مشاهدة مشاركة بصفحة مستقلة
  #1  
قديم 08/03/2003, 09:06 PM
شيروكي شيروكي غير متواجد حالياً
مشرف سابق بمنتدى الثقافة الإسلامية
تاريخ التسجيل: 15/12/2000
المكان: القصيم
مشاركات: 2,953
واجب الوقت ==== للشيخ سلمان العودة

واجب الوقت«1/2»
الشيخ سلمان بن فهد العودة


غلب على مدارسنا الفكرية والدعوية نمط من التفكير يميل إلى اليأس والإحباط، ويعالج النوازل والملمات بجرعات غير نقية من المواعدات المستقبلية التي لايد للإنسان فيها، عوضاً عن المطالبة بالعمل والجهاد، واستنفار القوى والطاقات، واستثمار الاحداث لإعادة صياغة الفرد والامة.
كتب إليَّ أحد الشباب يقول: نحن نعيش في احباط وخوف وهواجس رهيبة بعد هذه الاحداث حتى يجزم بعضهم بأنها بداية النهاية ليوم القيامة كما في «الهر مجدونية»، فترك الكثير منا العمل ونية الزواج، والتفكير في المستقبل العملي.. الخ.
وهذا الجزم- أخي الحبيب- هو من الرجم بالغيب، ولماذا نستنكر عمل العرافين والمنجمين وقارئي الكف والفنجان، ثم نأتي ما هو مثله وأشد منه.
إن قارئة الكف قد تؤثر بالإيحاء على سلوك فرد واحد، أو تضر بمستقبله، بينما الخراصون المتهوكون في قضايا الامة قد يضرون بمستقبل مئات من الناس ممن اتبعوهم بغير علم.
وليس أضر على الامة في هذه الازمة من ان تقرأ المستقبل قراءة مغلوطة فتركن إلى دعة أو سكون أو استرخاء بحجة القدر الماضي، أو تتجرأ على قرار غير حصيف اتكاءً على صورة مستقبلية تداعت اليها من نظرة يائس، أو خيال نائم حالم، أو تصورات دعي متعالم..
ويصادف هذا شعوراً لدينا بالعجز والاغلاق، وأن لا دور نؤديه، ولا مهمة نضطلع بها.. إذاً يكفينا ان نرسم المستقبل نظرياً كما نحب ولنجعل لنا فيه الحلو.. ونسقي اعداءنا المر.. لينتهي الأمر.
ان أمامي وأمامك- أيها الغالي- قائمة طويلة من المسؤوليات الخاصة التي أقرتها الشريعة فلا ينسخها تأويل، ولا تبطلها رؤيا، وما لم نسمع في تحقيقها فسنظل ندور في حلقة ازمات متصلة متلاحقة لا مخلص منها، فالازمة الحقيقية هي في دواخلنا واعماقنا وذواتنا، ومن هناك يأتي الفرج والخلاص.
العمل النافع سواء كان دنيوياً أو أخروياً هو من الاسباب المطلوبة من المسلم، وغالباً لا يقع في مثل هذه المزالق إلا من يعاني من الفراغ، وضياع الوقت، وعدم الانتظام في برنامج، أو مشروع علمي، أو عملي. فهو يمنِّي نفسه بالترقب والانتظار، وقد يرى الناس وهم يعملون فيرثي لحالهم، ويشفق عليهم وربما حاول ان يثنيهم عن عملهم، لانه يظن انهم لم يدركوا ما ادرك، وانهم يعملون في غير طائل!.
وفي مثل هذه الاوقات العصيبة والحاسمة يحتاج الفرد المسلم المتطلع إلى أمور:
* {ثٍمَّ أّنزّلّ عّلّيًكٍم مٌَنً بّعًدٌ الغّمٌَ أّمّنّةْ نٍَعّاسْا يّغًشّى" طّائٌفّةْ مٌَنكٍمً} *آل عمران: 154*.
