مشاهدة مشاركة بصفحة مستقلة
  #2  
قديم 06/04/2003, 02:59 PM
شيروكي شيروكي غير متواجد حالياً
مشرف سابق بمنتدى الثقافة الإسلامية
تاريخ التسجيل: 15/12/2000
المكان: القصيم
مشاركات: 2,953
الثمرة المرة
=======
جريدة الجزيرة / يغفو الناس ويفيقون على وقع آلة الحرب الأمريكية الظالمة، التي حوّلت هدوء الخليج صخباً! وجعلت سكينته قلقاً لا يهدأ! فها هي الحرب الثالثة خلال عقدين من الزمان تدمر كل شيء بأمر ربها! أو تكاد.
آوي إلى منزلي وأحضن أطفالي الأبرياء بلهفة واشتياق، فتقفز إلى مخيلتي صور الآلاف من أطفال العراق الذين يختبئون في عيون أمهاتهم السارحة، المملوءة باللوعة والأسى والخوف والرعب!
والمأساة أبعد من ذلك فنحن أمام احتلال سافر مكشوف وقح لم يعد يراعي حتى جودة الاخراج والصياغة، لأنه يدرك أن شعوب المنطقة غير ذات فاعلية، ولا تأثير.
ويشعر الجميع، حكاماً ومحكومين بالعجز أمام هذه القوة المتغطرسة وهذه التقنية الهائلة!
غير أن الفرق هو أن العالم عبَّر عن رفضه بكافة الوسائل وبقوة وشفافية، مهما تكن أسباب هذا الرفض، سياسية، أم إنسانية، أم تاريخية.
بينما المعنيون بهذه الحرب من المسلمين وخاصة العرب ربما هم أقل الناس تعبيراً واحتجاجاً، وكأن الأمر لا يعنيهم!
صحيح أننا لا نطالب بتوقف الحياة وبرامجها وأعمالها، فهذه الحرب الظالمة ليست نهاية التاريخ، وربما يجعل الله من ورائها دحراً للقوى المتسلطة، وإرغاماً لأنوفها ولو بعد حين.
ولكن من الوعي والرجولة ان تكون مواقف الناس واضحة لا تحتمل اللبس، وأن يعلنوا رفض العدوان الأمريكي، وتدخله السافر في بلد له وجوده، واستقلاله، وامتداده التاريخي الكبير.
بَكَى عَلَيَّ الصَّدى، واللحنُ، والوترُ ولم أزلْ لعذابِ الشعر أنتظرُ

أوْمَتْ إليّ شوَاطِيِه، فقلتُ لها: مات الرَّبيعُ، ومات العِطرُ والزَّهرُ

إنَّا مَساكِينُ، سَاق الظُّلمُ أدْمُعَنَا إلى فِجاجِ بها يُستَصرخُ القدَرُ!

ولا دِيَار، ولا أهْلٌ، ولا وَطَنٌ ولا حياةٌ، ولا عيشٌ، ولا عمرُ!

