حكم حلق اللحية في حق العسكري
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة الأخ . . . المكرم وفقه الله ، آمين .
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، بعده :
كتابكم المؤرخ 4 / 8 / 1395 هـ وصل وصلكم الله بهداه وما تضمنه من الأسئلة كان معلوما ، وهذا نصها وجوابها
الأول : ما حكم حلق اللحية في حق العسكري الذي يؤمر بذلك وما حكم من قال في حق المحلوق أنه مخنث .
والجواب : حلق اللحية لا يجوز وهكذا قصها؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم : " قصوا الشوارب وأعفوا اللحى خالفوا المشركين " وقوله عليه الصلاة والسلام : " جزوا الشوارب وأرخوا اللحى خالفوا المجوس " والواجب على المسلم طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم في كل شيء؛ لقول الله سبحانه يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ الآية .
وأولي الأمر هم : الأمراء والعلماء ، والواجب طاعتهم فيما يأمرون به ما لم يخالف الشرع فإذا خالف الشرع ما أمروا به لم تجب طاعتهم في ذلك الشيء؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم : " إنما الطاعة في المعروف " وقوله عليه الصلاة والسلام : " لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق " وحكومتنا بحمد الله لا تأمر الجندي ولا غيره بحلق اللحية ، وإنما يقع ذلك من بعض المسئولين وغيرهم ، فلا يجوز أن يطاعوا في ذلك ، والواجب أن يخاطبوا بالتي مي أحسن وأن يوضح لهم أن طاعة الله ورسوله مقدمة على طاعة غيرهما .
أما قول بعض الوعاظ : أن حالق لحيته مخنث ، فهذا كلام قاله بعض العلماء المتقدمين ومعناه المتشبه بالنساء؛ لأن التخنث هو : التشبه بالنساء ، وليس معناه أنه لوطي كما يظنه بعض العامة اليوم ، والذي ينبغي للواعظ وغيره أن يتجنب هذه العبارة لأنها موهمة فإن ذكرها فالواجب بيان معناها حتى يتضح للسامعين مراده ، وحتى لا يقع بينه وبيهم ما لا تحمد عقباه ، ولأن المقصود من الوعظ والتذكر هو إرشاد المستمعين وتوجيههم إلى الخير وليس المقصود تنفيرهم من الحق وإثارة غضبهم .
=
=
=وجوب إعفاء اللحية وتحريم حلقها أو تقصيرها
الحمد لله وحده ، والصلاة والسلام على عبد الله ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه . . وبعد :
فقد ورد إلي سؤال عن حكم حلق اللحية أو قصها وهل يكون من حلقها متعمدا معتقدا حل ذلك كافرا ، وهل يقتضي حديث ابن عمر رضي الله عنهما وجوب إعفاء اللحية وتحريم حلقها أم لا يقتضي إلا استحباب الإعفاء؟
الجواب : قد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال قصوا الشوارب وأعفوا اللحى خالفوا المشركين متفق على صحته ورواه البخاري في صحيحه بلفظ : ( قصوا الشوارب ووفروا اللحى خالفوا المشركين ) وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : جزوا الشوارب وأرخوا اللحى خالفوا المجوس " وهذا اللفظ في الأحاديث المذكورة يقتضي وجوب إعفاء اللحى وإرخائها وتحريم حلقها وقصها لأن الأصل في الأوامر هو الوجوب والأصل في النواهي هو التحريم ما لم يرد ما يدل على خلاف ذلك وهذا هو المعتمد عند أهل العلم ، وقد قال الله سبحانه : وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ وقال عز وجل : فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ
قال الإمام أحمد رحمه الله : ( الفتنة : الشرك ) لعله إذا رد بعض قوله - يعني قول النبي صلى الله عليه وسلم - أن يقع في قلبه شيء من الزيغ فيهلك ولم يرد في الكتاب ولا في السنة ما يدل على أن الأمر في هذه الأحاديث ونحوها للاستحباب ، أما الحديث الذي رواه الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يأخذ من لحيته من طولها وعرضها فهو حديث باطل عند أهل العلم؛ لأن في إسناده رجلا يدعى عمر بن هارون البلخي وهو متهم بالكذب ، وقد انفرد بهذا الحديث دون غيره من رواة الأخبار مع مخالفته للأحاديث الصحيحة ، فعلم بذلك أنه باطل لا يجوز التعويل عليه ولا الاحتجاح به في مخالفة السنة الصحيحة ، والله المستعان .
ولا شك أن الحلق أشد في الإثم؛ لأنه استئصال للحية بالكلية ومبالغة في فعل المنكر والتشبه بالنساء،أما القص والتخفيف فلا شك أن ذلك منكر ومخالف للأحاديث الصحيحة ولكنه دون الحلق . أما حكم من فعل ذلك فهو عاص وليس بكافر ولو اعتقد الحل بنا على فهم خاطئ أو تقليد لبعض العلماء .
والواجب أن ينصح ويحذر من هذا المنكر؛ لأن حكم اللحية في الجملة فيه خلاف بين أهل العلم هل يجب توفيرها أو يجوز قصها ، أما الحلق فلا أعلم أحدا من أهل العلم قال بجوازه ولكن لا يلزم من ذلك كفر من ظن جوازه لجهل أو تقليد ، بخلاف الأمور المحرمة المعلومة من الدين بالضرورة لظهور أدلتها فإن استباحتها كفر أكبر إذا كان المستبيح ممن عاش بين المسلمين ، فإن كان ممن عاش بين الكفرة أو في بادية بعيدة عن أهل العلم فإن مثله توضح له الأدلة فإذا أصر على الاستباحة كفر ، ومن أمثلة ذلك الزنا والخمر ولحم الخنزير وأشباهها فإن هذه الأمور وأمثالها معلوم تحريمها من الدين بالضرورة وأدلتها ظاهرة في الكتاب والسنة فلا يلتفت إلى دعوى الجهل بها إذا كان من استحلها مثله لا يجهل ذلك كما تقدم . .
وأسأل الله أن يوفقنا وإياكم للعلم النافع والعمل الصالح ، وأن يمنحنا الفقه في دينه والثبات عليه وأن يعيذنا جميعا من مضلات الفتن ، إنه سميع قريب . . والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته . |