
15/02/2009, 03:44 PM
|
ناقد اجتماعي | | تاريخ التسجيل: 05/12/2001 المكان: نيويورك - الولايات المتحدة الأمريكية
مشاركات: 2,053
| |
هل قدم الشيخ اعتذاره للوطن ولأسر المطلوبين أمنياً؟؟
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،،
صبحكم/مساكم الله بالخير
تنشر الجهات الأمنية بين وقت وآخر قوائم تضم عدداً كبيراً من شباب هذا البلد ممن سلكوا مسالك التشدد وخرجوا عن طاعة ولي الأمر وتجاهلوا نصح وتوجيه الكبار من أهل العلم والحكمة، أو كان بعضهم ضحيةً لهذا كله..
وقبل أيام كنت أجلس مع والدتي في وقت كان مذيع الأخبار في التلفزيون يقرأ أسماء عدد من المطلوبين وتظهر صورهم على الشاشة، وكان الأمر في بدايته مألوفاً بالنسبة لي ولوالدتي كونها ليست المرة الأولى التي تعرض فيها مثل هذه القوائم..
قرأ المذيع اسم فلان ابن فلان وظهرت على الشاشة صورة لشاب صغير في السن، فسألتني والدتي بسرعة "وش اسمه وش اسمه؟؟ قلت فلان ابن فلان، ليش تعرفينه؟!، فقالت هذا ابن فلانه جارتنا منوّل.... " وتابعت الحديث ، وما هي إلا دقائق معدودة حتى رأيت عين والدتي تفيض من الدمع، وأصبحت تتكلم بحرقة وألم، تسبق كلماتها عبراتٌ كان لها أثرٌ كبير على نفسي..
تساءلت في داخلي، إن كان هذا هو حال والدتي وهي ترى ابن جارتها مُلاحق من الجهات الأمنية، فكيف هو حال أم ذلك الشاب؟، كم مرةً ذرفت الدموع حزناً على حال ابنها؟، وهل بقي شيء من تلك الدموع تصرفها عينٌ جفت من الحزن وقلبٌ تفطر من الألم؟؟..
وأسأل الرحمن الرحيم أن يلطف بحال هذه الأم وغيرها من الأمهات والآباء الذين غاب أبناءهم عنهم فلم يشاهدوهم إلا عبر وسائل الإعلام وهي تخط تحت صورهم "مطلوب أمنياً"، حسرات وآهات وأنات تخرج من صدور آباء كانوا يأملون في يوم من الأيام رؤية صور أبناءهم تزينها عبارات "مبروك التخرج ، تهانينا على الترقية"...
دعونا من الحزن على حالهم أو زيادة آلامهم، فلا نملك لهم خالص إلا الدعاء..
كثير من الأمور يمكن أن تناقش هنا، ولكن ما يهم من وجهة نظري هو مناقشة أسباب هذه القضية، فما الذي دفع أبناءنا للعصيان والخروج عن الطاعة والتهور والعقوق؟..
سأترك لكم مساحةً كافية لذكر أسباب ترونها أدت إلى ذلك، أما ما يلي من سطور فهو إيجاز لتجربة شخصية طويلة ومتشعبة، وشاهد على ما يحدث، تجدون فيها واحداً من أهم الأسباب إن لم يكن الأهم برأيي..
كنا مجموعة من الشباب ننتمي لأسر محافظة، في طفولتنا درسنا القرآن الكريم في حلقة التحفيظ في المسجد على يد رجل فاضل له كثير من المعروف علينا، فأتقن أغلبنا تجويد القرآن، وحفظنا ما تيسر لنا منه، وكنت وأحد أصدقائي أفضل من يقرأ القرآن الكريم في الصف الابتدائي، حتى أن معلمنا في الصف كان يبدأ بنا ليستفيد البقية من حسن قراءتنا، ولا زلت حتى هذا اليوم أدعو لذلك الرجل بالخير والرِفعة..
