|
عن بارما بارمــــــا..... والنفق المظلـــــم .....اكتسبت بارما، المدينة الإيطالية الصغيرة التي يقطنها 150 ألف نسمة، وتقع شمال إيطاليا في منطقة من أغنى المناطق، شهرتها في البداية من ابنها جوزيب فيردي، أحد أشهر وأهم الموسيقيين في التاريخ، كما أنها كانت أيضاً مقراً لمجموعة شركات »بارمالات« وهي من أهم الكيانات الاقتصادية في العالم أو كانت كذلك.. وارتبطت هذه المجموعة بسباقات سيارات الفورمولا ١ في السبعينيات والثمانينيات عن طريق بيرني ايكلستوني الذي كان يقود فريق برابام بارمالات ومع زميليه نيكي لودا ونيلسون بيكيت.
وفي نهاية الثمانينيات كان لبارمالات الفضل "بجانب عوامل أخرى" في الارتقاء بمستوى فريق بارما وأن يصبح منافساً شرساً يعمل له الجميع ألف حساب.
الخطوة الأولى نحو ارتقاء القمة جرت على يد مدرب كان مغموراً، لكنه أصبح بعد ذلك واحداً من أفضل مدربي العالم ومن قلة نادرة تجيد قراءة المباريات هو أريجو ساكي.. وكان بارما بالفعل رقماً صعباً في الكرة الإيطالية، فقد وصل مع هذا المدرب إلى نهائي كأس إيطاليا، حيث خسر أمام روما، لكن ساكي لفت إليه أنظار رئيسه وقتها بيرلسكوني الذي اختاره بحدسه، وكان اختياراً صائباً لأن ساكي أثبت بعدها أنه من أفضل المدربين في الفترة المعاصرة.
وفي حقبة الثمانينيات والتسعينيات كانت إمكانات بارما تؤهله للمنافسة على أكبر البطولات العالمية، ورغم أنه لم ينجح في الحصول على بطولة كبيرة إلا أنه وصل إلى المركز الثاني مرتين في أبطال الكؤوس الأوروبية وكأس السوبر عام 1993، كما فاز أيضاً بلقب الويفا عامي 1995 و1999.
وكانت هذه سنوات مجده، ولو قارناها بموقفه اليــوم فإننا سنشعر بالحزن عليه، فقد بدأت الضربات تنهال على هـذا النادي وتهتز مكانته بعد تفجر »فضيحـة بارمالات« التي هـزت الاقتصاد الإيطالي، وأثرت بعنف على الشركة الشهيرة ذات التمويل الأساسي لكرة القدم في النادي، وتشكل احتياطياً استراتيجياً لأية نفقات غير متوقعة للفريق الأول، ويستمد النجاح الرياضي في عـالم الاحتـراف الآن أسسه من التمويـل والاستثمارات، وبالطبـع فإن اهتزاز الوضـع المالي للشركة أثر بدوره على النادي، خاصة أن إيرادات تذاكر المباريات لا تمثل مصدراً كافياً للدخل، ففي ذروة تألق بارما لم يكن عدد المشاهدين يزيد على عشرين ألف مشاهد في المباراة، وهو عدد غير كافٍ لاستمرار الفريق بين أندية المقدمة.. وما زاد الأمور سوءاً أن الراعي الرسمي للفريق وهي إحدى شركات مجموعة بارمالات انسحبت بعد شهور قليلة من تفجر الفضيحة. وحاولت إدارة النادي الجديدة التكيف مع الظروف القاسية الطارئة، وكان أول قرار أن يصبح بارما نادياً متخصصاً في كرة القدم فقط حتى يكون قادراً على الاستمرار في النشاط الرياضي، ويا لها من مفارقة، فبعد السنوات الذهبية للنادي والميزانيات الضخمة أصبح التقشف شعاره وسياسته، واضطر إلى الاستغناء عن نجومه الذهبيين الذين صالوا وجالوا في الدوري الإيطالي وأوروبا، نجوم من العيار الثقيل أمثال بوفون وكانا فارو وأدريانو وجيلاردينيو وتورام وكريسبو وفيرون وموتو وإنزاجي وزولا وآخرين. واضطر النادي كذلك إلى الاستعانة بلاعبين صاعدين وآخرين متواضعي المستوى، ومن المؤكد أن مشجعي النادي لم يتقبلوا بسهولة التغييرات الجذرية التي مرت به وأثرت على مستواه.. ولم يستوعبوا هذه القفزة إلى الخلف بعد أن اعتادوا سنوات المجد ووجود اللاعبين النجوم الذين كانوا يسطرون أجمل قصة لكرة القدم.. ولم تقبل الجماهير هذه النهاية الحزينة، وهي ترى نجومها يرحلون واحداً بعد الآخر لتخطفهم الأندية المنافسة.. لأن مصائب قوم عند قوم فوائد وقد كان ترشيد الإنفاق الطريق الوحيد للاستمرار ، حتى يظل الفريق في دوري الدرجة الأولى على الأقل في هذه المرحلة.. خاصة بعد أن تلاشى حلم المنافسة وأصبحت الآمال معقودة على مجرد الاستمرار انتظاراً لتحسن الظروف.. وكان قرار الاستغناء عن اللاعبين أو إعارتهم بمثابة الدواء المر الذي ينبغي تجرعه لإنقاذ النادي.
