أستميح الأحبةَ و حبيبنا أبا ريمان في التطفل.
فاصل إعلاني (ثقيل دم).
كان كاتب هذه الأسطر في السنة الأخيرة من المرحلة المتوسطة عندما أستقر رأيه أن ينتقل من مدينته التي يدرس فيها إلى مدينةٍ أخرى.
كان لابد أن أذهب ، أما لماذا ؟ فلأنني كنتُ عنيداً جداً و أحسب أنني تخلصت من هذا العيب حتى لو أصرت أم عبدالله أنني لازلت ذاك الفتى العنيد.
لم يحاول والدي عليه رحمة الله حتى مجرد ثنيي عن قراري. أكتب هذه الأسطر و أنا أعصر ذاكرتي التي شاخت فأرى هناك والدي - جمعني الله و إياه في مستقر رحمته - و لم يتغير وجهه و أنا أصر على رأيي و والدتي حفظها الله و أمتعنا بها في صحةٍ و عافيةٍ تحاول عبثاً أن تثنيني عن رأيي. رحماك يا الله كم سببت من ألمٍ لهما.
لا أكاد أتخيل كيف يرحل فتى لم يتجاوز الخامسة عشر من عمره منزل والديه ليدرس الثانوية بعيداً عنهما.
كانت تجربةً ثريةً لي لازلت أحمل آثارها الإيجابية و ربما - أقول ربما - أكون قد دفنت في تلك السنة ما كنت أظنه النظرة الوردية للأمور و للأشياء و للأشخاص.
لماذا اريد أن أثقل عليكم بهذا الكلام - وعفوكم يا أحبة - فأقطع عليكم هذه الجواهر التي يتفنن أبو ريمان في نظمها لكم ؟
فعلتُ هذا لسببين : الأول لأنني أريدكم أن تشكروا الله معي على نعمة - و أنا أراها هكذا - تلك الفكرة التي طرأت على ذهن حبيبنا أبي ريمان عندما قرر ذات يومٍ أنه سيكتب تلك الذكريات مع مافيها من مشقة.
أما الثاني فلأنني تذكرت صديق عمري و مستودع أسراري الذي يرقد الآن في ذات المدينة التي تركتها في آخر أيام فصل صيفٍ لا زالت ذكراه تهز البدن.
عندما رحلت لم أفكر إلا في نفسي و لم يخطر ببالي - و كيف يخطر و أنا فتى صغير - أن رحيلي قد يغير حياة صديق العمر.
قرأت كثيراً منذ سني الإبتدائية الأولى و كنت أتخيل بعض المثل و القيم و أظنها فقط في خيال الكتاب. ثم كبرت و لازلت أحن إلى القراءة أهرب منها إليها . أشكو نفسي و هذه الدنيا الدنيا. قرأت عن رباط الصداقة و توأمة الروح قديماً و أنا غِر و أقرأها أمثلةً عنها الآن. لكنني - و صدقوني - رأيت تلك المثل في تلك الروح الرقراقة.
عندما هاتفت والدتي من مدينتي الجديدة - وحيداً رغم من حولي - و سألتها عن الأخبار قالت لي فلان ترك الدراسة !!! و لما سألتها عن السبب صغرت في عين نفسي و أحسست بالمرارة تملأ حلقي.
قالت والدتي - و هي كانت و تعرفه حق المعرفة : فلان يقول المدرسة لا تصلح بدونك.
ماذا عساي أن أقول !؟ رحمك الله يا ساكن القلب.