بن ساعدة ، أخو بني عمرو بن عوف ، أخوين ؛ وسلمان الفارسي ، وأبو الدرداء ، عويمر بن ثعلبة ، أخو بلحارث بن الخزرج ، أخوين ‏‏.‏‏

قال ابن هشام ‏‏:‏‏ عويمر بن عامر ؛ ويقال ‏‏:‏‏ عويمر بن زيد ‏‏.‏‏

قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ وبلال ، مولى أبي بكر رضي الله عنهما ، مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأبو رُوَيحة ، عبدالله بن عبدالرحمن الخثعمي ، ثم أحد الفزع ، أخوين ‏‏.‏‏ فهؤلاء من سُمِّي لنا ، ممن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم آخى بينهم من أصحابه ‏‏.‏‏

بلال يوصي بديوانه لأبي رُويحة

فلما دوّن عمر بن الخطاب الدواوين بالشام ، وكان بلال قد خرج إلى الشام ، فأقام بها مجاهدا ، فقال عمر لبلال ‏‏:‏‏ إلى من تجعل ديوانك يا بلال ‏‏؟‏‏ قال ‏‏:‏‏ مع أبي رويحة ، لا أفارقه أبدا ، للأخوة التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم عقد بينه وبيني ، فضم إليه ، وضُم ديوان الحبشة إلى خثعم ، لمكان بلال منهم ، فهو في خثعم إلى هذا اليوم بالشام ‏‏.‏‏

أبو أمامة

قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ وهلك في تلك الأشهر أبو أمامة ، أسعد بن زرارة ، والمسجد يُبنى ، أخذته الذبحة أو الشهقة ‏‏.‏‏

موته و ما قاله اليهود في ذلك

قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ وحدثني عبدالله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم ، عن يحيى بن عبدالله بن عبدالرحمن بن أسعد بن زرارة ‏‏:‏‏ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال ‏‏:‏‏ بئس الميت أبو أمامة ، ليهود ومنافقي العرب يقولون ‏‏:‏‏ لو كان نبيا لم يمت صاحبه ، ولا أملك لنفسي ولا لصاحبي من الله شيئا ‏‏.‏‏

نقابته عليه الصلاة و السلام لبني النجار

قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ وحدثني عاصم بن عمر بن قتادة الأنصاري ‏‏:‏‏ أنه لما مات أبو أمامة ، أسعد بن زرارة ، اجتمعت بنو النجار إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكان أبو أمامة نقيبهم ، فقالوا له ‏‏:‏‏ يا رسول الله ، إن هذا قد كان منا حيث قد علمت ، فاجعل منا رجلا مكانه يُقيم من أمرنا ما كان يقيم ؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لهم ‏‏:‏‏ أنتم أخوالي ، وأنا بما فيكم ، وأنا نقيبكم ؛ وكره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يخص بها بعضهم دون بعض ‏‏.‏‏ فكان من فضل بني النجار الذي يَعُدّون على قومهم ، أن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم نقيبهم ‏‏.‏‏

خبر الأذان

التفكير في اتخاذ بوق أو ناقوس علامة لحلول وقت الصلاة

قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ فلما اطمأن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة ، واجتمع إليه إخوانه من المهاجرين ، واجتمع أمر الأنصار ، استحكم أمر الإسلام ، فقامت الصلاة ، وفُرضت الزكاة والصيام ، وقامت الحدود ، وفرض الحلال والحرام ، وتبوأ الإسلام بين أظهرهم ، وكان هذا الحي من الأنصار هم الذين تبوءوا الدار والإيمان ‏‏.‏‏ وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قدمها إنما يجتمع الناس إليه للصلاة مواقيتها ، بغير دعوة ، فهم رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قدمها أن يجعل بوقا كبوق يهود الذين يدعون به لصلاتهم ، ثم كرهه ؛ ثم أمر بالناقوس ، فنحت ليضرب به للمسلمين للصلاة ‏‏.‏‏

رؤيا عبدالله بن زيد في الأذان

فبينما هم على ذلك ، إذ رأى عبدالله بن زيد بن ثعلبة بن عبد ربه ، أخو بلحارث بن الخزرج ، النداء ، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال له ‏‏:‏‏ يا رسول الله ، إنه طاف بي هذه الليلة طائف ‏‏:‏‏ مر بي رجل عليه ثوبان أخضران ، يحمل ناقوسا في يده ، فقلت له ‏‏:‏‏ يا عبدالله ، أتبيع هذا الناقوس ‏‏؟‏‏ قال ‏‏:‏‏ وما تصنع به ‏‏؟‏‏ قال ‏‏:‏‏ قلت ‏‏:‏‏ ندعو به إلى الصلاة ، قال ‏‏:‏‏ أفلا أدلك على خير من ذلك ‏‏؟‏‏ قال ‏‏:‏‏ قلت ‏‏:‏‏ وما هو ‏‏؟‏‏ قال ‏‏:‏‏ تقول ‏‏:‏‏ الله أكبر الله أكبر ، الله أكبر الله أكبر ، أشهد أن لا إله إلا الله ، أشهد أن لا إله إلا الله ، أشهد أن محمدا رسول الله ، أشهد أن محمدا رسول الله ، حي على الصلاة ، حي على الصلاة ، حي على الفلاح ، حي على الفلاح ، الله أكبر الله أكبر ، لا إله إلا الله ‏‏.‏‏

أمره بلالا بالأذان

فلما أخبر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال ‏‏:‏‏ إنها لرؤيا حق ، إن شاء الله ، فقم مع بلال فألقها عليه ، فليؤذن بها ، فإنه أندى صوتا منك ‏‏.‏‏

فلما أذن بها بلال سمعها عمر بن الخطاب ، وهو في بيته ، فخرج إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهو يجر رداءه ، وهو يقول ‏‏:‏‏ يا نبي الله ، والذي بعثك بالحق ، لقد رأيت مثل الذي رأى ؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏‏:‏‏ فلله الحمد على ذلك ‏‏.‏‏

رؤيا عمر في الأذان ، و سبق الوحي إليه

قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ حدثني بهذا الحديث محمد بن إبراهيم بن الحارث ، عن محمد بن عبدالله بن زيد بن ثعلبة بن عبد ربه ، عن أبيه ‏‏.‏‏

قال ابن هشام ‏‏:‏‏ وذكر ابن جريج ، قال لي عطاء ‏‏:‏‏ سمعت عبيد بن عمير الليثي يقول ‏‏:‏‏ ائتمر النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه بالناقوس للاجتماع للصلاة ، فبينما عمر بن الخطاب يريد أن يشتري خشبتين للناقوس ، إذ رأى عمر بن الخطاب في المنام ‏‏:‏‏ لا تجعلوا الناقوس ، بل أذنوا للصلاة ‏‏.‏‏

فذهب عمر إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليخبره بالذي رأى ، وقد جاء النبيَّ صلى الله عليه وسلم الوحي بذلك ، فما راع عمر إلا بلال يؤذن ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أخبره بذلك ‏‏:‏‏ قد سبقك بذلك الوحي ‏‏.‏‏

ما كان يدعو به بلال قبل أذان الفجر

قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ وحدثني محمد بن جعفر بن الزبير ، عن عروة بن الزبير ، عن امرأة من بني النجار ، قالت ‏‏:‏‏ كان بيتي من أطول بيت حول المسجد ، فكان بلال يؤذن عليه الفجر كل غداة ، فيأتي بسحر ، فيجلس على البيت ينتظر الفجر ، فإذا رآه تمطى ، ثم قال ‏‏:‏‏ اللهم إني أحمدك وأستعينك على قريش أن يُقيموا على دينك ‏‏.‏‏ قالت ‏‏:‏‏ والله ما علمته كان يتركها ليلة واحدة ‏‏.‏‏

أمر أبي قيس بن أبي أنس

قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ فلما اطمأنت برسول الله صلى الله عليه وسلم داره ، وأظهر الله بها دينه ، وسره بما جمع إليه من المهاجرين والأنصار من أهل ولايته ، قال أبو قيس صرمة بن أبي أنس ، أخو بني عدي بن النجار ‏‏.‏‏

نسبه

- قال ابن هشام ‏‏:‏‏ أبو قيس ، صرمة بن أبي أنس بن صرمة بن مالك ابن عدي بن عامر بن غنم بن عدي بن النجار


قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ وكان رجلا قد ترهب في الجاهلية ، ولبس المسوح ، وفارق الأوثان ، واغتسل من الجنابة وتطهر من الحائض من النساء ، وهمّ بالنصرانية ، ثم أمسك عنها ، ودخل بيتا له ، فاتخذه مسجدا لا تدخله عليه فيه طامث و لا جنب ، وقال ‏‏:‏‏ أعبد رب إبراهيم ، حين فارق الأوثان وكرهها ، حتى قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ، فأسلم وحسن إسلامه ، وهو شيخ كبير ، وكان قوالا بالحق ، معظما لله عز وجل في جاهليته ، يقول أشعارا في ذلك حسانا - وهو الذي يقول ‏‏:‏‏

