اسمحي لي يا عبث ، تواجد اخر .. بدمعة تبتسم ! مهند: الآن بدأ الأكشن!
نجيب الزامل ونحن بزيارة مهند أبودية كان مضيئا ومتفائلا بشكل عجيب، ما شاء الله، بل قال لنا وهو غارق في ضحكته الرنانة، ويشرق وجهُه الفتي، وتلمع عيناه مع أنه فقد بهما الرؤية ( ونتوجه للكريم المتعالي أن يكون الفقدُ مؤقتا) فيقول: «هل تعلم يا عمي نجيب، ويا عمي هشام بأني أكتب مذكراتي التي تحكي ما يجري بحياتي، ولما وقع لي الحادث الذي بُترت بسببهِ قدمي وضاع نظري قلت لنفسي ضاحكا:.. الآن بدأ الأكشن! بدأت عقدة الحكاية..»
نعم يا شباب هذه روح أخيكم وحبيبكم المبتكر السعودي العبقري مهند أبودية.
وكان أخي هشام متوجسا كل الطريق، فهو لا يتخيل رؤية الشاب الحيوي المبتهج المتوقد ذكاء وفتوة وقد بُترت ساقـُه، وأنه صار لا يرى، وعرض علي أكثر من مرة أن يعود، فلا أعصاب تحميه من الانهيار..
ولما وصلنا أول ما بدّد تخوفاتِ هشام هو مقابلتنا للأب، الإعلامي المعروف جبريل أبو دية، وابتسامته البهيجة تملأ وجهَه، وأصرّ أن يحضر بنفسه ابنـَه (مهند) من غرفة المران الطبيعي.. وجاءنا مهند على الكرسي يدفعه والدُه، فوقع نظرنا على القدم الضائعة، ولكن البسمة المضيئة من وجه مهند الناضح بالإيمان والجمال والنور شطبت تماما على كل منظر عداها..
وكنا على عجل في طريقنا من الرياض عائدين للدمام، وقد قررنا ألا نطيل على مهند، خصوصا وهو تعبٌ من المران.. على أن مهند هو الذي استلم زمامَ الحديث بفرحةٍ وتفاؤل وعبقريةٍ أضاءت الجناحَ الذي نحن به، فنسينا أنفسَنا ونسينا الوقتَ، أو الوقتُ نسانا.. ولما خرجنا شهقنا لما طالعنا في الساعة، أمضينا مع مهند قرابة الثلاث ساعات، مستمعين لأجمل صوت، يحمل أجمل الأفكار، أفكار تكونت ونضجت وتبلورت بالإيمان والتفاؤل وعبقرية لا تأتي إلا للموعودين.
مهند له قلبٌ كبيرٌ، وعقلٌ كبيرٌ، وهنا يكتمل شـِقـّا المرء.. واختراعاتُه ومضاتٌ إنسانية من عاطفتِهِ، من قلبـِهِ، وتنتقل عملا وفكرا وبحثا إلى عقلِه.. هاكم مثالا: يقول مهند أنه كان يوما في مصلحة عامة كبيرة، وجاء مراجعٌ أصمّ يعبر بحركةِ يديه للموظف عن معاملةٍ له، ولكن الموظف قال له بعد نفاد صبره: «أغرب عن وجهي».. وخرج مهند حزينا لما سمعه ورآه، وعاهد نفسه أن يعمل على ألاّ يتكرر ذاك المشهد، فصنع القفازَ المتكلـِّم، يلبسه من لا يتكلمون فينقل إشاراتهم إلى جهازٍ صوتي ليكون لغة مسموعة ومفهومة، وجرّب مهندٌ الاختراع ونجح.. ويحلم أن يقدمه للملك عبد الله كما فعل مع غواصته التي أسماها تيمنا بالملك «صقر العروبة»..
ولم نكن نعلم أن «مريم» موجودة في الجهةِ الأخرى من الجناح الصغير.. وراء الباب المقفل إلا حين أشار لنا مهند، ومريم هي الزوجة الصغيرة المحبة المخلصة لمهند التي تقيم معه في المستشفى، ولم ترض أن تتركه للحظةٍ واحدة.. وإن سألتوني لم أقول مخلصة ومحبة؟ فلأنها قالت بعد حادث مهند:
«لو لم يبقَ به إلا قلبه لما تركته!». |