في المرحلة المتوسطة، جاءني أحدهم يطلب مني الانضمام إلى ما أسماه "مكتبة المسجد" وهي في مسجد آخر قريب من الحارة، فاستجبت له وسط إغراءات بأن هذه المكتبة تنظم الرحلات والزيارات المتنوعة، وانضممت إليهم رغم تخوف والدي وممانعة أخي الأكبر ونصحه لي بالاكتفاء بحلقة تحفيظ القرآن الكريم، ووقتها استغربت كيف يرفض أخي ذلك وهو وطالب علم ورجل متدين؟!!..
أصبحت ضمن أفراد هذه المكتبة، والمكتبة لمن لا يفرق، تختلف عن حلقة التحفيظ كون الفرد فيها يمضي وقتاً أكبر مع شيخه وأصحابه، فيتم فيها بالإضافة إلى حفظ القرآن الكريم قراءة بعض الكتب الدينية، واستذكار الدروس المدرسية، فكنت أخر ج يومياً إلى المكتبة بعد صلاة العصر حاملاً كتبي المدرسية ولا أعود منها إلا بعد صلاة العشاء بساعة!..
أحداث كثيرة جداً تتابعت، وقد تتحول هذه الصفحة إلى كتاب مطول في حال قررت ذكرها، وقد يصعب تخيل وقوعها من الوهلة الأولى!، أدعها جانباً وانتقل للمهم هنا.. من هو شيخنا وما ذا تعلمنا منه؟؟
شيخنا رجل متدين تجاوز الأربعين من العمر، متشدد ومتزمت، شاحب الوجه، لا يأتي على ذكر علماءنا المعاصرين ولم يسبق له أن أخبرنا بأنه درس على يد أحدهم أو تلقى علمه منهم، يملك شخصية قوية كان لها أثر بالغ علينا، ولا أعلم كيف أصبحنا نقدسه ونضعه موضع الصحابي وأكثر!، فكنا ننزهه عن أي خطأ ونحترمه احتراماً بالغاً ونأتمر بأمره ونتجنب ما ينهانا عنه دون سؤالٍ عن حكم أو دليل شرعي!، ربما لأننا كنا صغاراً بعقول من السهل تعبئتها!..
أما ما ذا تعلمنا منه، فأمور لو نقلت إلي لوجدت صعوبةً في تصديقها!، ولأنها تجربتي وأعرف حسن ظنكم بي، سأنقل لكم شيئاً منها:
-يجب الالتزام بالحضور والانصراف، وستتعرض للتحقيق ( وليس المسائلة) في حالة الغياب.
(في آخر أيامي معهم، كنت أتغيب كثيراً، فجرى التحقيق معي، وكان من بين الأسئلة، "هل زنيت!!!"، ولاحظوا أني كنت طالباً في الصف الثالث المتوسط!!!، زنيت إيش يا عم!! شرب ماء هو!!)
-يجب عليك أن ترفع ثوبك إلى نصف الساق ولا يقبل أن يكون فوق الكعبين.
-لبس العقال يدل على الكبر، لذا لا يجوز وضعه على الرأس.
( ولنا أن تتذكر موقف الشيخ العلامة ابن عثيمين رحمه الله حين سأله أحد الحضور في محاضرته عن حكم لبس العقال، فكانت إجابته رحمه الله بأن طلب أن يجلب له عقال، فأخذه ووضعه على رأسه، وانظروا إلى الفرق الكبير بين فكر الشيخ وفكر المستشيخ إن صح التعبير!)
-يجب أن نقوم بتفصيل ثياب بدون ياقه (قلاب أو طوق).
( وهذا ما حدث فعلاً!!)
-تعلمنا سب الحكام وشتمهم وتكفير أفعالهم.
-تعلمنا عقوق الوالدين.
(رفض والدي في أحد الأيام أن أذهب مع المكتبة في سفر إلى المنطقة الشرقية، فلم استجب لأمره وذهبت دون علمه، ولم يكن الشيخ الفاضل يسألنا إن كنا قد حصلنا على موافقة أهلنا!!)
-بعض الصلوات المفروضة قد يمتد وقت أدائها إلى أكثر من 40 دقيقة، والويل لك إن أحسست بالتعب من طول الوقوف.
