مشاهدة مشاركة بصفحة مستقلة
  #10  
قديم 27/02/2008, 10:19 PM
زعيمه قديمه زعيمه قديمه غير متواجد حالياً
زعيــم مميــز
تاريخ التسجيل: 22/12/2006
المكان: في مجرة درب التبانه
مشاركات: 3,793
(ومضااااااااااااااااااات)

ودستور الإسلام في التعامل مع غير المسلمين يتلخص في قوله تعالى : ﴿ لاَ يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوَهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ المُقْسِطِينَ ﴾ ( )، فالآية واضحة في أننا نحن المسلمين عندما لا يريد الآخرون أن ينضموا إلى مدرسة الإسلام، فعلينا صلتهم، والعدل معهم، ومعاملتهم المعاملة الطيبة، بناءً على مبدأ الاحترام المتبادل، والعلاقات الإنسانية والمصالح المشتركة.

وغير المسلمين من وجهة نظر الإسلام لهما مجالان : المجال الأول : هو الفرد غير المسلم في المجتمع الإسلامي، والمجال الثاني : هو الجماعة غير المسلمة المتعاملة مع الدولة .

فعلى مستوى غير المسلم كفرد في المجتمع المسلم تعامل معه الإسلام في تشريعه والمسلمون في تطبيقهم على أنه حقيقة واقعية؛ حيث حدد الإسلام المنهج القويم في ضبط العلاقة بين المسلمين وغيرهم من أهل الديانات الأخرى في المجتمع الإسلامي، وسار المسلمون قرونا طويلة يقررون هذه الحقيقة بالتطبيق العملي، ويضربون للعالم بأسره أروع الأمثلة في إمكانية تعايش المسلمين مع غيرهم في سلام وأمان.

وقد تعامل الفقه الموروث القديم مع غير المسلم من خلال ما يسمى أو يعرف بعقد الذمة، و«الذمة» كلمة معناها العهد والضمان والأمان، وإنما سموا بذلك؛ لأن لهم عهد الله وعهد الرسول r، وعهد جماعة المسلمين : أن يعيشوا في حماية الإسلام، وفي كنف المجتمع الإسلامي آمنين مطمئنين، فهم في أمان المسلمين وضمانهم، بناء على «عقد الذمة» بينهم وبين أهل الإسلام . فهذه الذمة تعطي أهلها «من غير المسلمين» ما يشبه في عصرنا "الجنسية" السياسية التي تعطيها الدولة لرعاياها، فيكتسبون بذلك حقوق المواطنين ويلتزمون بواجباتهم. فالذمي على هذا الأساس من «أهل دار الإسلام» كما يعبر الفقهاء ( ) أو من حاملي «الجنسية الإسلامية»( ) كما يعبر المعاصرون.

ومن خصائص هذا العقد أنه عقد مؤبد( )، يتضمن إقرار غير المسلمين على دينهم، وتمتعهم بحماية الجماعة الإسلامية ورعايتها.

حقوق غير المسلم في المجتمع المسلم :

الأساس في حقوق غير المسلم في المجتمع المسلم أنهم لهم ما للمسلمين وعليهم ما على المسلمين؛ ولذلك كفل النظام التشريعي الإسلامي ـ وطبقه المسلمون عبر التاريخ ـ جميع حقوق المسلمين لغير المسلمين في المجتمع الإسلامي حيث كفل له حقه في حرية الاعتقاد، وفي ممارسة الشعائر الدينية، وحقه في العمل وتكوين الثروات، وحقه في تولي المناصب العليا في الدولة الإسلامية، وحقه في الأمن، والرعاية الصحية، حمايته من الاعتداء الخارجي، والاضطهاد الداخلي، وعصم دمه، وماله، وعرضه، وكفله ماديا عن العجز أو الفقر.