فليطمئن المسلم إلى مستقبله، وإلى حفظ دينه، وملته، وأمته، ولا يسمح للقلق والخوف المفرط ان يسيطر عليه حينما يسمع او يقرأ بعض التحليلات الاخبارية التي قد يكون بعضها نوعاً من الحرب النفسية او التلاعب بأعصاب الناس.
ولينظر في الماضي، كم واجه الإسلام من حروب ومحن وإحن وكوارث ثم خرج منها قوياً عزيزاً منيعاً، ومن ذا يكون في وحشية التتر؟! أو دموية الصليبيين؟! أو همجية الاستعمار؟! أو قسوة اليهود؟!
إن اضطراب النفس وارتباكها لا يصنع شيئاً، ولكنه يحول دون التفكير السوي، ودون العمل المنتج، وقد يجر إلى القعود أو التراخي أو الاستسلام، أو يفضي إلى الاندفاع الجامح دون بصرٍ بالعواقب.
ولا تغل في شيء من الأمر واقتصد
كلا طرفي قصد الامور ذميم
ولم يكن احد اشد حماساً لهاذ الدين وحدباً عليه من محمد صلى الله عليه وسلم، وفي ذروة الشدائد كان يدعو ويتضرع، ولكن لاتفارقه سكينة الرضا، كيف وقد خاطبه ربه فقال:{أّلّمً نّشًرّحً لّكّ صّدًرّكّ}.
ثانياً: ومما يعين على السكينة ويزرع الاطمئنان الركون إلى الله تعالى توكلاً وتألهاً وتعبداً ورضا، وفي الصحيح:«من رضي بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً وجبت له الجنة» وفيه أيضا:«العبادة في الهرج كهجرة إليَّ».
والهرج: الفتن، وفي توجيه الله لحبيبه محمد صلى الله عليه وسلم {فّإذّا فّرّغًتّ فّانصّبً وّإلّى" رّبٌَكّ فّارًغّبً}وذلك ان العبادة تورث سكوناً وهدوءاً وثباتاً واستقراراً نفسياً وعقلياً يحرم منه المضطربون المتهوكون الذين يظنون ان مقاليد الامور بيد غير الله.
إن عبادة القلب والجوارح هي من التوبة والإنابة التي بها تُستدفع الكوارث والنكبات وتستجلب المنح والعطايا والهبات، ولا عز للأمة افراداً وجماعات وشعوباً وحكومات إلا بالتوبة الصادقة والرجوع إلى الله تعالى واللياذ به.
وبذلك يكون اصلاح النفس والقلب والجوارح والسلوك، وصلاح الفرد صلاحاً للأمة، والبداية تكون من النفس، واذا كنا غير قادرين على تدارك خلل في ذوات نفوسنا، القرار فيه يبدأ وينتهي من عندنا، فكيف نحلم بالتدارك على المستوى العام أو على المستوى العالمي في ظروف ذات تعقيد وتداخل، وقد تريد أنت شيئاً ويريد غيرك سواه؟!
وكثيرون منا لم يحققوا نجاحاً مع ذواتهم في إدارتها إدارة شرعية تقوم على حفظ الحقوق وأداء الامانات وبذل الخير وفق السنن والآيات الشرعية والكونية.
ثالثاً: الإلحاح في الدعاء والتضرع فإنه مما يستدفع به البلاء، وتستنزل به الرحمة، ولن يعدم مليار مسلم أن يكون بينهم من لو أقسم على الله لأبره، فليكن لإخوانك المسلمين من دعائك وتضرعك نصيب، أشركهم معك، واصدق في دعائك، وليتواطأ مع هذا الدعاء صفاء السريرة وحب الخير للناس في العاجل والآجل.