يقول أبو قيس وأصبح غاديا ‏‏:‏‏ * ألا ما استطعتم من وصاتي فافعلوا

فأوصيكم بالله والبر والتقى * وأعراضكم ، والبر بالله أول

وإنْ قومكم سادوا فلا تحسدنهم * وإن كنتم أهل الرياسة فاعدلوا

وإن نزلت إحدى الدواهي بقومكم * فأنفسكم دون العشيرة فاجعلوا

وإن ناب غرم فادح فارفقوهم * وما حمَّلوكم في الملمات فاحملوا

وإن أنتم أمعرتمُ فتعففوا * وإن كان فضل الخير فيكم فأفضلوا

قال ابن هشام ‏‏:‏‏ ويُروى ‏‏:‏‏

وإن ناب أمر فادح فارفدوهمُ *

قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ وقال أبو قيس صرمة أيضا ‏‏:‏‏

سبِّحوا الله شرق كل صباح * طلعت شمسه وكل هلالِ

عالم السر والبيان لدينا * ليس ما قال ربنا بضلال

وله الطير تستريد وتأوي * في وكور من آمنات الجبال

وله الوحش بالفلاة تراها * في حقاف وفي ظلال الرمال

وله هوّدت يهود ودانت * كل دين إذا ذكرتَ عُضال

وله شمّس النصارى وقاموا * كل عيد لربهم واحتفال

وله الراهب الحبيس تراه * رهن بُؤس وكان ناعم بال

يا بَنيَّ الأرحامَ لا تقطعوها * وصِلُوها قصيرة من طوال

واتقوا الله في ضعاف اليتامى * ربما يُستحل غيرُ الحلال

واعلموا أن لليتيم وليا * عالما يهتدي بغير السؤال

ثم مالَ اليتيم لا تأكلوه * إن مال اليتيم يرعاه والي

يا بَنيّ ، التخوم لا تخزلوها * إن خزل التخوم ذو عُقَّال

يا بني الأيام لا تأمنوها * واحذروا مكرها ومر الليالي

واعلموا أن مَرّها لنفاد الْ * خلق ما كان من جديد وبالي

واجمعوا أمركم على البر والتَّقْ * وى وترك الخنا وأخذ الحلال

وقال أبو قيس صرمة أيضا ، يذكر ما أكرمهم الله تبارك وتعالى به من الإسلام ، وما خصهم الله به من نزول رسوله صلى الله عليه وسلم عليهم ‏‏:‏‏

ثوى في قريش بضع عشرة حجة * يذكِّر لو يلقى صديقا مُواتيا

ويعرض في أهل المواسم نفسه * فلم ير من يُؤوي ولم ير داعيا

فلما أتانا أظهر الله دينه * فأصبح مسرورا بطيبة راضيا

وألفى صديقا واطمأنت به النوى * وكان له عونا من الله باديا

يقص لنا ما قال نوح لقومه * وما قال موسى إذ أجاب المناديا

فأصبح لا يخشى من الناس واحدا * قريبا ولا يخشى من الناس نائيا

بذلنا له الأموال من حلّ مالنا * وأنفسنا عند الوغى والتآسيا

ونعلم أن الله لا شيء غيره * ونعلم أن الله أفضل هاديا

نعادي الذي عادى من الناس كلهم * جميعا وإن كان الحبيب المصافيا

أقول إذا أدعوك في كل بيعة ‏‏:‏‏ * تباركت قد أكثرتُ لاسمك داعيا

أقول إذا جاوزت أرضا مخوفة ‏‏:‏‏ * حنانيك لا تُظهر علي الأعاديا

فطأْ معرضا إن الحتوف كثيرة * وإنك لا تُبقي لنفسك باقيا

فوالله ما يدري الفتى كيف يتقي * إذا هو لم يجعل له الله واقيا

ولا تحفِلُ النخل المُعيمة ربها * إذا أصبحت ريّا وأصبح ثاويا

قال ابن هشام ‏‏:‏‏ البيت الذي أوله ‏‏:‏‏

فطأ معرضا إن الحتوف كثيرة

والبيت الذي يليه ‏‏:‏‏

فوالله ما يدري الفتى كيف يتقي

لأفنون التغلبي ، وهو صُريم بن معشر ، في أبيات له ‏‏.‏‏
عداوة اليهود

قبائلهم واسماؤهم

قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ ونصبت عند ذلك أحبار يهود لرسول الله صلى الله عليه وسلم العداوة ، بغيا وحسدا وضغنا ، لما خص الله تعالى به العرب من أخذه رسوله منهم ، وانضاف إليهم رجال من الأوس والخزرج ، ممن كان عسى على جاهليته ، فكانوا أهل نفاق على دين آبائهم من الشرك والتكذيب بالبعث ، إلا أن الإسلام قهرهم بظهوره واجتماع قومهم عليه ، فظهروا بالإسلام ، واتخذوه جُنَّة من القتل ، ونافقوا في السر ، وكان هواهم مع يهود ، لتكذيبهم النبي صلى الله عليه وسلم ، وجحودهم الإسلام ‏‏.‏‏

وكانت أحبار يهود هم الذين يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم ويتعنَّتونه ، ويأتونه باللَّبس ، ليلبسوا الحق بالباطل ، فكان القرآن ينزل فيهم فيما يسألون عنه ، إلا قليلا من المسائل في الحلال والحرام كان المسلمون يسألون عنها ‏‏.‏‏

الأعداء من بني النضير

منهم ‏‏:‏‏ حيي بن أخطب ، وأخواه أبو ياسر بن أخطب ، وجُدَيّ بن أخطب ، وسلاَّم بن مشكم ، وكنانة بن الربيع بن أبي الحقيق ، وسلاَّم بن أبي الحقيق ، وأبو رافع الأعور ، - وهو الذي قتله أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بخيبر - والربيع بن الربيع بن أبي الحقيق ، وعمرو بن جحَّاش ، وكعب بن الأشرف ، وهو من طيئ ، ثم أحد بني نبهان ، وأمه من بني النضير ، والحجاج بن عمرو ، حليف كعب بن الأشرف ، وكردم بن قيس ، حليف كعب بن الأشرف ، فهؤلاء من بني النضير ‏‏.‏‏ ‏

من بني ثعلبة

ومن بني ثعلبة بن الفِطْيَوْن ‏‏:‏‏ عبدالله بن صُوريا الأعور ، ولم يكن بالحجاز في زمانه أحد أعلم بالتوراة منه ؛ وابن صلوبا ، ومخيريق ، وكان حبرهم ، أسلم ‏‏.‏‏

من بني قينقاع

ومن بني قينقاع ‏‏:‏‏ زيد بن اللَّصيت - ويقال ‏‏:‏‏ ابن اللُّصيت - فيما قال ابن هشام - وسعد بن حنيف ، ومحمود بن سيحان ، وعُزيز بن أبي عزيز ، وعبدالله بن صيف ‏‏.‏‏

قال ابن هشام ‏‏:‏‏ ويقال ‏‏:‏‏ ابن ضيف ‏‏.‏‏

قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ وسويد بن الحارث ، ورفاعة بن قيس ، وفِنحاص ، وأشيع ، ونعمان بن أضا ، وبحري بن عمرو ، وشأس بن عدي ، وشأس بن قيس ، وزيد بن الحارث ، ونعمان بن عمرو ، وسُكين بن أبي سكين ، وعدي بن زيد ، ونعمان بن أبي أوفى ، أبو أنس ، ومحمود بن دحية ، ومالك بن صيف ‏‏.‏‏

قال ابن هشام ‏‏:‏‏ ويقال ‏‏:‏‏ ابن ضيف ‏‏.‏‏

قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ وكعب بن راشد ، وعازر ، ورافع بن أبي رافع ، وخالد وأزار بن أبي أزار ‏‏.‏‏

قال ابن هشام ‏‏:‏‏ ويقال ‏‏:‏‏ آزر بن آزر ‏‏.‏‏

قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ ورافع بن حارثة ، ورافع بن حريملة ، ورافع ‏بن خارجة ، ومالك بن عوف ، ورفاعة بن زيد بن التابوت ، وعبدالله بن سلام بن الحارث ، وكان حَبرْهم وأعلمهم ، وكان اسمه الحصين ، فلما أسلم سماه رسول الله صلى الله عليه وسلم عبدالله ‏‏.‏‏ فهؤلاء من بني قينقاع ‏‏.‏‏
من بني قريظة