(أتذكر كنا في البر، وصلينا الظهر، وكانت الصلاة طويلة جداً، وكنا صغاراً فاضطر أحد الشباب إلى الجلوس، وبعد ما انتهينا قال أحد الشباب، يا شيخ ترى فلان جلس! (نذل )، فنظر الشيخ إلى فلان المسكين نظرةً حادة وفيها تكشيرة عظيمة، فاستدعاه إليه وطلب منا الانصراف!، والله أعلم ما ذا قال له!!)
-كل من لا يشابهنا، فهو مقصر مذنب فاسق ويجب علينا اجتنابه والحذر منه.
-لا يجوز أن تأكل منفرداً، وسيتعرض للعقوبة من يقدم على ذلك.
(أذكر أني مره تعشيت، ويوم جيتهم وجاء وقت العشاء، قلت أنا متعشي، فجاء وقع إجابتي كالصدمة على الشيخ!، فثارت ثائرته وقال أنت في طريقك إلى الانتكاس!، وتعرضت للمزيد من التوبيخ، كل هذا لأني جعت وتعشيت بلحالي، صدز إني قليل أدب!! )
وعدد آخر من الأمور التي علمناها وعملنا بها!!، ويبدو جلياً لكل عاقل مدرك متزن يأخذ العلم من أهله، بأن جل تلك الأمور لا تمت إلى الدين وسماحته بصله، بل إنه ابتداع وغلو نهانا عنه علماءنا الثقات مستمدين نهيم وتحذيرهم من وحي كتاب الله وسنة نبيه عليه أفضل الصلاة والتسليم.. الخريجون من المكتبة، ما هو حالهم وأين هم؟
البعض منا، مثل حالاتي، كانت مشاكله كثيرة مع الشيخ، لذا رفع الشيخ خطاباً بوضعنا على لائحة الانتقال!! ، فكنا محظوظين جداً بهذا القرار، كوننا ولله الحمد حافظنا على شيء من التوازن وأصبحنا أكثر وسطية، وأتذكر والله أن والدي وأهلي كانوا من أسعد الناس بقرار ترك تلك المكتبة، وحينها ذهبت مرةً أو مرتين برفقة أخي إلى مجلس الشيخ العلامة ابن باز رحمه الله، فكنت في حضرته أشاهد حلاوة التدين على ملامح طلابه، وأرى سماحة الإسلام في كلماته رحمه الله رحمةً واسعة ..
أما من استمر معهم لفترة أطول، فأنقل لكم عينات عن حقيقة الوضع الحالي لبعضهم..
فأحدهم كان يحفظ القرآن الكريم، والآن هو عازف عود شهير جداً ومشبوه في شرق الرياض، والثاني أيضاً حافظ لكتاب الله، رأيته قبل حوالي سنة، يمشي عند منتصف الليل في طريق خالٍ من المارة ، يجر ثوبه وراءه، واضعاً غترته على كتفه، فأخفضت سرعة سيارتي ونظرت إليه وبالكاد استطاع أن يدير رقبته تجاهي، فألقيت السلام ولم يجب!، والله أعلم على أي حالِ هو!..
وثالثٌ مطلوبٌ أمنياً، تسبب في مقتل والده والعياذ بالله! حين ألقي القبض عليه، والرابع يخبرني أخاه بأنه قام بتمزيق بطاقة هويته واختفى عن الأنظار، حدث هذا الكلام قبل أكثر من 15 سنة، ولا أعلم عن حاله الآن، وآخرهم دخل في قضية تحرش جنسي بالأولاد الصغار والعياذ بالله!
هؤلاء هم من سمعت عن أحوالهم الآن، وتأكدت من بعضها بنفسي سواءً من تواتر نقلها أو من خلال وسائل الإعلام، فيا ترى ما الذي حل بمن بقي منهم؟؟..
