تكملة الموضوع :
الآن نختم بالآية 12 من سورة الإسراء، والتي تأتى تعقيباً على النبوءة

وَجَعَلْنَا الليلَ وَالنهارَ ءَاَيتَيْنِ فَمَحَوْنَا ءَايَةَ الليلِ وَجَعَلْنَا ءَايَةَ النهارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُوا فضلاً مِنْ رَبكُم وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السنينَ وَالحِسَاب وَكُل شَئٍ فَصلنَاهُ تَفْصيلاً(12) (
لاحظ قوله تعالى: )وَلِتَعْلَموا عَدَدَ السنينَ وَالحِسَاب.. ( وبحثُنا هذا في عدد السنين والحساب، واللافت للنظر أن كلمة والحساب هي الكلمة رقم 19 في الآية، وسبق أن قلنا أن كل كلمة في السورة تقابل سنة. وبحثْنا تَعامل مع السنين والحساب وفق العدد 19!
يذكر صاحب كتاب "إسلامنا" الدكتور مصطفى الرفاعي صفحة 197: " ما ذكره صاحب كتاب "مشارق أنوار اليقين" الحافظ رجب البرسي من أنه روي عن ابن عباس في تفسير قوله تعالى: )وَُكل شئٍ فَصلناهُ تفصيلاً(12) ( قوله: "معناه شرحناه شرحاً بيناً بحساب الجُمَل..".
حتى يكون القارئ أكثر ارتياحاً لمسلكنا الذي نُسميه: (التأويل الرياضي للقرآن الكريم)، أقوم بإعطاء مَثَل واحد من عدة أمثلة وجدتها نتيجة استقراءٍ لألفاظ بعض السور القرآنية:
يدل اسم سورة (الكهف) على أهمية قصة (أهل الكهف) في السورة. وتبدأ القصة بالآية (9): )أم حسبت أن أصحاب الكهف والرقيم... (. أما مدة لبثهم فنجدها في الآية (25) : )ولبثوا في كهفهم ثلاث مائةٍ سنين وازدادوا تسعاً(. وبِلُغة الأرقام نقول: " ولبثوا في كهفهم 309 ". أقول: إذا بدأت العد من بداية القصة: )أم حسبت أن.. ( فستجد أن رقم الكلمة التي تأتي بعد عبارة : )ولبثوا في كهفهم ( هو (309).
تكررت عبارة ( وعد الآخرة) في القرآن الكريم مرتين فقط. الأولى في بدايات سورة الإسراء، والثانية في خواتيمها. وواضح أن السياق واحد في البدايات والخواتيم، بل وردت في البداية )فَإذا جَاءَ وَعْدُ الآخِرَة.....( وفي الخواتيم )فَإذا جَاءَ وَعْدُ الآخِرَة.....(، وهذا يُشير إلى أن سورة الإسراء بمجملها تتحدث حول وعد الآخرة. وسبق لي أن قرأت للأستاذ المودودي مقالاً يستنبط فيه عناصر قيام الدولة الإسلامية من آيات سورة الإسراء. وقد لفت انتباهي خواتيم سورة الإسراء وعلى وجه الخصوص قول الله تعالى )قُل آمنوا بهِ أَوْ لا تُؤْمِنوا، إن الذين أُوتُوا العِلمَ مِن قَبْلِهِ إِذَا يُتلى عَلَيْهِم يَخِرونَ لِلأَذقانِ سُجدا، وَيَقُولونَ سُبْحَانَ رَبنا إن كَانَ وَعْدُ رَبنا لَمَفْعُولاً(.
)قُل آمِنوا بِهِ( أي بالقرآن ولا ننسى أننا في سياق الحديث عن وعد الآخرة، فما الذي يمنع أن يكون الضمير يرجع إلى الوعد، ويُقَوي هذا أن عبارة (وعد مفعول) لم ترد في القرآن الكريم إلا ثلاث مرات: "كان وعده مفعولاً " من سورة المزمل. ووردت المرتان الأخريان في سورة الإسراء، الأولى بعد الحديث عن الوعد الأول الذي سبق الإسلام "وكان وعداً مفعولاً". أما الثانية فجاءت بعد وعد الآخرة وعند الكلام عن تعجب أهل الكتاب من صدق الوعد الإلهي وقولهم "سبحان ربنا إن كان وعد ربنا لمفعولا" واللافت للانتباه أن سورة الإسراء تختم بقوله تعالى "وَكَبرْهُ تَكْبيرا". وتُشير خواتيم الإسراء إلى انتصار الإسلام ودخول جماعات من أهل الكتاب في الإسلام. وقد جاء في الحديث الشريف قول الرسول e : (آية العز

وَقُل الحمدُ للهِ الذي لم يَتخِذ وَلَدَا، وَلَم يَكُنْ لَهُ شَريكٌ في المُلك، وَلَم يَكُن لَهُ وَليٌ مِنَ الذل وَكَبرهُ تَكْبيرا(.