ومن بني قريظة ‏‏:‏‏ الزبير بن باطا بن وهب ، وعزّال بن شمويل ، وكعب بن أسد ، وهو صاحب عَقد بني قريظة الذي نُقض عام الأحزاب ، وشمويل بن زيد ، وجبل بن عمرو بن سكينة ، والنحام بن زيد ، وقردم بن كعب ، ووهب بن زيد ، ونافع بن أبي نافع ، وأبو نافع ، و عدي بن زيد ، والحارث بن عوف ، وكَرْدم بن زيد ، وأسامة بن حبيب ، ورافع بن رميلة ، وجبل بن أبي قشير ، ووهب بن يهوذا ، فهؤلاء من بني قريظة ‏‏.‏‏

من بني زريق

ومن يهود بني زريق ‏‏:‏‏ لبيد بن أعصم ، وهو الذي أخَّذ رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نسائه ‏‏.‏‏

من بني حارثة

ومن يهود بني حارثة ‏‏:‏‏ كنانة بن صُوريا ‏‏.‏‏

من بني عمرو

ومن يهود بني عمرو بن عوف ‏‏:‏‏ قردم بن عمرو ‏‏.‏‏

من بني النجار

ومن يهود بني النجار ‏‏:‏‏ سلسلة بن برهام ‏‏.‏‏

فهؤلاء أحبار اليهود ، أهل الشرور والعداوة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، وأصحاب المسألة ، والنصب لأمر الإسلام الشرور ليطفئوه ، إلا ما كان من عبدالله بن سلام ، ومخيريق ‏‏.‏‏

إسلام عبدالله بن سلام

كيف أسلم

قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ وكان من حديث عبدالله بن سلام ، كما حدثني بعض أهله عنه وعن إسلامه حين أسلم ، وكان حبرا عالما ، قال ‏‏:‏‏ لما سمعت برسول الله صلى الله عليه وسلم عرفت صفته واسمه وزمانه الذي كنا نتوكف له ، فكنت مسرا لذلك ، صامتا عليه ، حتى قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ، فلما نزل بقباء ، في بني عمرو بن عوف ، أقبل رجل حتى أخبر بقدومه ، وأنا في رأس نخلة لي أعمل فيها ، وعمتي خالدة بنت الحارث تحتي جالسة ، فلما سمعت الخبر بقدوم رسول الله صلى الله عليه وسلم كبرت ؛ فقالت لي عمتي ، حين سمعت تكبيري ‏‏:‏‏ خيبك الله ، والله لو كنت سمعت بموسى بن عمران قادما ما زدت ، قال ‏‏:‏‏ فقلت لها ‏‏:‏‏ أي عمة ، هو والله أخو موسى بن عمران ، وعلى دينه ، بعث بما بعث به ‏‏.‏‏

قال ‏‏:‏‏ فقالت ‏‏:‏‏ أي ابن أخي ، أهو النبي الذي كنا نخبر أنه يبعث مع نفس الساعة ‏‏؟‏‏ قال ‏‏:‏‏ فقلت لها ‏‏:‏‏ نعم ‏‏.‏‏ قال ‏‏:‏‏ فقالت ‏‏:‏‏ فذاك إذا ‏‏.‏‏

قال ‏‏:‏‏ ثم خرجت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأسلمت ، ثم رجعت إلى أهل بيتي ، فأمرتهم فأسلموا ‏‏.‏‏
تكذيب قومه له

قال ‏‏:‏‏ وكتمت إسلامي من يهود ، ثم جئت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقلت له ‏‏:‏‏ يا رسول الله ، إن يهود قوم بهت ، وإني أحب أن تدخلني في بعض بيوتك ، وتغيبني عنهم ، ثم تسألهم عني ، حتى يخبروك كيف أنا فيهم ، قبل أن يعلموا بإسلامي ، فإنهم إن علموا به بهتوني وعابوني ‏‏.‏‏

قال ‏‏:‏‏ فأدخلني رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض بيوته ، ودخلوا عليه ، فكلموه وساءلوه ، ثم قال لهم ‏‏:‏‏ أي رجل الحصين بن سلام فيكم ‏‏؟‏‏ قالوا ‏‏:‏‏ سيدنا وابن سيدنا ، وحبرنا وعالمنا ‏‏.‏‏ قال ‏‏:‏‏ فلما فرغوا من قولهم خرجت عليهم ، فقلت لهم ‏‏:‏‏ يا معشر يهود ، اتقوا الله واقبلوا ما جاءكم به ، فوالله إنكم لتعلمون إنه لرسول الله ، تجدونه مكتوبا عندكم في التوراة باسمه وصفته ، فإني أشهد أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأومن به وأصدقه وأعرفه ، فقالوا ‏‏:‏‏ كذبت ثم وقعوا بي ‏‏.‏‏

قال ‏‏:‏‏ فقلت لرسول الله صلى الله عليه وسلم ‏‏:‏‏ ألم أخبرك يا رسول الله أنهم قوم بهت ، أهل غدر وكذب وفجور ‏‏!‏‏ قال ‏‏:‏‏ فأظهرت إسلامي وإسلام أهل بيتي ، وأسلمت عمتي خالدة بنت الحارث ، فحسن إسلامها ‏‏.‏‏


من حديث مخيريق

قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ وكان من حديث مخيريق ، وكان حبرا عالما ، وكان رجلا غنيا كثير الأموال من النخل ، وكان يعرف رسول الله صلى الله عليه وسلم بصفته ، وما يجد في علمه ، وغلب عليه إلف دينه ، فلم يزل على ذلك ، حتى إذا كان يوم أحد ، وكان يوم أحد يوم السبت ، قال ‏‏:‏‏ يا معشر يهود ، والله إنكم لتعلمون أن نصر محمد عليكم لحق ‏‏.‏‏ قالوا ‏‏:‏‏ إن اليوم يوم السبت ؛ قال ‏‏:‏‏ لا سبت لكم ‏‏.‏‏

ثم أخذ سلاحه فخرج حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بأحد ، وعهد إليه من وراءه من قومه ‏‏:‏‏ إن قتلت هذا اليوم ، فأموالي لمحمد صلى الله عليه وسلم يصنع فيها ما أراه الله ‏‏.‏‏ فلما اقتتل الناس قاتل حتى قتل ‏‏.‏‏

فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم - فيما بلغني - يقول ‏‏:‏‏ مخيريق خير يهود ‏‏.‏‏ وقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم أمواله ، فعامة صدقات رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة منها ‏‏.‏‏

حديث صفية بنت حيي

قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ وحدثني عبدالله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم قال ‏‏:‏‏ حدثت عن صفية بنت حيي بن أخطب أنها قالت ‏‏:‏‏ كنت أحب ولد أبي إليه ، وإلى عمي أبي ياسر ، لم ألقهما قط مع ولد لهما إلا أخذاني دونه ‏‏.‏‏ قالت ‏‏:‏‏ فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ، ونزل قباء ، في بني عمرو بن عوف ، غدا عليه أبي ، حيي بن أخطب ، وعمي أبو ياسر بن أخطب ، مغلسين ‏‏.‏‏ قالت ‏‏:‏‏ فلم يرجعا حتى كانا مع غروب الشمس ‏‏.‏‏

قالت ‏‏:‏‏ فأتيا كالَّين كسلانين ساقطين يمشيان الهوينى ‏‏.‏‏ قالت ‏‏:‏‏ فهششت إليهما كما كنت أصنع ، فوالله ما التفت إلي واحد منهما ، مع ما بهما من الغم ‏‏.‏‏ قالت ‏‏:‏‏ وسمعت عمي أبا ياسر ، وهو يقول لأبي حيي بن أخطب ‏‏:‏‏ أهو هو ‏‏؟‏‏ قال ‏‏:‏‏ نعم والله ؛ قال ‏‏:‏‏ أتعرفه وتثبته ‏‏؟‏‏ قال ‏‏:‏‏ نعم ؛ قال ‏‏:‏‏ فما في نفسك منه ‏‏؟‏‏ قال ‏‏:‏‏ عداوته والله ما بقيت ‏‏.‏‏

من اجتمع إلى يهود من منافقي الأنصار بالمدينة

من بني عمرو

قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ وكان ممن انضاف إلى يهود ، ممن سمي لنا من المنافقين من الأوس والخزرج ، والله أعلم ‏‏.‏‏ من الأوس ، ثم من بني عمرو بن عوف بن مالك بن الأوس ، ثم من بني لوذان بن عمرو بن عوف ‏‏:‏‏ زُوَيّ بن الحارث ‏‏.‏‏