لقد تعودنا على تبرئة أنفسنا، بصورة تلقائية، وإدانة خصومنا قريبهم وبعيدهم بأنهم المسؤولون عن مصائبنا، وعن تخلفنا، وعن عجزنا. وهذا سر رئيس من أسرار فشلنا واخفاقنا، أننا لم نطرح السؤال الصحيح، ولم نجب الإجابة الصحيحة!
السؤال الصحيح هو: «أنَّى هَذا» ما هي الثغرات التي أتِينا منها؟ وكيف حدث هذا لنا؟
وليس أن نسأل: من فعل هذا بنا؟
والجواب الصحيح «هُوَ مِنْ عِنْدِ أنْفُسِكُم».
إن خطورة الموقف التاريخي الذي تعيشه الأمة بشعوبها وحكوماتها، يقتضي قدراً كبيراً من المصارحة والوضوح والمكاشفة، التي لا تقوم على التلاوم والسباق في التخلي عن المسؤولية، ولكن على العمل المخلص لاكتشاف مواضع الداء ومعالجته.
إنك تسمع كلاماً كثيراً، وتحليلات، وعواطف صادقة، وترى وجوها أمضَّتها الجراح، وعيوناً أنهكها السهر، وأضنتها الدموع، ولكن هل يكفي أن نتبارى في الملمات والنوازل، أيّنا أندى صوتاً، وأقوى عبارة، وأشد وطأة!
وهل يكفي أن نتململ في الأزمة الطارئة كرد فعل عفوي، وكأن حالنا وحياتنا وأمورنا عادية لولا الأزمة؟ أم يجب أن نعي أن الأزمة مقيمة بيننا راسخة في عقولنا وقلوبنا وأنماط حياتنا.. وربما قال قائل فصدق: إن لدينا ملياراً ومائتي مليون أزمة.. بعدد أفراد هذه الأمة المنهكة العليلة!
إن مظاهر هذه الأزمات هي الثمرات المرة لذنوبنا وأخطائنا التي نرفض بإصرار الخلاص منها، وربما تجرأنا فألبسناها ثوب الدين والشريعة لمنحها مزيداً من الرسوخ والاستقرار، ونحجبها عن عيون الناقدين والمصلحين!
وحين نقول الذنوب يجب ألا نمارس انتقائية غير مفهومة، تعتبر أن المعاصي هي انحرافات السلوك الشخصي فحسب، أو الإخلال التعبدي فحسب، فهذه ذنوب، لكن ثمت ذنوب الجماعة والأمة في تخلفها عن أداء دورها الرسالي، وعن تحصيل المصالح العامة، وامتلاك ناصية العلم، ومواصلة المسيرة التي بدأها أولونا.
فمن المؤكد أن ثمت انقطاعاً في مسيرتنا العلمية والحضارية منذ قديم، واختلالاً في مفاهيمنا وانفصالاً بين الشريعة والحياة، وبين السلوك الشخصي والجماعي، وبين العبادة والمعاملة.
لعلَّها غَضْبَةُ الرَّحْمنِ إنَّ لَنَا درباً تعالَت به الصَّيحاتُ والنذرُ!

سِرْنَا بَعِيداً، وَحِدنَا عنْه، فاخْتَلَطَتْ بنا الدُّرُوبُ، وصُبَّتْ فوقنَا الغِيرُ!

لعلَّها صرخة جَاءَتْ مُدَوِّيَةٌ ولا تَكَادُ لَهَا الأَعنَاقُ تَنْكَسِرُ

وهذا القهر القاتل المدمر الذي يعانيه الفرد المسلم اليوم، هو ثمرة مرة لهذه الأحقاب المتطاولة من الغياب والانقطاع الإسلامي، وما لم نفلح في تحويل مشاعر القهر إلى برنامج علمي رشيد طويل النفس فسنظل كما نحن، نصرخ ولكن دون جدوى على قاعدة المثل العربي: أوسعتُه شتَماً، وأَوْدى بالإِبلْ.
فهل تفلح هذه الأزمات الطاحنة المتلاحقة في صناعة مستقبل أفضل لأجيالنا؟! أم ترانا سنورث لهم سجلات من الشتائم فحسب؟!
وهل ستضع هذه الحركة العالمية التي تستهدف وجودنا وإيماننا وثرواتنا وتاريخنا.. أقدامنا على الطريق الصحيح؟! أم ستزيدنا انشقاقاً، وتخالفاً، وهزيمة نفسية تضاف إلى الهزيمة الحسية الواقعية؟!
وهل سنتعاطى المهدئات الوقتية، ريثما يهدأ القصف، وينتهي الفصل الأول من هذه المأساة المحزنة!.. أم ترانا سندرك أن الموقف يتطلب ما هو أوسع من ذلك وأبعد..؟
اللهم لا يأس من روحك وفرجك! فألهم عبادك المؤمنين رشدهم! وخذ بنواصيهم إلى طريق العزة والكرامة والمجد! واكفهم شر نفوسهم، وشر كل ذي شر!..
والحمد لله وحده.
اضافة رد مع اقتباس