حق حرية الاعتقاد وممارسة الشعائر الدينية :

وأول هذه الحقوق والحريات التي كفلها المنهج الإسلامي القويم هو حق الاعتقاد والتعبد، فالإسلام لا يأمر الناس بالدخول فيه بالقوة أو بالسيف بل بالاقتناع، ولذلك كفل حق غير المسلم في المجتمع المسلم في أن يعتقد ما يعتقد، وأن يتعبد بما يتعبد، طالما أنه لا يؤذي المسلمين ولا يظاهر عليهم، فلكل ذي دين دينه ومذهبه، لا يُجبر على تركه إلى غيره، ولا يُضغط عليه ليتحول منه إلى الإسلام، وأساس هذا الحق قوله تعالى: ﴿ لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الغَيِّ ﴾( ) ، وقوله سبحانه : ﴿ وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لآمَنَ مَن فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِين ﴾َ( ).

وكذلك صان الإسلام لغير المسلمين معابدهم ورعى حرمة شعائرهم، بل جعل القرآن من أسباب الإذن في القتال حماية حرية العبادة، وذلك في قوله تعالى: ﴿ أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ * الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِم بِغَيْرِ حَقٍّ إِلاَّ أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيز ٌ ﴾ ( ).

ولما توسعت رقعة الدولة الإسلامية زمن النبي r، كان هناك مجموعة كبيرة من القبائل المسيحية العربية، وبخاصة في نجران، فما كان منه r، إلا أن أقام معهم المعاهدات التي تؤمن لهم حرية المعتقد، وممارسة الشعائر، وصون أماكن العبادة، إضافة إلى ضمان حرية الفكر والتعلم، فلقد جاء في معاهدة النبي لأهل نجران : " ولنجران وحاشيتهم جوار الله، وذمة محمد النبي رسول الله على أنفسهم، وملّتهم، وأرضهم، وأموالهم، وغائبهم، وشاهدهم، وَبِيَعهم، وصلواتهم، لا يغيروا أسقفا عن أسقفيته ولا راهبا عن رهبانيته، ولا واقفا عن وقفانيته. إلى أن قال : " وعلى ما في هذه الصحيفة جوار الله وذمة النبي أبدا حتى يأتي الله بأمره إن نصحوا وأصلحوا " ( ).

فقد رأينا كيف اشتمل عهد النبي r إلى أهل نجران، أن لهم جوار الله وذمة رسوله على أموالهم وملَّتهم وبِيَعهم.

وفي عهد عمر بن الخطاب إلى أهل إيلياء (القدس) نص على حُريتهم الدينية، وحرمة معابدهم وشعائرهم : "هذا ما أعطى عبد الله عمر أمير المؤمنين أهل إيلياء من الأمان: أعطاهم أمانا لأنفسهم وأموالهم وكنائسهم وصلبانهم وسائر ملَّتهم، لا تُسكن كنائسهم، ولا تُهدم، ولا ينتقص منها، ولا من حيزها، ولا من صليبها، ولا من شيء من أموالهم، ولا يُكرهون على دينهم، ولا يُضار أحد منهم. ولا يسكن بإيلياء معهم أحد من اليهود . . " ( ).

وفي عهد خالد بن الوليد لأهل عانات: "ولهم أن يضربوا نواقيسهم في أي ساعة شاءوا من ليل أو نهار، إلا في أوقات الصلاة، وأن يخرجوا الصلبان في أيام عيدهم" ( ).

وبُنِيت في مصر عدة كنائس في القرن الأول الهجري، مثل كنيسة «مار مرقص» بالإسكندرية ما بين عامي (39 - 56 هـ) .كما بُنِيت أول كنيسة بالفسطاط في حارة الروم، في ولاية مَسْلمة بن مَخْلَد على مصر بين عامي (47 - 68 هـ ) كما سمح عبد العزيز بن مروان حين أنشأ مدينة «حلوان» ببناء كنيسة فيها، وسمح كذلك لبعض الأساقفة ببناء ديرين( ) .
اضافة رد مع اقتباس