من بني حبيب

ومن بني حُبيب بن عمرو بن عوف ‏‏:‏‏ جُلاس بن سويد بن الصامت ، وأخوه الحارث بن سويد ‏‏.‏‏

شيء عن جلاس

وجلاس الذي قال - وكان ممن تخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك - لئن كان هذا الرجل صادقا لنحن شر من الحمر ‏‏.‏‏ فرفع ذلك من قوله إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم عمير بن سعد ، أحدهم ، وكان في حجر جلاس ، خَلَف جلاس على أمه بعد أبيه ، فقال له عمير بن سعد ‏‏:‏‏ والله يا جلاس ، إنك لأحب الناس إلي ، وأحسنهم عندي يدا ، وأعزهم علي أن يصيبه شيء يكرهه ، ولقد قلت مقالة لئن رفعتُها عليك لأفضحنك ، ولئن صمتُّ عليها ليهلكن ديني ، ولإحداهما أيسر علي من الأخرى ‏‏.‏‏ ثم مشى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فذكر له ما قال جلاس ، فحلف جلاس بالله لرسول الله صلى الله عليه وسلم ‏‏:‏‏ لقد كذب علي عمير ، وما قلت ما قال عمير بن سعد ‏‏.‏‏

فأنزل الله عز وجل فيه ‏‏:‏‏ ‏‏(‏‏ يحلفون بالله ما قالوا ، ولقد قالوا كلمة الكفر وكفروا بعد إسلامهم ، وهموا بما لم ينالوا ، وما نقموا إلا أن أغناهم الله ورسوله من فضله ، فإن يتوبوا يك خيرا لهم ، وإن يتولوا يعذبهم الله عذابا أليما في الدنيا والآخرة ، وما لهم في الأرض من ولي ولا نصير ‏‏)‏‏ ‏‏.‏‏

قال ابن هشام ‏‏:‏‏الأليم ‏‏:‏‏ الموجع ‏‏.‏‏ قال ذو الرمة يصف إبلا ‏‏:‏‏

وترفع من صدور شمردلات * يصك وجوهها وهج أليمُ

وهذا البيت في قصيدة له ‏‏.‏‏

قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ فزعموا أنه تاب فحسنت توبته ، حتى عرف منه الخير والإسلام ‏‏.‏‏
شيء عن الحارث بن سويد

وأخوه الحارث بن سويد ، الذي قتل المجذر بن زياد البلوي ، وقيس بن زيد ، أحد بني ضبيعة ، يوم أحد ‏‏.‏‏ خرج مع المسلمين ، وكان منافقا ، فلما التقى الناس عدا عليهما ، فقتلهما ثم لحق بقريش ‏‏.‏‏

قال ابن هشام ‏‏:‏‏وكان المجذر بن زياد قتل سويد بن صامت في بعض الحروب التي كانت بين الأوس والخزرج ، فلما كان يوم أحد طلب الحارث بن سويد غرة المجذر بن زياد ، ليقتله بأبيه ، فقتله وحده ، وسمعت غير واحد من أهل العلم يقول ‏‏:‏‏ والدليل على أنه لم يقتل قيس بن زيد ، أن ابن إسحاق لم يذكره في قتلى أحد ‏‏.‏‏

قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ قتل سويد بن صامت معاذ بن عفراء غيلة ، في غير حرب ، رماه بسهم فقتله قبل يوم بعاث ‏‏.‏‏

قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم - فيما يذكرون - قد أمر عمر بن الخطاب بقتله إن هو ظفر به ، ففاته ، فكان بمكة ، ثم بعث إلى أخيه جلاس يطلب التوبة ، ليرجع إلى قومه ‏‏.‏‏ فأنزل الله تبارك وتعالى فيه - فيما بلغني عن ابن عباس - ‏‏:‏‏ ‏‏(‏‏ كيف يهدي الله قوما كفروا بعد إيمانهم وشهدوا أن الرسول حق وجاءهم البينات ، والله لا يهدي القوم الظالمين ‏‏)‏‏ ‏‏.‏‏ إلى آخر القصة ‏‏.‏‏

من بني ضبيعة

ومن بني ضبيعة بن زيد بن مالك بن عوف بن عمرو بن عوف ‏‏:‏‏ بجَاد ابن عثمان بن عامر ‏‏.‏‏

من بني لوذان

ومن بني لوذان بن عمرو بن عوف ‏‏:‏‏ نبتل بن الحارث ، وهو الذي قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم - فيما بلغني - ‏‏:‏‏ من أحب أن ينظر إلى الشيطان ، فلينظر إلى نبتل بن الحارث ، وكان رجلا جسيما أذلم ، ثائر شعر الرأس ، أحمر العينين ، أسفع الخدين ، وكان يأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم يتحدث إليه فيسمع منه ، ثم ينقل حديثه إلى المنافقين ؛ وهو الذي قال ‏‏:‏‏ إنما محمد أُذُن ، من حدثه شيئا صدقه ‏‏.‏‏ فأنزل الله عز وجل فيه ‏‏:‏‏ ‏‏(‏‏ ومنهم الذين يؤذون النبي ويقولون هو أذن ، قل أذن خير لكم يؤمن بالله ويؤمن للمؤمنين ورحمة للذين آمنوا منكم ، والذين يؤذون رسول الله لهم عذاب أليم ‏‏)‏‏ ‏‏.‏‏

قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ وحدثني بعض رجال بلعجلان أنه حدث ‏‏:‏‏ أن جبريل عليه السلام أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له ‏‏:‏‏ إنه يجلس إليك رجل أذلم ، ثائر شعر الرأس ، أسفع الخدين أحمر العينين ، كأنهما قدران من صفر ، كبده أغلظ من كبد الحمار ، ينقل حديثك إلى المنافقين ، فاحذره ‏‏.‏‏ وكانت تلك صفة نبتل بن الحارث ، فيما يذكرون ‏‏.‏‏

من بني ضبيعة

ومن بني ضبيعة ‏‏:‏‏ أبو حبيبة بن الأزعر ، وكان ممن بنى مسجد الضرار ، وثعلبة بن حاطب ، ومعتب بن قشير ، وهما اللذان عاهدا الله لئن آتانا من فضله لنصدقن ولنكونن من الصالحين ، إلخ القصة ‏‏.‏‏ ومعتب الذي قال يوم أحد ‏‏:‏‏ لو كان لنا من الأمر شيء ما قتلنا هاهنا ، فأنزل الله تعالى في ذلك من قوله ‏‏:‏‏ ‏‏(‏‏ وطائفة قد أهمتهم أنفسهم يظنون بالله غير الحق ظن الجاهلية يقولون لو كان لنا من الأمر شيء ما قتلنا هاهنا ‏‏)‏‏ ‏‏.‏‏ إلى آخر القصة ، وهو الذي قال يوم الأحزاب ‏‏:‏‏ كان محمد يعدنا أن نأكل كنوز كسرى وقيصر ، وأحدنا لا يأمن ‏أن يذهب إلى الغائط ‏‏.‏‏

فأنزل الله تعالى عز وجل فيه ‏‏:‏‏ ‏‏(‏‏ وإذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا ‏‏)‏‏ ‏‏.‏‏ والحارث بن حاطب ‏‏.‏‏

معتب و ابنا حاطب بدريون و ليسوا منافقين

قال ابن هشام ‏‏:‏‏ معتب بن قشير ، وثعلبة والحارث ابنا حاطب ، وهم من بني أمية بن زيد من أهل بدر وليسوا من المنافقين فيما ذكر لي من أثق به من أهل العلم ، وقد نسب ابن إسحاق ثعلبة والحارث في بني أمية بن زيد في أسماء أهل بدر ‏‏.‏‏

قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ وعباد بن حنيف ، أخو سهل بن حنيف ؛ وبحزج ، وهم ممن كان بنى مسجد الضرار ، وعمرو بن خذام ، وعبدالله بن نبتل ‏‏.‏‏

من بني ثعلبة

ومن بني ثعلبة بن عمرو بن عوف ‏‏:‏‏ جارية بن عامر بن العطاف ، وابناه ‏‏:‏‏ زيد ومجمِّع ، ابنا جارية ، وهم ممن اتخذ مسجد الضرار ‏‏.‏‏ وكان مجمع غلاما حدثا قد جمع من القرآن أكثره ، وكان يصلي بهم فيه ، ثم إنه لما أخرب المسجد ، وذهب رجال من بني عمرو بن عوف ، كانوا يصلون ببني عمرو بن عوف في مسجدهم ، وكان زمان عمر بن الخطاب ، كُلِّم في مجمع ليصلي بهم ؛ فقال ‏‏:‏‏ لا ، أو ليس بإمام المنافقين في مسجد الضرار ‏‏؟‏‏ فقال لعمر ‏‏:‏‏ يا أمير المؤمنين ، والله الذي لا إله إلا هو ، ما علمت بشيء من أمرهم ، ولكني كنت غلاما قارئا للقرآن ، وكانوا لا قرآن معهم ، فقدموني أصلي بهم ، وما أرى أمرهم ، إلا على أحسن ما ذكروا ‏‏.‏‏ فزعموا أن عمر تركه فصلى بقومه ‏‏.‏‏