قلت في نفسي: يبدو أن سورة الإسراء هي السورة التي تتحدث عن انتصار صراط الذين انعم الله عليهم، على صراط المغضوب عليهم والضالين، ويبدو انه انتصار مُجَلجَل يؤدي إلى تحولات عالمية تتلاءم مع مكانة )الأرض التي باركنا فيها للعالمين(، وهنا تعزز في نفسي التوجه لإحصاء الآيات من نهاية الفاتحة: )صراط الذين أنعمت عليهم، غير المغضوب عليهم، ولا الضالين( إلى بداية سورة الإسراء التي أرى أنها سورة انتصار الصراط الحق. قمت بإحصاء الآيات من بداية سورة البقرة إلى نهاية سورة النحل فكانت (2022) آية. فتأمل!!
ملاحظات للمتابعة
جاء في سفر (اللاويين)، الإصحاح (25 ) : "وقال الرب لموسى في جبل سيناء : أوص بني إسرائيل : متى جئتم إلى الأرض التي أهبكم، لا تزرعوها في السنة السابعة، ازرع حقلك ست سنوات، وقلم كرمك ست سنوات، واجمع غلتهما. وأما السنة السابعة ففيها تريح الأرض وتعطلها سبتاً للرب لا تزرع فيها حقلك ولا تقلم كرمك. لا تحصد زرعك الذي نما بنفسه، ولا تقطف عنب كرمك المُحْول، بل يكون سنة راحةٍ للأرض" وبعد تفصيل أحكام شريعة السنة السابعة هذه، يقول في الإصحاح 26: "... ولكن إن عصيتموني ولم تعملوا بكل هذه الوصايا، وان تنكرتم لفرائضي وكرهتم أحكامي ولم تعلموا بكل وصاياي بل نكثتم ميثاقي، فإني ابتليكم بالرعب المفاجئ... أُشتتكم بين الشعوب، واجرد عليكم سيفي وأُلاحقكم، وأُحول أرضكم إلى قفر ومدنكم إلى خرائب عندئذٍ تستوفي الأرض راحة سبوتها طوال سنين وحشتها وأنتم مشتتون في ديار أعدائكم. حينئذٍ ترتاح الأرض وتستوفي سنين سبوتها فتعوض في أيام وحشتها عن راحتها التي لم تنعم بها في سنوات سبوتكم عندما كنتم تُقيمون عليها... "[43].
وجاء في سفر (أخبار الأيام الثاني ) الإصحاح (36): "... وسبى نبوخذ ناصر الذين نجوا من السيف إلى بابل، فأصبحوا عبيداً له ولأبنائه إلى أن قامت مملكة فارس. وذلك لكي يتم كلام الرب الذي نطق به على لسان إرميا، حتى تستوفي الأرض سبوتها، إذ أنها بقيت من غير إنتاج كل أيام خرابها حتى انقضاء سبعين سنة"[44]. ووردت هذه العبارة في الأصل: "...حتى استوفت الأرض سبوتها لأنها سبتت في كل أيام خرابها لإكمال سبعين سنة"[45].
عُرف حساب (الجُمل) عند العرب، وعند غيرهم. وقد استُخدم لأغراض التأريخ، فجعلوا لكل حرفٍ قيمة عددية وفق الترتيب الأبجدي ( أبجد هوز حطي كلمن سعفص قرشت ثخذ ضظغ)، وذلك على الصورة التالية:
ي 10
ط 9
ح 8
ز 7
و 6
هـ 5
د 4
ج 3
ب 2
أ 1
ق 100
ص 90
ف 80
ع 70
س 60
ن 50
م 40
ل 30
ك 20
غ 1000
ظ 900
ض 800
ذ 700
خ 600
ث 500
ت 400
ش 300
ر 200
وإليك أخي القارئ مثالاً على استخدام هذا الحساب في التأريخ: قال شاعرٌ في رثاء آخر توفي:
سألت الشعر هل لك من صديقٍ وقد سكن الدلنجاوي لحده
فصاح وخر مغشياً عليه وأصبح راقداً في القبرعنده
فقلتُ لمن يقولُ الشعر أقصِرْ لقد أرختُ: مات الشعرُ بعده
جُملة (مات الشعرُ بعده) والتي وردت بعد كلمة (أرختُ) تُشير إلى تاريخ وفاة الشاعر الدلنجاوي: (40+1+400+1+30+300 +70 + 200 +2+70 +4+5) =1123. وعليه تكون وفاة الدلنجاوي عام 1123 هجري.
ما موقف الإسلام من حساب الجُمل؟
جاء في تفسير البيضاوي[46]، في مقدمة سورة البقرة، أن الرسول الله e أقر اليهود عندما حسبوا (ألم) فوجدوها (71). واعتمد في ذلك على حديث طُعِنَ في صحته. وذهب الإمام السيوطي إلى أن حساب الجمل لا أصل له في الشريعة. ولكن في المقابل لا يوجد نص يُنكر هذه الطريقة في الحساب، إلا ما كان من استخدامها من قبل المشعوذين، وأهل الكهانة والعرافة. واستخدمها اليهود في حل رموز النبوءات عندهم. ونحن هنا نقوم بعملية استقراء من غير أنْ نجعل حساب الجمل أصلاً في المعادلات، ولكن نجد من المناسب أن نعرض ملاحظاتنا على القارئ، من منطلق أن حساب الجمل يمكن أن يُستأنس به كفرع يُثري ويلقي مزيداً من الضوء لا أكثر.