عسى الله يستر علينا وعليهم ولا يبلانا وأهلنا وأحبابنا وشباب المسلمين بما بلاهم به.. أعود مجدداً لأسأل، من المسئول عن هذا؟؟
الأسرة والتربية لها دور كبير جداً بهذا ولا أتجاهله، ولكن إن سُألتُ عن المتهم الأول هنا فسأجيب بلا تردد: إنه شيخنا المقدس في تلك المرحلة..
نعم هو من عمل على استقطاب الشباب الصغار ، واستغل عقولهم الصغيرة والبسيطة، وأظهر نفسه أمامهم شيخاً وقوراً وعالماً زاهداً، ودأب يغذيهم بالتشدد والأفكار السلبية، وهو من بذر فيهم فكر الغلو والتكفير والخروج عن الطاعة، هو في الآخر من أبكى أمهاتهم، هو المسئول عن كل ما ذكرته سابقاً من أمثلة وشواهد حية..
شيخ أساء بأفعاله إلى هذا الدين، جعل الفرصة سانحة أمام أرباب العلمنة وأذناب الغرب لإعلان حربهم على الدين ورجالاته المؤمنين الصادقين، وسمح لهم بمهاجمة حلقات تحفيظ القرآن الكريم والخيرّين القائمين عليها، هو من تسبب في إغلاق بعض مؤسسات جمع التبرعات الخيرية، هو وأمثاله من يستحقون التشهير بهم ونشر صورهم وجعلهم على رأس قائمة المطلوبين أمنياً وشعبياً..
وإن كان قد تاب واهتدى وغيّر فكره وتوجهه وأعلن ولائه لقادة هذا البلد ــ وهو ما يظهر لي لأني رأيته على شاشة القناة الأولى السعودية ــ ، فإنه من الأولى أن يصرح بذلك ويعلن ندمه وتوبته ويقدم اعتذاره لأسر هؤلاء الشباب، فيخرج ويعرض أمثلةً واقعية من خلال تجربته وما أفضى إليه فكره وتوجهه السابق، تماماً كما يخرج بعض الشباب الذين أدلوا باعترافاتهم أمام الملأ، لا أن يظهر كضيفٍ ناصح يتحدث عن قضايا الشباب وعلى طريقةٍ يقتل فيها القتيل ويمشي في جنازته باكياً مترحماً!..
على الأقل، نقول إن هذا الرجل وأمثاله ممن تسببوا بكثير من الفتن والويلات، ومن ثم غيرّوا أفكارهم وتوجهاتهم، فإن أول الأعمال التي يجب عليهم القيام بها هو زيارة السجون والالتقاء بطلابهم في السابق، ومحاولة تغيير تلك الأفكار المتشددة التي زُرعت في عقولهم..
إن كان هو وغيره قد فعلوا كل هذا وأدوا واجبهم، فسامحهم الله على ما سبق ونسأل الله أن يعفو عنا وعنهم، وإن لم يكن فإن دموع تلك الأم الباكية على حال ابنها ستظل شاهداً على سوء فعلهم إلى يوم الدين.. أخيراً،،
إن كنا نمقت أهل الغلو والتشدد في الدين ونحذر أنفسنا وشبابنا وفتياتنا من سوء أفكارهم، فإن هذا لا يعني أن نغفل عن طرف ضال آخر استغل مثل هذه المواقف ليمارس رغبته الشيطانية في الدعوة إلى علمنة المجتمع والمطالبة بالانفتاح التام على ثقافة الغرب المنحلة..
وإن كان هناك أشخاص اعتلوا المنابر يدعون إلى الغلو والخروج عن الطاعة، فإن هناك المئات ممن يملئون وسائل الإعلام ضجيجاً داعين إلى طمس ملامح التدين في مجتمعنا..
لذا فإن علينا الحذر من كلا النقيضين، واتباع كبار علمائنا في سلك مسالك الوسطية والاعتدال..
ربما حدثت الإطالة والإسهاب في هذه الصفحة، وهي نتاج حزن عميق انتابني من رؤية دمعٍ على خد والدتي، كان سببه تصور حال أمٍ بكت كثيراً فقد ابنها الهارب!، فخرجت الأسطر الماضية تباعاً!.
شكراً لكم،،
وفي أمان الكريم. |