من بني أمية

ومن بني أمية بن زيد بن مالك ‏‏:‏‏ وديعة بن ثابت ، وهوممن بنى مسجد الضرار ، وهو الذي قال ‏‏:‏‏ إنما كنا نخوض ونلعب ‏‏.‏‏ فأنزل الله تبارك وتعالى ‏‏:‏‏ ‏‏(‏‏ ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزءون ‏‏)‏‏ ‏‏.‏‏‏‏.‏‏‏‏.‏‏ إلى آخر القصة ‏‏.‏‏‏

من بني عبيد

ومن بني عبيد بن زيد بن مالك ‏‏:‏‏ خذام بن خالد ، وهو الذي أخرج مسجد الضرار من داره ؛ وبشر ورافع ، ابنا زيد ‏‏.‏‏

من بني النبيت

ومن بني النبيت - قال ابن هشام ‏‏:‏‏ النبيت ‏‏:‏‏ عمرو بن مالك بن الأوس - قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ ثم من بني حارثة بن الحارث بن الخزرج بن عمرو ابن مالك بن الأوس ‏‏:‏‏ مربع بن قيظي ، وهو الذي قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم حين أجاز في حائطه ورسول الله صلى الله عليه وسلم عامد إلى أحد ‏‏:‏‏ لا أحل لك يا محمد ، إن كنت نبيا ، أن تمر في حائطي ، وأخذ في يده حفنة من تراب ، ثم قال ‏‏:‏‏ والله لو أعلم أني لا أصيب بهذا التراب غيرك لرميتك به ، فابتدره القوم ليقتلوه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏‏:‏‏ دعوه ، فهذا الأعمى ، أعمى القلب ، أعمى البصيرة ‏‏.‏‏

فضربه سعد بن زيد ، أخو بني عبدالأشهل بالقوس فشجه ؛ وأخوه أوس بن قيظي ، وهو الذي قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الخندق ‏‏:‏‏ يا رسول الله ، إن بيوتنا عورة ، فأذن لنا فلنرجع إليها ‏‏.‏‏ فأنزل الله تعالى فيه ‏‏:‏‏ ‏‏(‏‏ يقولون إن بيوتنا عورة وما هي بعورة إن يريدون إلا فرارا ‏‏)‏‏ ‏‏.‏‏

قال ابن هشام ‏‏:‏‏ عورة ، أي مُعْورة للعدو وضائعة ؛ وجمعها ‏‏:‏‏ عورات ‏‏.‏‏ قال النابغة الذبياني ‏‏:‏‏

متى تلقهم لا تلق للبيت عورة * ولا الجار محروما ولا الأمر ضائعا

وهذا البيت في أبيات له ‏‏.‏‏ والعورة أيضا ‏‏:‏‏ عورة الرجل ، وهي حرمته ‏‏.‏‏ والعورة أيضا ‏‏:‏‏ السوء

من بني ظفر

قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ ومن بني ظفر ، واسم ظفر ‏‏:‏‏ كعب بن الحارث ‏بن الخزرج ‏‏:‏‏ حاطب بن أمية بن رافع ، وكان شيخا جسيما قد عسا في جاهليته ، وكان له ابن من خيار المسلمين ‏‏.‏‏ يقال له ‏‏:‏‏ يزيد بن حاطب أُصيب يوم أحد حتى أثبتته الجراحات ، فحمل إلى دار بني ظفر ‏‏.‏‏

قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ فحدثني عاصم بن عمر بن قتادة أنه اجتمع إليه من بها من رجال المسلمين ونسائهم وهو بالموت ، فجعلوا يقولون ‏‏:‏‏ أبشر يا ابن حاطب بالجنة ‏‏.‏‏ قال ‏‏:‏‏ فنجم نفاقه حينئذ ، فجعل يقول أبوه ‏‏:‏‏ أجل جنة الله من حرمل ، غررتم والله هذا المسكين من نفسه ‏‏.‏‏

قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ وبُشير بن أبيرق ، وهو أبو طعمة ، سارق الدرعين ، الذي أنزل الله تعالى فيه ‏‏:‏‏ ‏‏(‏‏ ولا تجادل عن الذين يختانون أنفسهم ، إن الله لا يحب من كان خوانا أثيما ‏‏)‏‏ ؛ وقزمان ‏‏:‏‏ حليف لهم ‏‏.‏‏

قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ فحدثني عاصم بن عمر بن قتادة ‏‏:‏‏ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول ‏‏:‏‏ إنه لمن أهل النار ‏‏.‏‏ فلما كان يوم أحد قاتل قتالا شديدا حتى قتل بضعة نفر من المشركين ‏‏.‏‏ فأثبتته الجراحات ، فحمل إلى دار بني ظفر ، فقال له رجال من المسلمين ‏‏:‏‏ أبشر يا قزمان ، فقد أبليت اليوم ، وقد أصابك ما ترى في الله ‏‏.‏‏ قال ‏‏:‏‏ بماذا أُبشر ، فوالله ما قاتلت إلا حمية عن قومي ؛ فلما اشتدت به جراحاته وآذته أخذ سهما من كنانته ، فقطع به رواهش يده ، فقتل نفسه ‏‏.‏‏

من بني عبدالأشهل

قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ ولم يكن في بني عبدالأشهل منافق ولا منافقة يعلم ، إلا أن الضحاك بن ثابت ، أحد بني كعب ، رهط سعد بن زيد ، وقد كان يُتَّهم بالنفاق وحب يهود ‏‏.‏‏

قال حسان بن ثابت ‏‏:‏‏

من مبلغ الضحاك أن عروقه * أعيت على الإسلام أن تتمجدا

أتحب يُهْدَان الحجاز ودينهم * كبد الحمار ، ولا تحب محمدا

دينا لعمري لا يوافق ديننا * ما استنَّ آل في الفضاء وخودا

وكان جلاس بن سويد بن صامت قبل توبته - فيما بلغني - ومعتب بن قشير ، ورافع بن زيد ، وبشر ، وكانوا يُدعون بالإسلام ، فدعاهم رجال من المسلمين في خصومة كانت بينهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فدعوهم إلى الكهان ، حكام أهل الجاهلية ، فأنزل الله عز وجل فيهم ‏‏:‏‏ ‏‏(‏‏ ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالا بعيدا ‏‏)‏‏ ‏‏.‏‏‏‏.‏‏‏‏.‏‏ إلى آخر القصة ‏‏.‏‏

من الخزرج

ومن الخزرج ، ثم من بني النجار ‏‏:‏‏ رافع بن وديعة ، وزيد بن عمرو ، وعمرو بن قيس ، وقيس بن عمرو بن سهل ‏‏.‏‏

من بني جشم

ومن بني جشم بن الخزرج ، ثم من بني سلمة ‏‏:‏‏ الجد بن قيس ، وهو الذي يقول ‏‏:‏‏ يا محمد ، ائذن لي ، ولا تفتني ‏‏.‏‏ فأنزل الله تعالى فيه ‏‏:‏‏ ‏‏(‏‏ ومنهم من يقول ائذن لي ، ولا تفتني ألا في الفتنة سقطوا ، وإن جهنم لمحيطة بالكافرين ‏‏)‏‏ ‏‏.‏‏‏‏.‏‏‏‏.‏‏ إلى آخر القصة ‏‏.‏‏

من بني عوف

ومن بني عوف بن الخزرج ‏‏:‏‏ عبدالله بن أبي بن سلول ، وكان رأس المنافقين وإليه يجتمعون ، وهو الذي قال ‏‏:‏‏ لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل في غزوة بني المصطلق ‏‏.‏‏ وفي قوله ذلك ، نزلت سورة المنافقين بأسرها ‏‏.‏‏ وفيه وفي وديعة - رجل من بني عوف - ومالك بن أبي قوقل ، وسويد ، وداعس ، وهم من رهط عبدالله بن أبي بن سلول ؛ وعبدالله بن أبي بن سلول ‏‏.‏‏ فهؤلاء النفر من قومه الذين كانوا يدسُّون إلى بني النضير حين حاصرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏‏:‏‏ أن اثبتوا ، فوالله لئن أخرجتم لنخرجن معكم ولا نطيع فيكم أحدا أبدا ، وإن قوتلتم لننصرنكم ‏‏.‏‏ فأنزل الله تعالى فيهم ‏‏:‏‏ ‏‏(‏‏ ألم تر إلى الذين نافقوا يقولون لإخوانهم الذين كفروا من أهل الكتاب لئن أُخرجتم لنخرجن معكم ولا نطيع فيكم أحدا أبدا ، وإن قوتلتم لننصرنكم ، والله يشهد إنهم لكاذبون ‏‏)‏‏ ، ثم القصة من السورة حتى انتهى إلى قوله ‏‏:‏‏ ‏‏(‏‏ كمثل الشيطان إذ قال للإنسان اكفر ، فلما كفر قال إني بريء منك إني أخاف الله رب العالمين ‏‏)‏‏ ‏‏.‏‏