وسارية لم تسر في الارض تبتغي
محلاً ولم يقطع بها البيد قاطع
سرت حيث لم تسر الركاب ولم تنخ
لورد ولم يقصر لها القيد مانع
تحل وراء الليل والليل ساقط
بأرواقه فيه سمير وهاجع
تفتح أبواب السماوات دونها
إذا قرع الأبواب منهن قارع
إذا أوفدت لم يرد الله وفدها
على أهلها والله راء وسامع
واني لأدعو الله حتى كأنما
أرى بجميل الظن ما الله صانع


رابعاً: الهدوء في التعامل مع الأخبار والتحليلات والتصريحات والمواد الإعلامية، فإن مزيد الانهماك فيها ربما صنع لدى المتلقي قدراً من البلبلة والحيرة والتردد، ثم الخوف المفرط، وكثير من هذا الضخ الإعلامي هو مواد مشققة مفرعة، يعاد انتاجها بطرق مختلفة، أو وجهات نظر وتحليلات وظنون وتوقعات قد ينتفع اللبيب بها إذا أحسن قراءتها والتعامل معها، وعرف ما يأتي وما يذر، وما يأخذ وما يدع، أما غير الفطن فربما كانت شقوة له، تحرمه هناءة حياته وطيب عيشه، وتعوقه عن سيره، دون أن يظفر من ورائها بطائل، أو يكون من معالجتها بسبيل.
خامساً: الحذر من ترويج الشائعات والاقاويل والاخبار المرتبكة والتحليلات المغرقة في التشاؤم، فإننا في عصر صارت قوة الدول تبنى على مقدار ما لديها من سعة المعلومات ودقتها، إننا في عصر «المعلوماتية».
وكم من خبر يروج ويتم تداوله وتبنى عليه نتائج قريبة وبعيدة، وقرارات واجتهادات، وهو غير مؤكد ولا ثابت.. فكيف تظن بمثل هذه الرؤية المبنية على شائعة أو ظن، أو خبر مكذوب، أو رواية مضطربة، أو معلومة ناقصة، أو مضللة.
والحصول على المعلومة لم يعد صعباً ولا عسيراً ولا مكلفاً متى توفرت الإرادة، وأدركت الامة الاهمية القصوى لهذه المعلومات.
أليس من المحزن ان تكون عدوتنا الاولى، أو ما يسمى ب «إسرائيل» من أكثر دول العالم تقدماً معلوماتياً، بينما نحن في العالم الإسلامي ربما لا نملك حتى القدر الضروري من ذلك!
فضلاً عن فقدان الكثيرين لمنهج التعامل مع المعلومات والأخبار، مع وضوح هداية القرآن في ذلك ونصاعتها{يّا أّيٍَهّا الذٌينّ آمّنٍوا إن جّاءّكٍمً فّاسٌقِ بٌنّبّأُ فّّتّبّيَّنٍوا أّن تٍصٌيبٍوا قّوًمْا بٌجّهّالّةُ}، الآية.. فيأمر سبحانه بالتثبت والتبين في الاخبار، وعدم الاندفاع في تناولها أو بناء النتائج والقرارات عليها.
*، فيؤكد المعنى الأول خصوصاً في مقام الجهاد في سبيل الله، ويحذر من الجراءة على دماء المسلمين، أو التسرع في تكفيرهم مما يترتب عليه استحلال دمائهم وأموالهم وأعراضهم. وإذا كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم المخاطبون أول مرة بهذا النداء يوعظون بقوله سبحانه وتعالى: {تّبًتّغٍونّ عّرّضّ الحّيّاةٌ الدٍَنًيّا}،*النساء: 94*، فكيف نقول نحن عن أنفسنا إذاً؟!
ويقول تعالى:{وّإذّا جّاءّهٍمً أّمًرِ مٌَنّ الأّمًنٌ أّوٌ الخّوًفٌ أّذّاعٍوا بٌهٌ}..الآية.
*، فحتى أولو الأمر من أهل الحكم أو العلم ليسوا كلهم أهلاً لفهمه وإدراكه، وهذا ظاهر جداً في المضايق والمسائل العويصة والمصيرية، أما تعاطي القضايا العادية فهذا مختلف عما نحن بصدده.
سادساً: حفظ اللسان، فإنه في أزمنة الفتن أشد من وقع السيف، ومن أعظم المخاطر المحدقة أنها تستفزبعض العواطف التي لم تترب في محضن، ولم تتلق تعليماً، ولم تعايش تجربة فتنجر إلى تكفير أو تفسيق أو تبديع أو تخوين لهذا الطرف أو ذاك لمجرد عدم استيعابها لمواقف الآخرين، أو حتى قل لحصول خلل أو خطأ ما.. لكنه لا يعالج بمثل هذه الطريقة.
وما أشد وطأة القيل والقال والتلاعن والتطاعن في وقت وصلت فيه الامة في قعر هاوية بتخلفها وجهالتها وعجزها عن تحصيل الاسباب الحقيقية للعزة والسمو.
إن أقل ما يجب هو أن نلجم ألسنتنا بلجام التقوى والخوف والايمان عن أعراض المسلمين بتأويل أو بغير تأويل.. لنصلح أنفسنا أولاً.. ثم لن نجد بعد ذلك ما يبيح لنا الاشتغال بأصحابنا حين سلم منا أعداؤنا.. والله المستعان.
إنه ليس مما يفرح به أن نرى إقبالاً على تعاطي ألفاظ الكفر وكأنها تحية المسلم لأخيه..

تحيةُ بينهِم ضربٌ وجيع
[email protected]
اضافة رد مع اقتباس