إن ما أعرضه الآن هو نتيجة استقرائية، وجدتها تنسجم مع نتائج الفصل الثاني من هذا الكتيب، ومن غير نتائج هذا الفصل أجدها لا تعني شيئاً. ويجب التنبه هنا إلى أن حساب الجُمل هو مجرد اصطلاح بشري، وهو يقتضي أن تحمل الكلمات الكثيرة الاحتمال نفسه. وبالتالي يمكن أن تستخدم الكلمة الواحدة، أو العبارة للدلالة على أكثر من حيثية. وفي الوقت الذي تُستخدم فيه كلمة ما لتدل على تاريخ وفاة شخص، يمكن أن تُستخدم أيضاً للدلالة على اسم شخص أو تاريخ معركة، أو تاريخٍ شمسي، أو تاريخٍ قمري... الخ.
رَسْم القرآن الكريم الذي يسمى بالرسم العثماني هو رسم توقيفي، أي أنه كُتب بإشراف الرسول e، وهذا ما عليه جماهير العلماء. ويسهُل اليوم إثبات ذلك بعد اكتشاف بعض البنى الرياضية المعجزة للقرآن الكريم. وقد تبين لي أن لهذا الرسم أسراراً ليس فقط على المستوى الرياضي، بل قد تُدخر بعض الأسرار في كلمات وجمل يمكن التوصل إليها عن طريق الجُمل، وهذا لا يعني أن كل كلمة أو جملة تشتمل على سر، ولكننا فقط نستقرئ ونعجب من التوافق الذي نجده أحيانا، وأمثلته عندي كثيرة، ولكنني أقتصر هنا على بعض الكلمات والعبارات التي وجدت أنها تعيد رسم المعادلة السابقة والتي هي صُلب الموضوع.
إن عبارة (المسجد الحرام) لا تختلف قيمتها العددية وفق حساب الجمل كتابةً ولا لفظا، فهي تُكتب كما تُلفظ، وهذا ينطبق على عبارة (المسجد الأقصا) وفق الرسم العثماني، وكذلك عبارة (بنو إسراءيل) وكلمة (السبت). أما عبارة (بني إسراءيل) وفق الرسم العثماني فتنقص الألف التي تُلفظ في كلمة (إسرائيل).
ارتبط السبوت في الذاكرة اليهودية بالزوال وعلى وجه الخصوص ما يتعلق بالأرض المباركة، وقد وجدت أن بعضهم يعتقد أن الدنيا ستزول في العام (6000) عبري، وهذا لأن الألْف السابعة تعني الزوال. وقد رأيت أن أتخِذ الرقم (7) كوحدة رياضية وأن أربطها بجمل العبارات )المسجد الحرام، المسجد الأقصى، بنوا إسرءيل، بني إسرءيل، بني إسراءيل، إسرءيل، السبت(. مع مراعاة اختلاف القيمة كتابةً ولفظا، وملاحظة أن عدد السبوت في (13) سنة هو عدد السبوت في(7) سنوات حتى تكتمل (14) سنة وهكذا.....
القيمة العددية لعبارة: "بني إسرائيل" وفق حساب الجمل هي (365) وهذا هو عدد أيام السنة الشمسية. أما وفق الرسم العثماني فتنقص (ألفاً)

بني اسرئيل)، فتصبح القيمة العددية (364). أما عبارة (بنو إسرائيل) فقيمتها العددية (361) أي (19× 19)، وكذلك الأمر في الرسم العثماني لأن الألف التي حُذفت من كلمة (إسرئيل) أًضيفت إلى كلمة (بنوا). وعليه يكون المجموع أيضاً (361) أي (19×19).
أما القيمة العددية لعبارة: (المسجد الاقصا) وفق الرسم العثماني، فهي أيضاً (361) أي (19×19). مع ملاحظة أن المسجد الأقصى لم يذكر في القرآن الكريم إلا في سورة الإسراء التي تسمى سورة (بني إسرائيل). فأما القيمة العددية لكلمة (اسرءيل) وفق الرسم العثماني فهي (302). وأما القيمة العددية لكلمة (السبت) فهي (493). أما القيمة العددية لعبارة (المسجد الحرام) فهي (418 =19×22).
على ضوء ما تبين من ارتباط السبوت بالشتات والزوال من الأرض المباركة، وعلى ضوء حساب الجُمل، سنقوم باتخاذ السبوت وحدة رياضية، ففي كل (7) سنوات هناك سبت واحد، وكذلك هناك سبت واحد في ال (13) سنة، حتى تصبح (14) سنة فتكون سبتين.