المنافقون من أحبار اليهود

قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ وكان ممن تعوذ بالإسلام ، ودخل فيه مع المسلمين وأظهره وهو منافق ، من أحبار يهود ‏‏.‏‏

من بني قينقاع

ومن بني قينقاع ‏‏:‏‏ سعد بن حنيف ، وزيد بن اللُّصيت ، ونعمان بن أوفى ابن عمرو ، وعثمان بن أوفى ، وزيد بن اللصيت ، الذي قاتل عمر بن الخطاب رضي الله عنه بسوق بني قينقاع ، وهو الذي قال ، حين ضلت ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏‏:‏‏ يزعم محمد أنه يأتيه خبر السماء وهو لا يدري أين ناقته ‏‏!‏‏ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وجاءه الخبر بما قال عدو الله في رحله ، ودل الله تبارك وتعالى رسوله صلى الله عليه وسلم على ناقته ‏‏:‏‏ إن قائلا قال ‏‏:‏‏ يزعم محمد أنه يأتيه خبر السماء ، ولا يدري أين ناقته ‏‏؟‏‏ وإني والله ما أعلم إلا ما علمني الله ، وقد دلني الله عليها ، فهي في هذا الشعب ، قد حبستها شجرة بزمامها ، فذهب رجال من المسلمين ، فوجدوها حيث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكما وصف ‏‏.‏‏ ورافع بن حريملة ، وهو الذي قال له الرسول صلى الله عليه وسلم - فيما بلغنا - حين مات ‏‏:‏‏ قد مات اليوم عظيم من عظماء المنافقين ؛ ورفاعة بن زيد بن التابوت ، و هو الذي قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم حين هبت عليه الريح ، وهو قافل من غزوة بني المصطلق ، فاشتدت عليه حتى أشفق المسلمون منها ؛ فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏‏:‏‏ لا تخافوا ، فإنما هبت لموت عظيم من عظماء الكفار ‏‏.‏‏

فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ، وجد رفاعة بن زيد ابن التابوت مات ذلك اليوم الذي هبت فيه الريح ‏‏.‏‏ وسلسلة بن برهام ‏‏.‏‏ وكنانة بن صُوريا ‏‏.‏‏

طرد المنافقين من مسجد الرسول صلى الله عليه و سلم

وكان هؤلاء المنافقون يحضرون المسجد فيستمعون أحاديث المسلمين ، ويسخرون ويستهزئون بدينهم ، فاجتمع يوما في المسجد منهم ناس ، فرآهم رسول الله صلى الله عليه وسلم يتحدثون بينهم ، خافضي أصواتهم ، قد لصق بعضهم ببعض ، فأمر بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فأُخرجوا من المسجد إخراجا عنيفا ، فقام أبو أيوب ، خالد بن زيد بن كليب ، إلى عمر بن قيس ، أحد بني غنم بن مالك بن النجار - كان صاحب آلهتهم في الجاهلية - فأخذ برجله فسحبه ، حتى أخرجه من المسجد ، وهو يقول ‏‏:‏‏ أتخرجني يا أبا أيوب من مربد بني ثعلبة ، ثم أقبل أبو أيوب أيضا إلى رافع بن وديعة ، أحد بني النجار فلبَّبه بردائه ثم نتره نترا شديدا ، ولطم وجهه ، ثم أخرجه من المسجد ، وأبو أيوب يقول له ‏‏:‏‏ أف لك منافقا خبيثا ‏‏:‏‏ أدراجَك يا منافق من مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏‏.‏‏

قال ابن هشام ‏‏:‏‏ أي ارجع من الطريق التي جئت منها ‏‏.‏‏ قال الشاعر ‏‏:‏‏

فولى وأدبر أدراجه * وقد باء بالظلم من كان ثَمّ

وقام عمارة بن حزم إلى زيد بن عمرو ، وكان رجلا طويل اللحية ، فأخذ بلحيته فقاده بها قودا عنيفا حتى أخرجه من المسجد ، ثم جمع عمارة يديه فلدمه بهما في صدره لدمة خر منها ‏‏.‏‏ يقول ‏‏:‏‏ خدشتني يا عمارة ؛ قال ‏‏:‏‏ أبعدك الله يا منافق ، فما أعد الله لك من العذاب أشد من ذلك ، فلا تقربن مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏‏.‏‏

قال ابن هشام ‏‏:‏‏ اللدم ‏‏:‏‏ الضرم ببطن الكف ‏‏.‏‏ قال تميم بن أبي بن مقبل ‏‏:‏‏

وللفؤاد وجيب تحت أبهره * لدم الوليد وراء الغيب بالحجرِ

قال ابن هشام ‏‏:‏‏ الغيب ‏‏:‏‏ ما انخفض من الأرض ‏‏.‏‏ والأبهر ‏‏:‏‏ عرق القلب ‏‏.‏‏

قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ وقام أبو محمد ، رجل من بني النجار ، كان بدريا ، وأبو محمد ، مسعود بن أوس بن زيد بن أصرم بن زيد بن ثعلبة بن غنم ابن مالك بن النجار إلى قيس بن عمرو بن سهل ، وكان قيس غلاما شابا ، وكان لا يعلم في المنافقين شاب غيره ، فجعل يدفع في قفاه حتى أخرجه من المسجد ‏‏.‏‏

وقام رجل من بَلْخُدرة بن الخزرج ، رهط أبي سعيد الخدري ، يقال له ‏‏:‏‏ عبدالله بن الحارث ، حين أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بإخراج المنافقين من المسجد إلى رجل يقال له ‏‏:‏‏ الحارث بن عمرو ، وكان ذا جمة ، فأخذ بجمته فسحبه بها سحبا عنيفا ، على ما مر به من‏ الأرض ، حتى أخرجه من المسجد ‏‏.‏‏

قال ‏‏:‏‏ يقول المنافق ‏‏:‏‏ لقد أغلظت يا ابن الحارث ؛ فقال ‏‏:‏‏ إنك أهل لذلك ، أي عدو الله لما أنزل الله فيك ، فلا تقربن مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإنك نجس ‏‏.‏‏

وقام رجل من بني عمرو بن عوف إلى أخيه زُوَيّ بن الحارث ، فأخرجه من المسجد إخراجا عنيفا ، وأفَّف منه ، و قال ‏‏:‏‏ غلب عليك الشيطان و أمره ‏‏.‏‏

فهؤلاء من حضر المسجد يومئذ من المنافقين ، وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بإخراجهم ‏‏.

ما نزل من البقرة في يهود والمنافقين

ما نزل في الأحبار

ففي هؤلاء من أحبار يهود ، والمنافقين من الأوس والخزرج ، نزل صدر سورة البقرة إلى المئة منها - فيما بلغني - والله أعلم ‏‏.‏‏

يقول الله سبحانه وبحمده ‏‏:‏‏ ‏‏(‏‏ الم ذلك الكتاب لا ريب فيه ‏‏)‏‏ ، أي لا شك فيه ‏‏.‏‏

قال ابن هشام ‏‏:‏‏ قال ساعدة بن جؤية الهذلي ‏‏:‏‏

فقالوا عهدنا القوم قد حصروا به * فلا ريب أن قد كان ثم لحَيمُ

وهذا البيت في قصيدة له ، والريب أيضا ‏‏:‏‏ الريبة ‏‏.‏‏ قال خالد بن زهير الهذلي ‏‏:‏‏