وطبقاً للمعلومات المتوافرة فإن النادي مطالب في الموسم الحالي بتوفير ملايين الدولارات كمرتبات للاعبين والإداريين وغيرها من نفقات الفريق، وأصبح من الضروري تقليل حجم الإنفاق، وضمن سياسة الترشيد تم تصعيد ستة لاعبين من فرق 18 و21 سنة للعب في الفريق الأول لتعويض النجوم الذين رحلوا.. حيث يتقاضى كل واحد من هؤلاء الناشئين 350 ألف يورو، وهو مرتب منخفض نسبياً في إيطاليا، كما تم إلغاء الرحلات والمعسكرات الطويلة والسفريات المخصصة لاستقدام لاعبين جدد، كما اضطرت إدارة النادي إلى التعاقد مع فنادق متواضعة لإقامة الفريق أثناء المباريات.
ورغم هذه السياسة الجديدة إلا أن إدارة النادي تسعى إلى تجاوز الأزمة والبحث عن مصادر ثابتة ومجزية للتمويل، وفي سبيل ذلك لجأت إلى شركة متخصصة في إدارة الأزمات وإصلاح المؤسسات الاقتصادية الكبيرة المتعثرة مثل بارمالات.. وتم طرح أسهم النادي للبيع وتقدمت لها جهتان إحداهما »إيتالو سفيزيرو«، وعندما بدا أن الإتفاق النهائي على وشك التوقيع عدنا إلى نقطة البداية بسبب عدم تطابق شروط العقد مع القانون الإيطالي، وبعد عدة أسابيع دخل في المفاوضات رئيس نادي ريال مدريد الإسباني واشتعلت الإدارة والجماهير والمدينة كلها حماسة بسبب حرص رئيس نادٍ شهير على شراء النادي وانتشاله من عثرته خاصة أنه وعد بإعادة بارما إلى المنافسة على البطولات الدولية في أقصر وقت ممكن، وأكد أن النادي بدلاً من صراعه للنجاة من الهبوط سيعود ليشارك في دوري أبطال أوروبا .. وكل ذلك رفع الروح المعنوية للمشجعين، وجعل نطاق توقعاتهم يزيد، وللأسف فإن الاتفاق لم يتم أيضاً رغم أن رئيس الريال وضع 7.5 مليون يورو كضمان لجدية التعاقد.
ومن المؤكد أن مستقبل بارما لايزال في علم الغيب، وإن كانت الدلائل قد لا تبشر بعودته إلى مكانته السابقة، لكن نجاحه في الثبات على ترتيبه في جدول الدوري في نهاية البطولة سيساعده دون شك، فوجوده مع الأندية الكبيرة سيوفر له موارد جديدة ربما تنتشله من عثرته، أما هبوطه إلى الدرجة الثانية فإنه سيزيد الأمور تعقيداً وسيضاعف أزمة هذا النادي الكبير الذي كان منافساً ذات يوم، ولن يكون ذلك في صالح الكرة الإيطالية أيضاً. |