كأنني أربِبُه بريب*‏

قال ابن هشام ‏‏:‏‏ ومنهم من يرويه ‏‏:‏‏

كأنني أرَيْتُه بريب *

وهذا البيت في أبيات له ‏‏.‏‏ وهو ابن أخي أبي ذؤيب الهذلي ‏‏.‏‏

‏‏(‏‏ هدى للمتقين ‏‏)‏‏ ، أي الذين يحذرون من الله عقوبته في ترك ما يعرفون من الهدى ، ويرجون رحمته بالتصديق بما جاءهم منه ‏‏.‏‏ ‏‏(‏‏ الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون ‏‏)‏‏ أي يقيمون الصلاة بفرضها ، ويؤتون الزكاة احتسابا لها ‏‏.‏‏ ‏‏(‏‏ والذين يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك ‏‏)‏‏ ، أي يصدقونك بما جئت به من الله عز وجل ، وما جاء به من قبلك من المرسلين ، لا يفرقون بينهم ، ولا يجحدون ما جاءوهم به من ربهم ‏‏.‏‏ ‏‏(‏‏ وبالآخرة هم يوقنون ‏‏)‏‏ ، أي بالبعث والقيامة والجنة والنار والحساب والميزان ، أي هؤلاء الذين يزعمون أنهم آمنوا بما كان من قبلك ، وبما جاءك من ربك ‏‏(‏‏ أولئك على هدى من ربهم ‏‏)‏‏ ، أي على نور من ربهم واستقامة على ما جاءهم ‏‏(‏‏ وأولئك هم المفلحون ‏‏)‏‏ ، أي الذين أدركوا ما طلبوا ونجوا من شر ما منه هربوا ‏‏.‏‏ ‏‏(‏‏ إن الذين كفروا ‏‏)‏‏ ، أي بما أنزل إليك ، وإن قالوا إنا قد آمنا بما جاءنا قبلك ‏‏(‏‏ سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون ‏‏)‏‏ أي أنهم كفروا بما عندهم من ذكرك ، وجحدوا ما أُخذ عليهم الميثاق لك ، فقد كفروا بما جاءك وبما عندهم ، مما جاءهم به غيرك ، فكيف يستمعون منك إنذارا أو تحذيرا ، وقد كفروا بما عندهم من علمك ‏‏.‏‏ ‏‏(‏‏ ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة ‏‏)‏‏ ، أي عن الهدى أن يصيبوه أبدا ، يعني بما كذبوك به من الحق الذي جاءك من ربك حتى يؤمنوا به ، وإن آمنوا بكل ما كان قبلك ، ولهم بما هم عليه من خلافك عذاب عظيم ‏‏.‏‏

فهذا في الأحبار من يهود ، فيما كذّبوا به من الحق بعد معرفته ‏‏.‏‏

ما نزل في منافقي الأوس و الخزرج

‏‏(‏‏ ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين ‏‏)‏‏ يعني المنافقين من الأوس والخزرج ، ومن كان على أمرهم ‏‏.‏‏ ‏‏(‏‏ يخادعون الله والذين آمنوا وما يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون ‏‏.‏‏ في قلوبهم مرض ‏‏)‏‏ أي شك ‏‏(‏‏ فزادهم الله مرضا ‏‏)‏‏ ، أي شكا ‏‏(‏‏ ولهم عذاب أليم بما كانوا يكذبون ‏‏.‏‏ وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض ، قالوا إنما نحن مصلحون ‏‏)‏‏ ، أي إنما نريد الإصلاح بين الفريقين من المؤمنين وأهل الكتاب ‏‏.‏‏ يقول الله تعالى ‏‏:‏‏ ‏‏(‏‏ ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون ‏‏.‏‏ وإذا قيل لهم آمنوا كما آمن الناس ، قالوا أنؤمن كما آمن السفهاء ، ألا إنهم هم السفهاء ولكن لا يعلمون ‏‏.‏‏ وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا ، وإذا خلوا إلى شياطينهم ‏‏)‏‏ ‏‏.‏‏ من يهود ، الذين يأمرونهم بالتكذيب بالحق ، وخلاف ما جاء به الرسول ‏‏(‏‏ قالوا إنا معكم ‏‏)‏‏ ، أي إنا على مثل ما أنتم عليه ‏‏.‏‏ ‏‏(‏‏ إنما نحن مستهزؤون ‏‏)‏‏ ‏‏:‏‏ أي إنما نستهزئ بالقوم ، ونلعب بهم ‏‏.‏‏ يقول الله عز وجل ‏‏:‏‏ ‏‏(‏‏ الله يستهزئ بهم ويمدهم في طعيانهم يعمهون ‏‏)‏‏ ‏‏.‏‏

تفسير ابن هشام لبعض الغريب

قال ابن هشام ‏‏:‏‏ يعمهون ‏‏:‏‏ يحارون ‏‏.‏‏ تقول العرب ‏‏:‏‏ رجل عمه وعامه ‏‏:‏‏ أي حيران ‏‏.‏‏ قال رؤبة بن العجاج يصف بلدا ‏‏:‏‏

أعمى الهدى بالجاهلين العُمَّه *

وهذا البيت في أرجوزة له ‏‏.‏‏ فالعُمَّه ‏‏:‏‏ جمع عامه ؛ وأما عَمِه ، فجمعه ‏‏:‏‏ عمهون ‏‏.‏‏ والمرأة ‏‏:‏‏ عمهة وعمهاء ‏‏.‏‏

‏‏(‏‏ أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى ‏‏)‏‏ ‏‏:‏‏ أي الكفر بالإيمان ‏‏(‏‏ فما ربحت تجارتهم وما كانوا مهتدين ‏‏)‏‏ ‏‏.‏‏

قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ ثم ضرب لهم مثلا ، فقال تعالى ‏‏:‏‏ ‏‏(‏‏ مثلهم كمثل الذي استوقد نارا فلما أضاءت ما حوله ذهب الله بنورهم وتركهم في ظلمات لا يبصرون ‏‏)‏‏ ‏‏.‏‏ أي لا يبصرون الحق ويقولون به حتى إذا خرجوا به من ظلمة الكفر أطفئوه بكفرهم به ونفاقهم فيه ، فتركهم الله في ظلمات الكفر فهم لا يبصرون هدى ، ولا يستقيمون على حق ‏‏.‏‏ ‏‏(‏‏ صم بكم عمي فهم لا يرجعون ‏‏)‏‏ ‏‏:‏‏ أي لا يرجعون إلى الهدى ، صم بكم عمي عن الخير ، لا يرجعون إلى خير و لا يصيبون نجاة ما كانوا على ما هم عليه ‏‏(‏‏ أو كصيب من السماء فيه ظلمات ورعد وبرق يجعلون أصابعهم في آذانهم من الصواعق حذر الموت ، والله محيط بالكافرين ‏‏)‏‏ ‏‏.‏‏

قال ابن هشام ‏‏:‏‏ الصيب ‏‏:‏‏ المطر ، وهو من صاب يصوب ، مثل قولهم ‏‏:‏‏ السيد ، من ساد يسود ، والميت ‏‏:‏‏ من مات يموت ؛ وجمعه ‏‏:‏‏ صيائب ‏‏.‏‏ قال علقمة بن عبدة ، أحد بني ربيعة بن مالك بن زيد مناة بن تميم ‏‏:‏‏

كأنهم صابت عليه سحابة * صواعقها لطيرهن دبيبُ

وفيها ‏‏:‏‏

فلا تعدلي بيني وبين مُغمَّر سقتك روايا المزن حيث تصوب *

وهذان البيتان في قصيدة له ‏‏.‏‏

قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ أي هم من ظلمة ما هم فيه من الكفر والحذر من القتل ، من الذي هم عليه من الخلاف والتخوف لكم ، على مثل ما وصف ، من الذي هو في ظلمة الصيب ، يجعل أصابعه في أذنيه من الصواعق حذر الموت ‏‏.‏‏ يقول ‏‏:‏‏ والله منزل ذلك بهم من النقمة ، أي هو محيط بالكافرين ‏‏(‏‏ يكاد البرق يخطف أبصارهم ‏‏)‏‏ ‏‏:‏‏ أي لشدة ضوء الحق ‏‏(‏‏ كلما أضاء لهم مشوا فيه ، وإذا أظلم عليهم قاموا ‏‏)‏‏ ، أي يعرفون الحق ويتكلمون به ، فهم من قولهم به على استقامة ، فإذا‏ ارتكسوا منه في الكفر قاموا متحيرين ‏‏.‏‏ ‏‏(‏‏ ولو شاء الله لذهب بسمعهم وأبصارهم ‏‏)‏‏ ، أي لما تركوا من الحق بعد معرفته ‏‏(‏‏ إن الله على كل شيء قدير ‏‏)‏‏ ‏‏.‏‏

ثم قال ‏‏:‏‏ ‏‏(‏‏ يا أيها الناس اعبدوا ربكم ‏‏)‏‏ ، للفريقين جميعا ، من الكفار والمنافقين ، أي وحدوا ربكم ‏‏(‏‏ الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون ‏‏.‏‏ الذي جعل لكم الأرض فراشا ، والسماء بناء ، وأنزل من السماء ماء فأخرج به من الثمرات رزقا لكم ، فلا تجعلوا لله أندادا وأنتم تعلمون ‏‏)‏‏ ‏‏.‏‏

تفسير ابن هشام لبعض الغريب

قال ابن هشام ‏‏:‏‏ الأنداد ‏‏:‏‏ الأمثال ، واحدهم ‏‏:‏‏ ند ‏‏.‏‏ قال لبيد بن ربيعة ‏‏:‏‏

أحمد الله فلا ندَّ له * بيديه الخير ما شاء فعلْ

وهذا البيت في قصيدة له ‏‏.‏‏

قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ أي لا تشركوا بالله غيره من الأنداد التي لا تنفع ولا تضر ، وأنتم تعلمون أنه لا رب لكم يرزقكم غيره ، وقد علمتم أن الذي يدعوكم إليه الرسول من توحيده هو الحق لا شك فيه ‏‏.‏‏ ‏‏(‏‏ وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا ‏‏)‏‏ أي في شك مما جاءكم به ، ‏‏(‏‏ فأتوا بسورة من مثله ، وادعوا شهداءكم من دون الله ‏‏)‏‏ ، أي من استطعتم من أعوانكم على ما أنتم عليه ‏‏(‏‏ إن كنتم صادقين ، فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا ‏‏)‏‏ فقد تبين لكم الحق ‏‏(‏‏ فاتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة أعدت للكافرين ‏‏)‏‏ ، أي لمن كان على مثل ما أنتم عليه من الكفر ‏‏.‏‏

ثم رغبهم وحذرهم نقض الميثاق الذي أخذ عليهم لنبيه صلى الله عليه وسلم إذا جاءهم ، وذكر لهم بدء خلقهم حين خلقهم ، وشأن أبيهم آدم عليه ‏السلام وأمره ، وكيف صُنع به حين خالف عن طاعته ، ثم قال ‏‏:‏‏ ‏‏(‏‏ يا بني إسرائيل ‏‏)‏‏ للأحبار من يهود ‏‏(‏‏ اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم ‏‏)‏‏ ‏‏.‏‏ أي بلائي عندكم وعند آبائكم ، لما كان نجاهم به من فرعون وقومه ‏‏(‏‏ وأوفوا بعهدي ‏‏)‏‏ الذي أخذت في أعناقكم لنبِيِّي أحمد إذا جاءكم ‏‏(‏‏ أوف بعهدكم ‏‏)‏‏ أنجز لكم ما وعدتكم على تصديقه واتباعه بوضع ما كان عليكم من الآصار والأغلال التي كانت في أعناقكم بذنوبكم التي كانت من أحداثكم ‏‏(‏‏ وإياي فارهبون ‏‏)‏‏ أي أن أُنزل بكم ما أنزلت بمن كان قبلكم من النقمات التي قد عرفتم ، من المسخ وغيره ‏‏.‏‏ ‏‏(‏‏ وآمنوا بما أنزلت مصدقا لما معكم ، ولا تكونوا أول كافر به ‏‏)‏‏ وعندكم من العلم فيه ما ليس عند غيركم ‏‏(‏‏ وإياي فاتقون ‏‏.‏‏ ولا تلبسوا الحق بالباطل ، وتكتموا الحق وأنتم تعلمون ‏‏)‏‏ ، أي لا تكتموا ما عندكم من المعرفة برسولي ومما جاء به ، وأنتم تجدونه عندكم فيما تعلمون من الكتب التي بأيديكم ‏‏(‏‏ أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون ‏‏)‏‏ ، أي أتنهون الناس عن الكفر بما عندكم من النبوة والعهد من التوراة وتتركون أنفسكم ، أي وأنتم تكفرون بما فيها من عهدي إليكم في تصديق رسولي ، وتنقضون ميثاقي ، وتجحدون ما تعلمون من كتابي ‏‏.‏‏

ثم عدد عليهم أحداثهم ، فذكر لهم العجل وما صنعوا فيه ، وتوبته عليهم ، وإقالته إياهم ، ثم قولهم ‏‏:‏‏ ‏‏(‏‏ أرنا الله جهرة ‏‏)‏‏ ‏‏.‏‏

تفسير ابن هشام لبعض الغريب

قال ابن هشام ‏‏:‏‏ جهرة ، أي ظاهرا لنا لا شيء يستره عنا ‏‏.‏‏ قال أبو الأخزر الحماني ، واسمه قتيبة ‏‏:‏‏

يجهر أجواف المياه السَّدم *

وهذا البيت في أرجوزة له ‏‏.‏‏

يجهر ‏‏:‏‏ يقول ‏‏:‏‏ يُظهر الماء ، ويكشف عنه ما يستره من الرمل وغيره ‏‏.‏‏

قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ وأخذ الصاعقة إياهم عند ذلك لغرتهم ، ثم إحياءه إياهم بعد موتهم ، وتظليله عليهم الغمام ، وإنزاله عليهم المن والسلوى ، وقوله لهم ‏‏:‏‏ ‏‏(‏‏ ادخلوا الباب سجدا وقولوا حطة ‏‏)‏‏ ، أي قولوا ما آمركم به أحط به ذنوبكم عنكم ؛ وتبديلهم ذلك من قوله استهزاء بأمره ، وإقالته إياهم ذلك بعد هزئهم ‏‏.‏

تفسير ابن هشام لبعض الغريب

قال ابن هشام ‏‏:‏‏ المن ‏‏:‏‏ شيء كان يسقط في السحر على شجرهم ، فيجتنونه حلوا مثل العسل ، فيشربونه ويأكلونه ‏‏.‏‏ قال أعشى بني قيس ابن ثعلبة ‏‏:‏‏

لو أُطعموا المن والسلوى مكانهمُ * ما أبصر الناس طعما فيهم نجعا

وهذا البيت في قصيدة له ‏‏.‏‏ والسلوى ‏‏:‏‏ طير ؛ واحدتها ‏‏:‏‏ سلواة ؛ ويقال ‏‏:‏‏ إنها السماني ؛ ويقال للعسل أيضا ‏‏:‏‏ السلوى ‏‏.‏‏ وقال خالد بن زهير الهذلي ‏‏:‏‏

وقاسمها بالله حقا لأنتمُ * ألذ من السلوى إذا ما نَشُورها

وهذا البيت في قصيدة له ‏‏.‏‏ وحِطَّة ‏‏:‏‏ أي حُطَّ عنا ذنوبنا ‏‏.‏‏

قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ وكان من تبديلهم ذلك ، كما حدثني صالح بن كيسان عن صالح مولى التَّوْءَمة بنت أمية بن خلف ، عن أبي هريرة ومن لا أتهم ، عن ابن عباس ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال ‏‏:‏‏ دخلوا الباب الذي أُمروا أن يدخلوا منه سجدا يزحفون ، وهم يقولون ‏‏:‏‏ حنط في شعير ‏‏.‏‏

قال ابن هشام ‏‏:‏‏ ويروى ‏‏:‏‏ حنظة في شعيرة ‏‏.‏‏

قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ واستسقاء موسى لقومه ، وأمره إياه أن يضرب بعصاه الحجر ، فانفجرت لهم منه اثنتا عشرة عينا ، لكل سبط عين يشربون منها ، قد علم كل سبط عينه التي منها يشرب ؛ وقولهم لموسى عليه السلام ‏‏:‏‏ ‏‏(‏‏ لن نصبر على طعام واحد ، فادع لنا ربك يخُرجْ لنا مما تنبت الأرض من بقلها وقثائها وفومها ‏‏)‏‏ ‏‏.‏‏

قال ابن هشام ‏‏:‏‏ الفُوم ‏‏:‏‏ الحنطة ‏‏.‏‏ قال أمية بن أبي الصلت الثقفي ‏‏:‏‏

فوق شيزى مثل الجوابي عليها * قِطَع كالوذيل في نِقْي فُومِ

ــــــــــــــــــــــــــ
الجزء الأول
ـــــــــــــــــــــــــ
اضافة رد مع اقتباس
   


إضافة رد


قوانين المشاركة
غير مصرّح لك بنشر موضوع جديد
غير مصرّح لك بنشر ردود
غير مصرّح لك برفع مرفقات
غير مصرّح لك بتعديل مشاركاتك

وسوم vB : مسموح
[IMG] كود الـ مسموح
كود الـ HTML غير مسموح
Trackbacks are مسموح
Pingbacks are مسموح
Refbacks are مسموح



الوقت المعتمد في المنتدى بتوقيت جرينتش +3.
الوقت الان » 06:34 PM.

جميع الآراء و المشاركات المنشورة تمثل وجهة نظر كاتبها فقط , و لا تمثل بأي حال من الأحوال وجهة نظر النادي و مسؤوليه ولا إدارة الموقع و مسؤوليه.


Powered by: vBulletin Version 3.8.7
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd

Google Plus   Facebook  twitter  youtube